تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٧

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٧

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٥
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

٨٧٧٢ ـ أبو القاسم بن رزيق البغدادي

كان بأطرابلس ، من ساحل دمشق.

حكى عن الشبلي.

حكى عنه أبو الفضل السعدي ، نزيل مصر ، وهو محمّد بن عيسى القاضي.

فقال : حدّثنا أبو القاسم بن رزيق البغدادي بطرابلس ، قال : سمعت الشبلي ينشد :

كادت سرائر سرّي أن تشير بما

أوليتني من سرور لا أسميه

فصاح بالسّر سر منك نرقبه

كيف السرور يسرّ دون مبديه

فظلّ يلحظني سرّي لألحظه

والحقّ يلحظني أن لا أراعيه

وأقبل الحقّ يفني اللّحظ عن صفتي

وأقبل اللّحظّ يفنيني وأفنيه (١)

٨٧٧٣ ـ أبو قتادة بن ربعي يقال : اسمه الحارث بن ربعي. ويقال : نعمان

ابن ربعي (٢) وقيل : عمرو بن ربعي (٣) ، الأنصاري الخزرجي (٤)

فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعاذ بن جبل.

روى عنه جابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وابنه عبد الله بن أبي قتادة ، وسعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن ، وعمرو بن سليم الزرقي ، وعبد الله بن رباح الأنصاري ، وعلي بن رباح ، وعطاء بن يسار ، وعبد الله بن معبد الزماني ، وغيرهم (٥).

وقدم على معاوية.

قال أبو زرعة : قدم علينا دمشق من الأنصار في إمرة معاوية : أبو أيوب وأبو قتادة الحارث بن ربعي.

__________________

(١) عزيت الأبيات بهامش مختصر ابن منظور إلى الحلاج.

(٢) استدركت عن هامش مختصر أبي شامة. وفي مختصر ابن منظور : نعمان بن عوف بن ربعي.

(٣) زيد بعدها في مختصر ابن منظور : وهو ابن بلدمة بن خناس الأنصاري.

(٤) ترجمته في تهذيب الكمال ٢١ / ٤٦٠ تهذيب التهذيب ٦ / ٤٣٦ وطبقات ابن سعد ٦ / ١٥ وتاريخ خليفة (الفهارس) والجرح والتعديل ٣ / ٧٤ وأسد الغابة ٥ / ٢٥٠ والإصابة ٤ / ١٥٨ والاستيعاب ٤ / ١٦١ (هامش الإصابة) والتاريخ الكبير ٢ / ٢٥٨.

(٥) انظر تهذيب الكمال ٢١ / ٤٦٠ ـ ٤٦١ وفيه أسماء كثيرة أخرى رووا عنه.

١٤١

قال ابن سعد (١) في الطبقة الثانية : أبو قتادة بن ربعي ، وساق نسبه من قبل أبيه وأمّه إلى سلمة ، ثم قال : واختلف علينا في اسم أبي قتادة ، فقال محمّد بن إسحاق : الحارث بن ربعي ، وقال عبد الله بن محمّد بن عمارة الأنصاري ومحمّد بن عمر : النعمان بن ربعي.

وقال غيرهما : عمرو بن ربعي ، وقال في موضع آخر : قال محمّد بن عمر : اسمه النعمان بن ربعي.

قال الهيثم بن عدي : اسمه عمرو بن ربعي ، وقال غيرهما : اسمه الحارث بن ربعي ، وهو أحد بني سلمة بن سعد بن الخزرج ، شهد أحدا والخندق وما بعد ذلك من المشاهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال ابن البرقي : توفي سنة أربع وخمسين.

قال الحافظ أبو القاسم :

وقول من سماه الحارث أشهر ، وقائلوه أكثر.

قال أبو أحمد الحاكم : مات بالمدينة سنة أربع وخمسين ، وهو ابن سبع وخمسين سنة ، ويقال : صلى عليه علي بن أبي طالب ، وقتل علي سنة أربعين ، ويقال : كان بدريا ولا يصح ذلك (٢).

وقال أبو نعيم الأصبهاني :

أبو قتادة [الأنصاري] من خير فرسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان يخضب بالصفرة توفي وله سنّة.

وقال الخطيب : وكان من أفاضل الصحابة ، لم يشهد بدرا وشهد ما بعدها ، وعاش إلى خلافة علي بن أبي طالب ، حضر معه قتال الخوارج بالنهروان .... (٣) المدائن في صحبته ، ومات في خلافته وقيل : بل بقي بعده زمنا طويلا.

قال البخاري (٤) :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٦ / ١٥.

(٢) تهذيب الكمال ٢١ / ٤٦١ نقلا عن الحاكم.

(٣) كلمة غير واضحة في مختصر أبي شامة.

(٤) التاريخ الكبير للبخاري ٢ / ٢٥٨.

١٤٢

قال لي أبو الوليد : حدّثنا عكرمة بن عمار عن إياس (١) بن سلمة عن أبيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة» ، وعن قتادة عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة الأنصاري أنه قال : بينما نحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض أسفاره إذ مال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن راحلته فدعمته ، واستيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم سرنا ، فمال ، فدعمته بيدي فاستيقظ ، فقال : «أبو قتادة؟» فقلت : نعم يا رسول الله ، قال : «حفظك الله كما حفظتني منذ الليلة لا أرى إلا قد شققنا عليك ، تنحّ بنا عن الطريق. أو قال : مل بنا عن الطريق» (٢) [١٣٥٢٤].

روى أبو قتادة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إذا أقيمت الصّلاة ، فلا تقوموا حتى تروني ، وعليكم بالسّكينة».

أمّ أبي قتادة : كبشة بنت مطهّر بن حرام بن سواد بن غنم. وقيل : كبشة بنت عباد بن مطهر.

قال أبو يعلى : حدّثنا ... (٣) حدّثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح الأنصاري ، عن أبي قتادة قال :

خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشية قال : «إنكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم ، وتأتون الماء غدا». فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد في مسيرهم ، فإني أسير إلى جنب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ابهارّ الليل (٤) إذ نعس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمال عن راحلته. ثم سرنا حتى إذا تهوّر الليل (٥) مال ميلة أخرى فدعمته من غير أن أوقظه ، فاعتدل على راحلته ، ثم سرنا حتى إذا كان من السّحر مال ميلة هي أشدّ من الميلتين ، حتى كاد (٦) أن ينجفل (٧) ، فدعمته ، فرفع رأسه فقال : «من هذا؟» قلت : أبو قتادة. قال : «متى كان هذا مسيرك مني»؟ قلت : هذا مسيري منك منذ الليل. قال : «حفظك الله بما حفظت به نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم». ثم قال : «أترانا نخفى على الناس؟ هل ترى من

__________________

(١) في مختصر أبي شامة : قيس ، والمثبت عن البخاري.

(٢) الإصابة ٤ / ١٥٩ من هذا الطريق ، وسير الأعلام ٢ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

(٣) كلمة غير واضحة في مختصر أبي شامة.

(٤) ابهارّ الليل : انتصف.

(٥) تهور الليل أي ذهب أكثره ، كما يتهور البناء إذا تهدم (النهاية).

(٦) في مختصر أبي شامة : حتى إذا كان ينجعل.

(٧) ينجفل أي كاد ينقلب عنها ويسقط.

١٤٣

أحد؟» قلت : هذا راكب ، هذا آخر قال : فاجتمعنا فكنا سبعة ، فاعتزل عن الطّريق ، ثم وضع رأسه ثم قال : «احفظوا علينا صلاتنا». فكان أوّل من انتبه والشمس في ظهره ، فقمنا فزعين ، فجعل بعضنا يهمس بعضا : ما صنعنا في تفريطنا في صلاتنا؟ فقال : «ما هذا الذي تهمسون؟» قلنا : يا رسول الله ، لتفريطنا في صلاتنا. فقال : «أما لكم فيّ أسوة؟ التّفريط ليس في النّوم ، التفريط لمن لم يصلّ الصلاة حتى يجيء وقت أخرى ، فإذا فعل ذلك فليصلّها إذا انتبه لها ، ثمّ ليصلّها الغد لوقتها». ثم نزل ، ثم دعا بميضأة كانت عندي ، فتوضأ وضوءا دون وضوء ، ثم قال : «يا أبا قتادة ، احفظ ميضأتنا هذه فسيكون لها نبأ» ، ثم صلى ركعتين قبل صلاة الفجر ، ثم صلى صلاة الفجر كما كان يصلي ، ثم قال : «اركبوا». فركبنا ، فانتهينا إلى الناس حين تعالى النهار ، أو حين حميت الشمس. شك سليمان. وهم يقولون : يا رسول الله ، هلكنا عطشا. قال : «لا هلاك عليكم». ثم نزل ثم قال : «أطلقوا لي غمري» (١) ، فأطلق له. ثم دعا بالميضأة التي كانت عندي ، فجعل يصبّ عليّ وأسقيهم ، فلما رأى القوم ما في الميضأة تكابّوا (٢) عليها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحسنوا الملأ ، كلكم سيروى». فجعل يصب عليّ فأسقيهم ، حتى ما في القوم أحد إلّا شرب ، غيري وغير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال : «اشرب يا أبا قتادة». فقلت : يا رسول الله ، أشرب قبل أن تشرب؟! قال : «إن ساقي القوم آخرهم». فشربت وشرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[قال (٣) عبد الله بن رباح : إني لفي مسجد الجامع أحدّث هذا الحديث إذ قال عمران ابن حصين : انظر أيها الفتى كيف تحدّث ، فإني كنت أحد الرّكب تلك الليلة؟ قلت : أبا نجيد (٤) فحدّث القوم ، أنت أعلم. قال : من أنت؟ قلت : أنا من الأنصار. قال : فأنتم أعلم بحديثكم ، فحدّث القوم. فحدثتهم ، فقال : لقد شهدت تلك الليلة ، ما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته].

قال سليمان الطبراني (٥) : حدّثنا عبدة بنت عبد الرّحمن بن مصعب بن ثابت بن عبد الله ابن أبي قتادة حدّثني أبي عبد الرّحمن عن أبيه مصعب عن أبيه ثابت عن أبيه عبد الله بن أبي

__________________

(١) الغمر : القدح الصغير (النهاية).

(٢) تكابوا عليها : أي ازدحموا.

(٣) ما بين معكوفتين زيادة عن مختصر ابن منظور.

(٤) أبو نجيد ، كنية عمران بن حصين بن عبيد بن خلف ، راجع ترجمته في تهذيب الكمال ١٤ / ٣٨١.

(٥) من طريقه رواه ابن حجر في الإصابة ٤ / ١٥٨.

١٤٤

قتادة عن أبيه أبي قتادة أنه حرس النبي ليلة بدر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم احفظ أبا قتادة كما حفظ نبيك هذه الليلة» [١٣٥٢٥].

وبإسناده عن أبي قتادة (١) قال : أغار (٢) المشركون على لقاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فركبت فأدركتهم فأظفر بهم وقتلت مسعدة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين رآني : «أفلح الوجه ، اللهمّ اغفر له ، ثلاثا» ونفّلني سلب مسعدة. قال الطبراني : لم يرو هذه الأحاديث عن أبي قتادة إلّا ولده ، ولا سمعناها إلّا من عبدة ، وكانت امرأة فصيحة عاقلة متدينة.

وقالت عبدة حدّثني أبي عن أبيه عن جده عن أبيه قال : قال أبو قتادة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

إني جيد السلاح ، وجيد القلب وفرسي قوي ، فأرسلني يا نبي الله يمنة ويسرة. فقال : «إني أشفق عليك يا أبا قتادة». قال : ثم وقع في عينه سهم فأخرجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتفل في عينه. قال ابن سعد : أخبرنا عارم بن الفضل ، حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب ، عن محمّد بن سيرين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل إلى أبي قتادة فقيل : يترجّل. ثم أرسل إليه ، فقيل : يترجل. ثم أرسل إليه ، فقيل : يترجل ، فقال : «احلقوا رأسه» ، فجاء فقال : يا رسول الله ، دعني هذه المرة ، فو الله لأعتبنّك. فكان أول ما لقي قتل مسعدة (٣) رأس المشركين.

أخبرنا معن بن عيسى حدّثنا محمّد بن عمرو عن محمّد بن سيرين : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى أبا قتادة يصلي ويبقى شعره ، فأراد أن يحزه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن تركته أن أرضيك» فتركه ، فأغار مسعدة الفزاري على سرح أهل المدينة فركب أبو قتادة ، فلقي مسعدة فقتله.

أخبرنا معن بن عيسى ، حدّثنا عبد الرّحمن بن زيد ، عن زيد بن أسلم : أن أبا قتادة قال حين توجه إلى اللّقاح (٤) :

ألا عليك الخيل إن ألمّت

إن لم أدافعها فجزوا لمّتي (٥)

قال الواقدي (٦) : حدّثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ، عن أبيه ، قال : قال أبو قتادة :

__________________

(١) الإصابة ٤ / ١٥٨.

(٢) في الإصابة : انحاز.

(٣) هو مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري ، قاله ابن الأثير في أسد الغابة ٥ / ٢٥١.

(٤) اللقاح : الإبل الحوامل ذوات الألبان.

(٥) الرجز في الأغاني ٥ / ٤٤ ونسبه إلى جحدر بن ضبيعة بن قيس قاله يوم قضة ، وكان بين بكر وتغلب ، وقيل إن قائله : صخر بن عمرو السلمي.

(٦) الخبر رواه محمد بن عمر الواقدي في المغازي ٢ / ٥٤٤.

١٤٥

إني لأغسل رأسي ، قد غسلت أحد شقّيه ، إذ سمعت فرسي جروة تصهل وتبحث (١) بحافرها ، فقلت : هذه حرب قد حضرت. فقمت ولم أغسل شقّ رأسي الآخر ، فركبت وعليّ بردة لي ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصيح : «الفزع ، الفزع». قال : وأدرك المقداد بن عمرو ، فسايرته ساعة ، ثم تقدّمه فرسي ، وكانت أجود من فرسه ، وقد أخبرني المقداد. وكان سبقني. بقتل مسعدة محرزا. يعني ابن نضلة. قال أبو قتادة للمقداد : أبا معبد ، أنا أموت أو أقتل قاتل محرز. فضرب فرسه فلحقهم أبو قتادة ، ووقف له مسعدة ، وحمل عليه أبو قتادة بالقناة ، فدقّ صلبه ، ويقول : خذها وأنا الخزرجي ، ووقع مسعدة ميتا ، ونزل أبو قتادة فسجّاه ببردته ، وجنّب فرسه معه ، وخرج يحضر في إثر المقداد حتى تلاحق الناس. قال أبو قتادة : فلما مرّ الناس نظروا إلى بردة أبي قتادة عرفوها ، فقالوا : هذا أبو قتادة قتيل! واسترجع أحدهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ، ولكنه قتيل أبي قتادة» ، وجعل عليه بردته (٢) ليعرفوا أنه قتيله (٣) ، فخلّوا بين أبي قتادة وبين قتيله وسلبه وفرسه» ، فأخذه كلّه. وكان سعد (٤) بن زيد. يعني الأشهلي. قد أخذ سلبه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا والله ، أبو قتادة قتله ، ادفعه إليه».

فحدّثني (٥) عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه أبي قتادة قال :

لمّا أدركني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ ونظر إلي قال : «اللهمّ ، بارك له في شعره وبشره». وقال : «أفلح وجهك». فقلت : ووجهك يا رسول الله. قال : «قتلت مسعدة؟» قلت : نعم. قال : «فما هذا الذي بوجهك؟» قلت : سهم رميت به يا رسول الله. قال : «فادن مني». فدنوت منه ، فبصق عليه.

فما ضرب (٦) عليه قط ولا قاح.

فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين ، وكأنه ابن خمس عشرة سنة. قال : وأعطاني يومئذ فرس مسعدة وسلاحه وقال : «بارك الله لك فيه» [١٣٥٢٦].

أخبرنا ابن سعد أخبرنا معن بن عيسى حدّثنا مالك بن أنس (٧) عن يحيى بن سعيد ،

__________________

(١) البحوث من الإبل التي إذا سارت تبحث التراب بأيديها أخرا ، أي ترمي إلى خلفها (تاج العروس : بحث).

(٢) في مختصر أبي شامة : «برده» وفي ابن منظور : «بردة» والمثبت عن المغازي.

(٣) في مختصر ابن منظور : قتله.

(٤) في مختصر أبي شامة : سعيد ، تصحيف ، والمثبت عن مغازي الواقدي.

(٥) القائل الواقدي ، والخبر في المغازي ٢ / ٥٤٥.

(٦) ضرب الجرح : اشتد وجعه (الأساس : ضرب).

(٧) موطأ مالك ٢ / ١٠ ، ١٢ والخبر من هذا الطريق رواه البيهقي في دلائل النبوة ٥ / ١٤٨.

١٤٦

عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمّد مولى أبي قتادة عن [أبي قتادة الأنصاري ثم السلمي قال :

خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة [قال](١) فرأيت](٢) رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ، فأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت فيها ريح الموت ، ثم أدركه الموت ، فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له : ما بال الناس؟ قال : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا [وجلس] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه». فقمت ثم قلت : من يشهد لي ، ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة ، فقمت. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما لك يا أبا قتادة؟» فاقتصصت عليه القصة ، فقال رجل من القوم : صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فارضه منه [وأعضيها] فقال أبو بكر الصدّيق : لا ها الله (٣) إذا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدق ، فأعطه إيّاه» قال أبو قتادة : فأعطانيه ، فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام (٤).

قال أحمد بن حنبل : حدّثنا بهز بن أسد أبو الأسود العمي حدّثنا حماد بن سلمة أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك قال :

وقال أبو قتادة : يا رسول الله ، ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع فأجهضت عنه ، فانظر من أخذها ، فقام رجل فقال : أنا أخذتها فارضه منها ، واعطنيها ، قال : وكان

__________________

(١) سقطت من مختصر أبي شامة.

(٢) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش مختصر أبي شامة.

(٣) لا ها الله : ها للتنبيه ، وقد يقسم بها ، يقال : ها الله ما فعلت كذا. قال ابن مالك : فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه ، قال : ولا يكون ذلك إلّا مع الله.

(٤) عقب أبو شامة بعد إيراده الحديث : قلت : هذا حديث صحيح من حديث مالك ، متفق عليه ، أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، ولأهل العربية في هذه اللفظة بعد القسم بحث مليح دقيق ويرون أنه بلفظ ذا ، الذي هو اسم إشارة لا لفظ إذا الذي هو حرف جواب وجزاء. وقال أبو عبد الله الحميدي عقيب هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين : سمعت بعض أهل العلم فيما مضى من الزمان وقد أجرى ذكر هذا الحديث فقال : لو لم يكن من فضيلة أبي بكر الصديق إلّا هذا فإنه بثاقب علمه وشدة صرامته وقوة إنصافه وصحة توفيقه وصدق تحقيقه بادر إلى القول بالحق فزجر وأفتى وحكم وأمضى ، وأخبر في الشريعة عن المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحضرته وبين يديه بما صدقه فيه وأجرأه على قوله ، وهذا من خصائصه الكبرى ، إلى ما لا يحصى من فضائله الأخرى.

١٤٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يسأل شيئا إلّا أعطاه أو سكت ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عمر : لا والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «صدق عمر» [١٣٥٢٧].

وقال أحمد بن منصور بن سيار ، حدّثنا أبو الوليد عكرمة بن قتادة بن يحيى بن عبد الله ابن أبي قتادة حدّثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أنّه قال :

خرجت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة حنين ، فلما التقينا جعل رجل من المشركين يفعل بالمسلمين ويذر ، ثم وجد غمزا في بطنه ، فخرج من الصف ، فخرجت في إثره ، فبدرني وفي يده سيفه وترسه ، وفي يدي سيفي وترسي ، فأقبل عليّ بوجهه فقال : أما ترى ما أصنع بأصحابك منذ اليوم؟ ارجع. فأقبلت إليه وما أكلمه ، فأقبل إلى يرمي بزبد كزبد البعير ، فلما دنا مني حمل عليّ ضربتين : ضربة اتقيتها بترسي ، فعضّ ترسي على سيفه ، وضربته ضربة على حبل عاتقه ، فجافته ، فلما وجد طعم الموت خلّى سيفه ، ثم ضمني إليه ، فو الذي أكرم محمّدا بما أكرمه به لو لا أن نفسه عجلت ؛ لظننت أن نفسي تخرج قبل نفسه. قال : ثم رجعت إلى موضعي فقاتلت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى هزمهم الله [قال :] ثم جمعت الأسلاب ، فكان الرجل عليه سلب كامل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من عرف سلبا فليقم فليأخذه» قال : فهممت بالقيام ثم ثبتّ. [قال :] فعلت ذلك مرة أو مرتين فرمقني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا أبا قتادة ، ما لي أراك تهمّ بالقيام ثم تجلس؟» فقلت : لا شيء يا رسول الله. قال : «أشهد لتخبرني». قلت : يا رسول الله ، إن رجلا من المشركين كان يفعل في المسلمين ويذر ، فخرج من الصف ، وخرجت فقتلته ، وكان عليه سلب كامل ؛ فلم أره يا رسول الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أخذ سلب قتيل أبي قتادة؟» فقال رجل من الصحابة : أنا يا رسول الله ، فأرضه عني. قال : فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقل شيئا. فقام عمر بن الخطاب ، فقال : لا والله ، لا يقوم أسد من أسد الله عزوجل يقاتل في الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويكون غيره أسعد بسلب قتيله. فقام الرجل فجاء به ، فقال : هو ذا يا رسول الله. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذه يا أبا قتادة». قال أبو قتادة : فأخذته ، فبعته بسبع أواق من ذهب ، فاشتريت مخرفا (١)(٢) في بني سلمة ، فكان أول مال اعتقدته (٣) في الإسلام [من نائل](٤)(٥).

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل في المسند ٤ / ٣٨٠ رقم ١٢٩٧٦ طبعة دار الفكر وسير الأعلام ٢ / ٤٥٥.

(٢) المخرف : الحائط من النخل.

(٣) أي : اقتنيته.

(٤) الزيادة عن مختصر ابن منظور.

(٥) زيد في مختصر ابن منظور : وفي رواية : فبعته من حاطب بن أبي بلتعة.

١٤٨

قال ابن سعد (١) :

ثم سرية أبي قتادة بن ربعي إلى خضرة (٢) ، وهي أرض بني محارب بنجد ، في شعبان سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا :

بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا قتادة ومعه خمسة عشر رجلا إلى غطفان ، وأمره أن يشنّ عليهم الغارة. فسار الليل ، وكمن النهار ، فهجم على حاضر منهم عظيم ، فأحاط بهم (٣) فصرخ رجل منهم : يا خضرة! وقاتل منهم رجال ، فقتلوا من أشرف (٤) لهم واستاقوا النّعم ، فكانت الإبل مائتي بعير ، والغنم ألفي شاة ، وسبوا سبيا كثيرا ، وجمعوا الغنائم ، فأخرجوا الخمس فعزلوه ، وقسموا ما بقي على أهل السّرية ، فأصاب كل رجل اثنا عشر بعيرا ، فعدل البعير بعشر من الغنم ، وصارت في سهم أبي قتادة جارية وضيئة ، فاستوهبها منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوهبها له ، فوهبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمحمية بن جزء ، وغابوا في هذه السرية خمس عشرة ليلة.

وقال ابن سعد (٥) :

ثم سرية أبي قتادة بن ربعي إلى بطن إضم في أول شهر رمضان سنة ثمان [من مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٦) قالوا :

لما همّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغزو أهل مكة ، بعث أبا قتادة في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم ، وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة ، وبينها وبين المدينة ثلاثة برد ، ليظنّ ظان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم توجّه إلى تلك النّاحية ، ولأن تذهب بذلك الأخبار ، وكان في السّرية محلّم بن جثّامة الليثي ، فمرّ عامر بن الأضبط الأشجعي ، فسلّم بتحية الإسلام ، فأمسك عنه القوم ، وحمل عليه محلّم بن جثّامة فقتله وسلبه بعيره ومتاعه ، ووطب لبن كان معه ، فلما لحقوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ نزل فيهم القرآن : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ)(٧) إلى آخر الآية.

__________________

(١) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٢) خضرة بفتح أوله وكسر ثانيه ، (راجع معجم البلدان ٢ / ٣٧٧).

(٣) في مختصر أبي شامة : «به» والمثبت عن ابن سعد.

(٤) أي ظهر لهم منهم.

(٥) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١٣٣.

(٦) ما بين معكوفتين زيادة عن ابن سعد.

(٧) سورة النساء ، الآية : ٩٤.

١٤٩

فمضوا ولم يلقوا جمعا. فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب ، فبلغهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد توجّه إلى مكة فأخذوا على يين (١) حتى لقوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسّقيا (٢).

قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن : كان أبو قتادة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفرسانه.

قال أبو سعيد الخدري :

أخبرني من هو خير مني أبو قتادة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمّار بن ياسر : «تقتلك الفئة الباغية» (٣) [١٣٥٢٨].

قال أبو يعلى الموصلي : حدّثنا عبد الأعلى ، حدّثنا حماد بن سلمة ، حدّثنا أبو جعفر الحطمي عن محمّد بن كعب القرظي أن أبا قتادة :

كان له على رجل دين ، فكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه ، فجاء ذات يوم ، وثمّ صبي ، فسأل عنه فقال : نعم ، هو في البيت يأكل خزيرة (٤) ، فناداه : يا فلان ، اخرج إلي فإني قد أخبرت أنك هاهنا. فخرج إليه ، فقال : ما يغيّبك عني؟ فقال : إني معسر ، وليس عندي شيء. قال : آلله ، إنك معسر؟ قال : نعم. فبكى أبو قتادة وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من ترك لغريمه أو محا عن غريمه كان في ظلّ العرش يوم القيامة» (٥) [١٣٥٢٩].

قال أبو العباس السراج حدّثنا قتيبة حدّثنا عبد العزيز بن محمّد عن أسيد بن أبي أسيد عن أبيه قال :

قلت لأبي قتادة : ما لك لا تحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما يحدث عنه الناس؟ فقال أبو قتادة : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من كذب عليّ فليسهل لجنبه مضجعا من النار». وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ذلك ، ويمسح الأرض بيده (٦) [١٣٥٣٠].

قال ابن سعد (٧) : أخبرنا أبو الوليد الطيالسي ، حدّثنا عكرمة بن عمار حدّثني عبد الله

__________________

(١) في طبقات ابن سعد : «يبين» ، ويين : ناحية من أعراض المدينة على بريد منها (معجم البلدان ٥ / ٤٥٤).

(٢) السقيا : قرية في طريق مكة (انظر معجم ما استعجم للبكري).

(٣) رواه الذهبي في سير الأعلام ٢ / ٤٥٢.

(٤) الخزيرة ، مرقة ، وهي أن تصفى بلالة النخالة ثم تطبخ (اللسان).

(٥) عقب أبو شامة بعد الحديث : قلت : وفي الصحيح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم امتنع من الصلاة على ميت كان عليه دين. فقال أبو قتادة : هو عليّ يا رسول الله ، فصلى عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٦) رواه الذهبي في سير الأعلام ٢ / ٤٥٢ من طريق الدراوردي.

(٧) رواه الذهبي في سير الأعلام ٢ / ٤٥٢ من طريق ابن سعد.

١٥٠

ابن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب بعث أبا قتادة فقتل ملك فارس بيده ، وعليه منطقته ثمنها خمسة عشر ألف درهم ، فنفلها إياه عمر.

قال ابن سعد : أخبرنا أبو بكر عبد الله بن أبي أويس ، حدّثني سليمان بن أبي بلال عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن أمه قالت :

قلنا لأبي قتادة ، فذكر نحوه ، وقال : من كذب علي متعمدا ، قال : وجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقوله وهو يمسح الأرض.

وعن كعب بن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن أبيه ، قال :

قلت لأبي قتادة حدّثني بشيء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إني أخشى أن يزل لساني بشيء لم يقله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إني سمعته يقول : «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» [١٣٥٣١].

قال خليفة (١) : في تسمية عمال علي على مكة :

عزل عليّ خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي عن مكة وولاها أبا قتادة الأنصاري ثم عزله وولّى قثم بن عباس ، فلم يزل عليها واليا حتى قتل علي.

قال عبد الرزّاق (٢) : أخبرنا معمر عن عبد الله بن محمّد بن عقيل :

أن معاوية لمّا قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري فقال : تلقّاني الناس كلّهم غيركم يا معشر الأنصار ، فما منعكم أن تلقوني؟ قالوا : لم يكن لنا دواب. قال معاوية : فأين النواضح (٣)؟ فقال أبو قتادة : عقرناها في طلب أبيك يوم بدر. ثم قال أبو قتادة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لنا : «سترون بعدي أثرة» (٤). فقال معاوية : فما أمركم؟ قال : أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. قال : فاصبروا حتى تلقوه. فقال عبد الرّحمن بن حسّان حين بلغه ذلك :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

أمير المؤمنين ثنا كلام

فإنّا صابرون ومنظروكم

إلى يوم التّغابن والخصام

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٢٠١.

(٢) أخرجه عبد الرزّاق في المصنف الجامع رقم ١٩٩٠٩ ، ورواه الذهبي في سير الأعلام ٢ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣ من طريق معمر.

(٣) النواضح : الإبل التي يستقى عليها ، الواحد : ناضح.

(٤) أي أنه سيستأثر عليكم ، فيفضل غيركم عليكم في نصيبه من الفيء.

١٥١

قال الشعبي : دخل أبو قتادة بن ربعي على معاوية وعنده عبد الله بن مسعدة بن حكمة ابن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري ، فجلس ، فوقع رداء أبي قتادة على ظهر عبد الله فنفضه نفضا شديدا. فقال أبو قتادة : من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال : بخ ، هذا عبد الله بن مسعدة بن حكمة. قال : نعم ، أنا والله دفعت جفر (١) أبي هذا في بطنه يوم أغار على سرح المدينة (٢).

[أرسل مروان إلى أبي قتادة ، وهو على المدينة](٣) ، أن اغد معي حتى تريني مواقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه. فانطلق مع مروان حتى قضى حاجته.

قال يعقوب بن سفيان (٤) : حدّثنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل بن أبي خالد عن موسى بن عبد الله بن يزيد أن عليا صلى على أبي قتادة فكبّر عليه سبعا ، وكان بدريا.

قال البيهقي (٥) : هكذا روي وهو غلط ، لأن أبا قتادة بقي بعد عليّ مدة طويلة.

قال الخطيب (٦) : وقوله كان بدريا خطأ لا شبهة فيه ، لأن أبا قتادة لم يشهد بدرا ، ولا نعلم أهل المغازي اختلفوا في ذلك.

قال حنبل بن إسحاق حدّثنا غسان بن الربيع قال وبلغني أنه : توفي أبو قتادة سنة ثمان وثلاثين في خلافة عليّ ، وصلى عليه علي.

قال الواقدي (٧) : ولم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلافا أن أبا قتادة توفي بالمدينة ، وروى أهل الكوفة أنه توفي بالكوفة ، وعلي بن أبي طالب بها ، وهو صلى عليه والله أعلم.

قال الواقدي أيضا في هذا الحديث خصلتان : موته بالكوفة ، وإنما مات بالمدينة سنة خمس وخمسين وبين هذا وبين ما يقولون ثماني عشرة سنة ، وقبره ببني سلمة معروف ليس بين أحد فيه اختلاف ، وليس من أهل بدر.

__________________

(١) كذا في مختصر أبي شامة.

(٢) تقدم قريبا أن أبا قتادة قتل مسعدة بن حكمة.

(٣) الزيادة للإيضاح عن مختصر ابن منظور.

(٤) رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ١ / ٢١٥ وانظر سير الأعلام ٢ / ٤٥٣.

(٥) رواه البيهقي في السنن الكبرى ٤ / ٣٦ ونقله الذهبي في سير الأعلام ٢ / ٤٥٣ نقلا عن البيهقي.

(٦) راجع تاريخ بغداد ١ / ١٦١.

(٧) سير أعلام النبلاء ٢ / ٤٥٣.

١٥٢

وقال أبو جعفر الفلاس : مات أبو قتادة سنة أربع وخمسين بالمدينة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.

قال ابن عبد البر (١) : أبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يعرف ذلك ، اختلف في شهوده بدرا ، فقال بعضهم : كان بدريا ، ولم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد كلها ، وقال الواقدي : حدّثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن أبي قتادة قال : أدركني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم ذي قرد ، فنظر إليّ فقال : «اللهمّ بارك في شعره وبشره».

وروي من مرسل محمّد بن المنكدر وعطاء وعروة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبي قتادة : «من اتخذ شعرا فليحسن إليه أو ليحلقه» ، وقال له : أكرم جمتك وأحسن إليها ، فكان يرجلها غبّا.

وشهد مع علي مشاهده كلها في خلافته. وقيل مات سنة أربعين.

قال ابن سعد : أخبرنا معن بن عيسى ، حدّثنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد ، أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن لي جمة أفأرجلها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم ، وأكرمها» قال : فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكرمها.

وذكر ابن سعد أيضا أن أبا قتادة أحد من قص شعره عام الحديبية ذكر ذلك في غزوة الحديبية ، لا في ترجمة أبي قتادة.

قال الواقدي : حدّثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة قال : توفي أبو قتادة سنة أربع وخمسين ، وهو ابن سبعين سنة.

٨٧٧٤ ـ أبو قحافة بن عفيف المري (٢)

يقال إن له صحبة ، وسكن دمشق.

ذكر أبو الحسين الرازي قال : قال بعضهم إن الدار المعروفة بابن الدجاجية في غربي سقيفة (٣) جناح دار أبي قحافة ومعاوية ابني عفيف المريين ولهما صحبة.

__________________

(١) الاستيعاب لابن عبد البر ٤ / ١٦١ (هامش الإصابة).

(٢) ترجمته في الإصابة ٤ / ١٥٩ نقلا عن ابن عساكر.

(٣) في الإصابة : سويقة.

١٥٣

٨٧٧٥ ـ أبو قدامة

سمع أبا عبيدة ، ومعاذ بن جبل.

شهد خطبة عمر بالجابية ، سكن حمص.

له ذكر.

٨٧٧٦ ـ أبو قنان هو طلحة بن أبي قنان العبدري مولاهم ،

ويقال : صالح بن [أبي](١) قنان (٢)

من أهل دمشق.

سمع معاوية ، وفضالة بن عبيد.

روى عنه : سعيد بن عبد العزيز.

وقال ابن أبي داود : حدّثنا محمود بن خالد وعمرو بن عثمان قالا : حدّثنا الوليد عن عبد الرّحمن بن ميسرة ، حدّثني أبو قنان بن أبي قنان أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يقول :

يا أهل قردا ، ويا أهل خولان ، الجمعة ، الجمعة ، فإنا إنما نحبسها لئلا تفوتكم ـ وقال عمرو (٣) : لتحضروها ـ قال ابن أبي داود : هذا أصح. وأبو قنان بن أبي قنان قال محمود وعبد الرّحمن بن ميسرة من أهل مرو.

[قال ابن عساكر :](٤) كذا قال : والصواب من أهل دمشق.

قال أبو زرعة : حدّثنا دحيم ، حدّثنا الوليد ، حدّثنا سعيد ، حدّثني أبو قنان صالح بن أبي قنان قال :

كان فضالة بن عبيد يقوم في النّاس يوم الجمعة فيعظهم قبل خروج معاوية ، ثم يخرج معاوية فيخطب ويصلي بالناس.

وقال أحمد بن المعلى : حدّثنا صفوان بن صالح وعبد الرّحمن بن إبراهيم قالا : حدّثنا الوليد عن سعيد بن عبد العزيز أنّه حدّثه ، حدّثنا أبو قنان هو طلحة بن أبي قنان قال : كان فضالة بن عبيد ، فذكره.

__________________

(١) استدركت عن هامش مختصر أبي شامة.

(٢) ترجمته في تهذيب الكمال ٩ / ٢٦٣ وتهذيب التهذيب ٣ / ١٩ والإصابة ٢ / ٢٣٩.

(٣) يعني عمرو بن عثمان.

(٤) الزيادة منا.

١٥٤

قال ابن سميع : طلحة بن أبي قنان ، دمشقي ، مولى بني عبد الدار ، وأبوه الذي روى عنه سعيد عن أبي قنان ، سمع معاوية وفضالة بن عبيد دمشقي.

٨٧٧٧ ـ أبو قيس مولى الأزد

سمع عمر بن الخطاب.

له ذكر.

٨٧٧٨ ـ أبو قيس الدمشقي (١)

حدث عن عبادة بن نسي.

روى عنه أبو معاوية محمّد بن حازم الضرير.

ويقال إن أبا قيس هذا هو محمّد بن سعيد المصلوب ، ولا أظن ذلك إلّا وهما.

قال يحيى بن معين : ليس حديثه بشيء.

وقال غيره : هو ضعيف.

[حدّث عن عبادة بن نسيّ ، عن أبي مريم ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«من حافظ على الأذان سنة أوجب الجنّة» [١٣٥٣٢].

وحدّث عن عبادة عن أبيه أنه رأى أبا الدّرداء صلّى على مسح](٢).

٨٧٧٩ ـ أبو قيصر

مولى عبد الملك بن مروان.

حاكم إلى عمر بن عبد العزيز.

قال سريج بن يونس : حدّثنا عباد بن العوام عن عمرو بن سمول أن أبا قيصر مولى عبد الملك اشترى جارية فوطئها ، ثم وجد بها بخرة (٣) فأراد ردّها ، فقال له عمر بن عبد العزيز : يا أبا قيصر ، إنما التّلوّم قبل الغشيان.

__________________

(١) ترجمته في ميزان الاعتدال ٤ / ٥٦٤ وتهذيب الكمال ٢١ / ٤٦٧ وتهذيب التهذيب ٦ / ٤٣٨.

(٢) ما بين معكوفتين استدرك عن مختصر ابن منظور.

(٣) البخرة : الرائحة المتغيرة من الفم (انظر اللسان : بخر).

١٥٥

حرف الكاف

٨٧٨٠ ـ أبو كامل مولى الغاز بن ربيعة الحرشي

صحب مكحولا في الغزو.

روى عن سابق بن عبد الله البربري شيئا من شعره.

روى عنه أبو مسهر.

٨٧٨١ ـ أبو كبشة السّلولي (١)

روى عن عبد الله بن عمرو ، وسهل بن الحنظلية.

روى عنه حسان بن عطية ، وأبو سلام الخشني ، وربيعة بن يزيد.

قال الأوزاعي : حدّثني حسان بن عطية قال :

أقبل أبو كبشة السّلولي ونحن في المسجد الحرام ، فقام إليه مكحول وابن أبي زكريا ، وأبو مخرمة. فقال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «بلّغوا عني ولو آية ، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» (٢) [١٣٥٣٣].

[وحدّث (٣) عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«أربعون حسنة أعلاهنّ منحة العنز ، لا يعمل العبد بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة»].

[وحدث (٤) عن سهل بن الحنظليّة قال (٥) :

صلّينا العصر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسيره إلى حنين ، وأمر النّاس فنزلوا وعسكروا ، وأقبل

__________________

(١) ترجمته في تهذيب الكمال ٢١ / ٤٧٥ وتهذيب التهذيب وتقريبه الترجمة (٨٦٠٤) ط دار الفكر وميزان الاعتدال ٤ / ٥٦٤ والجرح والتعديل ٩ / ٤٣٠.

(٢) رواه المزي في تهذيب الكمال ٢١ / ٤٧٥ من طريق أبي نعيم الحافظ بسنده إلى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) الخبر التالي استدرك عن مختصر ابن منظور.

(٤) الحديث التالي استدرك عن مختصر ابن منظور.

(٥) الخبر في تهذيب الكمال ٢١ / ٤٧٥.

١٥٦

فارس فقال : يا رسول الله ، خرجت بين أيديكم حتى أشرفت على جبل كذا وكذا ، فإذا بهوازن على بكرة أبيها ، بظعنها ونعمها وشائها (١) ، فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «تلك غنيمة (٢) المسلمين غدا إن شاء الله عزوجل» [١٣٥٣٤].

قال ابن جابر : حدّثني سعد بن زيد قال :

قدم أبو كبشة دمشق في ولاية عبد الملك ، فقال له عبد الله بن عامر : ما أقدمك؟ لعلك قدمت تسأل أمير المؤمنين شيئا. قال : وأنا أسأل أحدا شيئا بعد الذي حدّثني سهل بن الحنظليّة؟! قال عبد الله بن عامر : وما الذي حدّثك؟ قال : سمعته يقول [قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عيينة بن بدر والأقرع بن حابس فسألاه فدعا معاوية فأمره بشيء لا أدري ما هو. فانطلق معاوية في الصحيفتين ، فألقى إلى عيينة بن بدر إحداهما ، وكان أحلم الرجلين ، فربطها في يد عمامته ، وألقى الأخرى إلى الأقرع بن حابس فقال لمعاوية : ما فيها؟ فقال : فيها الذي أمرت به. قال : بئس وافد قومي إن أنا أتيتهم بصحيفة أحملها لا أعلم ما فيها كصحيفة المتلمّس. قال : ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقبل على رجل يحدّثه ، فلما سمع مقالته أخذ الصحيفة ففضّها ، فإذا فيها الذي أمر به ، فألقاها ثم قام وتبعته حتى مرّ بباب المسجد ، فإذا بعير مناخ ، فقال : أين صاحب البعير؟ فابتغي فلم يوجد ، فقال : اتّقوا الله في هذه البهائم ، اركبوها صحاحا وكلوها سمانا ، ثم تبعته حتى دخل منزله ، فقال كالمتسخّط أنفا :](٣) «إنه من يسأل الناس عن ظهر الغنى ، فإنّما يستكثر من جمر جهنّم». فقلت : يا رسول الله ، وما ظهر الغنى؟ قال : «أن تعلم أنّ عند أهلك ما يغدّيهم أو يعشّيهم». قال : فأنا أسأل أحدا شيئا بعد هذا؟! [١٣٥٣٥].

قال ابن أبي حاتم (٤) :

أبو كبشة السّلولي روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وثوبان ، وسهل بن الحنظلية [روى عنه : حسان بن عطية سمعت أبي يقول ذلك. ويقول : لا أعلم أنه يسمى](٥).

ذكره أبو زرعة الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام (٦).

__________________

(١) في تهذيب الكمال : بظعنهم ونعمهم وشائهم.

(٢) في تهذيب الكمال : غنائم المسلمين.

(٣) ما بين معكوفتين استدرك عن مختصر ابن منظور.

(٤) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٩ / ٤٣٠.

(٥) ما بين معكوفتين زيادة استدركت للإيضاح عن الجرح والتعديل.

(٦) تهذيب الكمال ٢١ / ٤٧٤ نقلا عن أبي زرعة.

١٥٧

وذكره ابن سميع في الطبقة الثالثة (١) : أبو كبشة السّلولي من قيس ، قدم على عبد الملك.

قال أحمد العجلي (٢) : أبو كبشة السّلولي شامي تابعي ثقة.

٨٧٨٢ ـ أبو كثير الحارثي الداراني

روى عن أبي هريرة ، وخرشة (٣) بن الحارث.

روى عنه أبو عمرو كلثوم بن زياد الحارثي ، وثابت بن العجلان.

ذكره أبو زرعة في الطبقة الثالثة.

[حدّث (٤) عن خرشة بن الحارث المحاربي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«إنها ستكون بعدي فتن النّائم فيها خير من اليقظان ، والقاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، فمن أتت عليه فليأخذ سيفه ، ثمّ ليمش إلى صفاة (٥) فليضربها به حتى ينكسر ، ثم ليضطجع بها حتى تجلى عمّا انجلت عليه»].

٨٧٨٣ ـ أبو كرب العراقي

قدم دمشق غازيا واستشهد في قتال حرران (٦) عام حاصر مسلمة بن عبد الملك القسطنطينية ، له ذكر.

قال محمّد بن عائذ : قال الوليد : وقد كنت سمعت عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر يذكر :

أن نفرا من أهل دمشق كان يسميهم بأسمائهم ، فيهم رجل كنيته أبو كرب (٧) ، كان أصاب دما بالعراق فاستفتى جماعة من الفقهاء ، فاجتمع قولهم أنّهم لا يعرفون وجها إذا لم

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢١ / ٤٧٤.

(٢) تاريخ الثقات للعجلي ص ٥٠٨ رقم ٢٠٢١ ، ونقله المزي في تهذيب الكمال ٢١ / ٤٧٤ عن أحمد بن عبد الله العجلي.

(٣) في مختصر أبي شامة : «حرشة» تصحيف والصواب ما أثبت وهو خرشة بن الحارث المرادي البصري.

(٤) الخبر التالي استدرك عن مختصر ابن منظور.

(٥) الصفاة : صخرة ملساء.

(٦) كذا رسمها في مختصر أبي شامة.

(٧) في مختصر أبي شامة هنا : أبو كريب.

١٥٨

يعرف ولي الدم إلّا أن يجاهد في سبيل الله حتى يقتل. فلم تزل تلك حاله يغزو ويطلب القتل في الله حتى خرج هؤلاء النفر وساروا حتى إذا كانوا في بعض طريقهم خرج خارج منهم ليأتي بعنب فإذا بقبّة ذهب عليها جلال أخضر حرير ، وإذا فيها حوراء. كان يخبر عمّا رأى من حسنها. فقالت : إليّ ، فأنا زوجتك ، وأنت قادم علينا يوم كذا ، ومعك فلان وفلان. وسمّت أولئك النّفر. فانصرف الرّجل ولم يأت بعنب وأخبرهم بما رأى ، فكتب وصيّته وكتبوا. وكان مع شراحيل بن عبيدة وأصحابه ، فكان من مصيبتهم ما كان ، ثم أمر بانصراف النّاس إلى المرج الذي رجعت إليهم فيه برجان (١) فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل هؤلاء النفر جميعا ، فيهم أبو كرب. وأرسلت برجان النار على ذلك المرج وعلى قتلى المسلمين ، فحرقت ما حرقت ، وانتهت إلى أبي كرب وأصحابه ، فأطافت بهم ، ولم تأكل النّار منهم أحدا.

٨٧٨٤ ـ أبو كرب

حكى عنه : أبو أمية الكلاعي أنه كان فيمن نهب خزائن الوليد بن يزيد بدمشق. له ذكر. [قال (٢) : كنت في القوم الذين دخلوا يريدون قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال : وكنت فيمن نهب خزائنه بدمشق ، فدخلت إلى خزانة لهم فرأيت فيها سفطا (٣) مرفوعا ، فأخذته ، قلت : في هذا غناي. قال : فركبت فرسي ، وجعلته بين يدي ، وخرجت من باب توما ، فعدلت عن يميني ، وفتحت قفله فإذا أنا بحريرة (٤) في داخلها رأس مكتوب على بطاقة فيها : هذا رأس الحسين بن علي. فقلت : ما لكم لا غفر الله لكم. فحفرت له بسيفي حتى واريته].

حرف اللام

٨٧٨٥ ـ أبو لبيد الأشعري

ابن عم شهر بن حوشب ، أدرك الصحابة ، وكان ورعا.

__________________

(١) البرجان : جنس من الروم يسمون كذلك ، قال الأعشى :

وهرقل يوم ذي ساتيدما

من بني برجان في البأس رجح

(٢) الخبر التالي استدرك عن مختصر ابن منظور.

(٣) السفط : الوعاء الذي يوضع فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء.

(٤) الحريرة : واحدة الحرير من الثياب ، وهي من إبريسم (تاج العروس : حرر).

١٥٩

وصحب كعبا ، وهو الذي دفع إليه كعب الكتاب الذي وجد عند قبر دانيال ، وأمره أن يقذفه في البحر.

[حدّث (١) مطرف بن مالك (٢) قال (٣) : شهدت فتح تستر (٤) مع الأشعري (٥) فأصبنا قبر دانيال بالسوس (٦) ، وكانوا إذا استقوا استخرجوه فاستسقوا به ، وكان فيما وجدوا فيه [ريطتين من كتان ، وأصبنا معه ربعة](٧) فيها كتاب. فذكر خبر رجل نصراني يسمى نعيما وهب الرّيطة إلّا الكتاب ، ثم في إسلامه ، ثم في قراءة ذلك الكتاب حتى أتى على ذلك المكان (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٨) فأسلم منهم يومئذ اثنان وأربعون حبرا ، وذلك في خلافة معاوية ففرض لهم معاوية وأعطاهم.

وحدّث أبو تميمة أن عمر كتب إلى الأشعري : أن اغسله بالسدر وماء الريحان ، وأن تصلي عليه ، فإنه نبي دعا ربه ألّا يواريه (٩) إلّا المسلمون.

[حدّث] معاوية بن قرة (١٠) قال : تذاكرنا الكتاب إلى ما صار ، فمرّ علينا [شهر بن حوشب] فدعوناه ، فقال : على الخبير سقطتم ، إن الكتاب كان عند كعب [فلما احتضر قال] : ألا رجل ائتمنه على أمانة يؤديها؟ قال شهر : قال ابن عم لي يكنى أبا [لبيد : أنا فدفع] إليه الكتاب فقال : اذهب ، فإذا بلغت موضع كذا وكذا فادفنه فيه. يريد البحر. فذكر الحديث في خلاف الرجل ، وعلم كعب أنه لم يفعل ، ثم إنه فعل ، فانفرج الماء ، فقذفه فيه ، ورجع إلى كعب فعلم أنه قد صدق ، فقال : إنها التوراة كما أنزلها الله.

__________________

(١) الخبر التالي استدرك عن مختصر ابن منظور ، ومكانه في مختصر أبي شامة عبارة : «على ما ذكرنا في ترجمة مطرف بن مالك.

(٢) هو مطرف بن مالك بن أبو الرباب القشيري البصري ، تقدمت ترجمته في كتابنا تاريخ مدينة دمشق ٥٨ / ٣٣٧ طبعة دار الفكر.

(٣) الخبر رواه المصنف في ترجمة مطرف بن مالك ٥٨ / ٣٤١.

(٤) تستر من أكابر مدن خوزستان وأعظمها (راجع معجم البلدان).

(٥) يعني أبا موسى الأشعري.

(٦) السوس : بلدة بخوزستان بها قبر دانيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (معجم البلدان).

(٧) الزيادة للإيضاح عن ترجمة مطرف المتقدمة.

(٨) سورة آل عمران ، الآية : ٨٥.

(٩) في ترجمة مطرف المتقدمة ٥٨ / ٣٤٤ : يرثه.

(١٠) الخبر رواه المصنف في ترجمة مطرف بن مالك المتقدمة ٥٨ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

١٦٠