من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

من له جدّ كجدّي المصطفى

أو كأُمّي في جميع الثقلين

فاطم الزهراء أُمّي وأبي

فارس الخيل ورامي النبلتين

هازم الأبطال في هيجائه

يوم بدرٍ ثمّ أُحْدٍ وحنين (١)

٣ ـ صاح بهم الإمام عليه‌السلام :

«ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إنْ لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إنْ كنتم عُرباً كما تزعمون» (٢).

قضايا تؤكّد على كونهم شيعة آل أبي سفيان

لقد صاح بهم الإمام عليه‌السلام بهذا الكلام لمّا قصدوا حرق الخيام ونهب ما فيها وإرعاب النساء وقتل الأطفال ... وقد فعلوا كلّ ذلك ..

قال ابن الأثير :

«فلمّا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وصاروا رجّالة كلّهم ، وقاتل الحرّ بن يزيد راجلاً قتالاً شديداً ، فقاتلوهم إلى أن انتصف النهار أشدّ قتال خلقه الله ، لا يقدرون أن يأتوهم إلّامن وجه واحد لاجتماع مضاربهم.

فلمّا رأى ذلك عمر أرسل رجالاً يقوّضون البيوت عن أيمانهم

__________________

(١) نور العين في مشهد الحسين : ٤٧ ، وانظر : مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ٢ / ٣٧

(٢) انظر : الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ١٣٤ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ٢ / ٣٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٣١

٣٨١

وشمائلهم ليحيطوا بهم ، فكان النفر من أصحاب الحسين الثلاثة والأربعة يتخلّلون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوّض وينهب ، ويرمونه من قريب ، أو يعقرونه ، فأمر بها عمر بن سعد فأُحرقت ، فقال لهم الحسين : دعوهم فليحرقوها ، فإنّهم إذا أحرقوها لا يستطيعون أن يجوزوا إليكم منها ؛ فكان كذلك.

وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها ، فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجهه وتقول : هنيئاً لك الجنّة! فأمر شمر غلاماً اسمه رستم فضرب رأسها بالعمود فشدخه ، فماتت مكانها.

وحمل شمر حتّى بلغ فسطاط الحسين ونادى : علَيَّ بالنار حتّى أُحرق هذا البيت على أهله!

فصاحت النساء وخرجن ، وصاح به الحسين : أنت تحرق بيتي على أهلي؟! أحرقك الله بالنار!

فقال حميد بن مسلم لشمر : إن هذا لا يصلح ، تعذّب بعذاب الله ، وتقتل الولدان والنساء ، والله إنّ في قتل الرجال لَما يرضى به أميرك!

فلم يقبل منه ، فجاءه شبث بن ربعي فنهاه فانتهى ، وذهب لينصرف ...» (١).

وفي رواية الطبري :

قال له شبث : «ما رأيت مقالاً أسوأ من قولك ، ولا موقفاً أقبح من موقفك ، أمرعباً للنساء صرت؟!

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥

٣٨٢

قال : فأشهد أنّه استحيا فذهب لينصرف» (١).

وفي رواية ابن الجوزي :

«جاء سهم فأصاب ابناً للحسين وهو في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه وهو يقول : اللهمّ احكم بيننا وبين قومٍ دعونا لينصرونا فقتلونا ؛ فحمل شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى : علَيَّ بالنار حتّى أُحرق هذا البيت على أهله!

فصاح النساء وخرجن من الفسطاط ، وصاح به الحسين عليه‌السلام : حرّقك الله بالنار» (٢).

وقال البلاذري :

«... فرشقوا الحسين وأصحابه بالنبل حتّى عقروا خيولهم ، فصاروا رجّالة كلّهم ، واقتتلوا نصف النهار أشدّ قتال وأبرحه ، وجعلوا لا يقدرون على إتيانهم إلّامن وجه واحد ؛ لاجتماع أبنيتهم وتقاربها ، ولمكان النار التي أوقدوها خلفهم.

وأمر عمر بتخريق أبنيتهم وبيوتهم ، فأخذوا يخرقونها برماحهم وسيوفهم ، وحمل شمر في الميسرة حتّى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى : علَيَّ بالنار حتّى أُحرق هذا البيت على أهله.

فصحن النساء وولولن وخرجن من الفسطاط ، فقال الحسين : ويحك! أتدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي؟!

وقال شبث بن ربعي : يا سبحان الله! ما رأيت موقفاً أسوأ من

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٢٦

(٢) المنتظم ٤ / ١٥٥ ـ ١٥٦

٣٨٣

موقفك ، ولا قولاً أقبح من قولك!

فاستحيا شمر منه» (١).

وقال النويري :

«دعا عمرُ بن سعد الحصينَ بن نمير وبعث معه المجففة وخمسمئة من المرامية ، فلمّا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وصاروا رجّالة كلّهم ، وقاتل الناس أشدّ قتال حتّى انتصف النهار ، وهم لا يقدرون على أن يأتوا الحسين وأصحابه إلّامن وجه واحد ؛ لاجتماع أبنيتهم ، وتقارب بعضها من بعض.

فأرسل عمر بن سعد رجالاً يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ، ليحيطوا بهم ، فكان النفر من أصحاب الحسين ، الثلاثة والأربعة ، يتخلّلون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوّض وينهب.

فأمر بها عمر بن سعد فأُحرقت ، فقال الحسين : دعوهم يحرّقوها ، فإنهم إذا أحرقوها لا يستطيعون أن يجوزوا منكم إليها! فكان ذلك كذلك ، وجعلوا لا يقاتلونهم إلّامن وجه واحد.

وخرجت أُمّ وهب ـ امرأة الكلبي ـ تمشي إلى زوجها ، حتّى جلست عند رأسه ، فجعلت تمسح التراب عن وجهه وتقول : هنيئاً لك الجنّة! فقال شمر لغلام اسمه رستم : اضرب رأسها بالعمود! فضرب رأسها ، فشدخه فماتت مكانها.

وحمل شمر حتّى بلغ فسطاط الحسين ، ونادى : علَيَّ بالنار حتّى أُحرق هذا البيت على أهله.

__________________

(١) أنساب الأشراف ٣ / ٤٠٢

٣٨٤

فصاح النساء وخرجن من الفسطاط ، وصاح به الحسين ودعا عليه ، فردّه شبث بن ربعي عن ذلك» (١).

ففي هذه الأخبار :

١ ـ قتلهم طفلاً للإمام في حجره.

٢ ـ حرقهم للخيام.

٣ ـ إرعابهم النساء.

٤ ـ قتلهم المرأة الكلبيّة.

٥ ـ نهبهم ثَقَل الإمام عليه‌السلام ...

ففي روايةٍ للذهبي : «أخذ رجلٌ حليَّ فاطمة بنت الحسين وبكى ، فقالت : لِمَ تبكي؟!

فقال : أأسلبُ بنتَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا أبكي؟!

قالت : فدعه!

قال : أخافُ أنْ يأخذه غيري!» (٢).

وتلخّص

إنّ معاوية كان يخبر أنّ أهل الكوفة سيدعون الإمام عليه‌السلام إلى الكوفة وأنّهم سيقتلونه هناك ، وقد جاء ذلك في وصيّته ليزيد أيضاً ، ثمّ جعلت الكتب تترى على الإمام في حياة معاوية ، والإمام عليه‌السلام في ريبٍ منها ومن أصحابها كما أخبر بذلك مراراً ، بل قد صرّح بأنّ أصحاب

__________________

(١) نهاية الأرب في فنون الأدب : ٤٥١٨

(٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٠٣

٣٨٥

الكتب هم الّذين سيقتلونه ، فمات معاوية وبرزت وصيّته ليزيد بتولية ابن زياد الكوفة ـ مع أنّ يزيد كان يكره ابن زياد .. فجاء ابن زياد .. وكان ما كان ..

نتائج البحث

فهل يرى الباحث الخبير أنّ هذه القضايا إنّما وقعت صدفةً؟!

وهل أنّ والي المدينة لم يلحّ على الإمام عليه‌السلام بالبيعة ، ثمّ حمد الله على خروجه ، كان ذلك من عند نفسه؟!

وهل أنّ والي مكّة الذي لم يتعرّض للإمام ، بل لم يهدّده علناً ، وإنّما دسّ إليه الرجال فقط ، كان ذلك منه عن اختيار؟!

وهل أنّ والي الكوفة لمّا تسامح مع مسلم وشيعته لم يكن من قصده انكشاف حال مسلم ومعرفة أصحابه ، وقد كان ـ كما قال البلاذري ـ عثمانياً مجاهراً ببغض عليٍّ ، ويسيء القول فيه ، وهو ممّن أغار على بعض البلاد التابعة لحكومة الإمام عليّ عليه‌السلام؟!

وكيف أنّ معاوية كان يداري الإمام عليه‌السلام ، ويخبر عن مقتله في العراق على يد أهل الكوفة ، وقد أوصى بتولية ابن زياد عليها في الوقت المناسب؟!

إنّ للباحث أن يستنتج أنّ هناك خطّة مرسومة من معاوية وأعوانه في الحجاز ، بالتواطؤ مع أنصاره في الكوفة ، بأنْ يدعى الإمام عليه‌السلام من قِبل أهل الكوفة ، ويضيّق عليه ويُطارد من داخل الحجاز من قِبل عمّال بني أُميّة ، حتّى يُقبل نحو الكوفة ، فيحاصَر في الطريق ، فلا يصل إلى الكوفة

٣٨٦

ولا يرجع إلى الحجاز ، بل يُقتل في الفلاة.

وهذا ما رواه في «بحار الأنوار» عن تاريخ الريّاشي ، بإسناده عن راوي حديثه ، قال : «حججت فتركت أصحابي وانطلقت أتعسّف الطريق وحدي ، فبينما أنا أسير ، إذ رفعت طرفي إلى أخبية وفساطيط ، فانطلقت نحوها ، حتّى أتيت أدناها ، فقلت : لمن هذه الأبنية؟

فقالوا : للحسين.

قلت : ابن عليّ وابن فاطمة؟

قالوا : نعم.

قلت : في أيّها هو؟

قالوا : في ذلك الفسطاط.

فانطلقت ، فإذا الحسين متّكٍ على باب الفسطاط يقرأ كتاباً بين يديه ، فسلَّمت فردَّ علَيَّ ، فقلت : يا ابن رسول الله! بأبي أنت وأُمّي ، ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف ولا منعة؟!

قال : إنّ هؤلاء أخافوني ، وهذه كتب أهل الكوفة ، وهُمْ قاتليّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعو لله محرّماً إلّاانتهكوه ، بعث الله إليهم من يقتلهم ، حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأَمَة» (١).

فتأمّل في عبارة : «إنّ هؤلاء أخافوني» ، يعني : حكومة الحجاز ، و «هذه كتب أهل الكوفة ، وهم قاتليّ»!!

ولذا ، فقد ورد عن الإمام عليه‌السلام أنّه لمّا ورد أرض كربلاء (٢) ،

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٨ ، وانظر : بغية الطلب ٦ / ٢٦١٦

(٢) وروى ابن أعثم الكوفي أنّه عليه‌السلام قاله قبل الورود إلى كربلاء ؛ انظر : الفتوح ٥ / ٩٣

٣٨٧

كان أوّل كلامه :

«اللهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد وقد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا ...» (١).

وقد جاء هذا بعينه في ما كتبه ابن عبّاس إلى يزيد :

«وما أنسَ من الأشياء ، فلستُ بناسٍ اطّرادك الحسين بن عليّ من حرم رسول الله إلى حرم الله ، ودسّك إليه الرجال تغتاله ، فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة ...» (٢).

ثمّ عرفنا الّذين باشروا قتل الإمام عليه‌السلام ، فلم نجد فيهم أحداً من الشيعة أبداً ، بل إنّ شيعته منهم من قضى نحبه مع مسلم بن عقيل ، ومنهم من استشهد قبل عاشوراء في تصفية ابن زياد الشيعة في الكوفة ، ومنهم من سُجن ... والكلام كلّه على وجوه الشيعة ورجالها في الكوفة وليس على السواد الأعظم ، كما هو واضح.

ويقع الكلام بعد ذلك على دور علماء السوء في تبرير ما وقع ، والدفاع عن معاوية ويزيد وأتباعهما ...

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٨٣

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٣

٣٨٨

الحلقة الثالثة :

دور علماء السوء

في فصول :

٣٨٩
٣٩٠

ثمّ جاء دور العلماء ...

لقد رأينا كيف أنّ بعض الصحابة والتابعين حضروا قتل ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونفّذوا أوامر يزيد ، وكانوا يده في إبادة ذرّيّة النبيّ وسبي عيالاته من بلدٍ إلى بلدٍ ...

وسنرى في بعض الكلمات الاستناد إلى موقف بعضهم ـ كعبد الله ابن عمر ـ في إضفاء صبغة الشرعية لولاية يزيد ، التي دعا إليها معاوية وبذل الجهود المختلفة اللامشروعة حتّى تمكّن من حمل الناس على البيعة له ، كما عرفت سابقاً ...

والكلام الآن ... على دور العلماء النواصب ، ورجال البلاطين الأُموي والعبّاسي وأنصار المنافقين ... الّذين حاولوا الدفاع عن معاوية ويزيد وأرادوا تبرير ما وقع ...

فمحطّ النظر كلمات العلماء الكبار السابقين ، وأمّا أقاويل المتأخّرين والمعاصرين ، فلا نعبأ بها ؛ لكونهم مقلّدين لأسلافهم المعاندين.

وسيكون بحثنا في فصول :

٣٩١
٣٩٢

الفصل الأوّل :

في وضع الأحاديث

٣٩٣
٣٩٤

لقد وضعوا أحاديث في فضل معاوية ويزيد ، وفي فضل صوم يوم عاشوراء ، وهو يومٌ قتل فيه سبط رسول الله وريحانته وسيّد شباب أهل الجنّة أبو عبد الله الحسين وأصحابه!

اتّخاذ النواصب يوم عاشوراء عيداً

أخرج البخاري ، عن ابن عبّاس ، قال : «قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى. قال : فأنا أحقّ بموسى منكم ؛ فصامه وأمر بصيامه» (١).

وأخرج مسلم ، عن ابن عبّاس ، أنّه قال لهم : «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا : هذا يوم عظيم ، أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فنحن أحقّ وأَوْلى بموسى منكم ؛ فصامه رسول الله صلّى

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ٩٦ ح ١١١ ، وانظر : شرح معاني الآثار ٢ / ٧٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٤ / ٢٨٦ ح ٤٧٣ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٢ / ١٥٦ ح ٢٨٣٤

٣٩٥

الله عليه وسلّم وأمر بصيامه» (١).

وأخرج مسلم ، عن أبي موسى ، قال : «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء ، يتّخذونه عيداً ، ويُلبسون نساءهم فيه حليّهم وشارتهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فصوموه أنتم» (٢).

فقال ابن الجوزي : «قد تمذهب قوم من الجهّال بمذهب أهل السُنّة ، فقصدوا غيظ الرافضة ، فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ، ونحن برآء من الفريقين ...» (٣).

وقال ابن تيميّة : «إنْ كلّ ما يفعل فيه ـ سوى الصوم ـ بدعة مكروهة ، لم يستحبّها أحد من الأئمّة ، مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك ، وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم» (٤).

وقال ابن كثير : «وقد عاكس الرافضةَ والشيعةَ يوم عاشوراء النواصبُ من أهل الشام ، فكانوا يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيّبون ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً ، يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون السرور والفرح» (٥).

وقال العيني : «النوع السادس : ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء ويوم

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ / ١٥٠ ، وانظر : فتح الباري ٤ / ٣٠٦ ح ٢٠٠٤ ، شرح السُنّة ـ للبغوي ـ ٤ / ١٩٤ ح ١٧٨٢

(٢) صحيح مسلم ٣ / ١٥٠

(٣) الموضوعات ٢ / ١٩٩

(٤) منهاج السُنّة ٨ / ١٥١

(٥) البداية والنهاية ٨ / ١٦٢

٣٩٦

عاشوراء ، وفي فضل الكحل يوم عاشوراء ، لا يصحّ ، ومن ذلك حديث جويبر عن الضحاك عن ابن عبّاس ... وهو حديث موضوع ، وضعه قتلة الحسين رضي الله تعالى عنه.

وقال الإمام أحمد : والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه أثرٌ ، وهو بدعة» (١).

لكنّ بعض علماء القوم ، كالسيوطي ، يرتؤون صحّة هذه الأحاديث ... مع أنّهم لا يُعدُّون في النواصب ، فالذي نراه أنّ ذلك من أجل الدفاع عن كتابَي البخاري ومسلم الموسومين بالصحيحين ، وعن سائر كتبهم الراوية لمثل هذه الأحاديث ، أخذاً بسُنّة اليهود!!

هذا ، ومن العجيب أنّهم لم يكتفوا بهذا حتّى وضعوا ذلك في الحيوانات ، فقد روى الدميري عن «المعجم» لعبد الغني بن قانع ، عن أبي غليظ أُميّة بن خلف الجمحي ، قال : «رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى يدي صرد ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا أوّل طير صام. ويروى : إنّه أوّل طير صام يوم عاشوراء ، وكذلك أخرجه الحافظ أبو موسى.

قال الدميري : والحديث مثل اسمه غليظ.

قال الحاكم : وهو من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسين رضي الله عنه ...

وهو حديث باطل ، ورواته مجهولون» (٢).

__________________

(١) عمدة القاري شرح صحيح البخاري ١١ / ١١٨ ذ ح ١٠٦

(٢) حياة الحيوان الكبرى ـ للدميري ـ ٢ / ٦١ ـ ٦٢ مادّة «صُرَدْ» ، وانظر : عمدة القاري شرح صحيح البخاري ١١ / ١١٨ ذ ح ١٠٦

٣٩٧

حديثٌ في مدح يزيد!!

كالحديث في مدح يزيد ... ذكره غير واحدٍ منهم ، كابن تيميّة والذهبي ، وهو حديث غزو القسطنطينيّة :

قال ابن تيميّة مدافعاً عن يزيد :

«وقد ثبت في صحيح البخاري ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : أوّل جيش يغزو القسطنطينيّة مغفور لهم. وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد ...» (١).

أقول :

قد قال محقّق «منهاج السُنّة» : «لم أجد الحديث بهذا اللفظ ، ولكن وجدت عن عبادة بن الصامت الحديث في البخاري ٤ / ٤٢ ـ كتاب الجهاد والسير ، باب ما قيل في قتال الروم ـ ونصّ الحديث : أوّل جيش من أُمّتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أُمّ حرام : قلت يا رسول الله! أنا فيهم؟ قال : أنتِ فيهم. ثمّ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت : أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : لا» (٢).

ثمّ الكلام أوّلاً : في وجود يزيد في ذلك الجيش ، وكونه أميراً عليه.

وثانياً : في شمول الحديث ليزيد على فرض كونه فيه.

__________________

(١) منهاج السُنّة ٤ / ٥٧١ ـ ٥٧٢

(٢) منهاج السُنّة ٤ / ٥٧٢ ، وانظر : صحيح البخاري ٤ / ١١٤ ح ١٣٥

٣٩٨

ففي حين يذكر الطبري وجود يزيد في الجيش المذكور ، وكونه قائداً له (١) ، يروي ابن الأثير : إنّ معاوية سيَّر جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة ، وجعل عليهم سفيان بن عوف ، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم ، فتثاقل واعتلّ ، فأمسك عنه أبوه ، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد ، فأنشأ يزيد يقول :

ما إن أُبالي بما لاقت جموعهم

بالفرقدونة من حمّى ومن مومِ

إذا اتّكأت على الأنماط مرتفقاً

بدير مرّان عندي أُمّ كلثومِ

وأُمّ كلثوم امرأته ، وهي ابنة عبد الله بن عامر.

فبلغ معاوية شعره ، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم ، ليصيبه ما أصاب الناس ، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه ، وكان في هذا الجيش ابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيّوب الأنصاري وغيرهم ، وعبد العزيز بن زرارة الكلابي ...

ثمّ رجع يزيد والجيش إلى الشام ، وقد توفّي أبو أيوب الأنصاري عند القسطنطينيّة ، فدفن بالقرب من سورها» (٢).

وعلى فرض وجوده فيه ، فلا دلالة للحديث على كونه مغفوراً له :

قال المناوي (٣) بشرحه ما نصّه : «لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٦ حوادث سنة ٤٩ ه

(٢) الكامل في التاريخ ٣ / ٣١٤ و ٣١٥ حوادث سنة ٤٩ ه

(٣) هو : محمّد عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدّادي المناوي القاهري الشافعي ، يُعدّ من كبار علماء الجمهور في شتّى العلوم والفنون ، له مصنّفات كثيرة ، منها : كنوز الحقائق ، الكواكب الدرّيّة ، فيض القدير شرح على الجامع الصغير.

٣٩٩

مغفوراً له لكونه منهم ؛ إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ، ويزيد ليس كذلك ، لخروجه بدليلٍ خاصّ.

ويلزم من الجمود على العموم ، أنّ من ارتدّ ممّن غزاها مغفور له.

وقد أطلق جمع محقّقون حلّ لعن يزيد به ، حتّى قال التفتازاني :

الحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت ، ممّا تواتر معناه وإنْ كان تفاصيله آحاداً ، فنحن لا نتوقّف في شأنه ، بل في إيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

قال الزين العراقي (١) : وقوله : (بل في إيمانه) ، أي : بل لا يُتوقّف في عدم إيمانه ؛ بقرينة ما قبله وما بعده» (٢).

هذا ، ومن أعاجيب الأكاذيب ما جاء في «تاريخ دمشق» بترجمة الإمام عليه‌السلام ، من أنّه «وفد على معاوية ، وتوجّه غازياً إلى

__________________

وُلد سنة ٩٥٢ ه‍ ، وتوفّي بالقاهرة سنة ١٠٣١ ه‍.

انظر : خلاصة الأثر ٢ / ٤١٢ ، البدر الطالع ١ / ٢٤٩ رقم ٢٣٨ ، الأعلام ـ للزركلي ـ ٦ / ٢٠٤ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٤١٠ رقم ١٤٠٤٨

(١) هو : الحافظ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن ، أبو الفضل زين الدين الشافعي العراقي.

كردي الأصل ، انتقل صغيراً مع أبيه من العراق إلى مصر بعد مولده ، سمع كثيراً في الشام ومصر والحجاز ، فصار من كبار أئمّة الحديث في زمانه ، وكان عالماً بالنحو واللغة والغريب والفقه وأُصوله ، له مصنّفات عديدة ، أشهرها «طرح التثريب».

وُلد سنة ٧٢٥ ه‍ ، وتوفّي سنة ٨٠٦ ه‍ بالقاهرة ودُفن بها.

انظر : الضوء اللامع ٤ / ١٧١ رقم ٤٥٢ ، البدر الطالع ١ / ٢٤٦ رقم ٢٣٦ ، شذرات الذهب ٧ / ٥٥ ، النجوم الزاهرة ١٢ / ٢٨٤ ، غاية النهاية في طبقات القرّاء ١ / ٣٨٢ رقم ١٦٣٠

(٢) فيض القدير شرح الجامع الصغير ٣ / ١٠٩ ح ٢٨١١

٤٠٠