نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاهم والذي يكون محالا هو ما كان وقوع الامرين في عرض واحد لا ما كان على نحو الترتب ـ فلو قيل بلزوم الامر في صحة العبادة ولم يكن في الملاك كفاية كانت العبادة مع ترك الاهم صحيحة لثبوت الامر بها في هذا الحال ـ اي حال ترك الاهم ـ كما اذا لم تكن هناك مضادة.

وقال استادنا الآملي في المنتهى ص ٦٥ اثبات الترتب بين الخطابين المتزاحمين هل يفتقر إلى دليل مستقل خاص به او يكفى في اثباته ووقوعه نفس اطلاق دليلي الخطابين المتزاحمين الحق هو الثاني اما على المختار فواضح اذ قد عرفت ان الجمع العرفي بين الخطابين المتزاحمين يقتضي ان يكون كل منهما ملحوظا بنحو القضية الحينية فيما اذا كانا متساويين أو يكون المهم منهما ملحوظا بنحو القضيّة الحينية فيما اذا كان احدهما اهم من الآخر وعليه يكون التكليف الترتبي مستفادا من نفس اطلاق الدليلين المتزاحمين باعتبار الجمع العرفي المذكور واما على رأي من يقول بسقوط كلا الخطابين المتساويين عند التزاحم واستكشاف العقل خطابا تخييريا متعلقا بكلا الواجبين على سبيل التخيير فكذلك يمكن القول بالترتب في الخطابين اللذين احدهما اهم من الآخر بان يقال ان العقل كما استكشف من وجود المصلحة الملزمة في كل من متعلقي الخطابين المتساويين خطابا تخييريا تحصيلا لاحدى المصلحتين الملزمتين حيث لا يمكن تحصيلهما معا ولا يسوغ اهمالهما معا كذلك يستكشف العقل في حال اطلاق خطاب الاهم تقييد اطلاق خطاب المهم بحال عصيان خطاب الاهم تحصيلا للمصلحة القائمة في المهم حيث تفوت المصلحة القائمة في الاهم بالعصيان. وقال المحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٣٠٩ اولا ان المطالبة بالدليل انما تحسن في باب تعارض الدليلين الحاكيين عن الواقع ومقام الثبوت فانك قد عرفت انه بناء على الطريقية كما هو

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

مقتضي التحقيق لا بد من الالتزام بالتساقط وحينئذ فمجرد احتمال المطلوبية لا يكفي في مشروعية العبادة وهذا بخلاف باب التزاحم كما في المقام فان القدر المتيقن في السقوط حينئذ في مقام الفعلية هو إطلاق وجوب المهم لا نفسه فلا حاجة في اثبات كونه مأمورا به في ظرف عصيان الامر بالاهم إلى ازيد من إطلاق دليله في مقام جعله وانشائه لحال عصيان الأمر بالاهم فانه على الفرض مقدور في هذا الحال ولا مانع من تعلق الامر به فيشمله إطلاق الدليل لا محالة وثانيا ان العقل بعد ما ثبت كون ملاك المهم في ظرف المزاحمة تاما من جهة عدم اخذ القدرة في لسان الدليل شرطا لخطابه كما اوضحناه سابقا ليستقل بكونه مأمورا به في حال عصيان الامر بالاهم اذ المفروض انه واجد للملاك التام ولا مانع من تعلق الخطاب به فيستكشف العقل بطريق اللم كونه مأمورا به لا محالة نعم اذا كانت القدرة مأخوذة في لسان الدليل شرطا لم يمكن استكشاف الملاك حال المزاحمة بل كان مقتضي القاعدة حينئذ هو سقوط خطابه رأسا فيفتقر الالتزام بالخطاب الترتبي حينئذ إلى خصوص دليل يدل عليه. والامر كما ذكره الموضع الرابع قال المحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٢٨٥ قد عرفت انه اذا وقع التزاحم بين الواجبين غير المشروطين بالقدرة شرعا فان كانا متساويين في الملاك تخير المكلف بينهما عقلا والاقدام الاهم على غيره. وقال في ص ٢٧٢ اما القسم الاول وهو ما كانت القدرة في احدهما شرطا شرعيا دون الآخر فيقدم فيه الواجب المشروط بالقدرة عقلا على الواجب المشروط بها شرعا لان ملاك الواجب الذي لا تكون القدرة شرطا لوجوبه شرعا تام لا قصور فيه ولا مانع من ايجابه بالفعل فيكون وجوبه فعليا لا محالة وموجبا لعجز المكلف عن الاتيان بالواجب الآخر ومانعا عن تحقق ملاكه المتوقف على القدرة عليه على الفرض وهذا بخلاف الواجب المشروط

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بالقدرة شرعا فان وجوبه يتوقف على تمامية ملاكه المتوقفة على عدم فعلية الواجب الآخر فلو استند عدم فعليته إلى فعلية الوجوب المشروط بالقدرة شرعا لزم الدور. وقال في ص ٣٠٩ انه قد اشرنا إلى ان الخطاب المترتب على عصيان خطاب الاهم يتوقف على كون متعلقه حال المزاحمة واجدا للملاك وقد بينا ان الكاشف عن ذلك هو إطلاق المتعلق فاذا كان المتعلق مقيدا بالقدرة شرعا سواء كان التقييد مستفادا من القرينة المتصلة ام من المنفصلة لم يبق للخطاب بالمهم محل اصلا. واجاب عنه استادنا الآملي في المنتهى ص ٦٥ والتحقيق ان يقال ان الخطاب بالمهم اذا لم يكن مقيدا بالقدرة فلا إشكال في صحة جريان الترتب فيه كما اشير إليه وان كان مقيدا بالقدرة فأما أن يقيد بالقدرة التامة أعني بها القدرة عليه سواء أتى بالاهم أم لم يأت به وأما ان يقيد بالقدرة في الجملة اعني بها القدرة عليه في حال ترك الاهم فان كان مقيدا بها تامة فلا مجال لجريان الترتب فيه لا لدخلها في ملاكه اذ لم يحرز كون التقييد بها شرعيا لاحتمال كونه ارشاديا لانه كثيرا ما ينشأ الأمر بالشيء عرفا مقيدا بالقدرة وكثرة الانشاء كذلك تمنع من ظهور هذا القيد في كونه تشريعيا ولكن مع هذا لا يكون له ظهور في كونه قيدا ارشاديا فلا يكون الخطاب ظاهرا في الإطلاق لكونه محفوظا بما يمكن ان يكون قرينة على التقييد ومع اجماله في التقييد والإطلاق لا يمكن احراز الملاك في الفرد المزاحم ليحكم بتناول الخطاب له بنحو الترتب وان كان مقيدا بالقدرة في الجملة فالقيد المزبور متحقق في حال ترك الاهم لفرض القدرة على المهم في هذا الحال فلا مانع من تناول الخطاب بنحو الترتب لهذا الفرد لاشتماله على ملاكه كما لا يخفى واما مع الشك في كون القيد هل اخذ بنحو الاول او بنحو الثاني فلا مانع من التمسك باطلاقه لكون القدرة في الجملة احد افراد القدرة المطلقة ومعه يمكن جريان الترتب

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكر المحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٣٠٩ ومنه ـ اي من الفرق بين المقيد بالقدرة الشرعية والعقلية ـ يظهر انه لا يمكن تصحيح الوضوء في موارد الامر بالتيمم بالملاك او بالخطاب الترتبي فان الامر بالوضوء مقيد شرعا بحال التمكن من استعمال الماء بقرينة تقييد وجوب التيمم بحال عدمه ففي حال عدم التمكن لا ملاك للوضوء كي يمكن القول بصحته اما من باب الاكتفاء بالاشتمال على الملاك في الحكم بالصحة واما من باب تجويز الخطاب الترتبي ولاجل ذلك لم يذهب العلامة المحقق الشيخ الانصاري ولا العلامة المحقق تلميذه استاد اساتيذنا (قدس‌سرهما) إلى الصحة في الفرض المزبور مع ان الاول منهما يرى كفاية الملاك في صحة العبادة والثاني يرى جواز الخطاب الترتبي واما ذهاب السيد المحقق الطباطبائي اليزدي قدس‌سره إلى الصحة في مفروض الكلام فهو ناشئ من الغفلة عن حقيقة الامر. واورد عليه استادنا الآملي في المنتهى ص ٦٦ وعليه ـ اي على ما تقدم منه ـ يتفرع صحة الوضوء فيما اذا وجب عليه التيمم وصرف الماء الموجود في الاهم منه في نظر الشارع ولو قلنا باخذ القدرة قيدا في وجوب الوضوء في لسان دليله لعدم دلالته على اكثر من كون القدرة في الجملة قيدا لوجوب الوضوء ولا ريب في تحقق هذه القدرة فيما اذا عصى وصرف الماء الموجود في الوضوء دون الاهم منه ومعه يصح الوضوء بنحو الترتب لوجود ملاك وجوبه فيه ح هذا مضافا إلى عدم صحة الدليل المستدل به على تقييد وجوب الوضوء بالقدرة لان عمدة ما استدل به هو ان تقييد وجوب التيمم بعدم القدرة على الماء المراد به عدم التمكن منه ولو لوجوب صرفه في الاهم من الوضوء يقتضي تقييد وجوب الوضوء بوجود القدرة بقرينة المقابلة لان التقسيم بأخذ القيود وجودا او عدما قاطع للشركة وذلك لان تقييد وجوب احد الامرين المتقابلين بعدم شيء بعينه لا يستلزم عقلا او عرفا تقييد وجوب

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الامر الآخر بوجود ذلك الشيء لجواز ان يكون عدمه دخيلا في تحقق ملاك وجوب ذلك الامر المقيد وجوبه بعدمه ولا يكون وجوده دخيلا في تحقق ملاك وجوب الامر الآخر بل يكون هذا الامر الآخر واجدا الملاك وجوبه وان لم يجب فعلا لاهمية ضده الموجبة لوجوبه فعلا كما هو الشأن في وجوب صرف الماء في حفظ النفس المحترمة والتيمم للصلاة فان وجوب صرف الماء في غير الوضوء صير المكلف غير متمكن من الماء للوضوء فوجب عليه التيمم لوجود شرطه اعني به عدم القدرة على الماء وعدم التمكن منه فيكون وجوب التيمم فعليا لتحقق شرطه ووجوب الوضوء غير فعلي لمزاحمة ما هو أهم منه له لا لعدم شرط وجوبه وقضيّة أن التقسيم قاطع للشركة وان كانت واضحة ولكن يكفي في قطع الشركة عدم كون التكليف بالوضوء في عرض التكليف بالتيمم بل في ظرف عصيان التيمم ولا احتياج إلى قطع شركة الخطابي طوليا فضلا عن قطع شركة الملالي. وقال استادنا الخوئي في المحاضرات ج ٣ ص ٩٧ لا بد من التفصيل بين المثالين المذكورين اما المثال الاول وما شاكله ـ اي ما اذا كان عند المكلف ماء ولكنه لا يكفي للوضوء ولرفع عطش نفسه او من هو مشرف على الهلاك معا ـ وما شاكله فلان المانع منه ليس إلّا توهم انه لا ملاك للوضوء او الغسل في هذه الموارد وعليه فلا يمكن تعلق الامر به ولو على نحو الترتب لاستحالة وجود الامر بلا ملاك ولكنه يندفع بان القول بجوار تعلق الامر بالضدين على نحو الترتب لا يتوقف على احراز الملاك في الواجب المهم اذ لا يمكن احرازه فيه إلّا بتعلق الامر به فلو توقف تعلق الامر به على احرازه لدار ولا يفرق في ذلك بين ان يكون الواجب المهم مشروطا بالقدرة عقلا وان يكون مشروطا بها شرعا وذلك لما تقدم من انه لا يمكن احراز الملاك الا من ناحية الامر فلو تم هذا التوهم لكان مقتضاه عدم جريان الترتب مطلقا حتى في

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الواجب المشروط بالقدرة عقلا اذن الصحيح هو عدم الفرق في صحة الترتب وامكانه بين ان يكون الواجب مشروطا بالقدرة عقلا او مشروطا بها شرعا والوجه في ذلك هو ان مبدأ امكان الترتب نقطة واحدة وهى ان تعلق الامر بالمهم على تقدير عصيان الامر بالاهم لا يقتضي طلب الجمع بين الضدين ليكون محالا بل يقتضي الجمع بين الطلبين في زمان واحد ولا مانع منه اصلا اذا كان المطلوب في احدهما مطلقا وفي الآخر مقيدا بعدم الاتيان به ـ إلى ان قال ـ واما المثال الثاني وما يشبهه وهو ما اذا دار الأمر بين صرف الماء في الوضوء او الغسل وصرفه في تطهير الثوب او البدن كما اذا كان بدنه او ثوبه نجسا ولم يكن عنده من الماء بمقدار يكفي لكلا الامرين من رفع الحدث والخبث معا فلا يجري فيه الترتب لكن لا من ناحية ما ذكره شيخنا الاستاد من ان التزاحم لا يجري فيما اذا كان احد الواجبين مشروطا بالقدرة شرعا والآخر مشروطا بها عقلا ـ لما تقدم من ان ما افاده غير تام بل من جهة ان هذا وغيره من الامثلة غير داخل في كبرى التزاحم ولا يجري عليه شيء من احكامه ـ وملخصه ان التزاحم انما يجري بين واجبين نفسيين كالصلاة والازالة مثلا او ما شاكلهما واما بين اجزاء واجب واحد فلا يعقل فيه التزاحم لان الجميع واجب بوجوب واحد وذلك الوجوب الواحد يسقط بتعذر واحد من تلك الاجزاء لا محالة فاذا تعذر احد جزئيه يسقط الوجوب عن الكل بمقتضى القاعدة الاولية اذن ثبوت الوجوب للباقي يحتاج إلى دليل وقد دل الدليل في باب الصلاة على عدم السقوط ووجوب الاتيان بالباقي وعندئذ يعلم اجمالا بجعل احد هذين الجزين او الشرطين في الواقع اذن يقع التعارض بين دليلي الجزءين او الشرطين اذ لم يعلم ان ايهما مجعول في الواقع فلا مجال لتوهم جريان احكام التزاحم ح اصلا ثم انه لا يخفى ان ما نسب شيخنا الاستاد قدس‌سره إلى السيد العلامة

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الطباطبائي في العروة من انه قد حكم بصحة الوضوء في هذا الفرع لا واقع له فإن السيد قد حكم ببطلان الوضوء في هذا الفرع حيث قال والاولى ان يرفع الخبث اولا ثم يتيمم ليتحقق كونه فاقدا للماء حال التيمم وإذا توضأ او أغتسل والحال هذا بطل لانه مأمور بالتيمم ولا أمر بالوضوء أو الغسل وقد تلخص أنه لا يمكن تصحيح الوضوء أو الغسل من ناحية الامر الضمني في المثال لعدم جريان قاعدة الترتب بالاضافة إليه ولا من ناحية الملاك لعدم امكان احرازه نعم يمكن تصحيحه بوجه آخر وهو ان الوضوء او الغسل بما انه عبادة في نفسها ومتعلق لامر نفسي استحبابي سواء أكان مقدمة لواجب كالصلاة او نحوها ام لم يكن ولذلك قلنا انه يعتبر في صحته قصد القربة وعلى ذلك فلا مانع من الالتزام بتعلق امره الاستحبابي به من جهة الترتب وسيجىء انه لا فرق في جريان الترتب على القول بامكانه بين الامر الوجوبي والاستحبابي. ولكن يكون في كلامه مواقع من النظر منها تقدم أن الدلالة الالتزامية على الملاك لا ترتفع عند زوال الدلالة المطابقية ومنها تقدم ان انه لا يلزم ان يكون وجوب المهم مشروطا بعصيان الاهم ومنها ما ذكر في محلة ان الدليل على وجوب الباقي قاعدة الميسور ومنها ان المقام وهو الوضوء ليس من اجزاء بل الشرائط وهو مستقل ولعله لذا قال او الشرط ومنها ان ما ذكره من كونه من باب التعارض ففيه ان كل منهما مجعول عند موضوعه في حد نفسه جزما ومقتضي القاعدة والعمومات هو وجوب الوضوء ما لم يقم دليل حاكم عليه ويكون من باب التزاحم لوجود الملاك فيهما ومنها اي فرق بين الامر الغيري والامر الاستحبابي بعدم الترتب في الاول دون الثاني مع استقلال كل منهما في الحكم فلا وجه لرفع اليد عن اصل التكليف بل مقتضى الجمع العرفي هو رفع اليد عن اطلاق المهم فان به يرتفع التنافي كما لا يخفى الموضع الخامس نقل

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المحقق النّائينيّ في الأجود ج ١ ص ٣١٠ انه ذهب كاشف الغطاء قدس‌سره إلى ان صحة الجهر في موضع الاخفات جهلا وبالعكس كذلك انما هي من باب الخطاب الترتبي وبه دفع الاشكال المعروف من ان صحة العبادة الماتي بها جهرا او إخفاتا كيف يجتمع مع استحقاق العقاب على ترك الآخر ونحن وان دفعنا الاشكال في محله بما لا مزيد عليه إلّا ان الغرض من التعرض له في المقام هو بيان ان الالتزام بالخطاب الترتبي في امثاله غير سديد من وجوه الاول أن محل الكلام في بحث الترتب كما عرفت سابقا هو ما اذا كان التضاد بين المتعلقين اتفاقيا لما عرفت سابقا من أن التضاد بين المتعلقين انما يوجب التزاحم بين الخطابين فيما اذا كان حاصلا من باب الاتفاق واما اذا كان دائميا كمثال الجهر والاخفات كان دليل وجوب كل منهما معارضا لدليل وجوب الآخر فيخرجان بذلك عن موضوع بحث الترتب لا محالة الخ واورد عليه استادنا الآملي في المنتهى ص ٦٧ ما عرفت سابقا من ان دوام التضاد بين متعلقي الخطابين لا يستلزم كونهما من قبيل المتعارضين بل يجوز كونهما من قبيل المتزاحمين المشتمل كل منهما على ملاك حكمه ودوام التضاد لا يوجب كون احد الخطابين لغو او الالزام ذلك في صورة التضاد الاتفاقي ودخول مورده في باب التعارض مع انه قدس‌سره لا يلتزم بذلك فما يصحح به التزاحم في الخطاب في صورة التضاد الاتفاقي يمكن ان يصحح به التزاحم فيه في صورة التضاد الدائمي ايضا مثلا في صورة التضاد الاتفاقي كما يحكم بالتخيير بين الخطابين اذا كانا متساويين وبالترتب بينهما اذا كان احدهما اهم من الآخر فكذا في صورة التضاد الدائمي جاز ان يحكم بالتخيير بينهما اذا كانا متساويين وبالترتب اذا كان احدهما اهم من الآخر ومن هنا يتضح لك ان جعل الخطابين حيث يكون متعلقاهما دائمي التضاد لا يستلزم كون احدهما لغوا ثم انه كما يجوز القول بالترتب في

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الخطابين المتضادين دائما بالجمع العرفي المصحح له فيهما مع الاتفاق كذا يجوز القول به فيما اذا ورد دليل على صحة امتثال الخطاب بضد متعلقه كما في الجهر موضع الاخفات وبالعكس جهلا فيجوز أن تكون صحة ذلك لتعلق الخطاب بالجهر مترتبا على ترك الاخفات وبالعكس وقد كشف عن ذلك الخطاب الترتبي نفس الدليل الذي دل على صحة الجهر في موضع الاخفات وبالعكس. وبذلك ايضا ذكر استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٣١٠ لا يخفى انه اذا صح الامر بالضدين على نحو الترتب فلا يفرق فيها بين صورتي كون التضاد دائميا وكونه اتفاقيا لان المقتضي للأمر بهما وهو اشتمال كل منهما على الملاك الملزم موجود في كلتا الصورتين والمفروض انه لا مانع من فعليتهما ايضا. ولكن اورد عليه استادنا البجنوردي في المنتهى ج ١ ص ٣٥٥ بقوله قلنا بعد ما علمنا ان ما هو المجعول صلاة واحدة في كل يوم وتلك الصلاة اما جهرية واما اخفاتية وليس المجعول كليهما في صلاة واحدة في يوم واحد فالدليلان على فرض وجودهما يكونان متعارضين نعم لو علمنا بجعل ترتبي بان يصرح بانه اجهر في صلاتك وأن لم تجهر فأخفت مثلا يمكن مثل هذا الجعل في حل نفسه لو لا الموانع الأخر. لكن فيه انه كيف يصح الجهر موضع الاخفات وبالعكس جهلا وليس ذلك الا كون التكليف متوجها إلى كل طرف بنحو الحينية اي حين عدم الاتيان بالآخر مضافا إلى ان في سائر موارد الترتب كالصلاة والازالة هل لنا دليل على التصريح بانه ان لم تزل النجاسة عن المسجد فصل وليس ذلك إلّا بحكم العقل والجمع العرفي كما تقدم واما كونه من باب التزاحم لوجود الملاك الفعلي فيهما ولو أن أحدهما مقيد بترك الآخر جهلا مع انه بمجرد ورود الدليل ينقلب التعارض إلى التزاحم لا وجه لما ذكر المحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٣١١ الثاني ان مورد الخطاب الترتبي هو ما

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اذا كان خطاب المهم مترتبا على عصيان الامر بالاهم وهذا لا يكون إلّا فيما اذا لم يكن المهم ضروري الوجود عند عصيان الامر بالاهم كما هو الحال في الضدين اللذين لهما ثالث واما الضدان اللذان لا ثالث لهما ففرض عصيان الامر باحدهما هو فرض وجود الآخر لا محالة فيكون البعث نحوه طلبا للحاصل وبالجملة لو كان وجود الشيء على تقدير وجود موضوع الخطاب وشرطه ضروريا لامتنع طلبه لانه قبل وجود موضوعه يستحيل كونه فعليا وبعد وجوده يكون طلبا للحاصل فتحصل ان كل ما فرض وجوده في الخارج يستحيل طلبه في ظرف فرض وجوده سواء كان فرض وجوده مدلولا مطابقيا للكلام كما اذا امر بترك الشيء على تقدير عصيان الامر المتعلق به ام كان مدلولا التزاميا له كما في ما نحن فيه فان ترك احد الضدين خارجا ملازم لوجود الآخر لفرض عدم الثالث فيكون الامر باحدهما على تقدير ترك الآخر امرا بما هو مفروض الوجود وهو مستحيل. واجاب عنه استادنا الآملي في المنتهى ص ٦٨ ان الكبرى المزبورة وان كانت صحيحة إلّا ان كون الجهر والاخفات من صغرياتها ممنوع اذ يمكن للمكلف ترك كل منهما بترك القراءة واذا جاز على المكلف ترك الاخفات حين ترك الجهر وبالعكس بترك القراءة نفسها صح الخطاب بكل منهما على تقدير ترك الآخر بنحو الترتب. وبمثل ذلك اجاب استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٣١١ فراجع لكن اورد عليه استادنا البجنوردي في المنتهى ج ١ ص ٣٥٥ بقوله فهو خلاف الفرض لان وجوب القراءة في الصلاة معلوم وليس مشروطا بشرط وانما الكلام في الجهر بها والاخفات كذلك وبعبارة اخرى القراءة المفروضة الوجود لقوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب تعلق الامر بالجهر او الاخفات فيها ومعلوما نعدم احد الضدين الذين لا ثالث لهما في القراءة ملازم لوجود الآخر او عنه كما ذكرنا الخ وفيه ايضا دعوى بلا دليل فان الثالث يلاحظ

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بالنسبة إلى المكلف وهو كما يقدر على تركهما معا بأن لا يقرأ او قرأ ولم يكن بداعي القربة فهنا ايضا يكون الثالث متصورا وقال المحقق النائيني في الاجود ص ٣١١ الثالث ان الخطاب المترتب على عصيان خطاب آخر انما يكون فعليا عند تنجز الخطاب المترتب عليه وعصيانه وبما ان المفروض فيما نحن فيه توقف صحة العبادة الجهرية مثلا على الجهل بوجوب الاخفات لا يتحقق هناك عصيان للتكليف بالاخفات ليتحقق موضوع الخطاب بالجهر لان التكليف الواقعي لا ينتجز مع الجهل به وبدونه لا يتحقق العصيان الذي فرض اشتراط وجوب الجهر به أيضا ـ سيجيء في محله إن شاء الله تعالى ان الخطاب الواقعي لا يكون منجر او قابلا للدعوة في ظرف الجهل سواء كان الجهل ناشئا في تقصير ام من قصور بل استحقاق العقاب انما هو على مخالفة وجوب التعلم او الاحتياط المستلزمة لمخالفة الواقع ـ فاستحقاق العقاب على تقدير تحقق مخالفة الحكم الواقعي لا يصحح احراز العصيان بالفعل ما لم يصل التكليف الواقعي بنفسه بالوجدان او بطريق معتبر من امارة او اصل محرز وما لم يحرز العصيان لا وجدانا ولا تعبدا لا يكون الحكم المترتب عليه منجزا ـ توضيح ذلك ان فعلية الخطاب المترتب تتوقف على كون الخطاب المترتب عليه فعليا منجرا وكون المكلف عاصى له وعالما بعصيانه فالموارد التي تجري فيها البراءة عن التكليف المجهول تنتفي فيها الجهات الثلاث التي تدور عليها صحة الخطاب الترتبي إذ مع جريان البراءة لا يتنجز التكليف الواقعي فلا يتحقق العصيان فضلا عن تعلق علم المكلف به فلا يصح الخطاب بنحو الترتب في تلك الموارد كما ان التكليف الواقعي اذا كان واصلا بطريقة كما في موارد الشبهة قبل الفحص والموارد المهمة التي يجب الاحتياط فيها امتنع جعل خطاب مترتب على عصيانه فان التكليف الواقعي في تلك الموارد وان كان متحققا ومتنجزا إلّا

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

انه لا يجري في صحة الخطاب بنحو الترتب لانتفاء الجهتين الاخيرتين اعني بهما تحقق العصيان والعلم به وذلك لما عرفت من ان العصيان حقيقة انما هو بالنسبة إلى الخطاب الطريقي الواصل عند المصادفة دون الخطاب الواقعي المجهول وكما ان التكليف اذا كان معلوما وواصلا بالعلم الإجمالي ففعليته وعصيانه وان كانا متحققين واقعا على تقدير تحقق المخالفة الاحتمالية ومصادفة الاحتمال للواقع إلّا انه مع ذلك لا يمكن جعل خطاب مترتب على عصيان الواقع لان الجهة الاخيرة المعتبرة في صحة الخطاب الترتبي اعني بها العلم بتحقق العصيان الموجب لوصول الخطاب المترتب وتنجزه على المكلف منتفية في هذا الفرض وعلى ذلك يتفرع ما سيجيء في محله من استحالة اخذ نسيان شيء موضوعا لخطاب فإن المكلف ان التفت إلى نسيانه خرج عن موضوع الناسي وان لم يلتفت إليه لم يحرز التكليف المترتب عليه فلا يمكن جعل مثل هذا الحكم الذي يستحيل وصوله إلى المكلف ابدا إلى آخر كلامه واورد عليه استادنا الآملي بوجوه في المنتهى ص ٦٩ قال وفيه اولا ان الباعث على القول بالترتب هو التخلص من قبح التكليف بالضدين في وقت واحد لاستحالة اجتماعيهما فيما اذا كان التكليف بكل منهما في ذلك الوقت في عرض التكليف بالآخر والتخلص من قبح التكليف كذلك يحصل بمجرد تعليق الخطاب بالمهم على ترك الاهم سواء كان عصيانا ام جهلا ام نسيانا أم السبب آخر وثانيا انه لو سلمنا ان موضوع الخطاب الترتبي هو عصيان خطاب الاهم ولكنه ليس موجبا لانتفاء موضوع الترتب في مقام لفرض ان جهر المكلف فيما يلزمه الاخفات فيه كان تقصير او ترك امتثال التكليف المجهول للتقصير في تحصيل العلم به يوجب استحقاق العقاب عليه لتنجزه بوجوب الاحتياط على المكلف قبل الفحص عنه فيكون ترك امتثاله قبل الفحص عصيانا له لجعل الاحتياط

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

طريقا للوصول إليه كترك امتثال التكليف المجهول الذي أدّت الامارة المعتبرة إليه وبهذا يتضح لك ان ما ذكره من كون استحقاق العقاب على مخالفة التكليف المجهول انما هو لعصيان الامر الطريقي بالاحتياط لا لعصيان الامر النفسي الواقعي غير وجيه وايضا بهذا قد اتضح لك ان قياس فرض الترتب في مسألة الجهر والاخفات على فرض تعليق الخطاب بباقي الاجزاء على نسيان بعضها قياس مع الفارق لتحقق عصيان الخطاب بالاخفات في حال الجهل به تقصيرا اذ لا يكون المكلف مقصرا إلّا اذا احتمل كونه مكلفا بضد ما يأتي واما اذا كان غافلا عن ذلك فهو قاصر كالناسي وخارج عن حيز الكلام في هذا المقام وعليه يكون الجاهل بوجوب الاخفات مثلا عن تقصير عالما بوجوب الجهر عليه ح ١ ما لوجوبه ابتداء او لوجوبه ترتبا مع احراز موضوعه وهو عصيان وجوب الإخفات واين هذا من تعليق الخطاب بباقي الأجزاء على نسيان بعضها الذي يزول بمجرد الالتفات إليه ولو بنحو الاحتمال هذا مضافا إلى ان ما أفاده قدس‌سره في الناسي من عدم امكان تكليفه تام تام لو كان النسيان والذكر موجبين لتغيير موضوع الحكم وإلّا فلو بنينا على ان الموضوع بالنسبة إلى جميع المكلفين هي الطبيعة الجامعة بينهما وان الاختلاف في الأصناف انما هو للاختلاف في المصداق فلا احتياج حينئذ إلى تحليل الداعي للجميع بل الداعي للجميع هو الامر بالطبيعة غاية الامر انه لا يصدر من كل طائفة الا مصداق خاص فالكل يأتي بالمأمور به بداعي الامر بالطبيعة حتى الناسي من دون احتياج إلى الالتفات إلى كونه ناسيا ثم انه على فرض كون النسيان موجبا لتغيير موضوع الحكم سيجىء في محله امكان تكليف الناسي بأمر ملازم لنسيانه لا بوصف نسيانه ولو بنحو القضية الحقيقة الخ كصاحب القباء الاصفر ونحوه وبالجواب الاول اجاب استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٣١١ فالشرط في الحقيقة هو

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

نفس الترك لا عنوان العصيان وعلى ذلك فلا مانع من الالتزام بالترتب في محل الكلام. وقد ناقش في الوجه الاول استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٥٧ بأن يقال بأن هذا لا يكون حسما لمادة الاشكال لان التارك بعنوان انه تارك ايضا لا يمكن ان يصير مخاطبا لانه بهذا العنوان ايضا يلتفت إلى تكليفه الآملي ـ إلى ان قال في الاشكال على الوجه الثاني ـ وفيه ان المقام اما ان يقال يكون مخصوصا بالجاهل المركب وهو من لا يلتفت إلى جهله ولا يحتمل وجوب شيء آخر عليه او يكون في الاعم منه ومن الجاهل البسيط وعلى اي تقدير لا يكون اصلاح المطلب بهذا النحو فالصحيح في الجواب ان يقال ان الخطاب لنفس الامري في الجاهل القاصر لا يكون العقاب على تركه والمولى يصل إلى غرضه وهو ان الجاهل يكون تكليفه الاخفات في موضع الجهر وبالعكس وفي المقصّر وان كان العقاب ولكن يكون على ترك التعلم لا على الواقع وتكليفه في ظرفه هو الجهر في موضوع الاخفات وبالعكس والخطاب يتوجه بطبيعي الانسان والخصوصيات الفردية خارجة عنه فإن الناسي والجاهل كلاهما انسان ويتوجه الخطاب اليهما بهذا العنوان لا بعنوان النسيان ولا الجهل بل بعنوان الانسان فالخطاب كان متوجها إليه بهذا النحو ووصول المولى بغرضه يكون من هذا السبيل ولا يأتي اشكال حصول الالتفات لو كان الخطاب بعنوان الناسي والجاهل اصلا فتحصل انه لا اشكال في الجهر والاخفات من جهة اصلاحه بالترتب. ونعم ما أفاد.

الموضع السادس ذهب الاساتذة كالآملي والخوئي إلى عدم الفرق في جواز الترتب ووقوعه بين ان يكون الواجبان آنيين حصولا كانقاذ الغريقين ام كانا متدرجين صدورا كإزالة النجاسة عن المسجد واداء فريضة الوقت في آخره وذلك تبعا للمحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٣١٥ قال اذا كان الواجبان

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المتزاحمان آنيين غير تدريجيين فلا يتوقف القول بالترتب فيه على الالتزام بالشرط المتأخر أو الوجوب المعلق لما عرفت من ان زمان خطاب الاهم وزمان عصيانه وزمان امتثال خطاب المهم شيء واحد وأما اذا كان الواجبان تدريجيين كما في مزاحمة وجوب الازالة لوجوب الصلاة فربما يقال فيه ان الالتزام بالخطاب الترتبي عند مزاحمتهما يستلزم الالتزام بالشرط المتأخر او الوجوب المعلق لأن عصيان خطاب الازالة في المثال حال الشروع في الصلاة لا يصحح الخطاب بها لانه مشروط ببقاء العصيان إلى الجزء الاخير منها وبانتفائه عند كل جزء يرتفع الامر بالصلاة قطعا وبما انه يستحيل تأخر الشرط كما عرفت لا مناص في القول بالترتب فيه عن الالتزام بكون عنوان التعقب شرطا وقد بينا سابقا ان الالتزام بذلك يتوقف على دلالة دليل بالخصوص عليه وإلّا فهو على خلاف القاعدة وعلى ذلك فالخطاب الترتبي بما انه لم يدل عليه دليل بالخصوص كان القول به في الواجبين التدريجيين المستلزم للالتزام بكون التعقب بالعصيان شرطا لخطاب المهم على خلاف القاعدة فينحصر الالتزام بالخطاب الترتبي بالخطابات التي لا تكون متعلقاتها من الامور التدريجية وبذلك تكون المسألة قليلة الجدوى جدا والجواب عن ذلك يظهر مما بينا في بعض المباحث السابقة من ان القدرة التي هي شرط لكل خطاب لا بد من ان تكون شرطيتها في الأمور التدريجية على نحو الشرط المتأخر بمعنى الاشتراط بعنوان التعقب مثلا شرط وجوب الصلاة انما هي القدرة على التكبيرة المتعقبة بالقدرة على بقية الاجزاء التي بعدها بداهة ان القدرة على الجزء الاول في كل مركب تدريجي لا تصحح التكليف بالمجموع قطعا فالعقل قد دل على شرطية عنوان التعقب في جميع الافعال التدريجية التي وقعت في حيز التكليف وعليه فنقول انما التزمنا بكون خطاب المهم مشروطا

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعصيان خطاب الاهم لعدم كون متعلقه مقدورا الا في هذا الفرض فاشتراط بعصيان خطاب الاهم انما هو لاجل اشتراط الخطاب بالقدرة وإلّا فليس هناك دليل بالخصوص على اشتراط خطاب بعصيان خطاب آخر فإذا رجع الامر إلى شرطية القدرة فلا يكون الالتزام بشرطية عنوان التعقب على خلاف القاعدة ليحتاج إلى دليل بالخصوص على شرطية عنوان التعقب في خصوص الخطاب الترتبي. هذا على القول بانكار الشرط المتأخر وعلى القول به فقد اجاب استادنا الآملي في المنتهى ص ٧٠ قال فان المصحح للترتب في الآنيين غير مختص بهما ملاكا ولسانا بل يشمل بملاكه ولسانه الواجبين المتدرجين صدورا ايضا غاية الامر ان ترك امتثال خطاب الاهم يكون شرطا مقارنا لفعلية خطاب المهم من دون حاجة إلى شرط آخر في الواجبين الآنيين واما في المتدرجين فيكون ترك امتثال خطاب الاهم في الآن الاول شرطا مقارنا لفعلية خطاب المهم وترك امتثاله في الآن الثاني والثالث إلى ان يفرغ المكلف من فعل المهم شرطا متأخر وأن شئت قلت ان استمرار ترك امتثال خطاب الاهم إلى ان يفرغ المكلف من فعل المهم شرط متأخر في فعلية خطابه مضافا إلى الشرط المقارن اعني به ترك امتثال خطاب الاهم في الآن الاول ان قلت ـ إلى ان قال وتقدم ان قلت ـ قلت مبنى الترتب هو امكان الجمع بين الاطلاقين والاخذ بكل منهما حيث لا يزاحمه الآخر باشتراط امر او امور عقلا فكما ان العقل لا يرى محذورا في الاخذ بإطلاق دليل المهم حين ترك امتثال خطاب الاهم بنحو المقارنة في الواجبين الآنيين كذلك لا يرى محذورا في الاخذ باطلاقه حين ترك امتثال خطاب الاهم بنحو المقارنة واستمراره إلى حين الفراع من فعل المهم بنحو الشرط المتأخر في الواجبين المتدرجين فاذا جاز ذلك ثبوتا جاز الاخذ بإطلاق الدليل اثباتا وليس في ادلة الترتب دليل لفظي بالاشتراط ليقال بظهوره

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في الشرط المقارن وان الشرط المتأخر على خلاف الاصل لا بد في القول به من دليل يخصه. قال المحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٣١٥ تتميم الخطاب بالاهم اذا كان آنيا غير قابل للاستمرار فالالتزام بترتب خطاب آخر على عصيانه انما يجدي في فعلية الخطاب المترتب في خصوص الآن الاول القابل لوقوع الاهم فيه فيجتمع فيه الامران على نحو ترتب واما بعد مضيه وسقوط خطاب الاهم لمضى زمان امتثاله فلا يتوقف طلب المهم على القول بجواز الترتب اذ لا مانع بعد سقوط طلب الاهم من فعلية طلب المهم على الفرض فيصح المهم ح ولو بنينا على امتناع الترتب كما هو ظاهر واما إذا كان خطاب الاهم استمراريا فقد يكون العلم به قبل الشروع في امتثال خطاب المهم وقد يكون بعد الشروع فيه فإن كان قبل الشروع فتدور صحة خطاب المهم ابتداء واستدامة مدار القول بالترتب كما عرفت واما اذا كان بعد الشروع فيه وكان الواجب مما يحرم قطعه كما اذا علم بتنجس المسجد بعد الشروع في الصلاة الفريضة فلا يتوقف بقاء خطاب المهم على القول بالترتب فإن ازالة النجاسة انما كانت اهم من الصلاة لأجل فوريتها وسعة وقت الصلاة فاذا شرع فيها وحرم قطعها على الفرض لم يبق موجب لتقدم خطاب الازالة على خطابها فلا يتحقق ح عصيان خطاب الصلاة ليكون الامر بإتمام الصلاة متوقفا على جواز الترتب وعليه فالامر باتمامها يكون متقدما على خطاب الازالة لا محالة نعم اذا كان هناك واجب آخر أهم من اتمام الصلاة كحفظ النفس المحترمة توقف الخطاب بإتمام الصلاة على الالتزام بالترتب ايضا. وهذا هو الصحيح على المختار من امكان الشرط المتأخر الموضع السابع ذكر الاصوليون ومنهم استادنا الآملي في المنتهى ص ٧٢ قال قد ذكر صاحب الفصول فرعا يرى ان صحته وفساده يبتنيان على جواز الترتب وامتناعه وهو انه اذا جاز للمكلف التصرف في الماء

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الموجود في اناء لا يجوز التصرف فيه كالاناء المغصوب واناء الذهب او الفضة واراد ان يغتسل او يتوضأ من ذلك الاناء فقد قيل بصحته استنادا إلى امكان الترتب اذ لا فرق في جواز الأمر بالمهم مشروطا بعصيان خطاب بنحو الشرط المقارن ام بعصيان خطابات متعددة متدرجة في الوجود بنحو الشرط المتأخر كما تقدم في مثل الازالة والصلاة في آخر الوقت وكما في الفرع المذكور فان الوضوء وان كان متدرجا في الوجود إلّا انه مخاطب به بخطاب واحد والنهي عن استعمال ذلك الاناء وان كان ينحل إلى نواهي متعددة بعدد الاستعمالات إلّا انه لا مانع من اشتراط ذلك الامر الواحد بعصيان تلك النواهي المتعددة بنحو الشرط المقارن والمتاخر. ولكن ذكر المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٣١٦ لا اشكال في جواز اخذ الماء من الآنية المغصوبة او المتخذة من الذهب او الفضة اذا كان ذلك بعنوان التخليص والمراد به هو ما اذا كان الماء مملوكا لمن يريد التصرف ولم يستند كونه في الآنية التي يحرم التصرف فيها إلى اختياره ورضاه فانه يجوز حينئذ لمالكه التصرف فيه وان كان تصرفه فيه مستلزما للتصرف في الآنية أيضا وذلك لعموم تسلط الناس على اموالهم وعليه فان امكنه اخذ الماء دفعة بقدر ما يكفى لوضوئه فلا اشكال وان لم يمكنه الا اخذ الماء تدريجا فالظاهر جواز الوضوء به أيضا لان المفروض عدم حرمة التصرف فيها تخليصا لماله واما اذا لم يكن اخذه الماء بعنوان التخليص كما اذا لم يكن الماء الموجود فيه مملوكا له او كان كذلك ولكن كان وجوده فيها باختياره ورضاه فيحرم التصرف فيها باخذ الماء منها فلا يجب الوضوء على تقدير عدم التمكن من ماء آخر لعدم كون المكلف واجدا للماء حينئذ نعم لو اخذ منها قدر ما يكفى لتمام وضوئه لانقلب موضوع عدم وجدان الماء إلى وجدانه فيكون مكلفا بالوضوء وان كان قد ارتكب الحرام في اخذه الماء بالتصرف في تلك الآنية واما

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

اذا اخذ مقدارا لا يكفى الا لبعض وضوئه بحيث يحتاج اتمامه إلى تصرف آخر فقد ذهب صاحب الفصول إلى صحة هذا الوضوء ولعله بنى ذلك على جواز الخطاب الترتبي ولكنك عرفت في التنبيه الاول ان الالتزام بالترتب يتوقف على كون العمل واجدا للملاك فاذا فرضنا عدم كونه تماما كما فيما نحن فيه فانه يتوقف على كون المكلف واجدا للماء المفروض عدمه في المقام لتوقفه على تصرف محرم فلا يمكن الالتزام بالترتب اصلا فالحق ح هو بطلان الوضوء ووجوب التيمم عليه. وأجاب عنه استادنا الآملي في المنتهى ص ٧٣ ولكن قد عرفت فيما سبق ما في هذا الكلام فأنا لا نسلم تقييد وجوب الطهارة المائية بالقدرة عليها شرعا ولو سلمنا ذلك فالقدرة عليها في ظرف امتثال وجوبها الترتبي كاف في تحقق الشرط المزبور لإطلاق دليله وقد مر. وتوضيح الجواب ذكر استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٦١ هو ان المقابلة بين الصدر والذيل في الآية ـ اي بين الوضوء والتيمم قاضية بالشرطية شرعا ـ ممنوعة ولا يكون شرط الوضوء الوجدان بل هو شرط عقلي فلا يكون دخيلا في الملاك فاحتمال الارشاد ـ اي احتمال كون الوجدان ارشادا إلى حكم العقل فلا ملاك ايضا لأن احتمال الدخل الشرعي يكفي لعدم الملاك له بدون الشرط ممنوع بل يتعين غيره على أن الوضوء في المقام ولو لم يكن عليه الامر ولكن من الامر في سائر الموارد استكشفنا ملاكه فأما بإطلاق المادة على المشهور او بإطلاق الهيئة على المنصور نقول بوجود الملاك الفعلي له فيكون الباب باب التزاحم على أن القدرة تحصل بالتدريج اذا اخذ الماء غرفة غرفة والكلام في هذا الفرض لا فرض كون الوضوء بالارتماس فانه يصير الوضوء عين التصرف في مال الغير وأما القول بأنه اذا كان بقصد التخلص عن الغضب يصح الوضوء لا وجه له لان القصد لا يقلّب التصرف المحرم محللا وأما التمسك بقاعدة الناس

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مسلطون على اموالهم بتقريب ان يقال ان الماء ملكه فله التصرف فيه ففيه اولا انه معارض بالناس لصاحب الآنية ـ اي على فرض كونه غصبا ـ وثانيا أن مفاد القاعدة حتى بمعنى انه لا يكون للشخص التصرف في ماله بحيث يوجب الضرر على الغير وعلى فرض العمومية ايضا فقاعدة لا ضرر تزاحمها فلا وجه للتمسك بتلك القاعدة فالطريق الوحيد هو الترتب. وهو المتعين لو لا ما تقدم.

الموضع الثامن ذكر المحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٣١٤ قد اشرنا سابقا إلى أن المهم اذا كان مضيقا ولم يكن له افراد طولية فيدور طلبه وعدم طلبه عند مزاحمته الاهم مدار الالتزام بالترتب وعدمه وأما اذا كان موسعا له أفراد كثيرة وكان المزاحم للاهم بعض افراده دون بعض فإن قلنا بأن اعتبار القدرة في متعلق التكليف انما هو من جهة حكم العقل بقبح التكليف العاجز كما ذهب اليه المحقق الثاني فبما ان بعض افراد الطبيعة مقدور في الفرض المزبور يصح الخطاب بها عقلا فيصح الاتيان بالفرد المزاحم بداعي امتثال الامر بالطبيعة من دون لزوم الالتزام بالترتب لان انطباق الطبيعة على ذلك الفرد المزاحم قهري والاجزاء عقلي وأما اذا قلنا بأن اعتبار القدرة فيه من جهة اقتضاء نفس الخطاب ذلك كما اخترناه سابقا فلا محالة يتقيد المأمور به بذلك فيخرج غير المقدور من الافراد عن دائرة إطلاق المأمور به ويتوقف شموله له على جواز الترتب فإن جوزناه كان داخلا في الإطلاق عند عصيان الامر بالاهم وإلّا كان خارجا عنه مطلقا نعم يمكن الحكم مع ذلك بصحته لاشتماله على الملاك وقد تقدم.

وأورد عليه استادنا الخوئي في هامش الأجود ج ١ ص ٣١٤ لا يخفى ان كفاية القدرة على بعض افراد الطبيعة في صحة الامر بها لا اثر لها في محل الكلام بناء على ما اختاره شيخنا الاستاد قدس‌سره من استحالة الواجب المعلق لان المفروض فيه عدم قدرة المكلف على شيء من افراد الواجب المهم عند مزاحمته الاهم ـ اي في

١٦٠