نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والاختيار نعم لو فرضنا توقف بقاء الصارف على فعل من الافعال الوجودية أحيانا بحيث لو لم يستغل به لاضمحل الصارف ويقع في الحرام يقينا لامكن أن يلتزم فيه بوجوب إيجاده مقدمة للواجب ولا ضير فيه إذ لا يلزم منه إنكار المباح رأسا إلا أن الصحيح هو عدم وجوبه شرعا لعدم كون وجوب الصارف المتوقف عليه شرعيا وإنما هو واجب عقلى لتوقف الامتثال الواجب عقلا عليه وذلك لان الاحكام الشرعية إنما تتعلق بالافعال الخارجية لا بالدواعى المتوقف عليها الامتثال الواجب عقلا فإذا لم يكن الصارف واجبا شرعا فلا يكون ما هو مقدمة وجوده واجبا شرعيا ليلزم منه انتفاء المباح بل إنما يجب الاتيان به عقلا لتوقف واجب عقلى عليه نظير لزوم الاتيان عقلا بتمام أطراف العلم الإجمالي بالتكليف الوجوبى لتوقف الامتثال الواجب عقلا عليه ومن الواضح أن كون شيء واجبا عقلا لا يلزم منه نفى المباح والحكم عليه بالوجوب شرعا.

وبالجملة أن ترك الحرام مستند إلى الصارف لا فعل المباح فالمباح باق على إباحته.

(في ثمرة النهي عن الضد)

الأمر العاشر : الثمرة قال في الكفاية ج ١ ص ٢١٢ تظهر الثمرة في أن نتيجة المسألة وهي أن النهى عن الضد بناء على الاقتضاء بضميمة أن النهى في العبادات يقتضى الفساد ينتج فساده إذا كان عبادة إلخ ، بما مر ان الأمر بالازالة إذا اقتضى البعث إلى ترك الصلاة فقد اقتضى الزجر عن فعلها ففعلها عصيان للامر بالازالة فلا يمكن التعبّد به ، وقال صاحب الكفاية ج ١ ص ٢١٢ وعن البهائي رضى الله عنه أنه أنكر الثمرة بدعوى أنه لا يحتاج في استنتاج الفساد إلى النهي عن الضد بل يكفي عدم الامر به لاحتياج العبادة إلى الأمر إلخ. وتوضيحه أنه

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

يقتضى عدم الأمر به لامتناع الأمر بالمتضادين في وقت واحد فإذا لم يكن الضد مأمورا به يقع فاسدا لان صحته موقوفة على الأمر به والمفروض عدمه وأجاب عنه في الكفاية بقوله وفيه انه يكفى مجرد الرجحان والمحبوبيّة للمولى فإنه يصح منه أن يتقرب به منه كما لا يخفى والضد بناء على عدم حرمته يكون كذلك أي له الملاك والمحبوبية فإن المزاحمة على هذا لا توجب إلا ارتفاع الأمر المتعلق به فعلا مع بقائه على ما هو عليه من ملاكه من المصلحة كما هو مذهب العدلية أو غيرها أي شيء كان كما هو مذهب الاشاعرة وعدم حدوث ما يوجب مبغوضيته أي وعدم خروجه عن قابلية التقرب به كما حدث بناء على الاقتضاء إلخ ، ويشير في هذا الكلام إلى الخلاف بين العدلية والاشاعرة فذهب الامامية والمعتزلة إلى أن الاحكام تابع المصالح والمفاسد لان الفعل بدون المصلحة والمفسدة يكون قبيحا والقبيح يستحيل عليه تعالى وقالت الاشاعرة بعدم تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد بل جوزوا الأمر والنهى بلا غرض فإن الأمر بالفعل للمصلحة والنهي للمفسدة من شأن الناقض المستكمل بذلك الغرض وهو تعالى كامل لا نقص فيه فالحسن ما أمر به المولى والقبيح ما نهى عنه المولى والجواب عنه أن النقص إنما يلزم إذا كان عائدا إليه تعالى وأما إذا كان عائدا إلى غيره فلا يوجب نقصا فيه تعالى والحق بالجواب المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٦٣. وأما على الثاني أي أن يكتفى في العبادية باشتمالها على ملاك الأمر فتصح مطلقا أما بناء على عدم القول باقتضاء الأمر بالشىء للنهى عن ضده فواضح وأما بناء على الاقتضاء فلان العبادة حينئذ وإن كانت منهيا عنها إلا أن هذا النهى غيري نشأ من مقدمية تركها أو ملازمته للمأمور به ولم ينشأ من مفسدة في متعلقه ليكون موجبا لاضمحلال ما فيه من الملاك الصالح للتقرب بما اشتمل عليه وبالجملة صحة العبادة وعدمها في فرض المزاحمة

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إنما تدوران مدار كفاية وجود الملاك في وقوع الفعل عبادة وعدم كفايته فيه سواء في ذلك القول باقتضاء الأمر بالشىء للنهى عن ضده والقول بعدمه إلى أن قال لما ستعرف في بحث النهى عن العبادة إنشاء الله تعالى من أن النهي المانع عن التقرب بالعبادة إنما هو النهي النفسى لا الغيري لان النهى الغيري لا ينشأ من مفسدة في متعلقه ليكشف عن عدم تمامية ملاك الأمر وبما أنك عرفت في مبحث التعبدي والتوصلى كفاية قصد الملاك في صحة العبادة وعدم اشتراطها بقصد الأمر إذ لم يدل دليل شرعي على اعتبار أزيد من قصد التقرب بالعمل في وقوعه عبادة ، وأما تطبيقه على قصد الأمر وغيره من الدواعي القربية فإنما هو بحكم العقل وقصد الملاك إن لم يكن أقوى في حصول التقرب بنظر العقل من قصد الأمر فلا أقل من كونه مثله تعرف أن الاقوى في محل الكلام صحة الفرد المزاحم ولو بنينا على كونه منهيا عنه بالنهى الغيري فضلا عما إذا لم يكن كذلك. وقال استادنا الآملي ونعم ما قال في المنتهى ص : ٢٧ ويمكن دفع الاشكال عن الثمرة بأن العمل المشتمل على مصلحة تعبدية إنما يصح التقرب به ويصلح له إذا لم يردع الشارع عنه ، وأما مع النهى عنه ولو غيريا فلا يكاد يصح التقرب به وإن لم يشتمل على مفسدة ذاتية خصوصا إذا قلنا بأن وجود الضد مقدمة لعدم ضده إذ عليه يكون فعل الضد مقدمة للمعصية فيكون مبغوضا لكونه شروعا في المعصية كما أشرنا إلى ذلك في استحقاق الثواب على مقدمة الواجب في بعض مباحثها فاتضح صحة الثمرة المذكورة بناء على كفاية اشتمال العمل على ملاك العبادة في صلوحه للتقرب به وإن لم يكن مأمورا به فعلا لما أشرنا إليه من أنه على الاقتضاء تكون العبادة منهيا عنها فلا يصح التقرب بها وإن اشتملت على ملاك التعبد بها للردع عنها شرعا وبناء على عدم الاقتضاء يصح التقرب بها وإن لم يكن مأمورا بها لكفاية الملاك العبادي

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في صحة التقرب بذيه إذا لم يردع عنه. وفي الاجود ج ١ ص ٢٦٢ وغيره أيضا وأورد المحقق الثانى على إنكار الثمرة في صورة مزاحمة الموسع بالمضيق ما قد أوضحه جماعة من المحققين ممن تأخر عنه بما حاصله أن الأمر بالشيء إذا كان مقتضيا للنهى عن ضده فلا محالة يكون الفرد المزاحم من الواجب الموسع منهيا عنه فيقيد به إطلاق الأمر به كما هو الحال في غير المقام من بقية موارد النهى عن العبادة واجتماع الأمر والنهي بناء على تقديم جانب النهى فلا محالة يقع فاسدا بناء على عدم كفاية الاشتمال على الملاك في الصحة ، وأما إذا بنينا على عدم الاقتضاء فغاية ما يقتضيه الأمر بالمضيق هو عدم الأمر بهذا الفرد المزاحم لعدم القدرة على الاتيان به شرعا وهو في حكم عدم القدرة عليه عقلا وذلك لا يقتضى الفساد بداهة إن الوجوب إنما يتعلق بصرف وجود الطبيعة لا بخصوصية أفرادها ليرجع التخيير بينها إلى التخيير الشرعي فملاك الامتثال إنما هو انطباق المأمور به على الفرد الخارجى لا كون الفرد بشخصه مأمورا به وح فبما أن الواجب الموسع له أفراد غير مزاحمة وصرف وجود الطبيعة مقدور للمكلف يصح تعلق الأمر به من المولى إذ لا مزاحمة بينه وبين الواجب المضيق وإنما المزاحمة بين المضيق والفرد المزاحم من الموسع وإذا كان صرف وجود الطبيعة مطلوبا للمولى وكان انطباقه على الفرد المزاحم قهريا فيتحقق به الامتثال قهرا ويكون مجزيا عقلا وبالجملة حال الفرد المزاحم حال غيره من الافراد فكما أن ملاك الامتثال فيها هو انطباق المأمور به عليها لا كون أنفسها مأمورا بها كذلك يكون الملاك في الفرد المزاحم هو الانطباق المذكور أيضا ، لا يخفى أنه قبل أن نذكر جواب المحقق الثانى نشير إلى جهة وهي إن القدرة شرط عقلى أم شرعي ، ذكر القائد الخميني في التهذيب ج ١ ص ٢٤٤ وعليه غيره من الاساتذة أيضا وعلى أي قال : إن الاحكام الشرعية غير مقيدة بالقدرة لا

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

شرعا ولا عقلا وإن كان حكم العقل بالاطاعة والعصيان في صورة القدرة ، توضيحه أن الاحكام الشرعية الكلية عارية بحكم الاطلاق عن التقييد بالقدرة فيشمل الجاهل والعاجز بإطلاقها وتوهم أن الارادة الاستعمالية وإن تعلقت بالمطلق إلا أن الجدية متعلقة بالمقيدة بالقدرة مدفوع بأن التقييد إما من جانب الشرع أو من ناحية العقل وكلاهما فاسدان. أما الاول فلانه لو كانت مقيدة بها من الشرع لزم القول بجريان البراءة عند الشك في القدرة وهم لا يلتزمون به بل قائلون بالاحتياط مع الشك فيها ولزم أيضا جواز احداث ما يعذر به اختيار أو لا أظن التزامهم به ومنه يعلم عدم كشف التقييد الشرعي عقلا على أن ذلك لا يجامع ما أجمعوا عليه من بطلان اختصاص الاحكام بالعالمين لان التفكيك بين العلم والقدرة غير واضح إذ لو كشف العقل عن التقييد بالقدرة شرعا فلا بد وأن يكشف عن التقييد بالعلم أيضا لان مناط التقييد واحد وهو قبح خطاب العاجز والجاهل. وأما الثانى أعنى تقييد العقل مستقلا فلان تصرف العقل بالتقييد في حكم الغير وإرادته مع كون المشرع غيره باطل إذ لا معنى أن يتصرف شخص في حكم غيره والحاصل أن تصرفه في الادلة لا يرجع إلى محصل بل تصرف العقل في إرادة المولى أو جعله لا معنى معقول له إذ التقييد والتصرف لا يمكن إلا للجاعل لا لغيره ، نعم يخص للعقل حكم مقام الاطاعة والعصيان وتشخيص أن مخالفة الحكم في أي مورد توجب استحقاق العقوبة وفي أي مورد لا توجبه وليس للعقل إلا الحكم بأن الجاهل والعاجز ونظيرهما معذورون في ترك الواجب أو إتيان الحرام من غير تصرف في الدليل فظهر أن ما يطلب من العقل لانقاذ الجهل والعجزة من لهيب النار يحصل بحكمه بأن هؤلاء معذورون في ترك الامتثال ولا حاجة معه إلى التقييد لو لم نقل أنه مجال والذي أوقعهم فيه هو توهم قبح الخطاب إلى هم غافلا عن أن الملاك في الاحكام الكلية غير الجزئية

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والشخصية. وعلى أي ذكرناه لاجل التذكر. وأورد عليه أولا استادنا الآملي في المنتهى ص ٨٢ قال أما في توجيه المحقق فلانه وإن سلمنا كون القدرة شرطا عقليا في جواز التكليف لا قيدا في المكلف به وسلمنا صحة الشرط المتأخر واخترنا أن المكلف به وهو طبيعى العمل لا فرده لكن العقل لا يجوز تعلق التكليف بالطبيعى إلا من الناحية التى يرى المكلف قادرا فيها عليه فإذا فرضنا أن المكلف قادر على الطبيعى من بعض نواحيه عاجز عنه من ناحية أخرى فالعقل لا يصحح التكليف بذلك الطبيعي باعتبار جميع نواحيه لان انبساط التكليف عليه كذلك لغو قبيح فلا محالة يكون المكلف به حصة منه وعليه لا يكون المأتي به حال المزاحمة فردا لتلك الحصة ليتحقق الامتثال به وأورد عليه ثانيا المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٦٣ وقال وفيه ان ما ذكره أي المحقق إنما يتم بناء على أن يكون منشأ اعتبار القدرة شرطا للتكليف هو قبح تكليف العاجز إذ عليه يمكن أن يقال الموسع بما أنه مقدور في الفرض المزبور ولو بالقدرة على فرد منه لا يكون التكليف به قبيحا وبما أن انطباقه على الفرد المزاحم قهري يكون أجزاؤه عقليا ، وأما إذا بنينا على أن اعتبار القدرة إنما هو الاقتضاء نفس التكليف ذلك لا لحكم العقل بقبح تكليف العاجز ضرورة أن الاستناد إلى أمر ذاتى سابق على الاستناد إلى أمر عرضى فلا يمكن تصحيح الفرد المزاحم بذلك أصلا. توضيح ذلك أن الآمر إنما يأمر بشيء ليحرك عضلات العبد نحو الفعل بالارادة والاختيار بجعل الداعى له إلى ترجيح أحد طرفي الممكن وهذا المعنى بنفسه يستلزم كون متعلقه مقدورا لامتناع جعل الداعى نحو الممتنع عقلا أو شرعا وعليه فالبعث لا يكون إلّا نحو المقدور فتخرج الافراد غير المقدورة عن حيز الطلب فالفرد المزاحم وإن كان من أفراد نفس الطبيعة إلا أنه ليس من أفرادها بما هي مأمور بها ومتعلقة للطلب ليكون

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

انطباق المأمور به عليه قهريا فيكون مجزيا وبالجملة انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد المزاحم يتوقف على عدم تقييدها بقيد القدرة ، وأما إذا كانت مقيدة بها لاقتضاء نفس الطلب ذلك امتنع انطباقها على ذلك الفرد ليتحقق به امتثال الأمر المتعلق بصرف وجودها فلو بنينا على اشتراط صحة العبادة بتعلق الأمر بها فلا بد من الالتزام بفساد الفرد المزاحم لخروجه عن حيز الطبيعة المأمور بها. أما للنهى وأما لتقيدها بالقدرة المانع من انطباقها على الفرد المزاحم نعم إذا بنينا على كفاية الاشتمال على الملاك في الصحة فلا بد من الالتزام بصحة الفرد المزاحم في الصورتين لما عرفت من أنه تام الملاك حتى بناء على كونه منهيا عنه أيضا. وأجاب عنه استادنا الآملي في المنتهى ص ٢٩ فهو أولا التزامه بصحة توجيه المحقق لو لا أخذ القدرة قيدا وشرطا في المأمور به مع أن التوجيه المزبور لا يتم على مختار صاحب الايراد حتى مع الغض عن أخذ القدرة قيدا في المأمور به لان توجيه المحقق لا يتم إلا على القول بأحد الأمرين. أما إمكان الشرط المتأخر ، وأما إمكان الواجب المعلق لان فعلية الأمر بالواجب الموسع في حال مزاحمة الواجب المضيق مع كون القدرة شرطا في فعلية التكليف ومع عدم القدرة في نظر الشارع على الموسع في حال مزاحمة المضيق لا تتأتى إلا إذا اكتفينا بالقدرة على الموسع في الزمان الثانى أعنى به حين ارتفاع المزاحمة بالمضيق فالاكتفاء بالقدرة المتأخرة في فعلية الأمر في الزمان الاول هو أحد فروع القول بالشرط المتأخر أو إذا قيل بأن الواجب الموسع وإن كان وجوبه حال المزاحمة فعليا إلا أن ظرف امتثاله والاتيان بمتعلقه هو الزمان الثانى اعنى به حين ارتفاع المزاحمة وهو تمسك بالواجب المعلق وصاحب الايراد لا يقول بكل منهما وثانيا ان ما ذكره وجها للفرق بين مختاره ومختار المحقق فليس بوجه يوجب الفرق في النتيجة وذلك لأنا لو سلمنا ان نفس

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التكليف يستلزم بطبعه كون المكلف به مقدورا لما كنا نسلم امكان اخذ ما يقتضيه الحكم قيدا في الموضوع لان الموضوع متقدم بالطبع على حكمه وهو متاخر عنه كذلك ولا يمكن اخذ ما ينشأ من المتأخر قيدا او جزءا في المتقدم وإلّا لزم تقدم المتأخر أو تأخر المتقدم بل يكون حال ما ينشأ من الحكم حال نفس الحكم بالنسبة إلى موضوعه فكما ان نفس الحكم لا يمكن ان يكون قيدا لموضوعه كذلك ما ينشأ منه وعليه يكون متعلق الحكم غير مقيد بالقدرة.

والموجود في المنتهى لاستاذنا الآملي هو بيانات المحقق العراقى على ما كان يصرح بذلك الاستاد وانما سواه بعنوان تقريرات نفسه لبعض الجهات لكثرة المقررين درس الاساتذة فتهاون امر المقررين ورتبتهم وعلى أي قد ذكر الوجه الاول بل الثانى من الجواب استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٢٦٣ لا يخفى انه بناء على اعتبار وجود الأمر في صحة العبادة والاغماض عما سيجىء من صحة تعلق الأمر بالضدين على نحو الترتب لا مناص عن القول بفساد العبادة الموسعة المزاحمة بالواجب المضيق بناء على ما اختاره شيخنا الاستاد من استحالة تعلق الطلب بأمر متأخر مقدور في ظرفه لانه على ذلك لا يعقل تعلق الطلب بغير المضيق لعدم كون فرد من افراده مقدورا بالفعل فلا يعقل طلب صرف وجود الطبيعة ح ليكون انطباقه على ما اتى به في الخارج فهى قهريا واجزائه عن الاتيان بالمأمور به ثانيا عقليا ولا يفرق في ذلك بين القول بأن منشأ اعتبار القدرة في متعلق التكليف هو حكم العقل بقبح خطاب العاجز والقول بأن منشأه هو اقتضاء نفس التكليف ذلك نعم اذا كان الواجب ذا افراد عرضية وكان بعض افراده مزاحما بواجب اهم لا جميعها او قلنا بصحة تعلق الوجوب بأمر متأخر في ظرفه كما هو المختار عندنا لصح الاتيان بالفرد المزاحم بداعى امتثال الأمر بالطبيعة المقدورة بالقدرة على فرد منها بناء على

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ان منشأ اعتبار القدرة هو الحكم العقلى المزبور لكن الفرض الأول خارج عما هو محل الكلام في المقام والثانى خلاف ما هو مختار شيخنا الاستاد فلا وجه لما في المتن من التفصيل وتسليم ما افاده المحقق الثانى على تقدير وانكاره على تقدير آخر. وقال في ص ٢٦٤ تحرك المكلف نحو الفعل وانبعاثه عن بحث المولى انما يتحقق في ظرف وصول التكليف إليه وحصول الداعى له إلى الامتثال من جهة حكم العقل بلزومه واما التكليف في نفسه فهو كما عرفت سابقا ليس إلا عبارة عن اعتبار كون الفعل على ذمة المكلف كما ان الانشاء على ما ذكرناه لا شأن له إلا انه ابراز لذلك الاعتبار القائم بالنفس فلا مقتضى لاختصاص متعلق الحكم بالحصة الارادية والاختيارية بل الفعل على اطلاقه متعلق الحكم سواء في ذلك المقدور وغيره نعم القدرة دخيله في حكم العقل بلزوم الامتثال ومن الواضح إن ذلك لا يقتضي اعتبارها في متعلق التكليف بوجه اصلا وقال في المحاضرات ج ١ ص ٦٣ وعليه فلا مقتضى للالتزام بأن متعلقه حصة من الطبيعة وهي الحصة المقدورة فإن المقتضى له ليس إلا توهم أن الغرض من التكليف حيث أنه جعل الداعي فجعل الداعي نحو الممتنع غير معقول أي لغو ولكنه غفلة عن الفارق بين جعل الداعى نحو الممتنع وجعل الداعى نحو الجامع بين المجتمع والممكن والذي لا يمكن جعل الداعى نحوه هو الاول دون الثانى ، فإن الداعى نحوه من الوضوح بمكان فالنتيجة يصح الاتيان بالفرد المزاحم بداعي الأمر بالطبيعة فالصحيح ما ذهب إليه المحقق النائيني من تحقق الثمرة إلخ. وفيه لا يجتمع ذلك مع كون الحكم على نحو القضايا الحقيقية وأنه يكون الحكم فعليا عند فعلية شرائطه فهل يكون له القدرة أو ليس له القدرة كيف يتحقق الحكم على الجامع بينهما وما يجعل في ذمة المكلف الحكم المقدور أو غير المقدور. بقى فيه تنبيهات :

٤٩

التنبيه الاول : في تخصيص الثمرة ببعض الصور أو تعميمه ذكر المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص / ٢٦٢ وأما ثمرة البحث فقد يقال إنها تظهر فيما إذا وقعت المزاحمة بين الواجب الموسع والمضيق وفيما إذا وقعت بين مضيقين أحدهما أهم من الآخر. وعليهما مشي إلى تمام البحث لكن يظهر من صاحب الفصول وغيره تعميم الثمرة ، قال في الفصول ص : ٩٦ فأعلم أن جماعة زعموا أن ثمرة النزاع في الضد الخاص تظهر فيما إذا دار الأمر بين واجب مضيق وعبادة موسعة فإنه لو أتى ح بالموسع عصى وصحت عبادته بناء على القول بعدم الاقتضاء وبطلت على القول بالاقتضاء نظرا إلى انتفاء الرجحان الذي به قوام العبادة إلى أن قال ثم إن جماعة قصروا الثمرة على الصورة المذكورة ونفوها في المضيقين لانهما إن تساويا فالتخيير وإلا تعين الأهم وامتنع الأمر بالآخر وهو ضعيف إذ ليس منشأ هذا الامتناع عند التحقيق إلا لزوم الأمر بالشيء وضده. وهذا بعينه وارد في الموسع أيضا كما سننبه عليه ووجه التفصي عنه في المقامين واحد كما سنذكره بل أقول ويظهر الثمرة في غير أوامر الشرع أيضا ممن ليس له أهلية الايجاب كأمر صاحب الدار لمن إذن له بمطلق التصرف فيها بأمر فعلى القول باقتضاء الأمر بالشىء النهى عن اضداده الخاصة يحرم عليه جميع التصرفات المضادة له ما عدا الخروج منها إذ ليس له المنع منه فيبطل لو كانت عبادة وكذا الحال بالنسبة إلى اللابس ثوب الأمر وشبهه. وأوضح من ذلك ما أشار إليه الشيخ الانصاري في التقريرات ص ١١٣ في تحرير محل النزاع بان إخراج الموسعين عن محل النزاع مما لا وجه له فإن الملازمة التى اثبتوها بين الأمر بالشىء والنهى عن ضده عقلية سارية في جميع الاوامر فكما أن الأمر المضيق يقتضي النهي عن ضده الموسع كذلك الامر الموسع يقتضي ذلك من غير فرق والحاكم بذلك هو العقل على القول

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاقتضاء غاية الأمران النهى في الموضعين يختلف حسب اختلاف الأمرين فالامر المضيق يقتضي النهي عن ضده على جهة التضييق والتعيين ، والامر الموسع يقتضيه على جهة التوسعة والتخيير فالاضداد الواقعة في وقت الازالة مثلا منهية على سبيل الضيق ويجب الاجتناب عنها فورا مضيقا معينا والاضداد الواقعة في وقت الصلاة منهية توسعة فيجب الاجتناب عنها في مقدار فعل الصلاة من أول الوقت إلى آخره وهكذا الكلام في المضيقين المتساويين في الاهمية فإن قاعدة الاقتضاء المزبور قاضية باقتضاء كل منهما النهى عن الآخر على سبيل التخيير العارض للامرين باعتبار التزاحم والتكافؤ وإن تردد في آخر كلامه فراجع. ويظهر من المحقق العراقى أيضا التعميم وذلك بحسب ما بين من الصور وأحكامها على ما سيأتى وإن لم يصرح بالتعميمين فالنتيجة إن الثمرة تعم ولا وجه للتخصيص أصلا.

التنبيه الثاني : تقدم في ثمرة البحث إن اشتمال الفعل على ملاك العبادة كاف في صحة التقرب به ووقوعه عبادة هذا في مرحلة الثبوت ، أما الكلام في مرحلة الاثبات وإن العمل مشتمل على ملاك العبادة أو غير مشتمل عليه ففى ذلك مسلكين المسلك الاول التمسك بإطلاق المادة والمسلك الثانى التمسك باطلاق الهيئة ونتيجتها واحدة أما الاول ذكر المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٦٥ فإن قلت تصحيح العبادة في حال المزاحمة بالملاك يتوقف على إحراز كونها واجدة له في هذا الحال وهو لا يجتمع مع القول باقتضاء نفس الطلب لاعتبار القدرة في متعلقه إذ عليه يكون اعتبار القدرة فيه شرعا والقدرة دخلية في ملاكه فيرتفع الملاك بارتفاع القدرة ، بيان ذلك أنا لو بنينا على أن اعتبار القدرة في متعلق الأمر إنما هو بحكم العقل لقبح تكليف العاجز فيمكن أن يقال ح إن إطلاق متعلقه شرعا يكشف عن كونه ذا ملاك مطلقا في حال القدرة وعدمها فإطلاق المتعلق يكون كاشفا عن تمامية الملاك في المتعلق مطلقا وإن كان تعلق

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

التكليف به مشروطا عقلا بكونه مقدورا. وأما إذا بنينا على أن نفس تعلق الطلب بشيء يقتضى اعتبار القدرة عليه فيكون تعلق الطلب به مقيدا لاطلاق متعلقه ومضيقا لدائرة فكأنه قيد المتعلق بحال القدرة لقطا فيكون هذا التقييد كاشفا عن اعتبار القدرة فيه شرعا ودخلها في الملاك واقعا نظيرا دلالة الدليل على تقييد وجوب الحج بالاستطاعة مطابقة ـ إلى أن قال ـ ولو سلم فيما نحن فيه عدم القطع بالتقييد شرعا الكاشف عن دخل القدرة في الملاك فلا محالة يحتمل ذلك بحيث لو كانت دخيلة في الملاك لصح للمتكلم أن يكتفى في بيانه بنفس إيقاع الطلب على ما تعلق به فيكون المقام من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح لكونه قرينة ومعه لا يمكن التمسك بالاطلاق ـ إلى أن قال ـ قلت : إذا كان متعلق الطلب مقيدا بالقدرة كما في آيتى الحج والوضوء فالتقييد يكشف عن دخل القدرة في الملاك واقعا بداهة أنه لا معنى لاخذ قيد في متعلق الطلب إثباتا إذا لم يكن دخيلا في الملاك ثبوتا ـ إلى أن قال ـ وأما إذا لم يكن متعلق الطلب مقيدا بالقدرة في مرتبة سابقة على تعلق الطلب به بل كان اعتبار القدرة فيه لتعلق الطلب به سواء كان التقييد ناشئا من حكم العقل بقبح خطاب العاجز أو من اقتضاء نفس تعلق الطلب به ذلك فمعروض الطلب في مرتبة سابقة على عروضه وهي مرتبة اقتضاء المتعلق لعروض الطلب عليه التى هي عبارة أخرى عن مرتبة وجدانه للملاك يكون مطلقا لا محالة والتقييد في مرتبة لا حقة وهي مرتبة عروض الطلب لا يعقل أن يكون تقييدا في مرتبة سابقة عليه وبالجملة المادة التى يعرض عليها الطلب وإن كانت مقيدة بالقدرة عليها حال عروضه إلا أن إطلاقها في مرتبة سابقة عليه يكشف عن عدم دخل القدرة في الملاك وعن كون ذات العمل الذي هو معروض الطلب واجدا للملاك التام وإلّا لكان على المولى تقييده في تلك المرتبة فمن الاطلاق في مقام الاثبات يستكشف عدم

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التقييد في مقام الثبوت فظهر أن اقتضاء الطلب لاعتبار القدرة في متعلق يستحيل أن يكون بيانا ومقيدا للاطلاق في مرتبة سابقة عليه فلا معنى لدعوى الاجمال وإن المقام من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح لكونه قرينة فضلا عن دعوى كونه بيانا ومقيدا لاطلاقها. فأجاب أولا عنه استادنا الآملي في المنتهى ص ٣١ قلت لا ريب في أن متعلق الخطاب وإن كان قبل تعلق الخطاب أمرا كليا إلا أنه بعد تعلق الخطاب به يكون حصة منه لان الخطاب ولوازمه توجب تخصصه حينما يتعلق به ولازم ذلك عدم إمكان أخذ الاطلاق في المتعلق وبعبارة أخرى أخذ الحكم وقيوده في المتعلق وإن كان مستحيلا إلا أن كل واحد من الحكم والمتعلق يتضيق من ناحية الآخر فالحكم بعد ما صار ضيقا من جهة دخل القدرة فيه يوجب التضييق في المتعلق غاية الأمر سقط الخطاب للعجز ولكن اتكال المتكلم في دخل القدرة في مصحلة المتعلق يكون باشتراط القدرة في الخطاب. وأجاب عنه ثانيا استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص : ٢٦٨ لا يخفى أن التمسك بإطلاق المتعلق لاحراز عدم اشتراط الملاك بالقدرة إن كان من جهة استكشاف مراد المتكلم من ظاهر كلامه فهو يتوقف على كون المولى في مقام بيان ما يقوم به ملاك طلبه ومن الواضح أنه ليس كذلك غالبا بل غاية ما هناك كون المولى في مقام بيان ما تعلق به طلبه فقط بل الغالب في الموال العرفية غفلتهم عن ذلك فضلا عن كونهم في مقام بيانه ، ثم إنه على تقدير كون المولى في مقام بيان ما يقوم به ملاك طلبه أيضا لا يمكن التمسك بإطلاق كلامه بعد حكم العقل باعتبار القدرة في متعلق الطلب أو اقتضاء نفس تعلق الطلب به ذلك واحتمال اعتماد المتكلم في التقييد على ذلك لان الكلام يحتف ح بما يحتمل كونه قرينة فلا ينعقد له ظهور في الاطلاق كما هو ظاهر. وأما إذا كان التمسك بالاطلاق لاجل كشف المعلول عن علته أي عدم

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التقييد المتعلق يلازم ثبوت الملاك على الاطلاق سواء كان المولى في مقام البيان من الجهة المشكوكة فيها أم لم يكن كما هو مختار شيخنا الاستاد فيرد عليه إن تعلق الطلب بشيء وإن كان يكشف عن وجود الملاك فيه بناء على تبعية الاحكام لما في متعلقاتها من الملاكات الواقعية كما هو الصحيح إلا أن غاية ما يقتضيه ذلك هو إحراز الملاك في خصوص الحصة الملازمة لتعلق الطلب بها دون غيرها ضرورة أن عدم الطلب غير المقدور كما يمكن أن يكون لاجل المانع يمكن أن يكون لعدم ما يقتضيه فلا موجب لاحراز الملاك فيه أصلا. مضافا إلى ذلك قال استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٢٦ إن القدرة سواء كانت مأخوذة في الخطاب أو لا يمكن أن يقال بعدم الفرق من حيث الدخل في الملاك وعدمه ، أما أولا فلانه على فرض ذكرها فيه يحتمل أن يكن إرشادا إلى ما حكم به العقل وهو عدم إمكان إتيان عمل من الاعمال إلا في ظرف القدرة فحيث فقدت لا يمكن إتيانه. وثانيا إنه لو لم يؤخذ في الخطاب أيضا يمكن أن تكون دخيلة في المصلحة ولكن اتكل المولى على ما يحتمل القرينية وهو حاف بالكلام لحكم العقل بأن القدرة شرط التكليف والنكتة الوحيدة لاخذ القدرة في الخطاب على فرض كونها كذلك هي حفظ الغرض فلو لم تؤخذ أيضا يكون على هذا الفرض يعنى احتمال الاتكال على القرينة محفوظا.

قال استادنا الآملي في المنتهى ص ٣٢ فالصحيح في مقام اثبات عموم الملاك وتحققه في حالتى القدرة والعجز هو التمسك بإطلاق الهيئة بيان ذلك هو أن للهيئة ثلاث دلالات أحدها دلالة الهيئة على فعلية البعث إلى المادة على الاطلاق ، ثانيها دلالتها على تعلق إرادة الأمر تشريعا بالمادة على الاطلاق أيضا ، ثالثها دلالتها على اتصاف المادة بالملاك على الاطلاق أيضا وحيث دل الدليل المنفصل وهو العقل على قبح تكليف العاجز سقط ظهور الهيئة عن الحجية

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والدلالتين الاوليين وبقيت الدلالة الثالثة من دون معارض يوجب سقوطها عن الحجية. وأورد عليه بوجهين :

الوجه الاول : ما نقله استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٢٨ هو أن الذي نكون في صدده هو القدرة التى دخيلة في امتثال التكليف ـ أي لا للوجوب والواجب ـ فإنها لو كانت شرطا للوجوب لازمه أن لا يكون الملاك في ظرف المزاحمة مثل مزاحمة الصلاة مع الازالة ولو كانت شرط الواجب أيضا وهو المتعلق كان المتعلق مقيدا بالقدرة من جهة البعث فلا محالة يوجب ذلك ضيق الوجوب ، فما الفرق بين كون القيد قيد الهيئة أو قيد المادة مع أن البعث يكون من شأن الهيئة لا المادة والتمسك يكون بإطلاق الهيئة دون المادة في صورة الاحتياج إلى الاطلاق. وفيه إن في المقام يكون القدرة شرط الواجب والبعث يكون بنحو الواجب المعلق لا المشروط فيكون مثل الموسم الذي علق عليه الحج فإنه تكون الهيئة مقيدة بالقدرة من حيث البعث ولكن القدرة تكون شرط الواجب فلا تكون دخيلة في المصلحة كما أن الموسم لا يكون دخيلا في مصلحة الحج وتكون مثل الطهارة أيضا بالنسبة إلى الصلاة فإن الصلاة لها مصلحة بدون الطهارة في ذاتها ولا تكون شرط الوجوب للصلاة حتى لا تجب بدونها نعم لا تصح بدونا في مقام الامتثال فالفرق بين كون القيد قيد الوجوب أو الواجب واضح.

الوجه الثاني : ما أفاده استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص : ٢٦٩ فجوابه أن الدلالة الالتزامية كما أنها تابعة للدلالة المطابقية وجودا تابعة لها حجية فاذا ارتفعت حجية الدلالة المطابقية ارتفعت حجية الدلالة الالتزامية أيضا وذلك لاجل أن الحكاية عن اللازم إنما كانت حجة ولو مع عدم التفات المتكلم إلى الملازمة وعدم قصده الحكاية عنه لان ثبوت الملزوم والتعبد به يقتضى التعبد

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بلازمه لبناء العقلاء على ذلك في باب الظهورات على ما يأتى تفصيل ذلك في محله إن شاء الله تعالى فإذا لم يثبت الملزوم لم يثبت لازمه أيضا فإذا قامت البينة مثلا على ملاقات الثوب للبول الدالة على نجاسة الثوب بالالتزام وعلم من الخارج عدم ملاقاته له مع احتمال كونه نجسا من جهة أخرى فهل يحكم بنجاسة الثوب ح أخذا بالدلالة الالتزامية مع فرض سقوط الدلالة المطابقية عن الحجية كلا.

وأجاب عنه استادنا الآملي في المنتهى ص : ٣٢ قلت سقوط الظهور عن الحجية بالدليل المنفصل لا يستدعى بطلان نفس الظهور فإذا كان ظهور دلالة المطابقة محفوظا وإن لم يكن حجة كان ظهور دلالة الالتزام محفوظا لتبعية ظهور دلالة الالتزام لنفس ظهور دلالة المطابقة وجودا وإذا سقط أحد الظهورين عن الحجية لدليل منفصل عارضه فلا موجب لسقوط الظهور الآخر عن الحجية وعليه تكون الدلالة الالتزامية في المقام حجة في مدلولها فتحصل مما تقدم أنه تترتب ثمرة عملية على النزاع في الاقتضاء وعدمه وهي صحة العبادة المأتى بها بداعى الملاك بناء على عدم الاقتضاء وبطلانها بناء على الاقتضاء وإنه يمكن استكشاف وجود الملاك في العمل العبادي حين المزاحمة بالاهم بإطلاق الهيئة وإن سقط ظهورهما في فعلية الطلب ح عن الحجية إلخ. وأما ما ذكره من المثال ففى غير محله فإن ملاقات الثوب للنجاسة موضوع الحكم بالنجاسة فإذا ارتفع الموضوع ارتفع الحكم فليس من الدلالة الالتزامية بشيء واحتمال تنجسه بشيء آخر موضوع آخر وتكون من الشبهة البدوية ومجرى البراءة. وإن أردت مثالا لذلك : إن الدار ادعاها ثلاثة زيد وعمرو وبكر وقامت بينة أنها لعمرو ودلالتها الالتزامية على أنها ليست لزيد ولا لبكر ، وقامت بينة أخرى أنها لبكر ودلالتها الالتزامية على أنها ليس لعمرو ولا زيد فتعارضتا البينتان بمفادهما

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتساقطا ولكن تبقى الدلالة الالتزامية على أنها ليس لزيد بحاله ، وأما فرض كون الدار تحت يد زيد كما في المحاضرات ج ٣ ص ٧٤ خارج عن محل الكلام لان اليد أمارة على الملكية وقرينة على عدم حجية المدلول الالتزامى فلا تشتبه عليك هذه الامثلة ويخرجك عما هو الحق في المقام كما أن تعارض الروايتين وتساقطهما ويبقى ظهورهما حجة بالنسبة إلى نفى الثالث أمر مسلم عندهم وهو الدلالة الالتزامية أيضا فالصحيح هو إمكان التمسك بإطلاق الهيئة وقال استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص : ٢٦٩ نعم بناء على ما اخترناه من عدم اعتبار القدرة إلا في مرحلة حكم العقل بوجوب الامتثال صح التمسك بالاطلاق لاثبات كون الفرد المزاحم لما هو أهم منه واجدا للملاك إذ المفروض أن متعلق الأمر هو نفس الطبيعة غير المقيدة بالقدرة الصادقة على الفرد المزاحم أيضا فكل فرد اتى به في الخارج فهو فرد للمأمور به وواجد لملاكه لا محالة إلخ ، وهذا قد تقدم المناقشة فيه وعدم ملائمته مع كون الاحكام على نحو القضايا الحقيقية عندهم لان التكليف فعلى عندهم عند وجود الشرائط خارجا ، مضافا إلى ما ذكره استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٢٥ ان الخطاب على الطبيعي ينحل ولا شبهة في عدم انحلاله على الفرد الذي له المزاحم فلا أمر له أصلا سواء كان من باب الشرط المتأخر والمعلق أم لا.

في الفرق بين التعارض والتزاحم

التنبيه الثالث : نقل المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٧٠ ثم إنه ربما يورد على ما ذكرناه من تصحيح العبادة بالملاك بأن الأمر بالصلاة مع الأمر بالازالة مثلا بعد امتناع اجتماعهما متعارضان فلا بد من الرجوع إلى المرجحات وبما أن المفروض أن المرجح في طرف الأمر بالازالة يسقط دليل وجوب

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة عن الحجية لا محالة إذ فرض اعمال دليل وجوب الازالة فرض اسقاط دليل وجوب الصلاة فلا يستكشف كون الصلاة ح مشتملة على الملاك حتى يمكن تصحيحها به ولا يخفى أن هذا الايراد إنما نشأ من تخيل أن المقام من باب المتعارضين وهو ناشئ من خلط باب التعارف بباب التزاحم غفلة عن أن الملاك في كل من البابين يخالف ما هو الملاك في الآخر كما أن القول بان الاصل عند الشك هو التعارض أو التزاحم ناشئ عن ذلك أيضا فإن الفرق بين البابين كبعد المشرقين فكيف يصح إمكان تصادقهما على مورد واحد ليكون أحدهما هو الاصل دون الآخر ، وأحسن ما قال استادنا الآملي في المنتهى ص ٣٣ قال : وفيه أن أريد بذلك سقوط أحد الخطابين عن الفعلية لامتناع فعلية كليهما معا فهو مسلم ولكن ذلك لا يستلزم كون المورد من موارد المعارضة بل يجوز أن يكون من موارد التزاحم لاشتراك الموردين في هذا الاثر وإن أريد أن سقوط أحد الخطابين عن الفعلية يستلزم كذب أحدهما فيكون من موارد المعارضة فهو غير مسلم لسقوط أحد الخطابين عن الفعلية في مورد التزاحم مع عدم استلزامه لكذبه في هذا المورد واتضاح هذه الجملة في المقام يتوقف على توضيح الفرق بين حقيقة التزاحم والتعارض وبيان أحكام كل منهما في الجملة وأما تفصيل ذلك فسيأتى إنشاء الله تعالى في محله ومع هذا فالتوضيح الذي لا بد منه في المقام يتوقف على تحرير الكلام من جهات. الأولى : إن حقيقة المعارضة هو تنافي الدليلين بنحو يكون كل منهما مكذبا للآخر في مدلوله فعلية واقتضاء سواء كان تنافيهما بالذات كما لو كان مدلول أحدهما مضاد المدلول الآخر مثل أن يكون مدلول أحدهما الأمر بشيء ومدلول الآخر النهى عن ذلك الشيء ، أم كان بالعرض كما لو علم بكذب أحدهما في نفسه واشتبه بالآخر غير الكاذب وفي كلا القسمين يكون المرجع هي مرجحات باب

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التعارض وأما التزاحم فهو التدافع بين موجودين مستقلين لا تسعهما قدرة المكلف أي على الجمع بين امتثال الخطابين. أما لكونهما متماثلين كانقاذ الغريقين وأما لكونهما متضادين كالازالة والصلاة أو التمانع بين ملاكين اتصف بهما موجود واحد يقتضي أحدهما التأثير في نفس المولى الحكيم بإرادته ويقتضى الآخر التأثير فيها بكراهته كالصلاة في المكان المغصوب فعلى هذا يكون التعارض بين الدليلين منحصرا في الدليلين الذين يدلان على حكمين متضادين لعنوان واحد كالخمر المحكوم بطهارته في بعض الاخبار وبنجاسته في بعض آخر أو الدليلين الذين علم من الخارج بكذب أحدهما ، وأما الدليلان اللذان يدلان على حكمين متضادين لعنوانين متلازمين في الوجود أو كان بينهما عموم وخصوص من وجه ، كالصلاة في المكان المغصوص فليسا بمتعارضين بل هما متزاحمان والسر في ذلك أن التعارض وإن دلت الادلة الشرعية على أحكامه إلا أنها لم تشرح حقيقته ولم يتبين معناه ليؤخذ به صدقا وتطبيقا على موارده.

وأما التزاحم فلم يتعرض لبيان حقيقته ولا لشيء من أحكامه شيء من الادلة الشرعية بل هو أمر عقلى موضوعا وحكما فيلزم الفحص عقلا عن حقيقته فإذا تشخصت عندنا علمنا أن ما سواها من الموارد التى يتدافع فيها الدليلان هو من موارد التعارض فنقول ملاك التزاحم الجامع بين جميع موارده هو تحقق ملاك كل من الحكمين في مورد التزاحم مع سقوط أحدهما عن الفعلية لاستحالة امتثالهما معا في مورد التزاحم سواء كان التزاحم بين متعلقى الحكمين كالصلاة والازالة أم كان بين ملاكيهما في التأثير كالصلاة في المكان المغصوب فكما يجري تحقق ملاك كل من الحكمين في كلا الأمرين المتزاحمين في الوجود بإطلاق دليليهما كذلك يمكن إحراز تحقق ملاك كل من الحكمين في

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر الواحد ذي العنوانين كالصلاة في المكان المغصوب بإطلاق دليليهما وكما يصح إحراز فعلية أحد الحكمين بإحراز اقوائية ملاكه أو بغيره من المرجحات في المتزاحمين في الوجود كإنقاذ الغريقين كذلك يصح إحراز فعلية أحد الحكمين بإحراز اقوائية ملاكه أو بغيره من المرجحات في تزاحم الملاكين في الأمر الواحد ذي العنوانين كالصلاة في المكان المغصوب فإذا شخصنا عقلا ملاك التزاحم كما ذكرنا اتضح لنا أن كل مورد يتدافع فيه الدليلان ويمتنع الاخذ بمدلوليهما معا فيه ولا يشتمل على ملاك التزاحم المزبور هو من موارد التعارض الكاشف عن كذب أحد الدليلين في الحكم وملاكه وهو منحصر في تعارض الدليلين الحاكمين بحكمين متضادين على أمر واحد بعنوان واحد وفي مورد العلم بكذب أحد الدليلين من الخارج وقد أشرنا لك تلويحا في غضون هذا التحقيق أن مناط التزاحم سواء كان في الوجود أم في الملاك هو تحقق إطلاق كل من دليلي الحكمين الكاشف عن تحقق الملاك ومناط التعارض هو عدم تحقق الاطلاق المزبور سواء كان التنافي والتدافع بين الدليلين في مورد التزاحم في الوجود أم في مورد التنافي في الحكم فتحصل من جميع ذلك أن الدليلين اللذين يدلان على حكمين متضادين إن كان متعلق حكميهما شيئا واحدا عنوانا ومعنونا كانا متعارضين لان كل حكم يكشف بدليل الإنّ عن وجود ملاك في متعلقه يستدعيه وعن مبادئه القائمة في نفس الحاكم به من الحب والبغض والارادة والكراهة وغيرها ويدل بدليل الالتزام على الزجر عن نقيض متعلقه إن كان ذلك الحكم إيجابا وعلى طلب نقيض متعلقه إن كان ذلك الحكم تحريما فيكون كل من الدليلين المتعارضين مكذبا بالدلالة الالتزامية للآخر في مفاده وملاكه ، وأما إذا كان متعلق كل من الحكمين المتضادين مغايرا لمتعلق الآخر عنوانا وإن كانا متلازمين في الوجود فضلا عما لو كانا

٦٠