التّفسير الحديث - ج ٣

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٣

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧

الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)) [٣٢ الى ٣٤]

(١) لو لا : هنا بمعنى هلّا للتحدي.

(٢) رتلناه ترتيلا : جعلناه رتلا بعد رتل أي قسما بعد قسم وقيل فصّلناه تفصيلا أو بينّاه تبيينا. والتأويل الأول هو الأوجه والمتّسق مع مضمون الآية.

(٣) أحسن تفسيرا : هنا بمعنى أحسن بيانا وجوابا على ما يورده الكفار من أسئلة وتعجيزات وتحدّيات. وكلمة تفسير من جذر فسّر بمعنى وضح وبان وتعبير (تفسير القرآن) هي في أصله كشف وتوضيح النواحي اللغوية. أما التوسع في مدى التعبير فقد صار بالممارسة إن صحّ التعبير حيث صار يطلق على كشف وتوضيح معاني الكلمات والجمل القرآنية.

احتوت الآيات حكاية قول آخر من أقوال الكفار حيث قالوا على سبيل التحدّي : هلا أنزل القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دفعة واحدة وقد ردّت عليهم ردّا قويّا فيه تثبيت وتوضيح وإنذار. فالله تعالى إنما أنزل القرآن مرتّلا قسما بعد قسم لتثبيت قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوته وجعل الناس يحسنون استيعابه ، وإن الكفار لا يأتون بمثل أو حجة يظنون فيها تعجيزا أو إشكالا أو إحراجا إلّا أنزل الله في صدده ما فيه الحق والتفسير الأفضل والحجة الدامغة المفحمة ، وأن الذين يظلون في كفرهم ومكابرتهم بعد ذلك سيحشرون إلى جهنّم على وجوههم وسيعلمون حينئذ أنهم الأضل سبيلا والأسوأ مصيرا. والزيادة التي ذكرناها في صدد تنزيل القرآن مقسما مستمدة من آية الإسراء هذه : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (١٠٦).

والآيات استمرار في السياق الذي احتوى منذ أول السورة فصولا مماثلة من حيث حكاية مواقف الكفار وأقوالهم والردّ عليهم وإنذارهم.

ولقد روى الشيخان عن أنس في سياق تفسير الآية [٣٤] حديثا جاء فيه : «إنّ رجلا قال يا نبيّ الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال : أليس الذي

٨١

أمشاه على الرجلين في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة : بلى وعزّة ربنا» (١).

تعليق على تحدّي الكفار بإنزال

القرآن جملة واحدة

وقد قال المفسرون في سياق الآيات إن الكفار كانوا يتحدّون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإنزال القرآن جملة واحدة كما أنزلت الكتب السماوية التوراة والإنجيل والزبور جملة واحدة. وعلّلوا نزول القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مفرقا بأنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب فكان لا بد له من التلقين والحفظ اللذين يقتضيان إنزال القرآن مفرّقا في حين كان الأنبياء الأولون يقرأون ويكتبون فنزلت عليهم جملة واحدة ومكتوبة (٢).

وقد يكون ما قاله المفسرون عن سبب تحدّي الكفار صحيحا ، وأن يكون هؤلاء سمعوا من الكتابيين أن التوراة والإنجيل والزبور نزلت على موسى وعيسى وداود عليهم‌السلام جملة واحدة. غير أننا لا نستطيع موافقتهم على أخذهم ذلك كقضية مسلّم بها وتعليلهم إياه بأمّية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فباستثناء الألواح التي ذكرت آية الأعراف [١٤٥] أن الله أنزلها مكتوبة على موسى لم يرد في القرآن صراحة أن الله أنزل الكتب الأخرى مكتوبة ودفعة واحدة. والأسفار المنسوبة إلى موسى والعائدة إلى عهده وحياته والمتداولة اليوم تذكر أن الله إنما أمر موسى بإحضار لوحين وتكرر كذلك أن موسى كتب كلام الربّ في سفر وسلّمه للاويين لحفظه في تابوت العهد في بيت الربّ وتفيد أن معظم ما احتوته من تعليمات وتشريعات نزل مفرّقا وفي فترات ومناسبات عديدة وفق سير الظروف بالنسبة لموسى عليه‌السلام وبالنسبة لبني إسرائيل (٣). والزبور الذي هو على الأرجح سفر المزامير مقاطع متتالية فيها

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ١٧٢.

(٢) انظر تفسير البغوي والطبرسي والخازن وابن كثير.

(٣) انظر أسفار الخروج والأحبار والعدد وارجع إلى تمحيصنا في شأن التوراة والإنجيل في سورة الأعراف.

٨٢

تسبيح وتقديس وابتهال بلسان داود عليه‌السلام. ويتبادر منها أنها لم توح إلى داود مرة واحدة. وليس في اليد إنجيل منسوب إلى عيسى عليه‌السلام ولم يرو أحد أنه اطّلع على مثل ذلك. والأناجيل المتداولة هي ترجمة لحياته تضمّنت كثيرا من أقواله وتعاليمه التي عليها سمة الوحي. غير أنها كانت تمثل وقائع ومجالس مختلفة فلا يمكن أن تكون نزلت دفعة واحدة. وكل هذا هو شأن القرآن بطبيعة الحال.

ولقد عاد بعض المفسّرين (١) إلى القول في سياق هذه الآية إن الله تعالى قد أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا وأنه صار ينزل منجما على النبي من هذه السماء حسب الوقائع والحوادث. ولقد أوردنا هذا في سياق سورة القدر وعلّقنا عليه بما يغني عن التكرار.

هذا ، ومع أن تعبير (القرآن) أصبح علما على جميع ما أوحى الله تعالى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الفصول والمجموعات القرآنية المحكمة والمتشابهة فإن هذه الآية وأمثالها مما تكرر في القرآن ومن ذلك الآية السابقة [٣٠] تؤيد ما قلناه في سياق تفسير سورة المزمل من أن أصل مفهوم القرآن هو السور والفصول المحكمة التي احتوت مبادئ الدعوة وتدعيماتها الرئيسية كما تؤيد أن هذا هو الذي فهمه العرب ؛ وأن ما جاء في سياق التدعيم والتأييد من قصص وأمثال وحجج وجدل وردود وحملات وحكاية أقوال الكفّار وتحدّياتهم ومشاهد الآخرة مما يصحّ أن يسمّى من المتشابهات لم يكن في الأصل مما عناه التعبير وفهمه العرب وأن شمول التعبير لكل ما احتواه المصحف من ذلك أيضا إنما كان بسبب أنه من وحي الله وتنزيله مثل ذلك الأصل ؛ وهو ما عنته آية آل عمران هذه : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) [٧].

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا

__________________

(١) انظر تفسير ابن كثير مثلا.

٨٣

الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠)) [٣٥ الى ٤٠]

(١) وزيرا : مؤازرا وعضدا.

(٢) دمرنا : حطمنا أو هدمنا.

(٣) تبّرنا : أهلكنا.

(٤) القرية التي أمطرت مطر السوء : كناية عن مساكن قوم لوط التي أرسل الله عليها رجوما وحاصبا وجعل عاليها سافلها كما وصف ذلك في آيات أخرى مرّت أمثلة منها.

(٥) نشورا : هنا أيضا بمعنى البعث بعد الموت.

احتوت الآيات إشارات مقتضبة إلى ما كان من إرسال الله الرسل إلى أقوامهم وإلى مواقف هذه الأقوام التكذيبية. وما كان من تدمير الله ونكاله فيهم بسبب هذه المواقف. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. والأسماء التي ذكرت فيها قد ذكرت في مناسبات سابقة وعرّفناها بما لا حاجة إلى تكراره هنا.

وقد جاء هذا الفصل جريا على أسلوب النظم والتنزيل القرآني حيث يعقب حكاية مواقف كفّار العرب تذكير بما كان من أخبار الأمم السابقة استهدافا للارعواء والاعتبار والاتعاظ والإنذار. والآيات على هذا متصلة بالسياق وغير منفصلة عنه. والضمير في (وَلَقَدْ أَتَوْا) عائد إلى الكفار السامعين ، وفيه توكيد لهذا الاتصال بالآيات السابقة فهي تعني مساكن قوم لوط. وقد ذكرت آيات في سورة الصافات أن العرب كانوا يمرون ببلاد قوم لوط المدمّرة وهي هذه : (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٣٨).

٨٤

وقد انتهت الآيات بتقرير كون الكفار إنما يقفون مواقفهم الإنكارية والعنادية لأنهم لا يصدقون بالبعث الأخروي وأنهم مطمئنون بأنهم لن يصيبهم الشرّ والعذاب. وهذا التقرير قد تكرر في هذه السورة وغيرها كثيرا. وتكراره يظهرنا على الحكمة في التوكيد المستمرّ بالبعث وبالبرهنة على قدرة الله عليه كما هو المتبادر.

(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤)) [٤١ الى ٤٤]

(١) اتخذ إلهه هواه : جعل هواه إلها له.

في هذه الآيات حكاية لموقف وقول آخر من مواقف الكفار وأقوالهم ، حيث كانوا يتخذون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حينما يرونه موضوع هزء واستخفاف ويتساءلون تساؤل الهازئ المستخفّ قائلين : هل هذا الذي بعثه الله رسولا ثم يأخذون يتفاخرون بما أبدوه من صبر وثبات على عقائدهم ومعبوداتهم وتمسك بتقاليدهم ويقولون إنه كاد أن يضلّنا عنها لكثرة ما يبذله من جهد ويبديه من نشاط لو لم نبد ما أبديناه من صبر وتمسّك. وقد ردّت عليهم الآيات منذرة منددة مسفّهة. فلسوف يلقون عذاب الله على أقوالهم ومواقفهم ولسوف يعلمون حينئذ من هو الضالّ عن سبيل الحقّ. ثم وجهت الخطاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم متسائلة تساؤل المقرّر عما إذا كان يريد أن يجعل نفسه وكيلا ومسؤولا عمّن اتخذ هواه إلها له وعما إذا كان يظن أن أكثر الكفار يسمعون أو يعقلون ، ومقررة أنهم في حالتهم التي هم عليها كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا لأن الأنعام تعرف بالغريزة ما يضرّها فتحذره وما ينفعها فتقبل عليه.

وقد روى بعض المفسرين أن قائل الأقوال وفاعل الأفعال التي ذكرت في

٨٥

الآيات هو أبو جهل (١). ومع احتمال أن أبا جهل كان يفعل ذلك ويقوله فالآيات تلهم أن آخرين غيره كانوا يفعلون ويقولون ذلك وأن الحكاية قد جاءت في معرض التنديد والتقريع ببغاة الكفار وإنذارهم مطلقا. ولا سيما أنها فصل من فصول متسلسلة متماثلة وليست مستقلّة تحكي موقفا خاصا مستقلا. ويكاد الزمخشري ينفرد في الرواية فإننا لم نرها في الطبري وغيره من قدماء المفسرين.

ويتبادر من أسلوب الآية الأولى ومضمونها أنها لا تفيد أن الكفار كانوا يحتقرون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينتقصون من قدره وأخلاقه ، وإنما تقصد تصوير موقفهم الاستخفافي بدعوته. وفيها بالإضافة إلى ذلك قرينة على ما كان يداخلهم من خوف من نجاح دعوته. ودليل على عظم ما بذله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جهد بدون كلل أو فتور وما كان من استغراقه الشديد في الدعوة.

وفي الآيتين [٤٣ ـ ٤٤] ينطوي معنى التسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما يلقاه من مواقف الكفار وعنادهم وعلى ما يبذله من جهد عظيم ضائع معهم ؛ فكأنما أريد أن يقال له إن من يتخذ إلهه هواه لا يكون هو مسؤولا عنه ولا وكيلا ولا مطلوبا منه أن يبذل المستحيل لتغييره عمّا هو عليه. فهم لا يسمعون ولا يعقلون وأضلّ من الأنعام فلا ينبغي أن يغتمّ من مواقفهم وعنادهم. وهذا ما تكرر كثيرا. وقد علّلناه في سياق سورة (ق) بما يغني عن الإعادة.

وفي عبارة (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) تقريع لاذع للكفار وتقرير بأن ما هم عليه ليس ناتجا عن تدبّر وتعقل وإنما هو تعصب أعمى لعقائد باطلة وتمسك بالهوى دون الحق. ونفس التقريع اللاذع منطو في الآية الأخيرة التي تصفهم بأنهم كالأنعام بل أضلّ.

تلقين الآيتين [٤٣ و ٤٤]

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) وما بعدهما

والوصف الذي احتوته الآيتان هو وصف لحالة مألوفة في كثير من الناس في

__________________

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير كشاف الزمخشري مثلا.

٨٦

كلّ زمن ومكان حيث يتعصبون لأفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم تعصّبا أعمى قائما على الهوى والأنانية فلا يطيقون أن يسمعوا كلاما ضدّها ولا يتدبّرون فيما هو موجه إليها من نقد وتجريح وحجّة دامغة ، وفي الآيات والحال هذه تلقين قرآني جليل مستمر المدى ضدّ هذه الحالة وتقبيحها وإهابة بالمسلمين بألّا يتّصفوا بها.

(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩)) [٤٥ الى ٤٩]

(١) الظلّ : معظم المفسرين يؤولون الظلّ هنا من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أي يعتبرونه وقتا من أوقات النهار ويروون ذلك عن ابن عباس وابن عمر ومسروق ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم من علماء الصحابة والتابعين فحيث كان هذا الوقت من النهار الذي لا شمس فيه اعتبر ظلا على ما هو المتبادر. وقد رأينا الزمخشري يؤوله بالظلّ المعتاد أي المكان الذي يكون فيه ظل في أثناء النهار والشمس ساطعة.

(٢) ساكنا : أوّلها معظم المفسرين بمعنى دائم لا يزول. وهذا تبعا للتأويل الأول للظلّ ، والذين أوّلوا الظلّ بالتأويل الأول هم الذين أوّلوا كلمة ساكن بذلك ، أما الزمخشري فأوّل الكلمة بمعناها المعتاد تبعا لتأويله الظلّ.

(٣) ثم جعلنا الشمس عليه دليلا : قال الذين أوّلوا كلمتي الظلّ وساكن بالتأويل الأول في تأويل هذه الجملة إن الشمس حينما تشرق يزول الظلّ وهو شيء لا يدرك إلّا بضدّه. ومن هنا كانت الشمس عليه دليلا. أما الزمخشري فقد قال إن الناس يستدلّون على أحوال الظلّ وكونه زائلا من مكان ومتقلصا أو واسعا أو

٨٧

موجودا في مكان من مسير الشمس. ولذلك تكون الشمس عليه دليلا.

(٤) ثم قبضناه إلينا قبضنا يسيرا : في تأويل الأولين الضمير في قبضنا عائد إلى الشمس ومعنى الجملة إننا نقبض الشمس فيعود الظلّ والفيء ثانية. وكلمة (يَسِيراً) في تأويلهم بمعنى شيء بعد شيء أي إن القبض لا يكون دفعة واحدة ولكن متدرجا. أما الزمخشري فقد جعل الضمير عائدا إلى الظلّ وأوّل الجملة بأن الله لو أزال الظّل دفعة واحدة لتعطلت مصالح الناس ولكنه أزاله على مهل.

(٥) جعل الليل لباسا : من باب تشبيه الظلام الذي لا ترى فيه الأشياء باللباس الذي يستر الأجسام حتى لا ترى ، أي جعل الليل ستارا حاجبا للناس.

(٦) سباتا : راحة وانقطاعا عن العمل.

(٧) نشورا : بمعنى الانتشار حيث يكون النهار مجال انتشار الناس ونشاطهم.

(٨) طهورا : الماء الطهور في اصطلاح الفقهاء هو الطاهر بنفسه المطهّر لغيره.

جاءت هذه الآيات تعقيبا على أقوال الكفار ومكابرتهم في ربوبية الله تعالى والدعوة إليه ومناوأة رسوله وتعجيزه وإنكار البعث والحساب جريا على أسلوب النظم القرآني للبرهنة على وجود الله تعالى وعظمته وقدرته بما في نواميس الكون من إتقان وإبداع ومنافع. فهي متصلة بالسياق أيضا.

وقد احتوت تنبيها إلى النواميس التي جعلها الله في حركة الشمس والظلّ والليل والنهار مما فيه مصالح ومنافع متنوعة للناس ثم إلى إرساله الرياح مبشّرة برحمته وإنزاله الماء الطهور الذي يحيي الأرض الميتة والذي يشرب منه الناس والأنعام الذين خلقهم.

وبرغم اختلاف المفسرين في تأويل الظلّ والسكون في الآيتين الأوليين فإن الذي نرجحه أن سامعي القرآن العرب قد فهموا المقصد منهما بقرينة الصيغة الاستفهامية التي فيها معنى التقرير ولفت النظر لأمر أو مشهد مسلّم به على سبيل الاستشهاد والاستدلال على قدرة الله.

٨٨

والليل والنهار والشمس والظلّ والرياح والمطر وانتشار الناس في النهار وانقطاعهم عن العمل في الليل وما في ذلك من إحكام واطراد ومنافع متنوعة هي أمور تحت مشاهدة الناس ومتناولهم ونفعهم جميعهم فاختصّت بالذكر هنا للفت نظرهم إلى عظمة الله تعالى والبرهنة على رحمته وقدرته. وقد ذكر غيرها من مظاهر الكون في آيات وفصول أخرى للقصد نفسه. وليس من محل للظن بأنها تنطوي على قصد تقريري لأمور فنية كونية ، كما أنه ليس من طائل من وراء التمحّل لاستنباط أمور فنية كونية منها أو تطبيقها عليها على ما نبهنا عليه في مناسبة مماثلة في سورة (يس).

(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠)) [٥٠]

قال معظم المفسرين (١) إن الضمير في (صَرَّفْناهُ) عائد إلى المطر ؛ وحينئذ تكون الآية متصلة بسابقتها مباشرة ويكون معناها لفت نظر السامعين إلى حكمة الله في تصريفه الأمطار وإنزالها في مكان دون مكان وكثيرة في مكان قليلة في مكان. ليدبروها ويشكروا الله على نعمه. ومع ذلك فإن أكثر الناس لا يفعلون ذلك بل ويكفرون ويجحدون.

وقال بعض المفسرين (٢) إن الضمير عائد إلى القرآن ، وحينئذ تكون الآية متصلة بالسياق كله اتصال تعقيب وتقريع. ويكون معناها إن الله ينزل الآيات القرآنية وفيها تفسير حكم الله وبيانها وتنويع الكلام فيها حتى يتذكر السامعون ويتدبروا. ومع ذلك فأكثر الناس يأبون إلّا الكفر بآيات الله ونعمائه رغم ما فيها من براهين شاهدة على ربوبيته واستحقاقه للعبادة والخضوع والشكر ، ويكون من مقاصد الآية التنديد بهم وتقريعهم.

وهذا الاختلاف في صرف الضمير جعلنا نورد الآية لحدّتها. ونحن نرجّح القول الثاني على الأول. وفي الآيات التالية قرينة مؤيدة لهذا الترجيح.

__________________

(١) انظر تفسيرها في الطبري وابن كثير والبغوي والنيشابوري والطبرسي والخازن.

(٢) الزمخشري في الكشاف.

٨٩

(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢)) [٥١ الى ٥٢]

(١) جاهدهم به : أي ابذل الجهد في حجاجهم وإنذارهم. وضمير (بِهِ) عائد إلى القرآن على ما روي عن ابن عباس. والمفسرون الذين صرفوا الضمير في جملة (صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) قالوا إن ضمير (بِهِ) عائد إلى القرآن أيضا وهذا ما جعلنا نرجّح انصراف الضمير في (صَرَّفْناهُ) إلى القرآن أيضا.

وتفيد أقوال معظم المفسرين (١) في تأويل الآية الأولى أنها من قبيل تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتثبيته في مهمته والتنويه بقدره ، فالله لو شاء لأرسل إلى كل قرية ومدينة رسولا فخفّف عنه العبء وكفاه مؤونة الجهد العظيم الذي حمّله إيّاه لإبلاغ الرسالة إلى جميع العالم ، ولكنه اختصّه بذلك لعظم منزلته ورفعة شأنه عنده ، وقالوا (٢) في تأويل الآية الثانية ما يفيد أنها استمرار لما في الآية الأولى من مقصد حيث تهيب بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد حمّله الله الرسالة العظمى العامة أن يجاهد بالقرآن جهادا كبيرا متواصلا وألّا يطيع الكافرين أو يتهاون معهم.

وهذا التأويل يجعل الصلة قائمة بين هذه الآيات والآيات السابقة لها كما هو المتبادر.

على أنه تبادر لنا من الآية الأولى أنها جواب على سؤال أو تحدّ صدر عن الكفار حيث تساءلوا عن سبب عدم إرسال الله تعالى رسلا إلى المدن الأخرى ، وقد تضمّن الجواب أنّ ذلك في نطاق قدرة الله وإنه إذا لم يفعله فلأن النبي الذي اصطفاه وأرسله هو أهل للاضطلاع بالمهمة على أوسع شمولها ، وقد تبادر لنا كذلك من الآية الثانية أنها في صدد عروض عرضها الكفار على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مسايرة أو مداهنة مما تكرر صدوره منهم وتكررت الإشارات القرآنية إليه على ما

__________________

(١) انظر تفسير الآيتين في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي والخازن والكشاف.

(٢) انظر المصدر نفسه.

٩٠

شرحناه في سياق تفسير سورة القلم ، وقد تضمنت الآية هنا كما تضمنت في المناسبات المماثلة تثبيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشحذ همته في الدعوة وإبلاغ القرآن وإقامة الحجة به على الكفّار وعدم الاستماع إليهم في ما يعرضونه.

وهذا التأويل لا يقطع صلة السياق حيث احتوت الآيتان في حال صوابه صورا من مواقف الكفار وأقوالهم وتحدياتهم كسابقاتها ، ولا يقتضي أن يكون ما يتبادر من سؤال الكفار وعروضهم في الآيتين أن ذلك حدث طارئ نزلت الآيات بمناسبته بل يمكن أن يكون ذلك سابقا لنزولها ومن جملة ما كان الكفار يقولونه فجاءت الإشارة إلى ذلك في السلسلة.

وننبّه إلى أن ما يتبادر لنا في تأويل الآيتين لا يقلل من وجاهة تأويل المفسرين السابق لهما.

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥)) [٥٣ الى ٥٥]

(١) مرج : خلط.

(٢) عذب : ضد الملوحة والمرارة.

(٣) فرات : شديد العذوبة.

(٤) ملح أجاج : مالح شديد الملوحة إلى درجة المرارة.

(٥) برزخا : حاجزا.

(٦) حجرا محجورا : منع أحدهما من الطغيان على الثاني.

(٧) ظهيرا : مظاهرا أو عونا ومعنى الجملة التي وردت فيها الكلمة أن الكافر بكفره قد وقف ضدّ ربه كأنما يظاهر عليه غيره.

٩١

في الآيتين الأوليين عود إلى التذكير بآيات الله وقدرته ونواميسه في كونه ، ومنافع الناس منها مما يمكن أن يقال إن الآيات الثلاث التي قبلها جاءت كجملة استطرادية ، إما لتسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتقويته والتنويه به كما قال المفسرون وإما لذكر أقوال ومواقف أخرى للكفار كما تبادر لنا. وعلى كل حال فالصلة قائمة بين هذه الآيات والسياق السابق.

وقد احتوت الآيتان الأولى والثانية إشارة إلى مخالطة الماء الحلو بالماء المالح عند ملتقى البحرين أي البحر والنهر وعدم طغيان المالح على الحلو مع ذلك كأن بينهما برزخا وسدّا ، وإلى خلق الله تعالى البشر من نطف مائية فكان منهم النسل الذي منه النسيب ومنه الصهر مما فيه البرهان على قدرة الله تعالى واستحقاقه وحده للعبودية والخضوع. أما الآية الثالثة فقد نحت باللائمة على الكفار وسخفهم. فهم لا يتدبرون في عظمة الله وحكمه ونعمه فيعبدون غيره ما لا ينفعهم ولا يضرهم فيكونون في ذلك مظاهرين على ربهم الحقيقي وواقفين ضده.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩)) [٥٦ الى ٥٩]

في الآيات تسلية وتطمين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إزاء ما يلقاه من قومه من مناوأة وتحدّ وتعجيز احتوت الفصول السابقة صورا عديدة منه حيث تقول إن الله تعالى لم يرسله إلّا مبشرا ونذيرا وليس هو مسؤولا عن عنادهم وإيمانهم وكفرهم وليس عليه إلّا الدعوة إلى الله ومجاهدة الناس بالقرآن دون تهاون ولا تراخ ، وعليه أن يقول للناس إني لا أطلب منكم ولا أنتظر أجرا ولا مكافأة وكل ما أريده أن يهتدي من كان صادق الرغبة في الحق والهدى ويسير في سبيل الله ورضائه ، وعليه بعد ذلك أن يجعل اعتماده وتوكله على الله الحي الذي لا يموت وأن يسبّح بحمده فهو الذي

٩٢

خلق السموات والأرض وما بينهما الملك المسيطر على كونه العظيم الخبير المحيط بذنوب عباده وتصرّفهم والقادر عليهم والكافي لهم.

والآيات متصلة بالسياق واستمرار له كما هو المتبادر. ومحتواها وما فيها من قصد التسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تكرر كثيرا ، لأن ظروف الدعوة وسيرها كانت تقتضي ذلك على ما شرحناه في سياق سورة (ق).

وتعبير (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) الذي انتهت به الآيات من تعابير العرب الأسلوبية في صدد توكيد صحة ما يصدر من القائل والمتكلم. وقد جاء هنا لمثل هذا التوكيد.

ولقد سبق القول في موضوع استواء الله على العرش وخلقه السموات والأرض في ستة أيام في سياق تفسير سورتي (ق والأعراف) بما فيه الكفاية. والآية هنا كما هي في السور الأخرى في صدد التنويه بقدره الله وعظمته وسعة كونه وعلمه وشمول ملكه. على ما يلهمه مضمونها وسياقها. وهو المقصد الجوهري فيما احتوته هنا وفي الأماكن الأخرى.

ولعلّ ورود هذه الآيات التي تنفي طلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجرا بعد الآيات السابقة التي تأمره بعدم طاعة الكفار ومجاهدتهم بالقرآن مما يؤيد صحة ما تبادر لنا من الآيتين والله أعلم.

وقد قال المفسرون (١) في صدد جملة (إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) إنها بسبيل تقرير أن ما يدعو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه من الإنفاق والزكاة إنما هو في سبيل القربى إلى الله وليس له خاصة. والتأويل الذي أوّلنا به الجملة هو الأكثر اتساقا مع روح الآيات وظرف نزولها وصلتها مع الفصول السابقة كما هو المتبادر.

تعليق على الأمر بالتوكل على الله

وبمناسبة الأمر الوارد في الآية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوكل على الله تعالى نقول إن في القرآن آيات كثيرة مكية ومدنية يبلغ عددها نحو سبعين فيها تكرار لمثل هذا الأمر

__________________

(١) انظر تفسيرها في الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي والبغوي والزمخشري.

٩٣

للنبي وللمؤمنين وحكاية لقول الأنبياء بأنهم يتوكلون على الله وإيذان بأن التوكّل على الله هو من شأن عباد الله المؤمنين وبأن من شأن ذلك أن يحقّق الله أمل المتوكّل عليه وبأن الله هو وحده الأهل للتوكل عليه وهو حسب من يتوكل عليه وبأن الله يحب المتوكلين عليه حيث يدلّ هذا على ما أسبغته حكمة التنزيل على هذا الأمر من حفاوة. وفيما يلي طائفة من الآيات على سبيل المثال :

١ ـ (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران : ١٢٢].

٢ ـ (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران : ١٥٩].

٣ ـ (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران : [١٧٣ ـ ١٧٤].

٤ ـ (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [النساء : ٨١].

٥ ـ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة : ٥١].

٦ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة : ١٢٩].

٧ ـ (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل : ٤١ ـ ٤٢].

٨ ـ (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل : ٩٩ ـ ١٠٠].

٩٤

٩ ـ (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل : ٧٩].

١٠ ـ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق : ٣].

وما احتوته الآيات وأمثالها من تقرير وحثّ هو حقّ. ويجب على المؤمن بالله أن لا يجعل اعتماده في كل أمر وموقف على غير الله وأن يكون توجهه في كل شيء إليه وحده وأن يؤمن بأن الله تعالى يساعد المتوكّل عليه ويحقّق له أمله في دفع الضرّ وجلب النفع المشروع كما جاء في الآيات. وبالإضافة إلى هذا فإن روح الآيات وسياقها يلهمان أنها أيضا بسبيل بثّ الروح والقوّة في عباد الله الصالحين وبخاصة في المواقف العصيبة التي تحزّ بهم والمصاعب التي يواجهونها وبمعنى آخر فيها معالجة روحية للمؤمن. وهو ما انطوى في كثير من الآيات مما مرّ منه أمثلة عديدة ويأتي منه أمثلة عديدة أخرى.

وهناك أحاديث نبوية تتساوق في تلقينها مع الآيات شأن كل أمر. من ذلك حديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيّرون وعلى ربّهم يتوكلون» (١). وحديث رواه الترمذي وأحمد والحاكم عن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو أنكم توكّلتم على الله حقّ توكّله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» (٢). وحديث رواه الترمذي عن أبي معبد الجهني قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من تعلّق شيئا وكل إليه» (٣).

وهناك من يتوهم أن فكرة التوكل في الإسلام تشلّ حيوية المسلم ونشاطه أو تجعله قليل الحذر والاستعداد لمواجهة مصاعب الحياة. وروح الآيات والأحاديث التي أوردناها بل وفحواها تجعل هذه الفكرة غير واردة وتبرز أن هدفها هو بثّ

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ١٨٧ أي لا يطلبون من الناس أن يرقوهم ولا يتطيرون ولا يتشاءمون.

(٢) المصدر نفسه والصفحة نفسها.

(٣) التاج ج ٣ ص ٢٠٣.

٩٥

الأمل والاعتماد على الله وحده ومواجهة الأحداث بذلك.

ويلفت النظر إلى آية آل عمران [١٥٩] ففيها ما ينفي ذلك بصراحة وقوة حيث تأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمشاورة المسلمين واتخاذ الرأي الأفضل ثم العزيمة على السير به والاتكال على الله في تحقيقه. وفي حديث عمر أيضا نفي صريح حيث يذكر أن الطير لا يقعد عن الحركة في سبيل الرزق بل يسعى إليه فييسره الله له. وهذا يكون شأن المسلم الذي يتوكّل على الله حقّ توكله. وهناك حديثان مؤيدان لذلك أيضا. واحد رواه الترمذي عن أنس جاء فيه : «إن رجلا قال يا رسول الله أعقلها وأ توكل أو أطلقها وأ توكل؟ قال : اعقلها وتوكّل» (١). وحديث رواه الأربعة عن علي قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا ذات يوم وفي يده عود ينكت به فرفع رأسه فقال ما منكم من نفس إلّا وقد علم بمنزلها من الجنّة والنار. قالوا يا رسول الله فلم العمل. أفلا نتّوكل قال اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له. ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [الليل : ٥ ـ ١٠]» (٢).

وهذا أمر طبيعي لا يتحمل إسهابا. والآيات والأحاديث التي لا تحصى كثرة شاهدة عليه فقد أودع الله في الناس العقل والتمييز وجعل فيهم قابلية النشاط والعمل والكسب وأمرهم به والسعي إليه وقرر أنه خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا وأمرهم بالتسابق في الخيرات. وحثهم على العمل الصالح مطلقا وهو يعلم أنهم يطيقونه وحذّرهم من العمل السيء مطلقا وهو يعلم أنهم يطيقون اجتنابه بما أودعه فيهم من قابلية العمل والتمييز والاختيار وجعل كل نفس رهينة بما كسبت وكل هذا أيضا ينفي ذلك الوهم كما هو المتبادر ويجعل مدى التوكل في نطاق ما شرحناه. والله أعلم.

__________________

(١) التاج ج ٥ ص ١٨٧ و ١٧٣.

(٢) المصدر نفسه.

٩٦

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠)) [٦٠]

المتبادر أن هذه الآية جاءت استطرادية. فقد وصف الله تعالى نفسه بالرحمن في الآية السابقة لها مباشرة. فاستطردت هذه إلى التنديد بالكفّار الذين إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن تساءلوا تساؤل المنكر المستكبر عن هذا الرحمن وقالوا بأسلوب المتهكم : كيف نسجد لما تأمرنا وازدادوا نفورا وانصرافا عن الدعوة.

تعليق على اسم الرحمن

ولقد ذكر المفسرون (١) في سياق هذه الآية أن مسيلمة النبي الكذّاب الذي ظهر في أواخر عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اليمامة كان يتسمّى باسم الرحمن ، وأنه أنشأ حديقة سمّاها حديقة الرحمن ، أو أنه كان له صنم يسميه بهذا الاسم أقامه في الحديقة ، وأن تساؤل الكفار متّصل بذلك حيث التبس عليهم الأمر فظنوا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرهم بالسجود له.

وفي سورة الرعد آية متصلة بهذا المعنى وهي : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) (٣٠) حيث ينطوي فيها حكاية موقف آخر للمشركين إزاء اسم الرحمن. وقد روى المفسرون في صدد هذه الآية أن أبا جهل سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يا رحمن فقال إن محمدا يدعو إلها آخر اسمه الرحمن ولا نعرف الرحمن إلّا رحمن اليمامة (٢).

ومهما يكن من أمر هذه الروايات فإن أسلوب الآيتين قد يدلّ على أن المشركين كانوا يقفون موقفا خاصا عند ذكر القرآن والنبي لهذا الاسم لسبب ما.

وهذا الاسم هو أكثر أسماء الله الحسنى ورودا في القرآن بعد اسم الجلالة

__________________

(١) انظر تفسير الآية في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي والخازن.

(٢) انظر تفسير الخازن والبغوي وابن كثير لسورة الرعد.

٩٧

(الله) ويتضمّن معنى صفة جليلة تتصل بخلق الله وشمول رحمته لهم عامة بقطع النظر عن مواقفهم وسلوكهم. ولعل حكمة كثرة ورود هذا الاسم متصلة بذلك الموقف بقصد تقرير كون الله عزوجل هو وحده اللائق به هذه الصفة الجليلة والله أعلم.

(تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢)) [٦١ الى ٦٢]

(١) خلفة : بمعنى متعاقبة أي الشيء وراء الشيء.

(٢) يذكر : يتذكر.

في الآيتين عود آخر إلى التذكير بعظمة الله في ما يشاهد من مشاهد الكون ونواميسه وهذا متسق مع نظم فصول السورة. وبذلك تتصل الآيتان بالسياق.

وقد احتوتا ثناء على الله تعالى وتنويها بنواميس السماء وبعض مشاهدها حيث جعل الله تعالى فيها بروجا تدور في نطاقها النجوم وجعل فيها الشمس سراجا والقمر منيرا وجعل الليل والنهار متعاقبين يخلف أحدهما الآخر نتيجة لذلك.

وفي هذا ما فيه من البرهان القوي على إبداع الله تعالى وقدرته ونعم الله على عباده يدركه ويقنع به من أراد أن يتدبّر ويتذكر ويشكر.

والفقرة الأخيرة تتضمن تنديدا بالذين لا يقنعون بهذا البرهان القوي ولا يعترفون لله بالربوبية والقدرة ولا يشكرونه على نعمه ، كما أنها من الجمل القرآنية الحاسمة في تقرير الإرادة والاختبار وقوة التمييز للإنسان كما هو المتبادر.

والآيتان مما تكرر ورود مضمونهما بشيء من اختلاف في الصيغ كما جاء في آية سورة الملك هذه : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) (٥) وآية سورة الحجر هذه : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) (١٦).

٩٨

وفي القرآن غير هذه الآيات آيات كثيرة تنبّه الناس إلى السماء ونجومها وشمسها وقمرها وتسخير الله لها وما في ذلك من دلائل عظمة الله وقدرته. فهذا من أكثر ما يفكر الناس فيه ويرون فيه أعظم مشاهد كون الله ويجعلهم يشعرون تجاهه بالرهبة والذهول. والآيات القرآنية استهدفت ذلك فيما استهدفته لأن الشعور به عام عند جميع الناس في كل زمان ومكان. ومن الواجب الوقوف في ذلك عند هذا الهدف دون توسع ولا تزيد.

(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦)) [٦٣ الى ٧٦]

(١) هونا : بالتواضع والسكينة والوقار ومما روي في معناها عدم التكبّر والتجبّر والظلم والفساد.

٩٩

(٢) الجاهلون : السفهاء والأشرار ويمكن أن يكون عني بها الكفار.

(٣) غراما : متداركا وملما وغير مفارق. والكلمة تعني شدّة العذاب واستمراره.

(٤) وكان ذلك قواما : وسطا لا إسراف ولا تقتير.

(٥) أثاما : عقوبة وجزاء.

(٦) تاب : أصل معنى الكلمة رجع ، وصارت تطلق على من كفّ عن الخطأ والإثم.

(٧) لا يشهدون الزور : معنى الزور الكذب والافتراء ، وقد أوّل المفسرون الجملة بمعنى شهادة الزور المعتادة وبمعنى شهود مجالس الباطل والشرك والمعصية.

(٨) وإذا مروا باللغو مروا كراما : اللغو هو الكلام التافه أو الباطل أو الذي لا نفع ولا فائدة منه. وقد أوّل المفسرون الجملة بأنهم إذا سمعوا باطلا وقيلا وقالا أو إذا رأوا معصية أو أمرا مستقبحا نزّهوا أنفسهم وانصرفوا عنه ولم يشاركوا فيه.

(٩) خرّ : وقع وطأطأ وأكبّ.

(١٠) قرّة أعين : يقال للعين التي تدمع دمعا باردا قريرة من القرّ ، وهذا الدمع لا يأتي إلّا في حالة السرور والرضاء ، وتستعمل الجملة للدلالة على هذه الحالة ، ومن مشتقاتها أقرّ الله عينك.

(١١) إماما : مقتدى به.

(١٢) الغرفة : العليّة أو المسكن العالي.

روى الشيخان والترمذي عن عبد الله قال : «سألت أو سأل رسول الله أيّ الذنب عند الله أكبر قال أن تجعل لله ندّا وهو خلقك. قلت ثم أيّ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت ثم أي؟ قال : أن تزاني بحليلة جارك ، قال ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ)» (١).

__________________

(١) التاج ج ٤ ص ١٧٢ ـ ١٧٤.

١٠٠