من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

ترجمة شَبَث بن ربعي

بايع ـ مع جماعة ـ الضبَّ بدلاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وقالوا : إنّهما سواء (١).

قال شبث : أنا أوّل مَن حرّر الحرورية (٢).

ترجمة عمرو بن حريث

كان من الصحابة ، وهو أوّل قرشي اتّخذ الكوفة داراً ، وكان من أغنى أهل الكوفة ، وولي لبني أُميّة بالكوفة ، وكانوا يميلون إليه ويتقوّون به ، وكان هواه معهم ؛ فالرجل قرشي مخزومي.

كانت له يد في قتل ميثم التمّار (٣).

__________________

(١) تنقيح المقال ٢ / ٨٠ ، وانظر : الإصابة ٣ / ٣٧٦ رقم ٣٩٥٩ ، معجم رجال الحديث ١٠ / ١٤ رقم ٥٦٨٧

(٢) التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٤ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ رقم ٢٧٥٥.

والحَرُوريّة : فرقة من الخوارج تُنسب إلى «حَرُوراء» وقيل : «حَرَوْراء» ، وهو قرية أو موضع بظاهر الكوفة ، على ميلين منها ، نزل به الخوارج ، وكان أوّل اجتماعهم بها.

انظر : معجم البلدان ٢ / ٢٨٣ رقم ٣٦٢٩ ، لسان العرب ٣ / ١٢٠ مادّة «حرر»

(٣) تنقيح المقال ٢ / ٣٢٧ ، وانظر : أُسد الغابة ٣ / ٧١٠ رقم ٣٨٩٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٧٢ رقم ١٩٠٦ ، الإصابة ٤ / ٦١٦ رقم ٥٨١٢ ، معجم رجال الحديث ١٤ / ٩٢ رقم ٨٨٩١ وج ٢٠ / ١٠٧ ـ ١٠٩

٣٢١
٣٢٢

الفصل السادس :

هل كان الّذين كتبوا إلى الإمام شيعةً له؟

٣٢٣
٣٢٤

لقد تقدّم أنّ الإمام عليه‌السلام كان في ريبٍ من تلك الكتب ، حتّى إنّه صرّح بأنّ أصحابها سيقتلونه ، جاء ذلك في ما رواه يزيد الرشك عمّن شافه الإمام عليه‌السلام في الطريق ، وفي روايةٍ أُخرى ـ رواها البلاذري ـ قال عليه‌السلام : «ما كانت كُتتب مَن كَتب إليّ في ما أظنّ إلّامكيدةً لي ، وتقرّباً إلى ابن معاوية بي» (١).

فهل كان هؤلاء كلّهم شيعةً له؟

إنّ أوّل كتابٍ ذُكرت أسماء أصحابها فيه ـ في ما نعلم ـ هو الكتاب الذي أرسله :

١ ـ سليمان بن صرد

٢ ـ المسيَّب بن نجبة

٣ ـ رِفاعة بن شدّاد

٤ ـ حبيب بن مظاهر (٢).

وقد كتبوا هذا الكتاب في منزل سليمان ، بعد أن خَطَبهم ؛ وقد

__________________

(١) أنساب الأشراف ٣ / ٣٩٣

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٨٥ / ـ ٣٨٦ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢١ ـ ١٢٢

٣٢٥

تقدّم نصُّ كلامه عن كتاب «الإرشاد» (١).

ومن الّذين كتبوا إليه جماعة ناشدهم الإمام عليه‌السلام في يوم عاشوراء ، وهم :

١ ـ شبث بن ربعي

٢ ـ حجّار بن أبجر

٣ ـ قيس بن الأشعث

٤ ـ يزيد بن الحارث

قال لهم عليه‌السلام : «ألم تكتبوا إليَّ؟!».

قالوا : لم نفعل (٢).

وقد كذبوا عليهم لعنة الله ، فقد جاء في الأخبار أنّه بعد أنْ استُشهد الإمام عليه‌السلام ، قال ابن سعد لشبث بن ربعي : «إنزل فجئني برأسه!

فقال : أنا بايعتُه ثمّ غدرتُ به ، ثمّ أنزل فأحتزّ رأسه؟! لا والله لا أفعل ذلك.

قال : إذاً أكتبُ إلى ابن زياد.

قال : أُكتبْ له!» (٣).

ومنهم : عمرو بن الحجّاج الزبيدي (٤) ، وهو أبو زوجة هاني بن

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٥٨ وما بعدها ؛ فراجع!

(٢) انظر : انساب الأشراف ٣ / ٣٩٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤١٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٤٣

(٣) الدر النظيم : ٥٥١

(٤) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٤ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣١٤ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٢

٣٢٦

عروة (١) ، وهو الذي قاد العسكر لاحتلال الفرات ، وقطع الماء عن أهل البيت ومعسكر الإمام (٢).

ومنهم : عزرة بن قيس الأحمسي (٣) ، وهو الذي أراد ابن سعد أن يبعثه رسولاً إلى الإمام فأبى ؛ لأنّه كان ممّن كتب إليه بالقدوم (٤).

ومنهم : محمّد بن عمير التميمي (٥).

ولدى التحقيق يتبيّن أنّ الّذين كتبوا إليه ينقسمون إلى قسمين :

١ ـ قسم كانوا شيعة له ، وهم : سليمان بن صرد وجماعته ، وفراس ابن جعدة.

٢ ـ وقسم لم يكونوا شيعةً له ، وهؤلاء على قسمين :

أ ـ الخوارج ، أمثال «شبث بن ربعي».

ب ـ حزب بني أُميّة ، أمثال «حجّار بن أبجر».

فأمّا «الشيعة» :

فمنهم من استشهد مع الإمام عليه‌السلام ، كحبيب بن مظاهر الأسدي.

ومنهم : سليمان بن صرد وجماعته ، الّذين سنتحدَّث عنهم فيما بعد.

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٤

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣١١ ـ ٣١٢

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٣٤ ، وانظر : أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣١٧

(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٣١٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١٨٧

(٥) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٣٤

٣٢٧

رُسُل أهل الكوفة إلى الإمام

ثمّ إنّ من الرسل إلى الإمام عليه‌السلام :

١ ـ عبد الله بن مسمع الهمداني

٢ ـ عبد الله بن وال

٣ ـ قيس بن مُسْهِر الصيداوي

٤ ـ عمارة بن عبد الله السلولي

٥ ـ هاني بن هاني السبيعي

٦ ـ سعيد بن عبد الله الحنفي

٧ ـ عبد الرحمن بن عبد الله بن الكون الأرحبي.

وقد كان «سعيد» هذا ممّن بايع مسلماً عليه‌السلام ، مع عابس الشاكري وحبيب بن مظاهر ، في بيت المختار الثقفي (١) ، ثمّ استشهد ثلاثتهم مع الإمام في الطفّ (٢).

و «عبد الرحمن» المذكور استشهد ـ أيضاً ـ مع الإمام (٣).

و «قيس بن مسهِر» استشهد في الكوفة ، فقد كان حاملاً لكتابٍ من الإمام إلى أهل الكوفة ، فمضى إلى الكوفة وعبيد الله بن زياد قد وضع المراصد والمصابيح على الطرق ، فليس أحد يقدر أن يجوز إلّافُتّش ، فلمّا تقارب من الكوفة قيس بن مسهر لقيه عدوٌّ لله ، يقال له : الحصين بن

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٩

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ / ١١٢ ، البداية والنهاية ٨ / ١٤٨

(٣) مناقب آل أبي طالب ٤ / ١٢٢

٣٢٨

نمير السكوني ، فلمّا نظر إليه قيس كأنّه اتّقى على نفسه ، فأخرج الكتاب سريعاً فمزّقه عن آخره ، فأمر الحصين أصحابه فأخذوا قيساً وأخذوا الكتاب ممزّقاً حتّى أتوا به إلى عبيد الله بن زياد ... (١).

و «عبد الله بن وال» كان مع سليمان بن صرد ، وقد استشهد معه ؛ نقل ابن الأثير :

أنّ أدهم بن محرز الباهلي حمل بخيله ورجله على التوّابين ، فوصل ابنُ محرز إلى ابنِ وال وهو يتلو : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٢) ، فغاظ ذلك أدهم بن محرز ، فحمل عليه فضرب يده فأبانها ، ثمّ تنحّى عنه وقال : إنّي أظنّك وددت أنّك عند أهلك؟!

قال ابن وال : بئسما ظننت ، والله ما أُحبّ أنّ يدك مكانها إلّاأن يكون لي من الأجر ما في يدي ؛ ليعظم وزرك ويعظم أجري.

فغاظه ذلك أيضاً ، فحمل عليه وطعنه فقتله وهو مقبل ما يزول ، وكان ابن وال من الفقهاء العبّاد (٣).

وكذا قُتل معه جماعته الآخرون ، الّذين كتبوا إلى الإمام عليه‌السلام أو كانوا رسلاً إليه ، إلّا «حبيب بن مظاهر» ، فإنّه استشهد في الطفّ ، وإلّا «رفاعة بن شدّاد» فإنّه رجع إلى الكوفة بعد استشهاد سليمان والجماعة (٤).

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٩٢ ـ ٩٣ ؛ وقد تقدّم في الصفحات ٢٨٥ ـ ٢٨٨

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٦٩

(٣) انظر : الكامل في التاريخ ٤ / ٨ حوادث سنة ٦٥ ه

(٤) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٩٥ ضمن ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي

٣٢٩
٣٣٠

الفصل السابع :

إجراءات ابن زياد في الكوفة

٣٣١
٣٣٢

لقد ولّى يزيدُ بن معاوية عبيدَ الله بن زياد على الكوفة ، بعد أن لعب الوالي عليها ـ وهو : النعمان بن بشير ـ دوره المأمور به ، بوصيّةٍ من معاوية ، فكتب إليه يزيد مع مسلم بن عمرو :

«أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة ، يخبروني أنّ ابن عقيل بها يجمع الجموع ويشقُّ عصا المسلمين ، فسِرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل طلب الخُرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ؛ والسلام.

وسلّم إليه عهده على الكوفة.

فسار مسلم بن عمرو ، حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة ، فأوصل إليه العهد والكتاب ، فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته ، والمسير والتهيّؤ إلى الكوفة من الغد ، ثمّ خرج من البصرة واستخلف أخاه عثمان ، وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهليّ وشريكُ بن أعور الحارثيّ وحشمه وأهل بيته ، حتّى دخل الكوفة وعليه عمامةٌ سوداء وهو مُتلثّم ، والناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه‌السلام إليهم فهم ينتظرون قدومه ، فظنّوا حين رأوا عبيد الله أنّه الحسين ، فأخذ لا يمرُّ على جماعةٍ من الناس إلّاسلَّموا عليه وقالوا : مرحباً بابن رسول الله ، قدمتَ خيرَ مقدم.

٣٣٣

فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا : تأخَّروا! هذا الأمير عبيدُ الله بن زياد.

وسار حتّى وافى القصر في الليل ، ومعه جماعةٌ قد التفُّوا به لا يشكُّون أنّه الحسين عليه‌السلام ، فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى حامّته ، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب ، فاطّلع إليه النعمان وهو يظنّه الحسين فقال : أنشدك الله إلّاتنحّيت ، والله ما أنا مسلّمٌ إليك أمانتي ، وما لي في قتالك من أَرَبٍ.

فجعل لا يكلّمه ، ثمّ إنّه دنا وتدلّى النعمان من شَرَفٍ فجعل يُكلّمه ، فقال : افتح لا فتحت ، فقد طال ليلك!

وسمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الّذين اتّبعوه من أهل الكوفة على أنّه الحسين فقال : أي قوم! ابن مرجانة والّذي لا إله غيره.

ففتح له النعمان ودخل ، وضربوا الباب في وجوه الناس فانفضّوا.

وأصبح فنادى في الناس : الصلاةُ جامعةٌ ؛ فاجتمع الناس ، فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومُطيعكم كالوالد البرِّ ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليُبق امرؤ على نفسه ؛ الصدق ينبي عنك لا الوعيد.

ثمّ نزل ، فأخذ العُرفاءَ والناسَ أخذاً شديداً فقال : اكتبوا إلى العُرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ، ومَن فيكم من الحروريّة وأهل الريب ، الّذين رأيهم الخلافُ والشِّقاق ، فمن يجيء بهم لنا فبريء ، ومن لم يكتب

٣٣٤

لنا أحداً فليضمن لنا ما في عِرافته ألّا يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغِ علينا منهم باغٍ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمّةُ وحلالٌ لنا دمُه ومالُه ، وأيّما عريفٍ وُجدَ في عرافته من بُغية أمير المؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا ، صُلِبَ على باب داره ، وأُلغيت تلك العرافةُ من العطاء» (١).

واتّخذ ابن زياد فور وصوله إلى الكوفة ـ بعد أنْ عُرف أصحاب مسلم بن عقيل وشيعته وانكشفوا على أثر سكوت «النعمان بن بشير» عنهم!! ـ إجراءات عديدةٍ غيَّرت مجاري الأُمور ، وانتهت بالقضاء على مسلم وأنصاره واستشهادهم ، ثمّ استشهاد الإمام وأصحابه في كربلاء ، ونحن نلخّص ما قام به في خطوط :

١ ـ الشائعات

كان للإشاعات الدور الكبير في تفرّق الناس عن مسلم عليه‌السلام ، فقد أمر ابنُ زياد جماعةً ممّن حوله أنْ يعلموا الناس بوصوله إلى الكوفة ويشيعوا بينهم وصول جيشٍ من الشام ويخوّفونهم به ، ويخذّلونهم عن مسلم بن عقيل (٢).

ومن هؤلاء : شهاب الحارثي ، فقد جاء بترجمته من «مختصر تاريخ دمشق» أنّه هو الذي قبض على حُجر بن عديّ وجماعته وأخذهم إلى معاوية ، وكان والي الريّ من قبل معاوية (٣).

__________________

(١) الإرشاد ٢ / ٤٢ ـ ٤٥ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٨١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٣

(٢) انظر : بحار الأنوار ٤٤ / ٣٥٠

(٣) مختصر تاريخ دمشق ٢١ / ١٣٨ رقم ١٠٠

٣٣٥

٢ ـ نصب العرفاء

وهم الّذين يعرفون أفراد القبائل ويتولّون أُمورهم ، وبواسطتهم يتعرّف الأمير على أحوالهم ، فيخبرونه عمّن تخلّف عن القتال مثلاً ، وعمّن وُلد له منهم ، ومن مات ، وعلى أيديهم تجري أُعطيات أفراد القبائل ، وعن طريقهم تنفّذ السلطات مقاصدها في القبيلة (١).

وكان لهؤلاء الّذين نصبهم دور كبير في إخراج الناس لحرب الإمام عليه‌السلام.

٣ ـ نصب رؤساء القبائل

وجعل ابن زياد النظام القبلي في الكوفة على النحو التالي ، مع تعيين رؤساء القبائل (٢) ، فجعل :

عمرو بن حريث ، على أهل المدينة ؛ وقد كان عليهم من قبل مسلم ابن عقيل : العبّاس بن جعدة الجدلي.

وخالد بن عرفطة ، على تميم وهمدان ؛ وكان عليهم من قبل مسلم : أبو ثمامة الصائدي ، وكان أبو ثمامة ـ وهو : عمرو بن عبد الله بن

__________________

(١) انظر : فيض القدير ٢ / ٤٧٦ ح ٢٠٧٥ ، ومادّة «عرف» في : النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٢١٨ ، لسان العرب ٩ / ١٥٤

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

والواضع الأوّل لهذا النظام في الكوفة هو عمر بن الخطّاب ؛ انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٤٧٩ حوادث سنة ١٧ ه‍ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٢٤٩ وما بعدها

٣٣٦

الأنصاري ـ يقبض الأموال لمسلم ويشتري السلاح (١).

وقيس بن الوليد بن عبد شمس ، على ربيعة وبكر وكندة ؛ وكان عليهم من قبل مسلم : عبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي.

وأبا بردة ابن أبي موسى الأشعري ، على مذحج وأسد ؛ وكان عليهم من قبل مسلم : مسلم بن عوسجة.

٤ ـ بثُّ الجواسيس

وبثّ جواسيسه وعيونه بين الناس ، للتعرّف على مواقع الشيعة وشخصيّاتهم وتحرّكاتهم ، بعد أن لاذوا بالكتمان والاختفاء ؛ وقضيّة إرساله مولاه المسمّى ب «معقل» ومعه ثلاثة آلاف درهم ليلتمس له موضع مسلم ابن عقيل عليه‌السلام وأفراد أصحابه ، وأنّه جاء إلى المسجد الأعظم والتقى بمسلم بن عوسجة ، وتظاهر بأنّه من الشيعة وجعل يتباكى ... معروفة (٢).

٥ ـ محاصرة الكوفة

وقد سيطر على جميع أطراف الكوفة والطرق المؤدّية إليها ، فما يدخل إليها أو يخرج منها أحدٌ إلّاويفتّش ويفحص عن حاله ويُعرف.

وكان يزيد قد كتب إليه :

«إنّه قد بلغني أنّ الحسين بن عليّ قد توجّه نحو العراق ، فضع

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٤

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٢ / ٣٣٦ ، الفتوح ٥ / ٤٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٢ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٩٥ ، الأخبار الطوال : ٢٣٥ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٣

٣٣٧

المناظر والمسالح ، واحترس على الظنّ ، وخذ على التهمة» (١).

وسأل الإمام عليه‌السلام في الطريق بعض الناس عمّا يجري في الكوفة ، فأجاب : «لا والله ما ندري ، غير إنّا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج» (٢).

وكان على شرطته : سمرة بن جندب (٣) ، والحصين بن نمير ، وقد قال له : «يا حصين بن نمير! ثكلتك أُمّك إنْ ضاع بابُ سكّةٍ من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ـ يعني مسلماً عليه‌السلام ـ ولم تأتني به ، وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة» (٤).

وقد تقدّم كيف عرف قيسَ بن مسهر الصيداوي لمّا أراد الدخول إلى الكوفة ، وقبض عليه ، واستشهد رحمه‌الله (٥).

وكقضيّة عبد الله بن يقطر (٦) ـ أو : بقطر ـ الذي كان يحمل كتاباً من

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٣

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٩

(٣) ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٨ ـ ٧٩ ، وعنه في تنقيح المقال ٢ / ٦٩ ، وقال : إنّ سمرة بن جندب عاش حتّى حضر مقتل الحسين ، وكان من شرطة ابن زياد ، وكان أيّام مسير الحسين إلى العراق يحرّض الناس على الخروج إلى قتاله ، ومن قبل ذلك كان والياً على البصرة من قبل زياد بن أبيه لمّا ولّاه معاوية المصرين.

ثمّ ناقض ابن أبي الحديد في ما ذكره ، فراجعه ؛ وحاصله أنّ القوم ذكروا وفاته قبل واقعة الطفّ

(٤) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٥١

(٥) تقدّم في الصفحات ٢٨٥ ـ ٢٨٨

(٦) وُلد مع الإمام عليه‌السلام في زمن واحد ، لذا سمّي : لدة الحسين ، ورضيع الحسين ؛ لأنّ أباه كان خادماً لرسول الله ، وكانت ميمونة زوجته في بيت أمير

٣٣٨

الإمام عليه‌السلام ، فأخذ مالك بن يربوع التميمي الكتاب منه ، فأمر ابن زياد بقتله (١).

القضاء على الشيعة

وهكذا تمكّن ابن زياد من القضاء على أنصار مسلم بن عقيل ، كهانئ ابن عروة وغيره ، حتّى إنّه قتل بعضهم بين أبناء عشيرته أمام أعين قومه ، ونكتفي هنا ببعض القضايا كما ذكر المؤرّخون :

ميثم التمّار

وهو من بني أسد ، وكان من خواصّ مولانا أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام ، وطالما كان عليه‌السلام يخرج من جامع الكوفة فيجلس عنده فيحادثه ، وربّما كان يبيع له التمر إذا غاب ، قال له ذات يوم : «ألا أُبشّرك يا ميثم؟».

فقال : بماذا يا أمير المؤمنين؟

قال : «بأنّك تموت مصلوباً».

فقال : يا مولاي! وأنا على فطرة الإسلام؟

قال : «نعم».

ثمّ قال له : «يا ميثم! تريد أُريك الموضع الذي تصلب فيه والنخلة

__________________

المؤمنين ، فولدت عبد الله هذا قبل ولادة الإمام الحسين بثلاثة أيّام ، وكانت تحضن الإمام الحسين وترضع ولدها ، فسمّي : رضيع الحسين.

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٣

٣٣٩

التي تعلّق عليها وعلى جذعتها؟».

قال : نعم يا أمير المؤمنين.

فجاء به إلى رحبة الصيارف وقال له : «ها هنا» ، ثمّ أراه نخلة وقال له : «على جذع هذه».

فما زال ميثم رضي الله عنه يتعاهد تلك النخلة حتّى قُطعت وشُقت نصفين ، فسُقف بالنصف منها وبقي النصف الآخر ، فما زال يتعاهد النصف ويصلّي في ذلك الموضع ويقول لبعض جيران الموضع : يا فلان! إنّي أُريد أن أُجاورك عن قريب فأحسن جواري.

فيقول ذلك الرجل في نفسه : يريد ميثم أن يشتري داراً في جواري ؛ ولا يعلم ما يريد بقوله.

حتّى قُبض الإمام عليّ عليه‌السلام وظهر عبيد الله بن زياد وأصحابه ، وأخذ ميثم في مَن أخذ وأمر بصلبه ، فصلب على ذلك الجذع في ذلك المكان ، فلمّا رأى ذلك الرجل أنّ ميثماً قد صلب في جواره قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ؛ ثمّ أخبر الناس بقصّة ميثم وما قاله في حياته ، وما زال ذلك الرجل يتعاهده ويكنس تحت الجذع ويبخّره ويصلّي عنده ويكرّر الرحمة عليه ، رضي الله عنه (١).

يحدّثنا الكشّي في رجاله فيقول : «مرّ ميثم التمّار على فرس له ، فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد ، فتحدّثا حتّى اختلف أعناق فرسيهما ، ثمّ قال حبيب : لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صُلب في حبّ أهل بيت نبيّه عليه‌السلام ،

__________________

(١) انظر : بحار الأنوار ٤٢ / ١٣٨ ح ١٩

٣٤٠