رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

فتح الله الصايغ الحلبي

رحلة فتح الله الصايغ الحلبي

المؤلف:

فتح الله الصايغ الحلبي


المحقق: الدكتور يوسف شلحد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧

ثم التفت بعض الحاضرين وسأل مصطفى ما هي حاجتكم عند الدريعي أنت وهذا الشاب (١) الذي معك؟ فقال : لا غرض لي عند الدريعي إنما رفيقي له غرض. ١ / ٣٥ فسألوني : ما هو غرضك أيها الشاب عند الدريعي ، فأجبت حالا : يا سيدي ، أنا رجل / من تجار حلب ، ولي شريك في بغداد انكسر على مبلغ خمسين كيسا من رزقي. فاقتضى الأمر أن أسعى بالوصول عنده بكل سرعة عساني أتمكن من الحصول على شيء ، ولكن لا يوجد اليوم قافلة من حلب إلى بغداد ، وعليّ الانتظار أربعة أشهر ، فيطول الأمر ولا أستطيع أن أحصل على شيء من أموالي. وبلغني أيضا أن الأمير الدريعي هو كبير عربان الجزيرة ، وهو الآن قريب من نواحي الزور ، فتحسن عندي أن أصل عنده وأرجو منه أن يرسل معي إلى بغداد أحد أتباعه المعروفين بالأجرة ، وهذا هو سبب تعبي وحضوري إلى هذه الأماكن. فقالوا جميعهم : حسنا فعلت والله لا يضيع لك حقا. ورضي أيضا مصطفى بهذا الكلام وقال : الآن فهمت سبب مجيئك والحق بيدك.

__________________

(١) «الشب».

١٠١

[الصايغ عند الدريعي]

وثاني يوم قمنا مشينا وأخذنا معنا واحدا من عرب بني سعيد ليدلنا على الدرب. فبعد مسير ثلاثة أيام ، عند المساء ، كشفنا على نزل الدريعي ، وكان نزلا عظيما نحو ألفي بيت شعر ، الطنب بالطنب (الطنب هو الحبل الذي يشدّ به البيت) ، ورأينا من بعيد من المواشي (١) والجمال ما يغطي عين الشمس ، ولم نر مثل ذلك عند غيره من العربان.

فتقدمت إلى بيت الدريعي ، وكان الوقت بعد غياب الشمس ، فدخلت وسلمت عليه ، فرحّب بنا وحالا أمر بالعشاء. وبعد العشاء سألني من أين وإلى أين يا شاب؟ قلت : يا سيدي من حلب إلى عند جنابك بغرض. فقال : حلت البركة بمجيئك (٢) ، غرضك مقضي بعون الله ، ولكن عادة الضيف عندنا يقعد ثلاثة أيام وبعد ذلك يتكلم على غرضه ، قلت : السمع والطاعة. ثم نمنا وثاني يوم كتبت حالا إلى الشيخ إبراهيم وإلى موسى ٢ / ٣٥ الوردي ، وأعطيت المكاتيب إلى مصطفى وزودته بالدعاء وتوجه إلى القريتين. /

وجلسنا مع الدريعي نتحدث ، وهو رجل ذو نخوة زائدة ، عمره نحو خمسين سنة ، لحيته كوساة بيضاء ، جسيم ، أسمر اللون ، جريء (٣). وجميع ما سمعنا عنه موجود به

__________________

(١) «طرش».

(٢) «يا حلة ألف براكة».

(٣) «جريع».

١٠٢

حقيقة. وله ولدان ذكران ، الواحد اسمه سحن (١) وهو الأكبر ، والثاني سعدون. وهما متزوجان ومقيمان عنده بالبيت. وبيته كبير وهو أكبر مرتين من بيت مهنا. وعربه أغنى نوعا ما من غير عشائر ، وعندهم الخيل العظام المشهورة ويقال لقبيلته الرولا (٢) ، وهي تحوي على خمسة ألاف بيت. هذه هي عشيرته ، إلا أنه كثيرا من العشائر تنقاد له ، بعضها فرضا (٣) ، وبعضها خوفا وبعضها محبة. فبان لي أنه رجل على قدر حاله في كل أمر ، وأن جميع ما قيل عنه صحيح. ومن حسن التوفيق أنه لم يكن عنده كاتب ، فصار كلما احتاج إلى ورقة أو مكتوب يسخرني به ، إلى أن مضت الأيام الثلاثة ، وهي مدة إكرام الضيف ، فما قال لي شيئا لأن عندهم من العيب أن يسألوا أحدا ما هو غرضك ، لأن معنى ذلك أنهم يرغبون في أن يذهب من عندهم. ولكن العادة أن المسافر يبادر بالحديث (٤). فبعد ثلاثة أيام قلت : يا أمير ، انتهت مدة إكرام الضيف وحل وقت الذهاب. قال : يصعب علي فراقك ، فقلت وأنا كذلك ، واعلم أن سبب مجيئي عندك هو التوجه إلى بغداد بمسألة ضرورية ، ولكن محبتك أنستني أشغالي وأود أن أكون في عشرتك دائما. فسرّ من هذا الكلام وقال : أنت مثل ولدي ، والذي تشور علي به فإني سأعمل به ، لأنه كان رأي مني في مدة هذه الأيام الثلاثة محبة وخدمة وآراء جيدة ، لأني عملت كل جهدي خلال هذه الأيام كي أرضيه وأدخل في عقله وقد حصل مطلوبي. وكنت علمت أنه ينوي أن يركب هو بنفسه على قبيلة مهنا الفاضل ، ويبيدها ويغنم أرزاقها وحده ، أعني فقط الخيل والركب ، ويبقي النساء ١ / ٣٦ والبيوت عند فحل الخليل أمير بني سعيد بالزور. وكان مرادي أن يقطع الفرات / ويدخل الشامية حتى أقربه رويدا رويدا من القريتين وأتمكن من احضار الشيخ إبراهيم عنده. فابتدأت أقول له : يا سيدي بما أنك جئت إلى هذه الديرة وعمرك ما زرتها (٥) ، فدعنا نقطع للشامية ونقضي الغيض (أعني الصيف) في هذه الديرة ، ومتى حل الخريف نشرّق على حسب عوايد عشائر عنزة (٦). وبهذه الطريقة تكون أولا قهرت عدوك وضايقته في الأرض ،

__________________

(١) ولعل الصواب صحن ، على حسب عادة الصايغ أن يبدل الصاد بالسين.

(٢) الرّولة.

(٣) «البعض ملزومين التزام».

(٤) «يفتح سيرة».

(٥) يقول الصايغ : «وعمرك ما خطرتها» ، أي لم تصل إليها ، وهو يريد المكان الذي كان الدريعي نازلا به عندئذ.

(٦) «عنازة».

١٠٣

ثانيا يصير لك هدايا من القرى ومن عشاير العرب ، ثالثا يصير لك اسم بهذه الديرة ، رابعا تكون شاهدت براري بلاد سورية ، وأخيرا ترتد إلى ديرتك كما كنت. فقال : هذا نعم الشور.

وثاني يوم نبّه على الرحيل ، ورحلت العربان بعد طلوع الشمس كأنهم الغمام الأسود. ومشى ابنه سحن ومعه خمسون خيال يتقدمونهم (١) ، وبعده هو وطابور خيل من نحو خمس مئة خيال ، وأركبني فرسا من خيله كحيلة (٢) عظيمة ، وجرت الظعن (٣) (أعني البيوت) خلفنا مثل الجراد ، وأكثر النساء في الهوادج المجوخة ، وعلى الخصوص بيت امرأته وكناته (٤) في الهوادج ، والعبدات حولهنّ ، وكان على ذلول أحد العبيد خرج ملآن خبزا تمرا يفرّق منه على الجائعين من الناس ، وكلما مشينا ثلاث ساعات يأمرنا بالنزول حيث يوجد منتزه ، فيعملون القهوة ونستريح قليلا (٥) ثم نركب ، إلى أن وصلنا إلى المحل المقصود وهو على حافة الفرات ، منزلة يقال لها الحلاجة. فنصبوا البيوت بكل هدوء وركون ، وبلحظة صارت بلدة وأشتعلت النيران ، فبتنا تلك الليلة ، وثاني يوم رحلنا ونزلنا بقرب الزور ، وثالث يوم رحلنا وقبل الظهر وصلنا إلى الزور. فركب فحل الخليل ، وبصحبته نحو ألف خيال ، ولاقى الدريعي ، وصار لعب خيل وانشراح (٦) ، ودعي الدريعي عنده ، فرحنا تلك الليلة وتعشينا عند فحل. فكان الدريعي وأولاده وأخوه فجر ، وهو أكبر منه بالعمر لا بالمعرفة والقدر ، وجميع اقربائه ، ومعنا نحو مائتي خيال ، فتعشينا عنده وبعدها ركبنا ورحنا إلى البيوت.

__________________

(١) «قدام سلف».

(٢) «كحيلان» ؛ أي من سلالة الخيل الأصيلة.

(٣) «الضعون».

(٤) «كنانية».

(٥) «شوية».

(٦) «وكيفية».

١٠٤

[الحرب بين الرّولة والحسنة]

٢ / ٣٦ ثم ثاني يوم قطعنا الفرات على ظهور الجمال / ودخلنا الشامية وتوجهنا غربا ونزلنا بأرض يقال لها الطافح ، من حكم حلب. وثاني يوم ورد علينا مكتوب من مهنا الفاضل وكان بهذه اللفظات :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من مهنا الفاضل إلى الدريعي ابن شعلان ، بعد السلام ورحمة الله ، سمعنا أنك قطعت الفرات ونزلت الطافح ، ومرادك أن تتقدم إلى ديرتنا وديرة آبائنا وأجدادنا ، فاستغربنا منك هذا الفعل وظننت أن كل لحوم الطيور تؤكل (١) ، واعلم أن عندنا جيوشا لا تعد ولا تحصى ، ووراءنا حكاما عثمانين ، ووزراء أقوياء لا يتعاندون ، فالأنسب أنك ترحل أنت وعربانك وتكسب حالك ورجالك ، وإن طمعت وعاندت لا تسأل عما يجري عليك من البلاء والندم ، ونردك بحول الله مكسورا على أثر القدم.

الامضاء : تحيات مهنا الفاضل ابن الملحم

فحين فرغت من قراءة المكتوب نظرت إلى وجه الدريعي ، فرأيته عبس صورته واصفر لونه وصار النور في عيونه ظلاما ، ودخل في الغيظ والحمق. ثم قال : يا خطيب خذ قرطاسا واكتب جوابا لهذا الكلب بأصعب خطاب ، وقل له لا بدّ من هدم بيته وتنكيس رايته وتطهير

__________________

(١) كذا والمعروف : أن كل الطيور لا تؤكل لحومها.

١٠٥

الأرض منه ومن ابنه الكلب ناصر ، صبي الروم (أي العثمانيين في اصطلاح كلام عنزة). فأخذت ورقة وكتبت جوابا وكان بهذه اللفظات :

بسم الله الرحمن الرحيم وهو على كل شيء قدير. من الدريعي ابن شعلان إلى مهنا ١ / ٣٧ الفاضل. والتالي (١) : / وصل مكتوبك وفهمنا تهديدك الفارغ الذي ليس هو عندنا بثقل حبة الخردل. واعلم يا مهنا أنه لا بدّ من هدم بيتك وتنكيس رايتك وتطهير الأرض منك ومن ابنك ناصر. أما قولك أن هذه ديرة أبيك وجدك فالقاضي يشرع بيننا ويظهر لمن هي ، وهو السيف. ويكون معلوم عندك أن بعد تاريخه نحرّك ركابنا لقتالكم فكونوا على حذر ، ترى مردود عليك النقا. تحيات الدريعي بن شعلان. مكان الختم.

فأعطينا المكتوب إلى الطارش (٢) وسافر وابتدأ الدريعي بالمهمات وجمع عربانه. فقلت له : يا أمير ، أريد أن أشور عليك ، فإن أعجبك قولي افعل به وإلا فليس هناك من خسارة. قال : كيف يعني؟ قلت : أنت رجل غريب لست من هذه الديرة ، ومهنا معروف وكل الحكام معه ، والبلاد معه ، والعربان قد اعتادوا عليه ويحفظون وده إكراما لاسمهم السابق ، وقد أكلوا من خيرهم شيئا كثيرا. ولعلهم الآن ، لسبب جرى من ناصر عليهم ، رموا في حقه كلاما ، ولكن بعد حين ، حين يرون أن بيت مهنا سيخرب ، وأنه سينكسر ، فإن العشائر تعود إليه ولا بدّ أن تكون معه ، وكذلك الأمر بعساكر البلاد ، فيكون هو والعثماني والعرب ٢ / ٣٧ وتكون أنت وحدك ، فيحصل لك ضرر وتذهب رجالك وتكسب صيت الكسرة (٣). / فقال : هذا صحيح ولكن كيف الرأي يا خطيب. قلت : أنا الرأي عندي يا سيدي أن تكاتب جميع العشاير والقبائل الموجودة بهذه الديرة وتخبرهم أنك خصم (٤) بيت ملحم وتريد تنكيسهم وتطلب منهم اظهار حالهم للوجود. فمن كان معك يرحل وينزل بقربك ويظهر حاله ، ومن كان ضدك يبتعد وينزل بقرب مهنا ويظهر حاله أنه خصمك ، وبهذه الطريقة تكون عرفت صديقك من عدوك ، وتكون كشفت ما تخفيه قلوب العربان ، وعندئذ اعمل ميزانك واعرف شغلك. فسرّ من هذا الشور ورآه غاية الصواب وقال : يا خطيب حقا إنك صاحب تدبير. فقلت له حالا : يا سيدي أنا غشيم وولد لا أعرف شيئا ، ولكن إذا كنت

__________________

(١) بياض بعد هذه الكلمة إلى نهاية صفحة ٢ / ٣٦.

(٢) الجمّال.

(٣) بياض في الأصل نحو ربع صفحة ، إلى نهاية ورقة ١ / ٣٧.

(٤) «ضشمان».

١٠٦

تريد العقل والتدبير الجيد والمعرفة والنظام ، فلي معلم يقال له الشيخ إبراهيم القبرصي (١) ، موجود الآن بالقريتين ، إن شاء الله ستسمح الظروف بإحضاره عندك فتراه وتحبه وتكون مسرورا جدا منه ، لأنه رجل جليل ومعلم ماهر ، ومهما كان بخاطرك من الأمور أعانك بمعرفته وتدبيره وأوصلك إلى مطلوبك. فكان مسرورا بهذا الخبر وقال لي : اركب حالا مع مئة خيال لاحضاره ، فقلت : لا ، فمن الأولى أن يبقى الآن بالقريتين حتى نقترب نحن منه فنحضره. وكل هذا التدبير والشور الذي أشرت به عليه ، إنما لأتمكن من فتح سيرة الشيخ إبراهيم ، وقد حصل مرادي ، فصرت مسرورا محظوظا.

ثم قال الدريعي : خذ ورقة واكتب إلى دوخي بن اسمير أمير ولد علي (٢) ، وقل له نحن جئنا من بلادنا لأجل إعانتكم وتخليصكم من يد ناصر المهنا الذي يريد أن يدوسكم ويخرب نظامكم ويتكبر عليكم بوساطة الحكام ، وأخيرا تأكلكم نار العثماني. فالآن رديت النقا على بيت ملحم وأريد أن أهاجمهم (٣) ، وقصدي الآن أن تظهروا حالكم من غير محاباة إن كنتم ١ / ٣٨ معي أو علي ، فمن / كان معي ينزل قريبا مني ، ومن كان علي ينزل بالقرب من مهنا والسلام.

وكتبت عشرة مكاتيب مثل هذا المكتوب نفسه ، الأولى إلى دوخي بن اسمير أمير ولد علي ، والثاني إلى سلامة شيخ بني صخر ، والثالث إلى إدغيم بن علي شيخ السّرحان ، والرابع إلى باني بن إمهيب شيخ بني خالد ، والخامس إلى ذرّاك بن معجل شيخ الرفاشا ، والسادس إلى سلطان البّراق (٤) شيخ العمور ، والسابع إلى سلامة النعسان شيخ الفواعر ، والثامن إلى علي بن نجد شيخ بوحربا والتاسع إلى سعدون شيخ البقّارة (٥) ، والعاشر إلى قاسم الوكبان شيخ الشمسي. فطوينا المكاتيب وأعطيناها للدريعي ، فأعطى كل مكتوب إلى خيال مخصوص وأرسله إلى قبيلة.

وثاني يوم نحن رحلنا مع الدريعي وكان مسيرنا ثماني ساعات ونزلنا بأرض واسعة يقال لها الشومرية ، لنستقبل العربان بها حيث أنها سهل عظيم واسع ، وهي تبعد عن حماة ثلاثة أيام شرقي هذه المدينة. ولم يمض إلا قليل من الأيام حتى ابتدأت تتوارد علينا الجوابات. فالجميع

__________________

(١) «القبرصلي».

(٢) ولد علي ، أبناء محمد ، من فروع الفدعان ، من ضنا عبيد.

(٣) «أن أركب عليهم».

(٤) «البراك».

(٥) «البكارة».

١٠٧

أتوا ونزلوا بالقرب من الدريعي ، إلا دوخي بن اسمير فكان جوابه لا معك ولا مع مهنا فإني مشغول بحالي في ديرتي. وكذلك كان جواب سلامة شيخ بني صخر ، وأما جواب قاسم الوكبان شيخ قبيلة الشمسي ، فبسبب القرابة التي بينه وبين مهنا ، فإنه راح ونزل بالقرب منه. وأما القبائل السبع الأخرى فإنها نزلت على الدريعي ، وأتى مشايخها وكبارها وسلموا عليه ، فاستقبلهم بكل إكرام.

وكان الدريعي أرسل جواسيس (١) إلى عند مهنا ، فحضروا وأخبرونا أنهم خائفين جدا ، وأن ناصرا نزل إلى حماة ليستنجد بالحكام ويحضر العسكر العثماني لأجل إعانته. وبعد أربعة أيام ركب الدريعي وركبت معه جميع القبائل وكان عددهم نحو ستة آلاف خيال جميعهم رمّاحة ، ويصحبهم نحو ألف ذلول مراديف (ذلول يعني جمل ، ومراديف يعني كل اثنين على ٢ / ٣٨ جمل) ، فهؤلاء جميعهم بواردية بتفنك فتيل ، / لأن من عادة العربان أنها لا تحوي تفنك بقداحة ، أولا لأن قليلا من يأخذ لهم من هذا الصنف للبيع ، وثانيا بسبب غلائها ، ثالثا لأنها إذا تعطلت (٢) ليس عندهم عمال تصلحها ، رابعا بسبب الخطر لأنهم دائما في حلّ وترحال وتبقى التفنك مرمية بين حوائجهم وبأيدي النسوان والأولاد ، خامسا أنها أسرع للضرب ولا تخطئ ولا تخالف ، فلأجل هذه الأسباب إن جميع العربان بالبادية (٣) بتفنك فتيل ، وتجدّل النساء لهم الفتيل من غزل القطن.

فمشى الدريعي بكامل ما ذكرنا لحرب مهنا الفاضل ، ونبه ، قبل توجهه ، أن بعد غد ترحل العربان على أثره ، يعني على الطريق الذي توجه منه ، وكان مراده أن تكون عربانه قريبا منه ، لأن من عادات العربان إذا كانت مع أهلها أن تقاتل بشدة ولا يكون قتالها فقط ركض خيل وجمال (٤) ، وثانيا لأنه يتمكن من الديرة أكثر. فحسب الأوامر رحلنا ونزلنا بأرض يقال لها الطامة ، تبعد يومين عن حماة شرقا. وكان بقي بيننا وبين مهنا يوم فقط ، لأنه كان نازلا بأرض اسمها برّي ، تبعد يوما عن حماة. ثم بعد خمسة أيام من ذهاب الدريعي ، وصلت البشائر أنه قد انتصر على مهنا ، وبعد قليل أقبل عربنا منصورين وقد غنموا طروشا وجمالا ونوقا وخيلا. فالذي لم يذهب إلى الحرب لسبب ما ، إما لأنه ليس عنده سلاح ، أو أنه

__________________

(١) «دواسيس».

(٢) «إذا انعكسوا».

(٣) «بالشول».

(٤) «جرد خيل وركب».

١٠٨

مريض أو لسبب منعه ، فكل واحد ركض وطلب العرضة من الذين غنموا فأعطوهم إما جملا إما غنما إما قطعة سلاح أو ملبوس. فهذه عادة عند العرب ، فالذي لم يستطع الذهاب لسبب ظاهر يعرض للذين كسبوا أعني يعارضهم بالدرب قبل وصولهم للبيوت ويقول لهم : العرضة يا خيرين ، فعليهم أن يعطوه شيئا مما غنموه ، وهذه هي العادة المصطلح عليها في كامل البرية (١). ثم حضر الدريعي ومن معه من العقداء ، أعني الرؤوساء ، فسلمنا ١ / ٣٩ عليهم فحكوا لنا ما جرى لهم مع قبيلة مهنا وعشائره. وهو أنه بعد توجههم بيومين / من طرفنا وصل إلى نزل مهنا ، ورمى عرب مهنا الصوت (٢) على بعضهم وابتدأت الحرب بكل حرارة. وكان مع مهنا عساكر من العرب بمقدار الذي مع الدريعي بل أكثر ، فاشتعلت الحرب بينهم من الصباح إلى المساء. فانتصر الدريعي وكسب طرشا وجمالا وخيلا ، حتى أن ابن الدريعي سحن كسب من الجملة فرس ابن مهنا فارس. وأما ناصر فإنه لم يكن موجودا بالوقعة بل كان في حماة ، ثم انكسر مهنا وهجّ بعربانه ومن معه من غير عشائر بكامل البيوت ، وقطعوا غربي عاصي حماة. وكثير من عرب مهنا دخلوا حماة وحكوا لناصر [ما حدث]. ووقع خوف الدريعي في قلوب أهل حماة والحكام ، وضج الخبر في كامل البلاد. ونزل مهنا بنفسه إلى حماة وحكى للحكام صورة الواقعة واستنجدهم طالبا منهم العساكر حتى يضرب الدريعي. وقتل من عرب الدريعي اثنان وعشرون فردا (٣) ، أما من عرب مهنا فإنه قتل أكثر.

وأما المذكور ، فبعد حضوره رحل وتقدم إلى قرب مدينة حمص بكامل عربانه. فبعد خمسة أيام إذ رعيان عرب الدريعي يركضون ويقولون : أتتنا الروم (٤) ، وناصر المهنا معهم وعربه وأخذوا الطريق. فصارت الضجة بين عربنا وصاحوا : الخيل يا أرباب الخيل. وفي لحظة ركبت الخيل وطلبت [الحرب] في كتف ناصر وعربه والعساكر العثمانية. وفي قليل من الوقت لحقوهم وانتشرت الحرب بينهم حتى عقد الغبار إلى الجو وصارت موقعة أكبر من الموقعة الأولى. فدخل الليل وأظلم وما عاد يعرف العدو (٥) من الصاحب. فاقتضى الإنفصال ،

__________________

(١) «الشول».

(٢) «السوط».

(٣) «واحد».

(٤) الأتراك.

(٥) «الضشمان».

١٠٩

وراح قسم من طرش الدريعي وعربه ، لأنه حين دخل الليل ، انهزم عرب مهنا بقسم من الطرش ولم يرهم أحد. وقتل عدد من العسكر العثماني وغنم عرب الدريعي سلاحا وخيلا وحوائج حتى قلابق (١) الدالاتية. وقتل من عرب الدريعي اثنا عشر فردا فقط ، الواحد منهم ٢ / ٣٩ ابن أخت الدريعي وهو شاب عظيم ، تحصرت عليه كل العرب وبكت ، / وزرع قتل هذا الشاب عداوة في قلوب العربان ، وبنوع خاص في قلب الدريعي لمهنا ، واستقام سحن ثلاثة أيام في بيته (٢) ولا يأكل من جراء قتل هذا الشاب الذي فقد ، وحلف أن لا بد أن يقتل ناصرا ، أولا ليأخذ ثأره منه ، وثانيا لأجل طفي النيران التي اشتعلت بين العربان.

ثم بلغنا خبر أن ناصرا وأباه ذهبا لدمشق ليشكيا حالهما إلى الوزير ، ويحضرا العساكر لطرد الدريعي من الديرة. فاضطر الباشا أن يكتب المكاتيب إلى قبائل حوران وبلاد الجليل ، وألزمهم أن يكونوا في إعانة مهنا وطاعته ومساعدته على الدريعي ، فبعض القبائل دخلت في طاعة المهنا لا خوفا من الباشا ولكن محبة ببيت ملحم ، وبعضها عملت عكس ذلك والتحمت مع الدريعي نكاية بالباشا. وانقسمت العربان إلى قسمين ، وكل يوم تقع غارة وحروب حتى عجزت الحكام عن تلك الفتنة ، وأتت القبائل من البرية فمنها من كان مع الدريعي ومنها من كان مع مهنا ، واشتعلت النار وانتشرت في برية عربستان (٣) حتى انقطعت السابلة وامتنعت القوافل عن السفر.

ثم رحلنا ونزلنا في مكان يقال له القمقوم يبعد يومين عن القريتين. وهناك ركب سحن ثاني يوم وغزا قبيلة مهنا. فبعد ذهابه بيومين حضر عندنا غزو كبير من عرب مهنا ، وكان عقيدهم أي صاري عسكرهم فارس بن مهنا ، وغنموا من عندنا مئتين وعشرين جملا. ولم يلحقهم أحد لأن الطرش كان يرعى بعيدا عن البيوت نحو ساعتين حسب العادة ، وكانت الخيل أكثرها مع سحن. وحدث بعد يومين أن عاد سحن وهو كسبان من عرب مهنا مئتين وعشرين جملا ، الشيء الذي يكاد لا يصدق أن يكون الكسب نفسه لا أكثر ولا أقل. وحكى لنا سحن أن ما طلبهم أحد لأن الخيالة كانت مع ناصر. النتيجة كما صار فيهم صار

__________________

(١) قلابق ، مفردها قلبق : «عمرة تقوم مقام الطربوش ، تتخذ من جلود صغار الخرفان ، وكانت هذه العمرة في الأصل من الفراء» (العزيزي ، قاموس ، ج ٣ / ص ١٠١).

(٢) «محصورا».

(٣) «عرب بستان».

١١٠

١ / ٤٠ فينا حتى بالوقت نفسه. فنقل هذا الأمر عنا وعنهم حتى صار سيرة بين العربان ، / لأنه من الصدف التي يحكى بها.

ثم أن ناصرا غزا ذات يوم قبيلة تابعة للدريعي يقال لها بني خالد. وكان معه نحو خمس مئة خيال من العرب ومئتي خيال من الدالاتية أتى بهم من حماة ، فضرب بني خالد وكسب منهم ، ومن جملة ذلك ثلاث نساء سلمهن إلى العسكر وبنتا أعطاها إلى آغا الدالاتية ، ورجعوا فدخلوا قرية بقرب حماة اسمها زين العابدين. فالآغا دخل البيت وحده وأخذ الفتاة وتصرف بها ونام معها بالغرفة (١) ، فحين هدي الليل قامت البنت وأخذت خنجر الآغا وشكته في قلبه فمات. وبالحال فتحت الباب وهربت من غير أن يراها أحد ، ورجعت عند أهلها وأخبرتهم بالذي جرى. فسارت أخبار ناصر الشنيعة بين العربان وضجوا منها ، وامتلأت قلوبهم من العداوة له ، لأن العرب من طبعهم [تكريم] الحريم والناموس ، فاغتاظوا جدا من ناصر لأنه سلّم الحريم إلى العسكر ، وقرّ رأيهم إما أن يموتوا جميعهم ، وإما أن يقتلوا ناصرا ويشربوا دمه.

فذلك اليوم حضر أشخاص من قرى حمص وأخبروا أن ناصرا توجه إلى ضيعة يقال لها النبك ، في طريق دمشق ، وهو يريد الذهاب إلى صدد ، لأجل أن يأخذ من أهالي صدد الخوة التي رتبها عليها سنويا ، وأن ليس معه إلا نحو مئة خيال من العرب. فحين بلغ ذلك الخبر سحنا أخذ حالا نحو مئة خيال وتوجه بهم إلى الدرب الذي سيمر به ناصر في طريقه إلى صدد ، وكمن بهم في كمين وراء جبل بالقرب من مهين وحوارين ، الضيعتين اللتين كنا ذكرناهما سابقا بين صدد والقريتين. وبعد أن كمن يوما واحدا فقط وإذا بناصر وخيالته مقبلون ، فنفذ عليهم مثل الأسد الخاطف ووقعت الحرب بينهم ، فانكسرت خيل ناصر ، فنزل ناصر بنفسه للميدان ونزل سحن أمامه واشتدّ الحرب والقتال بينهما فقط نحو ساعتين ، وهما بين أخذ ورد ، وأخيرا تمكن سحن من ناصر وضربه بالرمح فمرق من الخاصر إلى الخاصر ، فوقع ناصر من على ظهر جواده وهربت خيله ، فالذي تمكن من الهرب خلص ، والذي لحقوا به على فرسه وسلّم فاز بدمه لأن هذه العادة عندهم الذي ينزل عن فرسه ٢ / ٤٠ ويسلمها / لمن لحق به لا يقتل. وأما سحن فإنه نزل حالا من على فرسه وأمسك ناصرا وقطعه

__________________

(١) «بالأوضة».

١١١

قطعا صغيرة وأرسل من جاء بقفة من ضيعة حوارين ووضع ناصرا بها إربا إربا (١) ، وخيّط القفة وأمسك بواحد من عرب ناصر وقطع انفه وحملّه القفة وأرسله إلى عند مهنا وقال له : رح واحك كما رأيت (٢).

ورجع سحن وبشر العربان بما جرى ، فضج خبر ناصر بين العربان وفي المدن ، واستنجد مهنا بقبائل أن تعينه على الدريعي ، من قبائل شمّر أعني سمرقند (٣) ، ومن عربان نجد ، حتى اتصل خبر ناصر بالوهابي في بلاد الحجاز ، فحضرت قبائل غريبة من البادية (٤) إلى قرب الديرة الشامية وعملوا رباطا مع مهنا على السنة القادمة أنهم يحضرون السنة القادمة ويضربون الدريعي ، [ورجعت القبائل](٥) لأن الوقت فات ، وقرب الخريف ولم يبق وقت لمثل هذه الأمور ، حيث قرب وقت تشريق العرب على حسب عوائدهم.

__________________

(١) «شقف شقف».

(٢) «كما شفت أحكي».

(٣) أين نجد من سمرقند؟.

(٤) «الشول».

(٥) المعنى واضح إلا أن الكلمات غير مقرؤة لأنها مخيطة في جلد المخطوطة.

١١٢

لاسكاريس في مخيم الدريعي

وفي أثناء هذه المدة كنا قربنا من القريتين ، وبقي بيننا وبينها ساعتان فقط. فقلت للدريعي : يا سيدي إن كنت تأمر حتى أركب أنا وبعض الخيالة ونذهب من طرفك إلى القريتين لاحضار معلمي الشيخ إبراهيم. فسرّ من ذلك وحالا أمر لي بعشرين خيالا ، فركبنا ودخلنا القريتين وصافحنا بعضنا وسلمنا على الأحباب ، وبقينا ذلك النهار بالقريتين : الخيالة في بيت الشيخ سليم ونحن في بيت الخوري موسى ، وبقينا كل الليل أيضا ، وما كنا نستطيع أن نذهب [للرقاد] لأننا لم نر بعضنا من زمن. وفي الليل حكيت للشيخ إبراهيم جميع ما جرى ، وقيدنا جميع أوراق اليوميات بالدفتر ، ورتبنا شغلنا ، وطلع الصبح من غير نوم كليا. وثاني يوم فطرنا وودعنا المحبين وأخذنا الشيخ إبراهيم وتوجهنا بالسلامة ، فوصلنا إلى عند الدريعي. ١ / ٤١ فحالا ركض / وصافحه وسلّم عليه سلاما كبيرا وترحّب به ، وحالا أمر بذبح جمل من العظام ، فذبحوا إكراما للشيخ إبراهيم وأكلنا منه تلك الليلة وكان أول مرة نأكل لحم جمل (١) ، وقد وجدناه طيبا وغير رديء يشبه طعمه لحم الغزال وله مزة (٢) [تمييزه] نوعا عن لحم الغنم. ولكنه مدهن ولحمه أحمر جميل ، لأن الجمال التي يذبحونها وحدها ليست من جمال التحميل ، ويخصصون لها دائما راعيا ، وهي ترعى من غير أن يوضع على ظهرها شيء ، مثل

__________________

(١) نسي الصائغ أنه أكل لحم جمل عند مهنا الفاضل ، (انظر اعلاه ص ٦٩).

(٢) طعم خاص.

١١٣

قطيع الغنم ، والتي للأكل تكون بيضاء مثل الثلج ، وحين تتقدم بالعمر يجعلونها للتحميل. وأما النوق فإنهم يرغبون فيها لأجل النسل (١) والحليب ، لأنهم يشربون حليب النوق بكثرة ، ومن كثرته يسقونه أيضا الخيل الأصايل ، كل ليلة شربة عند المساء ، حيث أنه يغذّي ويقوي عصب الخيل. ونحن في الأول ما صار لنا نفس نشربه ، وأخيرا جربنا وتبين لنا أنه طيب جدا وحلو ، وهو أكثر حلاوة من حليب الغنم والماعز ، ولكن لا يعطي سمنا كما يستخرج من حليب آخر.

ثم رحلنا ثاني يوم ونزلنا في أرض يقال لها شعب اللوز ، على نبع ماء القريتين ، وفي غير نبعه ، وهي أرض عظيمة بها مرعى ومياه كثيرة. فبعد يومين إذ بالرعيان يصيحون : يا أهل الخيل. وكان الطرش بعيدا نحو ساعتين عن البيوت ، فركبت الخيل وطلبته. وكان غزو كبير من عرب الوهابي نحو ألف خيال وألفي مردوف ، فوقعت حرب شديدة ودخل الليل. فانكسر الدريعي لأن ما كان معه غير نحو خمس مئة خيال فقط ، وربح العدو (٢) وراح بمكسبه.

فثاني يوم أخذني الشيخ إبراهيم وذهبنا وحدنا إلى نبع القريتين. فقال لي : إن هذا الرجل طبق مرادي ، ولكن لأجل غايتي يجب أن تكون جميع قبائل البادية (٣) وعشائرها في طاعته ، حتى إذا أراد أمرا من الأمور لا يعارضه أحد ، فيجب أن تعمل الطرائق والوسائل من ٢ / ٤١ جميع الأنواع ، بحرب كان أم بالمليح ، / بالتهديد أم باللسان الحلو للوصول إلى الغاية التي أريدها. أريد منك أن يكون هذا الرجل مسموع الكلام ومطاعا من حد أبواب حلب إلى حدود الهند الشرقية (٤) ، ولا يكون هناك مانع ولا خصم (٥). فقلت : يا سيدي هذا أمر صعب جدا ، لأن حال العربان معروف ، فهم جماعة أحرار في ذاتهم ، فلكل قبيلة شيخ أو أمير يحكمها ، ولم يستطع أحد في زمن من الأزمان أن يسيطر عليهم أو يجعلهم تحت حكم ، فأخاف إذا ابتدأنا بمثل هذه الأمور أن يحصل لنا ضرر. قال : من دون ذلك لا يمكن تتميم أغراضي. فقلت : معونة الله على كل أمر عسير.

__________________

(١) «الخلفة».

(٢) «الضشمان».

(٣) «الشول».

(٤) «لحد حدود الهند الشرقي» ، كذا وهو يريد الغربي.

(٥) ضشمان.

١١٤

فرجعنا إلى البيوت وأنا أفكر كيف سأجد طريقة حتى أقول ذلك للدريعي ، ومن أي باب يجب أن أدخل عليه. فافتكرت أن عندنا ألعابا من نار الهوا ، مثل صوفة تشعلها فتطق ، ومكتوب تفتحه فيطق أيضا ، وقنينة ملآنة نار هوا فوسفور ، ومن هذه الأشياء معنا بكثرة في آلة الزعبرة (١). فقلت للشيخ إبراهيم : أريد منك الليلة أن تعمل لنا بعض الألعاب في نار الهوا. ولما كان المساء أخرجنا من صندوق الزعبرة بعض الأشياء من التي ذكرناها ، فتعجب العربان من ذلك لأنهم لم يروا بعمرهم مثل هذه الأشياء ، ومن طبعهم الغشم الطبيعي (٢) ، حتى طارت عقولهم من رؤوسهم فصاروا يعتبروننا جدا ويكرموننا ونشعر أننا في نظرهم مثل الأولياء ونستطيع أن نفعل العجائب. وصاروا يتذاكرون ثاني يوم بذلك ، وشاع هذا الخبر بينهم حتى صارت العربان تأتي خصوصا ليرونا. حتى أن الدريعي قال لي : يا عبد الله ما هذه الأمور العجيبة التي فعلها معلمك الليلة البارحة؟ فقلت : يا سيدي إنك لم تر شيئا من مهارته ، هذا معلم جليل ويقدر على أمور كثيرة أصعب من هذه ، واعلم أن هذا الرجل ، بوساطة معرفته وعلومه العميقة ، يستطيع أن يجعلك سلطانا على كامل العرب ويملك الدنيا. واعلم يا دريعي أن سعدك كبير ورزقك كثير وعلى وجهك فتوحات عظيمة. واعلم أن معلمي رأى ذلك من دلائل نجم أبو ذنب الذي ظهر بالشمال. (وذلك لأن قبل سنتين طلع نجم أبو ذنب من طرف الشمال). فهذا نجمك وخاص بسعدك ، فإن عملت (٣) بما ١ / ٤٢ يقوله لك بواسطتي (٤) لا يصير أكبر منك / بين أبناء جنسك ، وتنال درجة عالية لم ينلها أحد من العرب قبلك. فانشرح من كلامي ودخل في عقله لأن من طبعه يحب التكبر والمكسب والتقدم ، كما هو طبيعي في كل إنسان ، وثبّت كلامي إذ قال : صدقت يا عبد الله فيما قلت لأني كنت رأيت مناما من زمن [بهذا المعنى ، فرأيت] أن شرارة من نجم أبو ذنب قد سقطت على بيتي واحرقت جميع ما فيه ، وأنا امسكت الجمرة بيدي وما أحرقتني. وبالحال صاح على امرأته فشهدت بذلك ، لأنه كان قصّ عليها هذا المنام في الليلة التي رأه ، وتحقق عنده أن سعده عظيم لأنه ما نوى قط على أمر إلا ناله ، وتأكد له الآن أن له توفيقا عظيما لا مثيل له. ثم قال : يا عبد الله مهما يقول معلمك وأنت على رأسي وعيني وإن شاء الله يكون قدومكم خيرا علي.

__________________

(١) الشعوذة.

(٢) سلامة الطوية.

(٣) «طعت».

(٤) «عن يدي».

١١٥

فأعلمت الشيخ إبراهيم بجميع ما جرى ، فأعجبه ذلك جدا وأصبح مسرورا تماما. وثاني يوم أرسلنا وأحضرنا رزقنا من القريتين وأهدينا الدريعي أشياء يكون مسرورا بها ، وأهدينا أيضا أولاده ونساء أولاده وأكابر العربان ونساءهم فأصبحنا معزوزين جدا عندهم. وذلك كان من نوع التدبير ، لأن الدريعي أولا من طبعه حب المكسب والهدايا ، وثانيا ليتأكد أن ما هو مرادنا أن نكسب منه لكي لا يظن أن دخولنا عنده لأجل الكسب ، بل ليتحقق أن مرادنا ربحه وكبره فقط ، ولم ندخل عنده لأجل طمع. فزادت كرامتنا ومقامنا عنده حتى أنه كان لا يدعنا نأكل بالديوان مع الضيوف بل عند الحريم ، أكلا ممتازا معدا لنا ، مع امرأته ونساء أولاده وهو معنا بعض الأحيان. ويقال لحرمته سكر بنت هدال من أكابر العربان ، أخوها كيخيا الوهابي ، يقال له عبد الله الهدّال.

ثم كان عند الدريعي واحد قبيسي (١) من القبيسة (٢) ، وكان بياعا على حسب عوائد أهل القبيسة (٣) ، هذا عملهم ويوجد منهم عند كل قبيلة عربية ، ومن طبعهم الطمع والحسد والغيرة. فرأى هذا الرجل أننا معزوزون عند العرب بهذا القدر ، وأننا نبيع بضاعتنا ٢ / ٤٢ بنصف ثمنها (٤) / وأكثرها ببلاش (٥) ، فدخلت عليه الغيرة والحسد ، وابتدأ يعمل ما بوسعه ليخرب أشغالنا ويكرّه فينا العرب ، وإن استطاع يقتلنا ، إذ لم يعد له سبب ليتقدم أو يبيع رزقه ولم يبق له إكرام عند الدريعي أو عند العرب كالسابق ، لأن المذكور كان يوكله بكتابة المكاتيب وببعض أشغاله ويكرمه بالمال نظير خدماته ، فانقطع عنه جميع ذلك ، ولم تبق له قيمة عند الدريعي ولا عند العرب ، فازداد غيرة منا وعداوة لنا. وكان اسمه عبسي ، وهو رديء الطباع ، شنيع الأفعال ، حقود غيور حسود ملعون لا يتصف. فابتدأ يتكلم ويفسد العرب علينا ، ويعطل أمورنا ، ويقول عنا أننا سحرة جئنا نخطف بنات العرب ، ودخل ذلك في عقول البنات حتى أنه كلما رأتنا فتاة تهرب منا. وابتدأ أيضا يدخل في عقول النساء أيضا أننا سحرة ، نريد أن نفسد قبائل العرب ونكره الرجال بالنساء ، ونقطع نسلهم حتى نملك ديرتهم والبلاد للأفرنج. فشاع هذا الخبر حتى أن في ذات يوم ، إذ كنّا مارين على بيت أحد العربان ،

__________________

(١) «قبيسي» ، ويقول الصائغ في كتابه «المقترب» : هو البائع الذي يحضر عند البدو ، من اسم بلد في طريق بغداد اسمها القبيسة.

(٢) القبيسة وهي غير القبيصة ، «بالفتح ثم الكسر ، قرية من أعمال شرقي مدينة موصل» (معجم البلدان).

(٣) القبيسة وهي غير القبيصة ، «بالفتح ثم الكسر ، قرية من أعمال شرقي مدينة موصل» (معجم البلدان).

(٤) وضع الصائغ في أعلى هذه الصفحة : «نمرة ٦».

(٥) دون ثمن مقابل ، بلا شيء.

١١٦

خرجت لنا عجوز وبيدها عصا (١) وهجمت علينا وقالت : والله العظيم إن قربتم من بيتي كسرت رؤوسكم بهذه العصا ، جئتم لتخطفوا بنتي وتفسدوا رجالي علي ، فضحكنا من عقلها وابتعدنا عن بيتها وفهمنا أن [كلامها من نتائج] شغل عبسي القبيسي. ولم يزل هذا الخبر [ينتشر] حتى وصل إلى الدريعي ، فاغتاظ جدا واحمرت عيونه وقال لي : لماذا يا عبد الله لم تحك لي حتى أقتل هذا الكلب ونخلص من هذه المفاسد؟ فقلت له : لا يا سيدي لا نريد ضرر أحد ، ولكن إن كنت تأمر وتنفيه من قبيلتك فيذهب إلى بلاده. فحالا أرسل وأحضره ونبّه عليه أن يسافر حالا من قبيلته ، وإن رآه أو سمع أنه موجود في اليوم التالي يقتله ، فقام عبسي وهو لا يرى الدرب من الغيظ ، وحالا سافر وهو لا يعلم إلى أين يتوجه.

ونحن بعد ذلك رحلنا وتقدمنا إلى جهة دمشق (٢) قرب ضيعة يقال لها المعضمية ، ١ / ٤٣ ضيعة كبيرة. فهذه الضيعة تعطي إلى مهنا كل سنة خوة ألف غرش غير مقطوع / فأرسل الدريعي وطلب منهم خوة كل سنة ألف غرش ، كما يعطون إلى مهنا يعطونه أيضا ، فرفضوا ذلك وطردوا المرسل (٣) وتكلموا بكلام غير لائق ، فعاد المرسل وحكى بما جرى. فركب نحو مئة خيال وأرسلهم إلى دائر القرية وأخذوا طرشها. وكان عندهم بالضيعة عبسي القبيسي ، فارتبط معهم ونزلوا إلى دمشق (٤) هو وكبار الضيعة وذهبوا عند التفنكجي باشي يقال له السقا (٥) أحمد آغا كركتلي ، لأن المذكور كان طيب على عبسي (٦) ، وقالوا له : يا سيدي يوجد عند الدريعي اثنان من الإفرنج جواسيس (٧) ، وهما اللذان يدبران الدريعي ويعلمانه على هذه المفاسد ، ومرادهما أن يكبرا شأنه ويمتلكا البلاد بواسطته [لتسليمها] للأفرنج. فصدق التفنكجي باشي ذلك وذهب حالا عند الوزير ، وكان يومئذ والي الشام سليمان باشا (٨) والي عكا ومعه المدبر الجليل المعلم حاييم اليهودي (٩). فحين عرض ذلك على

__________________

(١) «عصاية».

(٢) «الشام».

(٣) «وقلّعوا المرسال» أي الرسول.

(٤) الشام.

(٥) كذا.

(٦) كذا ، وفي اصطلاح البادية : طيّب على فلان معناه صالحه ، والظاهر من سياق الكلام أن الصائغ يريد أن يقول : عزّاه أو أخذ بخاطره.

(٧) «دواسيس».

(٨) من أصل كرجي مسيحي ، وكان يحترم كافة الأديان.

(٩) حاييم فارخى كان متسلما شؤون الخزينة في أيام الجزار ، وكان الأمير يسومه أحيانا ألوان العذاب. وبعد وفاة

١١٧

مسامع الوزير صدّق ، وانشغل خاطر المعلم حاييم بهذا الأمر. وبحسب أمر الوزير كتب حالا بولردي مشددا إلى الدريعي وأرسله مع جوخدار. وإذ نفذ علينا البولردي مع الجوخدار المذكور. فأخذه الدريعي وقال لي : اقرأ ذلك ، فقرأت وكان مشددا جدا بهذه الألفاظ : افتخار الأمراء والمشايخ الدريعي ابن شعلان زاد مجده. المنهى إليكم قد طرق مسامعنا ما قد صدر منك من الأفعال الشنيعة والطغيان ، وقد خربت هذه الديرة ودمرت عربانها وأهلكت رجالها ، لا سيما أنك تجاسرت وقتلت ناصر المهنا محسوبنا (١) ، الذي كان نافعا إلى بابنا ومهتما بأمور الحكام ومنفذا لمصالحهم ، وخربت قبيلته وغيرها من القبائل الطائعة لنا. وتريد برأيك الفاسد امتلاك ديرته بقائم سيفك حتى أنك اتصلت بالقرى التابعة لا يلتنا (٢) وطلبت منها الخوة [وتريد] بلصها (٣) وتغير عليها وتنهبها ، ولا زلت تزيد في غيك الردي. وجميع ذلك قد صار معلوما لدينا أنه ناشئ من شخصين من الإفرنج الكفار موجودين عندك ، وهما ٢ / ٤٣ اللذان يدبّرانك على هذه الدروب الشنيعة الراجعة إلى خرابك ، ومنتهى حياتك ، وتطهير / الأرض منك ومن كافة من يلوذ بك. فالمراد حال وقوفك على مرسومنا هذا أن ترمي القبض على الأشخاص الذين عندك وترسلهم مع الجوخدار مصطفى آغا تابعنا ، حتى نقاصصهم على تجاسرهم ونجعل قتلهم شهرة. وأنت بالحال ارحل وارجع إلى ديرتك وردّ جميع ما أخذته من عربان ديرتنا ومن ضيعة المعضمية ، وإن عاندت حسب طبعك ، لا تسأل عما يجري عليك من الأهوال الجسيمة وتندم حيث لا يعود ينفعك الندم ، والحذر من حركات المخالفة ، اعتمد ذلك.

فحين خلصت من قراءة البولردي نظرت إلى الدريعي ، فرأيت وجهه أعتمّ (٤) ، وصارت عيونه حمراء ، ودخل عليه الغيظ والحنق ، ونهض قائما وقال للجوخدار : وحق من رفع السموات وبسط الأرض ، لو لا يكون [ذلك] خرقا للعوائد الجارية ، لكنت قتلتك وربطت رأسك بذنب حصانك وأرسلتك إلى وزيرك بدمشق. قم واركب بلا تكثير كلام. صحيح أنا عندي شخصان غريبان ، إلا إني لا أسلمهما إلا بعد موتي. فإن كان وزيرك قادرا أن

__________________

الجزار وتعيين سليمان باشا واليا على عكا ، أسندت ، من جديد ، إدارة الخزينة إلى المعلم حاييم.

(١) أي صنيعتنا.

(٢) ولايتنا ، أو إيالتنا ، أكبر وحدة إدارية في العهد العثماني.

(٣) أي ابتزاز أموالها.

(٤) من العتمة ، أي أظلم.

١١٨

يأخذهما بسيفه فهما عندي ، وأنا لست راحلا من هذا المكان ، فليكلف خاطره ويحضر ، وأن ما ركبت حالا قتلتك. فاصفر وجه الجوخدار وارتعب وقال : أنا ما هو ذنبي ، ما على الرسول (١) إلا البلاغ. فنهضت أنا وأمسكت يد الدريعي وقلت له : يا سيدي استرح ، نحن كفؤون لتدبير هذه المادة. نحن نكتب إلى الباشا ونريك الجواب. فبعد رجاء كبير رضي أن نكتب للباشا من طرفنا. وكان بين الباشا والمعلم حاييم والشيخ إبراهيم معرفة ومحبة عظيمة ، والسبب أنه حين كانت العمارة (٢) الفرنسية في مصر تزوج الشيخ إبراهيم واحدة كرجية من سراري مراد بك ، فأخبرته بعد مدة أنها بنت عم سليمان باشا والي عكا. ثم أخذها معه إلى باريس ، وحين رجوعه من باريس إلى بر الشام ، أحضرها معه ودخل (٣) عكا وأخذ بيتا ووضع لها خداما وواجه الباشا ورأى أن الأمر صحيح ، وعمل له سعادته إكراما زائدا وأهداه تحفا عظيمة ، وهي كان أكثر إقامتها في بيت الباشا ، والمعلم حاييم قام بواجبه بإكرام ١ / ٤٤ ووقار زائد ، أولا لأنه (٤) متزوج بنت / عم الباشا ، وثانيا احتراما لقدره لأنه من أكابر بلاد الإفرنج وأشرافها ، وكما هو معلوم أن بيت لاسكاريس دي فنتميل كان مشهورا ، ثالثا إجلالا لعلمه ومعرفته. ثم قال لي اكتب من طرفي مكتوبا إلى جناب المعلم حاييم ، ويكون بهذه الألفاظ كما سنوضحه لمسامعكم الكريمة :

جناب المهاب ، فسيح الرحاب ، حضرة عمدة الأحباب ، الأجل الأكرم الخواجا حاييم ، بعد السؤال عن شريف خاطركم والمعروض لمحبتكم بخصوص مادة محبنا الأمير الدريعي ، فجميع ما بلغ سعادته من أقوال الوشاة لا أصل له ، فالإفرنج الجواسيس (٥) هم أنا وترجماني فتح الله صايغ ، فالمرجو من همتكم أن تعرضوا ذلك على سعادته وتعلموه بما ذكرنا ، وتصفّوا خاطره وترسلوا لنا بولردي من سعادته إلى الدريعي يكون بضد البولردي السابق ، وتزيدوا به وتفضلوه على كامل القبائل والعشائر ، وتأمروهم أن يكونوا في طاعته ، ولكم بذلك الفضل وتصيّروننا ممنونين حبكم إلى الأبد ، وأطال الله بقاءكم آمين. وختمناه وسلمناه إلى الجوخدار وتوجه حالا إلى دمشق.

__________________

(١) «المرسال».

(٢) الأسطول ، وهو يريد القوات المسلحة.

(٣) «فات على».

(٤) أي لاسكاريس.

(٥) «الدواسيس».

١١٩

وثاني يوم رحنا وتقدمنا إلى ناحية القبلة ، بالقرب إلى حوران ، وإذ نفذ علينا الجوخدار مصطفى آغا بذاته وبصحبته بولردي إلى الدريعي ومكتوب من المعلم حاييم إلى الشيخ إبراهيم. فأخذت البولردي وقرأته إلى الدريعي وكان مضمون ذلك :

افتخار أمراء الكرام ، وعمدة المشايخ العظام ، رئيس العشائر ورأس القبائل ، ولدنا الدريعي ابن شعلان زاد مجده ، بعد السؤال عن خاطركم والمبدي إليكم ، وصل كتاب من جناب محبنا الشيخ إبراهيم إلى محسوبنا المعلم حاييم ، وبه معرفة عن حسن حالكم وجيد أطواركم ، وأن جميع ما تقرر لدينا سابقا فهو كلام وشاة ومغرضين ، فبناء على ذلك أصدرنا لكم مرسومنا هذا ، فالمراد أن تكونوا مطمئنين البال والخاطر ، ودبروا ايلتنا بحسن معرفتكم المشهورة ، وتكونوا من طرفنا متقدمين ومفتخرين على كامل القبائل والعشائر. وكذلك نرغب أن تبدوا غاية الإكرام والتوقير إلى جناب محبنا الشيخ إبراهيم وترجمانه ، فبذلك تصيّروننا راضين عنكم واعتمدوا على ذلك والسلام.

ومكتوب المعلم حاييم [يعرب عن] محبة تامة ، ويعرفنا أن مهما لزم من الأمور المتعلقة ٢ / ٤٦ بالوزير نعرفه عنها فيقضيها لنا حالا بكل سهولة وطبق إرادتنا (١). /

فتعجب الدريعي وكل الحاضرين من ذلك وازداد إكرامنا عندهم وتوقيرهم لنا. ثم كتبنا جواب البولردي بإملاء يليق بحضرة الوزير ، وأرسلنا أيضا جوابا إلى المعلم حاييم واستكثرنا بخيره ، وأعطينا الجوخدار خمس مئة غرش إكراما وتوجه لدمشق راضيا حامدا شاكرا لنا وللدريعي أيضا.

وبعد ذلك رأيت أنني أستطيع أن أكلّم المذكور بما أمرني به الشيخ إبراهيم ، إذ حصل الوقت المناسب. فقلت له : اعلم يا أبو سحن (وهذا تكبير عند العرب إذا سميّت الإنسان «أبو فلان» باسم ابنه ، وعند الحضر [هذا الأمر] أيضا مقبول) ، إن الله عزوجل أرسلنا لأجل سيادتك (٢) وتقديمك على أبناء عصرك ، فإن سمعت ما نقوله لك لا يكون أكبر منك بين العربان. فقال : مهما تقولون فهو على الرأس والعين. ففرحت بذلك وقلت : تمت إرادة معلمي. وأعلمت المذكور بذلك فسرّ ، وقيدنا جميع ذلك بالدفتر وبتنا تلك الليلة مسرورين جدا.

__________________

(١) الصفحة ٢ / ٤٤ بياض ، أما الصفحات ١ / ٤٥ و٢ / ٤٥ و١ / ٤٦ فإنها الحقت بالصفحة ٢ / ٢٣ ، وفقا للإشارات التي وضعها الصائغ في المخطوطة.

(٢) «كبرتك».

١٢٠