التّفسير الحديث - ج ٣

محمّد عزّة دروزة

التّفسير الحديث - ج ٣

المؤلف:

محمّد عزّة دروزة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧

غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨)) [٨٠ الى ٩٨]

(١) هوى : سقط وهلك.

(٢) ما أعجلك عن قومك : ما لذي جعلك تترك قومك وتتعجل بالمجيء.

(٣) على أثري : آتون من ورائي.

(٤) فتنّا قومك : امتحناهم.

(٥) أسفا : حزينا أو ساخطا.

(٦) لم ترقب قولي : لم تطع قولي أو لم تحفظه أو لم تنتظر إشارة مني.

(٧) بصرت بما لم يبصروا به : علمت ما لم يعلموه أو رأيت ما لم يروه.

(٨) سوّلت لي نفسي : زينت لي نفسي.

(٩) لننسفنه : لننثرنه أو لنذرينه.

٢٠١

تعليق على الآيات

المتضمنة حكاية بعض ما كان من

أمر بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر

الآيات هي الحلقة الأخيرة من السلسلة. وقد احتوت حكاية موجز من سيرة بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر وأثناء مكوثهم في برية سيناء. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.

ومنها ما ذكر في سلسلة سورة الأعراف التي سبق تفسيرها ، ومنها ما لم يذكر قبل. وما جاء فيها متطابق إجمالا مع ما جاء بإسهاب في الإصحاحات (١٦ و ١٧ و ٣٠) من سفر الخروج مع بعض فروق في المحاورات ، باستثناء السامري وصنعه العجل. حيث ذكر الإصحاح (٣٠) من السفر أن هارون هو الذي صنعه نتيجة تمرد وإلحاح بني إسرائيل. ونعتقد أن اسم السامري كان متداولا بين اليهود وواردا في أسفار لم تصل إلينا كصانع للعجل. والمحاورة التي جرت بين موسى وهارون وحكتها الآيات وما حكته الآيات كذلك من تأنيب هارون لبني إسرائيل على اتخاذهم العجل مؤيد لذلك من وجهة النظر القرآنية والإسلامية. فهارون من أنبياء الله ولا يصح أن يكون صانعا للعجل.

ونعتقد أيضا أن ما جاء في القرآن غير ذلك مباينا لما جاء في السفر أسلوبا وعبارة كان هو أيضا متداولا في اليهود وواردا في الأسفار الضائعة. و(سامري) صيغة عربية نسبة إلى سامر الذي هو على الأرجح معرف من كلمة شامر التي كانت تطلق على منطقة في وسط فلسطين قرب نابلس اليوم. وقد ذكرت الكلمة في أسفار عديدة من أسفار العهد القديم المتداولة اليوم التي تؤرخ حقبة تاريخ بني إسرائيل قبل المسيح (١). ولقد كان في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم طائفة موسوية تسكن هذه المنطقة

__________________

(١) انظر مثلا الإصحاح (١٨) من أخبار الأيام الثاني و(١٦) من الملوك الأول في الطبعة البروتستانتية والثالث في الطبعة الكاثوليكية و(٤) من سفر عزرا و(٤) من سفر نحميا.

٢٠٢

استمرارا لأمد بعيد قبله بل وقبل المسيح منسوبة إليها. ولا يزال بقية منها موجودة إلى اليوم في نابلس. وكل هذا كان معروفا متداولا بين اليهود بطبيعة الحال.

ولقد أورد الطبري وغيره روايات معزوة إلى علماء الأخبار في الصدر الإسلامي الأول في صدد توضيح ما جاء في الآيات. منها ما هو متطابق مع الأسفار المتداولة اليوم ، ومنها ما لا يتطابق ، وكلها تدور في نطاق ما جاء في القرآن سواء أكان مباينا لما في الأسفار المتداولة أم لم يكن فيها بالمرة. حيث يدعم هذا ما قلناه. إن ما جاء في القرآن كان هو المتداول في بيئة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وليس من مصدر إلّا اليهود وما كان في أيديهم من أسفار وقراطيس لم تصل إلينا. ومن جملة ذلك أن السامري كان من عظماء بني إسرائيل وأنه من قبيلة اسمها سامرة. وأن الحلي التي صنع السامري منها العجل قد أخذها بنو إسرائيل من المصريين حين خروجهم وهو ما عبرت عنه الآية [٨٧]. وفي الإصحاحات (٣ و ١١) من سفر الخروج خبر استعارة بني إسرائيل من المصريين جيرانهم متاعا وحليا بنية سلبها. ومما جاء في روايات المفسرين أن السامري رأى جبريل وهو قادم إلى موسى فقبض قبضة من تراب الأرض التي داستها فرسه. وأنه ألقى هذه القبضة مع الحلي في النار وقال لها كوني عجلا جسدا له خوار وهو ما عبرت عنه الآيتان [٨٨ ـ ٨٩].

ولقد كان العجل من المعبودات المهمة في مصر. فالظاهر أن بني إسرائيل اندمجوا في ذلك إبّان إقامتهم في مصر. فلما ذهب موسى إلى مناجاة ربه وتأخر عنهم اضطربوا وثاروا وطالبوا بالعودة ثم ذكروا المعبود المذكور فصنعوا تمثالا له من الحلي التي كانوا سلبوها من المصريين وأخذوا يتعبدون له. ولقد كان هذا ديدن بني إسرائيل في إقامتهم في فلسطين فيما بعد حيث اعتنقوا عقائد أهلها القدماء وانحرفوا عن عبادة الله وحده. وكل هذا ما سجلته عليهم أسفارهم.

ولقد كان يعقوب جد بني إسرائيل وأولاده الذين هم أجداد أسباط بني إسرائيل أقاموا ردحا في منطقة نابلس التي كان اسمها سابقا شكيم على ما ذكره

٢٠٣

الإصحاح (٣٣) من سفر التكوين والإصحاحات التي بعده.

وقد قلنا إن هذه المنطقة هي المنطقة التي كانت تسمى سامر أو شامر. ولا ندري هل يمكن أن يكون بين هذا وبين ما رواه المفسرون من أن السامري كان من عظماء اليهود صلة ما بحيث يفرض أن بعض أبناء يعقوب أو ذريتهم نعتوا في مصر باسم السامريين نسبة إلى المنطقة التي سكنوا فيها في فلسطين قبل نزوحهم إلى مصر فظل هذا النعت متصلا إلى زمن موسى عليه‌السلام.

وتأويل كلمة (فَنَسِيَ) موضوع اختلاف على ما رواه المفسرون عن أهل التأويل حيث قال بعضهم إنها من كلام السامري لبني إسرائيل بقصد القول إن الإله العجل الذي صنعه لهم هو إله موسى أيضا الذي نسيه. وحيث قال بعضهم إنها تعقيب رباني بقصد القول إن السامري في قوله (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) يكون قد نسي إيمانه بالله وحده. وقد يكون هذا هو الأوجه لأن الآية التي أعقبت الكلمة احتوت تعقيبا قرآنيا مباشرا من الله فيه تنديد بهم لأنهم اتخذوا العجل دون أن يدركوا أنه لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم نفعا ولا ضرّا.

ومما رووه عن أهل التأويل في توضيح كلمة (لا مِساسَ) أن موسى عليه‌السلام أمر السامري بعدم مخالطته للناس وأمر الناس بعدم مخالطة السامري فصار هائما لا يمسّ ولا يمسّ.

ونكتفي بما تقدم مما يرويه المفسرون لتوضيح مدى الآيات لغويا وموضوعا. ولقد شرحناه ما ورد من أوصاف المنّ والسلوى في سورة الأعراف فلم نر ضرورة للتكرار.

ولقد احتوت الحلقة بدورها نقاطا عديدة فيها العبرة والعظة والتذكير والتطابق مع تقريرات القرآن المتكررة ، وكل هذا من أهدافها الجوهرية. من ذلك تذكير بني إسرائيل بما كان من عناية الله بهم وإنقاذهم من عدوهم وإرسال المنّ والسلوى طعاما لهم وإباحة الطيبات لهم جزاء ما كان من إيمانهم واتباعهم موسى عليه السلام وتحذيرهم من تجاوز حدود الله حتى لا يحلّ عليهم غضبه فيهلكون.

٢٠٤

وهتاف الله عزوجل بأنه الغفار لمن تاب إليه وآمن واهتدى وعمل الصالحات ، وما كان من افتتان بني إسرائيل بالعجل والتنديد بهم لأنهم اتخذوا إلها غير الله لا يملك لهم نفعا ولا ضرّا ، وثوران غضب موسى عليه‌السلام عليهم ومعاقبته للسامري بالمقاطعة التامة. وهتافه بأن الله هو وحده إلههم الذي وسع كل شيء علما والذي لا ينبغي أن يعبد غيره.

وفي قصة السامري خاصة عظة بالغة حيث انطوت على التحذير من وساوس الأشرار وإغواء شياطين الإنس ، ثم على خطة المقاطعة والحرمان والاحتقار ضد الذين يحاولون تضليل مجتمعهم وإفساد ضمائرهم وتشويه الصافي من عقائدهم وتقاليدهم.

(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١)) [٩٩ الى ١٠١]

الآيات جاءت معقبة على السلسلة تحمل الدليل الصريح على أن القصد من القصة التي احتوتها هو التذكير والعظة :

فالله تعالى أوحى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما كان من أنباء السابقين وآتاه الذكر ليكون في هذا وذاك موعظة للناس وهدى. فمن أعرض عنه ولم ينتفع به فإنه يأتي يوم القيامة حاملا وزره وساء ذلك من وزر سوف يؤدي بصاحبه إلى الخلود في النار.

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما

٢٠٥

بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣)) [١٠٢ الى ١١٣]

(١) زرقا : قيل زرقا بمعنى عميا وقيل بمعنى عطاشا وقيل إنها وصف للعيون حيث تزرق من الهلع والهول.

(٢) يتخافتون بينهم : يتحاورون فيما بينهم محاورة خافتة.

(٣) أمثلهم طريقة : أشدهم اعتدالا وأوفرهم عقلا.

(٤) قاعا صفصفا : سهلا منخفضا ومستويا.

(٥) عوجا : هنا بمعنى الانحناء أو الانخفاض أو الالتواء.

(٦) أمتا : بمعنى النتوء أو البروز.

(٧) يتبعون الداعي لا عوج له : يتبعون الداعي اتباعا تامّا ليس فيه زوغان ولا عوج ولا تلكؤ.

(٨) عنت : ذلت وخضعت.

(٩) القيوم : الدائم القيام على تدبير الكون والخلق.

(١٠) ظلما : الكلمة في الآية [١١١] بمعنى اقتراف الظلم وفي الآية [١١٢] بمعنى النقص والبخس.

(١١) هضما : بمعنى تضييعا.

في الآيات وصف ليوم القيامة وهوله. ومصائر الناس فيه حسب أعمالهم. وعبارتها واضحة. وهي على ما هو المتبادر استمرار للايات التعقيبية السابقة التي احتوت بيان ما يكون من أمر المعرضين عن ذكر الله يوم القيامة.

وبعض ما في الآيات قد جاء مثله في سور سابقة وعلقنا عليه ما فيه الكفاية. وفي الآية الأخيرة توكيد صريح لما ذكرناه غير مرة من أن من أهداف آيات الإنذار

٢٠٦

والوعيد والبشرى والترغيب في صدد الأخيرة هو تذكير الناس بالله تعالى وحقه عليهم ودعوته إلى اتقاء ما يغضبه من عقائد منحرفة وأفعال سيئة والإقبال على ما يرضيه من إيمان به وإخلاص له من الأعمال الصالحة.

وقد تخلل الآيات آيتان عن الجبال ونسفها يوم القيامة بصيغة سؤال موجه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مصيرها. وأمر بالإجابة بأنها تنسف ويكون مكانها سهل مستولا اعوجاج فيه ولا بروز. ولقد روى البغوي عن ابن عباس أن رجلا من ثقيف سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مصير الجبال يوم القيامة فأنزل الله الآية. وتقتضي الرواية أن تكون الآيتان نزلتا لحدتهما مع أنهما منسجمتان انسجاما تاما مع الآيات السابقة واللاحقة نظما وموضوعا. على أن هذا لا يمنع أن يكون واحد سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك في ظرف ما قبيل نزول الآيات فاقتضت حكمة التنزيل والإشارة إلى ذلك والإجابة عليه. وعلى كل حال فالجبال كانت تمثل في أذهان السامعين نموذجا من مشاهد الطبيعة العظيمة التي يحسونها ويشاهدونها والتي يمكن أن يرد لبالهم سؤال عن مصيرها ... ولقد تكررت الآيات القرآنية التي ذكر فيها مصير الجبال يوم القيامة مرّت أمثلة منها في سور المزمل والتكوير والقارعة مما يمتّ إلى ذلك.

واقتصار الآية الأولى على ذكر حشر المجرمين ليس معناه قصد اقتصار البعث عليهم طبعا وإنما هو في صدد إنذار الكفار المجرمين ووصف الهول الذي يلاقونه والفزع الذي يقعون فيه وأثره فيهم. على أن الآيات لم تنس المؤمنين الصالحين حين قررت أنهم سوف ينالون جزاء أعمالهم تامة لا بخس ولا هضم فيها.

وحكاية الحوار بين الكفار عن مقدار ما لبثوا في القبور انطوى فيها قصد تصوير قوة المباغتة التي سيباغتون بها وقصر موعد تحقيق الوعيد الرباني الذي يرونه مستحيلا وبعيدا للتأثير في السامعين وإثارة خوفهم وقلقهم على ما هو المتبادر.

وقوة الوصف والتصوير وقوة الوعيد والإنذار والترغيب والترهيب في الآيات

٢٠٧

بمجموعها ملموحة ، من شأنها إثارة الخوف والقلق في الكفار ، والطمأنينة والرضاء في المؤمنين ، وهو مما استهدفته فيما استهدفته.

والآية [١٠٩] وهي تذكر أن الشفاعة في ذلك اليوم لا تنفع إلا الذين رضي الله تعالى عنهم ولا تكون إلا بإذنه تنطوي على قصد قطع الطريق على المشركين الذين كانوا يشركون شركاء مع الله وخاصة الملائكة في العبادة والدعاء بقصد نيل شفاعتهم عنده. بل وعلى قصد الطريق على الناس عامة الذين اعتادوا أن يقضوا رغباتهم بالاستشفاع بغير الله من أنبياء وأولياء دون السعي والعمل والقيام بالواجب نحو الله والناس مما فيه تلقين مستمر. ومما تكرر بأساليب متنوعة بسبب امتلاء ذهن المشركين الأولين والناس عامة به. وقد مرت منه بعض الأمثلة ومن ذلك في الآيات الأخيرة من سورة مريم السابقة لهذه الآية.

تعليق على جملة

(وَهُوَ مُؤْمِنٌ) في الآية [١١٢]

وهذه الجملة في مقامها تنطوي على تنبيه مهم وهو أن العمل الصالح الذي يفيد صاحبه وينجيه من سوء المصير في الآخرة هو الذي يجب أن يكون صادرا عن إيمان بالله واليوم الآخر. والحكمة المتبادرة من هذا هي التنبيه على أن العمل الصالح الذي لا يكون صاحبه مؤمنا لا يكون خالصا من كل شائبة ومأرب. ويكون معرضا للانتكاس والانقطاع. وعلى أن الإيمان فقط هو الذي يحفز صاحبه على العمل الصالح الخالص من الشوائب والمآرب. والمبتغى به وجه الله تعالى دون انتظار جزاء ومقابلة وشكر من أحد غير الله. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل المدى يتسامى به المؤمن عن أي جزاء دنيوي عن أعماله الصالحة. ويجعله لا يهتم إلّا برضاء الله تعالى عنه. ويقدم على التضحيات والمشاق في سبيل ذلك في كل ظرف. وقد تكرر تقرير هذا كثيرا في القرآن لما له من خطورة متصلة بحياة الإنسان والإنسانية والتربية الإسلامية السامية فضلا عن الحقيقة المنطوية فيه.

٢٠٨

تعليق على جملة

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا)

وهذه الجملة في الآية [١١٣] وهي تقرر أن القرآن أنزل عربيا لا تعني طبعا أنه غير موجه إلى غير العرب. وإنما ذلك لأن العرب هم المخاطبون الأولون به. ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم. ولأنهم هم الذين حملوا عبء نشر رسالته بين العالمين. وعموم الرسالة المحمدية والقرآنية قد تقررت في آيات عديدة مكية ومدنية مرّت أمثلة منها بحيث يكون ذلك قضية محكمة خارجة عن نطاق الجدل والمراء. ولقد نشر العرب الرسالة الإسلامية بين غيرهم من الأمم الذين لم يعرفوا اللغة العربية. ولا ريب في أن العرب ترجموا لهم القرآن وأحاديث النبي ومبادئ الرسالة ترجمة جعلتهم يقبلون على اعتناق الدين الإسلامي ويتعلقون به ويتعلمون اللغة العربية ليقرأوا القرآن بلغته المنزلة.

(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)) [١١٤]

(١) يقضى إليك وحيه : أوجه الأقوال أن الجملة بمعنى حتى يتم وينتهي وحيه إليك. وهذا المعنى في آية البقرة (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) [٢٠٠] بمعنى إذا انتهيتم منها.

تعليق على الآية (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ

وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ

وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)

الخطاب في الآية موجه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما هو المتبادر والمتفق عليه. وقد تضمن تقرير العلوّ لله عزوجل وتوكيد كونه صاحب الملك الحقيقي المطلق ثم

٢٠٩

أمرا بعدم الاستعجال بما يوحى إليه من القرآن قبل أن يقضي إليه وحيه. وبطلب المزيد من العلم من الله تعالى.

ولقد تعددت روايات المفسرين عن أهل التأويل في جملة (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) من ذلك أنها بمعنى لا تعجل في تلاوة ما يوحى إليك وإملائه قبل أن تبان لك معانيه. أو قبل أن نبيّن لك معانيه. ومنها أن الآية مشابهة في مداها لايات سورة القيامة (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) وأشار أصحاب هذا القول إلى الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس وأوردناه في سياق تفسير هذه الآيات. وقالوا : إن هذا الحادث لذلك الحادث أو هو نفسه.

ومع ما يلحظ من صلة لفظية بين الآية السابقة التي ورد فيها ذكر القرآن أيضا فإننا نرجح أن تكون ما تضمنته مماثلا للحادث الذي تضمنته آيات سورة القيامة. مع القول إنه حادث ثان إذ لا تظهر الحكمة في الإشارة إليه مرة أخرى لو كان نفس الحادث. ويظهر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاد فكرر ما كان يوحى إليه قبل تمامه خشية التفلت منه فنبه مرة أخرى في هذه الآية. والراجح أن يكون ذلك من ظرف نزول الآيات السابقة فجاءت الآية متساوقة في سبكها ونظمها معها ووضعت في سياقها والله أعلم. ولقد علقنا على مدى الحادث الذي تضمنته آيات سورة القيامة وقد مرّت الإشارة إليه. وما قلناه هناك يصح قوله هنا بتمامه فلا ضرورة للتكرار.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا رواه ابن ماجه وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة قال «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول اللهم انفعني بما علّمتني وعلّمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كلّ حال» وفي الحديث تعليم نبوي رفيع. وهناك أحاديث أخرى فيها تنويه بالعلم وطلبه وبالعلماء لها صلة بمدى الآية والحديث السابق أيضا. من ذلك حديث رواه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء قال «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول من سلك طريقا يبتغي به علما سلك الله له طريقا إلى الجنّة. وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم. وإنّ العالم ليستغفر له من في

٢١٠

السّموات ومن في الأرض حتّى الحيتان في الماء. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. وإنّ العلماء ورثة الأنبياء. إنّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظّ وافر» (١).

وحديث رواه الشيخان عن أبي مسعود قال «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا حسد إلّا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ. ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها» (٢).

وقد يكون ويقال إن التنويه في الأحاديث هو بالنسبة للعلم المتصل بدين الله وحدوده وأحكامه. غير أن هذا لا يخرج فيما يتبادر لنا أي علم من مضمون التنويه إذا كان صاحبه مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر. لأنه يزداد فيما يعلمه من علوم عقلية وكونية يقينا بالحقائق الإيمانية على ما شرحناه في سياق تفسير الآية [٢٧] من سورة فاطر والله تعالى أعلم.

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا

__________________

(١) التاج ج ١ ص ٥٤.

(٢) المصدر نفسه.

٢١١

فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧)) [١١٥ الى ١٢٧]

(١) عهدنا إلى آدم : بمعنى وصيناه وأمرناه وأخذنا عليه عهدا.

(٢) عزما : بمعنى ثباتا وقوة عزيمة.

(٣) ولا تضحى : كناية عن عدم التعرض لوهج الشمس في أول النهار أو عدم التأذي به.

(٤) شجرة الخلد : الشجرة التي تجعلك مخلدا في الحياة.

(٥) لا يبلى : لا يزول ولا يفنى.

(٦) غوى : خالف أمر ربه أو مال إلى الغواية باستماع وسوسة الشيطان.

(٧) اجتباه : عطف عليه واصطفاه.

(٨) ضنكا : ضيقا.

(٩) أسرف : هنا بمعنى تجاوز الحد في الجحود والضلال.

في الآيات قصة آدم وإبليس. والآية الأولى جاءت تمهيدا لها كما أن الآيات الأربع الأخيرة جاءت للتعقيب والاستطراد. وعبارتها واضحة.

والمتبادر أن الآيات متصلة موضوعا وسبكا بالآيات السابقة باستثناء الآية [١١٤] التي قد تلهم أنها جاءت معترضة تنطوي على تعليم خاص للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودونت في السياق لنزولها في أثنائه. فالآية [١١٣] ذكرت أن الله أنزل القرآن وصرف فيه الوعيد لعل الناس يتقون ويتذكرون. ثم جاءت هذه الآيات لتذكر بقصة آدم وإبليس وكيف أن الله أمر ووصى آدم عليه‌السلام ببعض أوامره ووصاياه فلم يثبت ونسي ما وصى به ، ومن هنا تظهر الصلة قائمة بين هذه الآيات والآيات السابقة.

وهدف الآية الأولى التمهيدية هو التحذير من نسيان أوامر الله ووصاياه وإيجاب الثبات عليها وعدم الاستماع لوسوسة الشيطان التي ترمي إلى حمل

٢١٢

الإنسان على نسيانها ونقضها ، ثم جاءت الآيات التالية مذكرة بقصة آدم الذي لم يثبت على أوامر الله ونسيها بتأثير تلك الوسوسة. وهدف الآيات التعقيبية الاستطرادية هو بيان مصير الناس يوم القيامة نتيجة لاتباعهم لما أنزل الله ووصى به من الهدى وعدم اتباعه ، توكيدا للتحذير التمهيدي وبقصد تنبيه السامعين وإثارة الرهبة والرغبة فيهم.

ووصف مصير المعرض عن ذكر الله بخاصة مفزع رهيب. وقد يكون من حكمة ذلك التشديد في الإنذار والترهيب.

وجملة (فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) (١٢٣) بالنسبة لمن اتبع هدى الله يصحّ أن تكون شاملة المدى للدنيا والآخرة معا وهو ما يتبادر لنا أن الآية قصدت إليه. من حيث إن الذي يتبع هدى الله ويلتزم حدوده يكون له من ذلك ما يضمن له العصمة من الضلال والشفاء فيهما. وفي هذا تطمين رباني قوي وحافز على اتباع هدى الله.

ويتبادر لنا أن جملة (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) جاءت لمقابلة جملة (فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) (١٢٣) وأنها هي الأخرى شاملة المدى مثلها للدنيا والآخرة من حيث إن الذي يعرض عن ذكر الله ودينه الحق يفقد أسباب تلك العصمة ويتعرض لسوء الحياة ونكدها في الدنيا والآخرة معا.

نقول هذا مع القول إن المفسرين يروون عن بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الجملة تعني عذاب القبر بل رووا أحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك حيث رووا عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن المعيشة الضّنك هي عذاب القبر» وهذا التفسير النبوي لم يرد في كتب الصحاح. ومع ذلك فإن الطبري استدل على صحته بالآية [١٢٧] التي فيها (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) وقال إن المعيشة الضنك لو كانت عذاب الآخرة لما كان لهذه الآية مفهوم ومعنى.

غير أن هذا لا يخل بما تبادر لنا وأوردناه آنفا من الجملة بصورة عامة. والله تعالى أعلم.

٢١٣

وننبه على أن هناك أحاديث عديدة في عذاب القبر سوف نوردها ونعلق عليها في مناسبة أخرى أكثر ملاءمة.

تعليق على الجديد في قصة آدم وإبليس في هذه السورة

ولقد علقنا على موضوع قصة آدم وإبليس بما فيه الكفاية في سياق تفسير سورتي ص والأعراف فلا حاجة إلى الإعادة. والسياق ومناسبته يفسر أن حكمة تكرار إيراد القصة حيث يقتضي ذلك تكرار المواقف وتجدد المناسبات مما هو متسق مع طبيعة محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما ذكرناه قبل ، ومما يصح أن يورد في صدد متكررات القرآن المتنوعة الوعظية والقصصية والتدعيمية والترغيبية والترهيبية.

وإذا كان من شيء نقوله هنا تعليقا على القصة فهو أن القصد في ضرب المثل والموعظة والتحذير والتنبيه أوضح. ثم إن فيها شيئا جديدا وهو الإشارة إلى توبة آدم عليه‌السلام وقبولها. ولعل في هذا على ما يتبادر ردّا على ما كان النصارى وما يزالون يعتقدونه من عقيدة تسلسل خطيئة آدم في ذريته من بعده ، وعقيدة الفداء التي أرسل الله ابنه ـ تنزه وتقدس ـ ليقوم بها. فجميع بني آدم من لدن آدم إلى يوم صلب المسيح على ما يعتقده النصارى بما فيهم الأنبياء طبعا آثمون بخطيئة آدم ولم يخلصوا من هذا الإثم تجاه الله تعالى إلّا بصلب ابن الله الذي هو الله كما أراد الله تعالى وتقدس. وسورة طه قد نزلت بعد سورة مريم. فلعل اعتراضا أو احتجاجا أو كلاما وقع بمناسبة قصة مريم في هذا الصدد فاقتضت حكمة التنزيل تضمين هذا الأمر في السورة التي تلتها على سبيل الردّ والتوضيح.

(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما

٢١٤

يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠)) [١٢٨ الى ١٣٠]

(١) أفلم يهد لهم : بمعنى أولم يتبين لهم ، أو أولم يظهر لهم ، أو أولم يهدهم ويقنعهم.

(٢) أولي النهى : أولي العقل.

في الآية الأولى سؤال استنكاري عما إذا لم يتبين للكافرين ويعرفوا أن الله أهلك كثيرا قبلهم من القرون نتيجة لطوافهم في الأرض ومشاهدة آثارهم ومشيهم في مساكنهم حتى يظلوا على غيهم. وإن في ذلك لايات ودلائل كافية لإقناع أولي العقول والأحلام.

وفي الآية الثانية بيان رباني بأنه لو لم تقتض حكمة الله تعالى عدم الإسراع في إهلاك الكافرين برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكفرهم كما فعل بأمثالهم السابقين وفي تأجيلهم إلى أجل معين في علم الله لكان إهلاكهم لازما جريا على السنة التي سار عليها مع الأمم السابقة حينما وقفوا من أنبيائهم موقف هؤلاء من نبيهم. وقد جاءت بالصيغة التي جاءت عليها للتساوق النظمي على ما هو المتبادر حيث يلمح فيها تقديم وتأخير ، بما معناه (لولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى حدده في علمه لكان عذابهم العاجل لزاما) والله أعلم.

وفي الآية الثالثة أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبر على ما يسمعه من الكفار ويراه من مواقف يضيق بها صدره وتغتم لها نفسه ، وبالمثابرة على تسبيح الله تعالى وحمده مؤملة إياه برضا النفس وطمأنينتها بذلك.

والآيات متصلة بالسياق السابق اتصالا موضوعيا مع الالتفات فيه إلى الكفار العرب. فقد انتهت الآيات السابقة بإنذار الذين يسرفون في الإثم والجحود ، ثم جاءت الآيتان الأوليان من هذه الآيات تلتفتان إلى الكفار العرب لتذكراهم وتحذّراهم وتنذراهم ، أما الآية الثالثة فهي كذلك متصلة بالموضوع مع الالتفات

٢١٥

إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سبيل التطمين والتثبيت والتسلية ؛ مما جرى عليه التنزيل القرآني في كثير من مناسبات وحكاية مواقف وأقوال الكفار التي كانت تثير في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الألم والحسرة.

وفي الآية الأولى دلالة على أن سامعي القرآن الأولين وهم أهل مكة كانوا يعرفون بلاد الأمم السابقة وما حل فيها من تدمير رباني. وبذلك يأتي الإنذار مستحكما ولقد تكرر هذا في آيات سابقة وآتية. ومن السابقة الآية [٤] من سورة الفرقان هذه (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها ...) وقد شرحنا هذا وافيا في سياق تعليقنا على القصص القرآنية في سورة القلم.

تعليق على مدى وتلقين الآية التي

تأمر بذكر الله وتسبيحه في مختلف والأوقات

والآية الأخيرة وإن كان الخطاب فيها قد وجّه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سبيل التطمين والتثبيت بسبب ما يصدر من الكفار فإن فيها تلقينا جليلا لجميع المسلمين الذين من واجبهم أن يجعلوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدوة وإماما حيث تقرر ما يمكن أن تبثه عبادة الله تعالى وذكره وتسبيحه والاتجاه إليه والتفكير في آلائه وآياته وبخاصة عند اشتداد أزمات النفس وآلامها من طمأنينة نفس وهدوء قلب وراحة ضمير وقوة على تحمل المشاق والمصاعب المادية والمعنوية والاستهانة بها. وهذه حالة روحية يدركها كل من استغرق هذا الاستغراق فشع نور الله في قلبه ، ومعالجة نفسية قرآنية مضمونة النتيجة. وأي امرئ حزبته مشاكل الدنيا وآلامها فلجأ إلى الله وذكر عظمة ملكوته وسلطانه واستغرق في آياته وآلائه وقدرته ، وجبروته لن يلبث أن تهون عليه هذه المشاكل والآلام مهما جلّت ، بل وأن تهون في نظره الدنيا وما فيها والإنسان وجبروته وسخافاته وأن يشعر بطمأنينة النفس وقوة القلب والقدرة على التحمل والتجمّل بالصبر.

ولقد تكرر مثل الأمر الوارد في الآية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أكثر من سورة لمثل

٢١٦

الأهداف التي انطوت في هذه الآية. وفي سورة ق آيتان مماثلتان في صيغتهما لصيغتها.

ولقد ذهب بعض المفسرين (١) إلى أن الأوقات التي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتسبيح فيها في الآية [١٣٠] هي أوقات الصلوات المفروضة وأن التسبيح يعني إقامة الصلوات ، ومع أن الآية على ما يتبادر لنا هي بسبيل توكيد الاستمرار في ذكر الله وحمده وتسبيحه طيلة أوقات اليقظة فإن ما ذهبوا إليه قد لا يخلو من وجاهة. وقد علقنا على ذلك بما فيه الكفاية في سياق تفسير الآيتين [٣٨ ، ٣٩] من سورة ق الممائلتين في صيغتهما لهذه الآية.

ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أن الآية [١٣٠] مدنية. وأسلوبها وانسجامها مع السياق وبروز الطابع المكي عليها في ضمير «يقولون» العائد على الأرجح إلى الكفار موضوع الكلام في الآيات السابقة يسوّغ الشك في الرواية ؛ ولا سيما أن الآية التالية لها هي تتمة للموضوع ، والطابع المكي بارز عليها كذلك.

(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢)) [١٣١ الى ١٣٢]

احتوت الآية الأولى أمرا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدم مدّ عينيه مدّ المستغرب إلى ما يتمتع به بعض فئات من الكفار من متع الحياة الدنيا وزينتها ، وتنبيها إلى أن ذلك إنما هو ابتلاء واختبار رباني ، وأن رزق الله وما أعده الله له من حسن العاقبة هو خير وأبقى. واحتوت الآية الثانية أمرا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذلك بالمثابرة على الصلاة وأمر أهله بالمثابرة عليها معه وعدم الاهتمام للدنيا وأمر الرزق ، وتطمينا ربانيّا بأن الله سبحانه قد كفاه مؤونة ذلك وأن العاقبة مضمونة للذين يتقونه.

__________________

(١) انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والخازن.

٢١٧

وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية الأولى مدنية. وقد روى المفسرون أنها نزلت بمناسبة امتناع يهودي من إسلاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالا كان يريد أن ينفقه في قرى ضيف وفد عليه إلا برهن. مما حزّ في نفسه وجعله يقول لو أسلفني لأديته وإني لأمين في السماء ، أمين في الأرض. ثم أرسل درعه رهنا. والرواية لم ترد في كتب الصحاح. وقد يكون الحادث المروي صحيحا. ولكنا نلحظ أن الآية منسجمة مع السياق سبكا وموضوعا. ومعطوفة على ما قبلها. وصلتها بالآية السابقة لها واضحة بحيث يبرر كل هذا الشك في رواية مدنية الآية ورواية نزولها بمناسبة ذلك الحادث. وترجيح مكيتها وصلتها بظروف سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العهد المكي. وفي سورة الحجر آية مشابهة لهذه الآية وهي الآية [٨٨] جاءت في سياق مماثل حيث ينطوي في هذا تدعيم لذلك الشك وهذا الترجيح والله أعلم.

والمتبادر أن الآيتين معا تتمة للخطاب الموجه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الآية السابقة لهما مباشرة. ويبدو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أن المسلمين كانوا أحيانا يتعجبون من إمداد الله زعماء الكفار وأغنياءهم بما يتمتعون به من رفاهة ونعيم وثروات مما هو طبيعي الورود على الخاطر فاقتضت حكمة التنزيل أن يكون في السياق الذي يذكر فيه مصير الكفار ويطلب فيه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصبر على ما يقولون. هاتان الآيتان لتبيين واقع الأمر من هذا الذي يتمتعون به وبث الطمأنينة والرضاء والغبطة في قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين بما عند الله تعالى وبالعاقبة المضمونة لهم ، وتقرير كون ما يتمتع به الكفار هو من قبيل الاختبار. ولعل زعماء الكفار وأغنياءهم كانوا يتبجحون بما هم فيه من نعيم ورفاهة ويزهون على المسلمين على اعتبار أن الله لو كان ساخطا عليهم كما يقولون لما كان أدام عليهم نعمه فكان ذلك مما يحز في نفوسهم. ولقد ذكر شيء مما كان يدور في أذهان أغنياء الكفار وزعمائهم من مثل ذلك في آيات عديدة منها آيات سورة المؤمنون هذه (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٦) ولقد تضمنت آية سورة مريم [٧٣] شيئا من هذا على ما شرحناه في سياق تفسيرها قبل هذه السورة. ولقد تكرر التنبيه إلى أن ما يتمتع به الكفار هو من قبيل الاستدراج والإمهال على ما جاء في آيات سورة

٢١٨

الأعراف [١٨٢ ، ١٨٣] وآيات سورة القلم [٤٤ ، ٤٥] وسبق تفسيرها.

تلقينات آية

(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ)

وتنطوي الآيات على تلقينات جليلة مستمرة المدى لجميع المسلمين ولو أن الخطاب فيها موجه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه إمامهم وقدوتهم.

فإمكانيات التمتع بالحياة الناعمة المترفة وأسبابها ليست مرتبطة بكفر وإيمان وليست نتيجة ملازمة لأية حالة منهما. والمهم في الحياة طمأنينة النفس وهدوء البال والرضى.

وهذا ما يتحقق للمؤمن المتقي الذي يمنعه إيمانه وتقواه من جعل الدنيا أكبر همّه ويبث في نفسه القناعة والرضاء فيما يتيسر له من أسباب الحياة المشروعة والاعتماد على الله وحده في ذلك ، ولزوم حدود الله والقيام بواجباته نحو الله والناس على أتمّ وجه. لا سيما أن الاستغراق في الحياة الدنيا وشهواتها كثيرا ما يسبب الآلام والنكبات ويثير القلق والاضطراب. وفي كل هذا الذي تلهمه الآيات ما فيه من معالجة روحية نافذة.

وقد يكون من تلقيناتها وجوب قصر المسلم طمعه وطموحه عن اكتناز المال الكثير لأجل التباهي والتكاثر والاستمتاع الخاص به وحسب. وقد يؤيد هذا آيات عديدة في سور مكية ومدنية نددت باكتناز المال والاستغراق في حبه ، وبخاصة إذا لم يكن لأجل نفع الغير به وإنفاقه في سبيل الله تعالى. وقد مرّ من ذلك أمثلة في سورة الفجر والتكاثر والعاديات ، ومن ذلك آيات سورة التوبة هذه (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (٣٥).

٢١٩

تعليق على تحدي الكفار للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

بالإتيان باية وما في الرد القرآني من تلقينات

وهذه أول مرة يحكي القرآن فيها تحدي الكفار للنبي بالإتيان باية أي معجزة بنص صريح ثم تكرر هذا كثيرا.

والذي يتبادر لنا من أسلوب الآية [١٣٣] أنها بسبيل حكاية واقع. وليست بسبيل تسجيل أول تحدّ. وإن أولية الحكاية لا تمنع أن يكون الكفار قد تحدوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل ذلك. وقد لمحنا ذلك في آية سورة المدثر (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (٥٢) وعلقنا عليه وعلى تحدي الكفار بالإتيان بالمعجزات. ولقد ردت عليهم الآية متسائلة عما إذا لم يكفهم ما يرونه من تطابق وتوافق بين القرآن الذي يتلى عليهم وما في الكتب المنزلة الأولى من الله على رسله السابقين. وهذا الرد ينطوي من جهة على توكيد لما شرحناه عن موضوع تحدي الكفار بالمعجزات في سورة المدثر ومن جهة على كون الكفار لا ينكرون الله تعالى وعادته في إرسال الرسل وإنزال الكتب عليهم من جهة ، ولا يجهلون أن ما في أيدي أهل الكتاب هو من ذلك من جهة. وبكلمة أخرى إنهم لا ينكرون إرسال الرسل وإنما كانوا ينكرون نبوة النبي ويطلبون البرهان على أنه مرسل من الله تعالى. وجواب القرآن هنا على أسلوب الحكيم. فهم يطلبون معجزة ودليلا والقرآن يقرر أن الدليل والمعجزة فيما احتواه من مبادئ سامية وتطابق هذه المبادئ واتحاد مصدرها مع مبادئ ومصادر الرسالات والكتب السابقة التي يسلم الكفار بها وبمصدريتها الإلهية. ويهتف بهم إن في ذلك الكفاية لمن أراد الحق والحقيقة لأن الدعوة إلى الله وحده والعمل الصالح والنهي عن الشرك والإثم والفواحش لا يحتاجان إلى معجزة. وهذا الأسلوب تكرر في القرآن كثيرا ردا على الكفار على ما شرحناه في سياق سورة المدثر.

ولقد فهم هذا أصحاب رسول الله على حقيقته فكسبوا وادخروا المال وانتفعوا ونفعوا به وتمتعوا بالطيبات الحلال في الحدود المرسومة في الآيات

٢٢٠