رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

فتح الله الصايغ الحلبي

رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

المؤلف:

فتح الله الصايغ الحلبي


المحقق: الدكتور يوسف شلحد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧

وتخرج النساء في الأرزقة بغير براقع ، إلا أنهن يغطين رؤوسهن بالمشلح الأسود (١) ، وهذا غير مليح ، وأغلبهن قبيح في غاية السمرة.

وأما البساتين التي هي في واد نزه شرح بقرب البلد ، تجاه الجانب المقابل لجانب دخولنا (٢) ، فهي تنبت الفواكه أحسن من غيرها وذلك بالموز والنارنج والرمان والتين والتفاح والقاوون ... وبين الأشجار الشعير والدخن ، ويجتهدون في سقيها.

ثم في اليوم التالي دعانا الملك إلى حضرته وقابلنا بلطف ، ثم سألنا سؤالات كثيرة عن سلاطين الفرنج المتفرقة ولا سيما في شأن نابوليون بنابارته ، فكان الوهابي يعظمه جدا وينبسط من أخبار فتوحه ، وكان من بختي أنني سمعت كثيرا من تلك الأخبار عند محادثتي مسيو لاسكاريس ، فيمكنني أن أحكيها على وجهها. وكان ابن سعود كلما سمع حكاية مني في شأن بنابارته قال : إن هذا الرجل بعثه الله ، ولا بد أنه ملهم من الله حيث نصره وفضّله على غيره من السلاطين.

ثم زاد ابن سعود في الملاطفة وقال : أريد أن تخبرني خبرا صحيحا في أمر من الأمور ، ما هو أساس النصرانية وما هي قاعدتها؟

قال النصراني : فلما سمعت هذه المسألة ارتعدت ارتعادا شديدا ، فإني كنت أعرف غيرة الوهابي في أمور الدين ، فطلبت من الله أن يلهمني جوابا موافقا للحق ولا يغضبه ، ثم قلت : إن قاعدة كل دين ، يا ابن سعود ، الإيمان بالله ، فيعتقد النصارى أنه لا إليه إلا الله ، وأنه يعاقب الظالمين ويعفو عن التائبين ويجزي بالخير الصالحين ، وأنه عظيم رحيم قادر على كل شيء ، كما أنك تعتقد ذلك. فقال الملك : مليح ، فكيف تصلون؟ فقرأت له الباتر (٣) ، فأمر كاتبه بكتابته مني ، فلما فرغ من الكتابة قرأه الملك ثم وضعه في جيبه واستمر في سؤالاته فقال : إلى أي ناحية من نواحي السماء تتلفتون إذا صليتم؟ فقلت : إلى أي ناحية كانت ، حيث الله في كل مكان. فقال الوهابي : أمدحكم على ذلك. وهل فرض عليكم غير الصلاة؟

__________________

(١) في المخطوطة : «يخرجن في الطريق وهن مغطيات بمشالح سود إلى فوق رؤوسهن».

(٢) في المخطوطة : «عندهم بساتين خارج البلد في الوادي».

(٣) Pater : يا أبانا الذي في السموات ...

٣٠١

فقرأت له الوصايا العشر التي وصى بها موسى ، فظهر منه أنه كان يعرفها. واستمر في سؤالاته فقال : وكيف تعتبرون المسيح ، ابن مريم؟.

فقلت : هو كلمة الله المتجسدة.

فقال : ولكنه صلب.

قلت : نعم ، وبحيث أنه كلمة لم يمت ، وبحيث أنه بشر قاسى عذابا من الظالمين (١).

قال : عظيم. وأما الكتاب الذي أوحي به إليه ، فهل هو معظم عندكم وتعملون به؟

قلت : منا صلحاء ومنا فاسقون ، فالصلحاء يعظمونه ويعملون به ، والفاسقون يخالفون وصاياه.

فقال : جعل الترك نبيهم إلها يصلون على مقامه ، لعن الله ، من يشركه ، فليضربنهم السيف. ثم بالغ في شتم الترك على عادته ، واستحرم شرب الدخان والنبيذ وأكل اللحوم غير الطاهرة.

وأما أنا فشكرت الله حيث خلصني من مسائل صعبة خطرة في اعتقادي. وفي هذا الوقت ما كنت أخالف الملك في أمور مثل شرب الدخان ، بل وافقته في الجميع ولمت معه ذلك الحشيش الملعون على تسميته إيّاه. فتبسم الدريعي الذي كان يعلم أنه لا يمكنني الإمتناع عن شرب الدخان. ولقد كنت كلما أخلو به أخرج عودي العزيز علي من كيسه فأشرب ، وكانت تشتد بي شهوة الدخان حيث كان الحديث ، وشربنا قهوة ثقيلة ، فتبين أن الملك انبسط من حديثنا فقال لي : أرى أن الإنسان يتعلم طول عمره ، فإني كنت من قبل أظن أن النصارى يتوهمون في مسائل الدين أقصى التوهم ، والآن أراهم أقرب إلى الحق من جنس الترك بكثير.

وبالجملة فيكون ابن سعود عالما فصيحا بالنسبة لغيره من العرب ، ولكنه شديد الغيرة على الدين ، حتى أنه يطلب دم من يخرج من اعتقاده ويخالف إيمانه.

وله زوجة وأمة وابنان متزوجان وابنة لم تبلغ بعد. ولا يأكل إلا ما طبخت له نسوته خوفا من السم.

__________________

(١) في المخطوطة : «استغفر الله العظيم ولا نكون من الكافرين ، إن روح الله يظلل و [لا] يصلب ، ولكن شبه به».

٣٠٢

كتب الشيخ الحنبلي :

«الرجل النصراني كذاب ، فلعنة الله على الكاذبين ، سعود (١) له أكثر من زوجة وأكثر من عشرين أمة ، وله أحد عشر ابنا وثمان بنات ، وثمانية من ابنائه متزوجون ، ولهم أولاد وبنات ، أكثر من خمسين بين ولد وبنت. والطبخ لا يطبخه نسوته بل طبخه وطبخ أهل بيته سواء».

وحراس قصره ألف عبد أسود ، لهم أسلحة جيدة ، ويقدر الوهابي على أن يجمع في مملكته ألف ألف وخمس مئة ألف رجل يصلحون للحرب (٢).

كتب الشيخ الحنبلي :

«أكثر ما جمع الوهابي لما غزا الشام سبعين ألف رجل ، وهذا الرجل كذاب في كل هذه الأوراق».

وإذا أراد أن يولي محافظا ، أي حاكما ، في إقليم من الأقاليم يدعو الذي يحب أن يوليه إلى مائدته فيأكل معه ، ثم يتوضآن ويصليان جميعا ، ثم يقلده السيف ويقول له : وليتك بأمر الله حاكما على عبيده ، فكن حليما ، وأجب الزكاة بغاية الضبط ، واضرب عنق الترك والكفار والذين يقولون أن الله له شريك ، ولا تخلّ أحدا منهم يستوطن بلادك والله ينصر من يوحده.

ثم بعد ذلك الخطاب يعطيه مكتوبا صغيرا يأمر فيه كل رعيته من سكان إيالته أن يطيعوا الحاكم وإلا فيقاصصون قصاصا شديدا.

هذا ، ثم أنه في اليوم التالي تفرجنا على اصطبل الملك ، ولا أظن أنه يوجد في الدنيا فرجة أغرب منها وأحب إلى من يعرف الأفراس الأصايل ومزية الخيل الكحائل ، فرأيت ثمانين فرسا أبيض ، على صف واحد ، لا نظير لها في الحسن ، متشابهة حتى لا تميّز من بعضها ،

__________________

(١) الصايغ يتكلم عن عبد الله بن سعود ، وذكر صاحب «لمع الشهاب» أن لعبد الله أربعة نسوة لا غير (ص ١٧٨).

(٢) ما جاء في الترجمة عن عدد المقاتلين الذين تحت حكم الوهابي لا أثر له في مخطوطة الصايغ.

٣٠٣

وشعرها لامع كالفضة يخطف البصر ، ثم دخلنا في اصطبل آخر فوجدنا فيه مئة وعشرين فرسا جميلة كالأول ، إلا أنه مختلفة الألوان ، فتعجبت كثيرا من جمالها مع عددها.

ثم في المساء ، تعشينا عند رئيس الجنود المسمى هيدل (١) وكان الدريعي كسر جيشه في بعض المواقع واصطلحا ، وممن كان يحضر ذلك العشاء أبو نقطة (٢) الشهير ، فخاطب الدريعي خطاب المحب ولم يظهر حقدا من كسر جيشه.

ثم بعد ذلك اجتمعنا مرارا مع الوهابي ، نخلو به لنتحدث في أمورنا وشروط التحالف بين القبائل جميعها ، ويطول تفصيلها ، فلنقتصر على أن نقول أن الوهابي والدريعي اتفقا على معاهدة ترضيهما ، حتى قال الملك للدريعي : الآن جسمان تحركهما روح واحدة وإرادة واحدة.

ولما اتفقا على كل شيء ، دعانا الملك للأكل معه ، ولم يكن فعل هذا من قبل. ولما جلسنا للأكل ذاق هو كل واحد من الطعام قبل أن يقدمه إلينا. ثم أنه كأن الوهابي لم ير أحدا ينقل الطعام من صحن إلى فمه إلا بأصابعه فصنعت لي شوكة ومعلقة من خشب وفرشت منديلي بمنزلة السفرة وجعلت آكل بين يديه على كيفية الفرنج ، فشرح هذا خاطره فقال : كل أمة من الأمم ، والحمد لله ، تحسب عوائدها أحسن من غيرها ، فكل يرضى بحاله.

كتب الشيخ الحنبلي :

«ما كان سعود يأكل ألوانا إلا صحفة فيها الفتة والرز واللحم سواء ، أو فاكهة كل فاكهة في إناء» (٣).

ثم أنه قد حان وقت رجوعنا فعزمنا على السفر من الدرعية في اليوم التالي ، فبعث إلينا

__________________

(١) في المخطوطة : «عبد الله الهدّال».

(٢) قتل أبو نقطة قبل عدة سنوات من الرحلة إلى الدرعية ، ومن العجيب أن الشيخ الحنبلي لم يشر إلى هذا الخطأ التاريخي الفادح.

(٣) يناقض هذا الكلام ما جاء في «لمع الشهاب» ، «وكان سعود يترف في المأكول كما يترف في الملبوس ... واتخذ له أناسا من أهل الأحساء أو القطيف يصنعون له الأطعمه الحسنة من اللحوم المقلية والطيور المحشية والحلويات الخبيصة بالسكر والبلوج. هذا في بيته ، وأما في المجلس العام ... فأكله مع ذلك اللحم والثريد (ص ١٧٦)». وأما عبد الله فمشى على خطوات أبيه في اللبس والأكل : «إلا أنه كان يظهر الأطعمة الفاخرة في مجلسه للخاص والعام». (ص ١٧٨).

٣٠٤

الملك بهدية وهي سبع من أفضل أفراسه ، بجانبها سبعة عبيد يركبون الهجن ، ولما اختار كل واحد منا الفرس التي يحبها أعطونا سيوفا نصالها عظيمة ، غير أن أغمادها لا زينة فيها ، وأمر الملك أيضا كل واحد من أتباعنا يأخذ سيفا ، إلا أنه لا تبلغ قيمته قيمة سيوفنا ، وأعطاهم أيضا مئة ريال ومشالح ، ثم ودعنا على موجب التشريف وشيعنا أرباب الدولة كلهم إلى خارج السور ، فلما وصلنا إلى باب المدينة وقف الدريعي والتفت إلي وقال : تفضل وأخرج أولا ، فإني واف بعهدي ، وكان يبتسم.

كتب الشيخ الحنبلي :

«ليس للدرعية باب كما ذكرنا» (١).

واعترف بأني تجاوزت العتبة بغاية الإنبساط ، بسبب كل المعروف الذي عاملنا به الملك ، ولكن كان الضيق الذي قاسيناه أولا قد أثّر فيّ تأثيرا شديدا فنسيته ، حتى لم يكن خروجي من الدرعية إلا بسرور (٢).

__________________

(١) هذا آخر الهوامش المنقولة من خط العلامة الشيخ الحنبلي ، على يد الفقير محمد عياد الطنطاوي.

(٢) كل هذا الحديث عن كيفية مغادرة الوفد لعاصمة الوهابيين ، وخروج الصائغ من الباب قبل الجميع ، لا أثر له في الأصل العربي. ونحن لم نشر هنا إلا إلى أخطاء الترجمة التي بنى عليها الشيخ الحنبلي أحكامه الصارمة.

وهناك أخطاء كثيرة غيرها لم نعلق عليها ، إذ يكفي الرجوع إلى النص الأول ليظهر الصحيح من الخطأ.

ويبدو لنا ، بعد هذا العرض وبعد مراجعة المصادر التاريخية أن فتح الله الصايغ ، على الرغم من مبالغاته وأخطائه أحيانا ، كان صادقا ، وأن الشيخ الحنبلي ، وإن كان على صواب بسبب سوء الترجمة ، فإنه أخطأ بدوره إذ تكلم عن أحوال سعود بينما الصايغ يتحدث عن ابنه عبد الله ، وأخطأ أيضا في كلامه عن أسوار الدرعية وأبوابها وعن الأموال التي أخذها سعود من الحجرة وعن طعامه.

٣٠٥
٣٠٦

٣٠٧

٣٠٨

٣٠٩

٣١٠

٣١١

٣١٢

٣١٣

٣١٤

٣١٥

٣١٦

٣١٧

٣١٨

٣١٩

٣٢٠