من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

تُبقر بطنه على الخشبة.

فقال ميثم : وإنّي لأعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان يخرج لينصر ابن بنت نبيّه فيُقتل ويُجال برأسه بالكوفة.

ثمّ افترقا.

فقال أهل المجلس : ما رأينا أحداً أكذب من هذين.

قال : فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رُشيد الهجري فطلبهما ، فسأل أهل المجلس عنهما فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا.

فقال رُشيد : رحم الله ميثماً نسي : ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مئة درهم.

ثمّ أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم!

فقال القوم : والله ما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث ، وجيء برأس حبيب بن مظاهر قد قُتل مع الحسين عليه‌السلام ، ورأينا كلَّ ما قالوا» (١).

روى ابن حجر العسقلاني في «الإصابة» ، قال :

كان ميثم التمّار عبداً لامرأة من بني أسد ، فاشتراه عليٌّ منها وأعتقه ، وقال له : «ما اسمك؟».

قال : سالم.

قال : «أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ اسمك الذي سمّاك به أبواك في العجم : ميثم».

قال : صدق الله ورسوله وأمير المؤمنين ، والله إنّه لاسمي.

__________________

(١) رجال الكشّي ١ / ٢٩٢ رقم ١٣٣

٣٤١

قال : «فارجع إلى اسمك الذي سمّاك به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودع سالماً».

فرجع ميثم واكتنى بأبي سالم ، فقال له عليٌّ ذات يوم : «إنّك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة ، فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر منخراك وفوك دماً فتخضب لحيتك ، وتصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة ، وأنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة ، فامض حتّى أُريك النخلة التي تصلب على جذعها».

فأراه إيّاها ، وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول : بوركت من نخلة ، لك خُلقت ولي غُذّيت ، فلم يزل يتعاهدها حتّى قطعت.

ثمّ كان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنّي مجاورك فأحسن جواري.

فيقول له عمرو : أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يريد.

ثمّ حجّ في السنة التي قُتل فيها ، فدخل على أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين فقالت له : من أنت؟

قال : أنا ميثم.

فقالت : والله لربّما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكرك ويوصي بك عليّاً.

فسألها عن الحسين ، فقالت : هو في حائط له.

فقال : أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه فلم أجده ، ونحن ملتقون عند ربّ العرش إن شاء الله تعالى.

٣٤٢

فدعت أُمّ سلمة بطيب فطيّب به لحيته ، فقالت له : أما إنّها ستخضب بدم.

فقدم الكوفة ، فأخذه عبيد الله بن زياد ، فأُدخل عليه فقيل له : هذا كان آثر الناس عند عليّ.

قال : ويحكم! هذا الأعجمي؟!

فقيل له : نعم.

فقال له : أين ربّك؟!

قال : بالمرصاد للظلمة ، وأنت منهم.

قال : إنّك على أعجميّتك لتبلغ الذي تريد ؛ أخبرني ما الذي أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك؟

قال : أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة ، وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة.

قال : لنخالفنّه.

قال : كيف تخالفه؟! والله ما أخبرني إلّاعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله ، ولقد عرفت الموضع الذي أُصلب فيه ، وأنّي أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام.

فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد الثقفي ـ بعد شهادة مسلم ابن عقيل وهاني بن عروة بيومين أو ثلاث ـ فقال ميثم للمختار : إنّك ستفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يريد أن يقتلك.

فلمّا أراد عبيد الله بن زياد أن يقتل المختار ، وصل بريد من يزيد يأمره بتخلية سبيله ، فخلّاه وأمر بميثم أن يُصلب ، فلمّا رُفع على الخشبة

٣٤٣

عند باب عمرو بن حريث قال عمرو : قد كان والله يقول لي : إنّي مجاورك.

فجعل ميثم يحدّث الناس بفضائل عليّ وبني هاشم.

فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد.

قال : ألجموه.

فكان أوّل من أُلجم في الإسلام ، فلمّا أن كان اليوم الثالث من صلبه طُعن بالحربة ، فكبّر ، ثمّ انبعث في لخر النهار فمه وأنفه دماً ، وكان ذلك قبل مقدم الإمام الحسين العراقَ بعشرة أيّام (١).

عبيد الله الكندي

كان عبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي فارساً شجاعاً كوفياً من الشيعة ، وشهد مع أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام مشاهده كلّها ، وكان من الّذين بايعوا مسلماً ، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين عليه‌السلام هو ومسلم بن عوسجة ، فلمّا رأى مسلم بن عقيل اجتماع الناس عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد ، وعلى ربع كندة وربيعة عبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي.

فلمّا تخاذل الناس عن مسلم قبض عليه الحصين بن نمير التميمي ، فسلّمه إلى عبيد الله بن زياد فحبسه.

ولمّا قُتل مسلم بن عقيل أحضره ابن زياد فسأله : ممّن أنت؟!

قال : من كندة.

قال : أنت صاحب راية كندة وربيعة؟!

__________________

(١) انظر : الإصابة ٦ / ٣١٧ ـ ٣١٨

٣٤٤

قال قال : نعم.

قال : انطلقوا به فاضربوا عنقه!

قال : فانطلقوا به فضربت عنقه رضي الله عنه (١).

عبيد الله بن الحارث

وهو عبيد الله بن الحارث بن نوفل بن عمرو بن الحارث بن ربيعة ابن بلال بن أنس بن سعد الهمداني ، أدرك الصحبة ، وشهد صِفّين مع الإمام عليّ عليه‌السلام ، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين عليه‌السلام ، فلمّا خرج مسلم رضي الله عنه خرج معه براية حمراء.

فلمّا تخاذل الناس عن مسلم أمر عبيد الله بن زياد أن يطلب عبيد الله ابن الحارث ، فقبض عليه كثير بن شهاب فسلّمه إلى ابن زياد ، فحبسه مع مَن حبس.

ولمّا قُتل مسلم رضي الله عنه أحضره عبيد الله فسأله : من أنت؟! فلم يتكلّم.

فقال : أنت الذي خرجت براية حمراء وركزتها على باب دار عمرو ابن حريث ، وبايعت مسلماً ، وكنت تأخذ البيعة للحسين؟! فسكت.

فقال ابن زياد : انطلقوا به إلى قومه فاضربوا عنقه.

فانطلقوا به فضربت عنقه رضي الله عنه (٢).

__________________

(١) انظر : مقتل الحسين ـ لأبي مخنف ـ : ٤٢ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢٨٦ ، وفي مقاتل الطالبيّين : ١٠٣ عبد الرحمن بن عزيز الكندي ، وفي الأخبار الطوال : ٢٣٨ عبد الرحمن بن كريز الكندي

(٢) انظر : مقتل الحسين ـ لأبي مخنف ـ : ٦١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤

٣٤٥

عبد الأعلى الكلبي

وهو عبد الأعلى بن يزيد الكلبي العليمي ، من بني عليم ، كان فارساً شجاعاً قارئاً ، من الشيعة ، كوفياً ، وكان هو وحبيب بن مظاهر الأسدي يأخذان البيعة من أهل الكوفة للحسين عليه‌السلام ، ثمّ خرج مع مسلم بن عقيل في مَن خرج.

فلمّا تخاذل الناس عن مسلم ، قبض عليه كثير بن شهاب فسلمه إلى عبيد الله بن زياد فحبسه مع مَن حبس.

ولمّا قُتل مسلم وهاني دعاه ابن زياد فسأله عن حاله ، فقال له : أخبِرني بأمرك!

فقال : أصلحك الله ، خرجت لأنظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب.

فقال له ابن زياد : فعليك من الأيمان المغلّظة إنْ كان ما أخرجك إلّا ما زعمت.

فأبى أن يحلف ، فقال ابن زياد : انطلقوا بهذا إلى جبّانة السبيع (١) فاضربوا عنقه بها.

فانطلقوا به فضربت عنقه رضي الله عنه (٢).

__________________

(١) جبّانة السبيع : محلّة بالكوفة كان بها يوم للمختار بن عبيد ، وقال البلاذري : نسبت إلى ولد السبيع بن سبع بن مصعب الهمداني.

انظر : فتوح البلدان : ٢٨٠ ، معجم البلدان ٢ / ١١٦ رقم ٢٩١٤

(٢) انظر : مقتل الحسين ـ لأبي مخنف ـ : ٥٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٢

٣٤٦

العبّاس الجدلي

وهو العبّاس بن جعدة الجدلي ، كان من الشيعة الّذين بايعوا مسلم ابن عقيل رضي الله عنه في الكوفة ، ومن المخلصين في الولاء لأهل البيت ، وكان يأخذ البيعة من الناس للحسين بن عليّ عليه‌السلام.

قال عبد الله بن حازم : أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر إلى ما صار أمر هاني ، فلمّا ضرب وحبس ركبت فرسي وكنت أوّل أهل الدار ممّن دخل على مسلم بن عقيل بالخبر ... فأمرني أن أُنادي في أصحابه ... فاجتمعوا إليه ... وعقد لعبّاس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة ، ثمّ أقبل نحو القصر ، فلمّا بلغ ابن زياد إقباله تحرّز في القصر وغلّق الأبواب.

فلمّا تخاذل الناس عن مسلم ، قبض عليه محمّد بن الأشعث الكندي فسلّمه إلى ابن زياد فحبسه.

ولمّا قُتل مسلم أحضره ابن زياد وقال له : أنت العبّاس بن جعدة الذي عقد لك ابن عقيل على ربع المدينة؟!

قال : نعم.

قال : انطلقوا به فاضربوا عنقه!

فانطلقوا به فضربت عنقه رضي الله عنه (١).

عمارة الأزدي

وهو عمارة بن صلخب الأزدي ، كان فارساً شجاعاً من الشيعة الّذين

__________________

(١) انظر : مقتل الحسين ـ لأبي مخنف ـ : ٤٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧

٣٤٧

بايعوا مسلم بن عقيل رضي الله عنه ، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين بن عليّ عليه‌السلام ، كان خرج مع مسلم لنصرته ، فلمّا تخاذل الناس عنه خرج محمّد بن الأشعث حتّى وقف عند دور بني عمارة ، وجاء عمارة بن صلخب وعليه سلاحه ، فقبض عليه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه.

فلمّا قُتل مسلم رضي الله عنه أحضره ابن زياد فسأله : ممّن أنت؟!

قال : من الأزد.

فقال : انطلقوا به إلى قومه فاضربوا عنقه!

فانطلقوا به إلى الأزد فضربت عنقه بين ظهرانيهم رضي الله عنه (١).

اعتقال المختار وسليمان وجماعته

وعلى الجملة ، فقد قتل ابنُ زياد الشيعةَ ، وقطّع الأيدي والأرجل منهم ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل.

ومنهم من طردهم وشرّدهم ، فلم يتمكّنوا من البقاء في الكوفة.

وقام بحملة اعتقالات واسعة فتمكّن من إلقاء القبض على مجموعة منهم ، فكان من بين كبار الشخصيّات المعتلقين :

١ ـ المختار بن أبي عبيد (٢) ؛

٢ ـ سليمان بن صرد وجماعته ؛

__________________

(١) انظر : مقتل الحسين ـ لأبي مخنف ـ : ٤٤ و ٥٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٢

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٤٠٠ ـ ٤٠١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٨

٣٤٨

٣ ـ عبد الله بن نوفل بن الحارث (١) ؛

وغير هؤلاء كثيرون ، ولا يعلم عددهم إلّاالله.

وقد جاء في خطابٍ لابن زياد ما نصّه :

«وما تركت لكم ذا ظنّة أخافه عليكم إلّاوهو في سجنكم» (٢).

ثمّ إنّه لمّا خرج من البصرة ـ بعد موت يزيد ـ إلى الشام ، أظهر الندم على تركه قتل مَن كان في السجن ، ففي كلامٍ له مع يساف بن شريخ اليشكري : «كنت أقول ليتني كنتُ أخرجتُ أهل السجن فضربت أعناقهم» (٣).

وقد كان هؤلاء كلّهم في السجن إلى أن قُتل الإمام عليه‌السلام ، وقد نصّ المؤرّخون على ذلك بالنسبة إلى بعضهم.

كلمةٌ حول سليمان بن صرد

و «سليمان بن صرد» من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وله ترجمة في كتب الصحابة (٤) ، قالوا : وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وممّن حضر صِفّين معه (٥) ، قالوا : وكان ديّناً

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٨ حوادث سنة ٦٠ ه

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٣٦٤

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ٣٧٥

(٤) انظر : معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٣ / ١٣٣٤ رقم ١٢١٣ ، الاستيعاب ٢ / ٦٤٩ رقم ١٠٥٦ ، أُسد الغابة ٢ / ٢٩٧ رقم ٢٢٣٠ ، الإصابة ٣ / ١٧٢ رقم ٣٤٥٩

(٥) المنتظم ٤ / ٢٠٣ حوادث سنة ٦٥ ه‍ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٩٥ رقم ٦١ ، تاريخ بغداد ١ / ٢٠١ رقم ٤١

٣٤٩

عابداً (١) ، وكان له شرف في قومه (٢).

لقد كتب سليمان إلى الإمام عليه‌السلام ومعه جماعة ، بعد أن خطبهم في منزله بكلام لا يمكن أن يكون كلام من يريد الغدر والخديعة.

ثمّ إنّ الإمام كتب إليهم من الطريق : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن عليّ إلى سليمان بن صرد و... جماعة المؤمنين» فوصفهم ب «المؤمنين» ، لكنّ ابن زياد علم بكتابتهم إلى الإمام ، كما أنّ قيساً الصيداوي الحامل لكتابه إليهم قد أُسر وقتل ... كما تقدّم.

إلّا أنّ هؤلاء لم يكونوا في كربلاء ، لا مع الإمام ولا ضدّه ـ إلّاحبيباً رحمه‌الله ، الذي استشهد بين يديه ـ ، ثمّ قاموا في سنة ٦٥ (٣) يطلبون بثأر الإمام بعد سنين ، حتّى خرجوا إلى قتال ابن زياد وأهل الشام ومعهم أربعة آلاف ، فقُتل سليمان وأصحابه إلّارفاعة.

فأين كانوا هذه المدّة؟! ولماذا خفي أمرهم وخبرهم؟!

فهل خذلوا الإمام بعد أن دعوه ، وتركوا نصرته عن اختيارٍ وقدرة؟!

لقد اضطربت كلمات المؤرّخين في سليمان ..

فقال : بعضهم : ترك القتال معه (٤).

وقال بعضهم : تخلّوا عنه (٥).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٩٥

(٢) المنتظم ٤ / ٢٠٣ ، تاريخ بغداد ١ / ٢٠١

(٣) وقيل سنة ٦٧

(٤) الاستيعاب ٢ / ٦٥٠

(٥) العقد الثمين ٤ / ٢٣٨

٣٥٠

وقال بعضهم : عجز عن نصره (١).

وبعضهم لم يذكر كتابته إلى الإمام ، ولم يتعرّض لعدم قتاله معه (٢).

وبعضهم لم يتعرّض لشيء من أخباره في حوادث سنة ٦٥ (٣).

وقال الذهبي : «قال ابن عبد البرّ : كان ممّن كاتب الحسين ليبايعه ، فلمّا عجز عن نصره ندم وحارب.

قلت : كان ديّناً عابداً ، خرج في جيشٍ تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين الشهيد ، وساروا للطلب بدمه ، وسمّوا جيش التوّابين» (٤).

فانظر إلى الاضطراب في كلامهم ، خاصّة كلام الذهبي هذا ، فتأمّله بدقّة ..

أوّلاً : ليس في كلام ابن عبد البرّ : «فلمّا عجز عن نصره ندم وحارب».

وثانياً : كيف عجز؟! وما كان عذره؟!

وثالثاً : إن كان «عاجزاً» فما معنى «ندم»؟!

ورابعاً : «خرج في جيشٍ تابوا ...» كلام مجمل .. فهو قد خرج في هذا الجيش ، بل كان هو القائد ، لكن هل كان من الّذين خذلوا؟!

هذا ، ولا يخفى السبب في اختلاف كلماتهم واضطرابها ؛ إذ إنّ الرجل من الصحابة ، ومن رجال الصحاح الستّة (٥) ، وكان عابداً ديّناً شريفاً

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٩٥ رقم ٦١

(٢) تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٣٤ رقم ٢٣٢

(٣) المختصر في أخبار البشر ١ / ١٩٤

(٤) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٩٥ رقم ٦١

(٥) انظر ترجمته في : تهذيب الكمال ٨ / ٦٦ رقم ٢٥١٣

٣٥١

في قومه ، ومثله ـ مع خطبته في داره ، ثمّ الكتاب الذي كتبوه إلى الإمام ، وما كتبه إليهم عليه‌السلام ـ لا يخذل مثل الحسين سبط رسول الله ...

لكنّ الذهبي وغيره لا يريدون التصريح باعتقاله وجماعته ، تستّراً على فضائح بني أُميّة وحكومتهم ...

ومن العجب قول ابن حبّان : «وكان مع الحسين بن عليّ رضي الله عنهما ، فلمّا قتل الحسين انفرد من عسكره تسعة آلاف نفس ، فيهم سليمان بن صرد» (١).

وهذا أيضاً ممّا يؤكّد اضطراب المؤرّخين من أهل السُنّة في هذا المقام ، وسعيهم وراء تعتيم الأخبار وكتم الحقائق ، ولو بالأكاذيب ... فإنّ عسكر الإمام عليه‌السلام كان نحو مئة نفس فقط ، ولم يكن سليمان فيهم ...

خطبة ابن زياد بعد الإجراءات لحمل الناس على الخروج

ثمّ إنّ ابن زياد خطب الناس وقال :

«أيّها الناس! إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون ، وهذا أمير المؤمنين يزيد ، قد عرفتموه ، حسن السيرة ، محمود الطريقة ، محسناً إلى الرعيّة ، يعطي العطاء في حقّه ، قد أمنت السبل على عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد من بعده ، يكرم العباد ويغنيهم بالأموال ويكرمهم ، وقد زادكم في أرزاقكم مئة مئة ، وأمرني أنْ أُوفّرها عليكم وأُخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين ، فاسمعوا له

__________________

(١) الثقات ٣ / ١٦٠ ـ ١٦١

٣٥٢

وأطيعوا» (١).

«فلا يبقينّ رجل من العرفاء والمناكب والتجّار والسكّان إلّاخرج فعسكر معي ، فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمّة» (٢).

قالوا : وكان ابن زياد إذا وجّه الرجل إلى قتال الحسين في الجمع الكثير ، بعث بعض رجاله في خيل إلى الكوفة ، وأمره أن يطوف بها ، فمن وجده قد تخلّف أتاه به (٣).

تحقيق في الخارجين مع ابن زياد

وهنا تحقيقٌ في أحوال الخارجين مع ابن زياد ورجال جيش ابن سعد ، وذلك : أنّ عدداً منهم قد التحق بالإمام عليه‌السلام واستشهد بين يديه ، فالذي نظنّه أنّ هؤلاء على قسمين:

فمنهم : من كان مع ابن سعدٍ وقد خرج لقتال الإمام عليه‌السلام ، غير إنّه تاب وتحوّل إلى جيشه واستشهد معه ... وهؤلاء جماعة ، أشهرهم : الحرّ بن يزيد الرياحي.

ومنهم : جماعة لم يمكنهم الالتحاق بالإمام من أوّل الأمر ، للإجراءات التي اتّخذها ابن زياد بالكوفة ، فلم يجدوا سبيلاً إلّاالخروج مع ابن سعد ، ولو تخلّفوا لأُخِذوا وقُتلوا ، فكان خروجهم مع جيش العدوّ فرصةً للالتحاق بالإمام عليه‌السلام ؛ وقد وقفنا على أسماء عددٍ من هؤلاء

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٨٥

(٢) أنساب الأشراف ٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧ ، الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٩٩

(٣) انظر : الأخبار الطوال : ٢٥٢ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦٢٦ ـ ٢٦٢٧

٣٥٣

الّذين تمكّنوا من الوصول إلى الإمام عليه‌السلام :

ففي ترجمة «القاسم بن حبيب بن أبي بشر الأزدي» ـ وكان فارساً من فرسان الشيعة في الكوفة ـ : «خرج مع ابن سعد ، فلمّا صار في كربلاء مال إلى الحسين عليه‌السلام أيّام المهادنة ، وما زال معه حتّى قُتل بين يديه في الحملة الأُولى» (١).

وبترجمة «عمرو بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي» : «كان فارساً مقدَّماً في الحروب ، خرج مع ابن سعد ، ثمّ ازدلف إلى الإمام ...» (٢).

وكذا بترجمة «عمرو بن عبد الله الهمداني الجندعي» (٣).

وكذا بترجمة «ضرغامة بن مالك» (٤).

وأوضح من الكلّ ما جاء بترجمة «الحلاس بن عمرو الأزدي الراسبي» : «كان على شرطة أمير المؤمنين في الكوفة ، وكان هو وأخوه النعمان مع عمر بن سعد ، ثمّ تحوّلا إلى معسكر الإمام ليلاً» (٥).

وما جاء بترجمة «مسعود بن الحجّاج التميمي» وابنه «عبد الرحمن» : «كانا من الشيعة المعروفين ، خرجا إلى الحسين أيّام المهادنة ، وكانا في بداية الأمر مع ابن سعد ، فازدلفا إلى الإمام وقُتلا

__________________

(١) إبصار العين في أنصار الحسين : ١٨٦

(٢) انظر : مناقب آل أبي طالب ٤ / ٨٥ ، إبصار العين في أنصار الحسين : ١٩٤

(٣) إبصار العين في أنصار الحسين : ١٣٦

(٤) إبصار العين في أنصار الحسين : ١٩٩

(٥) انظر : مناقب آل أبي طالب ٤ / ١٢٢ ، إبصار العين في أنصار الحسين : ١٨٧

٣٥٤

بين يديه ...» (١).

وبما ذكرنا يظهر أنّ هناك قسماً آخر ، وهم الّذين خرجوا مع ابن سعد قاصدين الالتحاق بالإمام عليه‌السلام كذلك ، إلّاأنّهم لم يوفَّقوا لذلك ولم يباشروا عملاً ضدّ الإمام ... والله العالم.

__________________

(١) انظر : مناقب آل أبي طالب ٤ / ١٢٢ ، إبصار العين في أنصار الحسين : ١٩٣ ـ ١٩٤

٣٥٥
٣٥٦

الفصل الثامن :

قادة جيش ابن زياد

٣٥٧
٣٥٨

قد عُلم ممّا تقدّم : أنّه لم يكن كلّ من كتب إلى الإمام بالقدوم شيعةً له ، فقد كان فيهم الخوارج ، وفيه من ليس من الشيعة ، بل تبيّن فيما بعد كونه من الحزب الأُموي في الكوفة.

أمّا من كتب له من الشيعة ، فمنهم من استشهد معه بكربلاء ، ومنهم من اعتقل في قضية مسلم بن عقيل ، أو طورد وشرّد قبل قدوم الإمام عليه‌السلام.

فأين هو الشيعي الذي كتب إليه بالقدوم ثمّ خرج لقتاله؟!

ويتجلّى هذا الذي توصّلنا إليه ويزداد وضوحاً ، فيما إذا عرفنا قادة جيش ابن زياد في كربلاء ، فإنّ قادتهم الكبار هم :

١ ـ عمر بن سعد :

فقد خرج إلى كربلاء في ٤٠٠٠ آلاف ، كانوا قد أُعدّوا للخروج معه إلى الريّ ، لقتال الديلم (١) ، فلمّا جاء الإمام عليه‌السلام قال ابن زياد

__________________

(١) وهذا أيضاً من الأُمور الجديرة بالبحث والتحقيق ؛ فإنّا نظنُّ أنّ إعداد هذا الجيش كان لحرب الإمام عليه‌السلام ، وإنّما قيل للناس إنّه لقتال الديلم تغطيةً للواقع حتّى لا ينكشف ، وتخديعاً للناس حتّى يجتمعوا

٣٥٩

لعمر : سِرْ إليه! فإذا فرغتَ سرتَ إلى عملك (١).

وروى ابن عساكر بإسناده عن شهاب بن خراش ، عن رجل من قومه ، قال : كنت في الجيش الذي بعثهم عبيد الله بن زياد إلى حسين بن عليّ ، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم ، فصرفهم عبيد الله بن زياد إلى حسين بن عليّ ، فلقيت حسيناً ...» (٢).

فكان هذا العدد من جيش ابن زياد معبّأً من قبل ، ولا يخفى عدم وجود أحد من رجالات الشيعة فيه قطّ.

كما لا يخفى أنّ عمر بن سعد من عيون الحزب الأُموي في الكوفة ، وهو ممّن كتب إلى يزيد يشكو النعمان بن بشير ويطلب منه استبداله بوالٍ آخر ، للوقوف أمام مسلم بن عقيل ، وتقدّم أمره في البلد ، بل كان معروفاً بين الناس بأنّه قاتل الحسين كما تقدّم (٣).

٢ ـ الحصين بن نمير :

وكان في ٤٠٠٠ ، وكان صاحب شرطة ابن زياد (٤) ، وهو الذي أخذ قيس بن مسهر وبعث به إلى ابن زياد فاستشهد ، وهو الذي عهد إليه ابن زياد حراسة سكك الكوفة لئلّا يخرج منها مسلم بن عقيل أو أحد من

__________________

(١) انظر : تاربخ الطبري ٣ / ٣١٠ حوادث سنة ٦١ ه‍ ، الاستيعاب ١ / ٣٩٤ ، أنساب الأشراف ٣ / ٣٨٥ ، الأخبار الطوال : ٢٥٣ ، الفتوح ٥ / ٩٥ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١٥ ، روضة الواعظين ١ / ٤١١ ، لواعج الأشجان : ١٠٥

(٢) تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٥ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣١٠ ، الفتوح ٥ / ٩٢ ، أنساب الأشراف ٣ / ٣٨٥ ، الأخبار الطوال : ٢٥٤

(٣) انظر : الاستيعاب ١ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤

(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٨ ، روضة الواعظين ١ / ٤٠٥

٣٦٠