غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

أو يجب سلام عليكم كما نقل عن بعض الأصحاب (١)؟ ففي الكلّ إشكال ، والمناص هو الجواب بالقران ، مثل سلام عليكم قاصداً للدعاء.

وكذلك الإشكال في التسليمات المحرّفة ، مثل قوله : سرام معليك ، وسلاما ليك ، وساماليكم ، وأمثال ذلك. والأحوط فيها مراعاة مماثلة الكلمة المحرّفة ، ففي الأوّلين يقول : سلام عليك ، وفي الأخير سلام عليكم.

وهكذا الكلام في التحيّات التي لم تكن بالألفاظ المعهودة في السلام وإن لم تكن من جنس السلام ، فلا يبعد الجواب بالقران بقصد الدعاء له ، ولا دليل على قصد الردّ.

ويؤيّده في غير السلام صحيحة هشام بن سالم ، عن محمّد بن مسلم ، حيث سكت الإمام عليه‌السلام عن جواب قوله «كيف أصبحت» بعد ما ردّ جواب سلامه (٢).

الرابع : قد عرفت أنّ وجوب ردّ السلام كفائي إذا كانوا جماعة ، فلو قام غير المصلّي مقامه في الردّ وكان من جملة المسلّم عليهم مصلّياً كان أو غيره فيسقط عن المصلّي.

وفي جوازه له حينئذٍ وجهان ، ولا يبعد عدم الجواز بعد تمام الردّ ، والجواز قبله.

وإذا كان بعض المسلّم عليهم مصلّياً وبعضهم قاعداً ، فهل يجب على القاعد أو يتساويان؟ الأظهر التساوي ، وبردّ أيّهما يسقط عن الأخر ، ولا يسقط بردّ من لم يكن مقصوداً بالسلام.

والأظهر إجزاء ردّ الصبي المميّز إذا كان من جملتهم ، والأحوط حينئذٍ الإتيان به بقصد الدعاء أيضاً.

ولا يخفى أنّ كلّ ما ذكرنا إنّما هو إذا علم المصلّي أنّه سلّم عليه ، أو أنّه من جملة

__________________

(١) نقله في السرائر ١ : ٢٣٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ح ١٣٤٩ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ١.

٢٤١

المسلّم عليهم ، فإذا لم يظهر له ذلك أو ظهر خلافه فلا يجوز له الردّ ، ومع الشكّ فالأصل عدم الوجوب ، فلا يجوز أيضاً ، لعدم الدليل.

الخامس : وجوب الردّ فوريّ ، والمعيار فيه العُرف ، فلا ينافيه إتمام الكلام أو الآية إذا لم يوجب فصلاً طويلاً.

وإذا ترك الردّ الواجب ففي بطلان الصلاة وعدمه أقوال ، ثالثها أنّه يبطل إذا كان حينئذٍ مشغولاً بالقراءة والأذكار.

والأصل في هذا الخلاف الرجوع إلى دلالة الأمر بالشي‌ء على النهي عن ضدّه الخاص ، والأقوى عدم البطلان مطلقاً ، لمنع اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه الخاصّ أوّلاً.

سلّمنا ، لكنه يدلّ عليه تبعاً من باب المقدّمة ، ولو سلّمنا دلالة النهي على الفساد في العبادات فهو مخصوص بالمناهي الأصلية لا التبعية.

مع أنّ بطلان الصلاة ببطلان الجزء لا يتمّ إلّا إذا لم يتداركه.

ومجرّد القراءة المحرّمة أو الذكر المحرّم بين الصلاة لا دليل على كونه مبطلاً.

مع أنّ تخصيص الكلام بالذكر والقراءة لا وجه له ، إذ قد يضادّ بعض الأكوان والأفعال أيضاً الردّ ، كما لو سلّم عليه ومرّ مستعجلاً وتوقّف إيصاله جوابه إلى مشي وحركة ، ولا يمكن إيصاله بالصياح ورفع الصوت.

السادس : يظهر من بعض الأخبار كراهة السلام على المصلّي (١) ، وينبغي العمل بمضمونها ، لأنّه يوجب تشويش خاطر المصلّي وإيقاعه في الخلل ، سيّما التسليمات المحرّفة.

وذهب جماعة من الأصحاب إلى الاستحباب ، نظراً إلى العمومات (٢).

وقد روى الحميري عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : كنت أسمع أبي يقول إذا

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧.

(٢) كالعلامة في التذكرة ٣ : ٢٨٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣٢.

٢٤٢

دخلت المسجد والقوم يصلّون فلا تسلّم عليهم ، وصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أقبل على صلاتك ، وإذا دخلت على قوم جلوس وهم يتحدّثون فسلّم عليهم (١).

ولكن يضعف القول بالكراهة موافقته للعامّة ومخالفته للمشهور.

ويؤيّده ما روي في الخصال ، عن مسعدة بن صدقة ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال لا تسلّموا على المصلّي ، لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأنّ التسليم من المسلم تطوّع ، والردّ فريضة (٢) فإنّ التعليل ينبّه على ما ذكرنا.

الخامس : يستحبّ للمصلّي إذا عطس أن يحمد الله وادّعى عليه الإجماع جماعة (٣).

وزاد في المنتهي أن يصلّي على نبيّه وآله عليهم‌السلام ، وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره ، قال : وهو مذهب أهل البيت عليهم‌السلام (٤).

وتدلّ عليه العمومات ، وخصوص صحيحة الحلبي (٥) وغيرها (٦) ، وفي الموثّق : «إذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل : الحمد لله ، وصلّ على النبيّ وآله وسلم ، وإن كان بينك وبين صاحبك اليم» (٧).

والمشهور جواز تسميت العاطس للمصلّي أيضاً ، بل استحبابه ، لأنّه دعاء ،

__________________

(١) قرب الإسناد : ٤٥ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ٢.

(٢) الخصال : ٤٨٤ ح ٥٧ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ١.

(٣) كصاحب المدارك ٣ : ٤٧١.

(٤) المنتهي ١ : ٣١٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٦ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة ب ١٨ ح ٢.

(٦) الوسائل ٤ : ١٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة ب ١٨.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٦ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة ب ١٨ ح ٣.

٢٤٣

وللعمومات. وتردّد المحقّق ثمّ رجّح الجواز (١).

وهل يجب الردّ؟ فيه إشكال ، ولا يبعد الجواز ، للعموم مؤيّداً بعموم الآية ، وإن كان ظاهراً في السلام.

والأولى في الردّ قول «يغفر الله لكم ويرحمكم» لحسنة ابن أبي خلف عن الباقر عليه‌السلام ، وفيها إنّه إذا عطس عنده إنسان قال : يرحمك الله عزوجل(٢).

السادس : تبطل الصلاة بتعمّد الفعل الكثير بإجماع أصحابنا ، بل العلماء كافة كما نقله في المنتهي (٣).

وفي تحقيق هذه المسألة إشكال عظيم ، وكلام الأصحاب فيه مضطرب متناقض على الظاهر ، ولم أقف على من سدّد هذا المقام وحقّق ذاك المرام ، وذلك لأنّهم اختلفوا في تفسير الفعل الكثير وتعيينه.

فبعضهم فسّره بما سمّي كثيراً عرفاً (٤).

وبعضهم بما يخرج فاعله عن كونه مصلّياً عرفاً (٥).

وبعضهم ما سمّي في العادة كثيراً ، مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك مما إذا فعله الإنسان لا يسمّى مصلّياً ، بل يسمى أكلاً وشارباً ولابساً ، ولا يسمّى فاعله في العادة مصلّياً (٦).

وقال العلامة في المنتهي : ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج عن أفعال

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٦٣.

(٢) الكافي ٢ : ٦٥٥ ح ١١ ، الوسائل ٨ : ٤٦٠ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨ ح ١ ، وصدر الحديث : كان أبو جعفر (ع) إذا عطس فقيل له : يرحمك الله ، قال : يغفر الله لكم ويرحمكم..

(٣) المنتهي ١ : ٣١٠.

(٤) كشف اللثام ١ : ٢٣٩.

(٥) روض الجنان : ٣٣٣ ، مجمع الفائدة ٣ : ٦٩.

(٦) نهاية الإحكام ١ : ٥٢١ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٥٠.

٢٤٤

الصلاة ، فلو فعله عامداً ، بطلت صلاته ، وهو قول أهل العلم كافة ، لأنّه يخرج به عن كونه مصلّياً ، والقليل لا يبطل الصلاة بالإجماع (١).

ووجه الإشكال في المسألة أنّه لم يرد نصّ يدلّ على أنّ الفعل الكثير يبطل حتّى يرجع فيه إلى العرف ، والإجماع من (الأدلّة القطعية) (٢) فيؤول الكلام إلى أنّ ما أجمع على كونه مبطلاً فهو مبطل ، ولا حاجة إلى إقحام الفعل الكثير.

وأيضاً الاستدلال بالإجماع معللاً بأنّه يخرج عن كونه مصلّياً لا معنى له إلّا جعل ذلك مستنداً للإجماع ، فحينئذٍ لا معنى لحوالة الكثرة والقلّة إلى العرف ، فإنّ مقتضى الاستدلال حينئذٍ أنّ ما يخرج به المصلّي عن كونه مصلّياً فهو مبطل ، وحوالة ذلك إلى العرف أيضاً كما فعلوه لا معنى لها ، إذ هذا منصب الشارع لا العرف.

وإن أُريد به عرف المتشرّعة ، فإن أُريد عوامهم فلا ريب أنّهم يحكمون بكون أكثر ما جوّزه الشارع في الأخبار مخرجاً عن الصلاة ، وإن أُريد عرف العلماء فهو تابع لمقتضى أدلّتهم ، وليس له معيار يرجع إليه.

وأيضاً اضطرب كلامهم في الرجوع إلى العرف في الفعل الكثير ، فبعضهم يفسّر الكثرة بالأفعال الثلاثة ويتردّد في الاثنين (٣) ، وبعضهم يعبّر عنه بما يكون مخرجاً به عن الصلاة لكثرة طوله ونحو ذلك (٤).

ولا بدّ في تحقيق ذلك من فهم مرادهم ، هل هو أنّ في الكثرة يرجع إلى العرف أو في الفعل يرجع إلى العرف أو في الفعل الكثير؟ وأنّ المراد من الكثير في هذا اللفظ هل هو توصيف عدد الفعل أو زمانه أو غير ذلك؟.

ومن عدم تحقيق هذا المقام صعب الأمر على بعضهم ، حيث فهم الكثرة

__________________

(١) المنتهي ١ : ٣١٠.

(٢) في «م» ، «ح» : الأدلّة العقليّة.

(٣) الذكرى : ٢٢٣.

(٤) مجمع الفائدة ٣ : ٦٩.

٢٤٥

العددية ، ثمّ استشكل في الأفعال الخفيفة مثل تحريك الأصابع ثلاثاً في مسحة أو حكة (١) أو نحو ذلك ، ثمّ جعلها بمنزلة القليل كما فعله في التذكرة (٢) وهكذا.

وبالجملة اختلاف كلمات العلماء واضطرابها بحيث لا يكاد يرجى زواله سيّما من علماء العامّة.

ثمّ إنّ رفع الإشكال في انعقاد الإجماع على الأمر الظنّي الموكول إلى العرف والرجوع إلى العرف فيما لم يقع في كلام الشارع وإن كان يمكن بأن يقال بأنّ الإجماع إنّما انعقد على مصداق هذا اللفظ ، فيجوز جعله من باب عموم الحديث ، لأنّه إجماع منقول ، وهو مثل خبر واحد عام.

ولا ينافي ذلك كون الظنّي مجمعاً عليه ، نظير كون اشتراط العدالة في الشاهد أو الإمام إجماعياً ، مع كونها من الأُمور الظنيّة ، فظنّ كلّ مجتهد يقوم مقام الأمر النفس الأمري.

ولكن يخدشه أنّ الإجماع لم يعلم انعقاده على الفعل الكثير بمعنى الكثرة العددية أو الزمانية أو نحو ذلك ، لاختلاف العلماء المتصدّين لدعوى الإجماع في تفسير الفعل الكثير في تلو ذكر إجماعهم ، فلم يعلم من ذلك أنّ الإجماع هل انعقد على مصداق الكثرة أو مصداق ما يكون مخرجاً عن الصلاة وماحياً لصورتها ، فلم يعلم كون لفظ الكثير مما ورد عليه الإجماع لا قطعاً ولا نقلاً.

فأنا أذكر ما ظهر عندي من أساس هذه المسألة ومبدئها مع قطع النظر عن كلام العلماء واختلافاتهم ، فلعلك بعد التأمّل فيه تقف على توجيه كلام بعضهم ومنشأ غفلة الآخرين ، وهو أنّ العقل والنقل متطابقان على أنّ الأمر يقتضي الإطاعة والامتثال ، والإتيان على مقتضاه كما هو يقتضي الإجزاء ، وعدم الإتيان على

__________________

(١) في «ح» : في مسجة أو حكة ، وفي «ص» : أو حكمه ، وفي «م» أو حكنة.

(٢) التذكرة ٣ : ٢٩٠ ولكن فيه : مسبحة أو حكمه. وفي المجموع للنووي ٤ : ٩٤ ، وفتح العزيز ٤ : ١٣٠ سبحة أو حكة.

٢٤٦

مقتضاه يوجب بقاء شغل الذمّة.

وعدم الإتيان بمقتضاه يتصوّر على وجوه ثلاثة :

الأوّل : عدم الالتفات إليه بوجه وتركه رأساً.

والثاني : الإتيان بشي‌ء يزعم أنّه فرد من أفراد المأمور به وليس كذلك.

والثالث : الإتيان بفرد فاسد منه.

فكما أنّ في صورة التكلّم عمداً أو قصد الرياء بين الصلاة مثلاً تصير الصلاة فاسدة ويطلق عليها حينئذٍ الصلاة الفاسدة ، ولا يحصل الامتثال لاشتراط الصحّة في حصول الامتثال ، أو عدم ظهور البطلان بعد صدق كونه فرداً من أفراد المأمور به ، فكذلك في صورة فعل ما يخرج الصلاة عن صورة الصلاة بحيث لا يُعدّ من أفراد الصلاة لا يحصل الامتثال ، لأنّه لم يأتِ بفرد من أفراد الصلاة ، ففي الأُولى لم يأتِ بفردٍ صحيح ، وفي الثانية لم يأتِ بفردٍ مطلقاً ، وهذا هو مراد العلماء في عنوان هذه المسألة.

فكما أنّ قطع الصلاة رأساً يوجب خروج الصلاة عن كونها صلاة ، فكذلك فعل ما يصدق بسببه أنّه غير مصلّ يوجب خروجها عن كونها صلاة.

ولما كان المفروض أنّ المصلّي لم يقصد قطع الصلاة في هذا العنوان ، ولم يفعل أيضاً من المبطلات الغير المخرجة عن الفردية ، فانحصر الإبطال حينئذٍ بفعل ما يخرجه عن الصلاة من جهة الكثرة ، بمعنى طول المكث وتمادي الزمان ، لا الكثرة العددية.

وأيضاً المراد بالفعل هو الفعل العرفي ، والوحدة والتعدّد العرفيين ، فمن يعقد أزراره في حال الصلاة فقد فعل فعلاً واحداً في العرف ، مع أنّه مشتمل على أفعال كثيرة لغةً في كلّ زرّة ، فضلاً عن جميعها ، فالكثرة هنا غير معتبرة من حيث هي كثرة ، بل من حيث إنّها ماحية لصورة الصلاة ومخرجة للمصلّي عن صلاته.

فالكلام إنّما هو في بيان الكثرة الماحية ، فحينئذٍ يقع الإشكال في إرجاع ذلك إلى العرف.

٢٤٧

وأنا أقول : يمكن دفعه بوجهين :

الأوّل : أن يقال إنّ المراد بالعرف هو العرف العام ، ولا يضرّ عدم مدخليّة العرف في الأُمور التوقيفية ، فإن عدم مدخليّته إنّما هو في أصل وضعها وحقائقها ، وكلامنا ليس في ذلك ، بل في صدق الخروج عنه والبقاء فيه من حيث إنّه فعل من الأفعال ، لأمن حيث إنّه هذا الفعل ، يعني بعد اطّلاع أهل العرف على هذا المعنى الشرعيّ وتميّزه عن غيره من المعاني يقدر على أن يحكم أنّ فاعله داخل فيه أو خارج عنه ، فالحقيقة وإن كانت شرعية ؛ لكن الاشتغال بها والخروج عنها أمر عرفي.

فلنفرض الكلام في عمل النقّاش أو المدرّس مثلاً ، فإنّ أهل العرف العام لا إطّلاع لهم على حقيقة النقش والتدريس ، ولكن يقدرون أن يفهموا متى يشتغل النقاش بالنقش والمدرّس بالتدريس ومتى يصير خارجاً عنه ، فبمجرّد شرب الماء بينهما أو حك البدن أو شرب التتن ونحو ذلك لا يحكمون بالخروج ، ولكن بطيّ الكتاب والخروج عن المدرس وبجمع الات النقش وأدواته في المحبرة والقيام عن مقامه يحكمون بكونه خارجاً ، وهذا واضح المتأمّل.

والثاني : أن يقال المراد بالعرف عُرف المتشرّعة ، فما يحكم المتشرّعة بأنّه ينافي الصلاة من جهة الكثرة ويفسدها فهو باطل ، ومنه يعلم بطلانها شرعاً ، لأنّهم ينسبون عرفهم إلى الشارع.

وحينئذٍ فالموارد الواضحة في حكم الخروج وعدمه وكونها محكوماً بفسادها وعدمه حكمها واضح من حيث الصحّة والبطلان ، وأما الموارد المشكوكة فتبني على الصحّة ، لأصالة عدم الخروج ، وعدم مدخليّة انتفاء ذلك الفعل في الصحّة.

والمناسب لكلام الفقهاء والمستفاد من ظاهر عباراتهم هو الأوّل ، فإنّهم عبّروا عن المطلوب بكونه مخرجاً عن الصلاة ، وعن كونه مصلّياً وعدمه ، لا بكون الصلاة الكذائية صحيحة أو فاسدة.

وحاصل المقام : أنّ الأفعال الواقعة الخارجة عن الصلاة المبطلة لها بعضها

٢٤٨

منصوص على قاطعيتها بالخصوص كالتكلّم والقهقهة ونحوهما عمداً ، وبعضها لا يضرّ بالصلاة بالخصوص ، بل من جهة الكثرة مثل الحك وقتل البرغوث والقملة ونحوهما ، وبعضها مختلف فيها كالأكل والشرب كما سيجي‌ء.

وما هو مُبطل من جهة الكثرة إنّما يُبطل لكونه موجباً للخروج عن الصلاة ، وكونه مخرجاً إنّما يعرف بالعرف على الوجهين المتقدّمين.

ولكن بقي إشكال آخر : وهو أنّ الأخبار الكثيرة الواردة في تجويز كثير من الأفعال في أثناء الصلاة (١) تنافي تلك القاعدة ، فإنّ ظاهر كثير منها أنّه يصير مخرجاً للمصلّي عن الصلاة ، وحكم العرف لا يوافقها ، فيبقى التعارض بين دليل العقل والنقل.

والتحقيق : أنّ تُخصّص الأخبار وتُحمل على ما لو لم يلزم منها خروج المصلّي عن كونه مصلّياً عرفاً ، ولا يحكم بفسادها في عرف المتشرّعة بسبب ذلك ، كما هو مقتضى الجمع بين كثير منها أيضاً ، فإنّ الأخبار المطلقة وردت مثلاً في تجويز قتل الحيّة ، وفي موثّقة عمّار : «إن كان بينها وبينه خطوة واحدة فليخطُ وليقتلها ، وإلّا فلا» (٢) ولكن روى في السرائر عن نوادر البزنطي ما يدلّ على أنّ الخطوتين والثلاث أيضاً غير مضرّة (٣).

وكذلك الروايات الكثيرة المجوّزة لغسل الرعاف والبناء على الصلاة (٤) مخصّصة بذلك ، جمعاً بينها وبين صحيحة عليّ بن يقطين (٥) ، ورواية أبي حمزة (٦).

وكذلك ما دلّ على الإبطال مطلقاً ، مثل رواية حريز الدالّة على القطع لردّ الابق

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦٩ أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ ، ٢٠ ، ٢٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤١ ح ١٠٧٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٣٦٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٩ أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ ح ٤.

(٣) مستطرفات السرائر ٣ : ٥٥٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٧٩ أبواب قواطع الصلاة ب ٣٠ ح ١.

(٤) الوسائل ٤ : ١٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٨ ح ١٣٤٦ ، الوسائل ١ : ١٨٦ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٢٨ ح ١٣٤٧ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١٤.

٢٤٩

والغريم وقتل الحيّة (١) يخصّص بما أوجب الخروج عن الصلاة.

ثمّ إنّ من تتبّع الأخبار يحصل له الظنّ القويّ بل القطع بأنّه لا مدخلية لخصوصيات الأفعال ، بل المخلّ هو الكثرة ، وأنّ المقدار المرخّص فيه هو غير ما كان ماحياً لصورة الصلاة ، والممنوع منه هو ما كان ماحياً من دون فرق بين المواضع.

وأفتى الفقهاء في كثيرٍ من تلك المواضع مثل قتل المؤذيات من الحيّة والعقرب وغيرهما ، والتصفيق وضرب الحائط تنبيهاً على الحاجة ، وعدّ الركعات ، والتسبيح بالحصى ، ورمي الغير بالحصى طلباً لإقباله ، وضمّ الجارية إليه ، وإرضاع الصبي حال التشهّد ، ورفع القلنسوة من الأرض ووضعها على الرأس ؛ رواه الشهيد في الذكرى (٢) ، ولبس العمامة والرداء ، ومسح الجبهة ، وغير ذلك. والأخبار فيما ذكرنا وفي غيرها طويلة لا نطيل بذكرها.

وقال العلامة في المنتهي بعد العبارة التي نقلناها عنه سابقاً : ولم يحدّ الشارع القلّة والكثرة ، والمرجع في ذلك إلى العادة ، وكلّما ثبت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين فعلوه في الصلاة أو أمروا به فهو من القليل (٣).

والظاهر أنّ مراده رحمه‌الله أنّ ما فعلوه أو أمروا به هو القليل من تلك الأفعال ، لا أنّ كلّها قليل ، فإن قتل الحية قد يوجب فعلاً كثيراً مثلاً.

ويحتمل أن يكون مراده أنّه إن ثبتت كثرته أيضاً فهو في حكم القليل في الجواز ، وهو بعيد ، لكمال الإشكال في تخصيص الدليل العقلي ، وجعل ذلك عبادة أُخرى قائمة مقام الصلاة أبعد.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٧ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ ح ١٠٧٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ح ١٣٦١ ، الوسائل ٤ : ١٢٧١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ١.

(٢) الذكرى : ٢١٦.

(٣) المنتهي ١ : ٣١٠.

٢٥٠

فمرجع المسألة إلى أنّ المصلّي يعتمد على ملاحظة الخروج عن الصلاة عرفاً وعدمه على نهج ما يفهمه في سائر الأفعال العرفية ، وهذا أمر ليس فيه كثير مشقّة ، وليس خارجاً عن طور العرف والعادة حتى لا يمكن حوالته عليه. وذلك مثل حوالة المكلّف في وجوب الاجتناب عن الغناء إلى العرف على القول به كما هو الأظهر ، وكذلك في خروجه عن دار الإقامة وعدمه في مسألة القصر.

ثمّ إنّ المشهور تخصيص حكم إبطال الفعل الكثير بصورة العمد ، فلا يبطل لو كان نسياناً عندهم ، وادّعى عليه الإجماع في الذكرى (١) ، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا (٢).

وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله : لو استلزم الفعل الكثير ناسياً انمحاء صورة الصلاة رأساً توجّه البطلان أيضاً ، لكن الأصحاب أطلقوا الحكم بعدم البطلان (٣).

وأقول : كلامهم في ذلك أيضاً يشعر بانفكاك العنوانين ، أعني الكثرة وكونه مخرجاً عن الصلاة ، وقد عرفت كلام المنتهي المشعر بالاتّحاد ، وعرفت حقيقة الأمر أيضاً.

وإن ثبت إجماعهم على عدم البطلان في صورة السهو فهو قانون جديد لازم الاتباع ، ومعناه تشريع قيام فعل آخر مقام الصلاة ، لأنّه غير مطابق لقاعدة العقل في امتثال الأمر ، ولا تقبل القاعدة العقلية التخصيص.

والأوجه عندي البطلان ، والأبحاث المتقدّمة تدور عليهم إن جعلوا كثرة الفعل مغايرة لكونه مخرجاً من الصلاة وأرادوا ذلك ، لعدم التحديد ، وعدم الدليل عليه ، وعدم ثبوت مورد الإجماع حينئذٍ ، لأنّ النفي والإثبات في صورتي العمد والسهو متعلّقان بشي‌ء واحد.

__________________

(١) الذكرى : ٢١٥.

(٢) التذكرة ٣ : ٢٩٠.

(٣) روض الجنان : ٣٣٣ ، المسالك ١ : ٢٢٨.

٢٥١

وألحق بعضهم السكوت الطويل المخرج للمصلّي عن كونه مصلّياً بالفعل الكثير (١) ، وهو كذلك.

بقي الكلام في الأكل والشرب ، وادّعى الشيخ على إبطال مطلقهما الإجماع (٢) ، وبنى المحقّق الكلام فيهما على اعتبار القلّة والكثرة (٣) ، وحسّنه جماعة من المتأخّرين (٤) ، والأولى متابعة الشيخ للإجماع الذي نقله.

وأما إذا وضع في فمه مثل السكّر فذابَ فابتلعه فالأظهر عدم الإبطال ، وقال في المنتهي بعدم إبطاله عندنا ، وإبطاله عند الجمهور (٥) ، وهو يشعر بدعوى الإجماع.

وألحق بعضهم بذلك ابتلاع اللقمة لو مضغها قبل الصلاة (٦) ، وليس ببعيد.

وإما ما بقي من بقايا الغذاء في أسنانه فابتلعه فلا يفسد ، وظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه (٧).

واستثنوا عن ذلك شرب الماء في صلاة الوتر لمن أراد الصوم في صبيحته وهو عطشان يخاف الإصباح ، لحسنة سعيد الأعرج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أبيت وأُريد الصوم ، فأكون في الوتر فأعطش ، فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأكره أن أُصبح وأنا عطشان ، وأمامي قلّة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة ، قال : «تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء» (٨).

وربّما يُتعدّى مورد النصّ ، بل ويُعمّم في النوافل مطلقاً ، وهو مشكل ، وإن كان لا يخلو عدم البطلان من رجحان ؛ لما يستفاد من تضاعيف الأخبار من المسامحة

__________________

(١) الذكرى : ٢١٧.

(٢) الخلاف ١ : ٤١٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٥٩.

(٤) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٣ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٦٧ ، والبحراني في الحدائق ٩ : ٥٤.

(٥) المنتهي ١ : ٣١٢.

(٦) المنتهي ١ : ٣١٢.

(٧) جامع المقاصد ٢ : ٣٥٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ح ١٣٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٧٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٣ ح ١.

٢٥٢

في النوافل.

ولا فرق بين الصوم الواجب والمستحب لترك الاستفصال ، هذه أحكام صورة العمد.

وأما النسيان فادّعى في المنتهي إجماع الأصحاب على عدم إبطالها ناسياً (١).

السابع : تبطل الصلاة بتعمّد القهقهة إجماعاً على ما نقله غير واحد ؛ (٢) ، وللأخبار الكثيرة (٣).

ولا تبطل نسياناً ، للإجماع أيضاً ، نقله جماعة (٤).

ولو كان من دون اختيار لمقابلة لاعب ونحوه فتبطل للعموم ، وظاهر التذكرة الإجماع عليه (٥).

وأما التبسّم فليس بمبطل إجماعاً كما يظهر من المنتهي (٦) ، عمداً كان أو سهواً ، للأخبار السابقة (٧).

واعلم أنّ مقابلة القهقهة بالتبسّم في الأخبار وكلام الأصحاب يعطي أنّ ما سوى التبسّم قهقهة ، وهو مخالف لظاهر العرف واللغة.

قال في الصحاح : القهقهة في الضحك معروفة ، وهي أن يقول قه قه (٨).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٣١٢.

(٢) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٢٥٤ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٣١٠ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٦٤.

(٣) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ، وص ٦٨٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٦.

(٤) منهم العلامة في التذكرة ٣ : ٢٨٦ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٤٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٢.

(٥) التذكرة ٣ : ٢٨٦.

(٦) المنتهي ١ : ٣١٠.

(٧) تقدّمت الإشارة إليها في هامش ٣.

(٨) الصحاح ٦ : ٢٢٤٦.

٢٥٣

وفي القاموس : هي الترجيع في الضحك ، أو شدّة الضحك (١).

وفي الصحاح : التبسّم دون الضحك (٢).

واختلف كلام الأصحاب أيضاً في تفسير القهقهة ، فربّما فسّر بالضحك المشتمل على الصوت (٣) ، ومنهم من فسّرها بمطلق الضحك (٤) ، وهو يناسب تفسير الجوهري للتبسّم ، فإنه يفيد مغايرة التبسم للضحك.

وبالجملة حكم الضحك الشديد الخالي عن الصوت أو المشتمل على الصوت بدون الترجيع مشكل ، لعدم ظهوره من الأخبار ، والأصل يقتضي عدم البطلان.

والاحتياط في الإتمام والإعادة ، بل لا يبعد ترجيح البطلان ، فإنّ الظاهر أنّ مورد الإجماعات هو ما سوى التبسّم ، فالظاهر أنّهم أرادوا منها ما سوى التبسّم من أقسام الضحك ، ويكون ذلك قرينة على أنّ المراد منها في الأخبار أيضاً ذلك.

الثامن : تبطل الصلاة بتعمّد البكاء للأُمور الدنيوية كذهاب مال أو نفس أو غير ذلك ، على ما هو المشهور بين الأصحاب ، بحيث لم يوجد فيه مخالف ، إلّا بعض المتأخّرين ، كالمحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٥) ، وبعض من تأخّر عنه (٦) حيث توقّفوا في الحكم ، استضعافاً للرواية التي هي مستند القوم (٧) ، وجعلوه من لواحق الفعل

__________________

(١) القاموس : ١٦١٦.

(٢) الصحاح ٥ : ١٨٧٢.

(٣) المسالك ١ : ٢٢٧.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣٤٩.

(٥) مجمع الفائدة ٣ : ٧٣.

(٦) كصاحب المدارك ٣ : ٤٦٦.

(٧) وهي رواية نعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال : إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميّتاً له فصلاته فاسدة ، التهذيب ٢ : ٣١٧ ح ١٢٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٠٨ ح ١٥٥٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ٤ ، وهي ضعيفة باشتمال سندها على عدّة من الضعفاء كالمذكورين.

٢٥٤

الكثير ، وهو مدفوع بجبر ضعفها بعملهم ، وبورودها في الفقيه (١).

وزاد جماعة من الأصحاب على الحكم بالبطلان أنّه كذلك وإن وقع على وجه لا يمكن دفعه (٢).

ثمّ إنّ إطلاق كلامهم يشمل ما لو كان لطلب الدنيا كالمال والولد ، ولكن الدليل لا يساعدهم ، فإن المذكور في الرواية أنّه إن كان لذكر ميّت فصلاته فاسدة ، ويستفاد منه أنّه لفقد شي‌ء منها ، بل الظاهر أنّه قد يكون من الطاعات.

وأما البكاء من خشية الله فهو من أفضل الأعمال ، ومندوب إليه بالأخبار الكثيرة عموماً (٣) وخصوصاً (٤).

ثمّ إنّ بعض الأصحاب خصّص الحكم بما كان له صوت ونحيب (٥) ، نظراً إلى أنّ البكاء الممدود لما كان له مدّ وصوت ، والمقصور لخروج الدمع كما ذكره الجوهري (٦).

ولفظ الخبر وإن كان يحتملهما لأنّه عليه‌السلام ، قال إن بكى لذكر الجنة والنار الحديث ، ولكن السؤال عن البكاء ممدوداً ، فيمكن أن يكون السؤال قرينة لإرادة الممدود في الجواب.

وتعضده عبارة الفقيه : وروي أنّ البكاء على الميّت يقطع الصلاة ، والبكاء لذكر الجنة والنار من أفضل الأعمال في الصلاة. ولعلّه أراد ذلك الخبر ، والأحوط الاجتناب عنهما.

وظاهر الأصحاب أنّ البكاء نسياناً لا يبطل ، وليس ببعيد ، وإن كان إطلاق

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ ح ٩٤١ ، قال : وروي أنّ البكاء على الميّت يقطع الصلاة..

(٢) كالعلامة في المنتهي ١ : ٣١٠ ، والشهيد الأوّل في الذكرى : ٢١٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٣.

(٣) الوسائل ٤ : ١١٢١ أبواب الدعاء ب ٢٩.

(٤) الوسائل ٤ : ١٢٥٠ أبواب قواطع الصلاة ب ٥.

(٥) كشف اللثام ١ : ٢٤٠.

(٦) الصحاح ٦ : ٢٢٨٤.

٢٥٥

الخبر يشمله ، لأنّ الخبر الضعيف إنما يعمل به بسبب عملهم ، فيقتصر فيه على ما عملوا به.

التاسع : إذا تعمّد الالتفات عن القبلة بكلّ البدن مطلقاً وبالوجه إلى الخلف فالمشهور بطلان الصلاة وأما بالوجه فقط إلى أحد الجانبين فقط فليس بمبطل ، وظاهر المنتهي اتفاق الأصحاب عليه (١). ونسب المخالفة في ذلك في المعتبر والتذكرة إلى بعض العامّة (٢) ، ونقل عن فخر المحقّقين القول بالبطلان (٣).

والأظهر هو التفصيل المشهور ، لاشتراط القبلة الظاهر في الاستقبال بالبدن ، وللأخبار الكثيرة المعتبرة المطلقة (٤) ، ولخصوص صحيحة زرارة أنّه سمع أبا جعفر عليه‌السلام يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه (٥).

وحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال ، قال إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً (٦) الحديث.

وفي حديث الأربعمائة في الخصال عن أمير المؤمنين عليه‌السلام الالتفات الفاحش يقطع الصلاة (٧).

فإنّ الظاهر أنّ الالتفات بكلّ البدن فاحش مطلقاً ، فلا تنافي بين منطوق الصحيحة ومفهوم الحسنة ، وصدق الفاحش بالالتفات بالوجه إلى الخلف ، بل بما يقرب منه أيضاً ، لاستحالة الالتفات إلى الخلف الحقيقي بالوجه عادة ،

__________________

(١) المنتهي ١ : ٣٠٧.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٦٠ ، التذكرة ٣ : ٢٩٤.

(٣) نقله عنه في جامع المقاصد ٢ : ٣٤٧.

(٤) الوسائل ٤ : ١٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ، ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٩ ح ٧٨٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ ح ١٥٤٣ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٥ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ح ١٣٢٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٢.

(٧) الخصال : ٦٢٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٩ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٧.

٢٥٦

وعدم ظهور صدق الفاحش في غيره ، سيّما مع ملاحظة مفهوم صحيحة زرارة ، وباقي الإطلاقات الواردة في الباب من طرفي الإبطال وعدم الإبطال مقيّد بما ذكر.

وأما الالتفات بالنظر ولو إلى الخلف فالظاهر أنّه لا خلاف في عدم إبطاله للصلاة ، وادّعى بعضهم الاتّفاق عليه.

نعم كلّ ذلك من المكروهات ، وفي المحاسن عن الصادق عليه‌السلام إذا قام العبد إلى صلاته أقبل الله عليه بوجهه ، ولا يزال مقبلاً عليه حتّى يلتفت ثلاث مرّات ، فإذا التفت ثلاث مرّات أعرض عنه (١).

ومستند فخر المحقّقين هو مثل حسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال إذا استقبلت الصلاة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك (٢) ولا بدّ من تقييدها بالروايتين المتقدّمتين.

وأما إذا التفت نسياناً ففي كلام الأصحاب اختلاف ، فيظهر من بعضهم أنّه في حكم العامد (٣) ، ومن بعضهم عدم الإعادة مطلقاً (٤) ، ومن بعضهم التفصيل المتقدّم فيمن صلّى إلى غير القبلة بالظنّ (٥).

وقال في المدارك : إن كان يسيراً لا يبلغ حد اليمين واليسار لم يضره ذلك ، وإن بلغه وأتى بشي‌ء من الأفعال في تلك الحال أعاد في الوقت ، وإلّا فلا إعادة (٦).

والعمل على التفصيل المتقدّم ليس ببعيد ، وإن كان الأحوط الإعادة.

__________________

(١) عقاب الأعمال : ٢٧٣ ح ١ ، المحاسن : ٨٠ ح ٩ ، الوسائل ٤ : ١٢٨٠ أبواب قواطع الصلاة ب ٣٢ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ ح ٨٥٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ ح ٧٨٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ ح ١٥٤٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٧ أبواب القبلة ب ٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٦٨ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤٧.

(٤) المنتهي ١ : ٣٠٨.

(٥) المقنعة : ٩٧.

(٦) المدارك ٣ : ٤٦٢.

٢٥٧

وفي الجاهل بالمسألة إشكال ، ويظهر حكمه مما قدّمناه ثمّة.

العاشر : تكره مدافعة الأخبثين للأخبار ، منها صحيحة هشام بن الحكم ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ، وهو بمنزلة من هو في ثوبه (١) وهي محمولة على نفي الكمال للإجماع.

ولو ضاق الوقت عن الدفع والطهارة أو كان في الصلاة فطرأه فإن لم يتضرّر بالحبس حبسهما ، وإلّا فليدفعهما وليصلّ بعد الطهارة.

ولا يحضرني الان منهم كلام في الريح ، ولعلّه أيضاً كذلك ، لكونه مانعاً للحضور ، ولإشعار بعض الأخبار به (٢).

ويكره العبث باليد والرأس واللحية ، والتثاؤب ، والتمطّي ، وفرقعة الأصابع ، والقيام إلى الصلاة متكاسلاً ومتناعساً ، للنهي عن الصلاة سكارى وكسالى في القرآن (٣) ، ولصحيحة زرارة (٤) وغيرها من الأخبار (٥) ، ولمنافاتها للخشوع المطلوب في الصلاة بالقلب والجوارح ، فقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما رأى عابثاً في الصلاة ، قال لو خشع قلبه لخشعت جوارحه (٦).

وفي صحيحة الفضيل عنهما عليهما‌السلام أنّهما قالا إنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه منها ، فإن أوهمها كلّها أو غفل عن آدابها لفّت وضرب بها وجه صاحبها (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٣ ح ١٣٧٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ١٢٥٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٨.

(٣) النساء : ٤٣ ، ١٤٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٩ ح ١ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٩ أبواب قواطع الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٥) الوسائل ٤ : ١٢٥٩ أبواب قواطع الصلاة ب ١١ ، ١٢.

(٦) الجعفريات : ٣٦ ، مستدرك الوسائل ٥ : ٤١٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١١ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٤٢ ح ١٤١٧ ، الوسائل ٤ : ٦٨٧ أبواب أفعال الصلاة ب ٣ ح ١.

٢٥٨

ويؤدّي مؤدّاها أخبار كثيرة (١) ، وفي بعضها تصريح أنّ العبد لا يقبل منه صلاة إلّا ما أقبل منها (٢) ، وفي أمثالها دلالة على مغايرة الإجزاء للقبول ، كما ذهب إليه المرتضى (٣) رحمه‌الله فالإجزاء هو الإخراج عن عهدة التكليف ، والقبول هو ترتّب الثواب.

ويدلّ عليه قوله تعالى (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٤) وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا) (٥) وقوله تعالى (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) (٦) مع إتيانهما بالمأمور به. ولدعاء الناس في جميع الأعصار والأمصار بقبول أعمالهم بعد الفراغ منها ، وإلّا لم يحسن ذلك إلّا قبل الفعل. وربما يجاب عن المذكورات بتوجيهات وتأويلات بعيدة.

ثمّ إنّ من يفرّق بينهما ينبغي أن يقول فيما كان مجزياً غير مقبول إنّه لا ثواب عليه من حيث الخصوص ، وإن كان مثاباً عليه لإدخاله نفسه في زمرة العابدين ، وبذلك تندفع بعض الشبهات التي يمكن أن تُورد هنا.

وكيف كان فالعمدة في العبادة حصول القبول ، وهو لا يحصل إلّا بالإقبال ، والصلاة بدونه كجسد بلا روح ، ففي صحيحة الفضيل : «إنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام كان إذا قام في الصلاة تغيّر لونه ، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفضّ عرقاً» (٧).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٦٨٧ أبواب أفعال الصلاة ب ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤١ ح ١٤١٥ ، علل الشرائع : ٢٣١ ب ١٦٥ ح ٨ ، الوسائل ٤ : ٦٨٨ أبواب أفعال الصلاة ب ٣ ح ٦.

(٣) رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٢٩.

(٤) المائدة : ٢٧.

(٥) البقرة : ١٢٧.

(٦) المائدة : ٢٧.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٠ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ ح ١١٤٥ ، الوسائل ٤ : ٦٨٥ أبواب أفعال الصلاة ب ٢ ح ٢. ويرفضّ : يترشّش.

٢٥٩

وفي رواية الجهم بن حميد أنّه عليه‌السلام إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرّك منه شي‌ء إلّا ما حرّكت الريح منه (١).

وفي بيان التنزيل لابن شهرآشوب نقلاً عن تفسير القيسري أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان إذا حضر وقت الصلاة تلوّن وتزلزل ، فقيل له : ما لكَ؟ فقال : «جاء وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ، وأنا في ضعفي فلا أدري أُحسن أداء ما حملت أم لا» (٢).

وفي حسنة عبد العزيز بن المهتدي ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال إذا صلّيت فصلّ صلاة مودّع يخاف أن لا يعود إليها رواها الصدوق في المجالس (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٠ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ٦٨٥ أبواب أفعال الصلاة ب ٢ ح ٣.

(٢) انظر مستدرك الوسائل ٤ : ٩٣ أبواب أفعال الصلاة ب ٢ ذ. ح ٥ ، والبحار ٨١ : ٢٤٨ بتفاوت.

(٣) أمالي الصدوق : ٢١٢ ح ١٠ ، الوسائل ٤ : ٦٨٥ أبواب أفعال الصلاة ب ٢ ح ٥.

٢٦٠