غاية المرام وحجّة الخصام - ج ١

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ١

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

قال : فتنفس ابن عباس فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «علي مع الحق والحق مع علي(١) وهو الإمام والخليفة بعدي ، فمن تمسك به فاز ونجا ، ومن تخلف عنه ضل وغوى ، يلي تكفيني وغسلي ، ويقضي ديني ، وأبو سبطي الحسن والحسين ، ومن صلب الحسين تخرج الأئمة التسعة ، ومنا(٢) مهدي هذه الأمة». فقال له عبد الله ابن سلمة الحضرمي : يا بن عم رسول الله فهلا كنت تعرفنا قبل؟ فقال : والله قد اديت ما سمعت ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ، ثم قال : اتقوا الله عباد الله تقية من اعتبر تمهيدا ، وبقي في وجل (٣) وكمش في مهل (٤) ، ورغب في طلب ، وهرب في هرب. فاعملوا لآخرتكم قبل حلول آجالكم ، وتمسّكوا بالعروة الوثقى من عترة نبيكم ، فاني سمعته يقول : «من تمسك بعترتي من بعدي كان من الفائزين».

ثم بكى بكاء شديدا فقال له القوم : أتبكي ومكانك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكانك؟ فقال لي : يا عطاء إنما أبكي لخصلتين : هول المطلع وفراق الأحبة ؛ ثم تفرق القوم فقال : يا عطاء خذ بيدي واحملني إلى صحن الدار ، فأخذنا بيده أنا وسعيد وحملناه إلى صحن الدار ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إني أتقرب إليك بمحمد وآل محمد ، اللهم إني أتقرب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب. فما زال يكررها حتى وقع على الأرض فصبرنا عليه ساعة (٥) ثم أقمناه فإذا هو ميت رحمة الله عليه (٦).

السادس والستون : ابن بابويه قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : أخبرنا محمد بن محمد (٧) الهمداني قال : حدّثنا محمد بن هشام قال : حدّثنا علي بن الحسن السائح قال: سمعت الحسن بن علي العسكري يقول : حدثني أبي عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بن أبي طالب : يا علي لا يحبك إلا من طابت ولادته ، ولا يبغضك إلا من خبثت ولادته، ولا يواليك إلا مؤمن ولا يعاديك إلا كافر» ، فقام إليه عبد الله بن مسعود فقال : يا رسول الله قد عرفنا علامة خبث الولادة والكافر في حياتك ببغض علي وعداوته ، فما علامة خبث الولادة والكافر بعدك إذا أظهر الإسلام بلسانه وأخفى مكنون سريرته؟ فقال عليه‌السلام : «يا بن

__________________

(١) في كفاية الاثر : والحق معه.

(٢) في المخطوطة : ومنها.

(٣) في كفاية الاثر : واتقى في وجل. والوجل : الخوف.

(٤) أي أسرع في الخير.

(٥) في المخطوطة : فمر بنا عليه ساعة.

(٦) رواه الخزاز في كفاية الاثر ص ٣ ـ ٤ ، والمجلسي في البحار ٣٦ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٧) في كمال الدين : أحمد بن محمد.

٢٠١

مسعود علي بن أبي طالب إمامكم بعدي وخليفتي عليكم ، فإذا مضى فابني الحسن إمامكم بعده وخليفتي عليكم ، فإذا مضى فابني الحسين إمامكم بعده وخليفتي عليكم ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم وخلفائي عليكم ، تاسعهم قائم أمتي ، يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ؛ لا يحبهم إلا من طابت ولادته ولا يبغضهم إلا من خبثت ولادته ، ولا يواليهم إلا مؤمن ، ولا يعاديهم إلا كافر ، ومن أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ، ومن انكرني فقد أنكر الله عزوجل ، ومن جحد واحدا منهم فقد جحدني ومن جحدني فقد جحد الله عزوجل ، لأن طاعتهم طاعتي وطاعتي طاعة الله ، ومعصيتهم معصيتي ومعصيتي معصية الله عزوجل ، يا بن مسعود إياك أن تجد في نفسك حرجا مما قضي (١) فتكفر بعزة ربي ، وما أنا متكلف ولا ناطق (٢) عن الهوى في عليّ والأئمة من ولده ، ثم قال عليه‌السلام : ـ وهو رافع يديه إلى السماء ـ اللهم وال من والى خلفائي ، وأئمة أمتي بعدي ، وعاد من عاداهم ، وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم ، ولا تخل الأرض من قائم منهم بحجتك ظاهرا أو خافيا مغمورا لئلا يبطل دينك وحجتك وبرهانك (٣) ثم قال عليه‌السلام : يا بن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما إن فارقتموه هلكتم ، وإن تمسكتم به نجوتم ، والسلام على من اتبع الهدى» (٤).

السابع والستون : ابن بابويه قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليبي بمدينة السلام قال : حدّثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي (٥) قال : حدّثنا علي بن عاصم ، عن محمد بن علي بن موسى ، عن أبيه علي بن موسى بن جعفر ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : «دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده ابي بن كعب فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرض ، فقال له ابي : وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرض أحد غيرك؟ فقال له يا ابي والذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض فإنه مكتوب عن

__________________

(١) في كمال الدين : أقضى.

(٢) في كمال الدين : فتكفر ، فوعزة ربي ما أنا متكلف ولا ناطق.

(٣) في كمال الدين : وبرهانك وبيناتك.

(٤) كمال الدين : ١ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، البحار : ٣٦ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٥) في كمال الدين : حدّثنا محمد بن الفضل النحوي قال : حدّثنا محمد بن علي بن عبد الصمد.

٢٠٢

يمين العرش مصباح هاد وسفينة نجاة وإمام غير وهن وعز وفخر ، وبحر علم ، ألا يكون (١) كذلك؟ وإن الله عزوجل ركب في صلبه نطفة طيبة مباركة زكية خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار ولقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره الله عزوجل معه وكان شفيعه في آخرته ، وفرج الله عنه كربه ، وقضى به دينه ، ويسر أمره ، وأوضح سبيله ، وقوّاه على عدوه ، ولم يهتك ستره» ، فقال أبي : وما هذه الدعوات يا رسول الله؟

قال : «إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد : اللهم إني أسألك بملكك ومعاقد عزك وسكان سماواتك (٢) وأنبيائك ورسلك قد رهقني (٣) من أمري عسر ، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي من عسري يسرا ، فإن الله عزوجل يسهل أمرك ويشرح صدرك (٤) ويلقنك شهادة أن لا إله إلا الله عند خروج نفسك».

قال له ابي بن كعب : يا رسول الله فما هذه النطفة التي في صلب الحسين (٥)؟ قال : «مثل هذه النطفة كمثل القمر وهي نطفة تبيين وبيان ، يكون من اتبعه رشيدا ومن ضل عنه غويا» قال : فما اسمه وما دعاؤه؟ قال : «اسمه علي ودعاؤه : يا دائم يا ديموم ، يا حي يا قيوم ، يا كاشف الغم ، ويا فارج الهم ، ويا باعث الرسل ، ويا صادق الوعد ، من دعا بهذا الدعاء حشره الله عزوجل مع علي ابن الحسين عليه‌السلام وكان قائده إلى الجنة».

قال له ابي : يا رسول الله فهل له من خلف ووصي (٦)؟ قال : «نعم له مواريث السماوات والأرض» قال : فما معنى مواريث السماوات والأرض يا رسول الله؟ قال : «القضاء بالحق ، والحكم بالديانة ، وتأويل الأحكام (٧) ، وبيان ما يكون». قال : فما اسمه؟ قال : «اسمه محمد وإن الملائكة تستأنس به في السماوات والأرض ، ويقول في دعائه : اللهم إن كان لي عندك رضوان وودّ فاغفر لي ولمن اتبعني من إخواني وشيعتي وطيب ما في صلبي ، فركّب الله في صلبه نطفة مباركة (٨) زكية فاخبرني (٩) أن الله عزوجل طيب هذه النطفة وسمّاها عنده جعفرا ، وجعله هاديا مهديا ، وراضيا

__________________

(١) في كمال الدين : وبحر علم وذخر فلم لا يكون كذلك.

(٢) في كمال الدين : أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك وسكان سماواتك وأرضك.

(٣) في كمال الدين : أن تستجيب لي فقد رهقني.

(٤) في كمال الدين : ويشرح لك صدرك.

(٥) في كمال الدين : في صلب حبيبي الحسين.

(٦) في كمال الدين : أو وصي.

(٧) في كمال الدين : تأويل الاحلام.

(٨) في كمال الدين : مباركة طيبة.

(٩) في كمال الدين : فأخبرني جبرائيل عليه‌السلام.

٢٠٣

مرضيا ، يدعو ربه فيقول في دعائه : يا ديّان غير متوان يا أرحم الراحمين اجعل لشيعتي من النار وقاء ولهم عندك رضاء ، فاغفر لي ذنوبهم ، ويسر امورهم واقض ديونهم ، واستر عوراتهم ، واغفر لهم الكبائر (١) التي بينك وبينهم ، يا من لا يخاف الضيم ولا تأخذه سنة ولا نوم ، اجعل لي من الغم فرجا (٢) ومن دعا بهذا الدعاء حشره الله عنده أبيض الوجه مع جعفر بن محمد إلى الجنة.

يا ابي وإن الله تبارك وتعالى ركب على هذه النطفة نطفة زكية مباركة طيبة أنزل عليها الرحمة وسمّاها عنده موسى وجعله إماما» قال له ابي : يا رسول الله كلهم يتواصفون ويتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضا؟ قال : «وصفهم لي جبرائيل عليه‌السلام عن رب العالمين جل جلاله» فقال : فهل لموسى دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه؟ قال : «نعم يقول في دعائه : يا خالق الخلق ، ويا باسط الرزق ، ويا فالق الحب والنوى ، ويا بارئ النسم ومحيي الموتى ومميت الاحياء ، ودائم الثبات ، ومخرج النبات ، افعل بي ما أنت أهله. من دعا بهذا الدعاء قضى الله عزوجل حوائجه وحشره يوم القيامة مع موسى بن جعفر ، وإن الله ركب في صلبه نطفة طيبة زكية مرضية وسمّاها عنده عليا ، وكان الله عزوجل في خلقه رضيا في علمه وحلمه وحكمه ، وجعله حجة لشيعته يحتجون به يوم القيامة ، وله دعاء يدعو به : اللهم أعطني الهدى ، وثبتني عليه ، واحشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ولا جزع (٣) إنك أهل التقوى وأهل المغفرة ، وإن الله عزوجل ركب في صلبه نطفة مباركة زكية (٤) مرضية وسمّاها عنده محمد بن علي ، فهو شفيع شيعته ووارث علم جده ، له علامة بيّنة ، وحجة ظاهرة إذا ولد يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول في دعائه : يا من لا شبيه له ولا مثال ، أنت الله لا إله إلا أنت ، ولا خالق إلا أنت تفني المخلوقين وتبقي أنت ، حلمت عمن عصاك ، وفي المغفرة رضاك. من دعا بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة ، وإن الله تبارك وتعالى ركب في صلبه نطفة زكية نائرة مباركة طيبة طاهرة سمّاها عنده علي بن محمد فألبسه السكينة والوقار ، وأودعه العلوم (٥) وكل شيء مكتوم ، من لقيه وفي صدره شيء أنبأه به ، وحذره من عدوه ، ويقول في دعائه : يا نور يا برهان يا مثير يا مبين يا رب أكفني شر الشرور وآفات الدهور وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور. من دعا

__________________

(١) في كمال الدين : وهب لهم الكبائر.

(٢) في كمال الدين : من كل هم وغم فرجا.

(٣) في المخطوطة : وكمال الدين : أمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع.

(٤) في كمال الدين : مباركة طيبة زكية.

(٥) في كمال الدين : ركب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية ، بارة مباركة طيبة طاهرة سماها عنده عليا ، فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم والاسرار.

٢٠٤

بهذا الدعاء كان علي بن محمد شفيعه وقائده إلى الجنة.

وإن الله تبارك وتعالى ركّب في صلبه نطفة وسماها عنده الحسن بن علي فجعله نورا في بلاده ، وخليفة في أرضه ، وعزا لامته ، وهاديا لشيعته ، وشفيعا لهم عند ربهم ، ونقمة على من خالفه وحجة لمن والاه ، وبرهانا لمن اتخذه إماما. يقول في دعائه : يا عزيز العز في عزه أعزني (١) بعزك ، وأيدني بنصرك ، وأبعد عني همزات الشياطين ، وادفع عني بدفعك وامنع عني بمنعك ، واجعلني من خيار خلقك ، يا واحد يا أحد ، يا فرد يا صمد. من دعا بهذا الدعاء حشره الله ـ عزوجل ـ معه ، وله نجاة من النار (٢) ولو وجبت عليه.

وإن الله عزوجل ركّب في صلب الحسن نطفة مباركة زكية طيبة طاهرة مطهرة ، يرضى بها كل مؤمن ممّن أخذ الله ميثاقه في ولايته (٣) ، ويكفر بها كل جاحد ، فهو إمام نقي تقي بار مرضي هاد مهدي ، أول العدل وآخره. يصدق الله عزوجل ويصدقه الله عزوجل في قوله ، يخرج من تهامة حتى تظهر الدلائل والعلامات وله بالطالقان كنوز لا ذهب ولا فضة إلا خيول مطهمة (٤) ، ورجال مسومة (٥) يجمع الله عزوجل من أقاصي البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وصنائعهم وكلامهم وكناهم ، كرارون ، مجدون في طاعته» ، فقال له ابي : وما دلائله وما علاماته يا رسول الله؟ قال : «له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم فقال : اخرج يا ولي (٦) الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ينتقم (٧) ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله ، فيخرج جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وشعيب وصالح على مقدمته ، فستذكرون ما أقول لكم وافوض أمري إلى الله عزوجل ولو بعد حين.

__________________

(١) في كمال الدين : يا عزيز اعزني بعزك.

(٢) في كمال الدين : ونجاه من النار.

(٣) في كمال الدين : أخذ ميثاقه في الولاية.

(٤) المطهم : التام البارع الجمال من كل شيء؟ ومنه «جواد مطهم» أي تام الحسن.

(٥) المسموم : الحسن الخلق ، المعلم بعلامة يعرف بها.

(٦) في كمال الدين : له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه الله تبارك وتعالى فناداه العلم اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله ، وله رايتان وعلامتان ، وله سيف مغمد ، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده ، وأنطقه الله عزوجل فناداه السيف اخرج يا ولي الله.

(٧) في كمال الدين : حيث ثقفهم. (وثقفهم : أي ظفر بهم أو أدركهم).

٢٠٥

يا ابي طوبى لمن قال به (١) ، ينجيهم الله من الهلكة بالاقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمة ، يفتح لهم الجنة ، مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغير أبدا ، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفئ نوره أبدا» ، قال ابي : يا رسول الله كيف بيان هؤلاء الأئمة (٢) عن الله عزوجل؟ قال : «إن الله تبارك وتعالى أنزل عليّ اثني عشر خاتما ، واثنتي عشر صحيفة اسم كل إمام على خاتمه وصفته في صحيفته» (٣).

الثامن والستون : ابن بابويه قال : حدّثنا الحسين بن علي ، قال : حدّثنا هارون بن موسى ، قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل الفزاري ، قال : حدّثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ، قال : حدّثنا رشيد بن سعد (٤) قال : حدّثنا أبو يوسف الحسين بن يوسف الأنصاري ـ من بني الخزرج ـ عن سهل بن سعد الأنصاري ، قال : سألت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الأئمة فقالت : «كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي : يا علي أنت الإمام والخليفة بعدي ، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى الحسن فالحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسين فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى موسى فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى محمد فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا مضى الحسن فابنه القائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها» (٥).

التاسع والستون : ابن بابويه قال : حدّثنا الحسن بن علي قال : حدّثنا هارون بن موسى قال : أخبرنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد ابن أبي عمير ، عن هشام (٦) قال :

__________________

(١) في كمال الدين : يا أبي طوبى لمن لقيه ، وطوبى لمن أحبه ، وطوبى لمن قال به.

(٢) في كمال الدين : كيف حال هؤلاء الأئمة.

(٣) كمال الدين : ١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٩ ، عيون الاخبار : ١ / ٤٨ ـ ٥٢ ، البحار : ٣٦ / ٢٠٤ ـ ٢٠٩.

(٤) في البحار : رشد بن سعد.

(٥) كفاية الاثر ص ٣١٣ ، البحار : ٣٦ / ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، وآخر الحديث فيها : «يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها ، فهم أئمة الحق ، وألسنة الصدق ، منصور من نصرهم ، مخذول من خذلهم».

(٦) في البحار : عن هشام بن سالم.

٢٠٦

كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين ، فقال له معاوية بن وهب : يا بن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه ، على أي صورة رآه؟ وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة؟ على أي صورة يرونه؟ فتبسم عليه‌السلام ثم قال : «يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمة الله (١). ثم لا يعرف الله حق معرفته!».

ثم قال عليه‌السلام : «يا معاوية إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان ، وإن الرؤية على وجهين رؤية القلب ورؤية البصر ، فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب ، ومن عنى برؤية البصر فقد كفر وكذب بالله وآياته ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من شبه الله بخلقه فقد كفر. ولقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقيل (٢) : يا أخا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال : كيف أعبد من لم أره ، لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» (٣).

وإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق ، ولا بدّ للمخلوق من خالق ، فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكا ، ويلهم (٤) ألم يسمعوا قول الله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٥) وقوله لموسى : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) وإنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض وضعضعت الجبال (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) أي ميتا ، فلما أفاق ورد عليه روحه قال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) من قول من زعم أنك ترى ورجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (٦) وأول المقرين بأنك ترى ولا ترى وأنت بالمنظر الأعلى.

ثم قال عليه‌السلام : «إن أفضل الفرائض واوجبها على الانسان معرفة الرب والاقرار له بالعبودية ، وحدّ المعرفة (٧) أن يعرف أن لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ، وأن يعرف إنه قديم مثبت ، موجود غير فقيد موصوف من غير شبيه له ولا نظير له ولا مثيل ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ؛ وبعده

__________________

(١) في الانصاف : ويأكل من نعمه.

(٢) في الانصاف والبحار : فقيل له.

(٣) راجع لفظ الحديث في اصول الكافي : ١ / ٩٥ ، التوحيد ص ١٠٩ و ٣٠٩ ، البحار : ٤ / ٢٧ و ٣٠٤.

(٤) في الانصاف : ويل لهم ، وفي البحار : ويلهم أو لم يسمعوا.

(٥) الانعام ٣ / ١٠٣.

(٦) الاعراف : ١٤٣.

(٧) في الانصاف : أن يقر.

٢٠٧

معرفة الرسول والشهادة له بالنبوة ، وأدنى معرفة الرسول الاقرار بنبوته ، وأن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك عن الله عزوجل ؛ وبعده معرفة الإمام الذي قام بنعته (١) وصفته واسمه في حال اليسر والعسر ، وأدنى معرفة الإمام أنه عدل (٢) النبي إلا درجة النبوة ووارثه ، وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله ، والتسليم له في كل أمر ، والردّ إليه ، والأخذ بقوله ، ويعلم أن الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب ، وبعده الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم أنا ، ثم بعدي موسى ابني ، ثم بعده علي ابنه ، وبعد علي محمد ابنه ، وبعد محمد علي ابنه ، وبعد علي الحسن ابنه ، والحجة من ولد الحسن.

ثم قال : يا معاوية جعلت لك في هذا أصلا فاعمل عليه ، فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال ، فلا يغرنك قول من زعم أن الله يرى بالبصر ، وقد قالوا أعجب من هذا ، أو لم ينسبوا أبي آدم إلى المكروه ، أو لم ينسبوا إبراهيم إلى ما نسبوه؟ أو لم ينسبوا داود عليه‌السلام إلى ما نسبوه من حديث الطير؟ أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا؟ أو لم ينسبوا موسىعليه‌السلام إلى ما نسبوه من القتل؟ أو لم ينسبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما نسبوه من حديث زيد؟ أو لم ينسبوا علي بن أبي طالب إلى ما نسبوه من حديث القطيفة؟ إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا على أعقابهم ، أعمى الله أبصارهم ، كما أعمى قلوبهم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا» (٣).

السبعون : ابن بابويه قال : حدّثنا علي بن الحسن (٤) قال : حدّثنا أبو محمد هارون بن موسى قال : حدثني محمد بن همام قال : حدثني عبد الله بن جعفر الحميري قال : حدثني عمر بن علي العبدي، عن داود بن كثير الرقي ، عن يونس ابن ظبيان قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام فقلت : يا ابن رسول الله إنّي دخلت على مالك وأصحابه فسمعت بعضهم (٥) يقول : إن لله وجها كالوجوه ، وبعضهم يقول : له يدان واحتجّوا في ذلك بقوله تعالى : (قالَ : يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ

__________________

(١) في البحار : الإمام الذي به يأتم بنعته.

(٢) العدل : النظير والمثل.

(٣) الانصاف ص ٣١٣ ـ ٣١٦ عن النصوص على الأئمة الاثني عشر لابن قولويه ، كفاية الاثر للخزاز ص ٣٥ ، البحار : ٤ / ٥٤ ـ ٥٥ ، وج ٣٦ / ٤٠٦ ـ ٤٠٨.

(٤) في البحار : علي بن الحسين ، وفي الانصاف : محمد بن علي بن علي بن الحسين.

(٥) في البحار : دخلت على مالك وأصحابه وعنده جماعة يتكلمون في الله فسمعت.

٢٠٨

بِيَدَيَّ* أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) (١) وبعضهم يقول هو كالشاب من ابناء ثلاثين سنة! فما عندك في هذا يا ابن رسول الله؟ ـ وكان متّكأ فاستوى جالسا ـ فقال : «اللهم عفوك عفوك» ثم قال: «يا يونس من زعم أن لله وجها كالوجوه فقد أشرك ، ومن زعم أن لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله فلا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته ، تعالى الله عما يصفه المشبهون بصفة المخلوقين ، فوجه الله أنبياؤه وأولياؤه ، وقوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) فاليد القدرة كقوله : (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) (٢) فمن زعم أن الله في شيء ، أو على شيء ، أو يحول من شيء إلى شيء ، أو يخلو منه شيء أو يشتغل (٣) به شيء فقد وصفه بصفة المخلوقين ، والله خالق كلّ شيء ، لا يقاس بالمقياس (٤) ، ولا يشبه بالناس ، ولا يخلو منه مكان (٥) قريب في بعده ، بعيد في قربه ، ذلك الله ربنا لا إله غيره ، فمن أراد الله وأحبه بهذه الصفة فهو من الموحدين ، ومن أحبه بغير هذه الصفة فالله منه بريء ونحن منه براء.

ثم قال عليه‌السلام : إن اولي الألباب الذين عملوا بالفكرة حتى ورثوا منه حبّ الله فإن حب الله إذا ورثته القلوب استضاء به وأسرع إليه (٦) اللّطف ، فإذا نزل منزلة اللطف صار من أهل الفوائد ، فإذا صار من أهل الفوائد تكلّم بالحكمة ، فإذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة ، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل بها في القدرة (٧) فإذا عمل بها في الاطباق السبعة (٨) فإذا بلغ هذه المنزلة يتقلّب في لطف (٩) وحكمة وبيان ، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبّته في خالقه ، فإذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى ، فعاين ربه في قلبه ، وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء. وورث العلم بغير ما ورث العلماء ، وورث الصدق بغير ما ورثه الصديقون ، إن الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت وإن العلماء ورثوا العلم بالطلب ، وإن الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة ، فمن أخذ بهذه السيرة إما أن يسفل وإما أن يرفع ، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع ، فإذا لم يرع حق الله ، ولم يعمل بما امر به فهذه صفة من لم يعرف الله حق معرفته ، ولم يحبه حق محبّته ، فلا يغرنّك صلاتهم وصيامهم ، ورواياتهم وعلومهم ، فإنهم حمر مستنفرة.

__________________

(١) ص : ٧٥.

(٢) الانفال : ٢٦.

(٣) في البحار : يشغل.

(٤) في البحار : لا يقاس بالقياس.

(٥) في البحار والانصاف : ولا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان.

(٦) في البحار : ورثه القلب واستضاء به أسرع إليه.

(٧) في الانصاف والبحار : عمل في القدرة.

(٨) في البحار : فإذا عمل في القدرة عرف الاطباق السبعة ، وفي الانصاف : عمل في الاطباق السبعة.

(٩) في البحار : صار يتقلب في فكره بلطف.

٢٠٩

ثم قال : يا يونس إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت ، فانّا ورثناه واوتينا شرح الحكمة ، وفصل الخطاب» ، فقلت : يا بن رسول الله أكلّ (١) من كان من أهل البيت ورث ما ورثتم؟ من كان من ولد علي وفاطمة عليهما‌السلام؟ فقال : «ما ورثه إلا الأئمّة الاثنا عشر» ، فقلت : سمهم (٢) يا ابن رسول الله؟ فقال : «أوّلهم علي بن أبي طالب ، وبعده الحسن والحسين ، وبعده علي بن الحسين ، وبعده محمد بن علي الباقر ثم أنا ، وبعدي موسى ولدي ، وبعد موسى علي ابنه ، وبعد علي محمد ابنه ، وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه ، وبعد الحسن الحجّة صلوات الله عليهم اصطفانا الله وطهرنا وآتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين».

ثم قلت : يا بن رسول الله إن عبد الله بن مسعود (٣) دخل عليك بالأمس فسألك عما سألتك فأجبته بخلاف هذا ، فقال : «يا يونس كل امرئ وما يحتمله ، ولكل وقت حديثه ، وإنك لأهل لما سألت فاكتمه إلا عن أهله» (٤).

الحادي والسبعون : ابن بابويه قال : أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله قال : حدّثنا أبو طالب عبد الله (٥) بن أحمد بن يعقوب بن نضر الأنباري قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال : حدّثنا عبد الله بن شعيب (٦) قال : حدّثنا محمد بن زياد التميمي (٧) قال : حدّثنا سفيان بن عيينة قال : حدّثنا عمران بن داود قال : حدّثنا محمد بن الحنفية قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «قال الله تبارك وتعالى : لاعذبن كل رعية دانت (٨) بطاعة إمام ليس مني وإن كانت الرعية في نفسها برة ، ولأرحمن كل رعية دانت بامام عادل مني وإن كانت الرعية في نفسها غير برة ولا نقية ، ثم قال : يا علي أنت الإمام والخليفة بعدي ، حربك حربي وسلمك سلمي ، وأنت أبو سبطي وزوج ابنتي ، من ذريتك الأئمة المطهرون ، فأنا سيد الأنبياء وأنت سيد الأوصياء ، وأنا وأنت من شجرة واحدة ، ولولانا لم يخلق الله الجنة ولا النار ولا الأنبياء ولا الملائكة.

قال : قلت يا رسول الله فنحن أفضل من الملائكة (٩)؟ قال : يا علي نحن خير خليقة الله على

__________________

(١) في الانصاف ، والبحار : وكل.

(٢) في البحار : سمهم لي.

(٣) في كفاية الاثر ، والبحار : عبد الله بن سعد.

(٤) الانصاف ص ٣٣٠ ـ ٣٣٤ عن النصوص على الأئمة الاثني عشر لابن قولويه ، كفاية الاثر ص ٣٤ ، البحار : ٣٦ / ٤٠٣ ـ ٤٠٥.

(٥) في البحار : عبيد الله.

(٦) في البحار : عبد الله بن شبيب.

(٧) في كفاية الاثر ، والبحار : محمد بن زياد السهمي.

(٨) دان دينا : اتخذ له دينا.

(٩) في البحار : أم الملائكة.

٢١٠

بسيطة الأرض ، ونحن خير من الملائكة المقربين ، وكيف لا نكون خيرا منهم وقد سبقناهم إلى معرفة الله وتوحيده ، فبنا عرفوا الله ، وبنا عبدوا الله ، وبنا اهتدوا السبيل إلى معرفة الله ، يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي ووزيري فإذا مت ظهرت لك ضغاين في صدور قوم ، وستكون بعدي فتنة صمّاء صيلم (١) يسقط فيها كلّ وليجة وبطانة ، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من ولد السابع من ولدك يحزن لفقده أهل السماء والأرض ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف ومتلهف حيران عند فقده.

ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه وقال : بأبي وأمي سميّي وشبيهي ، وشبيه موسى ابن عمران عليه جيوب النور ـ أو قال : جلابيب النور ـ يتوقّد من شعاع القدس كأني بهم آيس ما كانوا ، ثم ينادي بنداء يسمعه من البعيد كما يسمعه من القريب ، يكون رحمة على المؤمنين وعذابا على المنافقين : قلت : وما ذاك النداء؟ قال : ثلاثة أصوات في رجب : أوّلها ألا لعنة الله على الظالمين ، والثاني أزفت الآزفة ، والثالث يرون بدنا بارزا مع قرن الشمس ، ينادي : ألا إن الله قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي ، فيه هلاك الظالمين ، فعند ذلك يأتي الفرج ، ويشفي الله صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم ؛ قلت : يا رسول الله فكم يكون بعدي من الأئمة؟ قال : بعد الحسين تسعة والتاسع قائمهم» (٢).

الثاني والسبعون : ابن بابويه قال : حدّثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه محمد بن خالد ، عن محمد بن داود ، عن محمد بن الجارود العبدي ، عن الأصبغ بن نباتة قال : خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن عليه‌السلام وهو يقول : «خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويدي في يده (٣) هكذا وهو يقول : خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا ، وهو إمام كل مسلم ، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي ، وإني (٤) أقول : إن خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا وهو إمام كل مؤمن ومولى كل مؤمن بعد وفاتي ، ألا وإنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم ، بعد أخيه ، المقتول في أرض كربلاء ، أما وإنه

__________________

(١) الصيلم : الداهية. الامر الشديد. وقعة صيلمة : أي مستأصلة.

(٢) الانصاف ص ٢٨٠ ـ ٢٨٢ عن كتاب النصوص على الأئمة الاثني عشر ، كفاية الاثر ص ٢١ ، البحار : ٣٦ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨. ومر بلفظه في ص ٤٢ ـ ٣٤ من هذا الجزء.

(٣) في كمال الدين : ذات يوم ويدي في يده.

(٤) في كمال الدين : ألا واني.

٢١١

وأصحابه من سادات (١) الشهداء يوم القيامة ، ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده ، وأمناؤه على وحيه ، وأئمة المسلمين ، وقادة المؤمنين ، وسادة المتّقين ، وتاسعهم القائم الذي يملأ الله به الأرض نورا بعد ظلمتها ، وعدلا بعد جورها ، وعلما بعد جهلها ، والذي بعث محمدا أخي بالنبوّة واختصني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الامين جبرائيل ، ولقد سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا عنده عن الأئمة بعده فقال للسائل : والسماء ذات البروج إن عددهم بعدد البروج ، ورب الليالي والأيام والشهور إن عدتهم كعدة الشهور (٢). فقال السائل : فمن هم يا رسول الله؟ فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على رأسي فقال : أوّلهم هذا وآخرهم المهدي ، من والاهم فقد والاني ، ومن عاداهم فقد عاداني ، ومن أحبّهم فقد أحبّني ، ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن أنكرهم فقد أنكرني ، ومن عرفهم فقد عرفني ، بهم يحفظ الله دينه ، وبهم يعمر بلاده ، وبهم يرزق عباده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم يخرج بركات الأرض ، وهؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمّة المسلمين وموالي المؤمنين» (٣).

الثالث والسبعون : الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد في كتاب الاختصاص ، عن محمد ابن علي بن بابويه قال : حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عمران ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن سالم بن دينار ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت ابن عباس يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ذكر الله عزوجل عبادة ، وذكري عبادة ، وذكر علي عبادة وذكر الأئمة من ولده عبادة ، والذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البرية إن وصيي لأفضل الأوصياء ، وإنه لحجة الله على عباده ، وخليفته على خلقه ، ومن ولده الأئمة الهداة بعدي ، بهم يحبس الله العذاب عن أهل الأرض ، وبهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه ، وبهم يمسك الجبال أن تميد بهم ، وبهم يسقي خلقه الغيث ، وبهم يخرج النبات ، أولئك أولياؤه حقّا ، وخلفاؤه صدقا (٤) عدّتهم عدة الشهور وهي اثنا عشر شهرا ، وعدّتهم عدة نقباء موسى بن عمران ، ثم تلا هذه الآية : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (٥) ثم قال : أتقدر يا ابن عبّاس أنّ الله يقسم بالسماء ذات البروج ويعني به السماء وبروجها ، قلت : يا رسول الله فما

__________________

(١) في كمال الدين : من سادة.

(٢) في كمال الدين : ان عددهم كعدد الشهور.

(٣) كمال الدين : ١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، البحار : ٣٦ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٤) في المصدر : أولئك أولياء الله حقا وخلفائي صدقا.

(٥) البروج : ١.

٢١٢

ذاك؟ قال : فاما السماء فأنا وأما البروج فالائمة بعدي اوّلهم عليّ وآخرهم المهدي صلوات الله عليهم اجمعين» (١).

الرابع والسبعون : ابن بابويه قال : حدّثنا محمد بن علي ما جيلويه رضي الله عنه قال : حدّثنا محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن حيّان السراج ، عن داود بن سليمان الكسائي (٢) عن أبي الطفيل قال : شهدت جنازة أبي بكر يوم مات وشهدت عمر حين بويع وعلي عليه‌السلام جالس ناحية إذ أقبل غلام يهودي عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون حتى وقف على رأس عمر فقال : يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بدينهم (٣) وأمر نبيّهم؟ فطأطأ رأسه ، فقال : إياك أعني ، وأعاد عليه القول ، فقال له عمر : ما شأنك؟ وما ذاك؟ فقال : إني جئتك مرتادا لنفسي ، شاكّا في ديني فقال (٤) : دونك هذا الشاب (٥) قال : ومن هذا الشاب؟ قال : هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أبو الحسن والحسين ابني رسول الله ، وهذا زوج فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل اليهودي على (٦) علي عليه‌السلام فقال : كذلك أنت؟ فقال : «نعم» ، فقال اليهودي : إني اريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة ، فتبسم علي عليه‌السلام ثم قال : «يا هاروني ما يمنعك أن تقول : سبعا» (٧) قال : أسألك عن ثلاث فإن علمتهن سألتك عمّا بعدهنّ وإن لم تعلمهن علمت أنه ليس لك علم (٨) ، قال علي عليه‌السلام : «فاني أسألك بالإله الذي تعبده إن أنا اجبتك في كل ما تريد (٩) لتدعنّ دينك ولتدخلنّ في ديني»؟ قال ما جئت إلا لذلك قال : «سل» ، قال : فاخبرني عن أوّل قطرة دم قطرت على وجه الأرض أي قطرة هي؟ وأوّل عين فاضت على وجه الأرض أي عين هي؟ وأوّل شيء اهتز على وجه الأرض أيّ شيء هو؟ (١٠) فأجابه أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال :

__________________

(١) الاختصاص : ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٢) في كمال الدين : الغساني ، وفي اعلام الورى : الكناني.

(٣) في كمال الدين واعلام الورى : بكتابهم.

(٤) في اعلام الورى : شاكا في ديني اريد الحجة واطلب البرهان. فقال له عمر.

(٥) في اعلام الورى : وأشار الى أمير المؤمنين.

(٦) في اعلام الورى : وأعلم الناس بالكتاب والسنة ، فقام الغلام الى علي.

(٧) في اعلام الورى : ما منعك أن تقول : عن سبع.

(٨) في اعلام الورى : ليس فيكم عالم.

(٩) في اعلام الورى : لئن أجبتك عما تسألني.

(١٠) في اعلام الورى : وأول شجرة اهتزت على وجه الأرض أي شجرة هي؟ فقال : يا هاروني أما أنتم فتقولون: أول قطرة قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم وليس كذلك ، ولكنه حيث طمثت حواء وذلك قبل ـ

٢١٣

أخبرني عن الثلاث الاخر ، عن محمدكم بعده من إمام عدل؟ وفي أيّ جنة يكون؟ ومن الساكن معه في جنته؟ قال : «يا هاروني إن لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الخلفاء اثنا عشر إماما عدلا لا يضرّهم من خذلهم (١) ولا يستوحشون لخلاف من خالفهم ، وإنهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي (٢) في الأرض ، ومسكن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في جنّة عدن مع (٣) أولئك الاثنا عشر الأئمة العدول» ، فقال : صدقت والله الذي لا إله إلا هو إني لاجدها في كتب أبي هارون كتبه بيده وإملاء موسى عليه‌السلام (٤) قال : فأخبرني عن الواحدة فقال : «وما هي»؟ قال : فأخبرني عن وصي محمدكم يعيش بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟ قال : «يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوما ولا ينقص يوما (٥) ثم يضرب ضربة هاهنا (٦) ـ يعني قرنه ـ فتخضب هذه من هذا» ، قال : فصاح الهاروني وقطع كشحته (٧)

__________________

ـ أن تلد ابنيهما ؛ وأما أنتم تقولون : أول عين فاضت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس وليس هو كذلك ، ولكنها عين الحياة التي وقف عليها موسى وفتاه ومعهما النون المالح فسقط فيها فحيى وهذه الماء لا يصيب ميتا الا حيي. وأما أنتم فتقولون : أول شجرة اهتزت على وجه الأرض التي كانت منها سفينة نوح عليه‌السلام وليس كذلك ، ولكنها النخلة التي اهبطت من الجنة وهي العجوة ، ومنها تقرع كلما ترى من أنواع النخلة ، فقال : صدقت والله الذي لا إله إلّا هو ، إني لأجد هذا في كتب أبي هارون كتابته بيده واملاء عمي موسى عليه‌السلام ثم قال : أخبرني عن الثلاث الاخر : عن أوصياء محمدكم بعده من أئمة عدل؟ وأين منزله في الجنة؟ ومن يكون ساكنا معه في الجنة في منزله؟.

(١) في كمال الدين واعلام الورى : لا يضرهم خذلان من خذلهم.

(٢) الراسبي : الثابت.

(٣) في اعلام الورى : جنة عدن التي ذكرها الله عزوجل ، وغرسها بيده ، ومعه في مسكنه.

(٤) في اعلام الورى : واملاء عمي موسى.

(٥) قال الشيخ المجلسي في البحار : ٣٦ / ٣٧٧ / «أقول : فيه اشكال لان وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في صفر وشهادته عليه‌السلام في شهر رمضان وكان ما بينهما ثلاثين سنة إلا خمسة أشهر وأياما فكيف يستقيم قوله عليه‌السلام؟ ويمكن دفعه بأن مبنى الثلاثين على التقريب ، أي «لا يزيد يوما ولا ينقص» على الموعد الذي وعدت لذلك وأعلمه ، والغرض أن لشهادتي وقتا معينا لا يتقدم ولا يتأخر. أو يقال : الكلام مبني على ما هو المعروف عند أهل الحساب من أنهم يسقطون ما هو أقل من النصف ويتكلمون بما هو أزيد منه ، فكل حد بين تسع وعشرين ونصف وبين ثلاثين ونصف من جملة مصداقاته العرفية ، فلا يكون شيء منهما زائدا على ثلاثين سنة عرفية ولا ناقصا عنها أصلا وانما يحكم بالزيادة والنقصان إذا كان خارجا عن الحدين وليس فليس ؛ وفيما سيأتي «لا يزيد يوما ولا ينقص» فالضميران اما راجعان الى الثلاثين أو الى الوصي نظير قوله تعالى : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) وهذا الخبر يؤيد الاخير ، وعلى الوجه الأول يحتمل ارجاعهما الى الله تعالى.

(٦) في أعلام الورى : ووضع يده على قرنه وأومأ الى لحيته.

(٧) في اعلام الورى : وقطع كستيجه.

٢١٤

وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنك وصيّه ينبغي أن تفوق ولا تفاق، وأن تعظّم ولا تستضعف ، قال : ثم مضى به علي عليه‌السلام إلى منزله فعلّمه معالم الدين(١).

وقد تقدم هذا الحديث من طريق العامة فيما رواه الحمويني ، وهو الحديث السادس والأربعون في الباب الثاني عشر السابق ، وهو أيضا متكرّر في كتب أصحابنا الاماميّة رواه الكليني في الكافي (٢).

وروى ابن بابويه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة قال : حدّثنا أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم ، عن أبي يحيى المدائنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء يهودي إلى عمر يسأله عن مسائل ، فأرشده إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليسأله فقال علي عليه‌السلام : «سل» ، فقال : أخبرني كم بعد نبيّكم من إمام عادل؟ وفي أي جنّة هو؟ ومن يسكن معه في جنّته قال له علي عليه‌السلام : «يا هاروني لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعده اثنا عشر إماما عادلا ، لا يضرهم خذلان من خذلهم ، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم ، أثبت في دين الله من الجبال الرواسي ، ومنزل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في جنّة عدن والذين يسكنون معه هؤلاء الاثنا عشر إماما» ، فاسلم الرجل وقال : أنت أولى بهذا المجلس من هذا ، أنت الذي تفوق ولا تفاق وتعلو ولا تعلى (٣).

ثم قال ابن بابويه : حدثني أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحكم بن مسكين الثقفي ، عن صالح (٤) عن الإمام جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : لما هلك أبو بكر واستخلف عمر رجع عمر إلى المسجد فقعد فدخل عليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني رجل من اليهود ، وأنا علامتهم وقد أردت أن أسألك عن مسائل إن اجبتني عنها اسلمت ، قال : ما هي؟ قال : ثلاث وثلاث وواحدة ، فإن شئت سألتك وإن كان في قومك أحد أعلم منك فأرشدني إليه قال : عليك بذاك الشاب ـ يعني علي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ فأتى عليا فقال له : لم قلت : «ثلاث وثلاث وواحدة ، ألا قلت سبعا»؟ قال : إن لم

__________________

(الكستيج) : بضم الكاف والسين المهملة ، خيط غليظ يشد فوق الثياب دون الزنار.

(١) كمال الدين : ١ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، اعلام الورى : ص ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، البحار : ٣٦ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦.

(٢) أصول الكافي : ١ / ٥٢٩ ـ ٥٣٠ ، وكمال الدين : ١ / ٢٩٩ ، وأعلام الورى : ٣٦٧ ـ ٣٦٩ ط طهران ـ ١٣٣٨ ه‍ ، والبحار : ٣٦ / ٣٧٨. وقال في «ذيل الحديث : «أقول : وروى في الكافي أيضا بهذا السند ، لكن الجوابات ساقطة كما في رواية الصدوق ، ولعل الطبرسي ألحقها من كتاب آخر للكليني أو غيره».

(٣) كمال الدين : ١ / ٣٠٠ ، البحار : ٣٦ / ٣٨٠.

(٤) في كمال الدين : صالح بن عقبة.

٢١٥

تجبني (١) في الثلاث اكتفيت ، قال : «إن اجبتك تسلم»؟ قال : نعم قال : «سل» ، فقال : أسألك عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض ، وأول عين نبعت ، وأوّل شجرة (٢) نبتت قال : «يا يهودي أنتم تقولون : أول حجر وضع على وجه الأرض الذي في بيت المقدس وكذبتم ، هو الحجر الذي نزل به آدم من الجنة» ، قال : صدقت والله إنه لبخط هارون واملاء موسى ، قال : «وأنتم تقولون : إن أوّل عين نبعت على وجه الأرض العين التي نبعت ببيت المقدس وكذبتم هي عين الحياة التي غسل فيها يوشع بن نون السمكة التي (٣) شرب منها الخضر وليس يشرب منها أحد إلا حيى» ، قال : صدقت والله إنه لبخط هارون واملاء موسى قال : «وأنتم تقولون : إن أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض الزيتون وكذبتم ، هي العجوة التي نزل بها آدم عليه‌السلام من الجنة» قال : صدقت والله إنه لبخط هارون واملاء موسى عليهما‌السلام قال : فالثلاث الاخرى : كم لهذه الأمة من إمام هدى لا يضرّهم من خالفهم ، قال: «اثنا عشر إماما» قال : صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى عليهما‌السلام قال : وأين يسكن نبيكم من الجنة؟ قال : «في أعلاها درجة ، واشرفها مكانا ، في جنات عدن» ، قال : صدقت والله إنه لبخط هارون واملاء موسى عليهما‌السلام (٤) قال : السابعة وأسألك كم يعيش وصيّه بعده؟ قال : «ثلاثين سنة ، ثم مه»؟ قال : يموت أو يقتل؟ قال : «يقتل ، يضرب على قرنه فتخضب لحيته» ، قال : صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى (٥).

وروى ابن بابويه أيضا في هذا الكتاب قال : أخبرنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكّر بنيسابور قال : حدّثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى بن الحرث (٦) البزّاز قال : حدّثنا عبد الله بن مسلم الدمشقي قال : حدّثنا إبراهيم بن يحيى الأسلمي المديني ، عن عمّار بن حريز (٧) ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : شهدنا الصلاة على أبي بكر ثم اجتمعنا إلى عمر بن الخطاب فبايعناه وأقمنا أيّاما نختلف إلى المسجد حتّى سمّوه أمير المؤمنين فبينا نحن جلوس عنده يوما إذ جاءه يهودي من يهود المدينة وهم يزعمون أنه من ولد هارون أخي موسى عليهما‌السلام حتى وقف على

__________________

(١) في كمال الدين والخصال : أنا إذن جاهل إنك إن لم تجبني.

(٢) في كمال الدين : نبتت على وجه الأرض ، فقال عليه‌السلام : يا يهودي.

(٣) في كمال الدين : وهي العين التي شرب.

(٤) في الخصال وكمال الدين : ثم قال : فمن ينزل بعده في منزله؟ قال : اثنا عشر إماما ، قال : صدقت والله إنه لبخط هارون واملاء موسى ، ثم قال :

(٥) الخصال : ٢ / ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، كمال الدين : ١ / ٣٠٠ ـ ٣٠٢.

(٦) في كمال الدين : الحارث.

(٧) في كمال الدين : عمارة بن جوني.

٢١٦

عمر فقال له : يا أمير المؤمنين أيّكم أعلم بعلم نبيّكم وبكتاب ربكم حتى أسأله عمّا اريد؟ قال : فأشار عمر إلى علي عليه‌السلام فقال له اليهودي : أكذلك أنت يا عليّ؟ قال (١) : «سل عما تريد» ، قال : إنّي أسألك عن ثلاث وعن ثلاث وعن واحدة ، فقال له علي عليه‌السلام : «لم لا تقول إني أسألك عن سبع؟» فقال له اليهودي : أسألك عن ثلاث فإن أصبت فيهن سألتك عن الثلاث الاخر ، فإن أصبت فيهن سألتك عن الواحدة ، وإن أخطأت في الثلاث الأول لم أسألك عن شيء ، فقال له علي عليه‌السلام : «وما يدريك إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت؟» فقال : فضرب يديه إلى كمّه فأخرج كتابا عتيقا فقال: هذا ورثته عن آبائي وأجدادي إملاء موسى بن عمران وخطّ هارون ، وفيه الخصال التي اريد أن أسألك عنها ، فقال علي عليه‌السلام : «على أنّ لي عليك إن اجبتك فيهن بالصواب أن تسلم» ، فقال اليهودي : والله إن أجبتني فيهنّ بالصواب لأسلمن الساعة على يديك ، قال له علي عليه‌السلام : «سل» ، قال : أخبرني عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض؟ وأخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض؟ وأخبرني عن أوّل عين نبعت على وجه الأرض؟

فقال له علي عليه‌السلام : «يا يهودي أمّا أوّل حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنّها صخرة بيت المقدس ، وكذبوا ولكنه الحجر الاسود الذي نزل به آدم عليه‌السلام معه من الجنة فوضعه في ركن البيت والناس يتمسحون به ويقبّلونه ويجددون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله عزوجل» ، قال له اليهودي : أشهد بالله لقد صدقت ، قال له علي عليه‌السلام : «وأمّا أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنّها الزيتونة وكذبوا ولكنّها نخلة من العجوة ، نزل بها آدم عليه‌السلام معه من الجنة وبالفحل فأصل النخلة كلّه من العجوة» ، قال له اليهودي : اشهد بالله لقد صدقت قال له علي عليه‌السلام : «وأمّا أوّل عين نبعت على وجه الأرض فانّ اليهود يزعمون أنّها العين التي نبعت تحت صخرة بيت المقدس وكذبوا ولكنّها عين الحياة التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة فلمّا أصابها ماء العين عاشت وسربت (٢) فأتبعها موسى عليه‌السلام وصاحبه فلقيه الخضر» ، قال اليهودي : أشهد بالله لقد صدقت ، قال له علي عليه‌السلام : «سل عن الثلاث الاخر» ، قال : أخبرني عن هذه الامّة كم لها بعد نبيّها من إمام عدل؟ وأخبرني عن منزل محمد اين هو من الجنة؟ ومن يسكن معه في منزله؟ قال له علي عليه‌السلام : «يا يهودي يكون لهذه الأمة بعد نبيّها اثنا عشر إماما عدلا ، لا يضرّهم خلاف من خالفهم» ؛ قال له اليهودي : اشهد بالله لقد صدقت ، قال له علي عليه‌السلام : «ومنزل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجنّة في جنة عدن وهي وسط الجنان وأقربها من عرش الرّحمن جلّ جلاله» ، قال له

__________________

(١) في كمال الدين : قال : نعم ، سل عما تريد.

(٢) سرب : اي ذهب على وجهه.

٢١٧

اليهودي : أشهد بالله لقد صدقت ، قال له علي عليه‌السلام : «والذين يسكنون معه في الجنة هؤلاء الأئمة الاثنا عشر» ، قال له اليهودي : أشهد بالله لقد صدقت قال له علي عليه‌السلام : «سل عن الواحدة» قال: أخبرني عن وصي محمد في أهله كم يعيش بعده ، وهل يموت موتا أو يقتل قتلا؟ قال له علي عليه‌السلام: «يا يهودي : يعيش بعده ثلاثين سنة ، وتخضب منه هذه من هذا ـ وأشار إلى لحيته ورأسه ـ» قال : فوثب إليه اليهودي فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأنّك وصي رسول الله(١).

الخامس والسبعون : احاديث اللوح ـ ابن بابويه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة قال : حدّثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا ، عن أبي الحسن صالح بن أبي حمّاد ، والحسن بن طريف جميعا عن بكر بن صالح.

وحدّثنا أبي ومحمد بن موسى بن المتوكل ، ومحمد بن علي ماجيلويه ، وأحمد بن علي بن إبراهيم ، والحسن بن إبراهيم ناتانة (٢) ، وأحمد بن زياد الهمداني رضي الله عنهم قالوا جميعا : حدّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن بكر بن صالح ، عن عبد الرّحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أبي عليه‌السلام لجابر بن عبد الله الأنصاري : «إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها» ، قال له جابر : في أي الاوقات شئت ، فخلا به (٣) فقال له : «يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد امي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما أخبرتك به أنّه في ذلك اللوح مكتوبا».

قال جابر : أشهد بالله أني لمّا دخلت على امك فاطمة عليها‌السلام في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اهنيها بولادة الحسين عليه‌السلام فرأيت في يدها لوحا اخضر ظننت أنّه من زمرد ، ورأيت فيه كتابة أبيض مثل نور يشبه الشمس (٤) فقلت لها : بأبي أنت وأمي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟ فقالت : «هذا اللوح أهداه الله جل جلاله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسماء الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي يبشرني بذلك» (٥) فقال له : يا جابر هل لك أن تعرضه عليّ (٦)؟ قال نعم : فمشى معه

__________________

(١) كمال الدين : ١ / ٢٩٤ ـ ٢٩٦.

(٢) في المصدر : ابن ناتانة.

(٣) في المصدر : فخلا به أبو جعفر عليه‌السلام.

(٤) في المصدر : كتابة بيضاء شبيهة بنور الشمس.

(٥) في المصدر : ليسرني بذلك.

(٦) في المصدر : قال جابر : فأعطتنيه امك فاطمة عليها‌السلام فقرأته وانتسخته ، فقال له أبي : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟.

٢١٨

أبي عليه‌السلام حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى أبي صحيفة من رقّ ، فقال له أبي : «يا جابر أنظر أنت في كتابك لأقرأه أنا عليك» ، فنظر جابر في نسخته فقرأ عليه أبي عليه‌السلام فو الله ما خالف حرف حرفا ، فقال جابر : فاني اشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا :

بسم الله الرّحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله ، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين ، عظم يا محمد أسمائي ، واشكر نعمائي ، ولا تجحد آلائي ، إني أنا الله لا إله إلا أنا قاصم الجبارين ومذل الظالمين ، ومبير المتكبّرين ، وديّان يوم الدين ، إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي ، أو خاف غير عدلي ، عذبته عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين ، فإياي فاعبد ، وعليّ فتوكل ، إني لم أبعث نبيا فاكملت أيّامه ، وانقضت مدّته ، إلا جعلت له وصيا ، وإني فضلتك على الأنبياء ، وفضلت وصيّك على الأوصياء وأكرمته بعدك بسبطيك (١) الحسن والحسين ، فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسينا خازن وحيي ، واكرمته بالشهادة ، وختم له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، والحجة البالغة عنده ، بعترته اثيب واعاقب ، أوّلهم علي سيد العابدين ، وزين أوليائي الماضين ، وابنه سمي جده المحمود ، محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي ، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد عليّ ، حق القول مني لاكرمن جعفرا (٢) ولأسرنه في أشياعه وانصاره وأوليائه ، وانتجبت بعده موسى ، وانتجبت بعده فتاه (٣) ، لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجّتي لا تخفى ، وأن أوليائي لا يشقون أبدا ، ألا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى عليّ ، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي ، ان المكذب (٤) للثامن مكذب بجميع أوليائي ، وعلي وليي وناصري ، أضع عليه أعباء النبوّة وامتحنه بالاضطلاع ، يقتله عفريت مستكبر ، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح (٥) إلى جنب شر خلقي ، حق القول مني لا قرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ، فهو وارث علمي ، ومعدن حكمي ، وموضع سري ، وحجتي على خلقي ، وجعلت الجنة مثواه ، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار ، وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري ، والشاهد في

__________________

(١) في المصدر : واكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك.

(٢) في المصدر : لاكرمن مثوى جعفر.

(٣) في المصدر : وانتحبت بعد موسى فتنة عمياء حندس ، لان.

(٤) في المصدر : ألا ان المكذبين.

(٥) في المصدر : العبد الصالح ذو القرنين.

٢١٩

خلقي ، واميني على وحيي ، اخرج منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي الحسن ، ثم اكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب ، ستذل أوليائي في زمانه ويتهادون رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ، وينشأ الويل (١) والرنين في نسائهم ، أولئك أوليائي حقا ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ، وبهم اكشف الزلازل ، وأدفع عنهم الآصار والأغلال ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون.

قال عبد الرّحمن بن سالم ، قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله (٢).

ثم قال ابن بابويه : وحدّثنا أبو محمد الحسن بن حمزة العلوي قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسين (٣) ابن درست السروري ، عن جعفر بن محمد بن مالك قال : حدّثنا محمد بن عمران الكوفي ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «يا إسحاق ألا أبشّرك؟» قلت : بلى جعلت فداك يا بن رسول الله فقال : «وجدنا صحيفة بإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط أمير المؤمنين ، فيها : بسم الله الرّحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم». وذكر الحديث مثله سواء إلا أنّه قال في آخره : ثم قال الصادق عليه‌السلام : «يا إسحاق هذا دين الملائكة والرسل فصنه عن غير أهله يصنك الله ويصلح بالك ، ثم قال : من آمن بهذا أمن من عقاب الله عزوجل» (٤).

ثم قال ابن بابويه : وحدّثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل ، قال : حدّثنا سعيد بن محمد القطان (٥) قال : حدّثنا عبد الله بن موسى الروياني أبو تراب ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن جعفر ، عن أبيه ، عن جده أن

__________________

(١) في المصدر : ويفشو الويل.

(٢) كمال الدين : ١ / ٣٠٨ ـ ٣١١ ، وذكره الشيخ الكليني في اصول الكافي : ١ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، والشيخ الطوسي في كتابه الغيبة : ٩٣ ـ ٩٥ ، والطبرسي في اعلام الورى ص ٣٧١ ـ ٣٧٣ ، وفي الاحتجاج للشيخ أبي علي الطبرسي : ١ / ٨٤ ـ ٨٧ ط النجف الاشرف ، والبحار : ٣٦ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٣) في اعلام الورى : محمد بن الحسن.

(٤) كمال الدين : ١ / ٣١٢ وفيه : «من دان بهذا أمن من عقاب الله» ، عيون الاخبار : ١ / ٣٦ ط النجف ، اعلام الورى ص ٣٧٣ ، البحار : ٣٦ / ٢٠٠.

(٥) في كمال الدين : محمد بن القطان.

٢٢٠