من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

السيّد علي الحسيني الميلاني

من هم قتلة الحسين عليه السلام ؟ شيعة الكوفة ؟

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧

المقدّمة الخامسة :

في الإعلان عن العهد ليزيد

لقد كان معاوية يفكّر في الولاية ليزيد من بعده منذ حياة الإمام الحسن عليه‌السلام ، وقد نصّ على ذلك كبار العلماء ، نكتفي بكلام الحافظ ابن عبد البرّ القرطبي إذ قال : «وكان معاوية قد أشار بالبيعة إلى يزيد في حياة الحسن ، وعرّض بها ، ولكنّه لم يكشفها ، ولا عزم عليها إلّا بعد موت الحسن» (١).

والشواهد على ذلك كثيرة ، ونكتفي كذلك بذكر واحدٍ منها ، وهو خبر دخول الأخوين الأنصاريّين «عمارة بن عمرو» و «محمّد بن عمرو» عليه ، وكلامهما معه عن الخليفة من بعده ، وقد روى ابن عساكر هذا الخبر بترجمة كلا الرجلين من (تاريخه) ، وهذا نصّ الخبر بترجمة «عمارة» ، قال :

«دخل على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين! قد كبرت سنّك ودقّ

__________________

(١) الاستيعاب ١ / ٣٩١

٤١

عظمك واقترب أجلك ، فأحببت أن أسألك عن رجال قومك وعن الخليفة من بعدك.

وكان معاوية يشتدّ عليه أنْ يقال : كبرت سنّك ، أو يشكُّ في الخليفة أنّه يزيد.

فقال معاوية : نعيت لأمير المؤمنين نفسه ، وسألته عن خبيّ سرّه ، وشككت في الخليفة بعده؟!

أخرجوه ...».

ثمّ قال : «أدخلوه! فدخل ، فقال : سألتني عن رجال قومي ، فأعظمهم حلماً الحسن بن عليّ ، وفتاهم عبد الله بن عامر ، وأشدّهم خبّاً هذا الضبّ ـ يعني ابن الزبير ـ ، والخليفة بعدي يزيد.

قال له أبو أيّوب الأنصاري : اتّق الله ولا تستخلف يزيد.

قال : امرؤ ناصح ، وإنّما أشرت برأيك ؛ وإنّما هم أبناؤهم ، فابني أحبُّ إليَّ من أبنائهم» (١).

وقد كثّف جهوده بعد استشهاد الإمام عليه‌السلام ، بشتّى الأساليب ، فقد روى في «العقد الفريد» عن أبي الحسن المدائني ، أنّ في سنة ٥٣ قرأ معاوية على الناس عهداً مفتعلاً فيه عقد الولاية ليزيد بعده ، قال : «وإنّما أراد أنْ يسهّل بذلك بيعة يزيد!

فلم يزل يروض الناس لبيعته سبع سنين ، ويشاور ، ويعطي الأقارب

__________________

(١) تاريخ دمشق ٤٣ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، مختصر تاريخ دمشق ١٨ / ١٩٨ رقم ١٤٢ ، وانظر : تاريخ دمشق ٥٥ / ٥ ـ ٦ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ رقم ١٦٨

٤٢

ويداني الأباعد ، حتّى استوثق له من أكثر الناس ...» (١).

وذكر المؤرّخون ـ في وقائع سنة ٥٦ ـ دخول المُغِيْرَة بن شعبة على معاوية وتشجيعه إيّاه على العهد ليزيد ، وذلك لمّا أراد معاوية عزل المُغِيْرَة عن الكوفة ، فانتهى الأمر إلى إبقائه عليها ، فقدم الكوفة وجعل يذاكر شيعة بني أُميّة وغيرهم ، وأوفد جماعةً مع ابنه موسى إلى معاوية يطلبون منه الإعلان عن العهد ليزيد ، فقال لهم : لا تعجلوا بإظهار هذا وكونوا على رأيكم ؛ ثمّ قال لموسى : بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال : بثلاثين ألفاً ؛ فقال : لقد هان عليهم دينهم!

قالوا : فكتب معاوية بذلك إلى زياد بن أبيه يستشيره ـ وزياد إذ ذاك على البصرة ـ ، فكتب إليه زياد يشير عليه بأنْ لا يعجل ، لأنّه كان يتخوّف من نفرة الناس ، وقدم على يزيد من قبله عبيد بن كعب النميري يأمره بالكفّ عمّا كان يصنع ... (٢).

وسيأتي ذِكر عاقبة أمر زياد بسبب هذا الموقف.

وإذا ثبت أنّ معاوية كان يفكّر منذ زمن الإمام الحسن عليه‌السلام في العهد ليزيد من بعده ، ظهر أنّ ما يقال من أنّ المُغِيْرَة بن شعبة هو الذي اقترح عليه ذلك غير صحيح.

نعم ، قد اقترح عليه الإعلان الرسمي عمّا كان يريد ، ولعلّه كان بالتنسيق معه ، وهو منهما غير بعيد!

__________________

(١) العقد الفريد ٣ / ٣٥٧

(٢) انظر حوادث سنة ٥٦ في : تاريخ الطبري ٣ / ٢٤٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ١٩ ـ ٢٠ ، وغيرها

٤٣
٤٤

المقدّمة السادسة :

في مجمل ترجمة يزيد

لقد أجمع المؤرّخون ، واتّفقت المصادر ، وأطبقت الأخبار ، على أنّ يزيد كان يرتكب أنواع الفجور والفسوق والكبائر الموجبة للدخول في النار والخلود في العذاب الأليم ...

فقد نصّ البلاذري على أنّ يزيد كان أوّل من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء ، والصيد ، واتّخاذ القيان والغلمان ، والتفكّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة (١).

وقال ابن كثير : إنّ يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد واتّخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود ، وما من يومٍ إلّايصبح فيه مخموراً ، وكان يشدّ القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ، ويلبس القرد قلانس الذهب ، وكذلك الغلمان ، وكان يسابق بين الخيل ، وكان إذا مات القرد حزن عليه ،

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ / ٢٩٩

٤٥

وقيل : إنّ سبب موته أنّه حمل قردة وجعل ينقزها فعضّته ... (١).

قال : كان يزيد في حداثته صاحب شرابٍ ... فأحسّ معاوية بذلك فأحبّ أن يعظه في رفق ، فقال : يا بنيّ! ما أقدرك على أن تصل إلى حاجتك من غير تهتّك يذهب بمروءتك وقدرك ، ويشمت بك عدوّك ويسيء بك صديقك.

ثمّ قال : يا بني! إنّي منشدك أبياتاً فتأدّب بها واحفظها ؛ فأنشده :

أنصب نهاراً في طلاب العلا

واصبر على هجر الحبيب القريبِ

حتّى إذا الليل أتى بالدجى

واكتحلت بالغمض عينُ الرقيبِ

فباشر الليل بما تشتهي

فإنّما الليل نهار الأريبِ

كم فاسق تحسبه ناسكاً

قد باشر الليل بأمر عجيبِ

غطّى عليه الليل أستاره

فبات في أمن وعيش خصيبِ

ولذّة الأحمق مكشوفة

يسعى بها كلّ عدوّ مريبِ (٢)

وروى الواقدي وابن سعد وجماعة قول عبد الله بن حنظلة لأهل المدينة : يا قوم اتّقوا الله ، فوالله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّه رجل ينكح أُمّهات الأولاد والبنات والأخوات ، ويشرب الخلّ ، ويدع الصلاة ... (٣).

ومات يزيد بحوارين ـ قرية من قرى دمشق ـ لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة ٦٤ وهو ابن ٣٨ سنة.

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٨٩ حوادث سنة ٦٤

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٨٣ حوادث سنة ٦٤

(٣) تاريخ الإسلام ، حوادث سنة ٦٣

٤٦

قال ابن حبّان : وقد قيل : إنّ يزيد بن معاوية سكر ليلة وقام يرقص ، فسقط على رأسه وتناثر دماغه فمات (١).

ولهذه الأغراض كان يذهب إلى حُوّارِين ، وكان بها لمّا مات معاوية (٢).

__________________

(١) الثقات ٢ / ٣١٤

(٢) تاريخ دمشق ٥٩ / ٢٣١

٤٧
٤٨

الحلقة الأُولى :

دور معاوية

في بابين :

٤٩
٥٠

البابُ الأوّل :

جهود معاوية في سبيل حكومة يزيد

وفيه فصول :

٥١
٥٢

الفصل الأوّل :

ولاة الكوفة في عهد معاوية

٥٣
٥٤

إنّ الملاحظ في تاريخ الكوفة أنّ ولاتها منذ اليوم الأوّل كانوا على خلافٍ مع أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، أو لم يكونوا من الموالين لهم ، وكلامنا الآن في عهد معاوية ...

المُغِيْرَة بن شُعْبَة

فإنّ أوّل مَن ولّاه معاوية على الكوفة هو المُغِيْرَة بن شعبة (١) ، وقد كان الوالي عليها من قبل عمر بن الخطّاب ، وعزله عثمان ... فلم يزل والياً عليها مِن قِبل معاوية إلى أن مات نحو سنة ٥٠ ه‍.

وللمغيرة تراجم مطوّلة في كتب التاريخ والرجال ، كتاريخ دمشق وسير أعلام النبلاء وغيرهما (٢) ... والذي يجدر ذكره من أخباره :

__________________

(١) تاريخ بغداد ١ / ١٩٣ رقم ٣٠

(٢) تاريخ دمشق ٦٠ / ١٣ ـ ٦٢ رقم ٧٥٩١ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢١ ـ ٣٢ رقم ٧ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٩٧ ٩٨ رقم ١٨٤٨ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٥ / ٢٥٨٢ ـ ٢٥٨٥ رقم ٢٧٥٧ ، الاستيعاب ٤ / ١٤٤٥ ـ ١٤٤٧ رقم ٢٤٧٩ ، أُسد الغابة ٤ / ٤٧١ ـ ٤٧٣ رقم ٥٠٦٤ ، الإصابة ٦ / ١٩٧ ـ ٢٠٠ رقم ٨١٨٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، الأغاني ١٦ / ١٠٥ ـ ١٠٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٨٤ ، المنتظم ٣ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٦٦ ـ ٦٧

٥٥

خبر كيفية إسلامه ، فقد رووا عنه أنّه قال :

«كنّا قوماً من العرب ، متمسّكين بديننا ، ونحن سَدَنة اللات ، قال : فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم ، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المُقَوْقس وأَهدوا له هدايا ، وأجمعت الخروج معهم ، فاستشرتُ عمّي عروة بن مسعود ، فنهاني وقال : ليس معك من بني أبيك أحد ، فأَبيتُ إلّاالخروج ، فخرجتُ معهم ، وليس معهم أحد من الأحلاف غيري ، حتّى دخلنا الإسكندرية ، فإذا المقوقس في مجلس مطلّ على البحر ، فركبت زورقاً حتّى حاذيتُ مجلسه ، فنظر إليَّ فأنكرني ، وأَمر من يسألني مَن أنا وما أُريد ، فسألني المأمور ، فأخبرتُه بأَمرنا وقدومنا عليه ، فأمر بنا أن ننزل في الكنيسة ، وأجرى علينا ضيافة.

ثمّ دعا بنا ، فدخلنا عليه ، فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه إليه ، وأجلسه معه ثمّ سأله : أكلّ القوم من بني مالك؟ فقال : نعم ، إلّارجل واحد من الأحلاف ؛ فعرَّفه إيّاي ، فكنت أهون القوم عليه ، ووضعوا هداياهم بين يديه ، فسرّ بها وأَمر بقبضها ، وأمر لهم بجوائز وفضّل بعضهم على بعض ، وقصّر بي ، فأعطاني شيئاً قليلاً ، لا ذِكر له ، وخرجنا.

وأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهليهم وهم مسرورون ، ولم يعرضْ علَيَّ رجل منهم مواساة ، وخرجوا وحملوا معهم الخمر ، فكانوا يشربون وأشرب معهم ، وتأبى نفسي تدعني ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا وما حباهم الملكُ ويخبرون قومي بتقصيره لي وازدرائه إيّاي ، فأجمعت على قتلهم.

فلمّا كنّا ببيسان تمارضتُ وعصبت رأسي ، فقالوا لي : ما لك؟ قلت :

٥٦

أُصدَّع ؛ فوضعوا شرابهم ودَعَوْني ، فقلت : رأسي يُصَدّع ولكنّي أجلس فأسقيكم ؛ فلم ينكروا شيئاً ، فجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح ، فلمّا دَبَّت الكأس فيهم اشتهوا الشراب ، فجعلت أُصَرّف لهم وأنزع الكأس فيشربون ولا يدرون ، فأهمدتهم الكأس حتّى ناموا ما يعقلون ، فوثبت إليهم فقتلتهم جميعاً ، وأخذتُ جميع ما كان معهم.

فقدمت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأجده جالساً في المسجد مع أصحابه وعلَيَّ ثياب سفري ، فسلّمتُ بسلام الإسلام ، فنظر إليّ أبو بكر بن أبي قحافة وكان بي عارفاً ، فقال : ابن أخي عروة؟ قال : قلت : نعم ، جئت أشهد أن لا إله إلّاالله ، وأشهد أنّ محمّداً رَسُول الله ؛ فقال رَسُول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحمد لله الذي هداك للإسلام».

فقال أبو بكر : أمن مصر أقبلتم؟ قلتُ : نعم ؛ قال : فما فعل المالكيّون الذي كانوا معك؟ قلت : كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك ، فقتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلى رَسُول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليخمّسها أو يرى فيها رأيه ، فإنّما هي غنيمة من مشركين ، وأنا مسلم مصدّق بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا إسلامك فنقبله ، ولا آخذ من أموالهم شيئاً ، ولا أُخمّسه ؛ لأن هذا غدر ، والغدر لا خير فيه».

قال : فأخذني ما قرب وما بعد ، وقلت : يا رسول الله! ما قتلتهم وأنا على دين قومي ثمّ أسلمتُ حيث دخلت عليك الساعة ؛ قال : «فإنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله».

٥٧

قال : «وكان قتل منهم ثلاثة عشر إنساناً ، فبلغ ذلك ثقيفاً بالطائف ، فتداعوا للقتال ، ثمّ اصطلحوا على أن تحمّل عني عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية.

قال المُغِيْرَة : وأقمت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى اعتمر عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ستّ من الهجرة ، فكان أوّل سفرة خرجت معه فيها ، وكنت أكون مع أبي بكر الصدّيق ، وأَلزَمُ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في من يلزمه» (١).

ومن قضايا المُغِيْرَة ما فعله ـ مع الإحصان ـ مع امرأةٍ ، ودرء عمر بن الخطّاب الحدّ عنه ، وهي قضيّته مع أُمّ جميل بنت عمرو ، امرأة من قيس ، في قضية هي من أشهر الوقائع التاريخية في العرب ، كانت سنة ١٧ للهجرة ، لا يخلو منها كتاب يشتمل على حوادث تلك السنة.

وقد شهد عليه بذلك كلٌّ من : أبي بكرة ـ وهو معدود في فضلاء الصحابة وحملة الآثار النبوية ـ ، ونافع بن الحارث ـ وهو صحابي أيضاً ـ ، وشبل بن معبد ، وكانت شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة فصيحة بأنّهم رأوه يولجه فيها إيلاج الميل في المكحلة ، لا يكنّون ولا يحتشمون ، ولمّا جاء الرابع ـ هو زياد بن سميّة ـ ليشهد ، أفهمه الخليفة رغبته في أن لا يخزي المُغِيْرَة ، ثمّ سأله عمّا رآه ، فقال : رأيت مجلساً وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً ، ورأيته مستبطنها.

فقال عمر : أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟

فقال : لا ، ولكن رأيته رافعاً رجليها ، فرأيت خصيتيه تتردّد إلى ما بين

__________________

(١) تاريخ دمشق ٦٠ / ٢٢ ـ ٢٤

٥٨

فخذيها ، ورأيت حفزاً شديداً ، وسمعت نفساً عالياً.

فقال عمر : رأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟

فقال : لا.

فقال عمر : الله أكبر! قم يا مغيرة إليهم فاضربهم.

فقام يقيم الحدود على الثلاثة.

وإليكم تفصيل هذه الواقعة بلفظ القاضي أحمد ، الشهير بابن خلّكان ، في كتابه «وفيات الأعيان» ، إذ قال ما هذا لفظه :

«وأمّا حديث المُغِيْرَة بن شعبة الثقفي والشهادة عليه ، فإنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان قد رتّب المُغِيْرَة أميراً على البصرة ، وكان يخرج من دار الإمارة نصف النهار ، وكان أبو بكرة ـ المذكور ـ يلقاه فيقول : أين يذهب الأمير؟ فيقول : في حاجة. فيقول : إنّ الأمير يزار ولا يزور.

قالوا : وكان يذهب إلى امرأة يقال لها : أُمّ جميل بنت عمرو ، وزوجها الحجّاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي» ثمّ ذكر نسبها.

ثمّ روى أنّ أبا بكرة بينما هو في غرفة مع إخوته ، وهم نافع ، وزياد ، وشبل بن معبد ، أولاد سميّة ، «فهم إخوة لأُمّ ، وكانت أُمّ جميل ـ المذكورة ـ في غرفة أُخرى قبالة هذه الغرفة ، فضربت الريح باب غرفة أُمّ جميل ففتحته ونظر القوم ، فإذا هم بالمُغِيْرَة مع المرأة على هيئة الجماع ، فقال أبو بكرة : هذه بلية قد ابتليتم بها ، فانظروا! فنظروا حتّى أثبتوا.

فنزل أبو بكرة فجلس حتّى خرج عليه المُغِيْرَة من بيت المرأة ، فقال له : إنّه قد كان من أمرك ما قد علمت ، فاعتزلنا!

قال : وذهب المُغِيْرَة ليصلّي بالناس الظهر ، ومضى أبو بكرة فقال :

٥٩

لا والله لا تصلّ بنا وقد فعلت ما فعلت.

فقال الناس : دعوه فليصلِّ ، فإنّه الأمير ، واكتبوا بذلك إلى عمر رضي الله عنه.

فكتبوا إليه ، فأمرهم أن يقدموا عليه جميعاً ، المُغِيْرَة والشهود ، فلمّا قدموا عليه جلس عمر رضي الله عنه ، فدعا بالشهود والمُغِيْرَة ، فتقدّم أبو بكرة ، فقال له : رأيتَه بين فخذيها؟

قال : نعم ، والله لكأنّي أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها.

فقال له المُغِيْرَة : لقد ألطفتَ في النظر!

فقال أبو بكرة : لم آلُ أن أُثبت ما يخزيك الله به.

فقال عمر رضي الله عنه : لا والله حتّى تشهد لقد رأيتَه يلج فيها ولوج المرود في المكحلة.

فقال : نعم أشهد على ذلك.

فقال : فاذهب عنك مغيرة ، ذهب ربعك.

ثمّ دعا نافعاً فقال له : علامَ تشهد؟

قال : على مثل شهادة أبي بكرة.

قال : لا حتّى تشهد أنّه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة.

قال : نعم حتّى بلغ قُذذه.

فقال له عمر رضي الله عنه : اذهب مغيرة ، ذهب نصفك.

ثمّ دعا الثالث فقال له : على ما تشهد؟

فقال : على مثل شهادة صاحبَيّ.

فقال له عمر رضي الله عنه : اذهب عنك مغيرة ، ذهب ثلاثة أرباعك.

٦٠