غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

حضر التمام كما اخترناه في أصل المسألة وبالعكس ، فيتبع القضاء الفائتة.

وما يتوهّم من أنّه في أوّل الوقت مخيّر بين أجزاء الوقت ، وهو مستلزم للتخيير بين مقتضياتها ، ولازم ذلك التخيير في القضاء بين القصر والإتمام ، إذ الفائت هو الكلي المخيّر فيه. ففيه أنّ التخيير ليس إلّا في اختيار الوقت ، وهو لا ينافي تعيّن مقتضاه عليه بسبب اختلاف الأحوال.

والحاصل أنّ حكم الشارع في هذا المقام : أنّك مخيّر في إتيان صلاة الظهر في أيّ ساعة شئت من الان إلى آخر الوقت ، ولكن إن اخترت إتيانها في ساعة كنت مسافراً فقصّر فيه ، وإن اخترتها في ساعة كنت حاضراً فتمّم ، وهكذا ، وهذا واضح.

ولعلّك تستشكل هنا في أنّ مقتضى ما ذكرت أنّ من فاتته الصلاة حال فقدان الماء أو في حال المرض الذي لا يقدر على القيام أنّ يأتي بالقضاء موافقاً لما فاته ، وليس كذلك جزماً ، وما الفرق بينهما وبين السفر والحضر؟

وفيه : أنّ الطهارة والقيام وستر العورة وأمثال ذلك شرائط لصحّة الصلاة من حيث هي صلاة ، ولا مدخليّة فيها لخصوصية الأفراد من كونها قضاءً أو أداءً ، أو قصراً أو تماماً ، أو ظهراً أو عصراً ، أو غير ذلك ، بخلاف أعداد الركعات فإنّها ليست من شرائط ماهية الصلاة ، بل هي مما اعتبر في أفرادها الأوّلية والثانوية.

فإنّ الصلاة الواجبة تنقسم على أقسام ، منها اليومية ، ثمّ اليومية تنقسم مرّة بالصلوات الخمس ، وأُخرى بالقصر والتمام وهكذا ، فالشرائط الاولى لا تنفك عن مهيّة الصلاة متى ما قدر عليها ، ولكن الاثنينية والأربعية ليستا من شرائط نفس الصلاة من حيث هي ، فيتبع فيها في حال القضاء ما حصل التكليف بها في حال الأداء.

ويدلّ على ما اخترناه أيضاً : حسنة زرارة المتقدّمة ، وروايته الأُخرى القويّة لموسى بن بكر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إذا نسي الرجل صلاة أو صلّاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقضِ الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعاً فليقضِ أربعاً حين يذكرها ، مسافراً كان أو مقيماً ،

٣٦١

وإن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر ، مسافراً كان أو مقيماً» (١) فإنّ قوله عليه‌السلام «وجب عليه» ظاهر في الواجب العيني.

والمخالف في المسألة السيد (٢) وابن الجنيد (٣) ، فقد نقل عنهما اعتبار حال أوّل الوقت ، وكذلك ابن إدريس (٤).

وربّما يستدلّ له برواية زرارة وفي طريقها موسى بن بكر عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخّر الصلاة حتى قدم ، فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله ، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها ، قال : «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر ، لأنّ الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي له أن يصلّي ذلك» (٥).

وفيه : مع أنّها لا تقاوم ما ذكرنا من جهة الإسناد والاعتضاد ؛ أنّها مبنية على كون الاعتبار بحال الوجوب لا الأداء في حال الأداء وقد حققنا خلافه سابقاً ، فلا تنهض حجّة علينا.

السابع : لو فاتت فريضة من الخمس ولم تتعيّن له ، فالمشهور أنّه يصلّي صبحاً ومغرباً وأربعاً عمّا في ذمّته وادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه (٦).

وذهب أبو الصلاح (٧) وابن زهرة (٨) إلى وجوب الخمس ، والذي يقتضيه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٢ ح ١٢٨٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ح ٥٦٨ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٤.

(٢) الجمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٣٨.

(٣) نقله عنه في المختلف ٣ : ٢٣.

(٤) السرائر ١ : ٢٧٣.

(٥) التهذيب ٣ : ١٦٢ ح ٣٥١ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٣.

(٦) الخلاف ١ : ٣٠٩ مسألة : ٥٨.

(٧) الكافي في الفقه : ١٤٧.

(٨) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٢.

٣٦٢

وجوب المقدّمة ما اختاراه ، سيّما على المشهور من وجوب الجهر والإخفات ، لأنّا وإن لم نقل بوجوب قصد الوجه في النيّة ، لكن قصد ما يميّز العبادة ويشخّصها لازم جزماً ، فإن توقّف على القصد فلا مناص عنه كما حقّقناه في محلّه.

سلّمنا عدم الاحتياج في المردّد بين الظهرين ، ولكنه لا يتمّ في المردّد بينهما وبين العشاء على الأقوى من وجوب الجهر والإخفات.

ولكن نختار المشهور ، للإجماع المنقول ، وما رواه عليّ بن أسباط ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال من نسي صلاة من صلاة يومية واحدة ولم يدرِ أيّ صلاة هي صلّى ركعتين وثلاثاً وأربعاً (١) ولا يضر الإرسال ، سيّما على هذا الوجه ، لاعتضادها بعملهم.

ومقتضى ذلك التخيير في الجهر والإخفات ، فهو بمنزلة المخصص لأدلّتهما ، بل يمكن أن يمنع شمول أدلّتهما لما نحن فيه ، فيتمّ الإتيان من باب المقدّمة بثلاث صلوات أيضاً ، لأنّ المكلّف به إنّما هو صلاة واحدة ، ولما كانت الزيادة والنقيصة مما لا بدّ من اعتبارها جزماً فنحتاط لهما ، بخلاف قصد التعيين والجهر والإخفات ، فالأصل عدم وجوبهما.

ومقتضى عدم لزوم تعيين القصد أنّ المسافر يقضي مغرباً وثنائيةً كما نقل عن المشهور فيه أيضاً (٢).

وخالفهم ابن إدريس ، وقال : إنّه قياس ، ولو لم يكن الإجماع ثمّة أيضاً لم نقل بكفاية الأربع عن الثلاث (٣).

وردّه العلامة بأنّه ليس بقياس ، بل إنّما هو مدلول الرواية من باب التنبيه (٤) ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٧ ح ٧٧٤ ، ٧٧٥ ، الوسائل ٥ : ٣٦٥ أبواب قضاء الصلوات ب ١١ ح ١.

(٢) المختلف ٣ : ٢٣.

(٣) السرائر ١ : ٢٧٥.

(٤) المختلف ٣ : ٢٦.

٣٦٣

وهو كذلك.

ولو تعدّدت الفائتة ولم يعلم عددها سواء علم الفائتة بعينها أو لم يعلمها قضى حتّى يغلب على ظنّه أنّه وفّى على المشهور بين الأصحاب.

وقيّده الشهيد الثاني بما إذا لم يمكنه تحصيل العلم (١) ، واحتمل العلامة في التذكرة الاكتفاء بالمتيقن (٢) ، واستوجهه في المدارك (٣) ، وهو وجيه.

ولكن الأظهر المشهور ، لترك الاستفصال في موثّقة إسماعيل بن جابر لمعاوية بن حكيم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة تجمع عليّ ، قال تحرّ واقضها (٤) ويؤيّده الأمر بالتوخّي في حسنة مرازم في النافلة (٥).

وحسنة زرارة والفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال ومتى استيقنت أو شككت في وقتها أنّك لم تصلّها أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها ، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتى تستيقن ، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت (٦).

ويؤيّده أيضاً أنّ الظاهر من حال المسلم عدم ترك الصلاة.

وأما تقييد الشهيد الثاني فلا دليل عليه.

فإن قلت : هو مقتضى ما دلّ على وجوب قضاء ما فات إذا ذكره ، فإن المراد مما فات هو ما فات في نفس الأمر ، لا ما علم فواته ، فيجب تحصيله ولو بإتيان الاحتمالات من باب المقدّمة ، فإن قلنا بأنّ القضاء تابع للأداء فاستصحاب حال الأداء يقتضي تحصيل اليقين ، وإن قلنا إنّه بفرض جديد فالتكليف بقضاء ما فات في

__________________

(١) روض الجنان : ٣٥٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦١.

(٣) المدارك ٤ : ٣٠٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٥ ح ١٠٩٤ ، الوسائل ٣ : ٥٨ أبواب أعداد الفرائض ب ١٩ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥١ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٢ ح ٢٦ ، الوسائل ٣ : ٥٧ أبواب أعداد الفرائض ب ١٩ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٤ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ ح ١٠٩٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٥ أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

٣٦٤

الأخبار يقتضي تحصيل ما فات في نفس الأمر ، وهو لا يتمّ إلّا بتحصيل اليقين.

قلت : لا ريب أنّهم متّفقون على أنّه لا يجب القضاء إلّا مع العلم بالفوات ، وخلافهم في كون القضاء تابعاً للأداء وعدمه إنّما هو بعد تيقّن الفوت ، فمن يقول بالتبعيّة يكفيه تيقّن الفوت في وجوب القضاء ، ومن يتبع الفرض الجديد فيحتاج إلى أمرٍ آخر ، فحينئذٍ كلّ ما يثبته الأمر الأخر فهو المتّبع ، فالأصل براءة الذمّة عن الزيادة وعن القضاء حتّى يتيقّن الفوت ، ولا يقين إلّا في الأقلّ ، فلا معنى لاستصحاب حال الأداء.

وأما كون ما فات اسماً للفائت في نفس الأمر ويجب الإتيان به كما فات وهو يقتضي تحصيل اليقين ليعلم أنّه أتى به كما فات ، فإنّما يصحّ في مهيّة الفائت ، إذ هو الظاهر من قوله عليه‌السلام «كما فات» لا العدد ، سيّما مع أفراد الفريضة في الحديث.

٣٦٥
٣٦٦

خاتمة

في أحكام الجنائز

وفيها مقاصد :

٣٦٧
٣٦٨

المقصد الأول

في الاحتضار

وفيه مباحث :

الأوّل : يجب توجيه المحتضر إلى القبلة بأن يستلقي على ظهره ويجعل باطن قدميه إليها على المشهور الأقوى ، للأخبار الكثيرة الحسنة بعضها ، والموثّقة بعضها ، القويّة بعضها (١) ، المعتضدة كلّها بعمل الأكثرين (٢).

والقدح في دلالة الأوامر في كلام أئمّتنا على الوجوب ضعيف.

نعم قوله عليه‌السلام في حسنة سليمان بن خالد : «فسجّوه تجاه القبلة» (٣) يقدح فيه لزوم اجتماع إرادة الوجوب والاستحباب بالنظر إلى الهيئة والمادّة ، ولكن سائر الأخبار مع استمرار العمل بطريق الالتزام يعيّن الوجوب.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٦٦١ أبواب الاحتضار ب ٣٥.

(٢) كالمفيد في المقنعة : ٧٣ ، وسلّار في المراسم : ٤٧ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٥٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٦٢ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٣٦ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٤٢٦ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٥٥ ، والسيد في المدارك ٢ : ٥٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٢٧ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٨٦ ح ٨٣٥ ، الوسائل ٢ : ٦٦١ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٢.

٣٦٩

وذهب جماعة ، منهم المحقّق في المعتبر (١) تبعاً للشيخ في الخلاف (٢) إلى الاستحباب ، لضعف الأخبار ، وقد عرفت أنّه لا وجه له.

وهذا الوجوب كفائي بالإجماع على كلّ المكلّفين والمطّلعين عليه.

وفي كفاية الظنّ بحصوله أو لزوم تحصيل العلم به قولان (٣) ، أظهرهما الأوّل.

وقد يستدلّ عليه بأنّ التكليف بالعلم بحصول الفعل من الغير في المستقبل قبيح ، لامتناعه ، ووجوب حضور جميع أهل البلد عند الميّت حتّى يدفن بعيد ، فإن أُريد بذلك عدم وجوب الشروع على الكلّ أولاً مع سعة الوقت فله وجه ، وإن أُريد به عدم وجوب العلم بحصول الفعل فلا وجه له.

والأولى الاستدلال بأنّ حجيّة الاستصحاب إنّما هي من جهة ظنّ المجتهد الناشئ عن غلبة بقاء ما ثبت ؛ فهو حجّة ما دام الظنّ باقياً ، ولا ظن مع الظنّ بحصول الفعل.

وإن استدلّ بالأخبار الصحيحة الدالّة على عدم جواز نقض اليقين إلّا بيقين (٤) ؛ ففيه أنّها لا حجيّة فيها إلّا من جهة ظنّ المجتهد كما حقّقناه في الأُصول ، ولا ظنّ من جهتها مع الظنّ بتحقّق السبب الموجب لتحقق المسبب ، وهو فعل الغير الموجب لسقوط التكليف ، فكم من يقين نقض بالظنّ ، مع أنّ العمل بظنّ المجتهد أيضاً يقيني.

وبالجملة التحقيق تقديم الظاهر على الأصل ؛ إلّا ما دلّ الدليل الخارجي في

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٥٨.

(٢) الخلاف ١ : ٦٩١ مسألة ٤٦٦.

(٣) القول بكفايته للمحقّق في المعارج : ٧٥ ، والقول بالعدم للشهيد الثاني في روض الجنان : ٩٢ ، وسبطه في المدارك ٢ : ٥٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٧٩ ، والبحراني في الحدائق ٣ : ٣٥٩.

(٤) انظر الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ، وج ٥ : ٣٢١ أبواب الخلل ب ١٠ ح ٣ ، وج ٧ : ١٨٤ أحكام شهر رمضان ب ٣ ح ١٣.

٣٧٠

مورد خاصّ على تقديم الأصل على الظاهر ، كما في أحكام النجاسات والطهارات والأحداث ونحوها.

والحاصل أنّ الدليل على لزوم الفعل أو العلم بفعل الغير هو استصحاب شغل الذمّة لا نفسه ، والظنّ الحاصل بوجود سبب السقوط وهو فعل الغير يرفع ذلك الظنّ كما هو المفروض ، مع أنّ طلب العلم موجب للحرج والعسر الشديد.

والقائلون بلزوم العلم لا يكتفون بإخبار العدل (١) ، بل بعضهم توقّف في قبول شهادة العدلين أيضاً (٢).

والحقّ على القول بلزوم العلم كفاية خبر الثقة ، لدلالة أية النبإ عليه (٣) ، ولا ريب أنّ حجّية خبر الواحد تستلزم القول برفع البراءة اليقينية الثابتة ، فكيف لا ترفع شغل الذمّة الثابت.

والحاصل أنّ ظنّ المجتهد قائم مقام اليقين.

والقول بالاكتفاء بالظن المعلوم الحجية كالخبر وظاهر الكتاب ونحوهما غير تمام ، لأنّه لا دليل عليها إلّا كونها ظنّ المجتهد كما حقّقناه في الاصول (٤) ، فلا يتفاوت الظنّ الحاصل منها مع الظنّ الحاصل من غلبة حصول السبب المستلزم للظنّ بحصول المسبب.

مع أنّا لو سلّمنا الاقتصار على المعلوم الحجية فلا مناص عن العمل بخبر العدل الواحد لعموم أية النبإ ، ولم نقف على من فرّق بين الظنون.

نعم نقل عن بعضهم كفاية العدلين (٥).

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٧٩.

(٢) قد يظهر من روض الجنان : ٩٢ ، والمدارك ٢ : ٥٥ ، والذخيرة : ٧٩ ، والحدائق ٣ : ٣٥٩.

(٣) الحجرات : ٦.

(٤) القوانين : ٤٠٣ ، ٤٤٠

(٥) نقله في روض الجنان : ٩٢.

٣٧١

وتوقّف فيه بعضهم ، لعدم ثبوت حجيته في جميع المواضع (١).

وكذا الكلام في سائر الواجبات الكفائية من أحكام الجنائز كما سيجي‌ء.

ثمّ إنّهم ذكروا أنّ ذلك واجب لكلّ ميّت مسلم ، مؤالفاً كان أو مخالفاً ، صغيراً كان أو كبيراً ، ولعلّ مستندهم عموم الأخبار (٢).

وقد يستشكل في أنّ الأخبار لا تدلّ إلّا على التوجيه بعد الموت (٣).

وفيه : أنّ مرسلة الصدوق المروية في حكاية رجل من ولد عبد المطلب صريحة في حالة السوق ، وهي مروية في العلل وثواب الأعمال مسندة (٤) ، وموثّقة ذريح المتقدّمة أيضاً كالصريحة في ذلك (٥).

ومع اشتباه القبلة يسقط الوجوب ، وربّما احتمل التوجيه إلى الجهات المختلفة ، وهو ضعيف ، لأنّ المقصود أن يموت مستقبلاً ، وهو لا يتحقّق بذلك.

ثم هل يسقط وجوب الاستقبال بالموت ، أو يجب الاستمرار حتّى يرفع؟ قال في الذكرى : ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته ، وأنّ الواجب أن يموت على القبلة ، وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال ، ونبّه عليه ذكره حال الغسل ووجوبه حال الصلاة والدفن وإن اختلفت الهيئة عندنا (٦).

ولعلّه أراد بظاهر الأخبار مثل موثّقة ذريح ومرسلة الصدوق ، وببعضها حسنة سليمان بن خالد. وكيف كان فلا ريب في أنّ الاستمرار أولى وأفضل.

__________________

(١) روض الجنان : ٩٢ ، الذخيرة : ٨٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٦٦١ أبواب الاحتضار ب ٣٥.

(٣) المدارك ٢ : ٥٣.

(٤) الفقيه ١ : ٧٩ ح ٣٥٢ ، ثواب الأعمال : ٢٣٢ ح ١ ، علل الشرائع : ٢٩٧ ب ٢٣٤ ، الوسائل ٢ : ٦٦٢ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦٥ ح ١٥٢١ ، الوسائل ٢ : ٦٦١ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ١.

(٦) الذكرى : ٣٧.

٣٧٢

الثاني : يستحبّ التلقين بالشهادتين والإقرار بالأئمّة ، وأن يتابع المحتضر الملقّن لحسنة الحلبي (١) ، وغيرها من الأخبار الكثيرة (٢).

وليكن آخر كلامه : لا إله إلّا الله ، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنة كما في رواية إسحاق بن عمّار (٣) وغيرها (٤).

وأن يلقّنه كلمات الفرج ، لحسنة زرارة (٥) وحسنة الحلبي (٦) وغيرهما (٧).

والتوبة ، والاستغفار ، والدعاء المأثور : اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل مني اليسير من طاعتك ، وما في معناه ، لرواية سالم بن أبي سلمة (٨) وغيرها (٩).

وروى الكليني عن أبي خديجة عن الصادق عليه‌السلام ، وفي آخرها : «فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله حتّى يموتوا» (١٠) قال : وفي رواية أُخرى فلقّنه كلمات الفرج والشهادتين وتسمّي له الإقرار بالأئمّة عليهم‌السلام واحداً بعد واحد حتّى ينقطع عنه الكلام (١١).

ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد أنّه قال : ولا يكثر عليه عند أحوال الغشي

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢٤ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٧٧ ح ٣٤٦ ، الوسائل ٢ : ٦٦٦ أبواب الاحتضار ب ٣٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٦٦٦ أبواب الاحتضار ب ٣٨.

(٣) ثواب الأعمال : ٢٣٢ ح ١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٤ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٦٦٤ أبواب الاحتضار ب ٣٦ ح ٩.

(٤) الوسائل ٢ : ٦٦٢ أبواب الاحتضار ب ٣٦.

(٥) الكافي ٣ : ١٢٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٨٨ ح ٨٣٩ ، الوسائل ٢ : ٦٦٦ أبواب الاحتضار ب ٣٨ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ١٢٤ ح ٩ ، الوسائل ٢ : ٦٦٦ أبواب الاحتضار ب ٣٨ ح ٢.

(٧) الوسائل ٢ : ٦٦٦ أبواب الاحتضار ب ٣٨.

(٨) الكافي ٣ : ١٢٤ ح ١٠ ، الوسائل ٢ : ٦٦٧ أبواب الاحتضار ب ٣٩ ح ١.

(٩) الوسائل ٢ : ٦٦٧ أبواب الاحتضار ب ٣٩.

(١٠) الكافي ٣ : ١٢٣ ح ٦ ، الوسائل ٢ : ٦٦٣ أبواب الاحتضار ب ٣٦ ح ٣.

(١١) الكافي ٣ : ١٢٣ ذ. ح ٦ ، الوسائل ٢ : ٦٦٥ أبواب الاحتضار ب ٣٧ ح ٣.

٣٧٣

لئلا يشغل بذلك عن حال يحتاج الى معاينتها (١).

ويستحبّ نقله إلى مصلّاه الذي يصلّي فيه أو عليه إذا تعسّر عليه النزع ، لصحيحة عبد الله بن سنان (٢) ، وحسنة زرارة (٣) ، ورواية ليث المرادي (٤) وغيرها (٥) ، ولو جمع بينهما كان أحسن.

وتغميض عينيه ، وإطباق فيه بعد الموت ، لموثّقة زرارة (٦) ، ورواية أبي كهمس (٧).

وتغطيته بثوب ؛ لهذه الرواية ، ولحسنة سليمان بن خالد المتقدّمة (٨).

وفي موثّقة زرارة : «أن لا تمسّه في حال النزع ، فإنّه إنّما يزداد ضعفاً ، وأضعف ما يكون في هذه الحال ، ومن مسّه في هذه الحال أعان عليه» (٩).

وجعل في الذكرى من المستحبّ أن لا يظهر عليه الجزع ، لأنّه إعانة عليه ، لضعف نفسه (١٠).

ويستحبّ أن يمدّ يديه وساقيه إلى جنبيه ، ذكره الأصحاب ، ولم نقف فيه على رواية ، وتكفي فتواهم للمسامحة. وربما علّل بأنّه أطوع للغاسل وأسهل للدرج (١١).

__________________

(١) الذكرى : ٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٢٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ ح ١٣٥٦ ، الوسائل ٢ : ٦٦٩ أبواب الاحتضار ب ٤٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٢٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ ح ١٣٥٧ ، الوسائل ٢ : ٦٦٩ أبواب الاحتضار ب ٤٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٢٦ ح ٤ ، رجال الكشي ١ : ٢٠٢ ح ٨٤ ، الوسائل ٢ : ٦٦٩ أبواب الاحتضار ب ٤٠ ح ٤.

(٥) الوسائل ٢ : ٦٦٨ أبواب الاحتضار ب ٤٠ ح ٤.

(٦) التهذيب ١ : ٢٨٩ ح ٨٤١ ، الوسائل ٢ : ٦٧٢ أبواب الاحتضار ب ٤٤ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٨٩ ح ٨٤٢ ، الوسائل ٢ : ٦٧٢ أبواب الاحتضار ب ٤٤ ح ٣.

(٨) الكافي ٣ : ١٢٧ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٨٦ ح ٨٣٥ ، الوسائل ٢ : ٦٦١ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٢.

(٩) التهذيب ١ : ٢٨٩ ح ٨٤١ ، الوسائل ٢ : ٦٧٢ أبواب الاحتضار ب ٤٤ ح ١.

(١٠) الذكرى : ٣٧.

(١١) المعتبر ١ : ٢٦١.

٣٧٤

وأن يسرج عنده إن مات ليلاً ، وينبّه عليه ما رواه الكليني في حكاية أمر الصادق عليه‌السلام بالإسراج في البيت الذي كان يسكنه أبوه عليه‌السلام (١) لدخول المقصود فيه ، وهو يدلّ على استحباب دوام الإسراج في بيت مات فيه ، إلّا أن يستشكل فيه بمنع عموم الفعل ، وكيف كان فيكفي في المقصود فتوى الجماعة أيضاً.

وأن يكون عنده من يتلو القرآن استدفاعاً عنه ، وسيّما يس والصافات حال الاحتضار ، لرواية سليمان الجعفري (٢).

وأن يعجّلوا تجهيزه مع عدم الاشتباه بالإجماع ، والأخبار الكثيرة الإمرة بالتعجيل ، والناهية عن التوقف (٣) ، ولأنّه إكرام له للحديث النبوي (٤).

وإيذان الإخوان ليشهدوا الجنازة من البلد وحواليه إن لم ينافِ التعجيل ، وهو لا ينافي كراهة النعي كما نقل عن الجعفي (٥).

وإذا اشتبه الموت فيجب التأخير ، ففي رواية عليّ بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه‌السلام : «يا عليّ قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلّا في قبورهم» وفيها : «إنّ الغريق والمصعوق ينبغي أن يتربّص به ثلاثاً لا يدفن ، إلّا أن يجي‌ء منه ريح تدلّ على موته» (٦).

وبمضمونها غيرها مثل حسنة هشام بن الحكم (٧) ورواية إسحاق بن عمّار (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥١ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٩٧ ح ٤٥٠ ، التهذيب ١ : ٢٨٩ ح ٨٤٣ ، الوسائل ٢ : ٦٧٣ أبواب الاحتضار ب ٤٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٢٦ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ ح ١٣٥٨ ، الوسائل ٢ : ٦٧٠ أبواب الاحتضار ب ٤١ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٦٧٤ أبواب الاحتضار ب ٤٧.

(٤) الفقيه ١ : ٨٥ ح ٣٨٨ ، الوسائل ٢ : ٦٧٦ أبواب الاحتضار ب ٤٧ ح ٧.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٣٨.

(٦) الكافي ٣ : ٢١٠ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣٣٨ ح ٩٩١ ، الوسائل ٢ : ٦٧٧ أبواب الاحتضار ب ٤٨ ح ٥.

(٧) الكافي ٣ : ٢٠٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٣٨ ح ٩٩٢ ، الوسائل ٢ : ٦٧٦ أبواب الاحتضار ب ٤٨ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٢٠٩ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٦٧٧ أبواب الاحتضار ب ٤٨ ح ٣.

٣٧٥

وفي رواية عمّار: يحبس المصعوق يومين ، ثمّ يغسّل ويكفّن (١) وهي محمولة على ما حصل العلم قبل الثلاثة ، وما قبلها (٢) على ما لم يحصل قبلها.

وكيف كان فيجب الاستبراء ثلاثة أيّام أو الرجوع إلى العلامات المفيدة لذلك.

وقد ذُكر من علاماته انخساف صُدغيه ، وميل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخلاع كفّه من ذراعه ، واسترخاء قدّميه ، وتقلّص أُنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة.

قال في الذكرى : وقال ابن الجنيد : من علاماته زوال النور من بياض العين وسوادها ، وذهاب النفس ، وزوال النبض ، وزعم جالينوس أنّ أسباب الاشتباه الإغماء ، أو وجع القلب ، أو إفراط الرعب ، أو الغمّ ، أو الفرح ، والأدوية المخدّرة ، فيستبرأ بنبض عروق بين الأُنثيين ، أو عرق يلي الحالب والذكر بعد الغمز الشديد ، أو عرق في باطن الألية ، أو تحت اللسان ، أو في بطن المنخر (٣) ، انتهى.

والحاصل أنّ المعيار هو حصول العلم العادي بالموت ، ومقتضى الأخبار أنّه يحصل بمضيّ ثلاثة أيام ، وإلّا فلا معنى للتحديد به مع عدم حصول العلم.

الثالث : يكره أن يحضر المحتضر جنب أو حائض بلا خلاف ظاهر ، لرواية يونس بن يعقوب (٤) ، ورواية عليّ بن أبي حمزة (٥) ، وفي الاولى : «لا بأس أن يليا غسله» وعلّل في الأخيرة بأنّ الملائكة تتأذّى بهما ، وكذا في رواية في العلل (٦).

والأظهر زوالها بالتيمّم عند تعذّر الغسل ، بل وعند انقطاع الدم ولما تغتسل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٠ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٦٧٧ أبواب الاحتضار ب ٤٨ ح ٤ بتفاوت.

(٢) يعني : ما قبل هذه الرواية من الروايات ، أي روايات الثلاثة.

(٣) الذكرى : ٣٨.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢٨ ح ١٣٦٢ ، الوسائل ٢ : ٦٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٣ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٣٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ ح ١٣٦١ ، قرب الإسناد : ١٢٩ ، الوسائل ٢ : ٦٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٣ ح ١.

(٦) علل الشرائع ١ : ٢٩٨ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٦٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٣ ح ٣.

٣٧٦

ويكره طرح الحديد على بطنه كما نقل عن جماعة من الأصحاب (١) ، وقال الشيخ : سمعناه من الشيوخ مذاكرة (٢).

وعن جماعة من الأصحاب كراهة غير الحديد أيضاً (٣) ، خلافاً لابن الجنيد (٤) ، حيث قال : يضع على بطنه شيئاً يمنع ربوها. واحتجّ في الخلاف بإجماع الأصحاب على الكراهة (٥).

ولا يترك وحده ، فقد روي عن الصادق عليه‌السلام ليس من ميّت ترك وحده إلّا لعب الشيطان في جوفه (٦).

__________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٧٤ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٦٩١ مسألة ٤٦٧ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٥٤ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٢٨.

(٢) التهذيب ١ : ٢٩٠ ذ. ح ٨٤٤.

(٣) كالعلامة في التذكرة ١ : ٣٤٢ ، المنتهي ١ : ٤٢٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٠.

(٤) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٦٤.

(٥) الخلاف ١ : ٦٩١ مسألة ٤٦٧.

(٦) الكافي ٣ : ١٣٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٩٠ ح ٨٤٤ ، الوسائل ٢ : ٦٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٢ ح ١ بتفاوت يسير.

٣٧٧

المقصد الثاني

في الغسل

وفيه مباحث :

الأول : إنّه أيضاً واجب كفائي بالاتفاق.

ويدلّ على أصل الوجوب مضافاً إلى الإجماع ظواهر الأخبار ، مثل قول الصادق عليه‌السلام في موثّقة سماعة غسل الجنابة واجب إلى أن قال وغسل الميت واجب (١).

ومثل ما رواه الصدوق في أحاديث العلل ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال إنّما أُمر بغسل الميت لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة (٢) الحديث.

وما ورد في الأخبار فيما إذا اجتمع ميت وجنب ومحدث وهناك ماء يكفي أحدهم من تقديمه على غسل الجنابة (٣) ، ونحو ذلك.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠ ح ٣ ؛ الوسائل ٢ : ٦٧٨ أبواب غسل الميّت ب ١ ح ١.

(٢) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ١١٠ ح ٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٠٢ ح ٣٣٢ ، الوسائل ٢ : ٩٨٨ أبواب التيمّم ب ١٨ ح ٥.

٣٧٨

وقالوا : أولى الناس به أولاهم بميراثه ، يعني يقدّم الوارث على غير الوارث ، ولم يعتبروا هنا تقديم الأكثر نصيباً.

واستدلّوا عليه برواية غياث بن إبراهيم الرازي ولا يخلو سندها عن قوّة ، لأنّ السند إلى عبد الله بن المغيرة الراوي عنه حسن ؛ مع أنّها معتضدة بعمل الأصحاب عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه‌السلام ، قال يغسل الميّت أولى الناس به (١).

وقد يستشكل في الدلالة على إرادة الأولوية في الميراث ، لِمَ لا يكون المراد أشدّهم علاقة به.

ويستدلّ عليه أيضاً بعموم أية اولي الأرحام (٢).

وتوجيهه أنّها أعمّ من الميراث والغسل وولاية القصاص وغير ذلك ، وحينئذٍ فإرادة الأولى بالميراث لا وجه لها ، بل كلّ الأرحام متساوية ومقدّمة على غير الأرحام ، وأما تقديم بعض الأرحام على بعض فلا دليل عليه.

إلّا أن يقال : إنّه يستفاد من أية أُولي الأرحام أنّ العلّة في الأولوية هي كونه رحماً ، ويضاف إلى ذلك أنّ الأقربية مستلزمة لقوّة العلّة ، فيقدّم الأقوى على الأضعف ، وبذلك يقدّم الأقرب على الأبعد في الميراث ، فتتمّ دلالة الرواية على المطلوب بإعانة ملاحظة الآية ، بأن يقال : المراد بالأولى في الرواية هو الأولى في الآية ، ولكن يلزمه حينئذٍ اعتبار تقديم الأكثر نصيباً وهم لم يعتبروه.

ثم إنّ جماعة منهم ذكروا أنّ الأولياء إذا كانوا رجالاً ونساءً فالرجال أولى (٣) ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣١ ح ١٣٧٦ ، الوسائل ٢ : ٧١٨ أبواب غسل الميّت ب ٢٦ ح ١ ، ولكن الراوي فيها : غياث بن إبراهيم الرزامي.

(٢) الأنفال : ٧٥.

(٣) كالمحقّق في الشرائع ١ : ٢٩ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢٢٣ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٤٠٦.

٣٧٩

ولم أقف على مستنده ، فإن كان أكثرية نصيب الرجال فهو مطلقاً ممنوع كما هو مشاهد في الأب والبنتين ، والأخ من قبل الام مع الأُخت من قبل الأب.

ثمّ إنّهم أطلقوا ذلك ، بل صرّح المتأخّرون بأنّ الميّت لو كان امرأة تكون الولاية للرجال لا للنساء ، فتتوقّف على إذنهم (١).

وقيل : ولاية الرجال إنّما هي للرجال ، وأما النساء فولايتهنّ للنساء (٢).

ورُدّ ذلك بعدم ثبوت المستند.

وقيل : إنّ دليل المسألة وهي رواية غياث إنّما يدلّ على ولاية من يتمكّن من المباشرة ، فلا بدّ في غيره من الرجوع إلى العمومات (٣).

أقول : الدليل غير منحصر فيها ، بل روى الصدوق في الفقيه أيضاً مرسلاً ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام يغسل الميّت أولى الناس به أو من يأمره الوليّ بذلك (٤).

مع أنّا نقول عنوان المسألة في المقامين مختلف ، والكلام في مماثلة الغاسل للميت مقدّم على ملاحظة ثبوت (الخيرة) (٥) والأولوية في حقّ الولي ، ففي الروايتين لا التفات إلى جانب الغاسل من حيث المماثلة وعدمها ، بل إنّما هو من حيث الأولوية وعدمها.

والجمع بين المقامين أن تحمل رواية غياث على إرادة إثبات الولاية ، ويجعل الترديد في مرسلة الصدوق ناظراً إلى معنى أعمّ من إرادة رخصة الغير بسبب عدم الإمكان ، أو مع الإمكان أيضاً ، لإباحة ذلك شرعاً ، فحينئذٍ يتمّ ثبوت

__________________

(١) كالمحقّق في الشرائع ١ : ٢٩ ، والعلامة في التحرير ١ : ١٧.

(٢) انظر جامع المقاصد ١ : ٣٦٠.

(٣) المدارك ١ : ٦٠.

(٤) الفقيه ١ : ٨٦ ح ٣٩٤ ، الوسائل ٢ : ٧١٨ أبواب غسل الميّت ب ٢٦ ح ٢.

(٥) في «ص» : الخبر.

٣٨٠