من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

ونتعرّض في ما يلي لأهمّ الوقائع التي مرّ بها الإمام عليه‌السلام في طريقه من مكّة إلى العراق ، كما ذكرها الرواة والمؤرّخون :

أخذه العِير في التنعيم

قالوا : خرج الإمام عليه‌السلام من مكّة يوم التروية ، وسار هو وأصحابه فمرّوا بالتنعيم ، فرأى بها عِيراً قد أقبلت من اليمن بعث بها بَحير ابن رَيْسان من اليمن إلى يزيد بن معاوية ، وكان عامله على اليمن ، وعلى العِير الوَرْس والحُلل ، فأخذها الحسين وقال لأصحاب الإبل : مَنْ أحبّ منكم أن يمضي معنا إلى العراق أَوْفَينا كِراءه وأحسنّا صُحْبته ، ومَنْ أحبّ أن يفارقنا من مكاننا أعطيناه نصيبه من الكِراء ؛ فمَن فارق منهم أعطاه حقّه ، ومن سار معه أعطاه كراءه وكساه (١).

الإمام والفرزدق في الصفاح

ثمّ سار ، فلمّا انتهى إلى الصفاح .. قال ابن الأثير : لقيه الفرزدق الشاعر فقال له : أعطاك اللهُ سُؤلك وأملك في ما تحبّ.

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠١

٢٨١

فقال له الحسين : بيّن لي خبر الناس خلفك.

قال : الخبيرَ سألتَ ، قلوبُ الناس معك ، وسيوفهم مع بني أُميّة ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء.

فقال الحسين : صدقتَ ، لله الأمرُ ، يفعل ما يشاء ، وكلّ يوم ربّنا في شأن ، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتدِ مَنْ كان الحقّ نيّته ، والتقوى سريرته (١).

وصول كتاب عبد الله بن جعفر

وذكروا وصول كتاب عبد الله بن جعفر إلى الإمام عليه‌السلام ؛ فروى الطبري عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، قال :

لمّا خرجنا من مكّة ، كتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إلى الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمّد :

أمّا بعد ، فإنّي أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي ، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنّك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسير فإنّي في أثر الكتاب ؛ والسلام.

قال : وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه ، وقال : اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان ، وتمنّيه فيه البرّ والصلة ، وتوثّق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ، لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠١ ـ ٤٠٢

٢٨٢

فقال عمرو بن سعيد : اكتب ما شئت وائتني به حتّى أختمه.

فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب ، ثمّ أتى به عمرو بن سعيد فقال له : اختمه وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ، فإنّه أحرى أن تطمئنّ نفسه إليه ، ويعلم أنّه الجدّ منك ؛ ففعل ، وكان عمرو بن سعيد عاملَ يزيد ابن معاوية على مكّة.

قال : فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر ، ثمّ انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب ، فقالا : أَقْرَأْنَاه الكتابَ ، وجهدنا به ، وكان ممّا اعتذر به إلينا أن قال : إنّي رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأُمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له ، علَيَّ كان أَوْ لي.

فقالا له : فما تلك الرؤيا؟

قال : ما حدّثت أحداً بها ، وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي (١).

قال : وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ :

بسم الله الرحمن الرحيم

من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ.

أمّا بعد ، فإنّي أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك ، وأن يهديك لِما يرشدك.

بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق ، وإنّي أُعيذك بالله من الشقاق ، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى ابن سعيد ، فأقبل إليّ معهما ، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار لك ، الله علَيَّ بذلك شهيد وكفيلٌ ، ومُراع ووكيل ، والسلام عليك.

__________________

(١) أورده ابن كثير ـ كذلك ـ في البداية والنهاية ٨ / ١٣٤

٢٨٣

قال : وكتب إليه الحسين :

أمّا بعد ، فإنّه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عزوجل وعمل صالحاً وقال إنّني من المسلمين ، وقد دعوت إلى الأمان والبرّ والصلة ، فخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافةً في الدنيا توجب لنا أمانَه يوم القيامة ، فإن كنت نوبت بالكتاب صلتي وبرّي ، فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة ؛ والسلام» (١).

وقال الخوارزمي : «لقيه رجلٌ من بني أسد يقال له : بشر بن غالب ، فقال له الحسين : ممّن الرجل؟

قال : من بني أسد.

قال : فمن أين أقبلت؟

قال : من العراق.

قال : فكيف خلّفت أهل العراق؟

فقال : يا ابن رسول الله! خلّفت القلوب معك ، والسيوف مع بني أُميّة.

فقال له الحسين : صدقت يا أخا بني أسد ، إنّ الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

قال له الأسدي : يا ابن رسول الله! أخبرني عن قول الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (٢)؟

فقال له الحسين عليه‌السلام : نعم يا أخا بني أسد ، هما إمامان : إمام

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٢

(٢) سورة الإسراء ١٧ : ٧١

٢٨٤

هدىً دعا إلى هدىً ، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة ، فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنّة ، وهذا ومن أجابه إلى الضلالة في النار» (١).

كتاب الإمام إلى الكوفة من الحاجر

قال ابن الأثير :

فلمّا بلغ الحسين الحاجر ، كتب إلى أهل الكوفة مع قيس بن مُسْهِر الصيداوي يعرّفهم قدومَه ، ويأمرهم بالجدّ في أمرهم ، فلمّا انتهى قيسٌ إلى القادسية أخذه الحصين فبعث به إلى ابن زياد ، فقال له ابن زياد : اصعد القصر فسبّ الكذّابَ ابنَ الكذّاب الحسين بن عليّ!

فصعد قيسٌ فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ هذا الحسين بن عليّ خيرُ خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنا رسوله إليكم ، وقد فارقتُه بالحاجر ، فأجيبوه ؛ ثمّ لعن ابنَ زياد وأباه ، واستغفر لعليّ.

فأمر به ابن زياد فرُمي من أعلى القصر ، فتقطّع فمات (٢).

وقال الشيخ المفيد :

«بعث قيس بن مسهر الصيداوي ـ ويقال : بل بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر ـ إلى الكوفة ، ولم يكن عليه‌السلام علم بخبر مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما ، وكتب معه إليهم :

بسم الله الرحمن الرحيم ؛ من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من

__________________

(١) مقتل الحسين ١ / ٣١٨

(٢) انظر : الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٢

٢٨٥

المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم ، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو ، أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم ، وجِدّوا ، فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ، وكتب إليه أهل الكوفة أنّ لك ها هنا مئة ألف سيف ولا تتأخّر ، فأقبل قيس بن مسهر إلى الكوفة بكتاب الحسين عليه‌السلام ، حتّى إذا انتهى إلى القادسية ، أخذه الحُصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد ، فقال له عبيد الله : اصعد فسبّ الكذّاب الحسين بن عليّ!

فصعد قيس فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس! إنّ هذا الحسين بن عليّ خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله ، وأنا رسوله إليكم ، فأجيبوه! ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، واستغفر لعليّ بن أبي طالب وصلّى عليه.

فأمر عبيد الله أن يرمى به من فوق القصر ، فرموا به فتقطّع.

وروي أنّه وقع إلى الأرض مكتوفاً فتكسّرت عظامه وبقي به رمق ، فجاء رجل يقال له : عبد الملك بن عمير اللخمي ، فذبحه ، فقيل له في ذلك وعِيب عليه ، فقال : أردت أن أُريحه» (١).

__________________

(١) الإرشاد ٢ / ٧٠ ـ ٧١

٢٨٦

قال السيّد ابن طاووس :

«وكتب الحسين عليه‌السلام كتاباً إلى سليمان بن صرد والمسيّب ابن نجبة ورفاعة بن شدّاد وجماعة من الشيعة بالكوفة ، وبعث به مع قيس ابن مسهر الصيداوي ، فلمّا قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيد الله بن زياد ليفتّشه ، فأخرج قيس الكتاب ومزّقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد ، فلمّا مثل بين يديه قال له : من أنت؟

قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وابنه عليهما‌السلام.

قال : فلماذا مزّقت الكتاب؟!

قال : لئلّا تعلم ما فيه.

قال : ممّن الكتاب؟! وإلى من؟!

قال : من الحسين بن عليّ عليهما‌السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.

فغضب ابن زياد ، وقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين وأباه وأخاه ، وإلّا قطّعتك إرباً إرباً.

فقال قيس : أمّا القوم فلا أُخبرك بأسمائهم ، وأمّا لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل.

فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكثر من الترحّم على عليّ ووُلده صلوات الله عليهم ، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أُميّة عن آخرهم ، ثمّ قال :

أيّها الناس! أنا رسول الحسين بن عليّ عليهما‌السلام إليكم ، وقد

٢٨٧

خلّفته بموضع كذا وكذا ، فأجيبوه!

فأُخبر ابن زياد بذلك ، فأمر بإلقائه من أعلى القصر ، فأُلقي من هناك فمات رحمه‌الله.

فبلغ الحسين عليه‌السلام موته فاستعبر باكياً ، ثمّ قال : اللهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك ، إنّك على كلّ شيء قدير» (١).

بين الإمام وعبد الله بن مطيع في ماءٍ

قال ابن الأثير :

«ثمّ أقبل الحسين يسير نحو الكوفة ، فانتهى إلى ماء من مياه العرب ، فإذا عليه عبدُ الله بن مُطيع ، فلمّا رآه قام إليه فقال : بأبي وأُمّي يا ابنَ رسول الله! ما أقدمك؟!

فاحتمله فأنزله ، فأخبره الحسينُ ، فقال له عبد الله : أُذكِّرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الإسلام أن تُنْتهك ، أنشدك الله في حرمة قُريش ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبتَ ما في أيدي بني أُميّة ليقتلُنّك ، ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحداً أبداً ، والله إنّها لحرمة الإسلام [تُنْتَهك] وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ، ولا تأتِ الكوفة ، ولا تُعرّض نفسك لبني أُميّة!

فأبى إلّاأن يمضي» (٢).

__________________

(١) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٥ ـ ١٣٦

(٢) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، الإرشاد ٢ / ٧١ ـ ٧٢

٢٨٨

ما سمعته زينب بنت عليّ في الخزيميّة

قال الخوارزمي :

«لمّا نزل الحسين عليه‌السلام بالخزيميّة ، أقام بها يوماً وليلة ، فلمّا أصبح جاءت إليه أُخته زينب بنت عليّ فقالت له : يا أخي! ألا أُخبرك بشيء سمعته البارحة؟

فقال لها : وما ذاك يا أُختاه؟

فقالت : إنّي خرجت البارحة في بعض الليل لقضاء حاجة ، فسمعت هاتفاً يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهدِ

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلى إنجاز وعدِ

فقال لها الحسين : يا أُختاه! كلُّ ما قضي فهو كائن» (١).

بين الإمام وزهير بن القين في زرود

قال الطبري : «فأقبل الحسين حتّى كان بالماء فوق زَرُود» (٢).

ثمّ روى الطبري عن رجلٍ من بني فزارة ، قال :

«لمّا كان زمن الحجّاج بن يوسف كنّا في دار الحارث بن أبي ربيعة ، التي في التمّارين ، التي أُقطعت بعدُ زهيرَ بن القين ، من بني عمرو بن يشكر من بجيلة ، وكان أهل الشام لا يدخلونها ، فكنّا مختبئين فيها ، قال :

__________________

(١) مقتل الحسين ١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٢

٢٨٩

فقلت للفزاري : حدّثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن عليّ.

قال : كنّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نساير الحسين ، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ، فإذا سار الحسين تخلّف زهير بن القين ، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير ، حتّى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بُدّاً من أن ننازله فيه ، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغدّى من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسين حتّى سلّم ، ثمّ دخل فقال : يا زهير بن القين! إنّ أبا عبد الله الحسين بن عليّ بعثني إليك لتأتيه.

قال : فطرح كلّ إنسان ما في يده حتّى كأنّنا على رؤوسنا الطير.

قال أبو محنف : فحدّثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين ، قالت : فقلت له : أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه؟! سبحان الله! لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت؟!

قالت : فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه ، قالت : فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقُدِّم وحمل إلى الحسين ، ثمّ قال لامرأته : أنت طالق ، إلحقي بأهلك! فإنّي لا أُحبّ أن يصيبك من سببي إلّا خير.

ثمّ قال لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فإنّه آخر العهد ، إنّي سأُحدّثكم حديثاً ؛ غزونا بلنجر ، ففتح الله علينا ، وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الباهلي : أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟

فقلنا : نعم.

فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم

٢٩٠

معهم منكم بما أصبتم من الغنائم.

فأمّا أنا فإنّي أستودعكم الله.

قال : ثمّ والله ما زال في أول القوم حتّى قُتل» (١).

وقال السيّد ابن طاووس : «قال زهير : قد عزمت على صحبة الحسين عليه‌السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي.

ثمّ أعطاها مالها وسلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها ، فقامت إليه وودّعته وبكت وقالت : كان الله لك عوناً ومعيناً ، خار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين» (٢).

واختصر ابن الأثير الخبر فقال :

وكان زُهَير بن القَين البَجَليّ قد حجّ ، وكان عثمانيّاً ، فلمّا عاد جمعهما الطريقُ ، وكان يساير الحسين من مكّة إلّاأنّه لا ينزل معه ، فاستدعاه يوماً الحسين ، فشقّ عليه ذلك ثمّ أجابه على كره ، فلمّا عاد من عنده نقل ثَقَله إلى ثَقَل الحسين ثمّ قال لأصحابه : مَنْ أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فإنّه آخر العهد ، وسأُحدّثكم حديثاً ؛ غزونا بَلَنْجَر ففُتح علينا وأصبنا غنائم ، ففرحنا ، وكان معنا سلمان الفارسي فقال لنا : إذا أدركتم سيّد شباب أهل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم اليوم من الغنائم ؛ فأمّا أنا فأستودعكم الله!

ثمّ طلّق زوجته وقال لها : الحقي بأهلك! فإنّي لا أُحبّ أن يصيبك

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٢

(٢) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٣

٢٩١

في سببي إلّاخير.

ولزم الحسين حتّى قُتل معه (١).

وصول خبر مقتل مسلم وهاني إلى الإمام بالثعلبيّة

وروى علماء الفريقين ، عن عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديّين ، أنّهما لقيا في زَرُود رجلاً من بني أسد قادماً من الكوفة ، فاستخبراه ، فأخبرهما باستشهاد سيّدنا مسلم بن عقيل وهاني بن عروة (٢).

فرووا عن الأسديّين أنّهما قالا : «فأقبلنا حتّى لحقنا الحسين صلوات الله عليه ، فسايرناه حتّى نزل الثعلبية ممسياً ، فجئناه حين نزل ، فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام ، فقلنا له : رحمك الله ، إنّ عندنا خبراً ، إن شئت حدّثناك علانيةً وإن شئت سرّاً.

فنظر إلينا وإلى أصحابه ، ثمّ قال : ما دون هؤلاء سرّ.

فقلنا له : رأيتَ الراكب الذي استقبلته عشي أمس؟

قال : نعم ، وقد أردتُ مسألته.

فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل ، وإنّه حدّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم وهاني ، ورآهما يُجرّان في السوق بأرجلهما.

فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما ، يردّد ذلك مراراً.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٣

(٢) الإرشاد ٢ / ٧٤ ، مقتل الحسين ـ للخولرزمي ـ ١ / ٣٠٩

٢٩٢

فقلنا له : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلّاانصرفت من مكانك هذا ، فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوّف أن يكونوا عليك.

فنظر إلى بني عقيل فقال : ما ترون فقد قُتل مسلم؟

فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق.

فأقبل علينا الحسين وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء.

فعلمنا أنّه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا له : خار الله لك.

فقال : رحمكما الله.

فقال له أصحابه : إنّك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع.

فسكت ، ثمّ انتظر حتّى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه : أكثروا من الماء.

فاستقوا وأكثروا ، ثمّ ارتحلوا» (١).

وقال السيّد ابن طاووس : «قال الراوي : ثمّ سار عليه‌السلام حتّى نزل الثعلبية وقت الظهيرة ، فوضع رأسه فرقد ، ثمّ استيقظ فقال : قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة.

فقال له ابنه عليّ : يا أبة! أفلسنا على الحقّ؟!

فقال : بلى يا بُني والذي إليه مرجع العباد.

فقال : يا أبة! إذاً لا نبالي بالموت.

فقال الحسين عليه‌السلام : فجزاك الله يا بنيّ خير ما جزى ولداً عن والده.

__________________

(١) الإرشاد ٢ / ٧٤ ـ ٧٥

٢٩٣

ثمّ بات عليه‌السلام في الموضع ، فلمّا أصبح فإذا برجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرّة الأزدي فلمّا أتاه سلّم عليه ، ثمّ قال : يا ابن رسول الله! ما الذي أخرجك من حرم الله وحرم جدّك رسول الله؟!

فقال الحسين : ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني أُميّة أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ؛ وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية ، وليلبسنّهم الله ذلّاً شاملاً وسيفاً قاطعاً ، وليسلّطنّ الله عليهم مَن يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ ؛ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم حتّى أذلّتهم» (١).

شعرٌ للإمام عليه‌السلام في الشقوق

قال ابن شهرآشوب :

فلمّا نزل شقوق ، أتاه رجلٌ ، فسأله عن العراق ، فأخبره بحاله ، فقال : إنّ الأمر لله يفعل ما يشاء ، وربّنا تبارك كلّ يوم هو في شأن ؛ فإن نزل القضاء فالحمد لله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من الحق نيّته ؛ ثمّ أنشد :

فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة

فدار ثواب الله أعلى وأنبلُ

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به الحرّ يبخلُ

__________________

(١) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣١ ـ ١٣٢

٢٩٤

وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً

فقلّة حرص المرء في الكسب أجملُ

وإن تكن الأبدان للموت أُنشئت

فقتل امرئ بالسيف في الله أفضلُ

عليكم سلام الله يا آل أحمد

فإنّي أراني عنكم سوف أرحلُ (١)

وصول خبر مقتل عبد الله بن يقطر في زبالة

قالوا :

حتّى انتهى عليه‌السلام إلى زبالة ، فأتاه خبر مقتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر ، وكان سرّحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق ، فأخذه خيل الحصين ... وقد تقدّم خبر مقتله سابقاً (٢).

الإذن بالانصراف

قالوا :

فلمّا أتى الحسينَ خبرُ قتل أخيه من الرضاعة ومسلم بن عقيل ، أعلم الناسَ ذلك وقال : مَن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه منّا ذِمام.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤ / ١٠٣ ـ ١٠٤

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٣ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٣ ؛ وقد تقدّم في الصفحتين ٢٨٥ ـ ٢٨٦

٢٩٥

فتفرّق الناس عنه تفرّقاً ، فأخذوا يميناً وشمالاً ، حتّى بقي في أصحابه الّذين جاؤوا معه من مكّة.

وإنّما فعل ذلك لأنّه علم أنّ الأعراب ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعةُ أهلِه ، فأراد أن يعلموا علامَ يَقدِمون (١).

بين الإمام ورجلٍ من العرب في بطن العقبة

قال ابن الأثير :

«ثمّ سار حتّى نزل بطن العَقَبة ، فلقيه رجل من العرب ، فقال له : أنشدك الله لمّا انصرفتَ ، فوالله ما تُقدِم إلّاعلى الأسنّة وحدّ السيوف ، إنّ هؤلاء الّذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء فقدمتَ عليهم لكان ذلك رأياً ، فأمّا على هذه الحال التي تذكرها فلا أرى لك أن تفعل.

فقال : إنّه لا يخفى علَيَّ ما ذكرتَ ، ولكنّ الله عزوجل لا يُغْلَب على أمره.

ثمّ ارتحل منها» (٢).

وفصّل الشيخ المفيد الخبر فقال :

«ثمّ سار حتّى مرّ ببطن العقبة ، فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له : عمرو بن لوذان ، فسأله : أين تريد؟

فقال له الحسين عليه‌السلام : الكوفة.

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٣

(٢) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٤

٢٩٦

فقال الشيخ : أنشدك الله لمّا انصرفت ، فوالله ما تُقدِم إلّاعلى الأسنة وحدّ السيوف ، وإنّ هؤلاء الّذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأياً ، فأمّا على هذه الحال التي تذكر فإنّي لا أرى لك أن تفعل.

فقال له : يا عبد الله! ليس يخفى علَيَّ الرأي ، ولكنّ الله تعالى لا يُغلب على أمره.

ثمّ قال عليه‌السلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الأُمم» (١).

رؤيا الإمام عليه‌السلام

وروى ابن قولويه رحمه‌الله بإسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال :

«لمّا صعد الحسين بن عليّ عليه‌السلام عقبة البطن قال لأصحابه : ما أراني إلّامقتولاً.

قالوا : وما ذاك يا أبا عبد الله؟!

قال : رؤيا رأيتها في المنام.

قالوا : وما هي؟

قال : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها علَيَّ كلب أبقع» (٢).

__________________

(١) الإرشاد ٢ / ٧٦

(٢) كامل الزيارات : ٧٥ ب ٢٣ ح ١٤

٢٩٧

بين الإمام والحرّ بن يزيد في ذي حسم

قالوا :

وسار الإمام عليه‌السلام حتّى نزل شراف ، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا ماءً كثيراً ثمّ ساروا منها ، فلمّا انتصف النهار كبّر رجلٌ من أصحابه ... فقال له : مِمَّ كبّرتَ؟

قال : رأيتُ النخل.

فقال رجلان من بني أسد : ما بهذه الأرض نخلة قطّ!

فقال الحسين : فما هو؟!

فقالا : لا نراه إلّاهوادي الخيل.

فقال : وأنا أيضاً أراه ذلك.

وقال لهما : أمَا لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟!

فقالا : بلى ، هذا ذو حُسُم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك ، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد.

فمال إليه ، فما كان بأسرع من أن طلعت الخيل وعدلوا إليهم ، فسبقهم الحسين إلى الجبل ، فنزل ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحُرّ ابن يزيد التميميّ ثمّ اليربوعي ، فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه في حرّ الظهيرة ، فقال الحسين لأصحابه وفتيانه : اسقوا القوم ورشّفوا الخيل ترشيفاً!

ففعلوا ، وكان مجيء الحرّ من القادسيّة ، أرسله الحُصَين بن نُمَير

٢٩٨

التميميّ في هذه الألف يستقبل الحسين ، فلم يزل مواقفاً الحسين حتّى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين مؤذّنه بالأذان ، فأذّن ، وخرج الحسين إليهم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أيّها الناس! إنّها معذرة إلى الله وإليكم ، إنّي لم آتِكم حتّى أتتني كتبكم ورسلكم أن اقدمْ إلينا فليس لنا إمام لعلّ الله أن يجعلنا بك على الهدى ؛ فقد جئتُكم ، فإن تُعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم أقدِم مصركم ، وإن لم تفعلوا أو كنتم لمقدمي كارهين انصرفتُ عنكم إلى المكان الذي أقبلتُ منه.

فسكتوا ، وقالوا للمؤذّن : أقمْ! فأقام ، وقال الحسين للحُرّ : أتريد أن تصلّي أنت بأصحابك؟

فقال : بل صلّ أنت ونصلّي بصلاتك.

فصلّى بهم الحسين ، ثمّ دخل واجتمع إليه أصحابه ، وانصرف الحرّ إلى مكانه ، ثمّ صلّى بهم الحسين العصر ، ثمّ استقبلهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، أيّها الناس! فإنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أَوْلى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم ورسلكم انصرفتُ عنكم.

فقال الحرّ : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر.

فأخرج خرجَين مملوءين صحفاً فنثرها بين أيديهم.

فقال الحرّ : فإنّا لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك ، وقد أُمرنا أنّا إذا

٢٩٩

نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نُقْدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد.

فقال الحسين : الموت أدنى إليك من ذلك!

ثمّ أمر أصحابه فركبوا لينصرفوا ، فمنعهم الحرّ من ذلك ، فقال له الحسين : ثكلتْك أُمّك! ما تريد؟!

قال له : أمَا والله لو غيرك من العرب يقولها [لي] ما تركت ذِكر أُمّه بالثكل كائناً مَنْ كان ، ولكنّي والله ما لي إلى ذِكر أُمّك من سبيل إلّابأحسن ما يُقدر عليه.

فقال له الحسين : ما تريد؟!

قال الحرّ : أُريد أن أنطلق بك إلى ابن زياد.

قال الحسين : إذاً والله لا أتبعك.

قال الحُرّ : إذاً والله لا أدَعُك.

فترادّا الكلام ، فقال له الحرّ : إنّي لم أُؤمر بقتالك ، وإنّما أُمرت أن لا أُفارقك حتّى أُقدمك الكوفة ، [فإذا أَبَيتَ] فخذْ طريقاً لا تُدْخلك الكوفة ولا تَرُدّك إلى المدينة ، حتّى أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد ، فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أُبتلى بشيء من أمرك.

فتياسرَ عن طريق العُذَيْب والقادسيّة ، والحرّ يسايره.

ثمّ إنّ الحسين خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس! إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : مَنْ رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحُرَم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسُنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر ما عليه بفعلٍ ولا قول ، كان

٣٠٠