غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

بهذا الدعاء (١).

ولا يحضرني الان من كتب الأخبار ما اشتمل عليه ، وما يحضرنا من التهذيب والكافي ففيه «إن كان واقفاً مستضعفاً» (٢) ولعلّ المراد من الواقف المتوقّف عن اختيار دين.

ويمكن أن يؤيّد ما ذكره في روض الجنان بذكر المستضعف في مقابل المؤمن في الرواية ، وبما ورد في حسنة الحلبي حيث قال عليه‌السلام وإن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة منك ، لأعلى وجه الولاية (٣).

وفي رواية أُخرى عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «الترحّم على جهتين : جهة الولاية ، وجهة الشفاعة» (٤) فإنّ الظاهر أنّ المراد بالولاية هي مودّة أهل البيت المشار إليها في القرآن ، والظاهر أنّ المراد من قوله عليه‌السلام : «إن كان المستضعف منك بسبيل» إن كان له عليك حقّ ، يعني : إن كان كذلك فاستغفر له ، وإلّا فقل له الدعاء المذكور.

وكيف كان فمن يقول بالحقّ ويعتقده من دون معرفة الأدلّة التفصيلية كأكثر عوام أهل العصر فلا يندرجون في المستضعف ، بل يعامل معهم معاملة المؤمنين.

وإن كان الميت مجهول الحال كالغريب فتقول في دعائه ما ورد في حسنة الحلبي : «اللهم إن كان يحبّ الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه» (٥) أو غير ذلك مما ورد في الأخبار مثل ما في صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم : «اللهم إنّ هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتّها ، اللهم ولها ما تولّت ، واحشرها مع من أحبّت» (٦).

__________________

(١) روض الجنان : ٣٠٧ ، الذكرى : ٥٩.

(٢) الكافي ٣ : ١٨٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٦ ح ٤٥٠. وكذا الوسائل ٢ : ٧٦٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٥ ح ٤٩١ ، الوسائل ٢ : ٧٦٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٧ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٧٦٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٥.

(٥) المتقدّمة في ه ٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٠٥ ح ٤٨٩ ، الوسائل ٢ : ٧٦٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ١.

٤٨١

والظاهر أنّه يكفي في إيمانه معرفة بلده الذي يعلم إيمان أهلها أجمع ، بل أغلبهم أيضاً على وجه.

وإذا كان الميّت طفلاً فتقول في دعائه ما ورد في رواية زيد بن عليّ ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن عليّ عليه‌السلام اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطاً وأجراً (١).

وقال المفيد رحمه‌الله تقول : اللهم هذا الطفل كما خلقته قادراً وقبضته ظاهراً فاجعله لأبويه نوراً ، وارزقنا أجره ، ولا تفتنّا بعده (٢).

وفي الشرائع : سأل الله أن يجعله مصلحاً لحال أبيه شافعاً فيه (٣).

والمراد بالطفل هنا مَن دون البلوغ وإن وجبت الصلاة عليه.

وإنّما يدعو لأبويه مع علمه بإيمانهما أو جهله بحالهما ، ومع العلم بالكفر كالمسبيّ إذا قلنا بتبعيته في الإسلام لم يصحّ الدعاء بذلك.

ولو كان أحدهما مسلماً خصّ الدعاء به.

الرابع : يجب فيها النيّة والقيام إجماعاً ، وقد عرفت كونهما ركناً لها.

ويدلّ على وجوب النية كلما دلّ على وجوبها في سائر العبادات.

وقد عرفت حقيقتها أيضاً أنها القصد إلى الفعل المعيّن تقرّباً إلى الله ، فالعُمدة تميّز الفعل بنية التقرّب.

والكلام في قصد الوجه ما مرّ من عدم الاحتياج إلّا مع توقّف التميّز عليه ، ولا يحتاج إلى تعيين الكفائية ، لعدم توقّفه عليه.

ويجب تعيين الميّت ولو بالإشارة ، واحداً كان أو أكثر ، ولا تجب معرفته ، بل

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٥ ح ٤٤٩ ، الوسائل ٢ : ٧٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٢ ح ١.

(٢) المقنعة : ٢٢٩.

(٣) الشرائع ١ : ٩٧.

٤٨٢

تكفي نيّة منويّ الإمام كما صرّح به في الذكرى ، قال : فلو عيّن وأخطأ فالأقرب البطلان ، لخلوّ الواقع عن نيّة (١).

قال في روض الجنان : ويتوجّه ذلك مع عدم ضمّ الإشارة إلى التعيين بأن قصد الصلاة على فلان ، أما لو قصدها على هذا فلان قوى تغليب الإشارة (٢).

أقول : تغليب الإشارة على العبارة إنّما يصح في المعاملات ، كقوله : «بعتك هذا الفرس» مشيراً إلى حمار ، نظراً إلى أنّ الغلط في الإشارة أبعد منه في العبارة ، فيؤخذ اللافظ بها على مقتضاها ، وذلك لأنّها من أحكام الوضع.

وأما العبادات التي تحتاج إلى النيّة ويلاحظ فيها نفس الأمر ؛ فالمعتبر هو ما قصده المكلّف في نفس الأمر ، نعم يصحّ لو كان التلفّظ بزيد مثلاً بعد هذا خطأ من اللسان ، وهذا مع أنّه لا يجري إلّا مع التلفّظ بالنيّة ، وأنّه لغو لا عبرة به ، فيه : أنّه ليس من باب ترجيح الإشارة على العبارة ، بل هو مبنيّ على عدم العبرة بسهو اللسان فيما لا يحتاج إليه.

نعم لو قصد المصلّي الصلاة على الحاضر وظنّه زيداً وقصد الصلاة على الحاضر مع احتمال كونه غير زيد فتصحّ الصلاة حينئذٍ ، وهو أيضاً ليس من باب تغليب الإشارة.

وتجب في النيّة الاستدامة الحكميّة ، وقصد الاقتداء في المأموم كما مرّ في اليومية.

وأما القيام فلا ريب في وجوبه أيضاً مع القدرة ، ومع العجز يأتي بالممكن كاليومية.

ولو وجد المتمكّن منه ففي إجزاء صلاة العاجز عنه إشكال ، تردّد فيه في الذكرى (٣) ، من صدق الصلاة ، ومن نقصها وإمكان الكاملة ، والأظهر الإجزاء.

__________________

(١) الذكرى : ٥٨.

(٢) روض الجنان : ٣٠٧.

(٣) الذكرى : ٥٨.

٤٨٣

وكذلك يجب الاستقبال بالإجماع والتأسّي بالشارع ، وعمل المسلمين ، وتنبيه الأخبار الكثيرة مثل ما ورد في الصلاة على الجنائز المتعدّدة وغيرها (١).

وفي لزوم الساتر قولان (٢) ، أجودهما العدم ، للأصل.

واحتجّ الموجب (٣) بأنّها صلاة.

وفيه : أنّها مجاز فيها ، لتبادر الغير ، والاستعمال أعمّ من الحقيقة ، ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٤) «وإلّا بفاتحة الكتاب» (٥).

وقول الصادق عليه‌السلام في موثّقة يونس بن يعقوب عن الجنازة أُصلّي عليها على غير وضوء؟ فقال : «نعم ، إنّما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل ، كما تكبّر وتسبّح في بيتك على غير وضوء» (٦) ونحو ذلك من الأخبار (٧).

وأما حسنة محمّد بن مسلم أو زرارة ، قال : «الصلاة على الميّت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء» قلت : فالنجاشي لم يصلّ عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : «لا ، إنّما دعا له» (٨) فمحمولة على أنّه لم يدع له الدعاء المعهود الذي هو صلاة الميت ، بل دعا له بمطلق الدعاء.

وكذلك كلّ ما يشترط في اليومية فعله أو تركه يظهر الكلام فيه من جهة إلحاقها

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٨٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢.

(٢) قال باللزوم في الذكرى : ٥٨ ، وبالعدم العلامة في التذكرة ٢ : ٤٦٢.

(٣) الذكرى : ٥٨.

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ١٨٤ ح ٥٤ ، وص ٢٠٩ ح ١٣١ ، وج ٣ : ٨ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٢ ح ٦٧ ، التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ١٩٦ ح ٢ ، وج ٢ : ٢١٨ ح ١٣ ، وج ٣ : ٨٢ ح ٦٥ ، مستدرك الوسائل ١ : ٢٧٤ أبواب القراءة ب ١ ح ٦.

(٦) الكافي ٣ : ١٧٨ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ح ٤٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ح ٤٧٥ ، الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٣.

(٧) الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٠٢ ح ٤٧٣ ، الاستبصار ١ : ٤٨٣ ح ١٨٧٣ ، الوسائل ٢ : ٧٩٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٥.

٤٨٤

باليومية وعدمه مما ذكرنا عدا ما ثبت بدليل خاصّ.

ولو سلّم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها فلا تنصرف الأخبار الواردة في أحكام الصلاة إلّا إلى ذات الركوع والسجود.

ومما مرّ يظهر عدم اشتراطها بالطهارة عن الحدث والخبث مع أنّ الأوّل إجماعيّ ، وتدلّ عليه الأخبار المعتبرة الكثيرة أيضاً (١).

وأما الثاني ، فإنه وإن قال في الذكرى : إنّه لم نقف فيه على نصّ ولا فتوى من الأصحاب ، واستشكله هو (٢) ومن تأخّر عنه ، إلّا أنّ الأصل عدم الاشتراط ، وتنبّه عليه حسنة محمّد بن مسلم (٣). ومرسلة حريز (٤) وغيرهما عن الأخبار (٥) المجوّزة لصلاة الحائض عليه ، مع عدم انفكاكها غالباً عن النجاسة.

نعم يستحبّ أن يكون متطهّراً ، لرواية عبد الحميد بن سعد (٦) وغيرها (٧) ، مضافاً إلى أنّه دعاء وشفاعة للميّت ، فاستحبّ في فاعلها كونه على أكمل الأحوال وأفضلها. ويجوز التيمّم لها مع وجود الماء كما مرّ.

ولا تجب القراءة والتسليم فيها بإجماعنا ، وظاهرهم في التسليم عدم رجحانه ، بل عدم جوازه ، إلّا ابن الجنيد فإنّه جوّزه للإمام (٨) ، والأخبار ناطقة بنفيه فيها (٩) ،

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٧٩٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١.

(٢) الذكرى : ٦١.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٩ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ح ٤٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ح ٤٧٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٩ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ح ٤٨٠ ، الوسائل ٢ : ٨٠٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ٢.

(٥) الوسائل ٢ : ٨٠٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢.

(٦) الكافي ٣ : ١٧٨ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ح ٤٧٦ ، الوسائل ٢ : ٧٩٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٢.

(٧) الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١.

(٨) نقله عنه في المختلف ٢ : ٢٩٨ ، والذكرى : ٦٠.

(٩) الوسائل ٢ : ٧٨٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٩.

٤٨٥

وما ورد من ثبوته فيها (١) محمول على التقيّة.

وأما القراءة فالحكم بعدم مشروعيّتها محلّ إشكال ، بل استشكل في الذكرى كراهتها أيضاً (٢) ، ونقل الكراهة عن الشيخ في الخلاف ، ونقل عنه الإجماع (٣) ، واستشكل فيه بأنا لم نَرَ أحداً ذكر الكراهة فضلاً عن الإجماع عليها.

الخامس : يجب جعل رأس الجنازة إلى يمين المصلّي في غير المأموم ، وأن يكون مستلقياً لعمل المسلمين في الأعصار والأمصار ، متأسياً بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، ولموثّقة عمّار الدالّة على وجوب إعادة الصلاة إذا صلّى عليه ورجلاه إلى يمينه (٤).

هذا إذا أمكن ، وإلّا فيسقط كما في المصلوب الذي يتعذّر إنزاله فيصلّى عليه كما هو.

وفي رواية أبي هاشم الجعفري تفصيل للصلاة على المصلوب (٥) جنح في الذكرى إلى العمل به (٦) ، ونقل عن المختلف نفي البأس عن العمل بها (٧) ، والراوية مذكورة في الكافي والتهذيب والعيون (٨).

ويجب أن يكون الميّت إمام المصلّي بغير تباعد فاحش لا يصدق في العرف معه

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٧٦٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٦ ، ١٠ ، ١١.

(٢) الذكرى : ٦٠.

(٣) الخلاف ١ : ٧٢٣ مسألة ٥٤٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٤ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠١ ح ٤٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ ح ١٨٧٠ ، الوسائل ٢ : ٧٩٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٩ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ ح ١٠٢١ ، عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٢٥٥ ح ٨ ، الوسائل ٢ : ٨١٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٥ ح ١.

(٦) الذكرى : ٦١.

(٧) المختلف ٢ : ٣٠٣.

(٨) الذكرى : ٦١.

٤٨٦

أنّه يصلّي عليه ، إلّا أنّ يكون التباعد بسبب المصلّين ، قال في الذكرى : ولا يجوز التباعد بمائتي ذراع ، ولو كان خلف المصلّي لم يصحّ عندنا.

السادس : يستحبّ وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة لحسنة عبد الله بن المغيرة (١).

وفي رواية جابر : «يقوم من الرجل بحيال السرة ، ومن النساء دون ذلك من قبل الصدر» (٢).

وفي رواية موسى بن بكر : «عند رأسها وصدره» (٣) وعمل بها في الاستبصار (٤) ، ولا بأس بالعمل بأيّهما.

وعن الخلاف : يقوم عند رأس الرجل وصدر المرأة (٥) ، ولم نقف على مستنده.

ولو اجتمعا وأراد الصلاة عليهما جعل الرجل مما يلي الإمام ، والمرأة قدّامه إلى القبلة محاذياً صدرها لوسطه ، ليدرك الفضل فيهما.

وهذا الترتيب مما اتفقت عليه كلمتهم وأخبارهم الصحيحة وغيرها (٦) ، وحمل الأخبار على الاستحباب لإجماعهم على عدم الوجوب ودلالة صحيحة هشام بن سالم على جواز العكس (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٦ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٩٠ ح ٤٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ ح ١٨١٨ ، الوسائل ٢ : ٨٠٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٠ ح ٤٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧١ ح ١٨١٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٠ ح ٤٣٢ ، وص ٣١٩ ح ٩٨٩ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ ح ١٨١٧ ، الوسائل ٢ : ٨٠٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٧ ح ٢.

(٤) الاستبصار ١ : ٤٧٠.

(٥) الخلاف ١ : ٧٣١ مسألة ٥٦٢.

(٦) الوسائل ٢ : ٨٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢.

(٧) التهذيب ٣ : ٣٢٤ ح ١٠٠٩ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ ح ١٨٢٨ ، وفي الفقيه ١ : ١٠٦ ح ٤٩٣ إلّا أنّ فيه : وتقدّم المرأة ويؤخّر الرجل ، الوسائل ٢ : ٨١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٦.

٤٨٧

واختلفت كلماتهم في الصبي ، فذهب الصدوقان إلى جعله وراء المرأة مما يلي الإمام (١) ، لرواية ابن بكير (٢) ، وأطلق الشيخ في النهاية تقديمه عليها إلى القبلة (٣).

وتدلّ عليه رواية طلحة بن زيد (٤).

وفصّل في الخلاف والمبسوط فجعل من تجب عليه الصلاة وراء المرأة مما يلي الإمام ، ومن لا تجب عليه قدّامها (٥) ، واختاره المحقّق (٦) وغيره (٧).

وادّعى في الخلاف الإجماع على ذلك ، واستند بأنّ الحسنين عليهما‌السلام وجماعة صلّوا على أُمّ كلثوم أُختهما وابنها زيد ، جاعلا جنازته مما يلي الإمام ، والمرأة وراءه ، وقالوا : «هذا هو السنة» (٨).

ويظهر من ذلك أنّ الشيخ ظهر له أنّ الابن كان له ستّ سنين ، ولا يبعد ترجيح التفصيل ، لأنّ دليل القولين السابقين مطلق.

ومما ذكر يظهر حال ما لو اجتمعت الأصناف الثلاثة وأراد الصلاة عليهم دفعة.

ويستفاد من رواية طلحة (٩) ومن فتوى الأصحاب تقديم الحرّ إلى ما يلي الإمام على العبد أيضاً.

__________________

(١) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٦.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٣٢٣ ح ١٠٠٧ ، الاستبصار ١ : ٤٧٢ ح ١٨٢٤ ، الوسائل ٢ : ٨٠٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٣.

(٣) النهاية : ١٤٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٥ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٦ ح ٤٩٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٢ ح ١٠٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤٧١ ح ١٨٢١ ، الوسائل ٢ : ٨٠٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٥.

(٥) الخلاف ١ : ٧٢٢ مسألة ٥٤١ ، المبسوط ١ : ١٨٤.

(٦) المعتبر ٢ : ٣٥٤.

(٧) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٠٩.

(٨) الخلاف ١ : ٧٢٢ مسألة ٥٤١ ، الوسائل ٢ : ٨١١ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ١١.

(٩) الكافي ٣ : ١٧٥ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٦ ح ٤٩٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٢ ح ١٠٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤٧١ ح ١٨٢١ ، الوسائل ٢ : ٨٠٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٥.

٤٨٨

بل يظهر من تنبيه الأخبار (١) وبعض كلماتهم تقديم الأشرف إلى ما يلي الإمام ، فقال في الذكرى : يستحبّ أن يلي الرجل الإمام ثمّ الصبي لستّ ، ثمّ العبد ، ثمّ الخنثى ، ثمّ المرأة ، ثمّ الطفل لدون ستّ ، ثمّ الطفلة (٢) ، انتهى.

وفي بعض الروايات كرواية عبيد الله الحلبي (٣) ورواية سماعة (٤) تقديم الرجل على المرأة إلى القبلة ، وهي محمولة على بيان الجواز ، إذ الظاهر أنّه لا خلاف في عدم وجوب الترتيب كما يظهر من المنتهي (٥).

ثمّ إنّ رواية طلحة بن زيد وإن لم تدلّ إلّا على تقديم الحرّ على العبد ، ولكن يمكن أن يستفاد منها تقديم الحرّة على الأمة.

وأما الحرّة والعبد فقال في الذكرى : يعارض فيه فحوى الرجل والمرأة والحرّ والعبد ، ولكن الأشهر تغليب جانب الذكورية (٦).

ثمّ يستحبّ التدريج في وضع الموتى إذا اجتمعوا ، فإذا اجتمع الرجال يجعل رأس الثاني إلى إلية الأوّل وهكذا ، ثمّ يقوم الإمام في الوسط.

ولو كان معهم نساء جعل رأس المرأة الأُولى إلى إلية الرجل الأخير ثمّ الثانية إلى الأولى وهكذا ، ثم يقوم وسط الرجال ويصلّي عليهم صلاة واحدة ، وهذا مضمون موثّقة عمّار (٧)

قال في الذكرى : لا فرق في التدريج إذا كان المجتمعون صنفاً واحداً بين الصفّ ؛ الرجال والنساء والأحرار والعبيد والإماء والأطفال ، والظاهر أنّه

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٨٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢.

(٢) الذكرى : ٦٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٢٣ ح ١٠٠٨ ، الاستبصار ١ : ٤٧٢ ح ١٨٢٥ ، الوسائل ٢ : ٨١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ١٩١ ح ٤٣٥ ، الوسائل ٢ : ٨١٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٨.

(٥) المنتهي ١ : ٤٥٦.

(٦) الذكرى : ٦٣.

(٧) الكافي ٣ : ١٧٤ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٨٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٢.

٤٨٩

يجعلهم صفّين كتراصّ البناء لئلّا يلزم الانحراف عن القبلة ، وإن كان ظاهر الرواية أنّه صفّ واحد ، هذا كلامه (١) وفيه موضع تأمّل.

ثمّ إنّه قد ظهر لك مما ذكرنا جواز الصلاة الواحدة على جماعة كثيرة ، والأقوال والأخبار (٢) متطابقة عليه ، ولا إشكال فيه مع اتّحاد الموتى في وجه الصلاة.

أما لو اختلفوا كالطفل ما دون الستّ والرجل مثلاً ، فيشكل من حيث اجتماع المتضادّين ، سيّما مع اشتراط قصد الوجه ، وقد اضطرب كلام أصحابنا في توجيهه ، ولا يرجع شي‌ء منها إلى محصّل ، حيث يقولون بأنّ تعدّد الجهة غير مجدٍ في إمكان اجتماع المتضادّين في الواحد الشخصيّ ، وقد ذكرنا بطلان التوجيهات في كتاب مناهج الأحكام في مبحث تداخل الأغسال ، وأشرنا إليه في هذا الكتاب أيضاً.

والمناص هو القول بعدم استحالة الاجتماع كما حقّقناه في القوانين (٣).

نعم يمكن القول بإمكان إسقاط الفعل الواجب للندب ، كما يسقط غسل الجنابة غسل الجمعة ، بأن يقال : يحصل ثواب الندب له حينئذٍ ، ولكن أين ذلك مما نحن فيه ، فإنّ ما نحن فيه هو قصد الجمع في نيّة واحدة ، لا الإتيان بالواحد ليسقط عن غيره.

ويستحبّ رفع اليدين في التكبير الأوّل إجماعاً ، واختلفوا في البواقي ، فنسب في الذكرى والمدارك المنع إلى الأكثر (٤) ، لرواية غياث بن إبراهيم (٥) ، ورواية إسماعيل بن إسحاق بن أبان الورّاق (٦).

__________________

(١) الذكرى : ٦٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٨٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢.

(٣) القوانين : ١٤٠.

(٤) الذكرى : ٦٣ ، المدارك ٤ : ١٧٨.

(٥) التهذيب ٣ : ١٩٤ ح ٤٤٣ ، الاستبصار ١ : ٤٧٩ ح ١٨٥٤ ، الوسائل ٢ : ٧٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٤.

(٦) التهذيب ٣ : ١٩٤ ح ٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ح ١٨٥٣ ، الوسائل ٢ : ٧٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٥.

٤٩٠

وذهب الشيخ في كتابي الأخبار (١) والمحقّق (٢) والعلامة في الإرشاد والتحرير (٣) والمحقّق الأردبيلي (٤) وصاحب المدارك (٥) وصاحب الكفاية (٦) وهو ظاهر المسالك (٧) إلى استحبابه في الجميع ، لصحيحة عبد الرحمن العرزمي (٨) ، ورواية يونس (٩) ، ورواية اخرى رواها الشيخ في كتاب الرجال (١٠) ، حملاً للروايتين السابقتين على التقيّة ، أو على بيان الجواز.

وقال الشهيد في الذكرى في آخر الكلام : وبالجملة الخروج عن جمهور الأصحاب بخبر الواحد فيه ما فيه (١١).

أقول : وإن كان الترجيح لا يخلو عن إشكال ، لكن الأقرب ترجيح الاستحباب.

ويستحبّ نزع النعلين ، بل الحفاء أيضاً ، لكونه موضع الاتّعاظ فناسب التذلّل ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٥٦.

(٣) إرشاد الأذهان ١ : ٢٦٢ ، التحرير ١ : ١٩.

(٤) مجمع الفائدة ٢ : ٤٤٩.

(٥) المدارك ٤ : ١٧٩.

(٦) كفاية الأحكام : ٢٢.

(٧) المسالك ١ : ٢٦٧.

(٨) التهذيب ٣ : ١٩٤ ح ٤٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ح ١٨٥١ ، الوسائل ٢ : ٧٨٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ١.

(٩) الكافي ٣ : ١٨٤ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩٥ ح ٤٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ح ١٨٥٢ ، الوسائل ٢ : ٧٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٣.

(١٠) قال في الوسائل ٢ : ٧٨٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٠ ح ٢ محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن سعيد بن عقدة في كتاب الرجال ، قال ، : حدّثني أحمد بن عمر بن محمّد بن الحسن ، قال حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله بن خالد مولى بني الصيداء أنّه صلّى خلف جعفر بن محمّد عليه‌السلام على جنازة فرآه يرفع يديه في كلّ تكبيرة. أقول : كتاب الرجال لابن عقدة ، فتوهّم المصنّف أنّه رجال الشيخ (وانظر معجم رجال الحديث رقم ٨٦٨ ، والمختلف ٢ : ٢٩٤) والرواية في التهذيب ٣ : ١٩٥ ح ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٤٧٨ ح ١٨٥٠.

(١١) الذكرى : ٦٣.

٤٩١

ولقوله عليه‌السلام من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النار (١) وتكره الصلاة معها.

ولا كراهة مع الخفّ ، لرواية سيف بن عميرة ، عن الصادق عليه‌السلام : «لا يصلّى على جنازة بحذاء ، ولا بأس بالخفّ» (٢).

ولو لا انضمام نفي البأس إلى الخفّ لقلنا باستفادة الحفاء من الرواية أيضاً ، ومعه فيمكن أن يكون المقصود فيه المنع عن الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولم يكن له ساق ، بأن يجعل الحذاء عبارة عما يستره من النعال.

وكيف كان فالظاهر رفع الكراهة بمجرد النزع ، بل وحصول الاستحباب أيضاً وإن لم يحف ، هذا الكلام في التكبير.

وأما رفع اليدين في الدعاء ، فقال في المسالك : لم يرد نصّ خاصّ عليه (٣) ، ويمكن استفادته من فعل الحسين عليه‌السلام في صلاته على المنافق (٤) ، ومن عموم الأمر به حالة الدعاء (٥).

ويستحبّ أن يقف الإمام بل المأمومين أيضاً عدا من يتوقّف رفع الجنازة عليهم حتّى ترفع الجنازة ، لرواية حفص بن غياث (٦) ، ورواية يونس (٧) ، وذلك لا يستلزم حرمان من يرفع الجنازة لإعانتهم على الخير وفعلهم الخير وإيثارهم الغير على أنفسهم.

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٩ ، سنن النسائي ٦ : ١٤ ، مسند أحمد ٣ : ٣٦٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٦ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٩١ ، الوسائل ٢ : ٨٠٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٦ ح ١.

(٣) المسالك ١ : ٢٦٧.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٩ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٥ ح ٤٩٠ ، قرب الإسناد : ٢٩ ، الوسائل ٢ : ٧٧٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٢.

(٥) الوسائل ٤ : ١١٠٠ ، أبواب الدعاء ب ١٢.

(٦) التهذيب ٣ : ١٩٥ ح ٤٤٨ ، الوسائل ٢ : ٧٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١١ ح ١.

(٧) التهذيب ٣ : ٣١٨ ح ٩٨٧ ، الوسائل ٢ : ٧٦٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١٠.

٤٩٢

ويستحبّ أن يصلّى في المواضع المعتادة ، لحصول البركة فيها بكثرة الصلاة ، وسهولة الأمر لمن يقصدها ، وكونه وسيلة إلى تكثير المصلّين الذي هو مظنّة لحصول من يكون مجاب الدعوة فيهم.

وفي صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام : «إذا مات الميّت فحضر جنازته أربعون رجلاً من المؤمنين فقالوا : اللهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيراً وأنت أعلم به منّا ، قال الله تبارك وتعالى : قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما أعلم مما لا تعلمون» (١).

وتجوز الصلاة في المساجد مع أمن التلويث ، للأصل ، وصحيحة البقباق (٢) ، ورواية محمّد بن مسلم (٣) ، ولكن المشهور الكراهة ، لقول أبي الحسن عليه‌السلام لأبي بكر العلوي إنّ الجنازة لا يصلّى عليها في المساجد (٤).

واستثنوا من ذلك مسجد مكّة ، وعن الشيخ في الخلاف أنه بعد ذكر الكراهة والاستثناء احتجّ بالإجماع (٥).

قال في الذكرى : ولعلّه لكونها مسجداً بأسرها كما في حقّ المعتكف وصلاة العيد (٦)

وكذلك العلامة علّلها بكونها مسجداً كلّها (٧) ، فلو كرهت الصلاة في بعض

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥٤ ح ١٤ ، الفقيه ١ : ١٠٢ ح ٤٧٢ ، الخصال : ٥٣٨ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٩٢٥ أبواب الدفن ب ٩٠ ح ١ بتفاوت.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٢ ح ٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢٥ ح ١٠١٣ ـ ١٠١٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ ح ١٨٢٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٢٠ ح ٩٩٣ ، الوسائل ٢ : ٨٠٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ذ. ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٢ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٦ ح ١٠١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٣ ح ١٨٣١ ، الوسائل ٢ : ٨٠٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٠ ح ٢.

(٥) الخلاف ١ : ٧٢١.

(٦) الذكرى : ٦٢.

(٧) المنتهي ١ : ٤٥٩.

٤٩٣

مساجدها لزم التعميم فيها أجمع ، وهو خلاف الإجماع.

أقول : والأولى منع كون كلّها مسجداً ، والتمسّك بآية الإسراء (١) بتقريب أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله اسري به من بيت أُم هاني (٢) وأُطلق عليه المسجد ضعيف ، لأنّه مجاز ، ولانتفاء أحكام المسجد فيها كما لا يخفى ، فيبقى الاعتماد على الإجماع المنقول وفتوى الأصحاب.

السابع : قال في المختلف : المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميت ، وقال ابن أبي عقيل : لا بأس بالصلاة على من صلّي عليه مرّة فقد صلّى أمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل بن حنيف خمس مرّات.

وقال ابن إدريس : تكره جماعة وتجوز فرادى. وقال الشيخ في الخلاف : من صلّى خلف جنازة يكره له أن يصلّي عليها ثانياً ، وهو يشعر باختصاص الكراهة بالمصلّي المتّحد (٣) ، انتهى.

ويظهر من الاستبصار استحباب التكرار من المصلّي الواحد وغيره (٤).

وقال في روض الجنان : إنّ للعلامة قولاً باختصاص الكراهة بالخوف على الميت أو مع منافاة التعجيل ولم يعتبر المصلّي (٥).

وقال في التحرير : يكره أن يصلّى على الجنازة الواحدة مرّتين ، لأنّ المراد المبادرة ، وهي تنافي ذلك (٦).

__________________

(١) الإسراء : ١.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٣٩٦.

(٣) المختلف ٢ : ٣٠١ ، وقضيّة صلاة أمير المؤمنين حكاها في التهذيب ٣ : ٣٢٥ ح ١٠١١ ، والاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٦ ، والوسائل ٢ : ٧٧٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١ ، وانظر السرائر ١ : ٣٦٠ ، والخلاف ١ : ٧٢٦.

(٤) الاستبصار ١ : ٤٨٥ ذ. ح ١٨٧٨.

(٥) روض الجنان : ٣١٠ ، وانظر التذكرة ٢ : ٨٠.

(٦) التحرير ١ : ١٩.

٤٩٤

وعن المحقّق الشيخ عليّ في حاشية الإرشاد بعد قول المصنف «ويكره تكرار الصلاة» (١) أنّه قال : من الواحد خاصّة ، إلّا أن ينافي التعجيل فيكره مطلقاً (٢).

ويظهر من الشهيد في الذكرى أنّ قول الأكثر بالكراهة إنّما هو لمن صلّى على الميّت ، أو أنّ قولهم بالكراهة هو إذا كان قبل الدفن ، فإنّهم جوّزوا الصلاة على الميّت على قبره لمن لم يصلّ على الميّت من دون ذكر كراهة كما سيجي‌ء.

وقال في آخر الكلام في هذه المسألة : فتبيّن رجحان الصلاة بظهور الفتوى وكثرة الأخبار ، ثمّ قال : وفي المختلف المشهور كراهة التكرار ، وقد علمت الحال فيه (٣) ، انتهى.

واختلفت الأخبار في المسألة ، فمقتضى طائفة منها كموثّقة عمّار (٤) وموثّقة يونس بن يعقوب (٥) جواز الصلاة لمن لم يصلّ ، ويؤدّي مؤداهما رواية عمرو بن شمر (٦).

ومقتضى طائفة أُخرى كقوية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على جنازة ، فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة عليها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرّتين ، ادعوا له وقولوا خيراً» (٧) وبمضمونها رواية وهب بن وهب عنه عليه‌السلام (٨) ، المنع.

__________________

(١) الإرشاد ١ : ٢٦٢.

(٢) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١ : ٤٨٤.

(٣) الذكرى : ٥٥ ، وانظر المختلف ٢ : ٣٠١.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٣٤ ح ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٤ ، الوسائل ٢ : ٧٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٣٤ ح ١٠٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٥ ، الوسائل ٢ : ٧٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٠.

(٦) التهذيب ٣ : ٣١٧ ح ٩٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٦ ح ١٨٤١ ، الوسائل ٢ : ٧٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢١.

(٧) التهذيب ٣ : ٣٢٤ ح ١٠١٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٨ ، الوسائل ٢ : ٧٨٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٣.

(٨) التهذيب ٣ : ٣٣٢ ح ١٠٤٠ ، وج ١ : ٤٦٨ ح ١٥٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨٥ ح ١٧٨٩ ، الوسائل ٢ : ٧٨٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٤.

٤٩٥

وعن قرب الإسناد أيضاً عن الحسين بن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على الجنازة ، فلمّا فرغ منها جاء قوم لم يكونوا أدركوها فكلّموه أن يعيد الصلاة عليها ، فقال لهم : قد قضيت الصلاة عليها ، ولكن ادعوا لها» (١). وهذه مستند الأكثر في الحمل على الكراهة.

ومقتضى طائفة أُخرى جواز التكرار من المصلّي الواحد إن كان إماماً ، مثل حسنة الحلبي (٢) وغيرها (٣) مما ورد في الصلاة على سهل بن حنيف.

وطائفة منها تدلّ على جواز التكرار منفرداً ، مثل ما ورد من الأخبار في أنّ الناس كانوا يصلّون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجاً فوجاً فرادى ، وأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أمرهم بذلك بعد ما صلّى هو عليه جماعة (٤).

أقول : وظاهر الأصحاب الاتفاق على الجواز كما يظهر من المدارك أيضاً (٥) ، والأصل يقتضي حرمة التكرار ، لأن الامتثال بالطبيعة يحصل بفرد ، والإتيان بها ثانياً يحتاج إلى أمر جديد ، فلا بدّ من الاكتفاء بما دلّ عليه الدليل.

وظاهر اتّفاقهم إن ثبت كما هو الظاهر فهو المثبت للجواز.

وكلّما ظهر رجحانه من الروايات فلا يبعد القول فيه بالاستحباب ، كمن لم يصلّ ، والإمام أيضاً ، لإدراك الفضيلة ، بل لا يبعد استفادة المأموم أيضاً من حكاية الصلاة على سهل ، فإنّ تلك الأخبار تدلّ على أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام صلّى عليه بخمس تكبيرات ، وكلّما مشى جاء جماعة قالوا : يا أمير المؤمنين عليه‌السلام لم ندرك الصلاة على سهل ، فكان يضعه ويكبّر عليه خمساً حتّى بلغ خمساً

__________________

(١) قرب الإسناد : ٤٣ ، الوسائل ٢ : ٧٨٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢٥ ح ١٠١١ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٦ ، الوسائل ٢ : ٧٧٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٧٧٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦.

(٤) الوسائل ٢ : ٧٧٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦.

(٥) المدارك ٤ : ١٨٤.

٤٩٦

وعشرين تكبيرة (١).

وظاهر الرواية أنّ الجماعة الذين صلّوا عليه أوّلاً لم يتفرّقوا عنه ولم ينزووا عن الجماعة الثانية في الصلاة.

نعم لا دلالة واضحة في الأخبار لجواز الصلاة منفرداً للمنفرد إذا صلّى وحده ، ولا للمأموم والإمام إذا أراد التكرار منفرداً ، ولا بجماعة جديدة.

وأما الروايتان (٢) المنزّلتان على الكراهة فيمكن حملهما على أنّه لا تصلّى الصلاة الواجبة المعهودة على الجنازة مرّتين ، قيل : ويحتمل النسخ ، ويحتمل الحمل على التقيّة ، لأنّ الرواية من العامّة (٣) ، وهي موافقة لأشهر مذاهبهم (٤).

وأجاب في المختلف عن حكاية سهل بن حنيف بأنها مختصة بذلك الشخص ، إظهاراً لفضله ، كما خصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عمّه حمزة بسبعين تكبيرة (٥) ، وفيه إشكال.

وعبارة نهج البلاغة حيث قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه إلى معاوية : «حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل سيّد الشهداء ، وخصّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه» (٦) لا تدلّ عليه كما توهّم ، إذ بعد ثبوت جواز التكرار فلا ريب أنّ مراتب الأشخاص متفاوتة بحسب استحقاق التعظيم وكثرة الدعاء ، والصلاة المتضمّنة للدعاء والتشريف والتكريم أولى بأن تكون لمن

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٧٧٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦.

(٢) وهما قويّة إسحاق بن عمار ، ورواية وهب بن وهب.

(٣) الوسائل ٢ : ٧٨٢ ، وكونهما من العامّة لأجل أنّ الراوي عن إسحاق بن عمار هو غياث بن كلوب عامّي ، وكذا وهب بن وهب راوي الرواية الثاني عامّي أيضاً (انظر معجم رجال الحديث رقم ٩٢٨٣ ، ١٣٩٤٣).

(٤) انظر بداية المجتهد ١ : ٢٣٨ ، وشرح فتح القدير ٢ : ٨٣ ، وشرح العناية ٢ : ٨٣ ، والهداية للمرغيناني ١ : ٩١ ، وبدائع الصنائع ١ : ٣١١ ، والمغني ٢ : ٣٨٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٣٥٢.

(٥) المختلف ١ : ٣٠١ ، والرواية في الوسائل ٢ : ٧٧٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٧.

(٦) نهج البلاغة : ٣٨٦.

٤٩٧

هو أولى بها.

والحاصل أنّ اهتمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في شأنه أكثر ، فخصّ ذلك الاعتناء به دون سائر الشهداء ، لا أنّ هذا الحكم كان مختصّاً به أو بسهل بن حنيف لا يجوز تجاوزه إلى غيرهما ، وهذا ظاهر.

والحاصل أنّ أفراد الصلاة مخيّر فيها ، ومتفاوتة في الفضل ، فجعل الأفضل للأفضل.

وبالجملة الأظهر الجواز مع عدم الكراهة لمن لم يصلّ ، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً ، وكذلك للإمام إذا أعاد لقوم لم يصلّوا ، والكراهة في غيره لظاهر اتّفاقهم على الجواز.

ومما يشكل الأمر على المشهور أنه لا معنى للكراهة بمعنى كونه أقلّ ثواباً هنا ، لعدم وجود البدل له ، وأما على مختارنا في الأُصول من جواز اجتماع الأمر والنهي فلا يضرّنا حمل الكراهة على معناها الحقيقي (١).

ثمّ إن بنينا على الجواز فينوي فيها الندب ، وتوهّم «جواز قصد الوجوب لأصل الوضع» فيه ما فيه.

تنبيه :

ظاهر طائفة من الأخبار استحباب زيادة التكبير على الخمس ستةً وواحداً أو اثنين وأكثر (٢) ، ولم نجد قائلاً به من الأصحاب صريحاً ، وربما أشعر به كلام ابن الجنيد ، وما ذكره الشهيد في بيان مراده في آخر مباحث صلاة الميّت (٣).

__________________

(١) القوانين : ١٤٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٧٧٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ، ففي بعضها : كبّر رسول الله (ص) أحد عشر ، وتسعاً ، وسبعاً ، وخمساً ، وستاً وأربعاً.

(٣) نقل كلامه وبيّن مراده في الذكرى : ٦٤.

٤٩٨

والظاهر أنّ المراد بسبعين تكبيرة في صلاة حمزة هو تكرار الصلاة إلى أن يحصل منه هذا القدر كما يظهر من بعض الروايات الواردة في ذلك ، وصرّح به في حكاية صلاة سهل.

ويمكن أن يكون المراد من الزيادة ما حصل بسبب تشريك الجنائز في الصلاة كما سيجي‌ء ، ويشعر به بعض ما ورد في صلاة حمزة.

الثامن : لا تجوز الصلاة على الميّت إلّا بعد تغسيله وتكفينه حيث أمكن وهو إجماعيّ كما يظهر من جماعة (١) ، وعمل المسلمين عليه في الأعصار والأمصار.

والظاهر البطلان قبله أيضاً ، لعدم ثبوت مشروعيتها إلّا كذلك ، فلا عبرة بإطلاق أخبار الصلاة في مقابل هذا المقيّد الظاهر في اختصاص المشروعيّة بذلك.

ومقتضى ذلك استواء العامد والناسي ، وتدلّ عليه موثّقة عمّار الاتية.

وإن لم يكن له كفن يجعل في القبر وتستر عورته ، ثمّ يصلّى عليه ، لموثّقة عمار ، في حكاية الصلاة على العريان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «يحفر له ويوضع في لحده ، ويوضع اللبن على عورته ، فتستر عورته باللبن والحجر ، ثمّ يصلّى عليه ، ثمّ يدفن» ، قلت : فلا يصلّى عليه إذا دفن؟ فقال : «لا يصلّى على الميّت بعد ما يدفن ، ولا يصلّى عليه وهو عريان حتّى توارى عورته» (٢) وتقرب منه رواية محمّد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة (٣).

وجعل في الذكرى العمل بمقتضى الرواية عند عدم إمكان ستر العورة خارج اللحد والصلاة عليه فيقدّم ذلك مع الإمكان (٤).

__________________

(١) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٣٢ ، وصاحب المدارك ٤ : ١٧٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢٧ ح ١٠٢٢ ، الوسائل ٢ : ٨١٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٢٨ ح ١٠٢٣ ، وليس في الوسائل ٢ : ٨١٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦ ح ٢ من أهل الجزيرة.

(٤) الذكرى : ٥٣.

٤٩٩

وناقش صاحب المدارك في وجوب ذلك بعد ما جزم بالجواز (١).

أقول : في الفرق بين الوجوب والجواز مع قبول الرواية نظر ، ويمكن استفادة ما ذكره في الذكرى من قوله عليه‌السلام : «ولا يصلّى عليه وهو عريان» إلى آخر الحديث ، ومقتضى إطلاق الرواية وجوب الستر وإن أمن من الناظر (٢).

وإن لم يتّفق للميّت أن يصلّى عليه فمقتضى العمومات (٣) والاستصحاب وجوب الصلاة عليه على القبر ما دام هو على حال لو كان في الخارج كانت تجب الصلاة عليه ؛ وبعبارة اخرى ما دام يصدق عليه أنّه ميّت آدمي ، وهو ظاهر مختار العلامة في المختلف (٤) والمنقول عن غيره أيضاً (٥) ، واختاره المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٦).

وذهب المحقّق في المعتبر إلى عدم الوجوب وإن قال بجوازه (٧) ، وتبعه صاحب المدارك (٨).

واحتجّ المحقّق بأنّ المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنيا ، فساوى من فني في قبره ، ولرواية عمّار (٩) وغيرها مما دلّ على عدم الصلاة على المدفون (١٠). واستدلّ على الجواز بالأخبار الدالّة على الصلاة على المدفون (١١) كما ستجي‌ء.

وفيما ذكره من المساواة منع ظاهر ، ومع قبول الجواز بسبب الأخبار الأُخر فلا دافع للوجوب.

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٧٣.

(٢) في «م» : النظر.

(٣) الوسائل ٢ : ٧٩٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨.

(٤) المختلف ٢ : ٣٠٥.

(٥) انظر البيان : ٧٧ ، والروضة البهيّة ١ : ٤٣٣ ، الرياض ٤ : ١٨١.

(٦) مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٠.

(٧) المعتبر ٢ : ٣٥٨.

(٨) المدارك ٤ : ١٨٨.

(٩) التهذيب ٣ : ٣٣٤ ح ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ ح ١٨٧٤ ، الوسائل ٢ : ٧٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٩.

(١٠) الوسائل ٢ : ٧٩٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨.

(١١) الوسائل ٢ : ٧٩٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨.

٥٠٠