من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

أصحابه ... وقد تقدّم ذلك (١).

وهو الذي أرسله ابن زياد في ألف فارس يرصد الإمام ويسايره في الطريق ، لئلّا يسمع بخبر مسلم فيرجع ولا يقتل (٢).

وهو الذي قتل حبيب بن مظاهر الأسدي رحمه‌الله (٣).

وهو الذي كان على الرماة ، فلمّا رأى صبر أصحاب الإمام عليه‌السلام تقدّم إلى أصحابه ـ وكانوا خمسمئة نابل ـ أنْ يرشقوا أصحاب الإمام بالنبل ، فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وأرجلوهم واشتدّ القتال (٤) ...

وهو الذي حمل عدداً من الرؤوس الشريفة إلى يزيد ، «ثمّ أمر يزيد بإحضار من أتى برأس الحسين ومن معه ، ليسألهم كيف كان قتله ، فحضروا بين يديه ، فقال لابن ربعي : ويلك أنا أمرتك بقتل الحسين؟!

فقال : لا ، لعن الله قاتله.

ولم يزالوا كذلك ، إلى أنْ وصل السؤال إلى الحصين بن نمير ، فقال مقالتهم ، ثمّ قال : أتريد أنْ أخبرك بمن قتله؟!

فقال : نعم.

قال : أعطني الأمان.

فقال : لك الأمان.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٨٥ وما بعدها

(٢) نور العين في مشهد الحسين : ٣١

(٣) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٢٧ ، مناقب آل أبي طالب ٤ / ١١٢ ، البداية والنهاية ٨ / ١٤٦

(٤) انظر : الإرشاد ٢ / ٦٩

٣٦١

فقال : إعلم ـ أيّها الأمير ـ أنّ الذي عقد الرايات ، ووضع الأموال ، وجيّش الجيوش ، وأرسل الكتب ، وأوعد ووعد ، هو الذي قتله!

فقال : من فعل ذلك؟!

فقال : أنت!

فغضب منه ودخل منزله ، ووضع الطشت الذي فيه رأس الحسين بين يديه وجعل يبكي ويلطم على وجهه ويقول : ما لي وللحسين؟! ...» (١).

وهو الذي قاد الجيش لحرب ابن الزبير في الحرم ، فنصب المنجنيق فضرب به الكعبة ، وكان ما كان ممّا هو مذكور في الكتب ... (٢).

ثمّ إنّ هذا الرجل قاد جيش الشام لمحاربة التوّابين ، وكان أهل الشام نحواً من أربعين ألفاً ، وفيهم : عبيد الله بن زياد ، وفيهم من قتلة الحسين : عمير بن الحباب ، وفرات بن سالم ، ويزيد بن الحضين ، وأُناس سوى هؤلاء كثير ... (٣) ، وكان الحصين في قلب العسكر (٤) ، كما كان سليمان بن صرد على قلب عسكر أهل العراق (٥).

فاستشهد في هذه المعركة : سليمان بن صرد والمسيَّب بن نجبة وكثير من أهل العراق ، وقُتل من أهل الشام : ابن زياد والحصين بن نمير

__________________

(١) نور العين في مشهد الحسين : ٧٠ ؛ وقد تقدّم في الصفحتين ٢٠٨ ـ ٢٠٩

(٢) أنساب الأشراف ٥ / ٣٤٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٦٠ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٣٨٢ و ٣٨٧

(٣) الأخبار الطوال : ٢٩٣

(٤) بحار الأنوار ٤٥ / ٣٦٠

(٥) بحار الأنوار ٤٥ / ٣٦١

٣٦٢

وشراحيل بن ذي الكلاع وآخرون.

وبعث المختار برؤوس ابن زياد والحصين وشراحيل إلى محمّد بن الحنفية بمكّة ، والإمام السجّاد عليه‌السلام يومئذ بمكّة ... (١).

هذا ، والحصين بن نمير من أهل مدينة «حمص» بالشام ، قال ابن حجر عن الكلبي : «إنّه كان شريفاً بحمص ، وكذا وَلده يزيد وحفيده معاوية ابن يزيد وَلِيا إمرةَ حمص» (٢).

قلت : وأهل حمص في ذلك الزمان من النواصب ..

قال ياقوت الحموي : «إنّ أشدّ الناس على عليٍّ رضي الله عنه بصِفّين مع معاوية كان أهل حمص ، وأكثرهم تحريضاً عليه وجِدّاً في حربه» (٣).

٣ ـ شبث بن ربعي :

وكان في ١٠٠٠.

وهذا الرجل وإنْ كان ممّن كاتب الإمام عليه‌السلام ، إلّاأنّه كان من الخوارج ، المتعاملين مع حكومة بني أُميّة ... نعم كان قبل ذلك ـ في زمن أمير المؤمنين ـ من الشيعة ... وقد تقدّم بعض الكلام على حروريّته (٤).

قالوا : ومات بالكوفة في حدود الثمانين (٥).

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٤ / ٣٨٨ ، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : ٢٤٢

(٢) الإصابة ٢ / ٩٢

(٣) معجم البلدان ٢ / ٣٤٩ رقم ٣٩١٤

(٤) راجع الصفحة ٣٢١ ه‍ ٢

(٥) تقريب التهذيب ١ / ٤١١ رقم ٢٧٤٣

٣٦٣

٤ ـ حجّار بن أبجر :

جاء إلى كربلاء في ١٠٠٠.

وهذا الرجل وإن كان ممّن كاتب الإمام عليه‌السلام ، فقد كان من غير الشيعة قطعاً ... وقد ذكره علماء الرجال فلم يشيروا إلى شيء من أحواله.

قال البخاري : «حجّار بن أبجر البكري ، سمع عليّاً ومعاوية. روى عنه سماك. قال وكيع : العجلي يعدّ في الكوفيّين» (١).

وكذا قال ابن أبي حاتم ، قال : «سمعت أبي يقول ذلك» (٢).

هذا ، وقد قام هذا الرجل في عشيرته ضدّ المختار ـ لمّا قام للطلب بثأر الإمام ـ في وقعة جبّانة السبيع (٣).

٥ ـ الحرّ بن يزيد الرياحي :

كان على رأس ١٠٠٠.

ولم يكن ممّن كاتب الإمام عليه‌السلام.

وقصّته معه معروفة ، تقدّم ذِكر طرفٍ منها ، فقد كان مأموراً بأن يأخذ الإمام في طريق ـ كما قال له ـ : «خذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى الحجاز» حتّى يأتي رأي ابن زياد (٤).

__________________

(١) التاريخ الكبير ٣ / ١٣٠ رقم ٤٣٨

(٢) الجرح والتعديل ٣ / ٣١٢ رقم ١٣٨٨

(٣) أنساب الأشراف ٦ / ٣٩٨

(٤) انظر مثلاً : أنساب الأشراف ٣ / ٣٨١ ، الأخبار الطوال : ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، تاريخ

٣٦٤

ثمّ جاءه كتاب ابن زياد أن لا يحلّ الإمامَ «إلّابالعراء ، على غير خَمَر ولا ماء».

وتحوّله ، ثمّ استشهاده بين يديه عليه‌السلام ، عبرةٌ للمعتبرين.

٦ ـ شمر بن ذي الجوشن :

وكان في ٤٠٠٠ (١).

وكان من أوّل أمره من أصحاب ابن زياد ، وكان ممّن أمره بأنْ يخذّلوا الناس عن مسلم ، ويخوّفوهم الحرب ، ويحذّروهم عقوبة السلطان (٢).

وممّا يشهد بكونه من أوّل الأمر من أخصّ أصحاب ابن زياد : أنّ عبيد الله بن زياد بعثه فقال : «إذهب ، فإنْ جاء حسين على حكمي وإلّا فمُرْ عمر بن سعد أنْ يقاتلهم ، فإنْ تباطأ عن ذلك فاضرب عنقه ، ثمّ أنت الأمير على الناس ...» (٣).

وروى ابن عساكر ، بإسناده عن أبي إسحاق السبيعي : «كان شمر بن ذي الجوشن الضبابي لا يكاد أو لا يحضر الصلاة ، فيجيء بعد الصلاة فيصلّي ، ثمّ يقول : اللهمّ اغفر لي ، فإنّي كريم لم تلدني اللئام ...» (٤).

وفي رواية ابن حجر : «روى أبو بكر ابن عيّاش ، عن أبي إسحاق ،

__________________

الطبري ٣ / ٣٠٦ ، المنتظم ٤ / ١٥١ ـ ١٥٢ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٨ ، بحار الأنوار ٤٤ / ٣٧٨

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣١٥

(٢) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٤٩

(٣) البداية والنهاية ٨ / ١٤٠

(٤) تاريخ دمشق ٢٣ / ١٨٩

٣٦٥

قال : كان شمر يصلّي معنا ثمّ يقول : اللهمّ إنّك تعلم أنّي شريف فاغفر لي.

قلت : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!

قال : ويحك! فكيف نصنع؟! إنّ أُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم لكنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاة!

قال ابن حجر : إنّ هذا لعذر قبيح ، فإنّما الطاعة في المعروف» (١).

٧ و ٨ ـ قيس ومحمّد ابنا الأشعث بن قيس :

كانا من قادة جيش ابن زياد.

وكان محمّد في ١٠٠٠ فارس (٢) ... وكان هو وعبيد الله بن عبّاس السلمي وبكر بن حمران ... قد قاتلوا مسلم بن عقيل وألقوا القبض عليه (٣).

ولم يُذكر اسمه في من كاتب الإمام ، وإنّما هو أخوه : قيس ، وهو ممّن ناشده الإمام عليه‌السلام يوم عاشوراء.

وقد اتّسمت هذه الأُسرة ببغض أهل البيت عليهم‌السلام ، وصدرت منهم أنواع الأذى ، فالأشعث بن قيس أبوهم من كبار الخوارج ، وكان له ضلع في قتل مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) لسان الميزان ٣ / ١٥٢ ـ ١٥٣ رقم ٥٤٦

(٢) بحار الأنوار ٤٤ / ٣١٥

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٥٢

(٤) انظر : الإرشاد ٢ / ٩٨

٣٦٦

وابنته جعدة سمّت الإمام الحسن عليه‌السلام بإيعاز من معاوية (١).

وابناه محمّد وقيس شاركا في قتل سيّدنا مسلم بن عقيلٍ ومولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه‌السلام.

وقد ذكر ابن كثير ، أنّه لمّا ناشد الإمام شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وقيس بن الأشعث ويزيد بن الحارث ... «قال له قيس بن الأشعث : ألا تنزل على حكم بني عمّك ، فإنّهم لن يؤذوك ، ولا ترى منهم إلّاما تحبّ؟!

فقال له الحسين : أنت أخو أخيك ، أتريد أنْ تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟! لا والله ، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ لهم إقرار العبيد» (٢).

٩ ـ يزيد بن الحارث :

ومن القادة : «يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم» ، وكان في ٢٠٠٠.

وكان هذا الرجل ممّن كتب إلى الإمام عليه‌السلام بالقدوم.

وهو ممّن ناشده الإمام يوم عاشوراء.

وعداده في الحزب الأُموي في الكوفة ، وقد كان يتجسّس للحكومة هناك ، مع عمر بن سعد وشبث بن ربعي ، على سليمان بن صرد والمختار وجماعة الشيعة (٣).

__________________

(١) راجع الصفحة ١٤١ ه‍ ٢

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٤٣ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣١٩ ، المنتظم ٤ / ١٥٥

(٣) انظر «أمر التوّابين» في أنساب الأشراف ٦ / ٣٦٧ و ٣٨١

٣٦٧

١٠ ـ عمرو بن حريث :

ومن القادة : «عمرو بن حريث».

وهو الذي عقد له ابن زياد رايةً في الكوفة وأمّره على الناس (١).

وهو الذي صلب رُشيد الهجري على باب داره (٢).

وبقي على ولائه لبني أُميّة حتّى كان خليفة ابن زياد على الكوفة (٣).

١١ ـ عمرو بن الحجّاج :

ومن القادة : «عمرو بن الحجّاج الزبيدي».

وكان من جملة من كتب إلى الإمام عليه‌السلام بالقدوم.

وهو من رؤساء الحزب الأُموي بالكوفة.

وهو الذي خاطب جيش ابن زياد قائلاً : «يا أهل الكوفة! إلزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام» (٤).

وقد قاد هذا الرجل العسكر لاحتلال شاطئ الفرات وقطع الماء عن الإمام وأهل بيته عليهم‌السلام ، حتّى إنّه خاطبه رافعاً صوته : «يا حسين! إنّ هذا الفرات تلغ فيه الكلاب ، وتشرب منه الحمير والخنازير ، والله

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٥٢

(٢) لسان الميزان ٢ / ٤٦١ رقم ١٨٥٩ ترجمة رشيد

(٣) أنساب الأشراف ٦ / ٣٧٦

(٤) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٢٤ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ٢ / ١٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٦٥

٣٦٨

لا تذوق منه جرعةً حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم» (١).

وبقي الرجل على ولائة لبني أُميّة ، حتّى حارب المختار بعد قيامه ...

ثمّ إنّه لاذ بالفرار ، فروى البلاذري أنّه هرب فسقط من العطش ، فلحقه أصحاب المختار وبه رمق ، فذبحوه واحتزّوا رأسه (٢).

١٢ ـ عزرة بن قيس :

ومن القادة «عزرة بن قيس».

كان على خيل أهل الكوفة (٣).

ولمّا طلب منه ابن زياد أن يبعثه إلى الإمام عليه‌السلام أبى ، معتذراً بأنّه ممّن كتب إليه بالقدوم (٤).

وهو أيضاً من رجال الحزب الأُموي بالكوفة.

وترجم له في «مختصر تاريخ دمشق» ، وأنّه وَلي حُلوان في خلافة عمر ، وغزا شهرزور منها فلم يفتحها (٥).

أهل الشام في جيش ابن زياد

وبعد أن تبيّن أنّ الّذين قادوا عساكر ابن زياد لقتال الإمام عليه‌السلام هم رجال من الخوارج ، وزعماء الحزب الأُموي في الكوفة ...

__________________

(١) انظر : أنساب الأشراف ٣ / ٣٩٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣١١

(٢) أنساب الأشراف ٦ / ٤١٠

(٣) انظر : سفينة البحار ١ / ٦٨٢ مادّة «شبث»

(٤) انظر : الإرشاد ٢ / ٣٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣١٠

(٥) مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٣ رقم ٧

٣٦٩

فالذي يظهر من خلال النظر في الأخبار وتتبّع الكلمات : هو وجود رجال من أهل الشام في جيش ابن زياد في واقعة الطفّ ...

وقد روى الشيخ الكليني بإسناده عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرَّم ، فقال : «تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين عليه‌السلام وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء ، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم ، وأيقنوا أنّه لا يأتي الحسين عليه‌السلام ناصر ، ولا يمدّه أهل العراق ، بأبي المستضعَف الغريب ...» (١).

وروى الشيخ ابن بابويه الصدوق القمّي بإسناده ، قال : «ونظر الحسين عليه‌السلام يميناً وشمالاً ولا يرى أحداً ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهمّ إنّك ترى ما يُصنع بولد نبيّك.

وحال بنو كلاب بينه وبين الماء ، ورمي بسهم فوقع في نحره وخرّ عن فرسه ، فأخذ السهم فرمى به وجعل يتلقّى الدم بكفّه ، فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته وهو يقول : ألقى الله عزوجل وأنا مظلوم متلطّخ بدمي.

ثمّ خرّ على خدّه الأيسر صريعاً.

وأقبل عدوّ الله سنان بن أنس الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجالٍ من أهل الشام ، حتّى وقفوا على رأس الحسين عليه

__________________

(١) الكافي ٤ / ١٤٧ ح ٧

٣٧٠

السّلام ...» (١).

وروى الشيخ الطوسي بإسناده عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : «ذاك يوم قتل فيه الحسين عليه‌السلام ، فإن كنتَ شامتاً فصم.

ثمّ قال : إنّ آل أُميّة عليهم لعنة الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذروا نذراً ، إنْ قتل الحسين عليه‌السلام ، وسلم من خرج إلى الحسين عليه‌السلام ، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان ، أن يتّخذوا ذلك اليوم عيداً لهم ، وأن يصوموا فيه شكراً ، ويفرّحون أولادهم ، فصارت في آل أبي سفيان سُنّة إلى اليوم في الناس ...» (٢).

أقول :

أمّا «الحصين بن نمير» فقد تقدّم كونه من أهل حمص.

وأمّا من كان مع شمر ، فهم خمسون من الرجّالة ، ومنهم أبو الجنوب عبد الرحمن الجعفي ، وترجمته في بغية الطلب (٣).

وقد تقّدم سابقاً أنّه قد خرج ـ مع عبيد الله لقتال المختار في جيش الشام ـ رجالٌ من قتلة الحسين ، منهم :

عمير بن الحباب

وفرات بن سالم

__________________

(١) الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : ٢٢٦ المجلس ٣٠

(٢) الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : ٦٦٧ ح ١٣٩٧

(٣) انظر : بغية الطلب ١٠ / ٤٣٨٠

٣٧١

ويزيد بن الحضين

وأُناس سوى هؤلاء كثير (١).

و «عمير بن حباب» من عشيرة أبي الأعور السلمي (٢) صاحب معاوية.

و «فرات بن سالم» الجزري ، هو والد : نوفل بن فرات ، ترجم له ابن منظور في «مختصر تاريخ دمشق» ، فقال : «ثقة» (٣).

رجل من أهل الشام يقترح الأمان على عليّ بن الحسين عليه‌السلام

قال ابن سعد : «دعا رجل من أهل الشام عليَّ بن حسين الأكبر ـ وأُمّه آمنة بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وأُمّها بنت أبي سفيان ابن حرب ـ فقال : إنّ لك بأمير المؤمنين قرابةً ورحماً ، فإنْ شئت آمنّاك وامض حيث ما أحببت.

فقال : أما والله لقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت أَوْلى أن تُرعى من قرابة أبي سفيان ؛ ثمّ كرّ عليه وهو يقول :

أنا عليُّ بن حسين بن علي

نحن وبيت الله أَوْلى بالنبي

من شمر وعمر وابن الدعي» (٤)

__________________

(١) الأخبار الطوال : ٢٩٣

(٢) أنساب الأشراف ١٣ / ٣٣١

(٣) مختصر تاريخ دمشق ٢٠ / ٢٦١ رقم ٩٥

(٤) الطبقات الكبرى ٦ / ٤٣٩ ، وانظر : نسب قريش : ٥٧

٣٧٢

وعبد الرحمن بن أَبْزى

وكان في جيش يزيد : عبد الرحمن بن أبزى.

ذكره غير واحدٍ في الصحابة ، روى عنه أصحاب الصحاح الستّة ، قال المزّي : «سكن الكوفة واستُعمل عليها» (١) ، لكنْ في «الأخبار الطوال» ما هو ظاهر في كونه من أهل الشام ، وكان ممّن حضر قتال الإمام عليه‌السلام بكربلاء ، إلّاأنّه ادّعى أنّه لم يقاتل ، بل أتى الكوفة في حاجةٍ ؛ وهذا نصّ الخبر :

«ولمّا تجرّد المختار لطلب قتلة الحسين ، هرب منه عمر بن سعد ومحمّد بن الأشعث ـ وهما كانا المتولّيَين للحرب يوم الحسين ـ ، وأُتي بعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي ، وكان ممّن حضر قتال الحسين ، فقال له :

يا عدوّ الله! أكنت ممّن قاتل الحسين؟!

قال : لا ، بل كنت ممّن حضر ولم يقاتل.

قال : كذبت ، اضربوا عنقه!

فقال عبد الرحمن : ما يمكنك قتلي اليوم حتّى تعطى الظفر على بني أُميّة ، ويصفو لك الشام ، وتهدم مدينة دمشق حجراً حجراً ، فتأخذني عند ذلك فتصلبني على شجرة بشاطئ نهر ، كأنّي أنظر إليها الساعة.

فالتفت المختار إلى أصحابه وقال : أما إنّ هذا الرجل عالم بالملاحم.

ثمّ أمر به إلى السجن ، فلمّا جنّ عليه الليل بعث إليه من أتاه به ، فقال له : يا أخا خزاعة! أظرفاً عند الموت؟!

__________________

(١) تهذيب الكمال ١١ / ٩٠ رقم ٣٧٣١

٣٧٣

فقال عبد الرحمن بن أبزى : أنشدك الله أيّها الأمير أنْ أموت ها هنا ضيعةً.

قال : فما جاء بك من الشام؟!

قال : بأربعة آلاف درهم لي على رجل من أهل الكوفة أتيته متقاضياً.

فأمر له المختار بأربعة آلاف درهم ، وقال له : إنْ أصبحتَ بالكوفة قتلتك.

فخرج من ليلته حتّى لحق بالشام» (١).

وآخرون من أهل الشام بكربلاء

وقال بعض المحقّقين ـ بعد نقل رواية الشيخ الكليني المتقدّمة (٢) ـ :

«الرواية صريحة في اجتماع أهل الشام في كربلاء ، وسنذكر في ترجمة مسلم بن عقيل أنّ في صبيحة يوم شهادته ـ وهو التاسع من ذي الحجّة ـ ورد الكوفة عشرة آلاف من جند أهل الشام ، ذكره الطبري وغيره. فما في بعض الروايات ـ أنّه ازدلف عليه ثلاثون ألفاً لا فيها شامي ولا غيره ، وفي كتاب ابن زياد إلى ابن سعد أنّه بعث إليه جنوداً لا فيها شامي ولا حجازي ، ومثله في بعض العبائر وكتب المقاتل ـ إنّما أراد بذلك الجند النظامي والعسكر الحكومي الكوفي ، وهم ثلاثون ألفاً ، ليس فيهم شامي ولا غيرهم ، قد مرّ غير مرّة تحقيق ذلك.

وسنذكر أنّ أزرق الشامي وأمثاله من جند الشام ، إمّا شامي يسكن

__________________

(١) الأخبار الطوال : ٢٩٨ ـ ٢٩٩

(٢) تقدمت في الصفحة ٣٦٨

٣٧٤

الكوفة ، أو أنّه شبامي تصحيف شامي.

فمن أنكر وجود جنودٍ من الشام ، فهو من عدم علمه بالتاريخ.

بل في (المناقب) أنّ خيل شمر بن ذي الجوشن ـ وهم أربعة آلاف ـ كلّهم شاميّون.

وفي الأربعين الحسينيّة ـ تأليف الفاضل المعاصر المحدّث القمّي قدس‌سره ـ : رأيت في بعض كتب الأنساب أنّ خيل الشام لمّا ورد كربلاء جاؤوا بأمان من يزيد بن معاوية لعليّ بن الحسين عليه‌السلام ...» (١).

أهل مصر وأهل اليمن في جيش ابن زياد

هذا ، وقد تقدّم أنّ عمر بن سعد قاد ٤٠٠٠ رجلاً لقتال الديلم ، فتوجّهوا إلى حرب الإمام ..

وقد ذكر الحافظ ابن عبد البرّ :

«إنّما نُسِب قتل الحسين إلى عمر بن سعد ؛ لأنّه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد إلى قتال الحسين وأمّر عليهم عمر بن سعد ، ووعده أنْ يولّيه الريّ إنْ ظفر بالحسين وقتله! وكان في تلك الخيل ـ والله أعلم ـ قوم من مضر ومن اليمن» (٢).

وابن العديم ، حين أورد هذا الكلام قال : «قومٌ من مضر من اليمن» (٣).

وقال المحبّ الطبري :

__________________

(١) الإمام الحسين وأصحابه ـ للشيخ فضل علي القزويني ـ ١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤

(٢) الاستيعاب ١ / ٣٩٤ رقم ٥٥٦

(٣) بغية الطلب ٦ / ٢٥٧١

٣٧٥

«وما نُقل من أنّ عمر بن سعد بن أبي وقّاص قتله ، فلا يصحّ ، وسبب نسبته إليه أنّه كان أمير الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد لقتاله ، ووعده إنْ ظفر أن يولّيه الريّ ، وكان في تلك الخيل ـ والله أعلم ـ قوم من أهل مصر وأهل اليمن» (١).

العثمانيّون في جيش ابن زياد

ثمّ إنّ في كلمات غير واحدٍ من رجال جيش ابن زياد في يوم العاشر من المحرّم ، الثناء البالغ والترحّم الصريح على عثمان بن عفّان ، بل أعلن بعضهم بأنّه على «دين عثمان»!! بل إنّ بعضهم قد باهل على ذلك!! :

روى الطبري ، عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس ، قال :

«وخرج يزيد بن معقل ـ من بني عميرة بن ربيعة ، وهو حليفٌ لبني سليمة ، من عبد القيس ـ فقال : يا بُرير بن حضير! كيف ترى صنع الله بك؟!

قال : صنع اللهُ ـ واللهِ ـ بي خيراً وصنعَ الله بك شرّاً.

قال : كذبتَ ، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً ، هل تذكر ـ وأنا أُماشيك في بني لوذان ـ وأنت تقول : إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً ، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالٌ مضلٌّ ، وإنّ إمام الهدى والحقّ عليُّ بن أبي طالب؟!

فقال له برير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي.

فقال له يزيد بن معقل : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين.

__________________

(١) ذخائر العقبى : ٢٥٠

٣٧٦

فقال له برير بن حضير : هل لك فلأُباهلك ، ولندع الله أنْ يلعن الكاذب وأنْ يقتل المبطل ، ثمّ اخرج فلأُبارزك.

قال : فخرجا ، فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقُّ المبطلَ ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربةً خفيفةً لم تضرّه شيئاً ، وضربه برير بن حضير ضربةً قدّت المغفر وبلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، وإنّ سيف ابن حضير لثابت في رأسه ، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه.

وحمل عليه رضيُّ بن منقذ العبدي ، فاعتنق بريراً ، فاعتركا ساعة ، ثمّ إنّ بريراً قعد على صدره فقال رضي : أين أهل المصاع والدفاع؟

قال : فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه ، فقلت : إنّ هذا برير بن حضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد ، فحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره ، فلمّا وجد مسّ الرمح برك عليه فعضّ بوجهه وقطع طرف أنفه ، فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عنه وقد غيّب السنان في ظهره ، ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله ...

فلمّا رجع كعب بن جابر ، قالت له امرأته ـ أو أُخته ـ النوار بنت جابر ـ : أعنتَ على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القرّاء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر ، والله لا أُكلّمك من رأسي كلمةً أبداً!

وقال كعب بن جابر :

سلي تُخبري عنّي وأنتِ ذميمةٌ

غداةَ حسينٍ والرماحُ شوارعُ

ألم آتِ أقصى ما كرهتِ ولم يخل

علَيَّ غداةَ الروعِ ما أنا صانعُ

٣٧٧

معي يَزَنيٌّ لم تخنه كعوبُه

وأبيض مخشوب الغرارين قاطعُ

فجرّدته في عصبةٍ ليس دينهم

بديني وإنّي بابن حربٍ لقانعُ

ولم تر عيني مثلهم في زمانهم

ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافعُ

أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى

ألا كلّ مَن يحمي الذمار مقارعُ

وقد صبروا للطعن والضرب حُسّراً

وقد نازلوا أنّ ذلك نافعُ

فأبلِغ عبيدَ الله إمّا لقيتَه

بأنّي مطيعٌ للخليفةِ سامعُ

قتلتُ بريراً ثمّ حمّلت نعمةً

أبا منقذ لمّا دعا من يماضعُ» (١)

أقول :

وفي هذا الخبر فوائد لا تخفى ، فإنّ بريراً كان يرى أنّ عثمان ومعاوية ضالّان ، وكان رأي معقل على أنّهما على حقّ وبرير ضالّ ، وقضيّة المباهلة وانتصار برير على عدوّه ، ثمّ تصريح قاتل برير بأنّ أصحاب الحسين عليه‌السلام ليس دينهم دينه ، فهو كان على دين ابن حرب ومطيع للخليفة يزيد!!

وروى الطبري :

«إنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذٍ وهو يقول :

أنا الجملي ، أنا على دين علي

فخرج إليه رجل يقال له : مزاحم بن حريث ، فقال : أنا على دين عثمان.

فقال له : أنت على دين شيطان.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣ حوادث سنة ٦١ ه

٣٧٨

ثمّ حمل عليه فقتله» (١).

وقد ذكر ابن الأثير الخبر فلم يذكر مقالة الرجل (٢)!!

ثمّ انظر إلى كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد في أوّل الأمر :

«أمّا بعد ، فحُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ولا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان» (٣).

وإلى كلام عمرو بن سعيد الأشدق ـ الوالي على المدينة ـ :

عن عبد الملك بن أبي الحارث السلمي ، قال : «دخلت على عمرو ابن سعيد فقال : ما وراءك؟

فقلت : ما سَرَّ الأمير ، قتل الحسين بن عليّ.

فقال : نادِ بقتله.

فناديت بقتله ، فلم أسمع والله واعيةً قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين.

فقال عمرو بن سعيد ـ وضحك ـ :

عجّت نساء بني زياد عجّةً

كعجيج نسوتنا غداة الأرنبِ

ثمّ قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان» (٤).

بقي أن نشير إلى خطبٍ وكلمات

١ ـ خرج الإمام عليه‌السلام يوم عاشوراء حتّى أتى الناس فقال لهم :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٢٤ ، وانظر : مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ٢ / ١٨

(٢) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٢٦

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ٣١١

(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٢

٣٧٩

«تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ... فهلّا ـ لكم الويلات ـ إذ كرهتمونا تركتمونا ، فتجهّزتموها والسيف لم يُشهر ، والجأش طامن ، والرأي لم يستحصف ، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الدبا ، وتداعيتم إليها كتداعي الفراش ، فقبحاً لكم ، فإنّما أنتم من طواغيت الأُمّة ، وشذّاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الآثام ، ومحرّفي الكتاب ، ومطفئي السنن ، وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء ، وملحقي العهار بالنسب ، ومؤذي المؤمنين ، وصراخ أئمّة المستهزئين ، الّذين جعلوا القرآن عضين ، وأنتم ابنَ حرب وأشياعه تعتمدون ، وإيّانا تخذلون.

أجل والله الخذلُ فيكم معروف ، وشجت عليه عروقكم ، وتوارثته أُصولكم وفروعكم ، ونبتت عليه قلوبكم ، وغشيت به صدوركم ، فكنتم أخبث شيء سنخاً للناصب وأكلةً للغاصب.

ألا لعنة الله على الناكثين ، الّذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً ، فأنتم والله هم» (١).

٢ ـ سألهم : «لم تقتلوني» ـ أو : «تقاتلوني» ـ؟!

قالوا : نقتلك بغضاً منّا لأبيك.

فعند ذلك غضب الإمام غضباً شديداً وجعل يقول :

خيرة الله من الخلق أبي

بعد جدّي وأنا ابن الخيرتين

والدي شمس وأُمّي قمرٌ

وأنا الكوكب وابن النيّرين

فضّةٌ قد صيغت من ذهب

وأنا الفضّة وابن الذهبين

__________________

(١) مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ٢ / ٩ ، وانظر : تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ، بحار الأنوار ٤٥ / ٨ ـ ٩

٣٨٠