السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧
وقال ابن أعثم الكوفي : إنّ يزيد زاد من نفسه :
لست من عتبة إنْ لم أنتقم |
|
من بني أحمد ما كان فعل (١) |
دخولهم على يزيد موثَّقين بالحبال
قال ابن سعد :
«ثمّ أُتي يزيدُ بن معاوية بثَقَل الحسين ومن بقي من أهله ونسائه ، فأُدخلوا عليه قد قرنوا في الحبال ، فوقّفوا بين يديه» (٢).
وقال ابن الجوزي :
«ثمّ دعا يزيد بعليّ بن الحسين والصبيان والنساء ، وقد أُوثقوا بالحبال ، فأُدخلوا عليه ...» (٣).
وقال الذهبي :
«قال يحيى بن بكير : حدّثني الليث بن سعد ، قال : أبى الحسين أن يُستأسر ، فقاتلوه فقُتل ، وقُتل ابنه وأصحابه بالطفّ ، وانطلق ببنيه : عليّ وفاطمة وسكينة إلى عبيد الله بن زياد ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية ، فجعل سكينة خلف سريره لئلّا ترى رأس أبيها ، وعليّ بن الحسين في غلّ ، فضرب يزيد على ثنيّتي الحسين رضي الله عنه وقال :
نفلّق هاماً من أُناس أعزّةٍ |
|
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما |
فقال عليٌّ : (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا
__________________
(١) الفتوح ٥ / ١٥١
(٢) الطبقات الكبرى ٦ / ٤٤٨
(٣) الردّ على المتعصّب العنيد : ٤٩
فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) (١) ، فثقل على يزيد أن تمثَّل ببيت وتلا عليٌّ آية ، فقال : (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (٢) ، فقال : أمَا والله لو رآنا رسول الله مغلولين لأحبّ أنْ يحلّنا من الغلّ. قال : صدقت ، حلّوهم ...» (٣).
وقال الطبري :
«ولمّا جلس يزيد بن معاوية ، دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ دعا بعليّ بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه ، فأُدخلوا عليه والناس ينظرون ، فقال يزيد لعليّ : يا عليّ! أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت.
قال : فقال عليٌّ : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إلَّافِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا».
فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه.
قال : فما درى خالد ما يردّ عليه.
فقال له يزيد : قل : «وَمَا أَصَابَكُم مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ» ، ثمّ سكت عنه.
قال : ثمّ دعا بالنساء والصبيان فأُجلسوا بين يديه ، فرأى هيئةً قبيحةً ، فقال : قبّح الله ابن مرجانة ، لو كانت بينه وبينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا بكم ، ولا بعث بكم هكذا.
__________________
(١) سورة الحديد ٥٧ : ٢٢
(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٣٠
(٣) انظر : تاريخ الإسلام حوادث ٦١ : ١٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١٤ ـ ١٥ رقم ٩٤٠٠ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٠ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ رقم ١٣٧
قال أبو مخنف ، عن الحارث بن كعب ، عن فاطمة بنت عليّ ، قالت : لمّا أُجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رقّ لنا وأمر لنا بشيء وألطفنا.
قالت : ثمّ إنّ رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد ، فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه. يعنيني ؛ وكنت جاريةً وضيئةً ، فأُرعدت وفرقت وظننت أنّ ذلك جائز لهم ، وأخذت بثياب أُختي زينب.
قالت : وكانت أُختي زينب أكبر منّي وأعقل ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت : كذبتَ والله ولؤمت ، ما ذلك لك وله.
فغضب يزيد فقال : كذبتِ والله! إنّ ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله لفعلت.
قالت : كلّا والله ، ما جعل الله ذلك لك إلّاأن تخرج من ملّتنا ، وتدين بغير ديننا.
قالت : فغضب يزيد واستطار ، ثمّ قال : إيّاي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدين أبوكِ وأخوك.
فقالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديتَ أنتَ وأبوكَ وجدّك.
قال : كذبت يا عدوّة الله.
قالت : أنت أمير مسلّط ، تشتم ظالماً ، وتقهر بسلطانك.
قالت : فوالله لكأنّه استحيا ، فسكت» (١).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٩ ، وانظر : الكامل في التاريخ ٣ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٥٥ ـ ١٥٦ ، الردّ على المتعصّب العنيد : ٤٩
الفصل الثالث :
من الوقائع في الشام
التحوّل في الشام ، وظهور سرّ أخذ الإمامِ الأهلَ والعيال
وبدأ التحوّل بالشام على أثر خطب الإمام السجّاد عليهالسلام وكلماته في المناسبات المختلفة ، وكذا عقيلة أهل البيت عليهمالسلام ... وتيقّظ الناس وتنبّهوا ، وحتّى جند يزيد ومن حوله ... وبذلك تبيّن جانب من السرّ في أخذ الإمام عليهالسلام الأهل والعيال معه إلى العراق.
كرامةٌ من الرأس الشريف
أمّا الرأس الشريف ، الذي صلب بمدينة دمشق ثلاثة أيّام (١) ، فقد روى ابن عساكر بإسناده عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، قال : «أنا ـ والله ـ رأيت رأس الحسين بن عليّ حين حمل وأنا بدمشق ، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف ، حتّى بلغ إلى قوله : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) (٢) قال : فأنطق الله الرأس بلسان ذَرِب (٣) فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٩ رقم ٤٨ ، البداية والنهاية ٨ / ١٦٣
(٢) سورة الكهف ١٨ : ٩
(٣) الذَّرِبُ : الحادُّ من كلّ شيء ، ولسان ذَرِبٌ : أي حديدُ الطَّرَف ، وذَرَبُ اللسان : حِدَّتُه ؛ انظر مادّة «ذرب» في : لسان العرب ٥ / ٣٠ ، تاج العروس ١ / ٤٩٥
وحملي» (١).
خطبة الإمام السجّاد عليهالسلام
وروى ابن أعثم الكوفي وغيره ، أنّ يزيد أمر الخطيب أنْ يرقى المنبر ويثني على معاوية ويزيد وينال من أمير المؤمنين والحسين عليهماالسلام.
فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد.
فصاح به عليُّ بن الحسين : ويلك أيّها الخاطب! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فانظر مقعدك من النار.
ثمّ قال عليُّ بن الحسين : يا يزيد! ائذن لي أنْ أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلام فيه رضا الله ورضا هؤلاء الجلساء وأجر وثواب.
قال : فأبى يزيد ذلك.
فقال الناس : يا أمير المؤمنين! ائذن له ليصعد المنبر ، لعلّنا نسمع منه شيئاً.
فقال : إنّه إنْ صعد المنبر لم ينزل إلّابفضيحتي أو بفضيحة آل أبي سفيان.
قيل له : يا أمير المؤمنين ، وما قدر ما يحسن هذا؟!
قال : إنّه من نسل قوم قد رُزقوا العلم رزقاً حسناً.
قال : فلم يزالوا به حتّى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ
__________________
(١) تاريخ دمشق ٦٠ / ٣٧٠ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٥ / ٢٧٤
خطب خطبةً أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ... حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب.
قال : وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذّن فقال : اقطع عنّا هذا الكلام.
قال : فلمّا سمع المؤذّن قال : الله أكبر ؛ قال الغلام : لا شيء أكبر من الله.
فلمّا قال : أشهد أنْ لا إله إلّاالله ؛ قال الغلام : يشهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي.
فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، التفت عليُّ بن الحسين من فوق المنبر إلى يزيد فقال : محمّد هذا جدّي أم جدّك؟! فإنْ زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت ، وإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته؟!
قال : فلمّا فرغ المؤذّن من الأذان والإقامة تقدّم يزيد يصلّي بالناس صلاة الظهر ، فلمّا فرغ من صلاته أمر بعليّ بن الحسين وأخواته وعمّاته رضوان الله عليهم ، ففرّغ لهم داراً فنزلوها ، وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون على الحسين رضي الله عنه» (١).
إقامة المناحة ثلاثة أيّام في دمشق
قال البلاذري ، وابن سعد ، والطبري ، وغيرهم (٢) :
__________________
(١) الفتوح ٥ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ٢ / ٧٦ ـ ٧٨
(٢) أنساب الأشراف ٣ / ٤١٧ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٤٨ ، تاريخ الطبري
إنّ يزيد أمر بالنساء فأُدخلن على نسائه في داره التي يسكنها ، فاستقبلتهنّ نساء آل أبي سفيان يبكين وينحن على الحسين ، فما بقيت منهنّ امرأة إلّاتلقّتهنّ تبكي وتنتحب ، ثمّ أقمن المناحة على الإمام ومن استشهد معه ثلاثة أيّام ...
وقال البلاذري : إنّ عاتكة ابنة يزيد ـ وهي أُمّ يزيد بن عبد الملك ـ أخذت رأس الإمام الحسين عليهالسلام فغسلته ودهّنته وطيّبته (١) ...
خبر نزول آية المودّة في أهل البيت
وروى جماعة من المفسّرين :
إنّه لمّا جيء بالإمام عليّ بن الحسين عليهالسلام أسيراً ، فأُقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قرني الفتنة.
فقال له الإمام عليهالسلام : أقرأت القرآن؟
قال : نعم.
قال : أقرأت أل حم؟
قال : قرأت القرآن ولم أقرأ أل حم.
قال : ما قرأت (قُل لَّاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (٢)؟!
__________________
٣ / ٣٣٩ ، الإمامة والسياسة ٢ / ١٣ ، الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ١٥٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٥٦
(١) انظر : أنساب الأشراف ٣ / ٤١٦
(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣
قال : إنّكم لأنتم هم؟!
قال : نعم (١).
كلام الإمام السجّاد عليهالسلام مع المنهال
قال ابن أعثم : «وخرج عليُّ بن الحسين ذات يومٍ ، فجعل يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو الصابئ فقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟
قال : أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم.
يا منهال! أمست العرب تفتخر على العجم لأنّ محمّداً منهم ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منها ، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون مقهورون مقتّلون مثبورون مطرودون ؛ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال» (٢).
موقف الصحابي أبي برزة
هذا ، وقد قرأتُ بترجمة الصحابي أبي برزة الأسلمي :
«دخلوا على يزيد ، فوضعوا الرأس بين يديه ... ثمّ أذن للناس فدخلوا والرأس بين يديه ، ومعه قضيب ، فنكت به في ثغره ، ثمّ قال : إنّ هذا وأنا كما قال الحصين بن الحُمام المرّي :
__________________
(١) انظر : تفسير الطبري ١١ / ١١٤ ح ٣٠٦٧٧ ، البحر المحيط ٧ / ٥١٦ ، الدرّ المنثور ٧ / ٣٤٨ ، روح المعاني ٢٥ / ٢٩
(٢) الفتوح ٥ / ١٥٥ ـ ١٥٦
نفلّق هاماً من رجالٍ أحبّةٍ |
|
إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما |
فقال رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقال له : أبو برزة الأسلمي : أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين! أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً كريماً ، رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرشفه.
أما إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك ، ويجيء هذا يوم القيامة ومحمّد صلىاللهعليهوسلم شفيعه.
ثمّ قام فولّى» (١).
موقف التابعي خالد بن غفران
وفي ترجمة خالد بن غفران ، قال ابن عساكر : «من أفاضل التابعين ، كان بدمشق ... إنّ رأس الحسين بن عليّ لمّا صُلب بالشام أخفى خالد بن غفران شخصه عن أصحابه ، فطلبوه شهراً حتّى وجدوه ، فسألوه عن عزلته ، فقال : أما ترون ما نزل بنا؟! ثمّ أنشأ يقول :
جاؤوا برأسك يا بن بنت محمّد |
|
متزمّلاً بدمائه تزميلا |
وكأنّما بك يا بن بنت محمّد |
|
قتلوا جهاراً عامدين رسولا |
قتلوك عطشاناً ولم يترقّبوا |
|
في قتلك التنزيل والتأويلا |
ويكبّرون بأنْ قُتلت وإنّما |
|
قتلوا بك التكبير والتهليلا» (٢) |
__________________
(١) مختصر تاريخ دمشق ٢٦ / ١٥١ رقم ١١١
(٢) تاريخ دمشق ١٦ / ١٨٠ ـ ١٨١ ح ١٩٠٩ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ٣٩٢ رقم ٣٤١
ندم يزيد!!
ثمّ إنّ الناس بدءوا يعرفون الحقيقة ..
من خطب الإمام السجّاد زين العابدين عليهالسلام .. وكلماته ..
من بيانه عليهالسلام المراد من آية المودّة في القربى ..
من كلمات العقيلة زينب الكبرى عليهاالسلام في مجلس يزيد ، وفي مجالسها مع النساء ...
من إقامة المناحة على الإمام وأهل بيته وأصحابه ثلاثة أيّام في الشام .. في داخل قصر يزيد ...
عرفوا مظلوميّة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ..
كلّ هذا من جهة ..
ومن جهةٍ أُخرى ..
من أقوال يزيد ..
ومن أفعاله ..
ومن الأشعار التي أنشأها أو تمثّل بها ..
عرفوا أنّ يزيد هو نفسه يزيد الفجور والخمور والكفر والفسوق ..
عرفوا أنّه على الباطل ، وأنّ الحقّ مع الإمام الحسين الذي أبى أن يبايعه .. حتّى قتل مظلوماً شهيداً ..
وحينئذٍ .. أبدى يزيد الندم .. لأنّه :
عرف أنّه قد افتضح ، وفضح أباه وقومه ..
عرف أنّ الناس أبغضوه ومقتوه وعادوه ..
عرف أنّ ملكه سيزول ..
قال الطبري :
«وحدّثني أبو عبيدة معمر بن المثنّى ، أنّ يونس بن حبيب الجرمي حدّثه ، قال : لمّا قَتل عبيدُ الله بن زياد الحسينَ بن عليّ عليهالسلام وبني أبيه ، بعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية ، فسُرَّ بقتلهم أوّلاً ، وحسنت بذلك منزلة عبيد الله عنده ، ثمّ لم يلبث إلّاقليلاً حتّى ندم على قتل الحسين ، فكان يقول : وما كان علَيَّ لو احتملت الأذى وأنزلته معي في داري ، وحكّمته في ما يريد ، وإن كان علَيَّ في ذلك وكف ووهن في سلطاني ، حفظاً لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورعاية لحقّه وقرابته ، لعن الله ابن مرجانة ، فإنّه أخرجه واضطرّه ، وقد كان سأله أن يخلّي سبيله ويرجع ، فلم يفعل ، أو يضع يده في يدي ، أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتّى يتوفّاه الله عزوجل ، فلم يفعل ، فأبى ذلك وردّه عليه وقتله ، فبغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع لي في قلوبهم العداوة ، فبغضني البرُّ والفاجرُ بما استعظم الناس من قتلي حسيناً ، ما لي ولابن مرجانة ، لعنه الله وغضب عليه» (١).
ونقله الذهبي عن الطبري ، ولم يتعقّبه بشيء (٢).
وكذا ابن الأثير ، قال : «وقيل : لمّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده ، ووصله وسرّه ما فعل ، ثمّ لم يلبث إلّايسيراً حتّى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم ، فندم على قتل الحسين ، فكان
__________________
(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٦٥ حوادث سنة ٦٤ ه
(٢) تاريخ الإسلام حوادث سنة ٦١ : ٢٠ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٧
يقول : وما علَيَّ لو احتملت الأذى ...» (١).
وقال السيوطي : «ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسُرَّ بقتلهم أوّلاً ، ثمّ ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقَّ لهم أن يبغضوه» (٢).
أقول :
وهكذا ينكشف السرّ في حمل الإمام عليهالسلام عيالاته وأطفاله معه إلى كربلاء ، مع علمه بأنّه سيقتل ...
إقرار العلماء بأمر يزيد وقولهم بكفره
وممّا تقدّم ، تبيّن أنّ جمهور المحدّثين والمؤرّخين والعلماء من أهل السُنّة يروون ويقرّون بأنّ يزيد هو الذي أمر بقتل الحسين عليهالسلام ، وأنّهم يقولون بكفره ... وإلى المزيد في ما سيأتي.
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٣٩
(٢) تاريخ الخلفاء : ٢٤٨
البابُ الثاني :
دور الحزب الأُموي والخوارج في الكوفة
قد أوضحنا في ما تقدّم دور معاوية في استشهاد الإمام عليهالسلام في العراق ، وقد توصّلنا في دراستنا إلى أنّ معاوية بعد أن عزم على العهد لابنه يزيد ، تمكّن من القضاء على سائر المعارضين ، أو إسكات من تمكّن من إسكاته منهم ، ببذل الأموال أو التهديد ، فأزال العقبات حتّى لم يبق إلّا الإمام الحسين سيّد الشهداء عليهالسلام وعبد الله بن الزبير ، لكنّه كان عارفاً بالإمام وملكاته النفسيّة ، ثمّ موقعيّته في المجتمع والأُسرة الهاشمية خاصّة ...
على أنّه كان قد تعهّد أن لا يبغي للإمامين السبطين الحسن والحسين عليهماالسلام سوءاً.
ولمّا اغتال الإمام السبط الأكبر ـ على يد جعدة بنت الأشعث ـ وشاع الخبر وافتُضح أمام المسلمين ، فلم ير من مصلحته أن يتعرّض لأبي عبد الله عليهالسلام ...
فقام بتدبير مؤامرةٍ ضدّ الإمام عليهالسلام ، ونسّق مع أتباعه في الكوفة والخوارج المناوئين لأهل البيت عليهمالسلام هناك ، وأمر ولاته في البلاد أن يقوم كلٌّ منهم بالدور المناسب ، فجعلوا يطاردون الإمام من داخل الحجاز ، من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، في حين تدعوه كتب
أهل الكوفة إلى التوجّه إليهم ... فأرسل إليهم ـ أوّلاً ـ ابن عمّه وثقته مسلم ابن عقيل ... وأمره بالستر والكتمان ... وهنا لعب والي الكوفة دوره ، حتّى انكشف أمر مسلم وشيعته ... فخرجت وصيّة معاوية بتولية عبيد الله بن زياد على الكوفة ، فكان ما كان ...
ثمّ جاء دور يزيد ...
فطبّق الخطّة بجميع أطرافها ... فقد رأينا كيف ولّى عبيد الله بن زياد على الكوفة وأمره بقتل مسلم بن عقيل ، ثمّ أمر بقتل الإمام عليهالسلام بعد اتّخاذ الإجراءات اللازمة في الكوفة وضواحيها ... فلمّا امتثل ابن زياد الأمر ونفّذه حسنت حاله عند يزيد ـ الذي كان يكرهه في زمن معاوية ـ ، ثمّ أمر بحمل الرؤوس الطاهرة وعيالات الإمام عليهالسلام إلى الشام ... إلى آخر ما ذكرناه في الباب السابق.
والكلام الآن ... في دور حزب بني أُميّة ورؤساء الخوارج ، وأنّه هل كان لوجهاء شيعة أهل البيت عليهمالسلام في الكوفة دور في قتل الإمام عليهالسلام ، أوْ لا؟
لقد علمنا أنّ الكتب كانت تتوارد على الإمام إلى المدينة منذ عهد معاوية ، ثمّ جعلت تتواصل ولم تنقطع حتّى الأيام الأخيرة من حياة الإمام في الحجاز ...
فهل كانوا جميعاً شيعةَ الإمام؟!
وهل شارك الشيعة في قتله عليهالسلام؟!
يقول بعض الكتّاب من أنصار بني أُميّة : إنّ شيعة الكوفة هم الّذين دعوه ، وخذلوه ، وقتلوه!