من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

قال الذهبي : وكان النعمان بن بشير منقطعاً إلى معاوية.

وإنّه لمّا عُزل عن الكوفة ورجع إلى الشام ولي قضاء دمشق ، ثمّ ولي إمرة حمص مدّةً (١) ....

وكان النعمانُ أحدَ رسلِ يزيدَ إلى ابن الزبير (٢).

وكان الرجل ـ كأبيه ـ من رجالات حركة النفاق (٣) ...

ومن كلّ ذلك نفهم :

أوّلاً : إنّ لنصبه على الكوفة من قبل معاوية قبيل وفاته سرّاً ...

وثانياً : إنّ يزيد أقرّه عليها.

وثالثاً : إنّ يزيد لم يغضب عليه لتهاونه ـ بحسب الظاهر ـ أمام تحرّكات مسلم بن عقيل وأصحابه ، بل ولّاه الولايات ، وكان من المقرّبين عنده حتّى اليوم الأخير.

ورابعاً : إنّ دوره ومنزلته ومسؤوليّته كانت بحيث إنّه لم يُعْنِ باعتراضات عيون بني أُميّة وشيعة يزيد في الكوفة ... لكنّهم كانوا لا يعلمون بالخطّة.

__________________

(١) انظر : تاريخ دمشق ٦٢ / ١١١ رقم ٧٨٩٧ ، أخبار القضاة ـ لوكيع ـ ٣ / ٢٠١ ، الإصابة ٦ / ٤٤٠ رقم ٨٧٣٤ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٧٦ رقم ٢٧٥٧ ، الاستيعاب ٤ / ١٤٩٨ و ١٤٩٩ رقم ٢٦١٤

(٢) الأخبار الطوال : ٢٦٣

(٣) فقد تقلّد هو المناصب الخطيرة لبني أُميّة.

أمّا أبوه فقد كان أحد رجالات أحداث السقيفة ؛ انظر : المنتظم ٣ / ١٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٩٤ ، البداية والنهاية ٥ / ١٨٨

١٨١

استشهاد مسلم وهاني بن عروة

ثمّ إنّ ابن زياد تمكّن من إلقاء القبض على هاني بن عروة ثمّ مسلم ابن عقيل ، فاستشهدا على يديه ، على التفصيل المذكور في كتب التاريخ (١).

ولمّا بلغ الإمام عليه‌السلام خبر مسلم وهاني ـ وهو في الطريق ـ ارتجّ الموضع بالبكاء والنياحة والعويل ، قالوا : وتفرّق الناس عنه فلم يبق معه إلّاقليل (٢).

فنظر عليه‌السلام إلى بني عقيل وقال : ما ترون ، فقد قتل مسلم؟

قالوا : والله ما نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق.

فقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء (٣).

وكتب ابن زياد بذلك إلى يزيد :

«أمّا بعد ، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه ، وكفاه مؤونة عدوّه ، أُخبِر أميرَ المؤمنين أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المراديّ ، وأنّي جعلت عليهما العيون ودسستُ إليهما الرجال وكدتهما حتّى استخرجتهما ، وأمكن الله منهما ، فقدّمتهما وضربتُ أعناقهما.

__________________

(١) انظر : جمهرة أنساب العرب : ٤٠٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٧٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٨٩ و ٣٩١ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٣ ، مروج الذهب ٣ / ٥٩ ـ ٦٠

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٣ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦٢٢ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٥ ، الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٧١ ، مثير الأحزان : ٤٥ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٤

(٣) انظر : مروج الذهب ٣ / ٦١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٣ ، مثير الأحزان : ٤٥

١٨٢

وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة والزبير بن الأروح التميمي ، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة ، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمرهما ، فإنّ عندهما علماً وصدقاً وورعاً ، والسلام.

فكتبَ إليه يزيد :

أمّا بعد ، فإنّك لم تَعْدُ أن كنت كما أُحبّ ، عملت عمل الحازم ، وصُلْتَ صولة الشجاع الرابط الجأشِ ، وقد أغنيت وكفيت وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوتُ رسولَيْك فسألتهما وناجيتهما ، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوصِ بهما خيراً.

وإنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد توجّه إلى العراق ، فضع المناظر والمسالح واحترسْ ، واحبس على الظنّة ، واقتُل على التهمة ، واكتب إليّ في ما يحدث من خبرٍ إن شاء الله» (١).

كتاب عمرو بالأمان

قالوا : ولمّا خرج الإمام عليه‌السلام من مكّة كتب عمرو بن سعيد مع أخيه يحيى في جندٍ أرسلهم إليه : «إنّي أسأل الله أن يلهمك رشدك ، وأن يصرفك عمّا يرديك ، بلغني أنّك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق ،

__________________

(١) الإرشاد ـ للشيخ المفيد ـ ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٣ ، الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٦٩ ـ ٧٠ ، الأخبار الطوال : ٢٤٢ ، وقعة الطفّ : ٧٧ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ف ١٠ ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب ـ ٤ / ١٠٢ ، بحار الأنوار ٤٤ / ٣٥٩ ب ٣٧ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٣٤ رقم ١٣٧٤ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، تاريخ الإسلام ٢ / ٢٧٠ ، مروج الذهب ٣ / ٦٠ ، المنتظم ٤ / ١٤٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٨ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٦

١٨٣

فإنّي أُعيذك بالله من الشقاق ، فإنْ كنت خائفاً فأقبل إليَّ ، فلك عندي الأمان والبرّ والصلة» (١).

أقول :

فهو لم يتعرّض للإمام بسوء ، بل كتب إليه يعطيه الأمان ويعده البرّ والصلة والإحسان!!

ثمّ إنّ يحيى ومن معه حاولوا الحيلولة دون خروجه ، وتدافع الفريقان ، وبلغ ذلك عمرو بن سعيد ، فأرسل إليهم يأمرهم بالانصراف (٢).

ولكنّ عمرو بن سعيد الأشدق قد كتب في الحال إلى عبيد الله بن زياد :

«أمّا بعد ، فقد توجّه إليك الحسين ، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترقّ كما تسترقّ العبيد» (٣).

أقول :

فانظر ما معنى ذلك؟!

هذا ، وقد جاء في بعض التواريخ أنّه قد خرج من مكّة مع الإمام

__________________

(١) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٦ رقم ١٣٧٤ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٢ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١٠ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٩١ رقم ١٣٠٥ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣١ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٤١

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٥ ، الأخبار الطوال : ٢٤٤ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠١

(٣) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٩ رقم ١٣٧٤ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٢ رقم ١٥٦٦

١٨٤

عليه‌السلام نحو العراق ستّون شيخاً من أهل الكوفة (١).

لكنْ مَن كان هؤلاء؟ وهل بقوا معه؟ وماذا كان مصيرهم؟

وكتب ابن عبّاس ليزيد : «وما أنس من الأشياء ، فلستُ بناسٍ اطّرادك الحسين بن عليّ من حرم رسول الله إلى حرم الله ، ودسّك إليه الرجال تغتاله ، فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة» (٢).

ثمّ إنّه عليه‌السلام ما زال يخبر من معه بمقتله ، وإنّ من يبقى معه منهم فإنّهم سيقتلون.

فتارةً يشبّه نفسه بيحيى بن زكريّا ويقول : «إنّ من هوان الدنيا على الله تعالى أنّ رأس يحيى بن زكريّا أُهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل» (٣).

وأُخرى : يخبرهم عن رؤيا رآها ، فقال : «قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسير بكم إلى الجنّة ؛ فقال له ابنه عليّ : يا أبة! أفلسنا على الحقّ؟! فقال : بلى يا بنيّ والذي إليه مرجع العباد. فقال له : يا أبة! إذاً لا نبالي بالموت» (٤).

ومرّةً أُخرى أخبرهم بذلك ، «قالوا : وما ذاك يا أبا عبد الله؟! ... قال : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها علَيَّ كلب أبقع» (٥).

وثالثةً : لمّا اعتذر بعض الناس من نصرته قال : «... فإنّه من سمع

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٢ رقم ١٥٦٦

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٣

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٠٢

(٤) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣١ ـ ١٣٢

(٥) كامل الزيارات : ٧٥ ب ٢٣ ح ١٤

١٨٥

واعيتنا ، أو رأى سوادنا ، فلم يجب واعيتنا ، كان حقّاً على الله أن يكبّه على منخريه في نار جهنّم» (١).

وجاء في كلام الإمام عند وصوله إلى كربلاء : «اللهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله ، قد أُخرجنا وأُزعجنا وطُردنا عن حرم جدّنا ...» (٢).

وقال عليه‌السلام : «ها هنا والله محطّ ركابنا وسفك دمائنا ، ها هنا مخطّ قبورنا ، وها هنا والله سبي حريمنا ، بهذا حدّثني جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٣).

__________________

(١) انظر : رجال الكشّي ١ / ٣٣١ رقم ١٨١ ترجمة عمرو بن قيس المشرقي

(٢) مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣٣٧ ف ١١

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٩ ، الأخبار الطوال : ٢٥٣

١٨٦

الحلقة الثانية

دور يزيد

والحزب الأُموي في الكوفة

في بابين :

١٨٧
١٨٨

البابُ الأوّل :

دور يزيد بن معاوية

في فصول :

١٨٩
١٩٠

الفصل الأوّل :

في أنّ يزيد أمر بقتل الإمام عليه‌السلام

١٩١
١٩٢

قال ابن حجر الهيتمي المكّي ، في كلامٍ له عن يزيد :

«قال أحمد بن حنبل بكفره ، وناهيك به ورعاً وعلماً بأنّه لم يقل ذلك إلّالقضايا وقعت منه صريحة في ذلك ثبتت عنده ...» (١).

نعم ... وقعت منه قضايا ثابتة توجب الحكم بكفره ...

لقد ثبت أمره بقتل الإمام السبط الشهيد عليه‌السلام ، والأدلّة المثبتة لذلك كثيرة ، سنذكرها بشيء من التفصيل ، وسيرى القارئ خلال أخبار ذلك طرفاً من القضايا المثبتة لكفره ...

وهذا بعض تلك الأدلّة على ضوء ما ورد في الكتب الأصليّة المعتمدة :

١ ـ كتاب يزيد إلى الوليد والي المدينة

فلقد جاء في غير واحدٍ من التواريخ أنّ يزيد قد أمر الوليد بن عتبة

__________________

(١) المنح المكّيّة ـ شرح القصيدة الهمزية ـ : ٢٧١.

وقد ذكر ابن الجوزي وسبطه وابن حجر أنّ أحمد بن حنبل ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة ؛ انظر : الردّ على المتعصّب العنيد : ١٣ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥٧ ، الصواعق المحرقة : ٣٣٢ ـ ٣٣٣

١٩٣

ابن أبي سفيان ـ وهو على المدينة ـ بقتل الإمام إنْ هو لم يبايع :

قال اليعقوبي ، المتوفّى سنة ٢٩٢ :

«وملك يزيد بن معاوية ... وكان غائباً ، فلمّا قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وهو عامل المدينة ـ :

إذا أتاك كتابي هذا ، فأحضر الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة لي ، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليَّ برؤوسهما ، وخذ الناس بالبيعة ، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم وفي الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير ؛ والسلام» (١).

وقال الطبري ، المتوفّى سنة ٣١٠ :

«ولم يكن ليزيد همّة حين وليَ إلّابيعة النفر الّذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد ، حين دعا الناس إلى بيعته وأنّه وليّ عهده بعده ، والفراغ من أمرهم ، فكتب إلى الوليد :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة ، أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبداً من عباد الله ، أكرمه الله واستخلفه وخوّله ومكّن له ، فعاش بقدر ومات بأجل ، فرحمه‌الله ، فقد عاش محموداً ومات برّاً تقيّاً ؛ والسلام».

وكتب إليه في صحيفة كأنّها أُذن فأرة :

«أمّا بعد ، فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا ؛ والسلام» (٢).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٤

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٦٩

١٩٤

وقال ابن أعثم الكوفي ، المتوفّى حدود سنة ٣١٤ :

«ذكر الكتاب إلى أهل البيعة بأخذ البيعة :

من عبد الله يزيد بن معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة ؛ أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبداً لله من عباده ، أكرمه الله واستخلفه وخوّله ومكّن له ، ثمّ قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته وغفرانه ... وقد كان عهد إليّ عهداً وجعلني له خليفةً من بعده ، وأوصاني أنْ آخذ آل أبي ترابٍ بآل أبي سفيان ؛ لأنّهم أنصار الحقّ وطلّاب العدل ...».

ثمّ كتب إليه في صحيفة صغيرة كأنّها أُذن فأرة :

«أمّا بعد ، فخذ الحسين بن عليّ وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطّاب أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه» (١).

وقال الخوارزمي ، المتوفّى سنة ٥٦٨ :

«كتب إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد ابن عتبة ؛ أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبداً من عبيد الله ، أكرمه واستخلفه ومكّن له ... وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم على سفك الدماء ، وقد علمت ـ يا وليد ـ أنّ الله تعالى منتقم للمظلوم عثمان بن عفّان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان ؛ لأنّهم أنصار الحقّ وطلّاب العدل ...».

ثمّ كتب صحيفة صغيرة كأنّها أُذن فأرة :

«أمّا بعد ، فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٩

١٩٥

بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه ؛ والسلام» (١).

وقال ابن الجوزي ، المتوفّى سنة ٥٩٧ :

«فلمّا مات معاوية كان يزيد غائباً فقدم فبويع له ، فكتب إلى الوليد ابن عتبة ـ واليه على المدينة ـ :

خذ حسيناً وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بالبيعة أخذاً شديداً ، ليست فيه رخصة ، حتّى يبايعوا» (٢).

هذا ما نقله هؤلاء ...

لكنّ ابن سعد ، المتوفّى سنة ٢٣٠ ..

يروي ـ في ترجمة الإمام عليه‌السلام من طبقاته ـ أنّه «لمّا حُضِرَ معاوية ، دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به ، وقال : أُنظر حسين بن عليّ ابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنّه أحبّ الناس إلى الناس ، فصِل رحمه وارفق به ، يصلح لك أمره ، فإنْ يك منه شيء فإنّي أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.

وتوفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستّين ، وبايع الناس ليزيد.

فكتب يزيد ـ مع عبد الله بن عمرو بن أُويس العامري ، عامر بن لؤي ـ إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة ، أنِ ادعُ الناس فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ ، فإنّ أمير المؤمنين عهد إليّ في أمره بالرفق به واستصلاحه» (٣).

__________________

(١) مقتل الحسين ١ / ٢٦٢ ف ٩ ح ٦

(٢) الردّ على المتعصّب العنيد : ٣٤

(٣) الطبقات الكبرى ٦ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤ رقم ١٣٧٤

١٩٦

والبلاذري ، لم يرو نصّ الكتاب ..

وإنّما قال : «كتب يزيد إلى عامله الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في أخذ البيعة على الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ، فدافع الحسين بالبيعة ، ثمّ شخصَ إلى مكّة» (١).

وقال ابن عساكر ، عن ابن سعد :

«فكتب يزيد ـ مع عبد الله بن عمرو ... ـ أنِ ادعُ الناس فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، فإنّ أمير المؤمنين ـ رحمه‌الله ـ عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه» (٢).

وكذا روى الحافظ أبو الحجّاج المزّي ، قال :

«فكتب يزيد ـ مع عبد الله بن عمرو بن أُويس العامري ... أنِ ادعُ الناس فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ ، فإنّ أمير المؤمنين ـ رحمه‌الله ـ عهد إليّ في أمره بالرفق به واستصلاحه» (٣).

وقال ابن الأثير الجزري :

«ولم يكن ليزيد همّة حين وليَ إلّابيعة النفر الّذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعته ، فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية وكتاباً آخر صغيراً فيه :

__________________

(١) أنساب الأشراف ٣ / ٣٦٨

(٢) تاريخ دمشق ١٤ / ٢٠٦ رقم ١٥٦٦ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٤ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٣٨ رقم ١٢٦

(٣) تهذيب الكمال ٤ / ٤٨٨ رقم ١٣٠٥

١٩٧

أمّا بعد ، فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا ؛ والسلام» (١).

وقال الذهبي :

«قالوا : ولمّا حُضِرَ معاوية دعا يزيد فأوصاه ، وقال : انظر حسيناً فإنّه أحبّ الناس إلى الناس ، فصِل رحمه وارفق به ، فإنْ يك منه شيء فسيكفيك الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.

ومات معاوية في نصف رجب ، وبايع الناس يزيد ، فكتب إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، أنِ ادعُ الناس وبايعهم ، وابدأ بالوجوه ، وارفق بالحسين ، فبعث إلى الحسين وابن الزبير في الليل ودعاهما إلى بيعة يزيد ، فقالا : نصبح وننظر في ما يعمل الناس ؛ ووثبا فخرجا.

وقد كان الوليد أغلظ للحسين ، فشتمه حسين وأخذ بعمامته فنزعها ، فقال الوليد : إنْ هجنا بهذا إلّاأسداً ؛ فقال له مروان أو غيره : أُقتله! قال : إنّ ذاك لدم مصون» (٢).

فهؤلاء لا يروون لا القتل ولا استعمال الشدّة ، بل بالعكس ، ينقلون الرفق بالإمام ...

وأبو الفداء ..

لا يروي شيئاً ، لا القتل ، ولا الشدّة ، ولا الرفق ... وإنّما جاء في تاريخه :

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٣٧٧ حوادث سنة ٦٠ ه‍ ، وانظر : البداية والنهاية ٨ / ١١٨

(٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٥ رقم ٤٨

١٩٨

«أرسل إلى عامله بالمدينة بإلزام الحسين وعبد الله بن الزبير وابن عمر بالبيعة» (١).

وفي روايةٍ أُخرى لابن عساكر عمّن حمل كتاب يزيد إلى الوليد :

«فلمّا قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية واستخلافه ، جزع من موت معاوية جزعاً شديداً ، فجعل يقوم على رجليه ثمّ يرمي بنفسه على فراشه ؛ ثمّ بعث إلى مروان ، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة مورّدة ، فنعى له معاوية وأخبره بما كتب إليه يزيد ، فترحّم مروان على معاوية وقال : ابعث إلى هؤلاء الرهط الساعة ، فادعهم إلى البيعة ، فإنْ بايعوا وإلّا فاضرب أعناقهم.

قال : سبحان الله! أقتل الحسين بن عليّ وابن الزبير؟!

قال : هو ما أقول لك» (٢).

أقول :

فلماذا هذا الاختلاف والاضطراب في نقل كتاب يزيد إلى الوليد؟!

ثمّ إنّ يزيد بن معاوية عزل الوليد عن المدينة لمّا بلغه أنّ الإمام عليه‌السلام وابن الزبير غادراها ولم يبايعا ...

قال ابن كثير : «عزل يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة عن إمرة المدينة لتفريطه» (٣).

__________________

(١) المختصر في أخبار البشر ١ / ١٨٩

(٢) انظر : تاريخ دمشق ١٩ / ١٧ رقم ٢٢٥٣ ، مختصر تاريخ دمشق ٩ / ٣٨ رقم ١٠ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٧٧ حوادث سنة ٦٠ ه

(٣) البداية والنهاية ٨ / ١١٩ حوادث سنة ٦٠ ه

١٩٩

وقال ابن خلدون : «لمّا بلغ الخبر إلى يزيد ـ بصنيع الوليد بن عتبة في أمر هؤلاء النفر ـ عزله عن المدينة ، واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق» (١).

وكيف كان ... فالنقل ـ في نصِّ كتابه إلى الوليد ـ مختلفٌ ... والذي أظنّه أن صنيع الوليد مع الإمام عليه‌السلام كان ضمن الخطّة المرسومة من معاوية كما تقدّم سابقاً ... نعم ، قد فرّط الوليد في أمر ابن الزبير ؛ والله العالم.

٢ ـ كتاب يزيد إلى ابن زياد

أمّا أنّ يزيد أمر عبيد الله بن مرجانة بقتل الإمام عليه‌السلام ، فقد جاء في تاريخ اليعقوبي ، فقد قال :

«وأقبل الحسين من مكّة يريد العراق ، وكان يزيد قد ولّى عبيد الله ابن زياد العراق ، وكتب إليه : قد بلغني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم ، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم ، وقد بُلي به بلدك من بين البلدان ، وأيّامك من بين الأيّام ، فإنْ قتلته وإلّا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد ، فاحذر أنْ يفوتك» (٢).

ورواه البلاذري :

«بلغني مسير حسين إلى الكوفة ، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وابتليت به من بين العمّال ، وعندها تعتق

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٥

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٥

٢٠٠