من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

لقد أثبتنا ـ في ضوء الأخبار والتواريخ المعتمدة ـ أنّ الّذين باشروا قتل الإمام عليه‌السلام وأصحابه لم يكونوا من الشيعة ، وإنّما كانوا من الحزب الأُموي والخوارج في الكوفة ، ونحن نظنّ أنّ القارئ المنصف سيجد وفاء أدلّتنا بإثبات هذه الدعوى ، وسيوافقنا على النتيجة التي توصّلنا إليها.

٢٤١
٢٤٢

تمهيدات

٢٤٣
٢٤٤

وإنّ من الضروري ، قبل الورود في البحث ، التعرّض للأُمور التالية باختصار شديد ...

الأمر الأوّل :

إنّ حال الإمام الحسين عليه‌السلام حال جميع الأنبياء الكرام في الأُمم السابقة ، وحال جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الأُمّة ... وكذلك حال سائر أولياء الله والمصلحين الإلهيّين ... فلقد أدّى كلٌّ منهم رسالته في أُمّته ، سواء استجابت له أو لا ... وصبر على ما لقيه من أصحابه وغيرهم من الأذى والبلاء.

والقرآن الكريم مشحونٌ بأنباء الرسل والأنبياء ...

وقد تنبّه لهذا المعنى في خصوص أمر الإمام أبي عبد الله الشهيد هلال بن نافع ... فإنّه لمّا بلغ الإمام خبر شهادة مسلم بن عقيل بالكوفة ، استعبر باكياً ثمّ قال : «اللهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً عندك ، واجمع بيننا وإيّاهم في مستقرّ رحمتك ، إنّك على كلّ شيء قدير» ، وثب إليه هلال فقال :

«يا ابن بنت رسول الله! تعلم أنّ جدّك رسول الله لا يقدر أن يشرب

٢٤٥

الخلائق محبّته ، ولا أن يرجعوا من أمرهم إلى ما يحبّ ، وقد كان منهم منافقون يبدونه النصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ويلحقونه بأمرّ من الحنظل ، حتّى توفّاه الله عزوجل.

وإنّ أباك عليّاً قد كان في مثل ذلك ، فقوم أجمعوا على نصره وقاتلوا معه المنافقين والفاسقين والمارقين والقاسطين ، حتّى أتاه أجله.

وأنتم اليوم عندنا في مثل ذلك الحال (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) (١) والله يغني عنه ، فسر بنا راشداً ، مشرّقاً إنْ شئت أو مغرّباً ، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا ونصرتنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك» (٢).

الأمر الثاني :

إنّ الإمام عليه‌السلام كان على علمٍ تامٍّ بنيّات القوم وما سيقع عليه ، وكلّ الأدلّة والقرائن قائمة على ذلك ، وقد صرّح به في كلّ مرحلةٍ ..

فتارةً : قال : «والله لا يَدَعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة ـ وأشار إلى قلبه الشريف ـ من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلَّط عليهم من يذلّهم ، حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأَمَة» (٣).

وأُخرى : قال ـ لدى خروجه من مكّة ـ «والله لأنْ أُقتل خارجاً منها بشبرٍ أحبّ إليَّ من أنْ أُقتل داخلاً منها بشبر ، وأيم الله لو كنت في جحر

__________________

(١) سورة الفتح ٤٨ : ١٠

(٢) انظر : الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٩٣

(٣) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٣١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٠ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٦ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١٥ ـ ٢٦١٦ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٥

٢٤٦

هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيَّ حاجتهم ، ووالله ليعتدنّ علَيَّ كما اعتدت اليهود في السبت» (١).

وثالثةً : في الطريق ، حيث أخبر عن أصحاب الكتب أنّهم سيقتلونه ... وسيأتي بعض التفصيل.

فقد كان عليه‌السلام على علمٍ بقتله ، وبموضع قتله ... كسائر أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ... كما قال عبد الله بن عبّاس : «ما كنّا نشكّ وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين بن عليّ يُقتل بالطفّ» (٢).

وعنه : «إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم» (٣).

ورابعةً : لمّا وجّه مسلماً إلى أهل الكوفة ، قال له : «وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أنْ أكون أنا وأنت في درجة الشهداء» (٤).

بل لقد علم بذلك الأباعد أيضاً :

فقد أخرج ابن سعد بإسناده عن العربان بن الهيثم : «كان أبي يتبدّى فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين ، فكنّا لا نبدو إلّا وجدنا رجلاً من بني أسد هناك ، فقال له أبي : أراك ملازماً هذا المكان؟!

قال : بلغني أنّ حسيناً يقتل ها هنا ؛ فأنا أخرج لعلّي أُصادفه فأُقتل

__________________

(١) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١١ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٣ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٥

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٩٧ ح ٤٨٢٦

(٣) مناقب آل أبي طالب ٤ / ٦٠

(٤) الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٣٦

٢٤٧

معه.

فلمّا قُتل الحسين قال أبي : انطلقوا ننظر هل الأسدي في من قتل؟

فأتينا المعركة فطوّفنا ، فإذا الأسدي مقتول» (١).

وعن عبد الله بن شريك العامري : «كنت أسمع أصحاب عليٍّ ـ إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد ـ يقولون : هذا قاتل الحسين بن عليّ ، وذلك قبل أن يقتل بزمان» (٢).

بل حتّى النساء في البيوت بلغهنّ الخبر ، فمثلاً ..

لمّا عزم الإمام عليه‌السلام على الخروج من مكّة نحو العراق : «كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أنْ يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنّه إنْ لم يفعل إنّما يساق إلى مصرعه ، وتقول : أشهد لسمعت عائشة أنّها تقول : إنّها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يقتل الحسين بأرض بابل.

فلمّا قرأ كتابها قال : فلا بُدّ لي إذاً من مصرعي ؛ ومضى» (٣).

هذا بالنسبة إلى هذا الأمر باختصار ، في ضوء كتب القوم ورواياتهم ، وأمّا على أُصولنا ورواياتنا ، فللبحث طور آخر ومجال آخر.

الأمر الثالث :

لقد تواترت الأخبار من طرق الفريقين في أنّ النبيّ صلّى الله عليه

__________________

(١) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢١ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٦ ـ ٢١٧

(٢) انظر : الإرشاد ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، كشف الغمّة ٢ / ٩

(٣) البداية والنهاية ٨ / ١٣١ حوادث سنة ٦٠ ه

٢٤٨

وآله وسلّم قد أخبر بأنّ الإمام الحسين سيقتل في العراق ، ومن ذلك ما أخرجه أحمد أنّه قال : «دخل علَيَّ البيتَ ملَك لم يدخل علَيَّ قبلها فقال لي : إنّ ابنك هذا ـ يعني حسيناً ـ مقتول ؛ وإنْ شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها» (١) وقد نصّ الحافظ الهيثمي على أنّ «رجال هذا الحديث رجال الصحيح» (٢).

وأخرج الطبراني بسندٍ معتبر ، أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في يده تربة فقال : «أخبرني جبريل عليه‌السلام أنّ هذا ـ وأشار إلى الحسين ـ يُقتل بأرض العراق ، فقلت لجبريل عليه‌السلام : أرني تربة الأرض التي يُقتل بها : فهذه تربتها» (٣).

وكذلك الأخبار عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كقوله : «ليُقتلنَّ الحسين قتلاً ، وإنّي لأعرف التربة التي يُقتل فيها ، قريباً من النهرين» (٤).

قال الهيثمي : «رجاله ثقات» (٥).

وتواترت الأخبار في أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر المسلمين بنصرة الإمام عليه‌السلام ، ومن ذلك ما رواه جماعة من أكابر الحفّاظ بأسانيدهم عن أنس بن الحارث ، أنّه قال :

«سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنّ ابني هذا ـ يعني

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٦ / ٢٩٤ ، وانظر : المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ / ١٠٩ ح ٢٨١٩ و ٢٨٢٠ وج ٢٣ / ٢٨٩ ح ٦٣٧ وص ٣٢٨ ح ٧٥٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٧

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٨٧

(٣) المعجم الكبير ٣ / ١٠٩ ـ ١١٠ ح ٢٨٢١

(٤) المعجم الكبير ٣ / ١١٠ ـ ١١١ ح ٢٨٢٤

(٥) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٠

٢٤٩

الحسين ـ يُقتل بأرضٍ يقال لها : كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره» (١).

لكنّ حال الإمام عليه‌السلام حال جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام.

الأمر الرابع :

إنّه إذا كان الإمام عليه‌السلام عارفاً بوظيفته وعالماً بمصيره ، وكان المسلمون كلّهم مأمورين بنصرته ... وهو يقول في رسالته إلى بني هاشم : «من لحق بي منكم استشهد معي ، ومن تخلّف لم يبلغ ـ أو : لم يدرك ـ الفتح» (٢) ...

فما معنى نهي من نهاه عن الخروج من الحجاز؟!

وأيّ معنى لقول ابن عمر للإمام عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ، وإنّك بضعة منه ولا تعطاها ـ يعني الدنيا ـ» (٣)؟!

أكان ابن عمر جاهلاً بحقّ الإمام؟! أو كان انحيازه عن أهل البيت إلى

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٤ / ٢٢٤ ح ٣٥٤٣ ، وانظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٢ / ٣٠ رقم ١٥٨٣ ، البداية والنهاية ٨ / ١٥٩ ، أُسد الغابة ١ / ١٤٦ رقم ٢٤٦ ، الإصابة ١ / ١٢١ رقم ٢٦٦ ، الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٥ ، كنز العمّال ١٢ / ١٢٦ ح ٣٤٣١٤ ، وغيرها

(٢) بصائر الدرجات : ٥٠١ ـ ٥٠٢ ح ٥ ، كامل الزيارات : ٧٥ ب ٢٣ ح ١٥ ، وعنهما في : بحار الأنوار ٤٥ / ٨٤ ـ ٨٥ ح ١٣ وص ٨٧ ح ٢٣

(٣) انظر : أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٥ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٢٠٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٦ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦٠٨

٢٥٠

هذه الدرجة من البعد والانحراف؟!

أمّا ابن عبّاس ، فقد قال له الإمام أوّلاً : «إنّك شيخ قد كبرت» ، ثمّ قال : «لأنْ أُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ أن تستحلّ بي ـ يعني مكّة ـ» (١) فاستسلم ابن عبّاس وسكت.

وسنذكر كلمات أُخرى للإمام عليه‌السلام قالها لدى خروجه من مكّة نحو العراق.

هذا ، وسيقع بحثنا في فصول :

__________________

(١) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٨ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٢١١ ، بغيةالطلب ٦ / ٢٦١١

٢٥١
٢٥٢

الفصل الأول :

في الكتب والرسل

٢٥٣
٢٥٤

قال ابن كثير (١) :

«قالوا : لمّا بايع الناس معاوية ليزيد ، كان حسين ممّن لم يبايع له ، وكان أهل الكوفة يكتبون إليه ، يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية ، كلّ ذلك يأبى عليهم ، فقدم منهم قوم ...».

يفيد هذا الخبر :

١ ـ إنّ المكاتبة كانت في زمان حكومة معاوية.

٢ ـ وكانت لمّا بايع الناس معاوية ليزيد ، والإمام ممّن لم يبايع ..

٣ ـ ولم تكن مرّةً واحدة ، بل كانوا «يكتبون» إليه (٢) ...

٤ ـ ولم يكتفوا بالكتابة ، بل أرسلوا من قبلهم قوماً إلى المدينة ليرضوه عليه‌السلام بالخروج إليهم ..

٥ ـ ووسّطوا محمّد بن الحنفيّة أيضاً ..

فماذا قال الإمام عليه‌السلام؟

قال : «إنّ القوم إنّما يريدون أن يأكلوا بنا ، ويستطيلوا بنا ،

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٢٩ ، وقد تقدّم في الصفحة ١٥٥

(٢) انظر كذلك : أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٧ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢١ و ١٢٧

٢٥٥

ويستنبطوا دماء الناس ودماءنا» (١).

وماذا كتب إليهم؟

كتب إليهم : «فالصقوا بالأرض ، وأخفوا الشخص ، واكتموا الهوى واحترسوا ... ما دام ابن هند حيّاً ...» (٢).

كتب أهل الكوفة إلى مكّة

قال الشيخ المفيد :

«وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد ، وعرفوا خبر الحسين عليه‌السلام وامتناعه من بيعته ، وما كان من ابن الزبير في ذلك ، وخروجهما إلى مكّة ، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صُرَد ، فذكروا هلاك معاوية ، فحمدوا الله عليه ، فقال سليمان : إنّ معاوية قد هلك ، وإنّ حسيناً قد تقبَّضَ (٣) على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكّة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوِّه فأعلموه ، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه.

قالوا : لا ، بل نقاتل عدوّه ، ونقتل أنفسنا دونه.

قال : فكتبوا :

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٢٩ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٢ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦٠٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٤

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٣ / ٣٦٦ ، الأخبار الطوال : ٢٢٢

(٣) تقبَّضَ : زَواه ، وقَبَّضْتُ الشيءَ تقبيضاً : جَمَعْتُه وزَوَيْتُه ؛ انظر مادّة «قبض» في : لسان العرب ١١ / ١٣ ، تاج العروس ١٠ / ١٣٤

٢٥٦

بسم الله الرحمن الرحيم

للحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، من : سليمان بن صُرد ، والمسيّب ابن نجبة ، ورفاعة بن شدّاد ، وحبيب بن مظاهر ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة ..

سلامٌ عليك ، فإنّا نحمد إليك الله الّذي لا إله إلّاهو.

أمّا بعدُ ، فالحمد لله الذي قصمَ عدوَّكَ الجبّار العنيد ، الذي انتزى على هذه الأُمّة فابتزَّها أمرها ، وغصبها فيئَها ، وتأمّر عليها بغير رضىً منها ، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولةً بين جبابرتها وأغنيائها ، فبُعداً له كما بعدت ثمود.

إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ.

والنعمان بن بشير في قصر الإمارة ، لسنا نُجمِّعُ معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نُلحقه بالشام إن شاء الله.

ثمّ سرّحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمدانيّ وعبد الله بن وال ، وأمروهما بالنجاء ، فخرجا مسرعَين ، حتّى قدما على الحسين عليه‌السلام بمكّة ، لعشرٍ مضينَ من شهر رمضان.

ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب ، وأنفذوا قيسَ بن مسهرٍ الصيداويّ وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبيّ وعمارة بن عبدٍ السلوليّ إلى الحسين عليه‌السلام ، ومعهم نحوٌ من مئةٍ وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة.

ثمّ لبثوا يومين آخرين ، وسرّحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعيّ وسعيد

٢٥٧

ابن عبد الله الحنفيّ ، وكتبوا إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

للحسين بن عليّ من شيعته من المؤمنين والمسلمين.

أمّا بعد ، فحيَّ هلا ، فإنّ الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثمّ العجل العجل ؛ والسلام.

وكتب شبث بن ربعيّ وحجّارُ بن أبجرَ ويزيدُ بن الحارث بن رُوَيْمٍ وعروةُ بن قيسٍ (١) وعمرو بن الحجّاج الزبيديّ ومحمّد بن عمرو التميمي (٢) :

أمّا بعد ، فقد اخضرَّ الجَناب ، وأينعت الثمار ، فإذا شئتَ فأقدمْ على جُندٍ لك مجنَّدٍ ؛ والسلام.

وتلاقت الرُسُلُ كلّها عنده ، فقرأ الكتب وسأل الرُسُلَ عن الناسِ ، ثمّ كتبَ مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله ، وكانا آخر الرُّسُلِ :

بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين.

__________________

(١) كذا في المصدر ، والصحيح : عزرة بن قيس اليحمدي الأزدي البصري ، وقيل : الأحمسي البجلي.

انظر : الجرح والتعديل ٧ / ٢١ رقم ١٠٩ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٨٣ رقم ٥٦٢٢ ، لسان الميزان ٤ / ١٦٦ رقم ٤٠٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٨ ، البداية والنهاية ٨ / ١٤٢ و ١٤٣

(٢) كذا في المصدر ، والصحيح : محمّد بن عمير التميمي ، كان له شرف وقدر بالكوفة ، وولي أذربيجان.

انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٨ ، جمهرة أنساب العرب : ٢٣٢ و ٢٣٣ ، لسان الميزان ٥ / ٣٣٠ رقم ١٠٩٤

٢٥٨

أمّا بعد ، فإنّ هانئاً وسعيداً قَدما علَيَّ بكتبكم ، وكانا آخرَ من قدم علَيَّ من رسلكم ، وقد فهمت كلَّ الذي اقتصصتم وذكرتم ؛ ومقالة جُلّكم : أنّه ليسَ علينا إمامٌ فأقبلْ لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقِّ.

وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي ، فإن كتب إليَّ أنّه قد اجتمع رأيُ مَلَئِكم وذوى الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمتْ به رُسُلُكم وقرأتُ في كتبكم ، أقدِم عليكم وشيكاً إن شاءَ اللهُ. فلعمري ما الإمام إلّاالحاكم بالكتاب ، القائمُ بالقسطِ ، الدائنُ بدين الحقِّ ، الحابسُ نفسه على ذات الله ؛ والسلام» (١).

__________________

(١) الإرشاد ٢ / ٣٦ ـ ٣٩.

وانظر عن كتاب الإمام عليه‌السلام إلى أهل الكوفة وما قاله لمسلم ممّا يدلّ على عدم وثوقه بأهل الكوفة : أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، المنتظم ٤ / ١٤٢ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، الأخبار الطوال : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، مقاتل الطالبيّين : ٩٩ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٨٧ ، الإصابة ٢ / ٧٨ ، الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٣٥ ـ ٣٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٦ ـ ٢٧ ، مروج الذهب ٣ / ٥٤ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٤

٢٥٩
٢٦٠