السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: ٤٨٧
أو تعود عبداً كما يعتبد العبيد» (١).
ورواه الطبراني :
«حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، ثنا الزبير بن بكّار ، حدّثني محمّد بن الضحّاك بن عثمان الحزامي ، عن أبيه ، قال : خرج الحسين بن عليّ رضي الله عنهما إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية ، فكتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد وهو واليه على العراق : إنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتُلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وابتليت به من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما يعتبد العبيد.
فقتله عبيد الله بن زياد ، وبعث برأسه إليه ، فلمّا وضع بين يديه تمثّل بقول الحصين بن الحُمَام (٢) :
نفلّق هاماً من رجال أحبّة |
|
إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما» (٣) |
وقال ابن عساكر :
«أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن ، أنبأنا أبو الحسين ابن الآبنوسي ، أنبأنا عبيد الله بن عثمان بن جنيقا الدقّاق ، أنبأنا إسماعيل بن
__________________
(١) أنساب الأشراف ٣ / ٣٧١
(٢) هو : أبو مَعِيّة الحصين بن حُمَام بن ربيعة المرّي الذبياني ، كان رئيساً وفياً ، شاعراً ، فارساً ، ياقّب مانع الضيم ، وكان من الشعراء المقلّين في الجاهلية ، وهو ممّن نبذ عبادة الأوثان في الجاهلية ، توفّي قبل ظهور الإسلام ، وقيل : بل أدرك الإسلام.
انظر : الشعر والشعراء ٢ / ٦٤٨ رقم ١٢٨ ، الأغاني ١٤ / ١٠ ، الاستيعاب ١ / ٣٥٤ رقم ٥٢٠ ، الإصابة ٢ / ٨٤ رقم ١٧٣٥
(٣) المعجم الكبير ٣ / ١١٥ ـ ١١٦ ح ٢٨٤٦
عليّ الخطبي ، قال : ... وبلغ يزيد خروجه ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد ، وهو عامله على العراق ، يأمره بمحاربته وحمله إليه إنْ ظفر به ؛ فوجّه اللعينُ عبيدُ الله بن زياد الجيشَ إليه مع عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وعدل الحسين إلى كربلاء ، فلقيه عمر بن سعد هناك ، فاقتتلوا ، فقتل الحسين رضوان الله عليه ورحمته وبركاته ، ولعنة الله على قاتله ...
أخبرنا أبو غالب أيضاً ، أنبأنا أبو الغنائم بن المأمون ، أنبأنا عبيد الله ابن محمّد بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله بن محمّد ، حدّثني عمّي ، أنبأنا الزبير ، حدّثني محمّد بن الضحّاك ، عن أبيه ، قال :
خرج الحسين بن عليّ إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد ، فكتب يزيد إلى ابن زياد ... فقتله ابن زياد ، وبعث برأسه إليه» (١).
ورواه الهيثمي عن الطبراني ، ووثّق رجاله (٢).
وقال الذهبي ، المتوفّى سنة ٧٤٨ :
«خرج الحسين ، فكتب يزيد إلى ابن زياد نائبه : إنّ حسيناً صائر إلى الكوفة ، وقد ابتُلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وأنت من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً ؛ فقتله ابن زياد ، وبعث برأسه إليه» (٣).
وقال السيوطي ، المتوفّى سنة ٩١١ :
«وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم ،
__________________
(١) تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٣ ـ ٢١٤
(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٣
(٣) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٠٥ رقم ٤٨
فخرج من مكّة إلى العراق في عشرة ذي الحجّة ، ومعه طائفة من آل بيته رجالاً ونساءً وصبياناً. فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله ، فوجّه إليه جيشاً أربعة آلاف ، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص ...» (١).
هذا ، وسيأتي كلام جماعة آخرين من الأئمّة الأعلام ، الصريح في أنّ يزيد هو قاتل الحسين عليهالسلام ، وأنّه يُلعن بلا كلام.
٣ ـ كتاب ابن عبّاس إلى يزيد
«وقال شقيق بن سلمة (٢) :
لمّا قُتل الحسين ثار عبد الله بن الزبير ، فدعا ابن عبّاس إلى بيعته فامتنع ، وظنّ يزيد أنّ امتناعه تمسّك منه ببيعته ، فكتب إليه :
أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته ، وأنّك اعتصمت ببيعتنا وفاءً منك لنا ، فجزاك الله من ذي رحم خير ما يجزي الواصلين لأرحامهم الموفين بعهودهم ، فما أنْسَ من الأشياء فلستُ بناسٍ برّك وتعجيل صلتك بالذي أنت له أهل ، فانظر من طلع عليك من الآفاق ممّن سحرهم ابن الزبير بلسانه فأعلِمهم بحاله ، فإنّهم منك أسمع الناس ، ولك أطوع منهم للمحلّ.
__________________
(١) تاريخ الخلفاء : ٢٤٦ ـ ٢٤٧
(٢) هو : شقيق بن سلمة الأسدي ، أبو وائل الكوفي ، ثقة مخضرم ، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز ، وله مئة سنة ، من رجال الكتب الستّة. قاله الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب ١ / ٤٢١ رقم ٢٨٢٦ ، وانظر : تحرير تقريب التهذيب ٢ / ١١٩ رقم ٢٨١٦
فكتب إليه ابن عبّاس :
أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك ، فأمّا تركي بيعة ابن الزبير فوالله ما أرجو بذلك برّك ولا حمدك ، ولكنّ اللهَ بالذي أنوي عليم.
وزعمت أنّك لست بناسٍ برّي ، فاحبس أيّها الإنسان برّك عنّي ، فإنّي حابس عنك برّي.
وسألت أن أُحبّب الناس إليك وأُبغّضهم وأُخذّلهم لابن الزبير ، فلا ، ولا سرور ولا كرامة ، كيف؟! وقد قتلت حسيناً وفتيان عبد المطّلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام! غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحدٍ مرمّلين بالدماء ، مسلوبين بالعراء ، مقتولين بالظماء ، لا مكفّنين ولا موسّدين ، تسفي عليهم الرياح ، وينشئ بهم عرج البطاح ، حتّى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم كفّنوهم وأجنّوهم ، وبي وبهم لو عززتَ وجلست مجلسك الذي جلست ..
فما أنسَ من الأشياء فلستُ بناسٍ اطّرادك حسيناً من حرم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حرم الله ، وتسييرك الخيول إليه ، فما زلتَ بذلك حتّى أشخصته إلى العراق ، فخرج خائفاً يترقّب ، فنزلَتْ به خيلُك عداوةً منك لله ولرسوله ولأهل بيته الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فطلب إليكم الموادعة ، وسألكم الرجعة ، فاغتنمتم قلّة أنصاره واستئصال أهل بيته ، وتعاونتم عليه كأنّكم قتلتم أهل بيت من الترك والكفر.
فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودّي ، وقد قتلت ولد أبي ، وسيفك يقطر من دمي ، وأنت أحد ثأري ، ولا يعجبك أن ظفرت بنا
اليوم ، فلنظفرنّ بك يوماً ؛ والسلام» (١).
٤ ـ خطبة معاوية بن يزيد
وهذا ولده ووليّ عهده معاوية ، الذي وصف بالشابّ الصالح ...
يصرّح بأنّ قاتل الحسين عليهالسلام هو أبوه ، وقد جعل تصريحه بذلك من آثار صلاحه.
قال ابن حجر المكّي :
«لم يخرج إلى الناس ، ولا صلّى بهم ، ولا أدخل نفسه في شيء من الأُمور ، وكانت مدّة خلافته أربعين يوماً ...
ومن صلاحه الظاهر : أنّه لمّا ولي صعد المنبر فقال : إنّ هذه الخلافة حبل الله ، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منه عليّ بن أبي طالب ، وركب بكم ما تعلمون ، حتّى أتته منيّته ، فصار في قبره رهيناً بذنوبه.
ثمّ قلّد أبي الأمر وكان غير أهلٍ له ، ونازع ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقصف عمره ، وانبتر عقبه ، وصار في قبره رهيناً بذنوبه.
ثمّ بكى وقال : إنّ من أعظم الأُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأباح الخمر ، وخرّب الكعبة ، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها ، فشأنكم
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ حوادث سنة ٦٤ ه ، وانظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦١ ـ ١٦٤
أمركم.
والله لئن كانت الدنيا خيراً فقد نلنا منها حظّاً ، ولئن كانت شرّاً فكفى ذرّيّة أبي سفيان ما أصابوا منها.
ثمّ تغيّب في منزله حتّى مات بعد أربعين يوماً على ما مرّ ، فرحمهالله أنصف من أبيه ، وعرف الأمر لأهله» (١).
٥ ـ أمرُه ابنَ زياد بقتل مسلم بن عقيل
قال البلاذري :
«فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد ... بولاية الكوفة إلى ما كان يلي من البصرة ، وبعث بكتابه في ذلك مع مسلم بن عمرو الباهلي ـ أبي قتيبة ابن مسلم ـ وأمر عبيد الله بطلب ابن عقيل ونفيه إذا ظفر به أو قتله ، وأنْ يتيقّظ في أمر الحسين بن عليّ ويكون على استعداد له» (٢).
وقال الطبري أنّه كتب إليه مع مسلم المذكور :
«أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه» (٣).
وقال ابن الجوزي :
«... فقام رجل ممّن يهوى يزيد إلى النعمان بن بشير فقال له : إنّك
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ٣٣٦
(٢) أنساب الأشراف ٢ / ٣٣٥
(٣) تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٠
ضعيف ، قد فسد البلد ؛ فقال له النعمان : أكون ضعيفاً في طاعة الله أحبّ إليّ من أن أكون قويّاً في معصية الله.
فكتب بقوله إلى يزيد ، فولّى الكوفة عبيد الله بن زياد إضافة إلى البصرة ، وأمره أن يقتل مسلم بن عقيل ...» (١).
٦ ـ سروره بمقتل مسلم بن عقيل
قال البلاذري :
«ولمّا كتب ابن زياد إلى يزيد بقتل مسلم ، وبعث إليه برأسه ورأس هانئ بن عروة ورأس ابن صلخب وما فعل بهم ، كتب إليه يزيد :
إنّك لم تعدُ أن كنت كما أُحبّ ، عملت عمل الحازم ، وصُلت صولة الشجاع ، وحقّقت ظنّي بك.
وقد بلغني أنّ حسيناً توجّه إلى العراق ، فضع المناظر والمسالح ، وأَذْكِ العيون ، واحترس كلّ الاحتراس ، فاحبس على الظِنّة ، وخذ بالتهمة ، غير أنْ لا تقاتل إلّامن قاتلك ، واكتب إليَّ في كلّ يومٍ بما يحدث من خبر إن شاء الله» (٢).
٧ ـ سروره بمقتل الإمام
وقال غير واحدٍ من الأئمّة الحفّاظ : إنّ يزيد قد سُرّ بقتل الإمام عليه
__________________
(١) المنتظم ٤ / ١٤٢ ، وانظر : الفتوح ٥ / ٣٩ ـ ٤٠ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٤٩ رقم ٦١٥ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٩٤ رقم ١٣٠٥ ، الأخبار الطوال : ٢٣١ ، السيرة النبويّة ـ لابن حبّان ـ : ٥٥٦ ، وغيرها
(٢) تقدّمت مصادر ذلك في الصفحة ١٨٢ ه ١
السلام وأصحابه ..
قال ابن سعد :
«وقد كان عبيد الله بن زياد لمّا قتل الحسين بعث زحر بن قيس الجعفي (١) إلى يزيد بن معاوية يخبره بذلك ، فقدم عليه ، فقال : ما وراءك؟
قال : يا أمير المؤمنين! أبشر بفتح الله وبنصره ؛ وَرَدَ علينا الحسين ابن عليّ ، في ثمانية عشر من أهل بيته وفي سبعين من شيعته ، فسرنا إليهم فخيّرناهم الاستسلام والنزول على حكم عبيد الله بن زياد أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام.
فناهضناهم عند شروق الشمس ، وأطفنا بهم من كلّ ناحية ، ثمّ جرّدنا فيهم السيوف اليمانية ، فجعلوا يبرقطون إلى غير وزر ، ويلوذون منّا بالآكام والأُمر والحفر لواذاً ، كما لاذ الحمائم من صقر ، فنصرنا الله عليهم.
فوالله ـ يا أمير المؤمنين ـ ما كان إلّاجزر جزور أو نومة قائل ، حتّى كفى الله المؤمنين مؤونتهم ، فأتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مطرّحة مجرّدة ، وخدودهم معفّرة ، ومناخرهم مرمّلة ، تسفي عليهم الريح ذيولها بقيٍّ سبسبٍ ، تنتابهم عرج الضباع ، زوّارهم العقبان والرخم.
قال : فدمعت عينا يزيد وقال : كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. وقال : كذلك عقابة البغي والعقوق. ثمّ تمثّل يزيد :
من يذق الحرب يجد طعمها |
|
مرّاً وتتركه بجعجاع» (٢) |
__________________
(١) كان مع أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام في صفّين، ثمّ اعتزل فكان من الخوارج; انظر: مختصر تاريخ دمشق ٩ / ٣٣ رقم ٧.
(٢) ترجمة الإمام الحسـين عليه السلام من «الطبقات الكبير»: ٨١ ـ ٨٢، وانظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٤٧ رقم ١٣٧٤، تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٨.
وقال المسعودي :
«جلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد ، وذلك بعد قتل الحسين ، فأقبل على ساقيه فقال :
أسقني شربةً تروّي مشاشي |
|
ثمّ مِل فاسقِ مثلها ابن زيادِ |
صاحب السرّ والأمانة عندي |
|
ولتسديد مغنمي وجهادي |
ثمّ أمر المغنّين فغنّوا به» (١).
وقال الطبري :
«حدّثني أبو عبيدة معمر بن المثنّى ، أنّ يونس بن حبيب الجرمي حدّثه ، قال : لمّا قَتل عبيدُ الله بن زياد الحسينَ بن عليّ عليهالسلام وبني أبيه ، بعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية ، فسُرّ بقتلهم أوّلاً ، وحسنت بذلك منزلة عبيد الله عنده ...» (٢).
وقال ابن الأثير :
«وقيل : لمّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده ، ووصله ، وسرّه ما فعل ، ثمّ لم يلبث إلّايسيراً ...» (٣).
وروي الذهبي :
بإسنادٍ له ـ نصّ على قوّته ـ : «دخل رجل على يزيد فقال : أبشر! فقد أمكنك الله من الحسين ...» (٤).
__________________
(١) مروج الذهب ٣ / ٦٧
(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٣٦٥ حوادث سنة ٦٤ ه
(٣) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٣٩
(٤) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٩ رقم ٤٨
وقال السيوطي :
«ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسُرّ بقتلهم أوّلاً ...» (١).
٨ ـ كلام الحصين بن نمير مع يزيد
قال أبو إسحاق الإسفرائني :
إنّ يزيد قال : «فلعن الله من قتله ، إنّما قتله عبيد الله بن زياد عاملي على البصرة».
قال أبو إسحاق :
ثمّ أمر بإحضار من أتى برأس الحسين ومن معه ، ليسألهم كيف كان قتله ، فحضروا بين يديه ، فقال لابن ربعي : ويلك! أنا أمرتك بقتل الحسين؟!
فقال : لا ، لعن الله قاتله.
ولم يزالوا كذلك إلى أن وصل السؤال إلى الحصين بن نمير ، فقال مقالتهم ، ثمّ قال : أتريد أن أخبرك بمن قتله؟!
فقال : نعم.
فقال : أعطني الأمان.
فقال : لك الأمان.
فقال : إعلم أيّها الأمير ، إنّ الذي عقد الرايات ، ووضع الأموال ، وجيّش الجيوش ، وأرسل الكتب ، وأوعد ووعد ، هو الذي قتله!
__________________
(١) تاريخ الخلفاء : ٢٤٨
فقال : من فعل ذلك؟!
فقال : أنت!
فغضب منه ودخل منزله ، ووضع الطشت الذي فيه رأس الحسين بين يديه ، وجعل يبكي ويلطم على وجهه ويقول : ما لي وللحسين؟!
قالت هند زوجة يزيد : لمّا أخذت مضجعي تلك الليلة رأيت في منامي كأنّ أبواب السماء قد فتحت ...» (١).
٩ ـ إقرار ابن زياد
وقد جاء في بعض المصادر المعتبرة ، أنّ يزيد بن معاوية قد خيّر ابن زياد بين قتل الإمام عليهالسلام وقتله ، فاختار قتل الإمام عليهالسلام ..
قال ابن الأثير : «أمّا قتلي الحسين ، فإنّه أشار علَيَّ يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترت قتله ...» (٢).
وفي كتابٍ له إلى الإمام عليهالسلام :
«أمّا بعد ، يا حسين ، فقد بلغني نزولك بكربلاء ، وقد كتب إليَّ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية أنْ لا أتوسّد الوثير ولا أشبع من الخبز [الخمير] أو أُلحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية ؛ والسلام» (٣).
__________________
(١) نور العين في مشهد الحسين ـ للأسفرائيني ـ : ٧٠
(٢) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٧٤ حوادث سنة ٦٤ ه ، وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٧٤
(٣) انظر : الفتوح ـ لابن أعثم ـ ٥ / ٩٥ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣٤٠ ، بحار الأنوار ٤٤ / ٣٨٣ ب ٣٧
١٠ ـ حمله الرؤوس والعيال إلى الشام
ومن الأدلّة المثبتة لأمره بقتل الإمام عليهالسلام ورضاه بذلك : أنّه أمر ابن زياد بإرسال رأس الإمام وسائر الرؤوس الشريفة وأهل بيته عليهمالسلام إليه ، وكذا ما صدر منه قولاً وفعلاً في تلك الأيّام ، ممّا يصلح كلّ واحد من ذلك لأن يكون دليلاً مستقلّاً على وقوع تلك الكارثة بأمره ، وعلى إلحاده وكفره.
وذلك ما سنعرضه ببعض التفصيل.
الفصل الثاني :
في أنّ يزيد أمر بحمل رأس الإمام
ورؤوس الشهداء وسبي العيال
إلى الشام
يقول ابن تيميّة :
«ولم يسب له حريماً أصلاً» (١)!!
«فما يُعرف في الإسلام أنّ المسلمين سبوا امرأةً يَعرفون أنّها هاشميّة ، ولا سُبي عيال الحسين ...» (٢)!!
«ولا طيف برأس الحسين» (٣)!!
حمل الرؤوس إلى الشام
وقد روى البلاذري :
«قالوا ، ونصب ابن زياد رأس الحسين بالكوفة ، وجعل يُدارُ به فيها ؛ ثمّ دعا زحر بن قيس الجعفي فسرّح معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه وأهل بيته إلى يزيد بن معاوية ؛ وكان مع زحر : أبو بردة ...» (٤).
وروى ابن سعد ، بإسناده عن الشعبي :
__________________
(١) منهاج السُنّة ٤ / ٤٧٢ ، وانظر : رأس الحسين ـ لابن تيميّة ـ : ٢٠٨
(٢) منهاج السُنّة ٤ / ٥٥٩
(٣) منهاج السُنّة ٤ / ٥٥٩ ، وانظر : رأس الحسين ـ لابن تيميّة ـ : ٢٠٧
(٤) أنساب الأشراف ٣ / ٤١٥
«رأس الحسين أوّل رأس حمل في الإسلام» (١).
وقال ابن كثير ـ وهو تلميذ ابن تيميّة ـ :
«ثمّ أمر [ابن زياد] برأس الحسين ، فنصب بالكوفة وطيف به في أزقّتها ، ثمّ سيّره مع زحر بن قيس ومعه رؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام ، وكان مع زحر جماعة من الفرسان ، منهم أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان الأزدي.
فخرجوا حتّى قدموا بالرؤوس كلّها على يزيد بن معاوية» (٢).
حمل الرؤوس والعيال كان بأمرٍ من يزيد
روى الطبري :
«وجاء كتاب بأن سرّح بالأُسارى إليّ.
قال : فدعا عبيد الله بن زياد محفّز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن ، فقال : انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.
قال : فخرجوا حتّى قدموا على يزيد ، فقام محفّز بن ثعلبة فنادى بأعلى صوته : جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم.
فقال يزيد : ما ولدت أُمّ محفّز ألأم وأحمق ، ولكنّه قاطع ظالم.
قال : فلمّا نظر يزيد إلى رأس الحسين قال :
يفلّقن هاماً من رجالٍ أعزّة |
|
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما» (٣) |
__________________
(١). الطبقات الكبرى ٦ / ٤٤٦ رقم ١٣٧٤
(٢). البداية والنهاية ٨ / ١٥٣ حوادث سنة ٦١ ه
(٣). تاريخ الطبرى ٣ / ٣٤٠
وروى ابن سعد :
«قدم رسول من قبل يزيد بن معاوية يأمر عبيد الله أنْ يرسل إليه بثقل الحسين ومن بقي من ولده وأهل بيته ونسائه ، فأسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة آلاف درهم فتجهّزوا بها» (١).
وقال ابن الجوزي :
«وجاء رسول من قبل يزيد ، فأمر عبيد الله بن زياد أنْ يرسل إليه بثقل الحسين ومن بقي من أهله» (٢).
شعره عندما تطلّع إلى السبايا والرؤوس
قال الآلوسي :
«وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات :
إنّ السبي لمّا ورد من العراق على يزيد ، خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرّيّة عليّ والحسين رضي الله تعالى عنهما ، والرؤوس على أطراف الرماح ، وقد أشرفوا على ثنيّة خيرون ، فلمّا رآهم نعب غراب ، فأنشأ يقول :
لمّا بدت تلك الحمول وأشرفت |
|
تلك الرؤوس على شفا جيرونِ |
نعب الغراب فقلتُ : قل أو لا تقل |
|
فلقد قضيت من النبيّ ديوني |
(قال الآلوسي) : يعني إنّه قتل بمن قتله رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر ، كجدّه عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما ؛ وهذا كفر صريح ،
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٦ / ٤٤٧
(٢) الردّ على المتعصّب العنيد : ٤٥
فإذا صحّ عنه فقد كفر به.
ومثله تمثّله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه :
ليت أشياخي ...» (١).
وصول رأس الإمام إلى يزيد
وقد سُرّ يزيد بقتل الإمام ووصول رأسه الشريف إليه كما تقدّم.
ثمّ روى ابن سعدٍ ، قال : «وقدم برأس الحسين محفّز بن ثعلبة العائذي ـ عائذة قريش ـ على يزيد ، فقال : أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم.
فقال يزيد : ما ولدت أُمّ محفّز أحمق وألأم ، لكنّ الرجل لم يقرأ (٢) كتاب الله (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وتُذِلُّ مَن تَشَاء) (٣).
ثمّ قال بالخيزرانة بين شفتَي الحسين ، وأنشأ يقول :
يفلّقن هاماً من رجالٍ أعزّة |
|
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما |
والشعر لحصين بن الحُمام المرّي.
__________________
(١) روح المعاني ٢٦ / ١٠٩ وسيأتي كلامه تماماً ، وانظر : تاريخ ابن الوردي ١ / ١٦٤
(٢) جاءت العبارة هنا : «لكنّ الرجل لم يقرأ» ..
وفي تاريخ الطبري ٣ / ٣٤٠ : «لكنّه أُتي من قبل فقهه ، ولم يقرأ ...» ..
وفي البداية والنهاية ٨ / ١٥٦ : «ولكنّه إنّما أُتي من قلّة فقهه ، لم يقرأ ...» ..
وفي سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٥ : «لكنّ الرجل لم يتدبّر كلام الله» ..
أقول : كأنّهم يريدون تهذيب العبارة!!
(٣) سورة آل عمران ٣ : ٢٦
فقال له رجل من الأنصار ـ حضره ـ : إرفع قضيبك هذا! فإنّي رأيت رسول الله بقبّل الموضع الذي وضعته عليه.
قال : أخبرنا كثير بن هشام ، قال : حدّثنا جعفر بن برقان ، قال : حدّثنا يزيد بن أبي زياد ، قال : لمّا أُتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن عليّ ، جعل ينكت بمخصرة معه سِنَّه ويقول : ما كنت أظنّ أبا عبد الله يبلغ هذا السنّ.
قال : وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود» (١).
وروى الطبراني تمثّله بالشعر المذكور ، وقد تقدّمت روايته (٢).
وقال البلاذري : «حدّثني عمرو الناقد وعمرو بن شبّة ، قالا : ثنا أبو أحمد الزبيري ، عن عمّه فضيل بن الزبير ؛ وعن أبي عمر البزّار ، عن محمّد بن عمرو بن الحسن ، قال :
لمّا وضع رأس الحسين بن عليّ بين يدي يزيد قال متمثّلاً :
يفلّقن هاماً من رجال أعزّة |
|
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما» (٣) |
قال : «قالوا : وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين حين وضع رأسه بين يديه» (٤).
وروى ابن الجوزي : «فلمّا وصلت الرؤوس إلى يزيد جلس ، ودعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ وضع الرأس بين يديه وجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول :
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٦ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨
(٢) تقدّمت في الصفحة ٢٠١
(٣) أنساب الأشراف ٣ / ٤١٥ ـ ٤١٦
(٤) أنساب الأشراف ٣ / ٤١٦
يفلّقن هاماً من رجال أعزّة |
|
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما» (١) |
وقد روى ذلك بعدّة أسانيد ...
ثمّ روى بإسناده عن الليث ، عن مجاهد ، قال :
«جيء برأس الحسين بن عليّ ، فوضع بين يدي يزيد بن معاوية فتمثّل هذين البيتين:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الأسل |
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً |
|
ثمّ قالوا لي بغيبٍ لا تشل |
قال مجاهد : نافق فيها. ثمّ والله ما بقي في عسكره أحد إلّاتركه. أي عابه وذمّه» (٢).
ورواه ابن كثير ـ ولم يطعن في سنده ، إلّاأنّه قال في محمّد بن حميد الرازي : «هو شيعي» ، وذكر بيتين بعدهما :
حين حكت بفناءٍ بركها |
|
واستحرّ القتل في عبد الأسل |
قد قتلنا الضعفَ من أشرافكم |
|
وعدلنا ميلَ بدرٍ فاعتدل» (٣) |
أمّا الذهبي ، فقد أسقط من الأخبار كلّ الأشعار (٤)!!
لكنّ الأبيات في تاريخ الطبري ـ في كتاب المعتضد العباسي ـ خمسة ، وخامسها الذي لم يذكروه :
ولعت هاشم بالملك فلا |
|
خبر جاء ولا وحي نزل (٥) |
__________________
(١). الرد على المتعصب العنيد : ٤٥
(٢). الرد على المتعصب العنيد : ٤٧ ـ ٤٨
(٣). البداية والنهاية ٨ / ١٥٣ ـ ١٥٤
(٤). أنظر : سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٠٩
(٥). تاريخ الطبرى ٥ / ٦٢٣