رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

فتح الله الصايغ الحلبي

رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

المؤلف:

فتح الله الصايغ الحلبي


المحقق: الدكتور يوسف شلحد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧

وشجاعة ومعرفة جيدة. فاختلينا مع المذكور وصرنا نتفاوض ونتكلم كثيرا. ففهمنا نيته وهو أنه يريد هذا الأمر ، ولكنه يخاف من تقلبات العرب. فهو يقول : إن العرب ليس لهم رباط ثابت ، وأخاف أن تتغير نواياهم ويفسد الرباط ، فأولا يكون نصيبنا الخجل ، وثانيا يشتد علينا من جديد ساعد العثماني والوهابي وتحرقنا نارهم. فأكدّنا له أن هذا الشيء لا يحصل لأننا عملنا رباطا عظيما ، بالشروط الواجبة ، وسوف يطّلع (١) عليها ويرى أن الرباط متين ، لا يستطيع أحد أن يخون من جميع الذين يدخلون معنا على هذا الرأي. فوثق (٢) بهذا الكلام وأعطى القول إنه سيحضر عندنا ويسمع [ما هو مكتوب] بالورقة ويضع ختمه عليها.

فقمنا من الخلوة مسرورين كافة ، وكان حضر طعام الغداء فوضعوه بالسهل ، أمام البيت ، في خمسة مناسف من النحاس ، كل واحد منها يستطيع أن يجلس فيه أربعة أنفار ، عليه من الأرز بعلو نحو ذراعين ، وفوقه خاروف محشي. ولكل منسف أربع آذان من نحاس. وحين وضع على السّفرة (٣) حمله أربعة عبيد. والشخص الذي يكون أمامك على السفرة ٢ / ٥٥ لا يراك ولا تراه / من علو الأرز وكثرته ، لأن الأرز عندهم كثير وهم يستوردونه من مرعش وملطية حيث ينتج بكثرة. وخبزهم من الحنطة ممتاز ، ويستوردون حنطتهم من بلاد الرها ، لأن الحبوب تطلع كثيرا في بلاد الرها أعني ديار بكر وغيرها.

ثم بعد الغداء وكان قرب المساء ، ابتدأت الطروش بالإياب ، من جمال ونوق وغنم وجواميس (٤) وخيل ، وأشياء لا توصف. فيطلع عندهم سمن وصوف وجمال يبيعون [منها] إلى بلاد الرها بمبالغ عظيمة. وأما نساؤهم فجميلات جدا ، ولباسهن أفخر من ملابس عرب عنزة : في أيديهن أساور فضة وحبال مرجان وحبال كهربا (٥) وفي أذانهن أحلاق فضة أو ذهب ، وفي أنوفهن خزائم (٦) من ذهب أو فضة أو نحاس ، [ويلبسن] القنابيز من القطن والحرير (٧). وكذلك لباس الرجال أحسن من لباس عرب عنزة. وكل ذلك من الخيرات التي تطلع عندهم.

__________________

(١) «وسوف تسمعهم».

(٢) «متأمن».

(٣) «الصفرا».

(٤) «جاموس».

(٥) «كاربا».

(٦) «خذامات».

(٧) «قنابيذ قطني حرير».

١٤١

وقبل المغرب ركبنا من عنده ، وأعطانا كلاما أنه بالغد سيحضر إلى عندنا. ولما كان الغد قبل الظهر حضر حمود عندنا وبصحبته ابن أخيه صقر الذي أتينا على ذكره ، وابنه وولده الذي يبلغ عمره سبع عشرة سنة اسمه تامر ، ونحو عشر رجال مسنين من خواص قبيلته ، ونحو ماية خيال لا غير. فترحبنا بهم ، وبعد شرب (١) القهوة عملنا خلوة وقرأنا له الورقة وأفهمناه معناها جيدا. وصار تفاوض وكلام كثير ورضي بجميع محتوياتها ، وأعطى كلاما ثابتا ووضع ختمه واسمه على تلك الورقة ، وصار فرح عظيم واتحاد ومحبة شديدة. وبعد الغداء ، قبل المغرب ، ركب وتوجه إلى بيته.

ومن هناك رحلنا ونزلنا بقرب نهر () (٢) ، وهو نهر عظيم ، وعليه دائما أناس بالفلائك ليقطع النهر من يريد بالاجرة. فبعد وصولنا بيوم ، حضر واحد بدوي من نواحي بلاد نجد على هجين. وقد جاء خصوصيا من عند أمير يقال له علي ابن أعواد وقبيلته يقال لها الخرصة (٣). وبصحبته مكتوب من المذكور إلى الدريعي ، لأنه صديقه الحميم. فقرأنا المكتوب وكان بهذه اللفظات :

السلام من علي ابن اعواد إلى الدريعي ابن شعلان. والثاني الذي بعلمك ، أعلمك ١ / ٥٦ الله علوم الخير يا وجه الخير ، نعرفك أن / نهار أمس حضر طروش من ناحية الدّرعيّة (٤) وأخبرونا أن ابن سعود زعلان كثيرا منك بسبب الأفعال التي تفعلها ضده. وجميع ما عملته صار معلوما عنده ، وقد فهم أن حكاية الرباط والشروط الذي فيه موجهة ضده ، والآن قد عزم على أن يكون ضدك وينفي ذكرك وذكر من يتحد معك من على وجه الأرض. وقد أوعز إلى كاخيته (٥) ومعتمده عبد الله الهدّال بذلك ، وأمر كافة العربان أن يكونوا تحت طاعته لأجل خرابك وخراب من يرتبط معك. وقد ابتدأ الآن عبد الله الهدال يأخذ التدابير اللازمة لذلك ، وكل بلاد الدرعية ونجد متقلقلة من ذلك ، وتريد كسر شأنك وتنكيس أعلامك ، لأن ابن سعود وكامل العربان فهموا جيدا أن هذا التدبير والرباط مع

__________________

(١) «شرف» ، ولعله من خطأ النسخ.

(٢) بياض في الأصل ، ويذكر الصائغ بعد قليل اسم هذا النهر فيقول الساجور ، والواقع أن الساجور يصب في الفرات قرب جرابلس ، إنما يريد الخابور.

(٣) «الخرسا» ؛ والخرصة من الفدعان من عنزة.

(٤) «الضرعية».

(٥) كدخدار أو كاخيا كلمة تركية تشير إلى موظف كبير يعتمد عليه القائم بالأمر في المهمات.

١٤٢

العثماني (١) لأجل خراب دولة الوهابي ، وامتلاك مكة والمدينة وارجاع الحج كما كان سابقا. فالرأي عندي أن ترفع من ذهنك جميع هذه الأمور الصعبة وتتجنب عمل الشيطان وتضع في رأسك عقل الرحمن ، وتميل إلى أبناء جنسك الذين لا يمكن أن يغشوك أو يخونوك ، وبذلك تكسب حالك ورجالك ومالك ، لأن ابن سعود سيفه طويل وماله كثير وجيوشه طوابير (٢) ، ولا يمكنك قتاله بل تخرب حالك بيدك وتندم حيث لا يعود يفيدك الندم. وأنا ناصحك من باب المحبة والصحبة وحق (٣) الخبز والملح. وقد أنذرتك بجميع ما حصل فافعل ما به خلاصك ولا تكن عنيدا والسلام.

ولما قرأت ذلك قال الدريعي : فشر ، الله أكبر عليه ، الله يدبر كل أمر (٤) عسير. وقال الشيخ إبراهيم : لقد ظن المغفل (٥) الوهابي أننا ننوي خرابه من طرف العثماني ، فهو غلطان جدا ، وأنا لا أريد أن يكون العثماني أقوى منه ولا أن يقوى هو على العثماني ، وكل مقصدي أن لا تكون يد أعلى علينا لا من هذا ولا من هذا ، حتى أذا أردنا أن نفعل أمرا في بريتنا لا يستطيع أحد أن يمنعنا عنه.

ثم قال الدريعي : اكتب يا عبد الله لعلي ابن عواد جواب مكتوبه بحسن معرفتك ، ٢ / ٥٦ ولكن إياك أن تظهر له باب الذل ، ولكن ليفهم أننا لسنا من طرف العثماني / بل نريد أن لا نكون تحت امره. فأخذت [ورقة] وكتبت له مكتوبا بهذه اللفظات :

من الدريعي ابن شعلان إلى علي ابن عواد ، وصل كتابكم وفهمنا خطابكم ، فبخصوص ما ذكرتم لنا عن ابن سعود ، فهذا وحق رب السموات والأرض لا أحسب له حسابا بثقل حبة خردل ، فليقدم على أكثر ما عنده ، والله أكبر من كل كبير ، وإن شاء الله سوف يرى ما يحل به من سطوة مولانا السلطان (٦) ، نصره المالك الرحمن ، وما سيجرى عليه وعلى بلاده ، هذا الظالم الغاشم الذي يريد أن يستعبد العربان ، ويملكهم تحت يده ، ويجري أوامره وغاياته عليهم ، وذلك راجع إلى خرابه وخراب كافة عربان ديرته والسلام.

__________________

(١) «الرباطات من العثماني».

(٢) فيالق.

(٣) «حقيقة».

(٤) «أمرا».

(٥) «التيس».

(٦) ما كتبه الصائغ يخالف الأوامر الصادرة من الدريعي.

١٤٣

وأعطينا الكتاب إلى المرسال (١). وسألناه من كم يوم خرجت من عند علي؟ قال : من ستة أيام. وكان راكبا هجينا خمساويا (٢) ، فتكون الجملة ثلاثين نهارا. ثم ركب وتوجه. وبعد ذهابه قال لي الدريعي : أني تعجبت منك كيف ذكرت في مكتوب عليّ سوف ترى ما يحل بك من سطوة السلطان ، وأظهرت كما لو أننا صحيحا من طرف العثماني بهذا الشغل. قلت : نعم وهذا هو التدبير الواجب ، دعه يظن أننا من أتباع العثماني ، فيدخل عليه بالأكثر الخوف والوهم بهذه الطريقة. وكذلك إن أتانا مكتوب من العثماني بهذا المعنى ، نظهر حالنا من طرف الوهابي ، ونقطع قلوبهم من سطوة الواحد على الآخر ، ونحن نستريح ونفعل ما نريد : هذا هو عين السياسة الصالحة لنا. ففرح من ذلك.

ثم رحلنا ثاني يوم وقطعنا نهرا يقال له الساجور (٣). فوجدنا هناك أناسا تقطعّ النهر بالفلائك لأنه نهر عظيم كبير وشاطئه كله رمل ومن الصعب جدا قطعه على ظهور الخيل إذ تغرز فيه رجل الدابة. فهذا النهر يقطع الجزيرة بالنصف ، ومواصل من الفرات إلى الدجلة (٤). ونزلنا على طرف النهر المذكور. وكان بالقرب منا قبيلة يقال لها الشرارات. ١ / ٥٧ أميرها اسمه عابد ابن اصبيح. فهذه القبيلة تحتوي على ألفين وثلاث مئة بيت ، رجالها أهل حرب / ولكنهم عنيدون جدا وغشماء نوعا ما ، ونساء هذه القبيلة أفهم من رجالها. ثم كتب الدريعي مكتوب سلام ومحبة إلى أميرها ودعاه لكي يحضر عندنا. فلما وصل المرسل [وقرأ الرسالة] غضب ومزّق المكتوب وقال : أنا عارف بجميع هذه الحيل (٥). قم وعد عند سيدك وقل له ما من جدوى ، والله العظيم ، إنه لن يراني في اتحادهم ، ولن يرى اسمي وختمي ولو فنيت أنا وكل عربي ومن يلوذ بي من القبائل والعشائر. فرجع المرسل وتكلم بجميع ما ذكرنا. فقال الدريعي : إني على علم تماما أنه سيحصل مثل هذه الأمور ، أولا لأن قبيلة الشرارات مشهورة بالغشم والجبن ، ثانيا لأنه توجد صداقة عظيمة بين عابد وعبد الله الهدال ، كاخيا ابن السعود ، وهو المسؤول لدى المذكور عن خرابنا. قلت : هذا رأي جيد ، ولكن كيف عرف عابد بهذه الأمور ، ومن أين له أن يعلم أن الوهابي قد اسند إلى عبد الله الهدال أمر مضادتنا؟

__________________

(١) المرسل أو الرسول.

(٢) الهجين الخمساوي يقطع في اليوم المسافة التي تقطع عادة في خمسة أيام.

(٣) يريد الخابور.

(٤) الواقع أن الخابور يصب مياهه في الفرات آتيا من نواحي الدجلة.

(٥) «الملاعيب».

١٤٤

قال : الذي أتى بمكتوب علي ابن عواد وأخذ جوابه قد يكون مرّ عليه أثناء مسيره من عندنا ، وحكى له جميع الواقع. ففحصنا عن ذلك ووجدنا أنه بالواقع مرّ به ، وأن ظنّ الدريعي بمحله. فقلت : وما يستحسن عمله الآن؟ قال : هذا السيف يفصل بيننا وبينه ، والله أكبر عليه (١).

ثم ثاني يوم ركب سحن بنحو خمس مئة خيال فقط وسار إلى غزو قبيلة عابد كي ٢ / ٥٧ ينهب طرشها كما هي عادتهم دائما. فغاب عنا / ثلاثة أيام وعاد اليوم الرابع وقد كسب مئة وأربعين جملا ورأسي خيل عظيمة. وحكى لنا أنه حين أغار على الطرش وصل الخبر إلى البيوت. فركبت عرب الشرارات ولحقت بهم ، فوقعت حرب شديدة بينهم. فقتل من عربنا أربعة أنفار فقط ، ومن عرب الشرارات كذلك ، وأما المجرحون (٢) (٣) من الفريقين فكثيرون. والسبب في وقوع قليل من القتلى أنهم يتحاربون بالرمح فتكثر الجرحى. ومن جمله خيالتنا الذين كانوا مع سحن واحد يقال له صبيهي ، شاب عظيم من أقرباء زوجة سحن. فعادوا به محمولا ، وكان به تسعة جروحات كبيرة بالغة بالسيوف وضربتان بالرمح خارقة من الخاصرة إلى الأخرى وفي رأسه ضرب كناة كسرت رأسه. فالكناة هي عصا رأسها مكتل بقدر الرمانة ، مضروب بها مسامير من الحديد. وأحد الرماح لم يزل مشكوكا فيه مثل قربة اللحم ، فوضعوه على الأرض ولا يمكن أن يميّز المكان المجروح من السليم إذ كان مثل بركة دم. فأتوا حالا ونشروا طرف الرمح من الجانب الواحد عند خاصرته وسحبوه من الطرف الثاني. وبينما هم على هذه الحال إذ رفع أجفانه فرآني واقفا فوق رأسه فقال : لا تخف علي يا عبد الله تراني بعون الله سالما (٤). أعطني غليونك حتى أدخن (٥) التوتون. ومد يده وأخذ الغليون وصار يدخن كأنه في غاية الصحة وكأنه لم يحدث له أمر. فتعجبنا منه نحن وكل من كان حاضرا ، وبعد عشرين يوما شفي وعاد إلى ركوب الخيل أحسن مما كان سابقا. وكل المداواة (٦) كانت قلة شرب الماء ، لأنه يشرب عوضا عن الماء حليب الجمال والسمن الطرى ، وأكله دائما التمر بالسمن مع قليل من الخبز. وكل ثلاثة أيام تغسل جروحاته ببول الجمال. وعلى تلك الحكمة

__________________

(١) «الله وأكبر».

(٢ و٣) «المجاريح».

(٤) «طيب».

(٥) «اشرب».

(٦) «حكمته».

١٤٥

شفي ورجع كما كان أولا بل أحسن. فتعجب الشيخ إبراهيم وقال : لا يمكن أن يلتقى بباريس جراح (١) يشفي مثل هذا الإنسان بعشرين يوما.

ثم نمت العداوة وكثرت بيننا وبين عابد ، وصار يجمع العربان الذين هم تحت قيادته ، وحميت المادة جدا بين الطرفين. ثم رحلنا ونزلنا في أرض يقال لها الكافرية ، أرض رمل ما فيها ٢ / ٥٨ ماء إلا من نهر الخابور (٢) الذي كان بعيدا عنا نحو ساعتين من الزمن ، / فجميع المواشي ترد للشرب كل يوم بعد طلوع الشمس حتى تسرح في المرعى. وجميع ما يلزم من الماء للخيل والبيوت تنقلها النساء على ظهور الجمال بالروايا. وفي كل بيت يوجد راوية ، وفي بيوت الكبراء راويتان وثلاث روايا لأجل جلب الماء ، إذ كانوا في مكان ، وكان الماء بعيدا عنهم. وجميع الروايا كبار من جلود الجمال.

فبعد ثلاثة أيام من نزولنا في هذا المكان ، إذ رمت الرعيان الصوت على العرب ، وقامت الصيحة والضجة بالنزل. وكان السبب أن عرب الشرارات أغارت على الطرش ، وهو يشرب ، وأخذت منه عددا عظيما نحو ثماني مئة جمل. فركبت الخيل وسحن معهم وطلبوا أثر العدو ، فوصلوا إلى النهر فما وجدوا أحدا لأنهم كانوا قطعوا وراحوا وأبعدوا كثيرا. لأن النهر ، كما ذكرنا ، يبعد ساعتين [عن النزل] ، فاقتضى لمجيء الرعيان وأخبارهم بالغزو ساعتان ، ونحو ساعة لركوب العرب وجمعهم ، ونحو ساعة ركض إلى أن وصلوا إلى النهر فصار المجموع نحو أربع ساعات. ومن المعلوم أن الذين أخذوا الطرش أصبحوا بعيدين جدا فلا يمكن طلبهم كليا. فحالا نبه الدريعي بالرحيل والمشي بكامل العربان والبيوت على عرب الشرارات. فرحلنا نحن وقبائل الذين كانوا بالقرب منا من الأصحاب. وكان عددنا نحو عشرة آلاف بيت فجدينا بالسير كل ذلك النهار والليل ، وأصبحنا الصباح أمام نزل الشرارات. فنزلنا بعيدا عنهم نحو نصف ساعة. وكان عرب الشرارات ومن معهم من غير قبائل نحو ستة آلاف بيت أيضا (٣).

وبعد طلوع الشمس أرسل الدريعي رسولا (٤) إلى عابد يقول له : يا عابد ، كن

__________________

(١) «جريحاتي».

(٢) «الساجور».

(٣) كذا ، مع أنه سبق القول أن عدد بيوت الدريعي نحو عشرة آلاف.

(٤) «مرسال».

١٤٦

آدميا خير لك من العناد ، وأرجع بالرضى (١) ما أخذت من الطرش واكسب حالك ورجالك. وإن عاندت حسب طبعك ، لا تسأل عما سيجري عليك ، لا أرحل من أمامك حتى لا يبقى منكم من يخبر عنكم. ونحن قد أنذرناك فافعل لخلاصك. فراح الرسول وعاد بالجواب : يقول عابد ارجع له الفرسين (٢) والجمال التي أخذها منه سحن ذلك اليوم وهو ٢ / ٥٢ يرجع لكم ما أخذ منكم ، وأما (٣) لا تتأمل بصحبته معك كما في عقلك. /

فقلت للدريعي : أصحيح أن هؤلاء الناس جبناء؟ فقال : إنهم ليسوا فقط جبناء ولكن أحوالهم ومزاياهم عجيبة ، فهم أولا ينقادون لنسائهم ، في جميع أمورهم ، ويراجعونهن بالشور في كل مادة يريدون أن يفعلوها ، وهذا كان عندنا معلوما ، فمن جملة أطباع العربان ومزاياهم تكريم الحريم ، وعمل الواجب لهن ، وأخذ الشور منهن في جميع أفعالهم ، ولكن هذه القبيلة بزيادة عن غيرها ، وخصوصا شيخها عابد فهو لا يعمل شيئا من غير أمر حرمته لأن أولا هذا طبع خاص بالعرب كما ذكرنا ، ثانيا أنه يحبها بزيادة عن العادة ، ثالثا أنها صاحبة عقل وتدبير جيد. فجميع ذلك صار عندنا معلوما وفكرّنا أنه ليس لدينا عندهم مدخل إلا من طرف النساء (٤).

فحين فهمنا ذلك قال الشيخ إبراهيم : عرفت من أين يمكن الدخول على هذا القوم. قلت : نعم من باب النساء. قال : دبّر حالك. فتكلمت عندئذ مع الدريعي وقلت له : استرح أنت وعليّ قضاء هذا الغرض وإدخال هذا الرجل في اتحادنا. لأن الحرب لا يحصل منها إلا الخسارة ، وقتل الرجال ، وتبديد المال ، وزيادة العداوة ، وسفك الدماء ، وشماتة الأعداء. وأما أنا فمتحسن عندي أن أصل عندهم وأكلمهم بالذي يلهمني به الله. والرجاء بالله أن يحصل المطلوب ونكون بذلك وفّرّنا الرجال والتعب. وإن أنا لم أقدر على ذلك يكون عندك الوقت لتعمل ما تريده. ولم يسمح لي بذلك إلا من بعد جهد. فحالا أخذت معي هدايا من كهربا ومرجان وأساور زجاج وعبي سود وشملات حرير سود وقمصان قز حمر : أشياء بقيمة ألف غرش وتوجهت إلى طرفهم. فدخلت البيت فما وجدت عابدا

__________________

(١) «بالمليح».

(٢) «رأسين الخيل».

(٣) كذا ، والمعنى غير واضح. فهل يريد «وإلّا» كما يتبادر إلى الذهن أو يريد : «ولكن» فيستقيم المعنى.

(٤) في المخطوطة إشارة إلى أن هذا المقطع الذي بين خطين // ، المدرج ص ١ / ٥٧ ، يجب أن يؤخر ليوضع ص ٢ / ٥٨.

١٤٧

فأخبروني أنه مجتمع مع المشايخ وأكابر القبيلة في بيت صهره زوج ابنته. فدخلت حالا عند الحريم وسلمت عليهن (١) سلاما عظيما طويلا عريضا كأنني أعرفهن منذ عشرين سنة. فرحبن بي واستقبلنني بإكرام. وحالا أمرت زوجة عابد بذبيحة وابتدأن يعملن لي غداء ، فجلست عندهن وابتدأنا نتحدث عن أمور العربان من غير أن نفتح السيرة التي جئت أنا بسببها. وكان بلغ عابدا خبر حضوري فأرسل حالا رسولا (٢) إلى امرأته يقول لها اطردي هذا الضيف الذي جاء الآن عندك فهذا خطيب (٣) الدريعي عبد الله ، أتى خصوصا حتى يفسد قبيلتنا ويخرب نظامنا. وإن جئت إلى البيت ورأيته فما له عندي من دواء إلا التقطيع بهذا السيف. فقالت للمرسل : رح وقل لسيدك عابد الضيف الذي جاء لم يأت عندك بل جاء عندي مخصوصا ، وهو ضيفي فإن كان يستطيع أن يأتي ويقتله فهو حاضر في بيتي ، ١ / ٥٩ وكان اسمها اركية. فحين سمعت ذلك نهضت قائما وقلت والله إني لا أبقى / قاعدا عندك ، فأنا جئت من غير إذن الدريعي مخصوصا إلى عندك حتى أتشرف بمعرفتك. فإن كان بين عابد والدريعي بعض الأمور ، فأنا لا يعلق بي منها شيء ولست ملزوما أن أتكلم بها ولو كلمة واحدة. ثم أخرجت بسرعة جميع ما كان معي من الهدايا ووضعتها أمامها وقلت : أرجو منك أن تقبلي مني هذه الهدية الدنية ، إذ جئت بها على اسمك ولا يجب أن أرجعها معي ، ولو أن زوجك كسر بخاطري ويريد أن يقتلني ، مع أن ذلك على علمي ضد رسوم العرب ، ولكن إكراما لخاطرك سامحته ، الله يساعدك على عقله ، لأني فهمت خلال هذه الساعة التي قضيتها عندكم ، أن لو لا حضرتك لكانت هذه القبيلة (٤) عدمت ، ولكن من ذكاء عقلك وحسن معرفتك وتدبيرك الجيد جعل هذه العشيرة (٥) بخير وعز وجاه ورفعها على كل قبائل عنزة ، أسأل الله عزوجل أن لا ينقصك عنها ، ولا يميلك عن رأسها ، ويكون عمرك طويلا ، وينصرك على من يعاديك ، لأنك بالحقيقة جوهرة ثمينة ضائعة بين هؤلاء الناس. وركضت بسرعة كي أركب وأروح. فوثبت (٦) وأمسكت بيدي وحلفت بالله قائلة لا أدعك تخطو خطوة من هنا إلا بعد أن تكون رضيت عنا وراق خاطرك على عابد. فكن صافي البال

__________________

(١) «عليهم» ، وكذلك في ما سيأتي من الكلام عن النساء يستعمل الصائغ الجمع المذكر السالم.

(٢) «مرسال».

(٣) كاتب ، على اصطلاح أهل البادية.

(٤) يستعمل الصائغ القبيلة بمعنى العشيرة ولا يميز بين العشائر والقبائل.

(٥) يستعمل الصائغ القبيلة بمعنى العشيرة ولا يميز بين العشائر والقبائل.

(٦) «فغارت» ، يريد هجمت.

١٤٨

ولا تضع في عقلك أدنى شيء من كلام عابد ، فشر (١) فهو يحكي كثيرا بغير معنى ، وحياة الله العزيز لا أدعك تذهب من عندي إلا راضيا بكل ما تريد. ثم أدخلتني البيت وأعدت القهوة فشربناها. وهي لم تزل تتلطف بخاطري وتروّق خلقي. فقلت : يا اركية ، الله يساعد زوجك على أيامه ، لأنه لا يعرف الخير من الشر مهما كان. فظنّ أني جئت لأصالح والحال لو أن الدريعي عرف أني جئت عندكم كان تكدر مني كثيرا ، لأنه لا يريد الصلح معكم ولا يستطيع أحد أن يكلمه بهذا الخصوص. ولو كان الأمر بيدي لعقدت الصلح ، إذ يقول المثل الصلح سيد الأحكام ، ولا ينتج عن العداوة إلا خسارة المال والرجال وكثرة الأعداء ٢ / ٥٩ وازدياد الخصام وشماتة العدو. /

وبينما نحن بهذا الكلام إذ أقبل علينا عابد ، فما دخل البيت بل وقف خارجه وقال لو لا أنك دخلت بيتي لكنت قتلتك يا جاسوس الشر. فردّت عليه زوجته قائلة : كذبت يا رجل فيما تقول. ثم خرجت عنده وكلمته وجرّته من يده وأدخلته عندي ، فجلسنا للحديث فقلت له : يا أمير ، ليس معي إذن بأن أتكلم معكم بخصوص الأمور الواقعة ، بل أني جئت فقط حتى أكسب صحبتكم وأتشرف بمعرفتكم ، لأن الصحبة والمعرفة بالناس شيء مشكور بالدنيا. ولكن بما أنك فتحت هذه السيرة فعرفني بذنبي الذي تريد أن تقتلني به. قال : ذنبك أنك تعمل على تدبير الدريعي لتجعل العربان تحت حكمه حتى يستكبر عليهم ويستعبدهم أكثر من الوهابي ، وأنت مزمع (٢) على أن ترمي العداوة بيننا وبين الوهابي حتى تخربنا دون شك (٣) ، وعلى الخصوص الورقة التي عملتها رباطا حتى نبقى جميعنا في طاعة الدريعي يفعل بنا كما يريد. فقلت له : يا أمير عابد ، الكلام الكثير لا يستحلى. هل وصل إلى مسامعك أني أعمل على بث العداوة بين القبائل أم على صلحها؟ هل أريد إنقسامها أم اتحادها؟ هل أرغب في حريتها أم في استعبادها؟ عرفني ما ذا ينتج عن الصلح؟ الاتحاد والحرية خير أم شر؟ فسكت فقالت له امرأته : علام سكتت (٤)؟ رد الجواب على عبد الله. قال : ينتج عن ذلك الخير. قلت : بما أنك تعرف أن النتيجة خير فكيف تسميني جاسوس الشر؟ فاخز الشيطان من بالك وسمّ بالرحمن ، واعلم أن الذي مراده صلحك مراده خيرك ،

__________________

(١) تبجّح.

(٢) «مزعم».

(٣) «ولا بدّ».

(٤) «علامك اسكة».

١٤٩

والذي مراده عداوتك مراده شرك. وصحيح أني عملت ورقة لأجل اتحادكم مع بعضكم بعضا ، كي تصيروا أقوياء من قوة بعضكم وتخلصوا من عبودية الوهابي وبلصه لكم في كل سنة. وأنا كما سبق القول ليس معي إذن لأتكلم معك بهذا الخصوص ، والدريعي ليس له خاطر بالصلح كليا. والآن ولو أردت أنت أن تذهب معي لما استطعت أن آخذك ، بل علي أن أذهب أولا لإرضاء خاطره ثم أرسل من يحضرك ، لأن جميع عربان الدريعي متأملين الكسب من عربك ، لأنهم أكثر عددا منكم وسيحضر بعد قليل قبائل تابعة للمذكور ١ / ٦٠ لا يعلم عددها إلا الذي خلقها. /

ومن بعد كلام كثير دخلت اركية إلى الداخل (١) وصرخت على عابد وتكلمت معه. ثم خرجا وأتيا عندي وقال لي عابد : افعل ما ترى فيه خيرا ، إذ تأكدت من اركية أن الصلح أنسب لنا ، وأنك تريد خيرنا وراحتنا واتحادنا (٢) فاذهب ودبر هذا الأمر بمعرفتك مع الدريعي ، وأرسل لي رسولا كي أحضر عندكم. فبعد الغداء ركبت ورجعت وتكلمت مع المذكور عن الرباط الذي صار بيني وبين عابد. فأرسل حالا رسولا يدعوه عنده. وبعد قليل حضر عابد وبصحبته ابنه وصهره ونحو خمسين خيالا فقط. فترحبنا بهم وعملنا لهم غاية الإكرام وصار كلام كثير ومن بعد ذلك وضع ختمه واسمه بورقة الشروط وتوجه عند أهله وأرسل جميع الجمال التي أخذها من على النهر ونحن أرجعنا لهم جمالهم ورأسي الخيل وصار صلح عظيم.

__________________

(١) «إلى جوا» ، وبما أن الاجتماع كان داخل الخيمة فالصائغ يعني القسم الداخلي من البيت الخاص بالنساء.

(٢) «اعتصابنا» أي أن نكون عصبة واحدة.

١٥٠

[من قصص البادية]

ثم بعد يومين رحلنا ونزلنا بأرض يقال لها العاطرية ، والسبب لهذا الاسم ، على ما أخبرنا العرب ، أن بعيدا عنا نحو ساعة قلعة قديمة اسمها العاطرة ، وكان بيننا وبين الدجلة نحو ثلاث ساعات ، [وفيها] مرعى ومياه كثيرة. فأقمنا ثمانية أيام في ذلك المحل ثم رحلنا وتوجهنا نحو الشرق ، وبينما نحن في الطريق إذ حضر واحد من البدو راكبا على ذلول أملح يعني أسود. فسلّم على الدريعي وسلّم جميعهم عليه سلاما طويلا عريضا بشوق واستمالة عظيمة ، وخذوا يسألونه عن أحواله وعن الغرض الذي كان ذهب لأجله العام الماضي ، فحدثهم بذلك ، ونحن فيما بعد سألناه عن قصته فأخبرنا بها ، وهي حكاية غريبة كما سنوضحه لمسامعكم الكريمة.

حكي أن هذا الرجل (١) ، واسمه علوان ، كان يدور [في البرية] ذات يوم [سعيا وراء] الصيد. فبينما هو دائر مرّ بأرض وجد بها أثر حرب ، من قتلى (٢) وأدمية وأرماح مكسورة وسيوف مرمية ، الغاية إثر حادث جديد. فصار يدور بين القتلى فوجد شابا فيه رمق من ٢ / ٦٠ الحياة ، وهو يئن. فنزل حالا وأركبه على الذلول وأخذه إلى بيته (٣) / وابتدأ يعالجه ويداويه

__________________

(١) «الراجل».

(٢) ليس من عادة البدو إبقاء القتلى في البرية لتأكلها وحوش الفلاة.

(٣) ابتداء الكراسة نمرة ٨.

١٥١

ويطببه (١) ويخدمه ويعلله مدة ثلاثة أشهر ، حتى شفي واستراح [والتأمت] جميع جروحه ورجع كما كان بل أحسن. فقال له علوان : يا أخي فارس ـ وهذا اسم الشخص (٢) ـ أنت ولله الحمد استرحت ، فإن شاء خاطرك ذهبت بك عند أهلك. وإن شاء خاطرك تبقى عندي ، فأنا أخوك وزوجتي هذه امرأة أخيك ، والبيت بيتك ، أنت صاحب البيت وأنا ضيف عندك. فقال له فارس : أنت أخي ولولاك كانت بليت عظامي من زمان وأكلت لحمي الوحوش. فأين استطيع أن أجد أهلا أحسن منكم ، أنا لا أفارقكم ما دام في جسمي روح (٣). فانشرح علوان من هذا الكلام ، وزادت عنده قيمة فارس ، وسلمه البيت وتدبيره. وما كان هذا الكلام من فارس وسبب بقائه عند علوان إلا حبا بامرأة علوان ، وكان اسمها حفظة إذ عشقها وعشقته وغاصا بالمحبة لبعضهما ، وليس عند علوان شبهة ولا شك في فارس ولا يمكن قط أن يفّكر بشي من هذا القبيل حتى [بان له الصحيح وذلك أنهم] في ذات يوم أزمعوا على الرحيل على حسب عوائدهم. فركب علوان من الصبح على ذلوله وتوجه للصيد وقال لفارس : ارحل يا أخي مع الناس ، وأنا على معرفة بالمنزل الذي سترحلون إليه ، والمساء أكون عندكم. أما فارس فإنه كان على اتفاق مع زوجة علوان للهرب معا ، فرأى أن ذلك اليوم مناسب للهزيمة. فما كان كسلان وأرسل الطرش مع الطروش وحمل الحوائج والبيت ، وأرسل بهم مع غير ظعون. وكذلك فعل مع العجوز أم علوان أركبها ووضع ولدي علوان معها وهما صبي وبنت. أما هو وامرأة علوان فأخّر حالهما إلى آخر كل الناس فركب هو فرسا وزوجة علوان فرسا آخر وفرّا هاربين بكل سرعة طالبين عرب فارس. وأما العجوز أم علوان ، فإنها التفتت فلم تر أحدا وراءها فظنت أنهما مع العرب ماشيين. ولم يزل الناس سائرين حتى وصلوا إلى النزل المقصود. فنزلت العجوز مع الأولاد وانتظرتهما إلى المساء فلم يحضر أحد. فساورتها المخاوف ولم تنصب البيت لأنها لا تستطيع ذلك وحدها ، إلى أن غابت ١ / ٦١ الشمس وهجم الليل وإذ حضر علوان من الصيد فرأى أمه وأولاده وحدهم / يبكون والبيت لم يزل مرميا بالأرض. فسأل أمه عن جليلة الأمر وقال : أين أخي فارس وحفظة؟ فقالت : من المرحلة لم أرهما ، وعلى ظني أنهما ركبا الخيل وهربا. فتأكد له ذلك ، وقال : إني أستحق أكثر من ذلك. ولكن صدق من قال : ابعج القربة واقتل السقا ، خير لا تعمل شر لا تلقى. فنام

__________________

(١) «ويحكمه».

(٢) «الزلمه».

(٣) «ما دام فيه روح بالعالم».

١٥٢

تلك الليلة وثاني يوم ركب ذلوله وأخذ معه زوادته وسار يسعى وراءهما. فبعد يومين وصل مساء إلى نزل عرب فارس يقال لهم الموايجه ، قبيلة عظيمة. فنزل في بيت صغير حقير عند عجوز تعيش وحدها (١) ليس لها أحد. فقالت له العجوز : يا سيدي أنا امرأة فقيرة ليس عندي شيء حتى أقوم بواجبك ، فرح وانزل في بيت الأمير. فقال لها : إن زادي (٢) معي لا أحوجك إلى شيء. ثم قالت : لقد عملت حسنا بمجيئك حتى تنشرح وترى الليلة عرسا. فقال عرس من؟ قالت عرس فارس بن امهيد ، وهو عرس على عرس ، لأن هذا الرجل كان غائبا (٣) ، وسمعنا أنه قتل وأهله قبلوا التعازي به ، ولآن نسوه إذ مضت على القضية نحو سنة. ولكن صباح أمس عاد بالسلامة ومعه عروس جميلة جدا ، وهذه الليلة سيدخل عليها ، فصبر علوان إلى أن دخل الليل كثيرا ، فقام من عند العجوز ومشى إلى قرب بيت العرس واختلط بالناس إلى أن انفض القوم وانطفأت النيران ونامت كل عين ساهرة. فأتى بكل ظرافة إلى المكان المختلي به العريس والعروس ودخل من تحت أروقة البيت وأتى نحو الفراش فوجدهما نائمين. فسحب سيفه وذبح فارسا وجره إلى خارج الفراش. ثم هز امرأته وصحّاها من النوم وقال لها يا حفظة أنا علوان. فقامت مرتعشة وقالت له : يا مجنون ما هذا المجيء؟ الآن يفيق فارس وأخوته فيقتلونك. فقال لها : يا شينة يعني يا رديئة ، ما ذا فعلت معك وما الذي جرى مني بحقك من العمل الرديء؟ اذكري الله وفكري بأولادك الذين كادوا يموتون [حزنا] عليك. فقومي وتعالي معي حتى نذهب إلى بيتنا ، عند أهلنا ، واخزي الشيطان عنك ، فإنك لن تجدي بحياتك أحسن من علوان. فيا روحي ما هو ذنبي بحقك؟ ٢ / ٦١ عرفيني فقط بذنبي. ومن بعد كلام كثير مثل هذا قالت له : إن لم تذهب / فإني أنبّه فارسا (٤) وأجعل قتلك شهرة. فقال : إن كنت لا تذهبين معي فاعطني فرسي ودعيني أروح. فقامت وفكت الفرس من قيدها وأعطته إياها. فحين صار على ظهر الفرس ورمحه بيده قال لها : يا حفظة يا بنت الحرام ، نسيتي رجلك وأولادك. فأقل ما يكون أن تعطيني قبلة (٥) من فمك حتى أودعك. فمدت فمها إليه ، وهو راكب على ظهر الفرس ، فعضّ على شفتيها بنوع أنها ما كانت تستطيع أن تصرخ ، ورفعها من الأرض ، وقبض عليها مثل

__________________

(١) «مقطوعة».

(٢) «زوادتي».

(٣) «كان في الكون».

(٤) «علوان» ، وهذا الخطأ يدل على أن الصائغ لم يعد إلى قراءة مخطوطته أو أنه قرأها بكل سرعة.

(٥) «بوسة».

١٥٣

الباشق على العصفور ، وطار بها مثل الأسد الخاطف. وفي لحظة صار خارج البيوت ، فوضعها خلفه على ظهر الفرس وسار بكل سرعة.

أما أهل فارس فما واحد عرف أو فاق إلا بعد [هرب علوان] بنحو ساعتين من الزمن ، لأن [الوقت] كان قريب الصبح. فوجدوا ابنهم فارسا مذبوحا والعروس والفرس مأخوذين. فرموا الصوت وركبوا الخيل (١) وصار الطلب في كتف علوان ولم يزل [الطراد] حتى تلاقوا مع علوان ، والذين لحقوا به هم أخو فارس وأبوه وواحد من أقربائه (٢). أما علوان فحين رآهم أقبلوا عليه ، وضع حفظة على الأرض وارتدّ عليهم. وعلقت الحرب بينهم واشتد القتال بكل حرارة. وكانت حفظة من طرف أهل فارس ، تعينهم على زوجها بضرب الحجار ، حتى أنها ضربت زوجها بحجر فصدعت رأسه. ولم يزل [علوان] بالحرب حتى قتل أخا فارس ، وبقي الأب وأحد الأقرباء (٣) فاشتد الحرب بالأكثر. فبعد قليل قتل علوان قريب (٤) فارس ، وبقي الأب وعلوان فقط وحفظة. فتعبت الخيل جدا ولم يبق لها قوة على التحرك. فنزلوا من على ظهور الخيل وصاروا يتعاركون (٥) على الأرض ، وتماسكوا ببعضهم ١ / ٦٢ بعضا ، علوان وأبو فارس. وجاءت حفظة وصارت تعين أبا فارس على زوجها / فمن بعد [قتال شديد حتى بان] العجز العظيم (٦) فيهما ، تمكن علوان من أبي فارس وأخذ سلاحه. ثم أركبه على فرسه وقال له أنت رجل كبير السن (٧) ، وعيب علي أن أقتلك ، فاذهب عند عيالك وأعطاه فرس قريبه ، وركب هو وأركب حفظة فرس أخي فارس ، لأنها كانت عين الفرس التي كانت راكبتها حفظة حين انهزمت هي وفارس. ولم يزل سائرا حتى وصل عند أهله. فما قال لحفظة كلمة واحدة إلى أن وصل إلى بيته ، فأرسل وأحضر أباها وإخوتها وأقرباءها وقال لها احكي بما جرى من دون زيادة ولا نقصان فحكت جميع الذي جرى حرفا حرفا فقال : يا جماعة هذا فعل ابنتكم فانظروا ما تستوجبه فافعلوه. فحالا قام أخوها الأكبر وذبحها في وسط المجلس. فهذا ما كان ومن الأمور التي جرت.

__________________

(١) «وركبت الخيل».

(٢) «قرايبينه».

(٣) «وقرايبهم».

(٤) «قرايب».

(٥) «يتكاونوا».

(٦) «العجز العضيم».

(٧) «ختيار».

١٥٤

[مع عرب البصرة]

ثم رحلنا وكان مسيرنا إلى طرف بغداد ، ونزلنا بأرض يقال لها المزوان. وثاني يوم رحلنا أيضا وجدينا بالسير إذ جاء خبر للدريعي أن عرب البصرة (١) تخاصم بعضهم مع بعض وصاروا قسمين بسبب الوهابي : أناس يريدون أن يعصوا ، وأناس يريدون أن يطيعوا ويعطوا الجزية. والذي كان محرك الشر دعاس ابن علي أمير قبيلة يقال لها الأشاجعة (٢) تحتوي على مقدار ألفي بيت. فهذا كان مراده أن يعصي على الوهابي ، وبرجس ابن اهديب شيخ قبيلة الموايجة التي ذكرناها ، من عرب فارس ، فهذا مراده أن يطيع الوهابي ، لأنه من طرف الوهابي ، وزوجة برجس أخت عبد الله الهدال ، كيخيا الوهابي ، وهو الذي كان موكولا بالعمل ضدنا (٣) من طرف الوهابي. فرحلنا ثاني يوم وصرنا أمام بغداد ، بعيدين عن البلد نحو أربع ساعات فقط. فنزل الشيخ إبراهيم إلى بغداد سرا عند القنصل الفرنسي الذي يقال له ادرين كورنسه (٤) ، لأنه كان صديقه الحميم. ولكنه لم ينزل من أجل الصحبة ولكن ليأتي لنا بالدراهم (٥) ، لأن دراهمنا كانت نفذت ، / ولم يبق معنا شيء بتاتا. وكان يحصل لنا تعطيل

__________________

(١) «البصرا».

(٢) «الاشجعا» ، قبيلة من عنزة.

(٣) «مقيد من طرف الوهابي ضدنا».

(٤) Adrien de Corrence.

(٥) «مصريات».

١٥٥

بعض الأحيان في بعض الأمور بسبب قلة الدراهم. فاضطر الشيخ إبراهيم رغما عنه أن ينزل [إلى بغداد] ليحضر لنا المصريات. وبعد يومين عاد من بغداد ، وأحضر لنا معه المطلوب. وأثناء ذلك حضر من بغداد ، عند عرب الدريعي ، واحد قبيسي بياع ، فاشترينا كل البضاعة التي كانت معه لاحتياجنا إليها في بعض الأمور ، فما كنا نستطيع أن نقضيها إلا بوساطة البراطيل ، سواء للنساء أو للرجال.

ثم ثاني يوم رحلنا وقطعنا الدجلة من مكان يقال له المشهد ونزلنا على نهر تسميه العرب الفهان. وفي ذلك اليوم وصلتنا أخبار أن فتنة عظيمة واقعة بين العربان وأن اختلافا كبيرا قد حصل بينهم : أناس [مع] الوهابي خوفا منه ، وأناس ضده. والسبب بوقوع الفتنة هو ما كان بلغهم من أمورنا وارتباطنا (١) ضد الوهابي. فبعض القبائل حسن عندها رأينا وصارت من طرفنا قبل أن نراها ، والبعض الآخر رفض هذا الرأي. ولذا وقع الاختلاف فيما بينهم واشتد الحرب. فحين بلغنا ذلك استحسن الشيخ إبراهيم والدريعي وجميعنا أن نجدّ بالسير ونلحق بهم بكل سرعة (٢) ، كي نعمل طريقة لاطفاء هذه النيران وإخماد هذه الفتنة بين العربان ، لأن الشيخ إبراهيم قال : يجب تدبير هذا الأمر إذ ينتج عنه ضرر وتعطيل لأمورنا. فاضطررنا ثاني يوم إلى الرحيل ، ونزلنا بأرض يقال لها الدرغوان ، ماؤها ينابيع عيون (٣) في الأرض ، إذ بالقرب منها جبال تبعد عن بغداد نحو عشرين ساعة إلى ناحية [تقع] ما بين الشمال والشرق. ثم رحلنا وقطعنا جبلا عظيما ، والعربان جميعهم سقت طروشها ، وملأت [الروايا] ماء قبل انتهاء الجبال ، لأن المنزلة التي نحن قادمون عليها ما بها ماء كليا. ثم وصلنا وكان مسيرنا نحو اثنتي عشرة ساعة بأرض صحراء ما بها مرعى ولا ماء وهي على حدود ١ / ٦٣ العجم : رمل أحمر وهواء ساخن / وإذ ورد مكتوب من عند دعاس ابن علي ، شيخ الأشاجعة ، إلى الدريعي وكان بهذه اللفظات :

من دعاس إلى الدريعي بعد السلام عليكم ورحمة الله لديكم والثاني يا أخانا نعلمك أننا واقعون في ضيق عظيم ، لأن القبائل جميعها ردت النقا علينا وهي الموايجة والسّبعة والفدعان والمعايدة والمضيّان (٤) وكثير غيرها من القبائل ، وحسبنا عددها خمسة عشرة ألف بيت ،

__________________

(١) «وارباطاتنا».

(٢) «قبل النوم».

(٣) «نبوعات أعيون».

(٤) من السّلقا ، من العنزة.

١٥٦

ونحن واضعون ثقتنا (١) بالله وبك ، ونحن معك على الخير والشر ، فالرجاء أن تجدّ بالرحيل وتلحق بنا في أقرب وقت ممكن (٢) لأن العربان أكلتنا. وكل سبب هذه الفتنة من أجل ابن سعود. فإياك المهل والتأخير يا أهل المرؤة والحشمة (٣) ، تراني بوجهك (يعني وقيعك) (٤) يا أبا الفوارس والرجال (٥).

فحين انتهينا من قراءة المكتوب ، نبّه على الرحيل المداوم يعني من غير نزول ولا راحة ، وكانوا بعيدين عنا ستة أيام. فصار الرحيل وجدينا بالمسير ثلاثة أيام ليلا نهارا من غير راحة ولا نزول ، بل النوم على ظهور الجمال والأكل كذلك ، والنساء تعجن وتخبز على ظهور الجمال بالصاج ، يضعن الجلة والحطب في خرج تحتهن على الجمل. تأتي المرأة بصاجين من حديد ، الواحد تضع فيه النار ، والآخر فوقه تخبز عليه. وإلى جنبها امرأة أخرى راكبة على جملها ومصاففة لها ، عندها العجين ، تقطع أرغفة وتعطيها للأخرى وهي ترقها وتخبزها. وامرأة ثالثة (٦) أمامها طاحونة وهي تطحن الطحين. والجمال والغنم والخيل ترعى وهي ماشية. وكلما وصلنا إلى ماء ، وكانوا على علم أن الماء أمامهم بعيدة ، تملأ كل امرأة قربة ماء وتربطها تحت بطن الجمل أو الناقة التي راكبة عليها. وكان أكلنا من غير طبخ فقط الخبز والحليب والتمر. فحين نجوع تنزل النساء حالا ويحلبن النوق ويملأن لنا قدح حليب ، (فالقدح يكون من الخشب ويسع نحو رطل حلبي). فنجتمع (٧) أربعة أو خمسة ونحن راكبون ، فنضع لقمة ٢ / ٦٣ خبز في فمنا ونشرب قليلا من الحليب ونعطي القدح للذي جنبنا ، / وهكذا يدور من واحد إلى آخر بالدور. وكلما نعسنا نتمدد على وجهنا فوق ظهر الجمل. ونضع أرجلنا في عيون الخرج ، لأن لكل جمل أو ذلول خرجا كبيرا لأجل وضع أغراض الراكب وحاجاته (٨). وكنا نستلذ كثيرا بالنوم أولا من شدة التعب والنعاس ، ثانيا اعتدنا على ذلك ثالثا من عادة

__________________

(١) «نحن شادين ضهرنا».

(٢) «قبل بساعة».

(٣) «الحشيمة».

(٤) الوقيع بمعنى الدخيل : الذي يطلب حماية شيخ من قبيلة غير قبيلته.

(٥) «الرجاجيل».

(٦) «ثانية؟».

(٧) «فنجمتع».

(٨) «مصالح».

١٥٧

سير الجمل إذ يهتز ويتمايل فيظن الإنسان أنه في سرير فيطيب له النوم ، وهكذا ينام حتى يشبع.

ثم ثالث ليلة من مسيرنا ولدت امرأة الأمير فارس الجربا ووضعت (١) صبيا في هودجها ، على ظهر الجمل ، من غير أن تنزل ، وسموا الولد القرنا (٢) ، لأننا كنا بالقرب من القرنا أعني مجمع النهرين أي الدجلة والفرات ، [كما هي العادة] في أكثر أسماء العرب ، لأنهم يسمون أولادهم باسم المحل الذي ولد فيه كي يعرفوا أين ولد.

ثم لم نزل جادين بالمسير نحن والقبائل التي معنا. وكان برفقتنا ثلاث قبائل : الجربا والسوالمة وعبد الله. فوصلنا ثالث يوم بعد العصر عند دعاس ، وكان عددنا نحو سبعة آلاف بيت. فصار الفرح عند دعاس وعربه ، وامّنوا على حالهم ، وأطمأنّوا وتقوّوا. وبالحال حضر دعاس وكامل كبار قبيلته ولاقانا ، وفرح بنا فرحا عظيما ، وذبح الذبائح ، ودعى كل كبار القبائل. وبعد العشاء وضع اسمه وختمه بورقة الشروط.

وكان العدو (٣) بعيدا عنا يوما واحدا فقط على حافة شط العرب ، أمام البصرة ، من الجانب الشرقي. فكان رأي الدريعي ثاني يوم أن يرحل ويتقدم نحوهم. ولكن بما أن الناس والخيل والجمال كانت تعبانة من السير ثلاثة أيام وثلاث ليالي متوالية فتحسن عندنا الرأي أن نستريح يومين ثم نقدم على العدو. إلا أن العدو لم يصبر حتى نقدم عليه ، بل ثاني يوم العصر ، إذ أقبل نحونا عربان لا يعلم عددهم غير الله فقط. فحالا رحل الدريعي وتقدم إلى ١ / ٦٤ قرب الشط لأجل الماء. وكذلك العدو نزل على الشط أمامنا. وكان بيننا وبينهم / ميدان نحو نصف ساعة. وكان بالقرب منا قرية يقال لها الهوطا.

وثاني يوم كتب الدريعي لهم مكتوبا وكان بهذه اللفظات :

من الدريعي إلى ضويحي ابن اغبين أمير قبيلة الفدعان وإلى صقر ابن حامد شيخ المضيّان وإلى مفضيّ ابن عيده أمير السّبعة وإلى برجس ابن أهديب شيخ الموايجة وإلى عمران ابن نجرس شيخ المعايده وإلى كامل المشايخ والكبراء بالسن (٤) عموما ، والثاني

__________________

(١) «وجابت».

(٢) «الكرنا».

(٣) «الضشمان».

(٤) «الاختيارية».

١٥٨

نعلمكم أنه قد بلغنا عدم الوفاق والمحبة الواقع بينكم وبين دعاس ابن علي ، شيخ قبيلة الأشاجعة لقد أخذنا العجب الشديد من ذلك لأننا على علم بالمحبة السابقة التي كانت بينكم. والآن أنتم مزمعون على الحرب والقتال وسفك الدماء وخسارة الرجال من أجل ابن سعود الذي مراده خراب العربان ، وتدميرهم واستعبادهم ووضعهم تحت رق العبودية ، وأخذ الجزية (١) منهم ورميهم في مهالك العثماني وهلاكهم. فتأكد عندنا رأيكم الفاسد وعدم تبصركم بأمور الدنيا ، لأنكم تركتم الخير والحرية وتمسكتم بالشر والعبودية. وأما أنا فمن محبتي لكم حررت هذا الكتاب ، ومرادي التوفيق بينكم والمحبة ورفع هذه الفتنة القبيحة (٢) ، فإن أصغيتم إلى قولي كنتم عندنا مكرمين ، وأنتم ونحن على حال واحد رجالا ومالا ، وإن خالفتم كنا الكفاية بعون الله عليكم بل أكثر. والفتنة شر والصلح خير فاعملوا كما تريدون (٣) والسلام.

وأرسلنا المكتوب مع خيال ، وبعد قليل حضر المرسل وأتى بالجواب ، وكان بهذه الألفاظ :

من ضويحي وصقر ومفضي وبرجس وعمران إلى الدريعي ابن شعلان وبعد ، وصل مكتوبك ولكن لن يتم ما في عقلك. فإن كنت مخدوعا (٤) فنحن على علم بالحيلة التي تمت عليك. وكل هذه التدابير التي أخذتوها صار لنا علم بها ، وفهمنا مراد المدبرين وهم لا يريدون خير العرب ولا يشفقون عليهم من ظلم ابن سعود بل يريدون فائدتهم (٥). وقد صارت هذه ٢ / ٦٤ الأمور معروفة لدينا من أناس عارفين وخابرين بنيتهم من حين ابتدائها ، / وجميع ما جرى في بر الشام صار معلوما لدينا. فالأنسب لكم أن تكسبوا حالكم وأموالكم وتكفّوا بلاكم عنا وترجعوا إلى ديرتكم ، وإن بقيتم على رأيكم وقصدتم حربنا تندمون.

__________________

(١) كذا ولعله يريد الزكاة كما هو ظاهر من أماكن عديدة من الكتاب.

(٢) «الشينة».

(٣) «ارغبو ما تشتهو».

(٤) «فإنكان أنت داخل عليك ملعوب».

(٥) «اصطلاحهم».

١٥٩

[عبد الله الخطيب في الأسر]

فحين قرأنا هذا المكتوب أخذنا العجب من هذا الكلام لأنه ليس كلام عرب ، كما عهدنا بكلام العربان. فكان رأي المعلم إبراهيم أنه من المستحسن أن أذهب أنا عندهم وأتكلم معهم لسانا ، وأجلبهم بقوة الكلام اللين وما يقرب من العقل ، كما سبق أن فعلنا مع غير قبائل فاعتمدنا على ذلك الرأي وثاني يوم توجهت عندهم ومعي جملة هدايا. وكان برفقتي واحد بدوي بصفة خادم لا غير. فحين وصلت إلى بيت مفضيّ ابن عيده أمير السّبعة ، إذ كان بيته أمام الجميع وهو أكبر الموجودين ، وقبل أن أسلم عليهم ركضوا علي مثل الأسد الخاطف ، ونهبوا جميع ما كان معي وأمسكوا بي وبالخادم وأخذوا جميع ما علينا وضربوا بأرجلنا قيود الحديد وألقونا بالشمس على الرمل الحامي. فابتدأت أتكلم معهم واستغيث (١) بهم ، فكان جوابهم اسكت وإلا قتلناك وعملنا قتلك شهرة. فابتدأت أبكي وأترجى أن يطلقوا سبيلي وأعود عند عربي ، فما كان أحد يصغي إلى قولي. وبينما أنا بهذا الحال الشنيع إذ أقبل علي عبسي القبيسي ، عدونا الكبير الذي ذكرناه سابقا حين كنا في بر الشام ، وهو الذي نزل واشتكى إلى سليمان باشا والي الشام ، وكان خلال كل هذه المدة يدور من قبيلة إلى قبيلة باحثا عما يضرنا. فحين رأيته تأكدت أنه هو الذي أفهم العربان ووشى بنا ، وإن الكتاب الذي ذكرناه سابقا من المشايخ إلى الدريعي هو أيضا عمله وتدبيره.

__________________

(١) «واستنغيظ».

١٦٠