رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

فتح الله الصايغ الحلبي

رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

المؤلف:

فتح الله الصايغ الحلبي


المحقق: الدكتور يوسف شلحد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧

الجبال واقترب غيرهم من ساحل البحر. وأما الدريعي فقد صعب عليه ذلك جدا ٢ / ٩٢ أولا بسبب عار الكسرة ، وثانيا لأن جيش أبو نقطة الذي كان أمام / جيش الباشا ارتدّ علينا وكثر عدونا وزادت قوته واشتد الحرب وزاد قساوة ، وانعقد الغبار إلى الجو الأعلى وانخلط العربان بعضهم ببعض ، وعقد ضرب السيف فيما بينهم حتى تصبغت الأراضي بالدماء وجرت مثل سيول المياه ، وصار نهار وملحمة ما جرى قط نظيرهما.

وأقمنا على هذا الحال ثمانية أيام بعد إنكسار الباشا ونحن ثابتون أمام العدو. وأما أهالي حماة فإنهم قطعوا مواردهم عنا ، وجلسوا في البلد بكل تحفظ ، وكانوا يدورون بالبلد ليلا نهارا ، بينما كان أهالي القرى يواصلونهم دائما بالأخبار الرديئة عنا. وكانوا يسمعون كل يوم ، مرتين أو ثلاث مرات أن الدريعي قد انكسر ، وصار الخبر أيضا بدمشق وخاف أهاليها أيضا من هذا الخبر الشنيع.

٢٢١

[انتصار الدريعي على الوهابيين]

فبعد ذلك رأى الدريعي أن أمورنا تتأخر كل يوم وأننا صائرون عما قريب إلى العدم ، فتحسن عنده رأي [به النجاة] كما سنوضحه لمسامعكم. وهو أنه جمع كامل رؤساء القبائل وعمل ديوانا عظيما وقال : أريد منكم أن تفعلوا ما أقوله ، وأنا نهار غد ، إن أراد الله وإن ما أراد (١) ، أكسر الوهابيين. فضحك أناس وقال غيرهم : كفرت يا دريعي ، قل ما هو المتحسن عندك. قال : أريد منكم في هذه الليلة أن ترحّلوا كامل بيوتكم ونسائكم وأولادكم وحوائجكم غربي العاصي من غير أن يبقى بيت واحد ، إنما يفضل هنا جميعكم : الرجال والخيل والركب والزلم (٢) ، لا غير ، ولكن بدون ضوضاء ولا ضجة ولا تدعوا العدو يعرف ذلك ، أريد أن نهار غد ، قبل طلوع الشمس ، أن لا أرى بيتا منصوبا في هذا النزل بشكل من الأشكال. فحالا انفرط الديوان وكل من راح ونبّه عربه بالرحيل. وفي الليل ، من غير غوغاء رحل جميع عرباننا وقطعوا غربي عاصي حماة ولم يبق بيت ولا ولد ولا امرأة إلا فقط رجال ١ / ٩٣ وفرسان. فقسمهم الدريعي أربعة أقسام ، ورتبهم من أربعة أطراف / جيش الوهابي ، وأمر الأقسام الأربعة أن يهجموا هجمة واحدة. فدخلوا في الجيش الوهابي وابتدأ ضرب السيف

__________________

(١) «وإنما راد».

(٢) الزلم ، جمع زلمة ، أي الرجال. وهذا التكرار يفيد أن الصائغ يعني أولا أصحاب الخيل ، ثم أصحاب الأبل والمشاة.

٢٢٢

وانعقد دخان البارود وانكسر الوهابيون وفروا هاربين وإلى النجاة طالبين وأبقوا جميع أرزاقهم وبيوتهم منصوبة. وأما الدريعي فكان أمر أن لا يأخذ أحد شيئا من الكسب كي لا يلتهوا عن العدو بل يطلبونه ويسعون في أثره ، وظلوا وراءه حتى قطع تدمر وارتد على أعقابه ، فغنموا جميع أرزاقه وبيوته وجماله.

وأما الشيخ إبراهيم وأنا ، فبعد أن انكسر جيش الوهابي وركض عربنا وراءه نزلنا إلى حماة وتكلمنا بالذي جرى فما كان يصدق أحد بذلك حتى الباشا نفسه. وخرج الناس إلى الأماكن المرتفعة ، فكنا نرى البرية كمثل الضبان (١) الأحمر وهو من الرمل والغبار المتصاعد من أقدام الخيل ، وظل الحمار ظاهرا بالجو بعد ثماني ساعات. ومع ذلك ما يصدق أحد أن الدريعي كسر الوهابي حتى أتت أناس من القرى وشهدت بذلك ونحن أكدناه لهم. فصار الفرح عندهم وأرسل الباشا حالا تانار (٢) يبشر والي الشام. وصارت الناس تدعو للدريعي بالنصر ، وامتلأ العالم من البهجة والسرور (٣).

وأما الدريعي وعربنا فقد كفوا عن الوهابيين ، وعدوا على أرزاقهم وبيوتهم ، وغنموا شيئا لا يوصف من أموال وجمال وبيوت وحوائج وأمتعة. ونزل الدريعي وأولاده وكثيرون من كبار العشائر ، فخرج المتسلم والكيخيا وكل الضباط وكبار حماة لاستقباله وأدخلوه البلد بزفة عظيمة وعراضة (٤) ، والناس من نساء ورجال تدعو له وتحمد فعله. ثم إن الباشا عمل له غاية الإكرام والواجب ، وأهداه تحفا وذخائر. وكذلك وزير الشام أرسل إليه بولردي يحمده ويشكره على فعله ، وأرسل إليه أيضا بسيف عظيم ، وفروة سمور ، وخمسين كيسا ، وأربعين ٢ / ٩٣ حملا من القمح. / وشاع خبر ذلك في جميع بلاد العرب (٥) ، عند الخاص والعام.

__________________

(١) ضبان ج ضب وقد سبق تفسيره (انظر صفحة ٢١٣ حاشية ١٨).

(٢) كذا.

(٣) يظهر من سياق الحديث أن موقعة حماة بين الدريعي والوهابيين كانت خلال صيف سنة ١٨١٣. ولكن هل جرت هذه المعركة حقا أم أنها من نسج الخيال؟ إننا نميل إلى تصديق الصائغ وإن كان بالغ جدا في عدد المتحاربين. وقد ذكر هذه الموقعة أوغست دي نرسيا في كتيب طبع سنة ١٨١٨ ، إلا أنها حدثت ، على ما يقول ، سنة ١٨١٢.

(٤) مظاهرة شعبية للسرور والابتهاج.

(٥) «في كامل بلاد عرابيا» ، كذا. فهل يريد الصائغ جميع البلاد العربية أو جميع بلاد الجزيرة العربية؟.

٢٢٣

[الحلف الأكبر]

ثم بعد ذلك كان مضى فصل الصيف ، وقربت أيام التوجه إلى نواحي المشرق. فأخذنا جميع لوازمنا من حماة وخرجنا نحن والدريعي وكامل كبار قبائلنا من حماة بكل عز وإكرام واجتمعنا مع عربنا وقصدنا التشريق على حسب العادة ، ولكننا دائما كنا لا نتخلى عن عشر (١) قبائل تكون معنا ، خوفا من رجوع الوهابيين علينا ، لأن هذا الأمر مشهور ، ويقال أن العرب لها ردّات. فرحنا ونزلنا في محل يقال له تل الذهب بالقرب من طبراق حلب. فهناك كانت نازلة عدة قبائل ، البعض منها كانت معنا وقبلت شروطنا ووضعت أختامها بالورقة. وهم أربعة مشايخ : فراس (٢) ابن عجيب ، شيخ قبيلة البشاكنة ، عشيرته تحتوي على خمس مئة بيت ، وأيضا قاسم الوكبان ، شيخ قبيلة الشمسي ، عشيرته تحتوي على ألف بيت ، كذلك سلامة النعسان ، شيخ قبيلة الفواعرة ، عشيرته تحتوي على ست مئة بيت ، وأيضا مهنا الصانع ، شيخ قبيلة الصّلبة ، عشيرته تحتوي على ثمان مئة بيت.

ثم رحلنا وتوجهنا رويدا رويدا إلى الزور ، وهناك توجهنا مع حبيبنا الأمير فحل الخليل شيخ قبيلة بني سعيد وهي تحتوي على اثني عشر ألف بيت. فحصل لنا غاية الإكرام

__________________

(١) «لا نتخلا من عشرة قبايل معنا» : المعنى غير واضح ، فهل يريد المؤلف معاشرة القبائل وصحبتها أو يريد عددا من القبائل ، وفي هذه الحالة يقتضي تذكير العدد ، بموجب قواعد النحو.

(٢) في مكان آخر : فارس.

٢٢٤

والهدايا ، وقطعنا الفرات من عنده ودخلنا الجزيرة نحن وجملة قبائل. وتوجهت غير قبائل من المتحدة من قبلي نهر الفرات قاصدة الحماد وبرية (١) البصرة. وبعد قليل من الأيام وصلنا مكتوب للدريعي من الأمير فارس الجربا ، لأن المذكور لم يقطع الجزيرة معنا ولكنه ذهب مع جملة قبائل من أحبابنا على طريق الحماد. ومضمون الكتاب :

١ / ٩٤ نخبركم أن عدة قبائل من / ربع الوهابي قد انفصلوا عنه (٢) بعد أن فروّا عند حماة ، لا يلوون على أمر (٣) ، وهم الآن نازلون بالعباسية بالقرب من مسجد علي. وهي القبائل التالية : الفدعان ، السّبعة ، الفكاكا ، والمساعيد (٤) ، والسّلقا (٥) وبني وهب : ست قبائل كبيرة ، وقد بلغني أن لهم فكرا بالصلح والاتحاد معكم ، لأنهم كرهوا أحوال الوهابي وخصوصا بعد الذي جرى عليهم في هذه الأثناء أمام حماة ، فقطعوا أملهم من الوهابي ، والآن قد لانت أنفسهم إلى الصلح معكم ، فإن تحسن عندكم أن ترسلوا إلي عبد الله الخطيب ، وترسلوا معه بورقة الشروط وأنا أتوجه بنفسي (٦) معه إلى عندهم ، وإن شاء الله يأخذهم إلى طرفنا ويتم الصلح معهم ، وبذلك نزداد قوة جدا ونضعف عدونا. ولا تفكروا بأي خطر يقع لعبد الله ، نحن نكفله مالا ، ودمنا دمه ، [ونكفل] كل ما يجري عليه من الأمور المخالفة.

فاعتمد رأينا على ذلك ، لأنها فرحة عظيمة وعشائر مشهورة لا تقع بيدنا في كل وقت. فدبرت أحوالي وأخذت ورقة الشروط معي وتوكلت على الله تعالى وتوجهت. وكان بصحبتي خادم بدوي ، والشخص الذي أتى بالمكتوب للدريعي رجع معنا. وبعد ستة أيام وصلنا عند فارس ، وكان نازلا على القبيسة ، فرحب بنا ، وعمل لنا غاية الإكرام ، وتكلمنا بخصوص الصلح مع الفدعان وبقية القبائل. وفي اليوم الثاني أمر بالرحيل لنكون قريبين منها.

ولم نزل نرحل حتى لم يبق بيننا وبينها إلا مرحلة فقط. فكتب الأمير فارس مكتوبا إلى ضويحي ابن اغبين أمير الفدعان ، لأنه هو الأكبر بين القبائل المتقدم ذكرها ، وبينه وبين فارس قرابة

__________________

(١) «جول».

(٢) «قد فسخوا».

(٣) «بعد هجيجهم من على حماة».

(٤) المساعدة؟

(٥) «السلقة» : من العمارات ، من عنزة.

(٦) «بالأجر» ، يريد بالرجل.

٢٢٥

من طرف النساء. ومضمون الكتاب أنه يشور عليه بالصلح مع الدريعي وينصحه بترك العناد والعداوة ويتعهد له من طرف الدريعي ، بالصفح عن جميع ما مضى ، وعرّفه : «أن ٢ / ٩٤ عبد الله الخطيب قد حضر عندي / لأجل غير أشغال ، ولكن بما أنه عندي صدفة ، فمن المستحسن أن نكسب الفرصة ونجري الصلح على يده ، والصلح أوفق لك ولعربانك». وأرسلنا بالمكتوب حالا.

وعشية اليوم الثاني إذ أقبل ضويحي وبصحبته بعض الخيالة من أقربائه. فاستقبلناهم بكل إكرام وأخذنا نتكلم بالصلح. فكان جواب ضويحي أنا قابل الصلح ، وأعطي كلاما به عن عشيرتي ، ولكني لا أستطيع أن أعطي كلاما عن غير عشائر ، إذ لا يخفى عليكم أحوال العرب وحريتهم ، كل واحد يقود قبيلته. والرأي عندي أن تتفضلوا عندي نهار غد ، ونجمع كافة كبار قبائلنا ونتكلم معهم بما يجب ، وإن شاء الله تعالى يتم الصلح. فاعتمدنا على هذا الرأي.

وركبنا صباح اليوم التالي وسرنا مع ضويحي إلى بيته. فوصلنا إلى نزلهم وكان المنظر يؤلم القلب ، وذلك لأن جميع العربان بالشمس ، من غير بيوت ولا جمال ولا حوائج ، رؤية شنيعة جدا : فراشهم الأرض وغطاؤهم السماء ، وفي النهار يحترقون بالشمس ، ومنهم نحو عشرين رجلا ، وضعوا مشلحا على العصا ، وأدخلوا رؤوسهم فقط في ظله من حرارة الشمس. والنساء والأولاد وكثير من الرجال ومن الأكابر مرتمون بالشمس مثل الحجار ، حتى أن ما كان عندهم شيء يأكلونه ولا يتقوتون به. وكانوا نحو ثلاثين ألف نسمة. فالنتيجة أن قلبي تألم عليهم وكنت مقهورا جدا.

وفي اليوم الثاني أرسل ضويحي يدعو كامل كبار القبائل عنده ، فحضر الجميع وصار مجلس عظيم يضم نحو خمس مئة نفر من رجال طاعنين بالسن ومشايخ وأمراء ومشيرين ، أشكال وأشكال. وكل من يبدي رأيا. فالبعض يريدون الصلح والبعض يريدون أن يتوجهوا إلى نجد ، والبعض يريدون الذهاب إلى جبال شمّر. وكل واحد في هواه يخالف الآخر. فرأيت من الأنسب أن أتكلم معهم بالمليح والكلام اللين عساني أستطيع أن أجذبهم جميعا إلى طرفنا (١). فابتدأت وقلت : اعلموا يا معاشر الناس أنكم الآن ، كما هو معلوم ، قد خرجتم من ١ / ٩٥ حزب الوهابي ، ولا بد أن يكون خاطره قد تغلظ لكم ، إذ لم تذهبوا مع جيشه برفقة صاري /

__________________

(١) «حوفنا».

٢٢٦

عسكره الأمير عبد الله الهدال ، لأنكم انفصلتم عن المذكور وتركتوه يذهب وحده. فهذا لا بدّ له أن يشي بكم إلى ابن سعود ، ويبتدئ معكم بالمكايد والقصاص ، وخصوصا أنكم تريدون التوجه إلى نجد وجبال شمر ، وهي تحت حكمه وبقبضة يده ، فيخشى عليكم من بغيه وظلمه المشهور ، فيستعبدكم ويفعل بكم ما يشاء ، حسب عادته مع الذين هو راض عنهم ، ولكن كيف تكون حالكم أنتم الذين خرجتم الآن من رضاه (١) وعاديتم (٢) كيخياته عبد الله ، فعلى أي شكل يريد أن يقاصصكم؟ ولكن أنتم مثل الطير الذي فرّ من فخ الصياد ، ولكن بسبب عدم معرفته وتمييزه عاد ورمى نفسه بالفخ ثانية ، ووقع بالمهالك. فارفضوا هذا الرأي الفاسد من عقولكم واعلموا أن نهر الفرات في مبتدأه نبع صغير ، وأثناء جريانه تصب فيه غير أعين ، فيزداد ويكثر ولا يزال يكبر ويزداد عرضه ويقوى حتى صار بحرا طاميا يجري بكل قوة وعزم ولا يستطيع أحد أن يمنعه عن مسيره ، حتى ولا جميع ملوك الأرض. فأنتم أيضا إذا اتحدتم مع بعضكم تصيرون كنهر الفرات الطامي الغدار. وأيضا تشبيه آخر يا إخواننا ، اصبروا حتى أريكم شيئا بعيونكم. ثم نهضت من الجمع وابتدأت أجمع العصي التي بأيدي الناس ، حتى جمعت نحو ثلاثين أو أربعين عصا. فأعطيت إلى أحد الشباب كان قريبا مني واحدة وقلت له : اكسرها فكسرها ، ثم أعطيته اثنتين فكسرهما ، ثم ثلاثا فكسرها أيضا ، ثم حزمت الجميع وأعطيته وقلت له : اكسر هذه ، قال : هذا شيء لا يمكن. فقلت له : أنت مالك قوة فاعط إلى غيرك. فأعطى إلى الذي جانبه حتى دارت العصي على كل واحد. ثم قالوا : هذا شيء غير ممكن ، لا يستطيع أحد أن يكسرها. فقلت لهم : وأنتم كذلك ، إن كنتم قبيلة أو ثلاثا أو خمسا تنكسروا. ولكن إذا كنتم مجتمعين مثل هذه الحزمة ومرتبطين بحبل الشروط لا يستطيع أحد أن يسطوا عليكم أو يقهركم أو يستعبدكم ، بل أنتم تقهرون الجميع وتسودون على الدنيا كافة. وإذا شدوا قلوبكم ، وقوّا عزائمكم ، وارفضوا العبودية ، واقبلوا ٢ / ٩٥ الحرية ، والتحموا مع إخوانكم أصحاب الخير ، / (٣) بموجب هذه الشروط. وأخرجت صورة الشروط وقرأتها عليهم ، وعند نهايتها قلت : اعلموا يا إخواننا ، من بعد جميع ما قلته لكم ، إني لا أريد إلا صلاحكم ، بل إني أتعهد لكم أيضا برد جميع ما أخذه منكم الدريعي عند حماة

__________________

(١) «خاطره».

(٢) «وضشمنتوا».

(٣) ابتداء الكراس رقم ١٢.

٢٢٧

من بيوت وسائمة (١) وغير ذلك ، فكونوا مطمئني القلب والخاطر واصرخوا : نحن قابلون ، إننا مع المتحدين على الخير والشر حتى الموت. فقامت ضجة عظيمة وصيحة هائلة من فم واحد : نحن مع المتحدين وقابلون بهذه الشروط على الخير والشر حتى الموت.

فللوقت صافحنا بعضنا بعضا جميعنا ، وحصل الفرح والسرور لكامل الناس ، وصرت عندهم بأعلى منزلة. ولكن النهار كان متعبا جدا لي إلى درجة لا توصف. ثم اعتمد رأينا وتواعدنا على أن يرحلوا وينزلوا إلى الحلة ، وأنا أعود حالا عند الدريعي وآتي به إلى الحلة أيضا لأنها مقطع جيد ، كي يستلموا بيوتهم وجمالهم ، ويتصالحوا مع الدريعي ، ويضعوا ختومهم بورقة الشروط. فتم الرأي على ذلك. وفي اليوم التالي من الصبح ركبت وتوجهت عند الدريعي ، وقطعت الفرات من الحلة ، وبعد خمسة أيام وصلت عنده. وكان بالهم مشغولا جدا بسببي ، فحكيت لهم جميع ما جرى ، فسرّوا جدا وحمدوني على ذلك. وبالحال أمر الدريعي بالرحيل والتقدم إلى حلة. وبعد قليل من الأيام نزلنا نواحي الحلة. وحين رأونا (٢) قطعوا نهر الفرات. وحضر عندنا كل كبار قبائلهم مع فارس الجربا. فنهضنا للقائهم واستقبلناهم بكل إكرام وعز ، واجتمعوا كلهم مع كبار قبائلنا في بيت الدريعي. وكان مجلسا عظيما. فابتدأ بعض الحاضرين يتكلم ويعتب عما مضى. فقال ضويحي : يا جماعتنا ، العتاب للنساء ليس للرجال. ثم نهض (٣) قائما وأخذ سبع حصوات وطمرها في الأرض ، وفعل كما ذكرنا سابقا عن عاداتهم ، حين تصالح مهنا مع الدريعي وطمر الحصوات. فصار الفرح وأيقنوا بالصلح الأكيد لأنهم متى طمروا الحصوات كان صلح ١ / ٩٦ حقيقي من غير / انتقاض قطعا.

ثم حضر الطعام فتغدينا وتحالفنا على الخبز والملح. وبعد الغداء صارت خلوة خارج البيت مع رؤساء قبائلهم وقبائلنا ، وقرأنا لهم ورقة الشروط الأصلية مرة ثانية ، فقبلوا بها وازدادوا رغبة حين رأو العدد الكبير من الختوم الموضوعة بها فضربوا جميعهم ختومهم وأسماءهم بها. وهم ضويحي ابن اغبين أمير قبيلة الفدعان ، عشيرته تحوي على خمسة آلاف بيت ، جميعهم فرسان مجربون بالحرب والقتال ومشهورون. وأيضا علي ابن حريميس ، شيخ قبيلة

__________________

(١) «وسيحة» ، (؟) كذا.

(٢) أي ضويحي والقبائل التي معه.

(٣) «فزّ».

٢٢٨

السلقا (١) ، عشيرته تحتوي على ثلاثة آلاف بيت ، وأيضا نعيمان ابن فهد ، شيخ قبيلة المساعيد ، عشيرتة تحتوي على ثلاثة آلاف وخمس مئة بيت ، وأيضا امعضي ابن عيده ، أمير السبعة ، عشيرته تحتوي على أربعة آلاف بيت ، وأيضا شطي ابن عرب ، أمير قبيلة بني وهب (٢) ، عشيرته تحتوي على خمسة آلاف بيت ، وأيضا اشتيوى (٣) ابن طيار ، شيخ قبيلة الفكاكا ، عشيرته تحتوي على ألف وخمس مئة بيت.

ثم بعد ذلك قال لهم الدريعي ابشروا يا أحبابنا ، إن جميع ما راح لكم من بيوت وسائمة وغير وغير تفضلوا استلموها ، لأن عبد الله الخطيب تعهد لكم بردها ، وقوله من قولنا وقولنا من قوله. فجميع ما تعرفونه أنه حقيقة لكم خذوه من غير ممانعة. فشكروا فضله واستكثروا بخيره (٤). وبالحال ابتدأ عربانهم يجتازون إلى الجزيرة من مقطع الحلة ، لأن هناك أشياء كثيرة مخلوطة في بعضها لا يمكن للرجال أن تفرق بينها ، بل يجب حضور النساء حتى تعرف كل واحدة منهن بيتها وحوائجها وجمالها. فالنتيجة حضر الجميع وأخذوا يستلموا ما هو لهم. وكثرت العربان في الحلة حتى اضطر سكان الحلة أن يهربوا من كثرة العربان وضجيجهم. فأقمنا خمسة أيام في تعب عظيم حتى عرف كل واحد رزقه وأخذ ماله ، وانفصلوا عن بعضهم بعد غوشة وعياط وضجيج وقتال صغار العربان مع بعضهم ، بسبب ٢ / ٩٦ اختلاط الجمال والغنم بعضها ببعض. وعلى كل جمل / وغنمة كان يقع العياط.

والنتيجة أنه حصل لنا تعب كبير بسبب هذه الشعوب ، وهي تقدّر ، ما بين عربنا وعربهم ، بنحو مئتي ألف نسمة من رجال ونساء وأولاد. أما الجمال والأغنام فلا يعرف عددها سوى ربنا. وهي مختلطة بعضها ببعض. والشيء الذي سهّل الأمور نوعا ما ، أن لكل قبيلة وسما أي علامة (٥) ، يكون بالنار على أفخاذ الجمال : لكل قبيلة علامة عامة تسمى وسم العشيرة ، وإلى جانب وسم العشيرة العام وسم ثان خاص بصاحب الجمال. ولكن من كثرة هذه الوسوم تتقارب العلامات وتشبه بعضها بعضا ، فيحدث القتال لأجل ذلك.

__________________

(١) «السلكة» ، من عنزة.

(٢) بني وهب : من ضنا مسلم ، فرع من عنزة.

(٣) اشتيوي أم أسطوي؟.

(٤) أي قالوا له : «الله يكثر خيرك».

(٥) «نيشان».

٢٢٩

[من حوادث البادية]

ومختصر الكلام أنه حصل تعب لا يوصف بشفة ولا لسان ، حتى استطعنا أن نوفق بينهم وبقوا جميعهم معنا بالجزيرة ثم توجهنا جملة. وكان بالجزيرة غير قبائل أيضا ، وأتت أيضا عدة قبائل من نواحي نجد ، حتى تغطى وجه الأرض بالعربان وضاقت الطرق والمسالك بهم. وبوقته كان قفل قادما من بغداد إلى الشام ، فغارت الفدعان والسبعة عليه ونهبوا جميع ما فيه ، وشلّحوا الناس الذين فيه ، وكسبوا أموالا لا توصف. وكان محملا من قماش الهند وقهوة ونيل وقرفة وقرنفل وشال وسجادات (١) وبياض بغدادي وجانب من المعادن وشال كشمير وغير ذلك ، النتيجة بألوف الأكياس. فنهبوا الجميع وغنموه. فشاع خبر ذلك فصارت تحضر الناس من أهالي القرى والقبيسة وأهل شتاته (؟) وغيرهم ، حتى من جهة الموصل ، واشتروا من الأرزاق. فكان يباع شال الكشمير الذي يسوى ألفي غرش بمشلح أسود ، وثوب البياض الهندي الذي يسوى مئة غرش يباع بجزمة صفراء. والقرنفل والقهوة بالكيل ، كل كيل من القهوة أو القرنفل بكيل تمر. وباع واحد من البدو صندوق نيل بقنباز خام ، وباع آخر فردة محزوم بياض هندي بخمسين غرشا ، وبدوي آخر باع قرفة وفردة بياض هندي ونصف ١ / ٩٧ صندوق نيل وساعة إنكليزية / إلى واحد موصلي ، كل ذلك بمشلح وجزمة وقميص قز ورطلين توتون ولبادة فرس. فبلغ ثمن جميع ما أعطي نحو مئة غرش ، وأخذ أشياء بعشرين ألف غرش. وقس على هذا النحو جميع ما باعوا من الأرزاق. وأما القرفة السيلانية من الصنف العالي فما

__________________

(١) «سداجات».

٢٣٠

صار لها راغب يشتريها ، فكنت ترى منها حزما حزما بين أرجل الخيل والجمال. وكذلك بلغنا عن واحد بدوي باع خاتم الماس كبيرا عظيما برطل توتون. فالغاية أن الذين اشتروا غنموا ، وأما نحن فلم نتدنس بشيء كليا لأن الشيخ إبراهيم ما رضي بذلك.

أما بخصوص القبائل التي ذكرنا أنها أتت من نجد إلى الجزيرة فهي القبائل الخمس التالية : الحماميد (١) والضّفير والعجاجرة والخزاعل وبني طي. وسبب حضورها هو أن الأمير بني طي بنتا جميلة جدا اسمها قمر. فعشقها شاب ابن أمير من عرب نجد وهي عشقته بالأكثر. وهذا الشاب نسيب الوهابي من طرف الحريم. فاشتد عشقهما الواحد للآخر حتى انكشفت حكايتهما. فمنعها أبوها عنه ونبهه بعدم الحضور عندهم. فصار المنع من الطرفين واشتدت المحبة أكثر كما هو معلوم. وكان لها ابن عم يريد أن يتزوجها ، وهي لا تحبه بل تريد ذلك الشاب الذي تحبه ، وكان اسمه فهراب. فالمذكور من شدة حبه ، حسن لديه أن يخطفها ليلا وارتبط معها بوساطة امرأة عجوز ، وهي رغبة في ذلك وأخذت تنتظره. وأما ابن عمها فمن غيرته ومحبته لها كان دائما يراقبها ليلا نهارا ، حاسبا هذا الحساب ، حتى أنه في الليل أيضا كان دائما راكبا فرسه ودائرا بالنزل ، مفكرا باللذي هما مفكرين به. وأما الشاب فهراب ٢ / ٩٧ فإنه تزيا بزي فقير ودخل النزل نهارا ، وراح إلى بيت قمر ، وعرّفها بحاله واتفق / معها. ولما انتصف الليل خرجت من البيت وهو كان يترقبها. فسرقت فرس أبيها وركباها وطلبا الفرار. فبعد خروجهما بقليل من النزل ، بمقدار ساعة ، تصادفا مع ابن عمها عرضا ، فعرفهما وصار الطلب. ولم يزلا راكضين وابن العم وراءهما ، نحو ست ساعات ، ركضة واحدة. وأخيرا وقعت الحرب بين الرجلين بشدة عظيمة حتى هلكا من التعب وهي واقفة تنظر إليهما. ثم غلب فهراب ووقع من على ظهر الفرس مجروحا على الأرض. فنزل تامر هذا اسم ابن عم البنت ، حالا وذبح فهراب وأخذ يعاتب قمر بالكلام اللين جدا لأنه كان يحبها كثيرا ، ثم سار إلى أن قربا من النزل. فنزل تامر كي يستريح إذ كان تعبا ونعسان جدا ، فغفل واستسلم للنوم. فقامت قمر وقطعت رأس تامر ابن عمها وأخذت حربة رمحه وضربت بها قلبها وماتت هي أيضا ، إذ وجد الناس ، فيما بعد ، فهراب بعيدا عنهما نحو خمس ساعات ، ووجدوا تامر مقطوع الرأس وقمر والحربة لا تزال مغروزة في صدرها ، ففهموا أن قمر قطعت رأس تامر من حبها لفهراب وأخيرا قتلت نفسها بيدها.

__________________

(١) الحمايدة.

٢٣١

فبسبب قتل فهراب تحركت عدة قبائل ضد بني طي ، والوهّابي نفسه تصدى لهم ، وكثرت الأعداء وتواصلت الحروب وسفكت دماء كثيرة ، وابتدأ الوهابي بالكيد لهم والغارات عليهم وعلى من يلوذ بهم من القبائل ، وحصل لهم ضيق (١) شديد وتعب كثير وحروب ، حتى اضطروا أن يهربوا ويأتوا عند الدريعي كي يحموا حالهم من نار الوهابي ، لأنهم كانوا سمعوا بالنظام الجديد وبأحوال الدريعي. فحالا جمعناهم وقرأنا عليهم ورقة الشروط فقبلوا بها ورضوا ، ووضعوا ختومهم وأسماءهم بكل قبول ورضى. وهم شطي ابن فارس ، شيخ قبيلة الحماييد (٢) ، عشيرته تحتوي على ألف وخمس مئة بيت ، عوض ابن مطلق ، أمير قبيلة ١ / ٩٨ الضفير ، عشيرته تحتوي على ألفين وثلاث مئة بيت ، وأيضا سلامة ابن براق شيخ قبيلة / العجاجرة ، عشيرته تحتوي على ثمان مئة بيت وأيضا خنكار العليمي ، أمير قبيلة الخزاعل (٣) ، قبيلته تحتوي على ثلاثة آلاف بيت ، وأيضا الحميدي ابن تامر ، أمير قبيلة بني طي ، عشيرته تحتوي على أربعة آلاف بيت.

ومن بعد هذا رحلنا ، وابتدأ التقدم إلى نواحي المشرق بكل قوة ، إذ صار حزبنا كبيرا وازداد جدا ، وتحققنا عندئذ بنجاح أمورنا وإتمام مقاصدنا. ثم قبل وصولنا قريبا من بغداد ضرب العرب قافلة آتية من حلب إلى بغداد ، جميعها من أموال حلب وأموال بلاد الإفرنج ، من جوخ وطربوش ودوده ومرجان وكهربا وخرز وغير وغير. كذلك باعوها للمشترين بأرخص ثمن ، كما باعوا أرزاق القافلة التي نهبوها سابقا. فبسبب نهب هاتين القافلتين قد تحرك وزير بغداد في طلب الأرزاق من العرب ، وأرسل بولردي إلى ضويحي ، شيخ مشايخ فدعان يطلب الأرزاق منه لأن المذكور وعشائره هم الذين ضربوا القافلتين. فحضر المذكور عندنا واستشار الدريعي بذلك ، فكان جواب المذكور : لا تخف وأجب الوزير بكل شجاعة وقساوة. ففعل ذلك وأرسل الجواب. فتغير خاطر الوزير وأراد أن يجهز عساكره على العربان فمنعه المدبّرون ، وأعلموه أن الدريعي تصالح (٤) مع ضويحي ، وهو الآن موجود بالقرب من بغداد ، وبصحبته عربان لا تعد ولا تحصى تضيق بها الأرض لكثرتها ويخشى منها على العسكر الذي سيطلع. فمن هذا الخبر ارتجّ قلب الوزير وما حرّك بعد ذلك ساكنا.

__________________

(١) «ديق».

(٢) ويكتب الصايغ أيضا : الحماميد ويريد الحمايدة.

(٣) «الخذاعل».

(٤) «طيّب على ضويحي» ، طيّب على الفلان ، بالاصطلاح البدوي ، معناه تصالح معه.

٢٣٢

[مع عرب العجم والهند]

أما نحن فلم نزل سائرين وقطعنا الدجلة من مقطع يقال له أبو علي ودخلنا طبراق العجم. وكان معنا نحن عشرين قبيلة من العرب. ولم يزل يزداد عدد القبائل ، إذ صارت المسألة غيرة بين العربان وأصبحوا يأتون ويطلبون الاتفاق معنا من غير أن ندعوهم. ولم نزل ٢ / ٩٨ بالتقدم في تخوم العجم حتى بلغنا / أرضا يقال لها التعلبية ، واسعة عظيمة من طبراق العجم ، فنزلنا بها. وهنا حضر صاحبنا صقر ابن حامد ، شيخ قبيلة المضيّان الذي كنا ذكرناه سابقا. فهذا [الأمير] لم يغرّب ، كما قلناه ، خلال كل هذا الوقت ، إذ رأى من الأفضل ، حين افتراقة عنا ، أن يتقدم إلى أواخر طبراق العجم ويصل عند الأمير الأعظم سعد البخاري ، رئيس قبائل عرب الهند ، الذي يقيم دائما في أواخر طبراق العجم على حدود الهند الشرقي (١) ، وتسمى بين القبائل عرب الهند. فهذا الأمير الأعظم من طائفة قديمة جدا ، وقد أعلمنا العرب أنه إلى الآن يوجد في بلاد الأندلس (يعني اسبانيا) عرب بالبر يسمون عرب البخاري ، من سلالة (٢) هذا الأمير ، وذلك من الزمن الذي أخذ ملوك بني العباس بلاد اسبانيا. وعلى قولهم لم يزل إلى يومنا هذا موجود من سلالتهم في برية اسبانيا.

وأعلمنا [الشيخ صقر] أنه وصل إلى عنده وأفهمه المادة سرا لذاته فقط ، وربط معه

__________________

(١) كذا ، ومن الواضح أن الصواب : الغربي.

(٢) «سليلة».

٢٣٣

رابطة متينة جدا وأثار محبة بينه وبين الدريعي عن بعد ، وبقي سعد باشتياق لرؤية الدريعي وانتظار قدومه عنده. فسررنا (١) جدا من هذا الخبر ، إذ كنا نفكر جدا بهذا الأمر ومهتمين به ، لعدم معرفتنا إذا كان سعد وقبائله سينجذب إلى طرفنا ، فليس هناك معرفة سابقة بينه وبين الدريعي ، ولا حدثت مكاتبة بينهما قط. وكان الناس يقولون عن سعد وتلك العربان أنهم جماعة غليظو العقل والفهم ، سمجو الأطباع ، وكانت هذه الفكرة تقلقنا جدا ، لأننا إذا لم نستطع أن نجذبهم إلى طرفنا ونضمهم إلى اتحادنا يحصل لنا تعب ، ويصبح الدخول إلى أرضهم عسيرا جدا علينا ، ويحيجنا (٢) إلى حروب ومخاصمات وأمور كثيرة. ولكن شكرنا الباري تعالى على هذا التوفيق الرباني ، وتسهيله الأمور معنا من كل الأطراف ، إذ قد هانت المادة جدا باكتساب محبة عرب الهند وصحبتهم. فتحسن الرأي عندنا وعند بعض كبار القبائل أن نتقدم بعض المرحلات (٣) إلى المشرق ، ونرسل إليه بمكتوب مع هجانة ، ونرى جوابه وعلى أي ١ / ٩٩ معنى ستكون مكاتبته معنا. فاعتمدنا على هذا الرأي ، وثاني يوم رحلنا بكامل / عرباننا وتقدمنا ونزلنا بأرض يقال لها منزلة صالح ، بها الماء والمرعى متوفران جدا. فأقمنا بها ثلاثة أيام ورحلنا ونزلنا منزلة يقال لها ريخ (٤) ، ليس بها ماء جارية بل في حفر. فحفر العرب حفائر بالأرض نحو ذراعين فقط فخرجت ماء عظيمة حلوة باردة. فكل سبعة أو ثمانية بيوت عملوا لهم حفيرة يستقون منها. فأقمنا أربعة أيام ورحلنا ونزلنا بأرض يقال لها المعدنية بها مجاري ماء وافرة. ولكن بعد هذه المنزلة ، مدة ثلاثة أيام ، لا يوجد ماء إلى رام صالح. فبعد أن أقمنا خمسة أيام في المعدنية نبّه الدريعي أن يأخذوا معهم فائضا (٥) من الماء ، فملأت جميع العربان رواياها وقربها وأجوادها (٦) ورحلنا. فأول يوم سرنا إلى المساء ونزلنا بأرض يقال لها الخربة ، من غير نصب بيوت ، لأن مرادنا أن نبكّر ونرحل بسبب عدم وجود الماء. وكان بتلك الأرض شكل حيوان صغير بقدر الطبوع أو أكبر قليلا ولكن يدخل بالأذنين (٧) وإذا دخل في أذن (٨) أحد ولم

__________________

(١) «فانبسطنا».

(٢) «يتكلف».

(٣) «كم مرحلة».

(٤) ريخ : موضع بخراسان (معجم البلدان).

(٥) «أفاذة ماء».

(٦) جود تجمع على أجودة.

(٧) «دان» والمثنى «دانين».

(٨) «دان» والمثنى «دانين».

٢٣٤

يخرجه (١) فإنه يتسع ، وإن أقام أربعا وعشرين ساعة يسد الأذن ويطرش الإنسان. فالعربان كانوا يعرفون ذلك الحيوان فنبهوا كل من ينام أن يسد أذنيه. ولكن الشيخ إبراهيم استهتر بذلك ولم يصدق. فدخلت واحدة من [تلك الحشرات] في أذنه وأحس بها ، فحصل تعب عظيم حتى أخرجناها بالملاقيط و () (٢) ، حتى خرج الدم من أذنه وتعذب كثيرا إلى أن طلعت.

فثاني يوم رحلنا حالا إلى المساء ونزلنا أيضا من غير نصب بيوت لأن الماء أوشكت أن تخلص ، وعند الصباح لم يبق عندنا ماء كليا. وفي اليوم التالي كان رأي الدريعي أن ينبه على العربان أن يرسل كل بيت جملا وراويتين يملأهما ماء ، من مكان بعيد عنا ست ساعات إلى ناحية الشمال ، يقال له ـ (٣) ، به جباب ماء. فقال الشيخ ابراهيم أن رأيه ، قبل أن يذهب الناس لأجل جلب الماء ، أن يحفروا هنا لعل تخرج المياه. فما قنع أحد بذلك. أما الشيخ إبراهيم فإنه بنى استناده [على المشاهدة] ، إذ تبين له أن كل أرض التي يكون فيها ٢ / ٩٩ عشب أخضر ، أو فيها عشب كوم متجمعة صغار من عشب يقال له الرّوثة (٤) ، / يطلع بها ماء ، لأنه تأكد ذلك من الأماكن التي حفروا بها حفرا وخرج الماء منها مثل منزلة ريخ التي ذكرناها سابقا ، قبل منزلة الخربة ، لأن عشبها كان مثل عشب تلك الأرض (٥) وشكل التراب واحد. ثم قال الدريعي : جربوا ، لعل في الشيخ إبراهيم روح نبوة ، لأن العرب ما كانت قط جربت هذا المحل ، فحفروا وبالأمر الذي يريده الله طلعت الماء. ففرح العربان وشكروا للشيخ إبراهيم فضله وفطنته وعقله. وأقمنا بذلك المحل ثلاثة أيام. ولم نزل نرحل وننزل ونمرّ بأراض متعددة الأشكال من صحراء ووعر وجبال وسهل ... (٦) حتى قطعنا بلاد كرمان ووصلنا إلى نهر خرسان ، وهو نهر عظيم غدار كبير ، بمقدار نصف الفرات. إلا أننا أرجعنا كثيرا من القبائل إلى الوراء لأن لا لزوم لحضورها معنا ، فنحن مرادنا التقرب لأجل المكاتبة ، وإذا أمكن المقابلة ، مع الأمير سعد البخاري. ولم نزل نرحل وننزل ونواجه أثناء سيرنا قبائل عرب التي تقيم دائما في طبراق عجم استان ، وتحت تدبير الأمير سعد وأوامره ، في نواحي

__________________

(١) «وما طالعه».

(٢) كلمة غير مقرؤة لأنها مخيطة بجلد المخطوطة.

(٣) كذا في المخطوطة ، أغفل المؤلف ذكر اسم هذا المكان.

(٤) نوع من العشب يستخرج منه أحسن أنواع القلي أو الصودا.

(٥) «كانت من قماش تلك الأرض بالعشب».

(٦) عبارة في الهامش لا يمكن قراءتها لأنها مخيطة في جلد الكتاب.

٢٣٥

سواحل البحر حيث يكون السهل. ونحن كان مسيرنا بالقرب من ساحل بحر الهند ، لأن جبال العجم أكثرها وأكبرها في وسط الطبراق ، ولأن السواحل سهلة أكثر وإن كان مرعاها أقل من الداخل ، فلأجل سير الجمال يجب أن نلحق السهل.

فمن بعد مسيرنا في طبراق العجم اثنتين وأربعين مرحلة كبيرة ، نزلنا بأرض يقال لها الهندوان (١) ، وهناك كان نازلا أمير يقال له هبش ابن معدن ، رجل من كبار عرب ديرتهم ، له قرابة ونسب من الأمير سعد. فحين بلغه قدوم الدريعي ركب وحضر إلى عندنا لأنه كان سامعا بصيته. فخرجنا للقائه ورحبنا به وصارت المحبة بيننا وبينه. وأما هو فإنه رجل أنيس جدا. فأقام عندنا كل ذلك اليوم ، واستخبر منا عن أحوال ديرة بغداد والجزيرة والحماد والوهابي وعربستان (٢). وكذلك نحن استخبرنا منه عن أحوالهم ، وعن الأمير سعد ، فقال ١ / ١٠٠ لنا : أن الأمير سعد نازل الآن في محل بالقرب / من حدود الهند ، يقال له مراح طهماز ، وبيننا وبينه تسع مراحل كبيرة ، فإن شاء خاطركم الوصول إليه ، أرسل معكم دليلا يوصلكم إليه لأنكم قط ما جئتم إلى ديرتنا ، وتجهلون الأراضي والمياه ، فقبلنا ذلك. وبعد يومين توجهنا برفقة دليل ، وأتى معنا قليل من القبائل لأنه ليس من الضروري أن تحضر معنا ، وكان قرب انتهاء فصل الشتاء وقادم فصل الربيع (٣) ، ويجب أن نكون وقتئذ في نواحي العراق وبلاد سورية. ولهذا السبب لم ندعها تحضر معنا ، بل توجهنا فقط مع خمس قبائل ، منها قبيلة المضيّان التي شيخها صاحبنا صقر ، وقد صار له معنا تعب كثير.

ثم جدينا بالسير ، وكل يوم مرحلة ، البعض منها فيها مياه والبعض منها خالية من المياه. فكل مرحلة نحن قادمون عليها ليس فيها ماء ، تحمّل العرب الجمال ماء ، ما يكفينا ويزيد عن حاجتنا. وكان بوسعنا أن نجد دائما الطرق التي فيها ماء ، لأن العرب تعرف دروبا كثيرة يوجد فيها الماء يوميا ، ولكن أولا إنها بعيدة ، وثانيا لا يوجد فيها مرعى للجمال ، ويجب أن تكون الدروب موافقة من الطرفين ، أي أن تكون صالحة للماء والمرعى ، والألزم عند العرب وعند الجميع المرعى ، لأن الماء يحمل وأما المرعى فلا يحمل. وحين بقي لنا ثلاث مراحل ،

__________________

(١) الهندوان : نهر بين خوزستان وأرّجان عليه ولاية. (معجم البلدان).

(٢) «عرب بستان».

(٣) شتاء سنة ١٨١٤ بمقتضى سياق الحديث ولكن إذا سلمنا أن موقعة حماة جرت سنة ١٨١٢ استنادا إلى ما جاء في كتاب اوغست دي نرسيا ، عامل نابوليون ، كما ذكرناه في المقدمة ، فإن الصايغ يتكلم عن شتاء سنة ١٨١٣.

٢٣٦

أرسلنا مع هجان ، من عرب ديرتهم ، بمكتوب للأمير سعد من طرف الدريعي ، للسؤال عن خاطره والسلام عليه ، ومضمونه أننا جئنا من بلادنا خصوصا لأجل رؤيتك ، وربط المحبة والصحبة والمعرفة معك. ثم رحلنا أول يوم وثاني يوم ، وفي الثالث ، وهو اليوم الذي سنصل فيه عنده ، في منتصف النهار ، إذ بالغبار معقود من صدر البرية كأنه غمامة ممطرة. واسود وجه الأرض من جهامة العربان المقبلة علينا. فحسبنا لذلك حسابا كبيرا وظننا أن قوما أعداء قد أتوا لقتالنا. فاستعدينا للحرب ، إلا أننا كنا قليلين فندم الدريعي عندئذ كل الندم ، لأنه طلب من القبائل أن تعود ، ولم يدعها تحضر معنا ، لأنها كانت تعيننا إذا حدث لنا أمر. ٢ / ١٠٠ فوقفنا في محلنا والتمت عرباننا بعضها على بعض ، ولم يبق لنا / جراءة (١) على التقدم إلى الأمام ولو خطوة واحدة. فقال الدليل الذي جاء معنا من طرف الأمير هبش : أنا أذهب وأكشف لكم خبر هذا القوم. وبالحال غار من بيننا كأنه الصاعقة فوصل عندهم وبعد قليل ارتد وقال : «ابشروا تراه الأمير سعد بعربانه آتيا للقائكم». ففرحنا بذلك واطمأن قلبنا ، وحالا ركض الدريعي وأولاده وكثير من كبار قبائلنا والشيخ إبراهيم وأنا للقائكم. وكذلك سعد وكبار قبائله ركضوا لملاقاتنا ، واجتمعنا مع بعضنا بين الصفين ، وسلمنا على بعضنا ، وأمر سعد بنصب البيوت في تلك الأرض لأنها منزلة متسعة للجميع ، وهي على نهر عظيم يسميه العرب جيستان يبعد عن حدود الهند نحو عشرين ساعة فقط ، بالقرب من بلد هي آخر بلاد العجم يسمونها المنونا. فنزلنا جميعنا هناك ، ودعينا عند الأمير سعد نحن وكامل من معنا من أمراء ومشايخ وكبار القبائل ، مدة ثلاثة أيام على سفرة الأمير سعد. وأما المذكور فهو رجل بلغ من العمر نحو خمسين سنة ، وله أربعة أولاد شباب وبنت واحدة فقط. وأما بالرجولية (٢) فهو مشكور جدا بين العربان ولكن بالكرم (٣). وهو من بيت قديم وطائفة كبيرة مشهورة بالكبر والحكم والإمارة ، وذلك من قبل دولة العباسيين في بغداد ، وصوته مسموع من قبائل كثيرة ، حتى عرب الهند تتبع صوته ، وله عندهم اسم كبير مشهور من قديم الزمن.

ثم كل يوم كنا نعمل معه خلوة ونتكلم ، حتى فهم المادة جيدا ودخل في عقله مطلوبنا ، فوافق على ذلك وسرّ جدا إذ قال : على ما أعلم أن جميع أهالي بلاد الهند غير راضين على حكامهم اليوم ، ويتمنون أن تحدث أمور مثل هذه لأنهم مظلومون. وأما أنتم فلا تفكروا

__________________

(١) «جرعا».

(٢) «المراجل».

(٣) كذا ، والعبارة غير كاملة.

٢٣٧

بشيء فإني أقدم للجيش (١) جميع ما يلزم ، وإذا اقتضى الأمر فإني أرسل من عندي أناسا وجمالا وذخائر لملاقات الجيش (٢). فأنا معكم على كل ما تريدونه من العمل. ثم قرأنا ورقة الشروط ، فسرّ منها جدا. ولكنه ما وضع اسمه ولا ختمه بها ، بل عمل لنا ورقة ثانية خاصة به ١ / ١٠١ لنا ، ووضع اسمه وختمه بها وكانت بهذه الألفاظ / :

بسم الله الرحمن الرحيم ، أقول أنا سعد بن بدر بن عبد الله بن بركات بن علي البخاري رضي‌الله‌عنه ، هو أني قد رهنت لساني بقول ثابت لدى حافظين هذه الورقة ، بأن أكون موافقا لهم ومتحدا معهم وقابلا بشروطهم المرقومة في ورقة عمومية غير هذه ، وأكون مساعدا ومعينا لهم في جميع ما يريدونه ويبغونه ، وأكون حافظا لسرهم وعدوا لعدوهم وصاحبا لصاحبهم. وقد أعطيت هذه الورقة حتى يكونوا مطمأنين من طرفي ، ومتأكدين من كلامي ، والسلام على سيدنا ومولانا الأعظم ، فحل الرجال ، الإمام الغالب علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه والسلام. ثم وضع توقيعه وختمه ودفعها لنا.

فأقمنا مع بعضنا ستة أيام بإكرام زائد ، ونحن دائما معه ومع كبار قومه في حديث ومحبة ودعوات. النتيجة حصل لنا منه جبران خاطر عظيم. وأما بخصوص طباعهم فهي تختلف عن مزايا عربنا ، وذلك حاصل من اختلاف المناخ والمياه. ومن ذلك ، على سبيل المثال ، إن أكلهم أقل من عرب ديرتنا ، وطباعهم ألين من طباع عربنا. وأما من حيث الشجاعة والفروسية والخيولية (٣) فإن عربنا أنشط منهم. وأما من حيث الكرم ، فإن عربنا ، على وجه العموم ، أكرم منهم ، ولكنهم أكثر طمعا منهم. إذ ليس عند رجالهم طمع على الإطلاق. وأما تعاملهم مع أهالي بلادهم فهو قليل جدا ، لأنهم يحبون أن يتجنبوا المدن ، ويرغبون عن معاشرة أبناء البلاد. وأما سلاحهم فالرمح والسيف والكلنك (٤) الحديد والترس مثل عربنا ، غير أن بارودهم بقداحات وليس بفتيل مثل عربنا وعرب الوهابي.

ثم ودعناهم وصافحنا جميع الأكابر ، وتواعدنا أننا عن قريب إن شاء الله سوف نرى بعضنا ، ورجعنا إلى بيوتنا. وإذا بالأمير سعد يرسل رأسي خيل عظيمين ، مع عبدين ، كل واحد منهما يجر فرسا ، والخيل والعبيد هدية للدريعي. فوجب على المذكور أن يعود عنده

__________________

(١) «الأرضي».

(٢) «الأرضي».

(٣) يريد ركوب الخيل أو الفروسية.

(٤) الكلنك ويقال أيضا الكرنك سلاح يشبه المطرقة من جهة ومعكوف من الجهة الأخرى.

٢٣٨

ويستكثر بخيره ، لأن الهدية عظيمة الثمن ، ثم رجع من عنده وثاني يوم أرسل الدريعي إلى ٢ / ١٠١ سعد فرسا / نجدية عظيمة من الخيول المشهورة ، اسمها العدبية ، وهجينا أملح أي أسود ، مشهورا بالسير ، أصله من هجن عرب شمر ، لأن هجن شمر مشكورة جدا لسرعة سيرها ، وكمية من الكهربا والمرجان والخرز وأساور من الزجاج للحريم ، وهذا شيء مقبول عندهم جدا.

وفي اليوم الثاني نادى بالرحيل وقمنا وطلبنا الرجوع إلى ديرتنا. وما زلنا نرحل يوميا لأننا نريد أن نلحق جانبا من فصل الصيف في بلاد سورية ، إذ كان مضى الوقت وانتهى فصل الربيع (١). ثم نزلنا بعض المنازل ، ووجدنا هناك محبنا الأمير هبش ، فاجتمعنا به وسألنا عن أحوال سعد فأخبرناه بالذي جرى وأريناه الورقة ، فسرّ جدا وقبل بشروطنا ووضع اسمه وختمه بالورقة العامة. وقبيلته يقال لها الهوارج تحتوي على مقادر ثلاثة آلاف بيت ، من القبائل المشهورة بالغنى والاسم.

__________________

(١) ربيع سنة ١٨١٤ بمقتضى سياق الحديث ، ولكن الأقرب إلى الصواب أن المؤلف يريد ربيع سنة ١٨١٣ ، أي الفصل المعتدل من السنة ، لا الربيع على حسب التقسيم السنوي ، أما الأشهر الحارة فتبدئ ، في هذه الأقاليم ، منذ شهر نيسان.

٢٣٩

[كبير أمراء عرب العجم]

وكان أخبرنا بعض العربان ، قبل رحيلنا ، أن في ديرة كرمان يوجد أمير عظيم من العرب يقال له الرّديني ابن خنكار ، رجل معروف من طوائف العرب والعجم ، لأن له صلة بحكّام بلاد كرمان وحتى مع الشاهات ، وهو دائما مقيم في بريّة كرمان مثل المحافظ لساحل بحر بوغاظ العجم. فقال الشيخ إبراهيم : نحن بحاجة لهذا الرجل ولا بدّ لنا منه ، لأن دربنا عليه وليس لنا غير طريق ، وإذا ما كان متحدا معنا ، فلربما يستطيع أن يمنعنا بوساطة الشاهات والعساكر ، أو يحصل اتفاق بينه وبين أعدائنا المعلومين سكان الهند (١). وعلى كل حال من الأصلح أن يكون متحدا معنا من أن نبقيه هكذا خارجا عنا ، ولكن كيف الطريقة. فقال الأمير هبش : ليس هناك إلا طريقة واحدة. فاعلموا أن الرديني لا شيء يفزعه على وجه الأرض غير الأمير سعد ، ولا يمكن أن يقبل رأي أحد أو يطيع لأحد ويتّحد مع أحد ، لأنه أولا جبار وليس بين العربان من هو أكثر تجبرا منه (٢) ، ثانيا عنيد ، ثالثا دموي. فهذا ما له طريقة إلا بوساطة الأمير سعد البخاري لا غير ، اللهم إلا إذا أردتم أن تتركوه وشأنه الآن إلى أن ١ / ١٠٢ تعودوا فيدبر الله الأمور. / فقال الشيخ إبراهيم : لا يمكنني أن أغادر هذه الديار وأبقي أميرا

__________________

(١) كذا والمعنى غير واضح ، فهل يريد الصائغ أن يقول : وبين أعدائنا الذين يعرفهم ساكنو الهند ، أو يريد أن يقول : وبين أعدائنا الذين يسكنون الهند ، أي الإنكليز؟.

(٢) «ما بين العربان أجبر منه».

٢٤٠