رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

فتح الله الصايغ الحلبي

رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

المؤلف:

فتح الله الصايغ الحلبي


المحقق: الدكتور يوسف شلحد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧

[حديث مع ابن سعود]

وثاني يوم ذهبنا عند ابن سعود فدخلنا وسلمنا عليه فرحب بنا وعمل لنا غاية الإكرام. فابتدأ الحديث بخصوص الممالك الفرنجية وأحوال بونابارته ، لأنه كان سامعا بأخباره فاستقصى مني على سيرته ، فأخبرته على قدر معرفتي ، فسرّ جدا وكان يتعجب من أفعاله وانتصاراته على غير ملوك ، وقال : هذا ، لا شك فيه ، قائم بأمر الله تعالى ، وربما كان بداخل باطنه مع الله ولا يشرك به أحدا حتى أعطاه مثل هذه القوة والانتصارات. فضحكت في قلبي وقلت في عقلي : يا مسكين إن قوى بونابارته بعيدة عن ظنك فيه.

ثم غيّر الحديث وقال : يا عبد الله ، أريد منك أن تعرفني ما هو قواعد دين النصرانية. ١ / ١١١ فهذا السؤال عصّ قلبي منه جدا فقلت : يا ابن سعود ، قاعدة جميع الملل والمذاهب / هو الله تعالى وحده ولا شريك له ، وهو الديان فقط ، فاعتقاد النصارى بالله تعالى سبحانه وجل شأنه ، إنه هو الخالق ، والرازق ، والمحيي ، والمميت ، والرافع ، والخافض ، والمقاصص (١) ، والمسامح والعاطي والقابض ، إله مكنون وأمره بين الكاف والنون. قال : قوي مناسب ، ولأي شيء خلقنا؟ قلت : حتى نعرفه ونعبده ، ونكرمه ونحبه ونرث جنته. فانشرح من ذلك جدا وقال : وكيف يا عبد الله تصلون؟ وما ذا تقولون في صلاتكم. قلت : يا سيدي ، صلاة ربانية وهي أبانا الذي في السموات الخ. فسرّ وحالا أمر أحد الكتاب وكتبها في ورقة ، وأخذها

__________________

(١) «المقاقص».

٢٦١

ووضها في عبه. وقال : وغير ذلك ما ذا تقولون؟ قلت : وصايا الله العشر التي كتبها بإصبعه وأنزلها على سيدنا موسى عليه‌السلام في اللوح المحفوظ. قال وما هي؟ قلت : أنا هو الرب إلهك لا يكن لك إله غيري ، لا تحلف باسم الله بالباطل ، إكرم أباك وأمك ، لا تقتل ، لا تزن ، لا تسرق ، ولا تشهد بالزور ، ولا تشته ، امرأة قريبك ، [لا تشته] مقتنى غيرك (١). قال : وإلى أي جهة تتجهون في الصلاة؟ قلت : يا عزيز ، نصلي إلى أي جهة كان لأن الله موجود في كل مكان ، في أعلى السموات وعلى الأرض. قال : وبأي نوع تعرفون سيدنا عيسى. قلت : روح الله. قال : عندكم صلب عيسى. قلت : استغفر الله العظيم ولا نكون من الكافرين ، إن روح الله يظلل ويصلب ولكن شبّه به (٢). قال عفاك. ثم قال : والإنجيل أهو محفوظ عندكم كما أنزل على قلب سيدنا عيسى عليه أشرف السلام؟ قلت : نعم ، ولا يمكن أن يبدل أحد حرفا واحدا منه. قال : وهل تعملون بموجبه؟ قلت : وكيف لا. قال : الإسلام لا يزال يعاملكم بموجب عهد رسول الله الذي أعطاه لكم. قلت : خيرا يا ابن سعود ، إنهم لا يتمسكون بحرف واحد منه. وما كفى أنهم لا يعاملوننا بموجبه بل يعاملوننا بضده. قال : لعن الله القوم المشركين / (٣) الناكسين عهد نبيهم ، حلّ ضرب السيف فيهم. ثم قال : وكيف تتزوجون؟ قلت : بموجب كتاب عند قاضي الإسلام ورضاء الفريقين أي أهل العروس والعريس ، والنقد للعروس على حسب ما أمر الحق سبحانه وتعالى عن يد سيدنا عيسى : ثلاثة وثلاثون غرشا لا غير. قال : وكيف تستحلون شرب المنكر ولحم الخنزير. قلت : خيرا ، هذا شيء محرم عندنا جدا ومنهى عنه في كتابنا. وأما العصاة الذين يستحلونه فلا قياس عليهم ، لأنهم من المغضوب عليهم (٤) يفعلونه سرا وإن عرفناهم لرتبنا قصاصهم. قال : والتوتون الذي هو مكروه جدا وحرام ، أي فائدة تجدون من استعماله؟ قلت : يا سيدي أنا عمري ما ارتكبت هذه المعصية حتى أجاوب عن الفائدة من ارتكابها. فضحك الدريعي وانشرح لعلمه الأكيد أن عقلي قد طار من عدم شرب توتون ، وعلى الخصوص أننا كنا قد شربنا نحو

__________________

(١) نسي الصائغ الوصية الثالثة : إكرم يوم الرّب.

(٢) كذا ، والآية تقول : (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ). أما قول الصائغ : «روح الله يظلل ويصلب» فمن الصعب تفسيره وفهمه ، اللهم إلا إذا كان وقع خطأ في الكتابة ، كما عهدناه مرارا ، وكان الصواب : «يظلل ولا يصلب» ، فيستقيم المعنى.

(٣) ابتداء الكراس رقم ١٤.

(٤) «مغاضيب».

٢٦٢

عشر مرات قهوة وماتت في فمي من غير توتون. النتيجة سؤالات كثيرة ، وكانت أجوبتي له دائما مما يناسبه ويقرب إلى طريقته. فانشرح من ذلك جدا وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كنت أظن أن النصارى كفار ومشركون بالله مثل غير ملل وأكثر ، وأما الآن فقد تأكد لي أنهم جماعة على الحقيقة وقريبون جدا من طريقتنا. فقلت في بالي يا مسكين ، لو تعرف أحوالنا ، وقديسينا ، وأعيادنا ، وصيامنا ، وشركنا بالله ، واعترافاتنا ، وقرابيننا ، وأمور الديانة عندنا ، لكنت ما تركت دمي يلحق الأرض ولكن دبر الله الأمور. وهو لا شك فهم أني كذبت عليه في بعض المواد ، ولكن الذي جعله يتغاضى عن ذلك هو أمله بالاتحاد معنا وارتباطه بعصبتنا ، لأن رأى أن سياستنا تناسبه جدا. وثانيا أن من طبع العرب أن يصدقوا مهما قلت لهم ، وقلّ أن يراجعوا أحدا بالكلام.

٢٦٣

[أحوال ابن سعود والدعوة الوهابية]

وأما بخصوص ابن سعود فهو فصيح جدا متكلم ، ديوان حكي ، وعنده علماء ١ / ١١٢ عارفون بأمور ديانتهم ، وربما بلغك أيها القارئ أن الوهابي كان أرسل قديما عالما مجادلا للشام / وغلب علماء الشام جميعهم ، وهذا شيء مشهور عند كافة الناس. وحين كان يتكلم معي ويسألني كان عنده بعض العلماء ، فما فتح أحد منهم فمه ليقول كلمة واحدة ، وبما أنه هو الذي كان يتكلم فلم يجرؤ أحد من الحاضرين أن يتكلم بشيء ما من غير إذنه. فبعد ذلك انفرط الديوان وذهب كل واحد إلى محله.

وثاني يوم قضينا نهارنا بالفحص عن أحواله ، وترتيب حكمه ونظامه ، فقد فهمنا جيدا أن أولا له ولدين قد زوجهما وبنتا لم تزل عزباء. وله امرأة واحدة أم البنت وصبي واحد ، وله جارية سرية ، له منها ولد كبير. وأما بخصوص ترتيب حكمه فإنه يستند في كل أموره إلى الدين. حتى أنه حين ينصّب حاكما من طرفه على بعض الأماكن الخاضعة لحكمه ، يأكل معه ، ثم يتوضأن ويصليان سوية ، وبعد ذلك يقلده سيفا ، ويقول له هكذا : «قد اقمتك بأمر الله على عباد الله ، فاعدل في الرعية وأفصل في القضية واقسم بالسوية ، واقبض الجزية واضرب أعناق السنّية (١) ولا تدع مشركا يستقر في حكمك () (٢)». ثم يعطيه ورقة مختومة

__________________

(١) كذا ، وهو يريد أهل السنة.

(٢) كلمة غير مقرؤة لأنها مخيطة في جلد الكتاب.

٢٦٤

وممضية باسمه مذكورا بها : «قد ولّى واليكم عبد الله ، القائم بأمر الله ، فلانا حاكما عليكم فأطيعوه ، ولا تكونوا من الفاجرين فنعاملكم بسيف الدين ، والسلام على من اتبع هدانا ، وأجاب دعانا ، وأحب ما نحب ، ورفض ما نرفض ، فهو من أهل التقوى والدين ، ومن خالف فكان عندنا من القوم المشركين والسلام». وهكذا هي صورة فرامينه لا غير ، في ورقة صغيرة طولها شبر وعرضها ثلاث أصابع فقط. وعنده أيضا ثلاثة أو أربعة كتّاب من أجل الأوراق والمكاتيب لا غير. وليس عنده دفاتر حسابات للداخل والخارج ، فهو يرسل المزكي إلى القبائل والعشائر والمدن والقرى يجمع الأموال والأرزاق ، ثم يعود إلى عنده ، فيأخذ الأموال ويضعها في خزينته بيده. وأما الأرزاق مثل الجمال والخيل والعبيد والغنم ، فما أعجبه منه يدعه ، وما بقي يبيعه إلى أهالي مكا (١) وغيرها من حكمه ويضع ثمنها بالخزينة أيضا. عنده ٢ / ١١٢ من العبيد ألف / دائما سرمديا تحت السلاح بالسرايا. وحين ينام بالليل مئة عبد يحرسونه على باب حجرته التي ينام فيها.

أما بخصوص صلاته فهو يتوضأ ويصلي مثل المسلمين : الكلام والفرض والسند والركوع والوضوء شيء واحد لا يخالف المسلمين ، غير أنه لا يستقبل جهة مكة كمثل المسلمين ، بل على أي جهة كان تجوز عنده الصلاة. والإمام الذي يصلي به يدعو ، في آخر الصلاة (٢) ، الحق سبحانه وتعالى أن ينصر القوم الموحدين على القوم المشركين. فالموحدون هم المستقرون في وحدانية الحق والمشركون المسلمون. وأما بخصوص محمد فهو لا يبغضه ولا يحبه ويقول عنه أنه إنسان صالح عمل الخير (٣) وفرب الناس إلى الله بوساطة فصاحته وسعده وتقواه ، وما عمله فهو شيء مقبول ، وكل من عمل خيرا يشكر على فعل الخير ويكرّم نوعا ما عن غيره ، ولكن لا يعبد ولا يزار قبره ويصلّى عليه ويصير له هذا العدد من الاحتفالات الإلهية ، لأن كل من أراد يستطيع أن يكون إنسانا صالحا ويشكر بين الناس ويسمى مهديا (٤) ، إذ أن كل من أصلح فهو مهدي وكل من أفسد فهو دجال.

__________________

(١) أي مخا.

(٢) «يعمل دعا في آخر الصلا».

(٣) «مليح».

(٤) إن هذه الأقوال عن الوهابية كانت شائعة في أوائل القرن التاسع عشر ، مع أن لا صحة لها. بل إن روسّو ، وكان قنصل فرنسا في بغداد ، زعم «أن الوهابيين ينفون عن محمد صفة النبوة. وهم ينظرون إليه نظرهم إلى رجل عادل وصالح ، استحق ، بسبب تقواه ، أن يكون محبوبا من الله والمنفذ لأحكامه. بنوع أنهم وإن كانوا

٢٦٥

ثم ثاني يوم حضر المزكي الذي كان أرسله إلى بعض قبائل عرب ، نواحي ديرة الحضرموت (١) ، وأحضر معه الزكاة يعني الجزية فأدخل الجميع للسرايا ، فذهبنا لنراه ، وكان

__________________

يقتدون بالمسلمين فيما يتعلق بالشهادة ، فهم يحذفون منها الكلمات الأخيرة فتصبح فقط «لا إله إلا الله». فمن الممكن أن نعتبرهم موحدين [ـ إلهيين] بتمام معنى الكلمة» (وصف ولاية بغداد ، باريس ، ١٨٠٨).

وكان من جراء هذه الدعاية الكاذبة ، أن الأتراك كانوا يقولون عن أتباع محمد بن عبد الوهاب أنهم أعداء الدين. وبعد أن اطلع العلامة الشيخ حمد الجاسر ، صاحب مجلة العرب الغراء ، على ما ذكره الصايغ ، كتب مشكورا إلى محقق هذه المخطوطة ما نصه : «هذا الكلام مملوء بالأخطاء الشنيعة» :

١ ـ القول بأنه لا يستقبل جهة مكة ، وهذا غير صحيح فأتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب حنابل المذهب ويرون استقبال القبلة (الكعبة) من أركان الصلاة إذا لم يستقبل المصلي القبلة بطلت صلاته وهذا أمر لا شك فيه ويعرفه حتى المبتدئ من طلبة العلم.

٢ ـ الدعاء في أخر الصلاة وفي كل وقت مشروع بأن يعز الله الموحدين ويذل المشركين ، والمشركون ليسوا المسلمين ولكنهم الذين يصرفون شيئا من أنواع العبادة لغير الله ، وأنواع العبادة كثيرة وهي كل الأمور المحمودة شرعا التي أمر الله بها مثل الصلاة والدعاء والاستغاثة ، فهم لا يجيزون دعاء أحد من الأموات سواء كان نبيا أو عبدا صالحا بل يحبون الأنبياء كلهم ويتبعون ما شرعه الله ولكن لا يصرفون لهم شيئا من أنواع العبادة.

٣ ـ وأما قوله عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يبغضه ولا يحبه ، فهذا كلام باطل ، فمن أصول عقيدة أتباع الشيخ محمد كغيرهم من المسلمين محبة الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطاعته وتقديم أمره على أمر أي إنسان مهما كان ، ولكن طاعته ومحبته لا تجيز أن يصرف له شيء من العبادة بأن يدعى أو يستغاث به ، فالدعاء والاستغاثة لله القادر على ذلك ، ومن لم يحب الرسول محمدا فإسلامه غير صحيح ، ويعتبر كافرا يجب قتله عندهم.

وأما زيارة قبره فهي من الأمور المحبوبة ولكن لا لدعائه هو بل ليدعى له ويسلم عليه سلاما شرعيا ويصلى عليه.

فأتباع الشيخ محمد يفرقون بين حق الله وحق رسوله محمد ، فحق الله العبادة وحق الرسول الطاعة وامتثال الأمر وفق الشريعة الثابتة في القرآن وفيما صح عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والموضوع يحتاج إلى تفصيل لا تتسع لها هذه الرسالة وكثير من الأمور المنسوبة إلى الوهابيين هي كما يعتقد الأستاذ لا صحة لها وهي من تأثير الدعاية في ذلك العصر.

(١) (الأضراموط).

انصافا لفتح الله الصايغ نضيف إلى تعليق الأستاذ حمد الجاسر ما جاء في كتاب حافظ وهبة [الجزيرة العربية في القرن العشرين] تحت عنوان «ما ينسب إلى النجديين وهم أبرياء منه».

«وقد نسب إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب والآخذين بدعوته كراهيته النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والحط من شأنه وشأن الأنبياء والأولياء والصالحين» ...

«ونسبوا إليهم القول بإن العصا خير من النبي ... ولقد سمعت في نجد أن حكّام نجد الشمالية أثناء

٢٦٦

جاء بمئة وثلاثة عشر جملا وتسعة رؤوس خيل عظيمة جدا وعبد وعبدة ومبلغ من المال. فحضر هو بنفسه إلى أرض السرايا ، واختار منها أربعة رؤوس خيل مفتخرة جدا ، وأدخلها وربطت مع خيله ، وانتقى أيضا عشرين جملا أحسن الموجود وسلمها إلى الراعي ، وأخذ العبد والعبدة وأدخلهما إلى البيت ، وأخذ جانبا من الغنم وسلمها أيضا إلى راعيه لأجل الذبح لمطبخه ، لأنه يذبح سرمديا كل يوم نحو عشرين رأس غنم بالسرايا ، تعيينا يفرق منها وكيل الخرج لحما نيئا على بعض الأكابر الذين عيّن لهم ، هو ذلك كمثل الخرج (١) ، ١ / ١١٣ والباقي يطبخ بالسرايا للحاضرين / وللضيوف الواردين والشاردين. وما يبقى من جمال وخيل وغنم يسلمها إلى الأمين ، وهو واحد من خواصه يقال له الأمين ، حتى يبيعها ويأتي له بقيمتها كما جرت العادة دائما. وأكثر البيع يكون إلى أصحاب الأرزاق ذاتهم الذين أخذت منهم ، لأن كثيرا منهم يلحقون بالمزكي إلى الدرعية ، ويوم الأربعاء ، حين يصير السوق ، يأتون ليشتروا رزقهم مرة ثانية من الأمين ، لأنه يتهاود معهم بالثمن أكثر مما إذا اشتراه أحد غريب.

وأما بخصوص عيشته فهي معذبة من غير راحة فكر ، لأنه أولا يأكل بالحرم عند النساء ولا يأكل من أكل السرايا ولا من يد أحد ، يأكل من يد امرأته فقط خوفا من التسميم ، لعلمه أن أعداءه أكثر من محبيه حتى من بين عربه وخواصه ، والسبب في ذلك من أمرين

__________________

خصومتهم مع آل سعود كانو يكتبون إلى الأتراك أن آل سعود اتخذوا راية شعارها : لا إله إلا الله محدّ (بحذف ميم محمد) أي لا أحد رسول الله ...

«ولقدّ حضر إلى مكة أثناء الحرب الحجازية النجدية ١٩٢٥ م بعض أفاضل السنغاليين وتطوان وأخبرونا أنهم سمعوا في الأسكندرية ... أن الوهابيين ... في الأذان يقولون أشهد أن لا إله إلا الله فقط ولا يقولون وأشهد أن محمدا رسول الله» ...

«ومما ينسب إلى أهل نجد تكفيرهم من عاداهم» ...

«وإننا نقتبس ما كتبه العلامة الشيخ حمد بن عتيق من رسالته التي وضعها عن مكة : هل هي بلاد كفر أو بلاد إسلام؟ ... إذا كان الشرك فاشيا مثل دعاء الكعبة والمقام ودعاء الأنبياء والصالحين ... وصارت الدعوة إلى غير القرآن والسنة. فلا شك أن هذا البلد يعتبر بلاد كفر ولا عبرة بالصلاة والحج والصوم والصدقة».

«إن التوحيد قد تقرر في مكة بدعوة اسماعيل بن إبراهيم عليهما‌السلام ، واستمر أهل مكة عليه ردحا من الزمن ، ثم فشا فيهم الشرك فصاروا مشركين وصارت بلادهم بلاد شرك» ... (الجزيرة العربية في القرن العشرين ص ٣٠٠ إلى ٣٠٣).

(١) المصروف والنفقة.

٢٦٧

فقط (١) اللذين هما ضد طبع العرب واصطلاحهم : أولا أنه يأخذ منهم الجزية رغما عنهم كما ذكرنا سابقا ، وثانيا أنه يغصبهم على الصلاة خمس مرات كل يوم غصبا سيفيا (٢) ، وأقام عليهم أناسا ترصدهم وترغمهم على الصلاة ، والذي لا يصلي يقتله ويقطع خصيتيه ويضعهما فوق أنفه. وقد فعل ذلك مرارا عديدة مع شعبه. فهذان السببان قد زرعا عداوة وحقدا (٣) في قلوب الشعب عليه وحصل لهم فتور وملل من محبته ومالت قلوبهم إلى بغضه ، ولو لا هذه الأسباب لما كان يوجد أقوى منه ، لأن شعوبه كثيرة لا تحصى وأماكنه بعيدة لا يتطاول إليها أحد ، ولا مصاريف عليه كما ذكرنا سابقا ، ولذا كان يستطيع أن يتقدم ويملك أماكن كثيرة ، ويصبح سلطان الجزيرة العربية (٤) كافة برا ومدنا.

ثم دخلنا إلى القسم الداخلي من السرايا (٥) ، لنمتع نظرنا برؤية خيلها. فيا له من ٢ / ١١٣ منظر للخيل لمن يحب الخيل ، وليس لي لأني / من بعد وقوعي الذي تكلمت عنه (٦) ، ما عاد قلبي يتحمل رؤية جنس الخيل ولا يطاوعني على ركوبها. وبالنتيجة شيء يأخذ العقل ، فموجود نحو مئتي فرس كأنها تصوير على ورق ، لأنك مهما كنت عارفا بأمور الخيل لا تستطيع أن تميز الواحد عن الأخرى بالجمال ، فجميعها كأنها صنعت من عجين ، على يد معلم واحد ، [إذ أنها متساوية] بالقد والعلو والهيئة (٧) والضعف والحسن والمزايا. فمنها ثمانون واحدة بيضاء ، وأثوابها مثل الثلج ، لا يمكن تمييز الواحدة عن الثانية باللون (٨) ، والباقي مشكلات على حسب ألوان الخيل : شيء مفتخر لا يمكن وجود نظيره عند غير ملوك.

ثم رجعنا إلى منزلنا ، ودعينا تلك الليلة على العشاء عند الأمير عبد الله الهدّال الذي كان متوليا جيش الوهابي. فعمل لنا غاية الإكرام والحشمة وتذكرنا أيام حربنا معه أمام حماة وتلك الأمور التي جرت ، وسامح الدريعي وعبد الله بعضهما من جميع ما جرى وصارا بوفق ومحبة زائدة. وثاني يوم توجهنا عند ابن سعود وبعد شرب القهوة طلبنا منه خلوة لأجل تأكيد

__________________

(١) «لأجل نوعين فقط».

(٢) «بحتم سيفلي» ، أي بالسيف.

(٣) «غي».

(٤) «عرابيا».

(٥) «السرايا الجوانية».

(٦) «وقعتي المعلومة».

(٧) «الكسم».

(٨) اسقطنا هنا سطرا وضعه الصائغ في هامش الصفحة ، فلم نتمكن من قراءته لأنه مخيط في جلد الكتاب.

٢٦٨

حيلتنا (١) ، عليه ، فأمر بذلك. وكان بالخلوة هو وعبد الله الهدال كاخيته والدريعي وأنا لا غير. فصار رباط عظيم ، بقول وثيق ، وأقسام عظيمة ، أننا نحن وهو بالحال واحد : العرض واحد ، والدم واحد ، والمال واحد ، والله الشاهد والرقيب على من يتعدى وينقض رباطنا هذا ، وإن حين يستدعي أحد من الفريقين الآخر إلى معونته يحضر سريعا من غير تماهل كليا. وما يضره يضرنا ، وما ينفعه ينفعنا ، والصاحب صاحب جميعنا ، والعدو عدو جميعنا ، وأن نبذل جهدنا لندافع ونمانع جميع غوائل الأتراك الذين يقدمون من اسلامبول (٢) ، لأنه كان حاسبا حسابا كبيرا للسلطان ويخشى أن يرسل إليه جيشا عن طريق الحج ، كما وجهه إلى ١ / ١١٤ مصر أيام الحملة الفرنسية ، فجعلناه يطمئن من هذه الناحية / وأرحنا باله من هذا القبيل ، لأنه ما كان حاسبا حسابا لوالي مصر ابدا بل كان حسابه الأكبر للسلطان ، مع أن أخبار استعدادات محمد علي وصلت إليه جيدا ، ولكنه كان لا يفكر بها ثقل حبة خردل.

فتمّ هذا الاتحاد فيما بيننا وتحالفنا على السيف والمصحف وتعهد لنا أن مهما لزم لنا لأجل إعانتنا على استملاك عربستان من إمداد بالرجال أم بالمال ، يكون جاهزا ويرسل إلينا ، ويصير الدريعي سلطان الشمال وهو سلطان القبلة ويكونان روحين في جسد واحد ، وقرأنا الفاتحة على ذلك وخرجنا من الخلوة إلى حجرة ثانية ، فأمر بالغداء فأخرج الغداء من الحرم وكان شيئا منظوما من لحم وأرز ودجاج ومحاشي وحلويات لأن العسل كثير بالدرعية وغير أماكن. فغسلنا أيدينا وجلسنا للغداء. فمد يده هو قبل الجميع وقال : «بسم الله خالقك ومفرق أصابعك». فأكل من كل صحن لقمة ثم قال : تفضلوا ، والمعنى أنه يرفع الشك عن مادة السم ، لأن هذا الوسواس شديد عنده. فابتدأنا وهو يأكل معنا بيده من غير معلقة. فقال له الدريعي : الإفرنج يأكلون بالمعالق الفضة والملاقيط الفضة والسكاكين ، من غير أن يمسوا بأيديهم شيئا. فقال : وكيف يصير ذلك؟ فقلت له : الآن أريك. وقمت حالا وأخذت قصبة فارسية وصنعت معلقة وشوكة (٣) من القصب ، ووضعت سكينا وأخذت صحنا فارغا ووضعته أمامي ، وأخرجت محرمتي وجعلتها سلونية (٤) ، وابتدأت آكل بكل

__________________

(١) «نصبتنا».

(٢) استنبول.

(٣) «فرتيكه».

(٤) كذا ، وقد تكون الكلمة مشتقة من صالون : غرفة الاستقبال.

٢٦٩

ظرافة على فرانكا (١). فتعجب من ذلك وضحك حتى شبع ضحكا وسرّ من هذه [الفرجة](٢) الفريدة وابتدأ يوحد الله ويقول : سبحان الذي أرضى الناس بعقولها ، كل من يعجبه عقله ودينه وأزياؤه أكثر من غيره. فبعد الأكل خرجنا إلى الخارج (٣) وشربنا القهوة بالديوان وتوجهنا إلى محلنا. وتلك الليلة دعينا عند أبو نقطة (٤) ، عقيد خارجي مشهور كنا ٢ / ١١٥ ذكرناه في مادة حماة. وحين رجوعنا إلى منزلنا اعتمدنا أن (٥) نطلب الأذن بالسفر نهار غد. ولما كان الغد توجهنا إلى الديوان. وبعد مواجهته وشرب القهوة قال له الدريعي : يا ابن سعود إن قدّر الله نهار غد نسلم عليك ونستأذنك بالرحيل. فقال له : يا ابن شعلان كأنك مللت منا سريعا (٦)؟ قال : استغفر الله لا يمل أحد من رؤيتكم ، ولكن لا بد من رجوع الغريب إلى وطنه. فقال له : حاشا ، أنت لم تبق غريبا ، فنحن وأنت بالحال واحد. فإن كان مرادك ذلك فليكن كما تريد. فجلسنا حصة من الزمن عنده ، وقمنا إلى المنزل كي نعد أمورنا للسفر. وبعد وصولنا بوقت قليل وإذ أرسل لنا سبعة رؤوس خيل ، أفراسا لا ثمن لها ، لكل واحد منا فرس وعبد يقودها ، وسبعة هجن للسبعة عبيد حتى يركبوها حين يتوجهون معنا. وكان قسمهم هو بنفسه وأفهم العبيد ذلك [وقال لهم] : أنت يا فلان وفرسك وهجينك تقدم حالك لفلان. وكذلك [أهدى] للدريعي سيفا ثوبه جلد أسود إذ عندهم حرام اقتناء سلاح من الفضة والذهب ، إنما حديده شيء مفتخر جوهر عظيم من أفخر سيوف العجم ، وأيضا مع كل عبد مشلح حساوي أسود ، وسيف ضبان (٧) عظيم ، ومئة ريال فرنجي. فقبلنا جميع ذلك ، وكل منّا عرف عبده وهجينه وفرسه. ولكن يا لها من سبعة رؤوس خيل لا يمكن أن يوجد نظيرها ولا ثمن لها. ففرحنا بها جدا وأخذنا نعدّ أمورنا للسفر. وثاني يوم توجهنا إلى (٨) عنده حتى نستكثر بخيره ونودعه ونسافر إذ حضر عنده هجان ، من عرب الينبع ، يخبره أن ١ / ١١٥ جيش محمد علي والي مصر / خرج من الينبع بكل نظام وقوة متوجها نحو المدينة

__________________

(١) أي على طريقة الإفرنج.

(٢) كلمة غير مقرؤة.

(٣) «برا».

(٤) هذا أيضا من ترهات الصايغ ، لأن أبا نقطة قتل سنة ١٨٠٩.

(٥) ص ٢ / ١١٤ بيضاء. وأما صفحة ١ / ١١٥ فتأتي بعد صفحة ٢ / ١١٥ وفي نهايتها.

(٦) «قوام».

(٧) كذا ؛ ولم يظهر لنا المعنى. وقد سبق تفسير هذه الكلمة.

(٨) ورقة صغيرة أضافها المؤلف.

٢٧٠

لامتلاكها (١). فضحك وقال إن شاء الله سيصير بهم أكثر مما صار سابقا ، جعلهم الله غنيمة للموحدين ، هؤلاء الكفار والقوم المشركين. وإني بعون الله وحده لا أحسب لهم حسابا ولو بثقل حبة خردل. فدعونا له بالنصر والظفر على أعدائه وخرجنا من عنده. وقلت للدريعي : الله يستر ابن سعود ، لا أظنه يستطيع أن يجابه (٢) محمد علي في خصامه معه. فقال : وكيف ذلك ، فعلى ما شاهدنا أن عرشه كبير وجيشه كثير ، فمن يستطيع عليه. قلت : صحيح ولكن الأمر الذي ينقصه هو حب الرعية له ، لأن أكثر شعبه غير راض عنه ومظلوم معه. ومن المعلوم أن المظلوم يبحث عن خلاصه وخراب ظالمه. وفي أقرب وقت سيخونه شعبه ، لا سيما وأن العثماني يحرك عليه ، ويعمل على ذلك ، وعلى التفخيذ والخيانة ، كما هي عادته.

__________________

(١) كانت الحملة المصرية على المدينة سنة ١٨١٢ ، ومن الواضح أن الصائغ لا يراعي الأمانة التاريخية.

(٢) «بيطلع راس».

٢٧١

[ريح السّموم]

١ / ١١٦ ثم ودعناه وخرجنا / من البلد ومعنا العبيد ، كل واحد راكب على هجين ، يقود فرس معلمه معه ، وكذلك طلع معنا جملة من الناس من الأكابر وذوي المناصب رافقونا نحو ساعة من الزمن وودعونا ثم رجعوا (١). وأما نحن فأخذنا الطريق الحجازي وقصدنا التوجه بالسلامة إلى بلاد حوران ، حسب الوعد مع عرباننا. فجدينا بالمسير ، وكل ليلة نبيت عند عرب ، لأن العربان في تلك الأماكن كثيرون جدا بسبب قربهم من الدرعية. ثم خامس يوم من سفرنا كنا نائمين عند قبيلة عرب يقال لها الهنادي (٢) ، فقمنا ثاني يوم لنسافر فوجدنا جميع الجمال طامرة رؤوسها بالرمل ، فعرفنا أن ريح السموم قادمة ويسمونها أيضا السنبلة (٣). فهذه الريح تحصل في البادية الحارة جدا. وقبل أن يعرف بها أحد تشعر بها الجمال أكثر من الجميع. وبسبب حكمتها كي لا يصيبها ضرر منها وتموت فإنها تطمر رؤوسها بالرمل وتدبير أقفيتها لملاقاة الهواء. وهي تشم رائحة ذلك الهواء قبل وصوله بساعتين أو ثلاث ساعات. وسبب طمر رؤوسها بالرمل فكي لا يدخل هذا الهواء الرديء الجهنمي في مناخيرها. فإذا قتلت

__________________

(١) جاء في ترجمة فرنيل : «فلما وصلنا إلى باب المدينة وقف الدريعي والتفت إلي وقال : تفضل واخرج أولا ، فإني واف بعهدي» ... ونلاحظ أن كل هذا المقطع لا وجود له في الأصل العربي ، وهو من مبتدعات لامرتين.

(٢) الهنادية ، من بني محمد من بني عمرو ، من حرب (الجاسر ، معجم القبائل ، ٢ ، ص ٨٨٨).

(٣) ولعله يريد الصّنبل أي الخبيث المنكر ، ومن عادة الصايغ أن يبدل الصاد بالسين.

٢٧٢

الجمل وقرمت لحمه لا يمكن أن يرفع رأسه حتى يخلص الهواء ولو دام يومين. فحالا أعد العرب المواقع التي يمكن أن يحتموا بها من ذلك الهواء. وحالا أغلقوا بيوتهم من أطرافها الأربعة ، وأدخلوا الماء إلى داخل البيوت وسدوا آذان الخيل كلها لأن الخيل يصيبها الضرر من هذا الريح في أذانها. وحالا كل واحد غطّى رأسه بمشلحه وقعد في ناحية. ثم وصل الهواء المسم الشنيع الناري ، فكأن أبواب جهنم قد فتحت : نار لا توصف وترى البراري تلتهب من النار والغبرات الحمر والزوابع متصلة والأرياح العاصفة غير منفصلة ، وتسمع هدير الجمال وصهيل الخيل وعويل الكلاب ، شيء يفزع الأسد. والذي يريد أن يشرب يمشي على يديه ورجليه ويذهب ليشرب من قربة الماء وقد أصبحت بالحقيقة أسخن من ماء الحمام الغالية. النتيجة أن الدنيا قد اشتعلت نارا. ودامت هذه الحالة عشر ساعات متواصلة حتى كادت تخرج ٢ / ١١٦ أرواحنا / وبعد ذلك ابتدأ الهواء يخف رويدا رويدا إلى أن انقطع تماما ، وجملة ما دام ست عشرة ساعة. فخرجنا من البيوت وخرج الناس كافة ، ولكن كنت ترى وجوه العربان سوداء كأنهم خرجوا من حريق. ومن ذلك الهواء مات في نزلنا ثمانية أنفار ، منهم خمسة أولاد وامرأتان ورجل واحد. والموتة بهذا الهواء سريعة جدا مثل الرمي (١) بالرصاص ، لأن الإنسان حين يشم هذا الهواء المسم يبتدئ الدم حالا يخرج من مناخيره وفمه بكثرة ، وخلال ساعة من الزمن يصبح أسود مثل الفحم وييبس ويموت موتة رديئة أنجس من الطاعون. فشكرنا الله تعالى الذي أنقذنا من هذا الخطر المحدق (٢) العظيم. وسافرنا في اليوم الثاني وكنت دائما أفكر بخوف شديد بهذا الهواء ، خشية من أن يحصل مرة ثانية ونكون سائرين وحدنا بالطريق من غير بيوت عرب نأوي إليها فنهلك حالا بلا شك (٣).

__________________

(١) «قويص».

(٢) «القطوع».

(٣) نصف الصفحة ٢ / ١١٦ بياض ، وكذلك الورقة ١١٧ و١١٨ والصفحة الأولى من الورقة ١١٩. وهذه الصفحات البيضاء تدل على أن الصايغ كان يريد أن يضيف بعض المعلومات ، ثم لم يتمكن من ذلك لأسباب نجهلها.

٢٧٣

[تقاليد العرب وعاداتهم ومعتقداتهم]

نقول أن بعد ظهور الوهابي في بلاد الدرعية ، تبعت طريقته السهلة المعلومة جميع القبائل والعشائر التي كانت قريبة منه ، مثل بلاد نجد واليمن وجبال شمر والحجاز. فالبعض منها خوفا من شره والبعض منها استحسنت مذهبه وصارت معه ، والبعض منها أملا بالكسب ، لأنه قادم على حروب وفتح بلاد وضرب قبائل ، فطمعا بالنهب والسلب تبعوه. وأما عرباننا الذين نحن عندهم ، وهم عربان الهند والبصرة وبغداد والعراق وسورية وحوران وبلاد الجليل وغير وغير ، فهؤلاء ظلوا على حالهم لعدة أسباب : أولا لأنهم بعيدون عن الوهابي ، ثانيا ليوفروا على أنفسهم الجزية ، ثالثا لأنهم يدخلون دائما إلى بلاد الإسلام [كذا](١) بسبب ما يحتاجون إليه من لوازمهم مثل فروات وكوفيات وخام ومشالح وغير أشياء تلزمهم ، رابعا لأجل وارداتهم وجعائلهم (٢) من تغفير الحج إلى مكة ، خامسا لأجل خوّاتهم (٣) التي لهم على القرى. فلهذه الأسباب فرزوا أنفسهم من الوهابي ، مع أن (٤) جميع العربان قريبون إلى طريقة الوهابي ، وكذلك عرباننا. لا يوجد غير الله ومحمد ، وهم يكرمون الإمام علي أكثر من غير أصحابه. وأكثر أيمانهم [على الحشيش] ، فهم يقطعون الحشيش ويحلفون : «وحق من خلق

__________________

(١) راجع تعليقنا ص ٢٦٥ حاشية ٦.

(٢) «مداخيلهم ومعتاداتهم».

(٣) خوات ج. خوة.

(٤) «خوش».

٢٧٤

هذه [الحشيشة]» ، سواء كانت المادة هامة أو طفيفة (١). كذلك يحلفون برأس الإمام ١ / ١٢٠ علي ، وإذا ضاع لهم شيء ينادون عليه هكذا / (٢) : «يا سامعين الصوت صلوا على النبي ، أولكم محمد وتاليكم علي ، يا من شاف (٣) لنا الحاجة الفلانية». فينتج من ذلك أن المكّرمين أكثر من الكل الله ومحمد وعلي. وكذلك يحلفون ، في الأمور الهامة ، بعواميد بيوت الأمراء ، مثل بيت فاضل ، وبيت شعلان ، وبيت عبده ، وبيت تامر ، وغيرهم. فيقولون : «وحق عامود هذا البيت وما أطعم من العيش». فهذا عندهم يمين قاطع كبير ، ويعتقدون به كثيرا.

ثم أنهم يصدقون المنامات ويعتقدون بها جدا. ويعتقدون بالسحر وهم على يقين أن للسحر فعلا عجيبا وأن القلم يعمل في المحبة والبغضاء والزواج والفراق والاجتماع. وعندهم كل من عرف الكتابة يستطيع أن يعمل كل أمر يريده ، حتى أنني كنت عندهم بمنزلة سيمون الساحر (٤) ، لأني ما أكثر ما جمعت وفرقت ، وزوجت وحببت وبغضت ، مع أن ليس عندي أثر العلم بذلك ولا يقين بمثل هذه الأمور. فكنت أضحك منهم واكتب لهم أحرفا مقطعة وخربشات وأحرفا فرنجية وأعطيهم إياها ، ولكن أكون فهمت منهم المادة جيدا ، وبعد ما أعطيهم الورقة أدبرهم على الطريقة والظروف التي توصلهم إلى المطلوب ، فأكثر الأمور تأتي وفق مطلوبهم. ومن كثرة ثقتهم بالسحر يتوهمون أن الفعل من الكتابة والورقة التي أعطيتهم إياها / مع أن الفعل كان من التدبير كما هو معلوم.

وكذلك هم جماعة سريعو الإجابة ، يصدقون ما تقوله لهم ولا يراجعونك مثل غير شعوب ، لأن قلوبهم سليمة ، ولا يغشون أحدا ولا يظنون أن أحدا يغشهم. فهذه الطباع كانت تريحنا جدا معهم. وكثير من الأوقات كنا نحتاج إلى أمر لأجل مصلحتنا ، مثل الرحيل من المحل الذي نحن فيه ، أو الإقامة به ، أو العداوة مع إحدى القبائل ، أو الصلح أو الاقتراب من إحدى المدن أو الابتعاد عن المدن ، النتيجة الأمر الذي نحن بحاجة إليه وقتئذ ، فأزعم أني رأيت مناما أعده في عقلي بالليل ، وأقوم ثاني يوم أجمع كبار العربان وأقص عليهم منامي. فمن المعلوم أنهم يسألوني ما هو تفسير هذا الحلم العجيب يا خطيب؟ فأفسره بما يناسبني وأختم التفسير بمطلوبي ويتم مقصودنا من ذلك المنام. وهذا الأمر حدث معنا مرارا.

__________________

(١) «مادة كلية أم جزئية».

(٢) نلاحظ أن عدد الأسطر والكلمات في الصفحات قد نقص جدا إعتبارا من الورقة رقم ١١٩.

(٣) رأى.

(٤) أحد المتطرفين من اليهود أشتهر بالسحر وكان معاصرا للمسيح.

٢٧٥

أما بخصوص شريعتهم فهي مثل الشريعة المحمدية ولا فرق بينهما كليا (١). ولكن أين من يصغي أو يفهم منهم؟ فهم جماعة مثل وحوش البرية ، ولهم مثل يرددونه دائما : «دفتر البرية مشقق» ، أي أن ليس عندهم شرع ولا كتاب. وإذا حدث واحتاجوا إلى أمر يقتضي ١ / ١٢١ له الشرع ، فإنهم يذهبون عند أحد الأمراء أو مشايخ الحكم لأن ليس عندهم مشايخ دين. / وهذا الشيخ أو هذا الأمير ينهي الدعوى بينهم على أساس الوفق والصلح ، لا على قياس الشرع. والسبب بذلك أنك إذا أنهيت الدعوى على حسب الشرع ، لا بد من أن يكون أحد الخصمين مفشولا ، كما هي العادة. وإذا كان مفشولا لا يقنع بل يذهب ويثير حمولته ، يعني طائفته وأصحابه ، ويغير على طرش عدوه ، وتحدث فتن وخصومات ويأخذ حقه بيده من غير قاض ولا مفتي. فلعلم الأمراء والمشايخ بذلك ، فإنهم ينهون الأمور بالمصالحة ، لكي لا تكثر الفتن والعداوة فيما بينهم. وحدث أن شابين من قبيلتين مختلفتين كان لأحدهما بنت عم جميلة الصورة ، فوضع عينه عليها ليأخذها ، وهي تحق له شرعا كما هو معلوم ، إلا أن الشاب الغريب وضع عينه عليها أيضا ويريد أن يأخذها. فدخل حبها في قلب الاثنين ، وابتدأت المشاجرات والجدالات والقتال بينهما. فكان ثلاثة أرباع العربان [مع ابن العم ، وكذلك] كل الأمراء والمشايخ حتى أنا من الجملة ، أولا لأن ابن عمها شرعا أحق من الغريب ، ثانيا لأنه رجل لائق عاقل إنساني (٢) كريم ، معروف بين العربان ، طعّام عيش ، جميع صفاته محمودة (٣). أما الثاني فغريب ، من طائفة وضيعة معلول النسب ، غير أنه فارس عظيم ٢ / ١٢١ مشهور بين العربان وله أقرباء وأخوة فرسان يهابهم العرب / بسبب فروسيتهم. [وكانت تحدث] كل يوم اجتمعات عند الأمراء ، وجدالات (٤) وقتال وعداوات. وفي كل اجتماع يحكمون أن البنت لابن عمها ، وهذا الحل أفضل وأحسن شرعا بالنظر إلى شريعتهم. وكان آخر اجتماع عند أميرنا الدريعي ، بحضور جملة مشايخ وأمراء وكبار العرب. فالجمهور جميعه حكم وجزم أن ابن عمها يأخذها ولا يكون غير ذلك. فحين رأى الشاب أنه قد خسر ، وأن البنت قد راحت من يده ، قام من المجلس بكل حمق وغيظ ، وركب على ظهر جواده ، وأخذ رمحه بيده وهزّه أمام بيت الدريعي وقال : هذا القاضي وهذا الشرع (يعني رمحه) ، والتفت إلى

__________________

(١) ما يقوله الصائغ عن القضاء البدوي يجب إعادة النظر فيه على ضوء الأبحاث الحديثة.

(٢) «آدمي».

(٣) «من جميعه مليح».

(٤) معالجات.

٢٧٦

ابن عم البنت الذي هو غريمه وقال له : يا فلان خذ حذرك مني ، إن شاء الله لا أدعك تتهنى بها ولا ليلة واحدة ، وساق فرسه وتوجه إلى بيته. فاصفر وجه الشاب ابن عم البنت من هذا الكلام وأيقن بالموت من يد خصمه ، وجميع الناس تكدروا وصاروا في حيرة لأنهم تأكدوا أنه سيقتله ، لأنه قادر على قتله وقتل خمسين رجل مثله. ثم انفض المجلس وبقي الشاب وأبوه ١ / ١٢٢ تلك الليلة عندنا ، أولا من الخوف وثانيا لكي ندبرهم / بطريقة حسنة. فاجتمعنا بعد العشاء بخلوة ، مع الدريعي والخواجه لاسكاريس والشاب وأبيه وأنا. فقال الدريعي : يا جماعة هذا الشاب سيقتل لأن خصمه رديء جدا ، وبسبب قتل هذا الشاب ستتحرك العربان ، وتحدث فتنة كبيرة وسفك دماء وغارات ، وتنقسم العرب شطرين ويحصل لنا تعب. والعربان يريدون مثل هذه الأمور ، ليجعلوها وسيلة للكسب والنهب من بعضهم ، لأن هذه صنعتهم (١) ومقصودهم ، قبح الله هذه المادة والله ينهيها على خير. فبعد أن انتهى الدريعي من كلامه قال الشاب : أنا عدلت عن البنت ، فاعملوا الذي يريحني ويريحكم ويريح العرب ويطفئ نار هذا الشر. فقال الدريعي : يا جماعة إذا أحضرنا الشاب وأعطيناه البنت ، نكون منكوسين ونظهر بمظهر الفاشل ونبدو وكأننا خفنا منه ، ويبقى العار علينا ، وعليّ بادئ بدء ، لأنني أول من حكم وجزم أن البنت لابن عمها ، ولكن نريد طريقة حسنة كي لا نطلع بالخجل. فقال أبو الشاب : دبرنا يا معلم إبراهيم (يعني الخواجه لاسكاريس). فقال المذكور : هذا شيء سهل ، وهو أن تتكلموا مع الفتاة وتفهموها الواقع ، وهي تقول : لا أريد ٢ / ١٢٢ ابن عمي بل أريد فلانا ، فيبقى القول لها والذنب / عليها. وأما أنتم فلا يقع عليكم لوم ولا خجل. فاستحسن الجميع هذا الرأي وثاني يوم تكلموا مع الفتاة ورضيت غصبا عنها ، وأرسلوا خبرا إلى الشاب فحضر ليأخذها ، وتم له النصيب وأخذها قهرا ورغما عن الشرع وعن جميع الناس.

فبما أن هذه حالهم فأية شريعة عندهم؟ فهم جماعة يعيشون في البرية بحرية عظيمة ، لا ينقادون لشرع ولا يعرفون ما هو الشرع (٢).

وأما بخصوص زواجهم فإن العريس يعطي العروس نقدا على قدر إمكانه ، أما جملا أو ناقة أو نعجات أو فرسا ، على حسب الرضى وعلى قدر إمكانه. وإن وجد في القبيلة أحد

__________________

(١) «كارهم».

(٢) يعيش البدو على الأعراف وينقادون لها ، كما بيناه في كتابنا : «الحقوق في المجتمع البدوي».

٢٧٧

يعرف الكتابة ، يذهبون عنده ليكتب لهم كتابا ، على قدر معرفته ويشهد الحاضرون. وإن لم يكن هناك من يكتب فإنهم يذبحون ذبيحة (١) ويتعشون ، ويشهد من كان حاضرا ، ويدخل العريس على عروسته. وقد زوجت أنا كثيرا منهم وكنت أكتب لهم ورقة : قد أذنت لفلان وأجريت نكاحه على فلانة بنت فلان بنقد هو كذا كذا. وأضع أسماء الشهود الحاضرين.

فيقوم العريس ويقبل يدي ويذهب ليأخذ عروسته. وعلى هذه الصفة زوجت كثيرا من العرب. ثم بخصوص الوراثة فهم على موجب الشريعة المحمدية كل ابنتين بذكر. إلا أنهم ١ / ١٢٣ لا يورّثون البنات الخيل بل يعطونهن حصتهن من غير صنف وتبقى الخيل / للذكور. وأما ذلك (٢) فنادر الوقوع ، لأنهم لا يقتسمون إلا بالصدق ، ولأنهم ليسوا مثل الحضر ، سكان المدن ، أصحاب أرزاق وبساتين وكروم وتجارة ودور ملك. فليس لهم شيء من هذا فقط جمال لأجل تحميل البيت والحوائج حين الرحيل ، وبعض الناقات لأجل أن يشربوا (٣) حليبها ، ورأس أو رأسا خيل على حسب البيت. فهؤلاء هم المتوسطو الحال. وأما الأكابر والأمراء فإنهم لا يقسمون قط ، بل يبقى البيت دائما من الأجداد إلى أولاد الأولاد ، وذلك لكي لا يكثر اسم هذا البيت ، لأن ، كما ذكرنا سابقا ، أعظم يمين عندهم في بيوت الأكابر. وإذا قسّموا كثر اسم هذا البيت فلا يبقى موقرا وعزيزا ، إذ كما هو معلوم كل شيء إذا كثر لا يسمى عزيزا ولا يكون محترما.

وعندهم أيضا الطلاق ، ولكنهم لا يطلقون نساءهم أبدا ، لأن عندهم الطلاق عيب ورذالة كبيرة. ودائما يعيّرون أهل المدن بمسألة الطلاق ، ويقولون أن أصحاب المدن ليس لهم ناموس ، فكيف يرضى الإنسان أن حرمته ، التي نامت معه عددا كبيرا من الأيام تكون الآن ٢ / ١٢٣ مع غيره ينام معها. واعجباه كيف لا يخجل الرجل حين يرى زوج امرأته الجديد بالسوق. / وخلال كل إقامتنا عند العرب لم نر أحدا طلق امرأته. ولكننا سمعنا أن واحدا كان طلق امرأته لأجل مادة جسيمة. فمن كثرة ضحك العربان منه واستهزائهم به بقولهم : امرأتك يا فلان يفتعل بها اليوم فلان. فاضطر أن يترك بيته وأهله ورزقه ونزل إلى حماة وخدم عند آغا غريب كيته (؟) ومات في حماة غريبا.

__________________

(١) الذبيحة لا تقوم مقام الكتاب إلا أنهم يكتفون عندئذ بها.

(٢) كذا ولا نعلم ما هو المقصود بهذه الكلمة.

(٣) «يأكلوا».

٢٧٨

فالمكروه عند العرب : الطلاق ، والضراط ، وكلام السفه (١) ، والخاين ، والذي ليس له قول ، والبخيل ، والجبان بالحرب. فأصحاب هذه الخصال يكونون سخرية العربان ، ويشهرونهم ويجعلونهم مهزأة لهم ولا يسمحون لهم بالقعود في مجالس الكبار. وأما السارق ، فمقبول عندهم لأن أكثر معيشتهم من السرقة. لأنهم لا يسمون سرقة الشيء الذي يأخذونه بالقوة ويزعمون أن كل شيء أخذوه بعد قتال لا يسمى سرقة ، لأن القافلة أو القرية أو القبيلة المعادية لا تسلم نفسها من غير حرب ، وكل شيء يحدث بسببه حرب يسمى كسب قوة لا سرقة. وعندهم هذا شيء حلال ، وكم من مرة اعترضنا عليهم وقلنا لهم أن تشليح القوافل والغارات على أرزاق الناس حرام. فكان جوابهم أن مال أبينا آدم لم يقسم بل بقي مشاعا ، ١ / ١٢٤ ونحن أولاد آدم وحواء. /

ليكون معلوما عندك أيها القارئ ، إن الأحوال والأمور التي شاهدناها عند العرب ، خلال سبع سنوات من السياحة ، لم يرها أحد من السواح غيرنا. فهم جماعة سريعو الغضب وسريعو الرضى ، أقل حركة تغضبهم وأقل كلمة ترضيهم. قوم يحبون الفتن والحروب والمعارك والغارات سواء على بعضهم أو على الطوائف الغريبة ، أولا لأجل تمرهمهم (٢) بالحرب ، ثانيا لأجل المكسب لأن هذه تسليتهم وأسباب معيشتهم (٣) ، ولهم موارد أخرى ، فالأمراء والشيوخ الذين عندهم طروش جمال وخيل ، يطلع كل سنة أناس ليشتروا منهم الخيل الذكور والجمال ، لأنهم لا يبيعون الخيل الإناث ولا النوق بل تبقى عندهم لأجل التولّد (٤) ، والنوق أيضا لأجل التولد أولا ولأجل حليبها ثانيا ، لأن حليب النوق أكبر قوت لهم. وكذلك التمر والتمّن (٥) الذي يطلع في بلاد العراق والبصرة وبغداد مثل الأرز. وأما اللحم فإنهم يأكلونه قليلا. فهم أناس قنوعون بالمأكل جدا ، أقل شيء يشبعهم ، ولهم صبر (٦) على الجوع والعطش والحر والبرد والتعب شيء لا يوصف. فبعضهم يستطيع أن يركض مثل الحصان طول النهار بالحر ، كذلك يستطيع بعضهم أن يصبر على الجوع والعطش ثلاثة أو أربعة أيام.

__________________

(١) يريد : الكلام السافل.

(٢) كذا ، فهل يريد تمرنهم أو مهارتهم؟.

(٣) «تسلايتهم وسببهم».

(٤) «الخلفة».

(٥) التمّن : الأرز على لغة أهل العراق.

(٦) «ضيان».

٢٧٩

٢ / ١٢٤ ولكل واحد زنار من قدّ (١) مضفور رفيع ملفوف على بطنه / نحو عشرين دورا. وحين يجوع يشد هذا الزنار ويشرب قليلا من الماء ويقول الحمد لله شبعت ، وليس عندهم شراهة بالأكل. وكذلك كسوتهم وضيعة سواء كان واحدهم أميرا أو صعلوكا (٢) : قميص من الخام ، وزنار من الجلد ، وعباءة أو فروة من جلد الغنم (٣) ، وفي رأسه كوفية وعقال صوف مجدول تشتغله النساء وتهديه للرجال ، وهم حفاة من غير شيء بأرجلهم كليا ، إلا الأمراء والمشايخ والأكابر منهم فلهم جزمات يلبسونها حين يركبون أو حين يزورهم أحد من كبار الناس أو حين يذهبون لعمل الزيارات (٤) إلى بعضهم. وأما في باقي الأوقات فهم حفاة. وصدف أن واحدا من العرب نزل لدمشق ليشتري له جزمة ، فدخل إلى أحد الدكاكين وطلب من البائع جزمة تدوم دهرا (٥) ولا تتمزق. فأعطاه جزمة وشرط عليه أن لا يلبسها إلا حين يركب ومتى نزل يخلعها ويخبئها ، فحفظ البدوي تلك الوصية ودامت الجزمة عنده نحو عشرين سنة ، وكان يمدح الذي باعها ويدعو له لأنه نصحه وأشار عليه شورا حسنا. النتيجة مصروفهم قليل جدا إذ ليس هناك سبب للمصروف ، وكما ذكرنا مأكولهم وضيع وملبوسهم وضيع أيضا ، ١ / ١٢٥ وغناهم وفقرهم من بعضهم ، لأن الغارات / مستمرة ، ومهما عملت من صلح بينهم فإن هناك دائما قبائل تشن غارات على بعضها بسبب كثرتها. وفي اجتماعاتهم مع بعضهم لا يتكلمون إلا عن الحروب ، والمعارك ، وملحمة القبيلة الفلانية ، والكسب الذي حصل اليوم الفلاني ، وعن أمور سياستهم ، وما شابه ذلك ، لأنهم لا يعرفون إلا الأمور التي ذكرناها. وليس عندهم تجارة ولا مهن (٦) ولا فلاحة ، [ولا يعرفون] غير أمور الحروب ، ومدح (٧) الرجال الشجعان ، وذم الرجال الجبناء ، ومواقعهم مع العثماني ومثل هذه الأمور.

ثم بيعهم وشرائهم من بعضهم البعض قليل جدا ، وجميعه بالمقايضة (٨) ، دون إعطاء دراهم ، مثلا يعطي فروة ويأخذ مشلحك ويعطي فرسه ويأخذ فرسك وجملا ، يعطيك ناقة

__________________

(١) جلد.

(٢) «امير أم صغير».

(٣) «غنمامية».

(٤) «فيذيتات».

(٥) «ضيان».

(٦) «كارات».

(٧) «الانشاد».

(٨) «بالدواكيش» ، أي بالتبادل.

٢٨٠