غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

ومن وراءه يسلّم اثنتين ، فإن لم يكن عن شماله أحد سلّم واحدة» (١).

ورواية أبي بصير المتقدّمة.

ولم أجد للتفرقة بمؤخر العين وصفحة الوجه وجهاً ، ويمكن أن يقال : إنّ في موثّقة يونس بن يعقوب وموثّقة أبي بصير المتقدّمتين دلالة على ذلك مع ضربٍ من التوجيه فتدبر ، ورواية المفضل الاتية تثبت ما يقرب من عكس ذلك.

ونقل عن ابن الجنيد القول بأنّه لو كان داخل الصفّ سلّم عن جانبيه (٢) ، وربما كان في صحيحة عليّ بن جعفر السابقة تأييد له.

قال في الذكرى بعد نقلها : ويبعد أن تختصّ الرواية بهم مأمومين لا غير ، بل الظاهر الإطلاق ، وخصوصاً منهم الإمام عليه‌السلام ، ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للإمام والمنفرد أيضاً ، غير أنّ الأشهر الوحدة فيهما (٣).

وقال الفاضل المجلسي في شرح الفقيه : ولعلّه راهم خلف أبيه مأمومين (٤).

ويستحبّ للمأموم التسليم عن الجانبين إذا كان على يساره أحد ، وإلّا فعن يمينه على المشهور ، لصحيحتي عبد الحميد ومنصور المتقدّمتين ، ورواية أبي بصير المتقدّمة.

وصحيحة عنبسة بن مصعب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصف خلف الإمام وليس على يساره أحد ، كيف يسلّم؟ قال : «يسلّم واحدة عن يمينه» (٥).

وأما ما رواه زرارة ومحمّد بن مسلم وغيرهما في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «يسلّم تسليمة واحدة ، إماماً كان أو غيره» (٦) فحمل

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ح ١٣٠٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٤.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ٢٠٨.

(٣) الذكرى : ٢٠٨ وفيه : فيها ، بدل فيهما.

(٤) روضة المتّقين ٢ : ٣٥٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٨ أبواب التسليم ب ٢ ح ٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ح ١٣٠٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٥.

٨١

على الرخصة.

واكتفى ابن بابويه في استحباب التسليمتين بوجود الحائط من يسار المصلّي ، وكذا أبوه (١).

والمشهور أنه أيضاً يومئ بصفحة وجهه.

ثمّ إنّ الصدوق رحمه‌الله أيضاً أضاف إلى التسليمتين تسليمة أُخرى أولاً ردّاً على الإمام ، وقال أيضاً : إنّ الإمام يميل بعينه إلى اليمين ، والمنفرد بأنفه (٢).

وكلّ ما ذكره رحمه‌الله مذكور فيما رواه في العلل بإسناده عن المفضّل بن عمر ، إلّا أنّ المذكور فيها في حكاية الحائط قلت : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً؟ قال : «تكون واحدة ردّاً على الإمام ، وتكون عليه وعلى ملكيه ، وتكون الثانية على يمينه والملكين الموكّلين به ، وتكون الثالثة على من على يساره والملائكة الموكّلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلّم على يساره ، إلّا أن يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى المصلي معه خلف الإمام فيسلّم على يساره» (٣).

وهو مخالف لظاهر كلام الصدوق كما فهمه الأصحاب ، وحكموا بأنّه لا حجّة له ، ولعلّه ينبغي إرجاع كلامه رحمه‌الله إلى ظاهر الخبر ، لأنّ الظاهر من سياق كلامه رحمه‌الله هذا أنه أخذه من هذا الخبر ، وأما مخالفاته للمشهور فلا بدّ من التوجيه أو الطرح.

ويستحبّ القصد بالتسليم على الأنبياء والأئمّة والحفظة والمأمومين ، ويستفاد هذا من الأخبار ، كصحيحة المعراج ، قال : «ثمّ التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين ، فقيل : يا محمّد سلّم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأوحى الله إليه : أنا السلام ، والرحمة والبركات أنت وذريتك ، ثمّ أوحى

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢١٠ ، ونقله عنه وعن والده في الذكرى : ٢٠٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٠ ذ. ح ٩٤٤.

(٣) علل الشرائع : ٣٥٩ ب ٧٧ ح ١ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٥.

٨٢

وبركاته ، فأوحى الله إليه : أنا السلام ، والرحمة والبركات أنت وذريتك، ثمّ أوحى الله إليه أن لا يلتفت يساراً» (١) وهذا ينفي ما ذكره الشهيد في الذكرى في ذيل صحيحة عليّ بن جعفر.

وأما التسليم على المأمومين ، وردّ المأموم على الإمام ، وقصد الملائكة والحفظة أيضاً ؛ فكلّ هذا يظهر من رواية المفضّل أيضاً ، مضافاً إلى أنّ الأنبياء والرسل والملائكة المقرّبين وجبرئيل وميكائيل كلّهم مذكورون في أدعية التشهّد ، كما في موثّقة أبي بصير الطويلة (٢).

وقد يقال باستحباب قصد المسلمين من الجنّ والإنس (٣) ، ولا بُعد فيه ، سيّما في قوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ويستحبّ أيضاً أن يترجم الإمام للمأمومين بالسلامة والأمان من العذاب ، فروى في الفقيه مرسلاً عن الصادق عليه‌السلام : أن رجلاً سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن معنى قول الإمام السلام عليكم ، فقال : «إنّ الإمام يترجم عن الله عزوجل ويقول في ترجمته لأهل الجماعة : أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة» ؛ (٤) وفي رواية المفضّل بن عمر «إنّه يقول لمن خلفه : سلمتم وأمنتم من عذاب الله عزوجل» (٥).

وقيل : يجب أن يقصد المأموم بالأُولى الردّ على الإمام (٦) ، لقوله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٢ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ب ١ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٣ ، الوسائل ٤ : ٩٨٩ أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٣) القواعد ١ : ٢٧٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢١٠ ح ٩٤٥ ، الوسائل ٤ : ١٠١٣ أبواب التسليم ب ٤ ح ٤.

(٥) علل الشرائع : ٣٥٩ ب ٧٧ ح ١ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٥.

(٦) الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٨.

(٧) النساء : ٨٦.

٨٣

وفيه إشكال ، للعموم ، ولعدم الانصراف إلى ذلك ، لاشتراكه بين الشاهد والغائب ، وغرض الإيذان والتحليل.

وكذلك في ردّ أحد المأمومين على الأخر ، ولعلّ إلى بعض ما ذكر يرجع كلام الصدوق ، ولكن اتكاله (١) على النصّ كما ذكرنا.

الثالث : المعهود من حال السلف والأئمّة عليهم‌السلام أنّ النافلة كلها ركعتين ركعتين ولا يجوز الخروج عمّا ثبت توظيفه من الشارع مما يتوقّف توظيفه على الوصول منه للزوم التشريع ، وهو المشهور المعروف بين الأصحاب ، وتدلّ عليه أيضاً رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي النافلة ، هل يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يفصل بينهن؟ قال : «لا ، إلّا أن يسلّم بين كلّ ركعتين» (٢).

واستثنوا من ذلك مقامين ، الأوّل : نافلة الوتر ، فإن المستفاد من الأخبار المستفيضة أنّ الوتر اسم للثلاث الركعات (٣) ، فإن بنينا على ما هو المعروف من مذهب الأصحاب وهو الحقّ من لزوم الفصل ؛ فالمخالفة من جهة أنّ التسليم هنا ثبت في ركعة واحدة ، ولو بنينا على احتمال التخيير كما يميل إليه جماعة من متأخّري أصحابنا (٤) فالمخالفة من جهة وقوع السلام في الثالثة.

والحقّ في المسألة لزوم الفصل ، للصحاح المستفيضة ، ففي صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «الوتر ثلاث ركعات ، ثنتين مفصولة وواحدة» (٥).

__________________

(١) في «ص» : إشكاله.

(٢) قرب الإسناد : ٩٠ ، الوسائل ٣ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥.

(٤) كصاحب المدارك ٣ : ١٨.

(٥) التهذيب ٢ : ١٢٧ ح ٤٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٨ ح ١٣١١ ، الوسائل ٣ : ٤٧ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥ ح ١٠.

٨٤

وفي صحيحة سعد بن سعد ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الوتر أفصل أم وصل؟ قال : «فصل» (١).

وفي صحيحة معاوية بن عمّار قال ، قال لي : «اقرأ في الوتر في ثلاثتهن بقل هو الله أحد ، وسلم في الركعتين توقظ الراقد وتأمر بالصلاة» (٢) إلى غير ذلك من الصحاح وغيرها (٣).

وتدلّ على التخيير صحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسليم في ركعتي الوتر فقال : «إن شئت سلّمت ، وإن شئت لم تسلّم» (٤) ومثلها صحيحة معاوية بن عمار (٥).

وحملتا على التقية (٦) مع أنّهما وما يؤيّدهما من بعض الأخبار الضعيفة (٧) لا تقاوم الصحاح المستفيضة وغيرها مع اعتضادها بعمل الأصحاب والطريقة المستمرّة ، وقد يوجّه بتوجيهات أُخر بعيدة.

الثاني : صلاة الأعرابي ؛ ونسب استثناؤها إلى المشهور بين المتأخّرين ، وهي كالصبح والظهرين في الترتيب والتسليم ، ومستنده ما رواه الشيخ في المصباح عن زيد بن ثابت ، قال : أتى رجل من الأعراب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّا نكون في هذه البادية بعيداً من المدينة ، ولا نقدر أن نأتيك في كلّ جمعة ، فدلّني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي أخبرتهم به ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٨ ح ٤٩٢ ، الوسائل ٣ : ٤٧ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥ ح ١٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٨ ح ٤٨٨ ، الوسائل ٣ : ٤٦ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥ ح ٧.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٢٩ ح ٤٩٤ ، الوسائل ٣ : ٤٨ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥ ح ١٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٢٩ ح ٤٩٥ ، الوسائل ٣ : ٤٨ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥ ح ١٧.

(٦) التهذيب ٢ : ١٢٩.

(٧) التهذيب ٢ : ١٢٩ ح ٤٩٦ ، الوسائل ٣ : ٤٨ أبواب أعداد الفرائض ب ١٥ ح ١٨.

٨٥

«إذا كان ارتفاع النهار فصلّ ركعتين تقرأ في أوّل ركعة الحمد مرّة وقل أعوذ بربّ الفلق سبع مرّات ، واقرأ في الثانية الحمد مرّة وقل أعوذ بربّ الناس سبع مرّات ، ثمّ قم فصلّ ثماني ركعات بتسليمتين واقرأ في كلّ ركعة منها الحمد مرّة وإذا جاء نصر الله مرّة وقل هو الله أحد خمساً وعشرين مرّة ، فإذا فرغت من صلاتك فقل : سبحان الله ربّ العرش الكريم ، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم سبعين مرّة ، فوالذي اصطفاني بالنبوة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلّي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلّا وأنا ضامن له الجنة ، ولا يقوم من مقامه حتّى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما» (١) تمام الخبر.

وروى فيه بعض الصلوات الأُخر في يوم الجمعة ، والروايات فيها مطلقة بأربع ركعات ، ولا بد من توجيهها وحملها على المفصولة.

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٢٨١ ، الوسائل ٥ : ٥٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٣٩ ح ٣.

٨٦

المقصد العاشر

في التعقيب

وفيه مباحث :

الأوّل : قال في الصحاح : التعقيب في الصلاة ، الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة (١).

ونحوه قال ابن فارس (٢) ، وفي معناه قال في القاموس (٣) ، ويقرب من ذلك كلام ابن الأثير (٤) ، وبالجملة الظاهر منهم اعتبار الجلوس.

وقد نقل عن بعض الأصحاب أنه فسّره بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر أو ما أشبه ذلك (٥).

ولعلّ ما أشبهه القرآن ، والتفكّر في صنائع الله ، والتذكّر لآلائه ، والبكاء من

__________________

(١) الصحاح ١ : ١٨٦.

(٢) معجم مقاييس اللغة ٤ : ٨٢ ، المجمل ٣ : ٣٩٢.

(٣) القاموس المحيط ١ : ١١٠.

(٤) النهاية لابن الأثير ٣ : ٢٦٧.

(٥) حكاه في الحبل المتين : ٢٥٩ ، والذخيرة : ٢٩٥ ، والبحار ٨٢ : ٣١٤.

٨٧

خوف نقماته ، وغير ذلك ، ولعلّ ما ذكره رحمه‌الله هو الوجه.

وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) قال الصادق عليه‌السلام : «وهو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس» (١) وفي كلمة الفاء إشعار بعدم الفصل.

وفي صحيحة هشام بن سالم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أخرج في الحاجة وأُحبّ أن أكون معقّباً ، فقال : «إن كنت على وضوء فأنت معقّب» (٢).

وروى في الفقيه مرسلاً عن الصادق عليه‌السلام : «المؤمن معقّب ما دام على الوضوء» (٣).

واستحبابه إجماعيّ بين المسلمين ، والأخبار به متواترة ، فروى شهاب بن عبد ربّه وعبد الله بن سنان كلاهما في الصحيح ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد» يعني بالتعقيب : الدعاء بعقيب الصلوات (٤).

وروى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفّلاً ، وبذلك جرت السنّة» (٥).

ولا بدّ من حمله على غير الرواتب ، لأنّها أهمّ ، سيّما وما يفعل بعد الفريضة منها هو نافلة المغرب وفيها غاية التأكيد والتشديد ، بل وربما يقال بلزوم تقديمها على التعقيب كما سيجي‌ء.

وروى بزرج في المرسل عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من صلّى صلاة

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٧٧٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٦ ح ٩٦٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٠ ح ١٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ١٠٣٤ أبواب التعقيب ب ١٧ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٣٥٩ ح ١٥٧٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٣٤ أبواب التعقيب ب ١٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٤ ح ٣٩١ ، الوسائل ٤ : ١٠١٣ أبواب التعقيب ب ١ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٦ ح ٩٦٢ ، الوسائل ٤ : ١٠١٩ أبواب التعقيب ب ٥ ح ١.

٨٨

فريضة وعقّب إلى أُخرى فهو ضيف الله ، وحقّ على الله أن يكرم ضيفه» (١).

وأفضل التعقيبات تسبيح الزهراء صلوات الله عليها ، والأخبار في فضله في غاية الكثرة ، ففي صحيحة عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من سبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر له ، ويبدأ بالتكبير» (٢).

وروى أبو هارون المكفوف عنه عليه‌السلام ، قال : «يا أبا هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها‌السلام ، كما نأمرهم بالصلاة ، فالزمه ، فإنّه لم يلزمه عبد فشقي» (٣).

وروى عقبة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ما عبد الله بشي‌ء من التمجيد أفضل من تسبيح فاطمة عليها‌السلام ، ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام» (٤).

وروى أبو خالد القمّاط قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : «تسبيح فاطمة عليها‌السلام في كلّ يوم في دُبرِ كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم» (٥).

والمشهور في ترتيبه هو ما رواه محمّد بن عذافر في الصحيح على الظاهر ، فإن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤١ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠٣ ح ٣٨٨ ، المحاسن : ٥١ ب ٥٧ ح ٧٥ ، الوسائل ٤ : ١٠١٤ أبواب التعقيب ب ١ ح ٥ ، وبزرج هو منصور بن يونس.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٢ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢١٠ ح ٩٤٦ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ح ٣٩٥ ، ثواب الأعمال : ١٩٧ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٢١ أبواب التعقيب ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٣ ح ١٣ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ح ٣٩٧ ، أمالي الصدوق : ٤٦٤ ح ١٦ ، ثواب الأعمال : ١٩٥ ح ١ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٢ أبواب التعقيب ب ٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٣ ح ١٤ ، وفي التهذيب ٢ : ١٠٥ ح ٣٩٨ ، والوسائل ٤ : ١٠٢٤ أبواب التعقيب ب ٩ ح ١ الرواية عن صالح بن عقبة.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٣ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ح ٣٩٩ ، ثواب الأعمال : ١٩٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٤ أبواب التعقيب ب ٩ ح ٢.

٨٩

فيه عمرو بن عثمان ، ولعلّه الثقفي الثقة بقرينة رواية أحمد عنه (وكأنه البرقي) (١) قال : دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فسأله أبي عن تسبيح فاطمة عليها‌السلام ، فقال : «الله أكبر» حتّى أحصى أربعاً وثلاثين مرّة ، ثمّ قال : «الحمد الله» حتى بلغ سبعاً وستين مرّة ، ثمّ قال : «سبحان الله» حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة (٢).

وأبو بصير في القويّ عنه عليه‌السلام ، قال في تسبيح فاطمة عليها‌السلام : «تبدأ بالتكبير أربعاً وثلاثين ، ثمّ التحميد ثلاثاً وثلاثين ، ثمّ التسبيح ثلاثاً وثلاثين» (٣).

ورواية هشام بن سالم عنه عليه‌السلام ، قال : «تسبيح فاطمة الزهراء إذا أخذت مضجعك فكبّر الله أربعاً وثلاثين ، واحمده ثلاثاً وثلاثين» (٤) الحديث.

ونقل عن الصدوق القول بتقديم التسبيح على التحميد (٥) ، ويدلّ عليه ظاهر ما رواه في الفقيه مرسلاً ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم ، إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدة» (٦) الحديث.

وما رواه داود بن فرقد في الصحيح ، عن أخيه : أنّ شهاب بن عبد ربّه سأله أن يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام قال ، وقل له : إنّ امرأة تفزعني في المنام بالليل فقال ،

__________________

(١) في «ص» : كالبرقي.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٢ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ح ٤٠٠ ، المحاسن : ٣٦ ح ٣٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٤ أبواب التعقيب ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٢ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٦ ح ٤٠١ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٥ أبواب التعقيب ب ١٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٢ : ٣٩٠ ح ٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٩ أبواب التعقيب ب ١٢ ح ١٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٠ ، ونقله عنه في المدارك ٣ : ٤٥٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢١١ ح ٩٤٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٦ أبواب التعقيب ب ١١ ح ٢.

٩٠

قل له : «اجعل سباحاً ، فكبّر الله أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّح الله ثلاثاً وثلاثين ، واحمد الله ثلاثاً وثلاثين» (١).

وما رواه الشيخ في باب فضل شهر رمضان ، عن المفضّل بن عمر ، عنه عليه‌السلام : في جملة حديث طويل : «فإذا سلّمت في الركعتين سبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وهو الله أكبر أربعاً وثلاثين مرّة ، وسبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرّة ، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرّة ، فوالله لو كان شي‌ء أفضل منه لعلّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاها» (٢).

ويمكن أن يقال : الواو لا تدلّ على الترتيب ، فلا ينافي المشهور ، فالاعتماد على المشهور.

وقال بعض المتأخّرين : والتخيير مطلقاً وجه وجيه ، وأراد بالإطلاق حين النوم وما بعد الصلاة ، وغيرهما ، قال : وربّما يشعر به قول الصادق عليه‌السلام في الأخبار الماضية «وتبدأ بالتكبير» ، فإن سكوته عن ترتيب الأخيرين دليل على الخيار (٣).

ويدفع كلامه قويّة أبي بصير ، لمكان «ثم» بعد قوله عليه‌السلام تبدأ بالتكبير ، وكذا صحيحة ابن عذافر على الظاهر.

ويستحبّ أن يقول بعد تمامه «لا إله إلّا الله» مرّة ، فقد روى الكليني عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من سبّح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة مرّة وأتبعها بلا إله إلّا الله مرّة غفر له» (٤).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٩٠ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٨ أبواب التعقيب ب ١٢ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٦٦ ح ٢١٨ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٥ أبواب التعقيب ب ١٠ ح ٣.

(٣) البحار ٨٢ : ٣٤٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٢ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ح ٣٩٦ ، المحاسن : ٣٦ ح ٣٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٢١ أبواب التعقيب ب ٧ ح ٣.

٩١

ويظهر من بعض الأخبار أفضليّة الدعاء من القرآن ، بل ومن الصلاة أيضاً ، والظاهر عدم التفرقة في حال التعقيب وغيره.

والأخبار مذكورة في ذكر فضل الدعاء في الكافي والتهذيب ، ففي صحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام : إنه سأله عن رجلين قام أحدهما يصلّي حتّى أصبح ، والآخر جالس يدعو ، أيّهما أفضل؟ قال : «الدعاء أفضل» (١).

وفي صحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجلين افتتحا الصلاة في ساعة واحدة ، فتلا هذا القرآن ، فكانت تلاوته أكثر من دعائه ، ودعا هذا أكثر ، فكان دعاؤه أكثر من تلاوته ، ثمّ انصرفا في ساعة واحدة ، أيّهما أفضل؟ قال : «كلّ فيه فضل ، كلّ حسن» قلت : إنّي قد علمت أنّ كلّا حسن ، وأنّ كلّا فيه فضل ، فقال : «الدعاء أفضل ، أما سمعت قول الله عزوجل (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) (٢) هي والله العبادة ، هي والله أفضل ، هي والله أفضل ، أليست هي العبادة ، هي والله العبادة ، هي والله العبادة ، أليست هي أشدّهن ، هي والله أشدّهن ، هي والله أشدّهن» (٣).

ويستحبّ أن يبتدئ بثلاث تكبيرات رافعاً بها كفّيه حيال وجهه مستقبلاً بظهرهما وجهه وببطنهما القبلة ، واضعاً لهما في كلّ مرّة على فخذيه ، أو قريب منهما كما ذكروه.

وقال في المنتهي : أفضل ما يقال ما نقل عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو أنّه إذا سلّم كبّر ثلاثاً ، يرفع يديه إلى شحمتي أُذنيه قبل أن يثني رجليه (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٣١ ح ١٠٣٤ ، الوسائل : ١٠٢٠ أبواب التعقيب ب ٥ ح ٣.

(٢) غافر : ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٤ ح ٣٩٤ ، مستطرفات السرائر ٣ : ٥٥١ ، الوسائل ٤ : ١٠٢٠ أبواب التعقيب ب ٦ ح ١.

(٤) المنتهي ١ : ٣٠١.

٩٢

وروى ذلك ابن طاوس في فلاح السائل بروايتين (١) ، والذي تضمّنتاه هو رفع اليدين بالتكبير ثلاثاً بعد التسليم.

ويستحبّ أن يأتي بالموجبتين ، لحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «لا تنسوا الموجبتين» أو قال : «عليكم بالموجبتين في دبر كلّ صلاة» قلت : ما الموجبتان؟ قال : «يسأل الله الجنة ، ويعوذ بالله من النار» (٢).

وأن يقرأ كلّ يوم بعد صلاة الصبح خمسين أية من القرآن ، لصحيحة معمّر بن يحيى (٣).

وأما تفصيل التعقيبات والأذكار المأثورة عقيب الصلاة فهو ليس وظيفة هذا المختصر ، بل هو محمول على ما ألّفه أصحابنا رضوان الله عليهم في هذا النمط.

قيل : ويستحبّ أن يكون جلوسه في التعقيب كجلوسه في التشهّد ، متورّكاً ، مستقبل القبلة ، ملازماً لمصلّاه ، مستديماً طهارته ، متجنباً كلّ ما يبطل الصلاة أو ينقص ثوابها ، فقد روي «أنّ ما يضرّ بالصلاة يضرّ بالتعقيب» (٤).

وأقول : أكثر ما ذكره يظهر من بعض ما قدّمنا ذكره ومن غيره ، ولم أطّلع على ما ذكره من الرواية مسنداً.

نعم في مفتاح الفلاح لشيخنا البهائي رحمه‌الله روى أنّ ما يضرّ بالصلاة يضرّ بالتعقيب (٥).

وفي الذكرى : ورد أنّ المعقّب يكون على هيئة المتشهّد في الاستقبال والتورّك ،

__________________

(١) حكاه عن فلاح السائل في البحار ٨٦ : ٢٢ ح ٢٢ ، مستدرك الوسائل ٥ : ٥١ أبواب التعقيب ب ١٢ ح ٣ ، ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٣ ح ١٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٨ ح ٤٠٨ ، معاني الأخبار : ١٨٣ ، الوسائل ٤ : ١٠٣٩ أبواب التعقيب ب ٢٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٨ ح ٥٣٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٤٨ أبواب التعقيب ب ٢٥ ح ٢. وفيهما : معمّر بن خلّاد بدل معمّر بن يحيى.

(٤) الحبل المتين : ٢٥٩.

(٥) مفتاح الفلاح : ٦٦.

٩٣

وأن ما يضرّ بالصلاة يضرّ بالتعقيب (١) ، ويظهر من بعض الأخبار أنّه يستديم على قعوده كما كان في الصلاة (٢).

وحينئذٍ فهل ينسحب هذا الحكم في المغرب أيضاً ، أو تقدّم نافلته على التعقيب؟.

قال المفيد في المقنعة : إنّ الأولى القيام إلى نافلة المغرب عند الفراغ منها قبل التعقيب ، وتأخيره إلى أن يفرغ من النافلة (٣) ، واستدلّ له برواية أبي العلاء الخفاف ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، قال : «من صلّى المغرب ثمّ عقّب ولم يتكلّم حتّى يصلّي ركعتين كتبتا له في عليين ، فإن صلّى أربعاً كتبت له حجّة مبرورة» (٤) ولا دلالة لها على المطلوب كما لا يخفى.

وقال الشهيد في الذكرى : الأفضل المبادرة بها يعني نافلة المغرب قبل كلّ شي‌ء سوى التسبيح ، ونسب ذلك إلى المفيد أيضاً (٥) ، واستدلّ عليه بأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل كذلك ، فإنّه لما بُشّر بالحسن عليه‌السلام صلّى ركعتين بعد المغرب شكراً ، فلما بُشّر بالحسين عليه‌السلام صلّى ركعتين ولم يعقب حتّى فرغ منها (٦).

والخبر وإن كان ضعيفاً لكنه لا مانع من العمل به في مثل هذا المقام ، ولكن ظاهره يثبت التقديم على التسبيح أيضاً ، وهو معارض بالأخبار المعتبرة التي تتضمّن ذكر التسبيح قبل أن يثني رجليه ، والتخصيص به مشكل ، فيقتصر على غيره.

__________________

(١) الذكرى : ٢١٢.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ١٠٣٥ أبواب التعقيب ب ١٨.

(٣) المقنعة : ١١٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٣ ح ٦٦٤ ، التهذيب ٢ : ١١٣ ح ٤٢٢ ، ثواب الأعمال : ٦٩ ح ٢ ، أمالي الصدوق : ٤٦٩ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٥٧ أبواب التعقيب ب ٣٠ ح ٢.

(٥) الذكرى : ١٢٤ ، وانظر المقنعة : ١١٧.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٩ ح ١٣١٩ ، التهذيب ٢ : ١١٣ ح ٤٢٤ ، الوسائل ٣ : ٦٤ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٤ ح ٦.

٩٤

الثاني : تستحبّ سجدتا الشكر عقيب الصلاة شكراً على التوفيق لأدائها قال في التذكرة : إنه مذهب علمائنا خلافاً للجمهور (١).

ويدلّ على ذلك روايات كثيرة ، ففي صحيحة مرازم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم ، تتمّ بها صلاتك ، ويرضى بها ربّك ، وتعجب الملائكة منك ، وأنّ العبد إذا صلّى ثمّ سجد سجدة الشكر فتح الربّ تبارك وتعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة ، ويقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي ، أدّى فرضي ، وأتمّ عهدي ، ثمّ سجد لي شكراً على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ماذا له عندي؟ قال ، فتقول الملائكة : يا ربّنا رحمتك ، ثمّ يقول الربّ تبارك وتعالى : ثمّ ماذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا جنّتك ، ثم يقول الربّ تبارك وتعالى : ثمّ ماذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربّنا كفاية مهمه ، فيقول الله تبارك وتعالى : ثمّ ماذا؟ قال : فلا يبقى شي‌ء من الخير إلّا قالته الملائكة ، فيقول الله تبارك وتعالى : يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : ربّنا لأعلم لنا ، قال ، فيقول الله تبارك وتعالى : أشكر له كما شكر لي ، وأُقبل إليه بفضلي ، وأُريه وجهي» (٢). وفي التهذيب : «وأُريه رحمتي» (٣). والأخبار في هذا الباب كثيرة (٤).

بقي الكلام في محلّهما ، قيل : يستحبّ جعلهما خاتمة للتعقيب (٥) ، ويمكن أن يستدلّ عليه بما رواه الصدوق في الفقيه مرسلاً ، قال : كان أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام يسجد بعد ما يصلّي ، فلا يرفع رأسه حتّى يتعالى النهار (٦).

__________________

(١) التذكرة ٣ : ٢٢٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٠ ح ٩٧٨ ، التهذيب ٢ : ١١٠ ح ٤١٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٧١ أبواب سجدتي الشكر ب ١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١١٠ ح ٤١٥.

(٤) الوسائل ٤ : ١٠٧٠ أبواب سجدتي الشكر ب ١.

(٥) المدارك ٣ : ٤٢٤.

(٦) الفقيه ١ : ٢١٨ ح ٩٧٠ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٣ أبواب سجدتي الشكر ب ٢ ح ١.

٩٥

ويزيد ذلك ظهوراً في الدلالة ما رواه في العيون أنّ دار السندي بن شاهك التي كان الكاظم عليه‌السلام محبوساً فيها كانت قريبة من دار الرشيد ، وكان الرشيد إذا صعد سطح داره أشرف على الحبس ، فقال يوماً للربيع : يا ربيع ، ما ذلك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟ فقال له الربيع : ما ذاك بثوب ، وإنّما هو موسى بن جعفر عليه‌السلام ، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال (١).

وفي العيون أيضاً ، عن رجاء بن أبي الضحّاك ، عن الرضا عليه‌السلام أيضاً أنّه كان إذا صلّى الغداة ، فإذا سلّم جلس في مصلّاه يسبّح الله ويحمده ويكبّره ويهلّله ويصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى تطلع الشمس ، ثمّ يسجد سجدة يبقى فيها حتّى يتعالى النهار إلى أن قال وكان يسجد بعد الفراغ من تعقيب الظهر سجدة يقول فيها مائة مرّة شكراً لله ، ثم قال : وكان يسجد بعد تعقيب المغرب قبل النافلة وبعد تعقيب العشاء» (٢).

ويلائمه أنّ السجدتين مستحبتان عند تجدّد النعم ودفع النقم بالإجماع والأخبار (٣) ، ولا شكّ أنّ التوفيق للتعقيب أيضاً من عظائم النعم ، فإيقاع السجدتين عقيبه في محلّه.

والظاهر أنّ تقديمهما على التعقيب لا يخرج التعقيب عن كونه تعقيباً ، وأنّه لو ثبت استحباب التأخير لكان مستحبّاً آخر كما تقتضيه الإطلاقات في جانب التعقيب والسجدتين.

ويؤيّده ما ورد من تقديم السجدتين على نافلة المغرب مع ملاحظة ما عرفت من رجحان تقديم النافلة فيه على التعقيب.

ففي صحيحة سعدان بن مسلم ، عن جهم بن أبي جهم ، قال : رأيت أبا الحسن

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٩٥ ب ٧ ح ١٤.

(٢) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٨٠ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٤ أبواب سجدتي الشكر ب ٢ ح ٦.

(٣) الوسائل ٤ : ١٠٨٠ أبواب سجدتي الشكر ب ٧.

٩٦

موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب ، فقلت له : جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث فقال : ورأيتني؟! فقلت : نعم ، قال : «فلا تدعها ، فإنّ الدعاء فيها مستجاب» (١).

وفي الاحتجاج عن الحميري ، عن صاحب الزمان عليه‌السلام : أنّه كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر في صلاة المغرب بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب عليه‌السلام : «إنّ فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل ، والسجدة دعاء وتسبيح ، فالأفضل أن تكون بعد الفرض ، فإن جعلت بعد النوافل أيضاً جاز» (٢).

وفي توقيعات صاحب الأمر عليه‌السلام أنها بعد الفريضة أفضل (٣).

وقد مرّت رواية رجاء أيضاً.

وأما صحيحة حفص الجوهري ، قال : صلّى بنا أبو الحسن عليّ بن محمّد عليه‌السلام صلاة المغرب فسجد سجدتا الشكر بعد السابعة ، فقلت له : كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة فقال : «ما كان أحد من آبائي يسجد إلّا بعد السبعة» (٤) فحملها الشيخ في الاستبصار على التقيّة (٥). قيل : ويشعر به قول الكاظم عليه‌السلام في الخبر الأوّل «ورأيتني» (٦).

أقول : ويشكل ذلك مع ثبوتها عقيب السابعة أيضاً ، والكلّ حسن إن شاء الله تعالى ، ولعلّ التقديم يكون أولى سيّما مع ملاحظة تأخير التعقيب يشعر بذلك

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢١٧ ح ٩٦٧ ، التهذيب ٢ : ١١٤ ح ٤٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ح ١٣٠٩ ، وفي الوسائل ٤ : ١٠٥٨ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ٢ جهم بن أبي جهيمة.

(٢) الاحتجاج : ٤٨٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٥٨ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ٣.

(٣) الاحتجاج : ٤٨٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١١٤ ح ٤٢٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٥٨ أبواب التعقيب ب ٣١ ح ١.

(٥) الإستبصار ١ : ٣٤٧.

(٦) الحدائق ٦ : ٦٠.

٩٧

ملاحظة مجموع الأخبار ، ولعلّ الاحتياط في التكرار.

وهذا الذي ذكرنا من الأولوية والظهور هو في صلاة المغرب ، وإلّا فباقي الصلوات لعلّه يكون جعلهما خاتمة في تعقيباتها أولى لما ذكرنا.

ثمّ إنّ ما يظهر من الإطلاقات في الصلاة وعموم النعمة التي تستحبّ السجدتان لها اطّراد الحكم في جميع الصلوات ؛ واجبة ومندوبة.

ويستحبّ أن يطوّلهما ما استطاع ، وتدلّ عليه المرسلة المتقدّمة (١).

ويفترش ذراعيه فيهما ويلصق صدره وبطنه بالأرض ، ويدلّ عليه ما رواه الكليني في الحسن ، عن جعفر بن عليّ ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه على الأرض ، وألصق جؤجؤه بالأرض في دعائه (٢).

وروى أيضاً ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان ، قال : رأيت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه بالأرض ، فسألته عن ذلك ، قال : «كذا نحب أو يجب» (٣). ويستحبّ التعفير بينهما بالجبينين والخدّين ، وبذلك يتحقّق تعدد السجود.

ويدعو بالأدعية المأثورة ، ففي حسنة عبد الله بن جندب لإبراهيم بن هاشم قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عمّا أقول في سجدة الشكر ، فقد اختلف أصحابنا فيه ، فقال : «قل وأنت ساجد : اللهم إني أُشهدك ، وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت الله ربي ، والإسلام ديني ، ومحمّد نبيي ، وفلان وفلان إلى آخرهم أئمّتي ، بهم أتولّى ومن أعدائهم أتبرّأ ، اللهم إنّي أَنشدك دم المظلوم ثلاثاً ، اللهم إنّي أَنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم

__________________

(١) ص ٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٤ ح ١٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١١ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٦ أبواب سجدتي الشكر ب ٤ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٤ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٢ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٦ أبواب سجدتي الشكر ب ٤ ح ٢.

٩٨

بأيدينا وأيدي المؤمنين ، اللهم إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوّهم أن تصلّي على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمّد ؛ ثلاثاً ، اللهم إنّي أسألك اليسر بعد العسر ؛ ثلاثاً ، ثمّ ضع خدك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق عليّ الأرض بما رحبت ، يا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنياً ، صلّ على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمّد ، ثلاثاً ، ثمّ ضع خدك الأيسر على الأرض وتقول : يا مذلّ كلّ جبار ويا معزّ كلّ ذليل قد وعزّتك بلغ مجهودي ثلاثاً ، ثمّ تقول : يا حنّان يا منّان يا كاشف الكرب العظام ثلاثاً ، ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة : شكراً شكراً ، ثمّ تسأل حاجتك إن شاء الله» (١).

وفي الفقيه بعد محمّد نبيّي : «وعليّ إمامي والحسن والحسين وعليّ بن الحسين واحداً بعد واحد مع اسم آبائهم إلى قوله والحجّة بن الحسن بن عليّ أئمّتي».

والذي يدلّ على تعفير الخدّ من الأخبار كثير.

وأمّا الجبينين فلم أقف عليه بالخصوص ، ويدلّ عليه عموم قوله عليه‌السلام : «علامات المؤمن خمسة» (٢) وعدّ منها التعفير بالجبين ، ولعلّه مرّ سابقاً.

قال في الذكرى : وروى الأصحاب أنّ أدنى ما يجزي فيه يقول : شكراً لله ثلاثاً (٣). وفي رواية المروزي أنه يقول مائة مرّة : شكراً شكراً ، وإن شئت عفواً عفواً (٤).

وفي وجوب السجود على الأعضاء السبعة إشكال ، وقطع في الذكرى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٥ ح ١٧ ، الفقيه ١ : ٢١٧ ح ٩٦٦ ، التهذيب ٢ : ١١٠ ح ٤١٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٨ أبواب سجدتي الشكر ب ٦ ح ١ بتفاوت.

(٢) التهذيب ٦ : ٥٢ ح ١٢٢ ، مصباح المتهجّد : ٧٣٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٣ أبواب المزار وما يناسبه ب ٥٦ ح ١.

(٣) الذكرى : ٢١٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٦ ح ١٨ ، وص ٣٤٤ ح ٢٠ ، الفقيه ١ : ٢١٨ ح ٩٦٩ ، التهذيب ٢ : ١١١ ح ٤١٧ ، عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٢٨٠ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٩ أبواب سجدتي الشكر ب ٦ ح ٢.

٩٩

باشتراطه ، معلّلاً بأن مسمّى السجود يتحقّق بذلك (١).

وأما اشتراط وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه فلم نقف على ما يدلّ عليه ، والأصل عدمه.

وقال في الذكرى : ليس في سجود الشكر تكبيرة الافتتاح ، ولا تكبيرة السجود ، ولا رفع اليدين ، ولا تشهّد ، ولا تسليم (٢) ، وعن الشيخ في المبسوط استحباب التكبير لرفع رأسه من السجود (٣).

__________________

(١) الذكرى : ٢١٣.

(٢) الذكرى : ٢١٣.

(٣) المبسوط ١ : ١١١.

١٠٠