من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

الفصل الرابع :

في قول العلماء بكفر يزيد ولعنه

٤٤١
٤٤٢

يزيد في كتب الحديث والرجال

قالوا : إنّه لم يُرْوَ عن يزيد في الكتب الستّة إلّارواية واحدة مرسلة عند أبي داود ، وهذا ما رمز له الحافظ ابن حجر ، ومن أجل ذلك ترجم له في كتابه «تهذيب التهذيب» ، وقال : «وجدت له رواية في مراسيل أبي داود ، وقد نبّهت عليها في الاستدراك على الأطراف» (١).

وقال أيضاً : «ظفرت له في (المراسيل) لأبي داود بروايةٍ ، ذكرت له من أجلها ترجمةً في (تهذيب التهذيب)» (٢).

ولم ينقلوا للرجل توثيقاً عن أحدٍ من الرجاليّين ، بل إنّهم أهملوه ، ومَن ذكره فقد نصَّ على أنّه ليس بأهلٍ لأنْ يروى عنه ..

قال الذهبي : «يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأُموي. روى عن أبيه ، وعنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان ، مقدوح في عدالته ، ليس بأهلٍ أنْ يروى عنه. وقال أحمد بن حنبل : لا ينبغي أنْ يروى عنه» (٣).

وكذا قال ابن حجر في «التقريب» (٤).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ / ٣٧٦ رقم ٨٠٥٨

(٢) تعجيل المنفعة : ٥٠٤ رقم ١١٨٧

(٣) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٦٢ رقم ٩٧٦٢

(٤) تقريب التهذيب ٢ / ٣٣٢ رقم ٧٨٠٥

٤٤٣

القولُ بلعن يزيد

قد تقدّم أنّه قول أحمد بن حنبل ، حكاه عنه جماعة من الأعيان ، كابن الجوزي وابن حجر المكّي وغيرهما (١).

منشور الخليفة العبّاسي

وهو قول المعتضد ، الخليفة العبّاسي ، الذي أخرج كتاباً في ذمّ بني أُميّة ، فقال فيه عن معاوية ويزيد :

«ومنه إيثاره بدين الله ، ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبّر الخمّير ، صاحب الديوك والفهود والقرود ، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهديد والرهبة ، وهو يعلم سفهه ، ويطّلع على خبثه ورهقه ، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره.

فلمّا تمكّن منه ما مكّنه منه ووطّأه له ، وعصى الله ورسوله فيه ، طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين ، فأوقع بأهل الحرّة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش ، ممّا ارتكب من الصالحين فيها ، وشفى بذلك عَبَد نفسه وغليله ، وظنّ أنْ قد انتقم من أولياء الله وبلغ النوى لأعداء الله ، فقال مجاهراً بكفره ، ومظهراً لشركه :

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرم من ساداتكم

وعدلنا ميل بدرٍ فاعتدل

فأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا : يا يزيد لا تُشل

__________________

(١) راجع الصفحة ١٩٣ ه‍ ١

٤٤٤

لستُ من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

ولعت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

هذا هو المروق من الدين ، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ، ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله.

ثمّ مِن أغلظ ما انتهك ، وأعظم ما اخترم ، سفكه دم الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مع موقعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل ، وشهادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة ، اجتراءً على الله ، وكفراً بدينه ، وعداوة لرسوله ، ومجاهدةً لعترته ، واستهانةً بحرمته ، فكأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفّار أهل الترك والديلم ، لا يخاف من الله نقمةً ، ولا يرقب منه سطوة ، فبتر الله عمره ، واجتثّ أصله وفرعه ، وسلبه ما تحت يده ، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقّه من الله بمعصيته» (١).

مِن القائلين بذلك

وهو قول :

القاضي أبي يعلى الفرّاء

والحافظ أبي الفرج ابن الجوزي

والحافظ أبي الحسن الهيثمي (٢)

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٦٢٣ حوادث سنة ٢٨٤ ه

(٢) قال الحافظ السخاوي في كتاب «الضوء اللامع» ، بترجمة ابن خلدون : «وقد كان

٤٤٥

والشيخ سعد الدين التفتازاني

والحافظ جلال الدين السيوطي

والعلّامة شهاب الدين الآلوسي

والعلّامة شهاب الدين ابن حجر المكّي

والعلّامة البرزنجي

والشيخ محمّد عبده

وغيرهم من العلماء الكبار والأئمّة الأعلام ، وسنورد كلمات بعضهم في ما يأتي :

كلام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي

قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، المتوفّى سنة ٥٩٧ :

«سألني سائل في بعض مجالس الوعظ عن يزيد بن معاوية وما فعل في حقّ الحسين صلوات الله عليه ، وما أمر به من نهب المدينة ، فقال لي : أيجوز أن يلعن؟

فقلت : يكفيه ما فيه ، والسكوت أصلح.

فقال : قد علمتُ أنّ السكوت أصلح ، ولكن هل تجوز لعنته؟

__________________

شيخنا الحافظ أبو الحسن ـ يعني الهيثمي ـ يبالغ في الغضّ منه ، فلمّا سألته عن سبب ذلك ، ذكر لي أنّه بلغه أنّه ذكر الحسين بن عليّ رضي الله عنهما في تاريخه فقال : قتل بسيف جدّه.

ولمّا نطق شيخنا بهذه اللفظة أردفها بلعن ابن خلدون وسبّه وهو يبكي».

ثم نقل السخاوي عن الحافظ ابن حجر أنّ هذا الكلام من ابن العربي كان في النسخة التي رجع عنها في تاريخه.

انظر : الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٤ / ١٤٧

٤٤٦

فقلت : قد أجازها العلماء الورعون ، منهم : أحمد بن حنبل» (١).

كلام الآلوسي

وقال شهاب الدين الآلوسي البغدادي بتفسير قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُم) (٢) ما ملخّصه :

«واستدلّ بها أيضاً على جواز لعن يزيد ـ عليه من الله تعالى ما يستحقّ ـ : نقل البرزنجي في الإشاعة ، والهيثمي في الصواعق ، أنّ الإمام أحمد لمّا سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد قال : كيف لا يُلعن من لعنه الله تعالى في كتابه؟!

فقال عبد الله : قد قرأت كتاب الله عزوجل فلم أجد فيه لعن يزيد؟!

فقال الإمام : إنّ الله تعالى يقول : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ) الآية ؛ وأيّ فسادٍ وقطيعة أشدّ ممّا فعله يزيد؟! انتهى.

وعلى هذا القول ، لا توقّف في لعن يزيد ؛ لكثرة أوصافه الخبيثة وارتكابه الكبائر في جميع أيّام تكليفه ، ويكفي ما فعله أيّام استيلائه بأهل المدينة ومكّة ، فقد روى الطبراني بسندٍ حسن : اللهمّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يُقبل منه

__________________

(١) الردّ على المتعصّب العنيد : ٦

(٢) سورة محمّد ٤٧ : ٢٢

٤٤٧

صرف ولا عدل.

والطامة الكبرى ما فعله بأهل البيت ، ورضاه بقتل الحسين على جدّه وعليه الصلاة والسلام ، واستبشاره بذلك وإهانته لأهل بيته ممّا تواتر معناه ، وإن كانت تفاصيله آحاداً ، وفي الحديث : ستّة لعنتهم ـ وفي رواية : لعنهم الله ـ وكلُّ نبيّ مجاب الدعوة : المحرّف لكتاب الله ـ وفي روايةٍ : الزائد في كتاب الله ـ ، والمكذّب بقدر الله ، والمتسلّط بالجبروت ليعزّ من أذلّ الله ويذلّ من أعزّ الله ، والمستحلّ من عترتي ، والتارك لسُنّتي.

وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء ، منهم : الحافظ ناصر السُنّة ابن الجوزي ، وسبقه القاضي أبو يعلى ، وقال العلّامة التفتازاني : لا نتوقّف في شأنه ، بل في إيمانه ، لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

وممّن صرّح بلعنه : الجلال السيوطي عليه الرحمة.

وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات : إنّ السبي لمّا ورد من العراق على يزيد ، خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرّيّة عليّ والحسين رضي الله عنهما ، والرؤوس على أطراف الرماح وقد أشرفوا على ثنيّة جيرون ، فلمّا رآهم نعب غراب ، فأنشأ يقول :

لمّا بدت تلك الحمول ... البيتين.

يعني : إنّه قتل بمن قتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر ، كجدّه عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما ؛ وهذا كفر صريح ، فإذا صحَّ عنه فقد كفر به ، ومثله تمثّله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه :

ليت أشياخي ... الأبيات.

٤٤٨

وأفتى الغزّالي عفا الله عنه بحرمة لعنه.

وتعقّب السفاريني ـ من الحنابلة ـ نقل البرزنجي والهيثمي السابق عن أحمد رحمه‌الله تعالى ، فقال : المحفوظ عن الإمام أحمد خلاف ما نقلا ، ففي الفروع ما نصّه : من أصحابنا من أخرج الحجّاج عن الإسلام ، فيتوجّه عليه يزيد ونحوه ، ونصّ أحمد خلاف ذلك ، وعليه الأصحاب ، ولا يجوز التخصيص باللعنة ، خلافاً لأبي الحسين وابن الجوزي وغيرهما.

وقال شيخ الإسلام ـ يعني والله تعالى أعلم : ابن تيميّة ـ : ظاهر كلام أحمد الكراهة.

قلت : والمختار ما ذهب إليه ابن الجوزي وأبو حسين القاضي ومن وافقهما.

انتهى كلام السفاريني.

وأبو بكر ابن العربي المالكي ـ عليه من الله تعالى ما يستحقّ ـ أعظم الفرية ، فزعم أنّ الحسين قتل بسيف جدّه ، صلّى الله عليه تعالى وسلّم. وله من الجهلة موافقون على ذلك ، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) (١).

قال ابن الجوزي عليه الرحمة في كتابه (السرّ المصون) : من الاعتقادات العامّة التي غلبت على جماعةٍ منتسبين إلى السُنّة أن يقولوا : إنّ يزيد كان على الصواب ، وإنّ الحسين رضي الله تعالى عنه أخطأ في الخروج عليه ؛ ولو نظروا في السير لعلموا كيف عُقدت له البيعة ، وأُلزم الناس بها ، ولقد فعل في ذلك كلّ قبيح.

__________________

(١) سورة الكهف ١٨ : ٥

٤٤٩

ثمّ لو قدّرنا صحّة عقد البيعة ، فقد بدت منه بوادٍ كلّها توجب فسخ العقد ، ولا يميل إلى ذلك إلّاكلُّ جاهل عامّيّ المذهب يظنّ أنّه يغيظ بذلك الرافضة.

وأنا أقول : الذي يغلب على ظنّي أنّ الخبيث لم يكن مصدّقاً برسالة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيّه عليه الصلاة والسلام وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات ، وما صدر منه من المخازي ، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر.

ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك ، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين ، لم يسعهم إلّاالصبر ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ولو سُلّم أنّ الخبيث كان مسلماً ، فهو مسلمٌ جمعَ من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان.

وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين ولو لم يتصوّر أن يكون له مثلٌ من الفاسقين.

والظاهر أنّه لم يتب ، واحتمال توبته أضعف من إيمانه ، ويُلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة ؛ فلعنة الله عزوجل عليهم أجمعين ، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ، ومن مال إليهم إلى يوم الدين ، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين.

ويعجبني قول شاعر العصر ، ذي الفضل الجلي ، عبد الباقي أفندي العمري الموصلي ، وقد سُئل عن لعن يزيد اللعين :

يزيد على لعني عريض جنابه

فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا

٤٥٠

ومن كان يخشى القال والقيل ، من التصريح بلعن ذاك الضليل ، فليقل : لعن الله عزوجل مَن رضي بقتل الحسين ، ومَن آذى عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغير حقّ ، ومَن غصبهم حقّهم ؛ فإنّه يكون لاعناً له ؛ لدخوله تحت العموم دخولاً أوّليّاً في نفس الأمر.

ولا يخالف أحدٌ في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها ، سوى ابن العربي المارّ ذِكره وموافقيه ؛ فإنّهم على ظاهر ما نُقل عنهم لا يجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين رضي الله تعالى عنه ، وذلك لعمري هو الضلال البعيد ، الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد» (١).

وقال الآلوسي :

«وما أخبر به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فساد الدين على أيدي أغيلمة من سفهاء قريش ؛ وقد كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول : لو شئت أن أسميهم بأسمائهم لفعلت.

أو المراد الأحاديث التي فيها تعيين أسماء أُمراء الجور وأحوالهم وذمّهم ، وقد كان رضي الله تعالى عنه يكنّي عن بعض ذلك ولا يصرّح ؛ خوفاً على نفسه منهم بقوله : أعوذ بالله سبحانه من رأس الستّين وإمارة الصبيان ؛ يشير إلى خلافة يزيد الطريد لعنه الله تعالى على رغم أنف أوليائه ، لأنّها كانت سنة ستّين من الهجرة ، واستجاب الله تعالى دعاء أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، فمات قبلها بسنة» (٢).

وقال :

__________________

(١) روح المعاني ٢٦ / ١٠٨ ـ ١١١

(٢) روح المعاني ٦ / ٢٨٠ ـ ٢٨١

٤٥١

«(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) (١) ، أي بأيّ نوع من الإيذاء كان ، وفي صيغة الاستقبال المشعرة بترتّب الوعيد على الاستمرار على ما هم عليه إشعارٌ بقبول توبتهم.

(لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، أي بسبب ذلك ، كما ينبئ عنه بناء الحكم على الموصول ، وجملة الموصول وخبره مسوق من قبله عزوجل على نهج الوعيد ، غير داخل تحت الخطاب.

وفي تكرير الإسناد ، بإثبات العذاب الأليم لهم ، ثمّ جعل الجملة خبراً ، ما لا يخفى من المبالغة ، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة مع الإضافة إلى الاسم الجليل لغاية التعظيم والتنبيه ، على أنّ أذيّته عليه الصلاة والسلام راجعة إلى جنابه عزوجل ، موجبة لكمال السخط والغضب منه سبحانه.

وذكر بعضهم أنّ الإيذاء لا يختصّ بحال حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل يكون بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضاً ، وعدّوا من ذلك التكلّم في أبويه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما لا يليق ، وكذا إيذاء أهل بيته رضي الله تعالى عنهم ، كإيذاء يزيد عليه ما يستحقّ لهم ، وليس بالبعيد» (٢).

وقال :

«و (الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) (٣) أبلغ من (عدوّك) ؛ ولذا اختير عليه مع اختصاره ، والآية قيل : نزلت في أبي سفيان ابن حرب ، كان عدوّاً مبيناً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصار عند أهل السُنّة وليّاً مصافياً ،

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٦١

(٢) روح المعاني ١٠ / ١٨٥

(٣) سورة فصّلت ٤١ : ٣٤

٤٥٢

وكأنّ ما عنده انتقل إلى ولد ولده يزيد عليه من الله عزوجل ما يستحقّ» (١).

وقال :

«(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) (٢) ، والمراد به الجنس ، فهو في معنى الجمع ؛ ولذا قيل : «أُولئك» ، وإلى ذلك أشار الحسن بقوله : هو الكافر العاقّ لوالديه المنكر للبعث ؛ ونزول الآية في شخص لا ينافي العموم كما قرّر غير مرّة ، وزعم مروان عليه ما يستحقّ أنّها نزلت في عبد الرحمن ابن أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنهما ، وردّت عليه عائشة رضي الله تعالى عنها.

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن عبد الله ، قال : إنّي لفي المسجد حين خطب مروان ، فقال : إنّ الله تعالى قد أرى لأمير المؤمنين ـ يعني : معاوية ـ في يزيد رأياً حسناً أن يستخلفه ، فقد استخلف أبو بكر عمر.

فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : أهرقلية؟! إنّ أبا بكر رضي الله تعالى عنه والله ما جعلها في أحد من وُلده ولا أحد من أهل بيته ، ولا جعلها معاوية إلّارحمة وكرامة لولده.

فقال مروان : ألستَ الذي قال لوالديه أُفٍّ لكما؟!

فقال عبد الرحمن : ألستَ ابن اللعين الذي لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أباك؟!

__________________

(١) روح المعاني ٢٤ / ١٩٠

(٢) سورة الأحقاف ٤٦ : ١٨

٤٥٣

فسمعت عائشة فقالت : مروان! أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا؟! كذبت والله ما فيه نزلت ، نزلت في فلان بن فلان.

وفي رواية تقدّمت رواها جماعة ، وصحّحها الحاكم ، عن محمّد بن زياد ، أنّها كذّبته ثلاثاً ، ثمّ قالت : والله ما هو به ـ تعني أخاها ـ ولو شئت أن أُسمّي الذي أُنزلت فيه لسمّيته!

إلى آخر ما مرّ ، وكان ذلك من فضض اللعنة ، إغاظة لعبد الرحمن وتنفيراً للناس عنه ؛ لئلّا يلتفتوا إلى ما قاله ، وما قال إلّاحقّاً ، فأين يزيد الذي تجلّ اللعنة عنه وأين الخلافة؟!

ووافق بعضهم ـ كالسهيلي في (الإعلام) ـ مروان في زعم نزولها في عبد الرحمن ، وعلى تسليم ذلك لا معنى للتعيير ، لا سيّما من مروان ، فإنّ الرجل أسلم وكان من أفاضل الصحابة وأبطالهم ، وكان له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره ، والإسلام يجبّ ما قبله ، فالكافر إذا أسلم لا ينبغي أن يعيّر بما كان» (١).

وقال :

«وذكروا من علامات النفاق بغض عليٍّ كرّم الله تعالى وجهه ..

فقد أخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود ، قال : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّاببغضهم عليّ بن أبي طالب.

__________________

(١) روح المعاني ٢٦ / ٣١ ـ ٣٢ ، وانظر : تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣٢٩٥ ح ١٨٥٧٢ ، تفسير الفخر الرازي ٢٨ / ٢٤

٤٥٤

وأخرج هو وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري ما يؤيّده (١).

وعندي أنّ بغضه رضي الله تعالى عنه من أقوى علامات النفاق ، فإنْ آمنتَ بذلك فيا ليت شعري ماذا تقول في يزيد الطريد؟! أكان يحبّ عليّاً كرّم الله تعالى وجهه أم كان يبغضه؟!

ولا أظنّك في مرية من أنّه عليه اللعنة كان يبغضه رضي الله تعالى عنه أشدّ البغض ، وكذا يبغض ولديه الحسن والحسين على جدّهما وأبويهما وعليهما الصلاة والسلام كما تدلّ على ذلك الآثار المتواترة معنىً ؛ وحينئذ لا مجال لك من القول بأنّ اللعين كان منافقاً» (٢).

كلام الشيخ محمّد عبده

والشيخ محمّد عبده يمجّد بمولانا أبي عبد الله عليه‌السلام ، ووصف يزيد بأنّه :

«إمام الجور والبغي ، الذي ولي أمر المسلمين بالقوّة والمنكَر ، يزيد ابن معاوية ، خذله الله وخذل من انتصر له من الكرّامية والنواصب» (٣).

__________________

(١) انظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٨٦ ، تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٧٣ ، الدرّ المنثور ٧ / ٥٠٤

(٢) روح المعاني ٢٦ / ١١٧

(٣) المنار في تفسير القرآن ١٢ / ١٨٣

٤٥٥
٤٥٦

الخاتمة

٤٥٧
٤٥٨

وبعد الفراغ من البحث ، نرى من الضروريّ التعرّض لبعض المسائل المتعلّقة بحركة الإمام عليه‌السلام وواقعة الطفّ ، تقويةً لعقيدة أهل الإيمان ، ودحضاً لتشكيكات بعض أهل النصب والنفاق :

التغيّرات السماوية والحوادث الكونيّة

إنّ الأخبار المعتبرة في كتب القوم المشهورة المعتمدة ، في أنّ السماء صارت تمطر دماً بعد استشهاد الإمام وأصحابه ، وأنّه ما رُفع حجر من الأرض إلّاوتحته دم ، وأنّه ما ذُبح جزور إلّاوكان كلّه دماً ، وأنّ الشمس انكسفت ، وأنّ من شارك في قتله قد ابتُلي بعاهة ... هذه الأخبار كثيرة ، تجدها في : «دلائل النبوّة» للبيهقي ، و «معرفة الصحابة» لأبي نُعيم ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي ، و «البداية والنهاية» لابن كثير ، و «مجمع الزوائد» للهيثمي ، و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ، وفي غير هذه الكتب.

ونحن نكتفي بإيراد بعض ما نصَّ الحافظ الهيثمي والحافظ ابن كثير ـ وهما من نقدة الحديث عندهم ـ على صحّته أو حسنه سنداً :

قال الهيثمي : «عن أُمّ حكيم ، قالت : قُتل الحسين وأنا يومئذٍ جويرية ، فمكثت السماء أيّاماً مثل العلقة».

٤٥٩

قال : «رواه الطبراني ، ورجاله إلى أُمّ حكيم رجال الصحيح» (١).

وفيه : «عن أبي قبيل ، قال : لمّا قُتل الحسين بن عليّ انكسفت الشمس كسفةً حتّى بدت الكواكب نصف النهار ، حتّى ظننّا أنّها هي».

قال : «رواه الطبراني ، وإسناده حسن» (٢).

وفيه : «الزهري ، قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحدٍ أنت إنْ أعلمتني أيّ علامةٍ كانت يوم قتل الحسين؟

فقال : قلت : لم تُرفع حصاة ببيت المقدس إلّاوُجد تحتها دم عبيط.

فقال لي عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان».

قال : «رواه الطبراني ، ورجاله ثقات» (٣).

قال : «وعن الزهري ، قال : ما رُفع بالشام حجر يوم قُتل الحسين ابن عليّ إلّاعن دم».

قال : «رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح» (٤).

وفيه : «عن دويد الجعفي ، عن أبيه ، قال : لمّا قُتل الحسين انتُهِبت جزورٌ من عسكره ، فلمّا طُبخت إذا هي دم».

قال : «رواه الطبراني ، ورجاله ثقات» (٥).

وقال ابن كثير : «وأمّا ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت مَن قتله فأكثرها صحيح ، فإنّه قلّ مَن نجا مِن أُولئك الّذين قتلوه من آفة

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦ ، وانظر : المعجم الكبير ٣ / ١١٣ ح ٢٨٣٦

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٧ ، وانظر : المعجم الكبير ٣ / ١١٤ ح ٢٨٣٨

(٣) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦ ، وانظر : المعجم الكبير ٣ / ١١٩ ح ٢٨٥٦

(٤) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦ ، وانظر : المعجم الكبير ٣ / ١١٣ ح ٢٨٣٥

(٥) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦ ، وانظر : المعجم الكبير ٣ / ١٢١ ح ٢٨٦٤

٤٦٠