السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧
ترجمة شَبَث بن ربعي
بايع ـ مع جماعة ـ الضبَّ بدلاً عن أمير المؤمنين عليهالسلام وقالوا : إنّهما سواء (١).
قال شبث : أنا أوّل مَن حرّر الحرورية (٢).
ترجمة عمرو بن حريث
كان من الصحابة ، وهو أوّل قرشي اتّخذ الكوفة داراً ، وكان من أغنى أهل الكوفة ، وولي لبني أُميّة بالكوفة ، وكانوا يميلون إليه ويتقوّون به ، وكان هواه معهم ؛ فالرجل قرشي مخزومي.
كانت له يد في قتل ميثم التمّار (٣).
__________________
(١) تنقيح المقال ٢ / ٨٠ ، وانظر : الإصابة ٣ / ٣٧٦ رقم ٣٩٥٩ ، معجم رجال الحديث ١٠ / ١٤ رقم ٥٦٨٧
(٢) التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٤ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ رقم ٢٧٥٥.
والحَرُوريّة : فرقة من الخوارج تُنسب إلى «حَرُوراء» وقيل : «حَرَوْراء» ، وهو قرية أو موضع بظاهر الكوفة ، على ميلين منها ، نزل به الخوارج ، وكان أوّل اجتماعهم بها.
انظر : معجم البلدان ٢ / ٢٨٣ رقم ٣٦٢٩ ، لسان العرب ٣ / ١٢٠ مادّة «حرر»
(٣) تنقيح المقال ٢ / ٣٢٧ ، وانظر : أُسد الغابة ٣ / ٧١٠ رقم ٣٨٩٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٧٢ رقم ١٩٠٦ ، الإصابة ٤ / ٦١٦ رقم ٥٨١٢ ، معجم رجال الحديث ١٤ / ٩٢ رقم ٨٨٩١ وج ٢٠ / ١٠٧ ـ ١٠٩
الفصل السادس :
هل كان الّذين كتبوا إلى الإمام شيعةً له؟
لقد تقدّم أنّ الإمام عليهالسلام كان في ريبٍ من تلك الكتب ، حتّى إنّه صرّح بأنّ أصحابها سيقتلونه ، جاء ذلك في ما رواه يزيد الرشك عمّن شافه الإمام عليهالسلام في الطريق ، وفي روايةٍ أُخرى ـ رواها البلاذري ـ قال عليهالسلام : «ما كانت كُتتب مَن كَتب إليّ في ما أظنّ إلّامكيدةً لي ، وتقرّباً إلى ابن معاوية بي» (١).
فهل كان هؤلاء كلّهم شيعةً له؟
إنّ أوّل كتابٍ ذُكرت أسماء أصحابها فيه ـ في ما نعلم ـ هو الكتاب الذي أرسله :
١ ـ سليمان بن صرد
٢ ـ المسيَّب بن نجبة
٣ ـ رِفاعة بن شدّاد
٤ ـ حبيب بن مظاهر (٢).
وقد كتبوا هذا الكتاب في منزل سليمان ، بعد أن خَطَبهم ؛ وقد
__________________
(١) أنساب الأشراف ٣ / ٣٩٣
(٢) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٨٥ / ـ ٣٨٦ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢١ ـ ١٢٢
تقدّم نصُّ كلامه عن كتاب «الإرشاد» (١).
ومن الّذين كتبوا إليه جماعة ناشدهم الإمام عليهالسلام في يوم عاشوراء ، وهم :
١ ـ شبث بن ربعي
٢ ـ حجّار بن أبجر
٣ ـ قيس بن الأشعث
٤ ـ يزيد بن الحارث
قال لهم عليهالسلام : «ألم تكتبوا إليَّ؟!».
قالوا : لم نفعل (٢).
وقد كذبوا عليهم لعنة الله ، فقد جاء في الأخبار أنّه بعد أنْ استُشهد الإمام عليهالسلام ، قال ابن سعد لشبث بن ربعي : «إنزل فجئني برأسه!
فقال : أنا بايعتُه ثمّ غدرتُ به ، ثمّ أنزل فأحتزّ رأسه؟! لا والله لا أفعل ذلك.
قال : إذاً أكتبُ إلى ابن زياد.
قال : أُكتبْ له!» (٣).
ومنهم : عمرو بن الحجّاج الزبيدي (٤) ، وهو أبو زوجة هاني بن
__________________
(١) تقدّم في الصفحة ٢٥٨ وما بعدها ؛ فراجع!
(٢) انظر : انساب الأشراف ٣ / ٣٩٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤١٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٤٣
(٣) الدر النظيم : ٥٥١
(٤) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٤ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣١٤ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٢
عروة (١) ، وهو الذي قاد العسكر لاحتلال الفرات ، وقطع الماء عن أهل البيت ومعسكر الإمام (٢).
ومنهم : عزرة بن قيس الأحمسي (٣) ، وهو الذي أراد ابن سعد أن يبعثه رسولاً إلى الإمام فأبى ؛ لأنّه كان ممّن كتب إليه بالقدوم (٤).
ومنهم : محمّد بن عمير التميمي (٥).
ولدى التحقيق يتبيّن أنّ الّذين كتبوا إليه ينقسمون إلى قسمين :
١ ـ قسم كانوا شيعة له ، وهم : سليمان بن صرد وجماعته ، وفراس ابن جعدة.
٢ ـ وقسم لم يكونوا شيعةً له ، وهؤلاء على قسمين :
أ ـ الخوارج ، أمثال «شبث بن ربعي».
ب ـ حزب بني أُميّة ، أمثال «حجّار بن أبجر».
فأمّا «الشيعة» :
فمنهم من استشهد مع الإمام عليهالسلام ، كحبيب بن مظاهر الأسدي.
ومنهم : سليمان بن صرد وجماعته ، الّذين سنتحدَّث عنهم فيما بعد.
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٤
(٢) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣١١ ـ ٣١٢
(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٣٤ ، وانظر : أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣١٧
(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٣١٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١٨٧
(٥) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٣٤
رُسُل أهل الكوفة إلى الإمام
ثمّ إنّ من الرسل إلى الإمام عليهالسلام :
١ ـ عبد الله بن مسمع الهمداني
٢ ـ عبد الله بن وال
٣ ـ قيس بن مُسْهِر الصيداوي
٤ ـ عمارة بن عبد الله السلولي
٥ ـ هاني بن هاني السبيعي
٦ ـ سعيد بن عبد الله الحنفي
٧ ـ عبد الرحمن بن عبد الله بن الكون الأرحبي.
وقد كان «سعيد» هذا ممّن بايع مسلماً عليهالسلام ، مع عابس الشاكري وحبيب بن مظاهر ، في بيت المختار الثقفي (١) ، ثمّ استشهد ثلاثتهم مع الإمام في الطفّ (٢).
و «عبد الرحمن» المذكور استشهد ـ أيضاً ـ مع الإمام (٣).
و «قيس بن مسهِر» استشهد في الكوفة ، فقد كان حاملاً لكتابٍ من الإمام إلى أهل الكوفة ، فمضى إلى الكوفة وعبيد الله بن زياد قد وضع المراصد والمصابيح على الطرق ، فليس أحد يقدر أن يجوز إلّافُتّش ، فلمّا تقارب من الكوفة قيس بن مسهر لقيه عدوٌّ لله ، يقال له : الحصين بن
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٩
(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ / ١١٢ ، البداية والنهاية ٨ / ١٤٨
(٣) مناقب آل أبي طالب ٤ / ١٢٢
نمير السكوني ، فلمّا نظر إليه قيس كأنّه اتّقى على نفسه ، فأخرج الكتاب سريعاً فمزّقه عن آخره ، فأمر الحصين أصحابه فأخذوا قيساً وأخذوا الكتاب ممزّقاً حتّى أتوا به إلى عبيد الله بن زياد ... (١).
و «عبد الله بن وال» كان مع سليمان بن صرد ، وقد استشهد معه ؛ نقل ابن الأثير :
أنّ أدهم بن محرز الباهلي حمل بخيله ورجله على التوّابين ، فوصل ابنُ محرز إلى ابنِ وال وهو يتلو : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٢) ، فغاظ ذلك أدهم بن محرز ، فحمل عليه فضرب يده فأبانها ، ثمّ تنحّى عنه وقال : إنّي أظنّك وددت أنّك عند أهلك؟!
قال ابن وال : بئسما ظننت ، والله ما أُحبّ أنّ يدك مكانها إلّاأن يكون لي من الأجر ما في يدي ؛ ليعظم وزرك ويعظم أجري.
فغاظه ذلك أيضاً ، فحمل عليه وطعنه فقتله وهو مقبل ما يزول ، وكان ابن وال من الفقهاء العبّاد (٣).
وكذا قُتل معه جماعته الآخرون ، الّذين كتبوا إلى الإمام عليهالسلام أو كانوا رسلاً إليه ، إلّا «حبيب بن مظاهر» ، فإنّه استشهد في الطفّ ، وإلّا «رفاعة بن شدّاد» فإنّه رجع إلى الكوفة بعد استشهاد سليمان والجماعة (٤).
__________________
(١) الفتوح ٥ / ٩٢ ـ ٩٣ ؛ وقد تقدّم في الصفحات ٢٨٥ ـ ٢٨٨
(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٦٩
(٣) انظر : الكامل في التاريخ ٤ / ٨ حوادث سنة ٦٥ ه
(٤) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٩٥ ضمن ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي
الفصل السابع :
إجراءات ابن زياد في الكوفة
لقد ولّى يزيدُ بن معاوية عبيدَ الله بن زياد على الكوفة ، بعد أن لعب الوالي عليها ـ وهو : النعمان بن بشير ـ دوره المأمور به ، بوصيّةٍ من معاوية ، فكتب إليه يزيد مع مسلم بن عمرو :
«أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة ، يخبروني أنّ ابن عقيل بها يجمع الجموع ويشقُّ عصا المسلمين ، فسِرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل طلب الخُرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ؛ والسلام.
وسلّم إليه عهده على الكوفة.
فسار مسلم بن عمرو ، حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة ، فأوصل إليه العهد والكتاب ، فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته ، والمسير والتهيّؤ إلى الكوفة من الغد ، ثمّ خرج من البصرة واستخلف أخاه عثمان ، وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهليّ وشريكُ بن أعور الحارثيّ وحشمه وأهل بيته ، حتّى دخل الكوفة وعليه عمامةٌ سوداء وهو مُتلثّم ، والناس قد بلغهم إقبال الحسين عليهالسلام إليهم فهم ينتظرون قدومه ، فظنّوا حين رأوا عبيد الله أنّه الحسين ، فأخذ لا يمرُّ على جماعةٍ من الناس إلّاسلَّموا عليه وقالوا : مرحباً بابن رسول الله ، قدمتَ خيرَ مقدم.
فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا : تأخَّروا! هذا الأمير عبيدُ الله بن زياد.
وسار حتّى وافى القصر في الليل ، ومعه جماعةٌ قد التفُّوا به لا يشكُّون أنّه الحسين عليهالسلام ، فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى حامّته ، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب ، فاطّلع إليه النعمان وهو يظنّه الحسين فقال : أنشدك الله إلّاتنحّيت ، والله ما أنا مسلّمٌ إليك أمانتي ، وما لي في قتالك من أَرَبٍ.
فجعل لا يكلّمه ، ثمّ إنّه دنا وتدلّى النعمان من شَرَفٍ فجعل يُكلّمه ، فقال : افتح لا فتحت ، فقد طال ليلك!
وسمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الّذين اتّبعوه من أهل الكوفة على أنّه الحسين فقال : أي قوم! ابن مرجانة والّذي لا إله غيره.
ففتح له النعمان ودخل ، وضربوا الباب في وجوه الناس فانفضّوا.
وأصبح فنادى في الناس : الصلاةُ جامعةٌ ؛ فاجتمع الناس ، فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومُطيعكم كالوالد البرِّ ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليُبق امرؤ على نفسه ؛ الصدق ينبي عنك لا الوعيد.
ثمّ نزل ، فأخذ العُرفاءَ والناسَ أخذاً شديداً فقال : اكتبوا إلى العُرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ، ومَن فيكم من الحروريّة وأهل الريب ، الّذين رأيهم الخلافُ والشِّقاق ، فمن يجيء بهم لنا فبريء ، ومن لم يكتب
لنا أحداً فليضمن لنا ما في عِرافته ألّا يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغِ علينا منهم باغٍ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمّةُ وحلالٌ لنا دمُه ومالُه ، وأيّما عريفٍ وُجدَ في عرافته من بُغية أمير المؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا ، صُلِبَ على باب داره ، وأُلغيت تلك العرافةُ من العطاء» (١).
واتّخذ ابن زياد فور وصوله إلى الكوفة ـ بعد أنْ عُرف أصحاب مسلم بن عقيل وشيعته وانكشفوا على أثر سكوت «النعمان بن بشير» عنهم!! ـ إجراءات عديدةٍ غيَّرت مجاري الأُمور ، وانتهت بالقضاء على مسلم وأنصاره واستشهادهم ، ثمّ استشهاد الإمام وأصحابه في كربلاء ، ونحن نلخّص ما قام به في خطوط :
١ ـ الشائعات
كان للإشاعات الدور الكبير في تفرّق الناس عن مسلم عليهالسلام ، فقد أمر ابنُ زياد جماعةً ممّن حوله أنْ يعلموا الناس بوصوله إلى الكوفة ويشيعوا بينهم وصول جيشٍ من الشام ويخوّفونهم به ، ويخذّلونهم عن مسلم بن عقيل (٢).
ومن هؤلاء : شهاب الحارثي ، فقد جاء بترجمته من «مختصر تاريخ دمشق» أنّه هو الذي قبض على حُجر بن عديّ وجماعته وأخذهم إلى معاوية ، وكان والي الريّ من قبل معاوية (٣).
__________________
(١) الإرشاد ٢ / ٤٢ ـ ٤٥ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٨١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٣
(٢) انظر : بحار الأنوار ٤٤ / ٣٥٠
(٣) مختصر تاريخ دمشق ٢١ / ١٣٨ رقم ١٠٠
٢ ـ نصب العرفاء
وهم الّذين يعرفون أفراد القبائل ويتولّون أُمورهم ، وبواسطتهم يتعرّف الأمير على أحوالهم ، فيخبرونه عمّن تخلّف عن القتال مثلاً ، وعمّن وُلد له منهم ، ومن مات ، وعلى أيديهم تجري أُعطيات أفراد القبائل ، وعن طريقهم تنفّذ السلطات مقاصدها في القبيلة (١).
وكان لهؤلاء الّذين نصبهم دور كبير في إخراج الناس لحرب الإمام عليهالسلام.
٣ ـ نصب رؤساء القبائل
وجعل ابن زياد النظام القبلي في الكوفة على النحو التالي ، مع تعيين رؤساء القبائل (٢) ، فجعل :
عمرو بن حريث ، على أهل المدينة ؛ وقد كان عليهم من قبل مسلم ابن عقيل : العبّاس بن جعدة الجدلي.
وخالد بن عرفطة ، على تميم وهمدان ؛ وكان عليهم من قبل مسلم : أبو ثمامة الصائدي ، وكان أبو ثمامة ـ وهو : عمرو بن عبد الله بن
__________________
(١) انظر : فيض القدير ٢ / ٤٧٦ ح ٢٠٧٥ ، ومادّة «عرف» في : النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٢١٨ ، لسان العرب ٩ / ١٥٤
(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.
والواضع الأوّل لهذا النظام في الكوفة هو عمر بن الخطّاب ؛ انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٤٧٩ حوادث سنة ١٧ ه ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٢٤٩ وما بعدها
الأنصاري ـ يقبض الأموال لمسلم ويشتري السلاح (١).
وقيس بن الوليد بن عبد شمس ، على ربيعة وبكر وكندة ؛ وكان عليهم من قبل مسلم : عبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي.
وأبا بردة ابن أبي موسى الأشعري ، على مذحج وأسد ؛ وكان عليهم من قبل مسلم : مسلم بن عوسجة.
٤ ـ بثُّ الجواسيس
وبثّ جواسيسه وعيونه بين الناس ، للتعرّف على مواقع الشيعة وشخصيّاتهم وتحرّكاتهم ، بعد أن لاذوا بالكتمان والاختفاء ؛ وقضيّة إرساله مولاه المسمّى ب «معقل» ومعه ثلاثة آلاف درهم ليلتمس له موضع مسلم ابن عقيل عليهالسلام وأفراد أصحابه ، وأنّه جاء إلى المسجد الأعظم والتقى بمسلم بن عوسجة ، وتظاهر بأنّه من الشيعة وجعل يتباكى ... معروفة (٢).
٥ ـ محاصرة الكوفة
وقد سيطر على جميع أطراف الكوفة والطرق المؤدّية إليها ، فما يدخل إليها أو يخرج منها أحدٌ إلّاويفتّش ويفحص عن حاله ويُعرف.
وكان يزيد قد كتب إليه :
«إنّه قد بلغني أنّ الحسين بن عليّ قد توجّه نحو العراق ، فضع
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٤
(٢) انظر : أنساب الأشراف ٢ / ٣٣٦ ، الفتوح ٥ / ٤٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٢ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٩٥ ، الأخبار الطوال : ٢٣٥ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٣
المناظر والمسالح ، واحترس على الظنّ ، وخذ على التهمة» (١).
وسأل الإمام عليهالسلام في الطريق بعض الناس عمّا يجري في الكوفة ، فأجاب : «لا والله ما ندري ، غير إنّا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج» (٢).
وكان على شرطته : سمرة بن جندب (٣) ، والحصين بن نمير ، وقد قال له : «يا حصين بن نمير! ثكلتك أُمّك إنْ ضاع بابُ سكّةٍ من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ـ يعني مسلماً عليهالسلام ـ ولم تأتني به ، وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة» (٤).
وقد تقدّم كيف عرف قيسَ بن مسهر الصيداوي لمّا أراد الدخول إلى الكوفة ، وقبض عليه ، واستشهد رحمهالله (٥).
وكقضيّة عبد الله بن يقطر (٦) ـ أو : بقطر ـ الذي كان يحمل كتاباً من
__________________
(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٣
(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٩
(٣) ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٨ ـ ٧٩ ، وعنه في تنقيح المقال ٢ / ٦٩ ، وقال : إنّ سمرة بن جندب عاش حتّى حضر مقتل الحسين ، وكان من شرطة ابن زياد ، وكان أيّام مسير الحسين إلى العراق يحرّض الناس على الخروج إلى قتاله ، ومن قبل ذلك كان والياً على البصرة من قبل زياد بن أبيه لمّا ولّاه معاوية المصرين.
ثمّ ناقض ابن أبي الحديد في ما ذكره ، فراجعه ؛ وحاصله أنّ القوم ذكروا وفاته قبل واقعة الطفّ
(٤) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٥١
(٥) تقدّم في الصفحات ٢٨٥ ـ ٢٨٨
(٦) وُلد مع الإمام عليهالسلام في زمن واحد ، لذا سمّي : لدة الحسين ، ورضيع الحسين ؛ لأنّ أباه كان خادماً لرسول الله ، وكانت ميمونة زوجته في بيت أمير
الإمام عليهالسلام ، فأخذ مالك بن يربوع التميمي الكتاب منه ، فأمر ابن زياد بقتله (١).
القضاء على الشيعة
وهكذا تمكّن ابن زياد من القضاء على أنصار مسلم بن عقيل ، كهانئ ابن عروة وغيره ، حتّى إنّه قتل بعضهم بين أبناء عشيرته أمام أعين قومه ، ونكتفي هنا ببعض القضايا كما ذكر المؤرّخون :
ميثم التمّار
وهو من بني أسد ، وكان من خواصّ مولانا أمير المؤمنين الإمام عليّ عليهالسلام ، وطالما كان عليهالسلام يخرج من جامع الكوفة فيجلس عنده فيحادثه ، وربّما كان يبيع له التمر إذا غاب ، قال له ذات يوم : «ألا أُبشّرك يا ميثم؟».
فقال : بماذا يا أمير المؤمنين؟
قال : «بأنّك تموت مصلوباً».
فقال : يا مولاي! وأنا على فطرة الإسلام؟
قال : «نعم».
ثمّ قال له : «يا ميثم! تريد أُريك الموضع الذي تصلب فيه والنخلة
__________________
المؤمنين ، فولدت عبد الله هذا قبل ولادة الإمام الحسين بثلاثة أيّام ، وكانت تحضن الإمام الحسين وترضع ولدها ، فسمّي : رضيع الحسين.
(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٣
التي تعلّق عليها وعلى جذعتها؟».
قال : نعم يا أمير المؤمنين.
فجاء به إلى رحبة الصيارف وقال له : «ها هنا» ، ثمّ أراه نخلة وقال له : «على جذع هذه».
فما زال ميثم رضي الله عنه يتعاهد تلك النخلة حتّى قُطعت وشُقت نصفين ، فسُقف بالنصف منها وبقي النصف الآخر ، فما زال يتعاهد النصف ويصلّي في ذلك الموضع ويقول لبعض جيران الموضع : يا فلان! إنّي أُريد أن أُجاورك عن قريب فأحسن جواري.
فيقول ذلك الرجل في نفسه : يريد ميثم أن يشتري داراً في جواري ؛ ولا يعلم ما يريد بقوله.
حتّى قُبض الإمام عليّ عليهالسلام وظهر عبيد الله بن زياد وأصحابه ، وأخذ ميثم في مَن أخذ وأمر بصلبه ، فصلب على ذلك الجذع في ذلك المكان ، فلمّا رأى ذلك الرجل أنّ ميثماً قد صلب في جواره قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ؛ ثمّ أخبر الناس بقصّة ميثم وما قاله في حياته ، وما زال ذلك الرجل يتعاهده ويكنس تحت الجذع ويبخّره ويصلّي عنده ويكرّر الرحمة عليه ، رضي الله عنه (١).
يحدّثنا الكشّي في رجاله فيقول : «مرّ ميثم التمّار على فرس له ، فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد ، فتحدّثا حتّى اختلف أعناق فرسيهما ، ثمّ قال حبيب : لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صُلب في حبّ أهل بيت نبيّه عليهالسلام ،
__________________
(١) انظر : بحار الأنوار ٤٢ / ١٣٨ ح ١٩