غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

أهل المعرفة ، والحريّ بالعارف أن يجعل الأوّل من باب الشّهوة ، والأخر من باب الإرادة ، عكس ما هو مأنوس في طباع العامّة.

ونظير ذلك : المحبّ المشتاق إلى لقاء محبوب عظيم رفيع الشأن غاية الاشتياق المتدنّس بالوسخ والقذر المتلبّس بالثياب الخبيثة المنتنة المنفّرة ، فهو مع أنّه لا يطيق المفارقة ويقلّ اصطباره عن القرار ، يرجو طول زمان المفارقة بمقدار إزالة الأوساخ ، وأخذ الأُهبة للقاء المحبوب على وجه يليق به.

ونظير الأخر : مطلوبية طول الشتاء للزراع مع تحمّل الشدائد فيه ، لأجل زيادة المحصول ، وإلى ذلك أُشير في كلمات أهل العصمة عليهم‌السلام : «بقية العمر نفيسة لا ثمن لها» (١) و «الدنيا مزرعة الآخرة» (٢) ونحو ذلك.

الرابع : يستحبّ وضع جنازة الرجل على الأرض مما يلي رجلي القبر ، والمرأة مما تلي القبلة وأن ينقله إلى شفير القبر بعد وضعه قريباً منه بدفعات ثلاث. والأخبار الدالّة على وضعه قريباً من القبر بذراعين أو ثلاثة أو نحو ذلك ليأخذ أُهبته ، وأن لا يفدح بالميّت القبر ؛ كثيرة (٣).

وأمّا استحباب الدفعات الثلاث ، فيدلّ عليه ما رواه الصدوق في العلل قال : وفي حديث آخر : «إذا أتيت بالميّت القبر فلا تفدح به القبر ، فإنّ للقبر أهوالاً عظيمة ، وتعوّذ من هول المطلع ، ولكن ضعه قرب شفير القبر واصبر عليه هُنيئة ، ثمّ قدّمه قليلاً ، واصبر عليه ليأخذ أُهبته ، ثمّ قدّمه إلى شفير القبر» (٤).

ويستحبّ أن يرسل الرجل إلى القبر سابقاً برأسه من قِبَل الرجلين ، والمرأة

__________________

(١) ورد مضمونه في البحار ٦ : ١٣٨ ح ٤٦.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٦٧ ح ٦٦.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٨٣٧ أبواب الدفن ب ١٦.

(٤) علل الشرائع : ٣٠٦ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٨٣٨ أبواب الدفن ب ١٦ ح ٦.

٥٢١

عرضاً ، لمرفوعة عبد الصمد بن هارون (١) ، ورواية زيد بن عليّ (٢).

وما رواه الصدوق في الخصال ، عن الأعمش ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام في حديث شرائع الدين ، قال : «والميّت يسلّ من قبل رجليه سلّا ، والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد ، والقبور تربّع ولا تسنّم» (٣).

ومطلقات ما دلّ من الأخبار على السلّ من قِبَل الرّجلين (٤) وموثّقة عمّار الدالّة على وضع الجنازة مما يلي الرجلين (٥) منزّلة على الرجل ، للروايتين المذكورتين.

ومن جميع ذلك ظهر دليل استحباب وضع الرجل من قبل الرجلين والمرأة مما يلي القبلة أيضاً.

ثمّ إنّ ظاهر ما رواه في العلل هو عدم الفرق بين الرجل والمرأة في الدفعات الثلاثة ، ولكن يظهر من الشهيد الثاني في الروضة (٦) وبعض من تأخّر عنه (٧) أنّ المشهور أنّ الحكم المذكور مختصّ بالرجل ، ولم أقف على دليل في الفرق. وبعض كلماتهم ظاهرة في عدم الفرق ، كعبارة الصدوق في الفقيه (٨) والمفيد (٩) ، وكثير منها متشابهة الدلالة ، فلاحظ كلماتهم وتأمّل فيها.

وكيف كان ، فالراجح عدم الفرق ، سيّما مع التعليل الوارد في الأخبار «لأخذ الأُهبة وتسكين الهول» (١٠) مع أنّها أحقّ بها لضعف نفسها.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٢٥ ح ٩٥٠ ، الوسائل ٢ : ٨٦٥ أبواب الدفن ب ٣٨ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢٦ ح ٩٥١ ، الوسائل ٢ : ٨٦٥ أبواب الدفن ب ٣٨ ح ٢.

(٣) الخصال : ٦٠٣ ح ٩.

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٨٤٨ أبواب الدفن ب ٢٢.

(٥) التهذيب ١ : ٣١٦ ح ٩١٩ ، الوسائل ٢ : ٨٤٩ أبواب الدفن ب ٢٢ ح ٦.

(٦) الروضة البهيّة ١ : ٤٣٩.

(٧) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٣٣.

(٨) الفقيه ١ : ١٠٧.

(٩) المقنعة : ٧٩.

(١٠) انظر الوسائل ٢ : ٨٣٧ أبواب الدفن ب ١٦.

٥٢٢

ويستحبّ أن ينزل من يدخله في القبر حافياً مكشوف الرأس محلولة أزراره ، للأخبار الدالّة عليه (١).

وما دلّ على نفي البأس عن الخفّ (٢) فهو محمول على الضرورة أو التقيّة ، كما صرّح به في رواية أبي بكر الحضرمي (٣) ، ورواية سيف بن عميرة (٤).

ويستحبّ أن يدعو بما ورد في الروايات عند وضعه في القبر ، بأن يقول : «اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، نزل بك وأنت خير منزول به» (٥) وبعد وضعه أيضاً بما ورد فيها من الأدعية والفاتحة والمعوذتين والإخلاص وأية الكرسي (٦).

ويكره أن يباشر إدخاله الأرحام في الرجل دون المرأة ، وعلّل الأوّل بأنّه موجب للقسوة المضادّة للرحمة المطلوبة من الله.

والثاني بأنّها عورة مستحقّة للكتمان (٧) ، وبرواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام قال ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام مضت السنّة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حياتها (٨).

وفي رواية إسحاق بن عمّار عنه عليه‌السلام ، قال الزوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها (٩).

وأمّا الأخبار في جانب الرجل فلم نقف عليها إلّا ما دلّ على كراهة نزول الوالد

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٨٤٠ أبواب الدفن ب ١٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٨٤٠ أبواب الدفن ب ١٨.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٣ ح ٩١١ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ ح ٧٥١ ، الوسائل ٢ : ٨٤٠ أبواب الدفن ب ١٨ ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣١٣ ح ٩١٠ ، الوسائل ٢ : ٨٤١ أبواب الدفن ب ١٨ ح ٥.

(٥) الوسائل ٢ : ٨٤٥ أبواب الدفن ب ٢١.

(٦) الوسائل ٢ : ٨٤٢ أبواب الدفن ب ٢٠.

(٧) كما في المعتبر ١ : ٢٩٧.

(٨) الكافي ٣ : ١٩٣ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ ح ٩٤٨ ، الوسائل ٢ : ٨٥٣ أبواب الدفن ب ٢٦ ح ١.

(٩) الكافي ٣ : ١٩٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ ح ٩٤٩ ، الوسائل ٢ : ٨٥٣ أبواب الدفن ب ٢٦ ح ٢.

٥٢٣

قبر ولده ، وعدمها في نزول الولد قبر والده من الأخبار المستفيضة (١) ، ويمكن أن يتنبّه لذلك مما ورد في كراهة إهالة ذي الرحم كما سيجي‌ء.

ولو تعذّر المحرم للمرأة فامرأة صالحة ، ثم أجنبي صالح ، وإن كان شيخاً فهو أولى ، قاله في التذكرة (٢) ، وتبعه غيره (٣) ، ولا بأس به.

الخامس : يجب الدفن كفاية بالإجماع.

وقالوا : إنّ الواجب وضعه في حفرة تستر عن الإنس ريحه وعن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها غالباً (٤).

قال في الذكرى : وهاتان الصفتان متلازمتان في الغالب ، ولو قدّر وجود إحداهما بدون الأُخرى وجب مراعاة الأُخرى ، للإجماع على وجوب الدفن ، ولا تتمّ فائدته إلّا بهما (٥). وذكره غيره أيضاً (٦).

ولعلّهم نظروا إلى أنّ وجوب الدفن توصّلي ، والمقصود من إيجابه حصول هاتين الحكمتين ، فالتزموا وجوب حصولهما.

ويمكن استفادة ذلك مما ورد أنّ حرمة المرء المسلم ميّتاً كحرمته حيّاً (٧) ، ولا يحصل احترامه إلّا بحصول الأمرين ، مع أنّ في أحدهما دفع الإضرار عن الأحياء أيضاً.

وروى الصدوق في العيون والعلل ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٨٥١ أبواب الدفن ب ٢٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٩٣.

(٣) كصاحب المدارك ٢ : ١٣٢.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ٢٣٢ ، الذكرى : ٦٤ ، الدروس ١ : ١١٥ ، المسالك ١ : ٩٩.

(٥) الذكرى : ٦٤.

(٦) كالكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٣٦.

(٧) التهذيب ١ : ٤١٩ ح ١٣٢٤ ، وص ٤٤٥ ح ١٤٤٠ ، وج ١٠ : ٢٧٣ ح ١٠٧٠ ١٠٧٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٩٧ ح ١١١٨ ١١٢٠ ، الوسائل ٢ : ٨٧٥ أبواب الدفق ب ٥١ ح ١ ، وج ١٩ : ٢٥١ أبواب ديات الأعضاء ب ٢٥ ح ٦.

٥٢٤

عليه‌السلام ، قال : «إنّما أُمر بدفن الميت لئلّا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره ، وتغيّر رائحته ، ولا يتأذّى الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الافة والفساد ، وليكون مستوراً عن الأولياء والأعداء ، فلا يشمت عدوّه ، ولا يحزن صديقه» (١).

وظاهرهم تعيّن الحفرة ، فلا يجزي جعله في تابوت من صخر أو غيره ، وكذا الأزج (٢) فوق الأرض وإن حصلت الفائدتان ، لعدم صدق الدفن عليه.

نعم لو دفن بالتابوت في الأرض جاز لكنّه مكروه ، وادّعى عليه في المبسوط الإجماع (٣) ، وقال في الذكرى : ولا فرق بين أنواع التابوت (٤) ، هذا مع التمكّن.

وأما مع التعذّر لصلابة الأرض أو كثرة الثلج أو جمود الأرض وعدم التمكن من نقله إلى ما يمكن الدفن فيه قبل فساده يجزي التابوت والبناء عليه مما يحصل الغرضين أو أحدهما إن لم يمكن تحصيلهما معاً.

ومن مات في البحر وجب غسله وكفنه والصلاة عليه ، ونقله إلى البرّ للدفن ، أو الاصطبار حتّى يصل إلى البرّ مع الإمكان وعدم الحرج وعدم فساد الميّت ، وإلّا فيستر في وعاء كالخابية ويوكأ رأسه أو يثقل في رجليه أو غيرهما بحجر أو حديد أو نحوهما ليرسب في الماء ، ثم يلقى في البحر ، للجمع بين صحيحة أيّوب بن الحرّ الدالّة على الأوّل (٥) ، والأخبار الكثيرة الدالّة على الثاني ، مثل مرسلة أبان (٦) ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١١٤ ، علل الشرائع : ٢٦٨ ح ٩ ، الوسائل ٢ : ٨١٩ أبواب الدفن ب ١ ح ١.

(٢) الأزَج بالتحريك : ضرب من الأبنية وهو بيت يبنى طولاً (مجمع البحرين ٢ : ٢٧٥).

(٣) المبسوط ١ : ١٨٧.

(٤) الذكرى : ٦٥.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٣ ح ١ ، الفقيه ١ : ٩٦ ح ٤٤٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ ح ٩٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ح ٧٦٢ ، الوسائل ٢ : ٨٦٦ أبواب الدفن ب ٤٠ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٢١٤ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٣٩ ح ٩٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ح ٧٥٩ ، الوسائل ٢ : ٨٦٧ أبواب الدفن ب ٤٠ ح ٣.

٥٢٥

ومرفوعة سهل بن زياد (١) وغيرهما (٢).

وربما يقدح في سند الأخبار الأخيرة (٣) ، ولا وجه له ، سيّما مع اشتهار العمل بمضمونها ، مع تأيّدها بما ورد في حكاية زيد بن عليّ عليه‌السلام حيث أحرقوا جثّته من قول الصادق عليه‌السلام لسليمان بن خالد : «أفلا كنتم أوقرتموه حديداً ، وقذفتموه في الفرات» (٤) ولا يذهب عليك أن إطلاق الأخبار في الأمرين المذكورين محمول على الغالب في البحر أو ظاهر فيما يتعذّر الوصول ، فلا ينافي التقييد الذي ذكرناه ، لإطلاق الأمر بالدفن.

وأوجب جماعة استقبال القبلة حين الإلقاء ، لأنّه دفن ، وفيه تأمّل ، ولا ريب أنّه أحوط.

السادس : يجب إضجاعه على اليمين مستقبل القبلة بلا خلاف بينهم ، إلّا من ابن حمزة ، ومال إليه المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله ، لعدم وقوفه على دليل فيه.

واحتجّ الأصحاب بالتأسّي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام.

والظاهر أنّهم أرادوا أنّهم كانوا يفعلون ذلك ، ملتزمين به ، وإلّا فلا دلالة.

وبما ورد في حكاية براء بن معرور من الأخبار الكثيرة ، منها صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كان البراء بن معرور التميمي الأنصاري بالمدينة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة ، وأنّه حضره الموت ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون يصلّون إلى بيت المقدس ، فأوصى البراء

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ ح ٩٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ح ٧٦٠ ، الوسائل ٢ : ٨٦٧ أبواب الدفن ب ٤٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٨٦٦ أبواب الدفن ب ٤٠.

(٣) كما في المعتبر ١ : ٢٩٢ ، والمدارك ٢ : ١٣٥.

(٤) الكافي ٨ : ٢٥٠ ح ٣٥١ ، الوسائل ٢ : ٨٦٧ أبواب الدفن ب ٤١ ح ١.

٥٢٦

إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول الله صلّى الله وعليه وآله إلى القبلة ، فجرت به السنة ، وأنّه أوصى بثلث ماله فنزل به الكتاب وجرت به السنة» (١).

وفي رواية اخرى : «إنّ براء كان أوّل من استنجى بالماء ، فنزل فيه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٢) وجرت به السنّة» (٣).

والظاهر من جريان السنة في الجميع اللزوم والالتزام ، فلا وجه للقدح في الدلالة ، مع أنّ العلاء بن سيّابة روى عن الصادق عليه‌السلام في حديث القتيل إذا قطع رأسه ، قال إذا أنت صرت إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجهته للقبلة (٤).

وإذا كان الميّت امرأة غير مسلمة حاملة من مسلم فيستدبر بها القبلة إكراماً للولد ؛ حيث إنّ وجهه إلى ظهرها ، وعن التذكرة إنّه إجماع العلماء كافة (٥).

ولما كان المقصود بالذّات في الدفن هو الولد ، لعدم لزوم دفن الكافر ، بل ولا رجحانه ، فيدفن في مقبرة المسلمين ، واستدلّوا عليه برواية يونس عن الرضا عليه‌السلام (٦).

وظاهرهم عدم جواز إخراجه من بطنها وغسلها وتكفينها ، وتدلّ عليه تلك الرواية أيضاً ، وإن كان في دلالتها على الدفن في مقبرة المسلمين تأمّل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥٤ ح ١٦ ، الفقيه ٤ : ١٣٧ ح ٤٧٩ ، التهذيب ٩ : ١٩٢ ح ٧٧١ ، علل الشرائع ٢ : ٥٦٦ ح ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦١ أبواب أحكام الوصايا ب ١٠ ح ١.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

(٣) الخصال : ١٩٢ ح ٢٦٧ ، الوسائل ١ : ٢٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤ ح ٦. وقيل : إنّ البراء مات في المدينة قبل هجرة النبيّ (ص) إليها بشهر. انظر الإصابة ١ : ١٤٤ / ٦٢٢ ، وأُسد الغابة ١ : ١٧٤ ، وسير أعلام النبلاء ١ : ٢٦٧ / ٥٣ ، وطبقات ابن سعد ٣ : ٦١٨.

(٤) التهذيب ١ : ٤٤٨ ح ١٤٤٩ ، الوسائل ٢ : ٨٨٥ أبواب الدفن ب ٦١ ح ٣.

(٥) التذكرة ٢ : ١٠٩.

(٦) التهذيب ١ : ٣٣٤ ح ٩٨٠ ، الوسائل ٢ : ٨٦٦ أبواب الدفن ب ٣٩ ح ٢. وفيها سأله أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب : يدفن معها.

٥٢٧

السّابع : يستحبّ حفر القبر قدر قامة أو إلى التّرقوة ذكرهما الأصحاب ، وفي الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال حدّ القبر إلى الترقوة ، وقال بعضهم : إلى الثدي ، وقال بعضهم : قامة الرجل حتّى يمدّ الثوب على رأس من في القبر ، وأما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس (١).

قال في الذكرى : والظاهر أنّ هذا من محكي ابن أبي عمير ، لأنّ الإمام لا يحكي قول أحد (٢).

والكليني أسنده إلى سهل بن زياد ، وقال : روى أصحابنا أنّ حدّ القبر إلى أخره (٣).

وفي رواية السكوني إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يعمّق القبر فوق ثلاث أذرع (٤) ، وهو قريب من مقدار الترقوة.

ولعلّ ذكر القامة في رواية ابن أبي عمير مع فتوى الأصحاب كافية في استحبابه ، فيكون مخصصاً لرواية السكوني ، وهي محمولة فيما فوقها على الكراهة.

وفي تتمّة رواية ابن أبي عمير المتقدمة بعد ما نقلناه قال : «ولما حضرت عليّ بن الحسين عليه‌السلام الوفاة قال : احفروا لي وابلغوا إلى الرشح». ويمكن حملها على الثلاث أذرع ، لأنّها قد تبلغ الرشح في البقيع كما ذكره في الذكرى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦٥ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٠٧ ح ٤٩٨ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ح ١٤٦٩ ، الوسائل ٢ : ٨٣٦ أبواب الدفن ب ١٤ ح ٢.

(٢) الذكرى : ٦٥.

(٣) الكافي ٣ : ١٦٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٦٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ح ١٤٦٦ ، الوسائل ٢ : ٨٣٦ أبواب الدفن ب ١٤ ح ١.

٥٢٨

وعن المنتهي لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة بلا خلاف (١).

ويستحبّ أن يجعل له لحداً مما يلي القبلة.

وفي الصحاح : اللحد بالتسكين الشق في جانب القبر واللحد بالضم لغة فيه (٢).

وذكر الفاضلان وغيرهما في معنى اللّحد أنّ الحافر إذا بلغ أرض القبر حفر في جانبه مما يلي القبلة مكاناً مستطيلاً يوضع الميّت فيه ، والشقّ أن يحفر له في القبر شقّاً شبيه النهر يوضع الميّت فيه ويسقف عليه (٣).

ودليل الاستحباب الإجماع كما يظهر من المنتهي (٤) ، ويدلّ عليه أيضاً قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللحد لنا والشق لغيرنا (٥) وحسنة الحلبي (٦).

وأمّا الأخبار الواردة في الشق (٧) فمحمولة على الجواز أو على التقيّة أو على كون الأرض رخوة. فإنّها تشق حينئذٍ خوفاً من الانهدام ، قال في المعتبر : ولو عمل شبه اللحد من بناء في قبلته كان أفضل (٨).

ويستحبّ أن يكون اللحد واسعاً يتمكّن فيه من الجلوس كما دلّت عليه مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة.

ويستحبّ حلّ عُقد الأكفان من قبل رأسه ورجليه ، للأخبار المستفيضة ، منها صحيحة أبي حمزة (٩).

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٦١.

(٢) الصحاح ٢ : ٥٣٤.

(٣) المحقّق في المعتبر ١ : ٢٩٦ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٤٦٠.

(٤) المنتهي ١ : ٤٦٠.

(٥) سنن البيهقي ٣ : ٤٠٨.

(٦) الكافي ٣ : ١٦٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ح ١٤٦٧ ، الوسائل ٢ : ٨٣٦ أبواب الدفن ب ١٥ ح ١.

(٧) الوسائل ٢ : ٨٣٦ أبواب الدفن ب ١٥.

(٨) المعتبر ١ : ٢٩٦.

(٩) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩١ ، الوسائل ٢ : ٨٤١ أبواب الدفن ب ١٩ ح ١ ، وغيره.

٥٢٩

وأن يبرز وجهه كما في الصحيحة ورواية سالم بن مكرم (١).

وأن يفضي خدّه إلى الأرض كما في رواية محفوظ الإسكاف (٢).

وأن يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة لئلّا يستلقي كما في رواية سالم بن مكرم.

وأمّا ما في رواية ابن أبي عمير الصحيحة من شقّ الكفن من عند رأس الميّت إذا أُدخل قبره (٣) ، فهو محمول على إرادة حلّ عُقده ، أو على ما إذا لم يمكن الحلّ.

وأن يجعل معه شيئاً من التربة المباركة الحسينية ، قال في الذكرى : قاله الشيخان (٤) ، ولم يعلم مأخذه.

والتبرّك بها كافٍ في ذلك.

والأحسن جعلها تحت خدّه كما قاله المفيد في المقنعة ، وفي العزيّة في وجهه ، وكذا في اقتصاد الشيخ (٥).

وقيل : تلقاء وجهه (٦).

وقيل : في الكفن.

وفي المختلف الكلّ جائز (٧).

وقد نقل أنّ امرأة قذفها القبر مراراً لفاحشة كانت تصنع ، فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها فاستقرّت.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٨ ح ٥٠٠ ، الوسائل ٢ : ٨٤١ أبواب الدفن ب ١٩ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٧ ح ٩٢٣ ، الوسائل ٢ : ٨٤٣ أبواب الدفن ب ٢٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٦ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٣١٧ ح ٩٢١ ، الوسائل ٢ : ٨٤١ أبواب الدفن ب ١٩ ح ٢ ، ٦.

(٤) نقله عن المفيد في السرائر ١ : ١٦٥ ، والمعتبر ١ : ٣٠١ ، وقال به الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٨٦ ، والنهاية : ٣٨.

(٥) الاقتصاد : ٢٥٠.

(٦) حكاه عن الشيخ في السرائر ١ : ١٦٥.

(٧) المختلف ٢ : ٣١٢.

٥٣٠

قال الشيخ نجيب الدّين بن يحيى : في درسه يصلح أن يكون هذا متمسّكاً.

ونقل الفاضل أنّها كانت تزني وتحرق أولادها ، فإنّ أمّها أخبرت الصادق عليه‌السلام فقال إنّها كانت تعذّب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا معها شيئاً من تربة الحسين عليه‌السلام فاستقرّت (١) ، انتهى كلام الذكرى (٢).

أقول : ويدلّ على مطلق جعلها معه ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن داود ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : «يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوط إن شاء الله» (٣).

وروى الطبرسي في الإحتجاج عنه عن صاحب الزمان عليه‌السلام مثل ذلك (٤).

وروى الشيخ في المصباح ، عن جعفر بن عيسى أنّه سمع أبا الحسن عليه‌السلام يقول ما على أحدكم إذا دفن الميّت ووسّده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين ، ولا يضعها تحت رأسه (٥).

والظاهر أنّ المراد طين قبر الحسين عليه‌السلام ، ولذلك أورده الشيخ في جملة أحاديث تربة الحسين عليه‌السلام ، وقد مرّ ما يناسب المقام في الكفن.

ويستحبّ تغشية القبر بثوب عند إنزال الميّت الى أن يغشى باللبن في المرأة ، لرواية جعفر بن كلاب عن الصادق عليه‌السلام يغشى قبر المرأة بالثوب ،

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٦١ ، الوسائل ٢ : ٧٤٢ أبواب التكفين ب ١٢ ح ٢.

(٢) الذكرى : ٦٦.

(٣) التهذيب ٦ : ٧٦ ح ١٤٩ ، الوسائل ٢ : ٧٤٢ أبواب التكفين ب ١٢ ح ١.

(٤) الاحتجاج : ٤٨٩.

(٥) مصباح المتهجّد : ٦٧٨ ، الوسائل ٢ : ٧٤٢ أبواب التكفين ب ١٢ ح ٣.

٥٣١

ولا يغشى قبر الرّجل (١) وبعضهم عمّم الحكم في الرجل أيضاً (٢) ، وهو مشكل.

ويستحبّ أن يلقّنه الشّهادتين وأسماء الأئمّة عليهم‌السلام بعد وضعه في القبر ، للأخبار المستفيضة جدّاً ، بل كادت تبلغ التواتر (٣). وأن يدعو له ؛ للأخبار الكثيرة (٤). وأن يقرأ أية الكرسي لصحيحة زرارة (٥).

ثمّ يشرج اللحد باللّبن والطين وشبهه ، وينضده بحيث يمنع وصول التراب إلى الميّت. ويدلّ عليه بعد الإجماع ظاهر روايات ، مثل ما رواه في الكافي عن ابن القدّاح (٦) ، والصدوق في العلل والمجالس عن عبد الله بن سنان (٧) ، وهما يدلّان على التسوية ، وسدّ الخلل والإتقان.

وقال في الذكرى : روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى في قبر ابنه خللاً فسوّاه بيده ، ثمّ قال : «إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن» (٨).

وفي رواية إسحاق بن عمّار : «ثمّ تضع الطين واللّبن» (٩) فيستفاد منه رجحان اللبن والطين ، والظاهر أنّ الأجر أيضاً يكفي ، بل كلّ ما يؤدّي مؤدّى ذلك.

ولا يبعد كون اللبن أفضل ، لظاهر تلك الأخبار ، ويمكن التنبه له من صحيحة أبان بن تغلب أيضاً قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «جعل عليّ عليه‌السلام على قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبناً» ، فقلت : أرأيت إن جعل الرجل

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٤ ح ١٥١٩ ، الوسائل ٢ : ٨٧٥ أبواب الدفن ب ٥٠ ح ١.

(٢) كالشيخ في الخلاف ١ : ٧٢٨ مسألة ٥٥٢ ، والعلامة في المختلف ٢ : ٣١٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٨٤٢ أبواب الدفن ب ٢٠.

(٤) الوسائل ٢ : ٨٤٥ أبواب الدفن ب ٢١

(٥) الكافي ٣ : ١٩٦ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٨٤٤ أبواب الدفن ب ٢٠ ح ٦.

(٦) الكافي ٣ : ٢٦٢ ح ٤٥ ، الوسائل ٢ : ٨٨٣ أبواب الدفن ب ٦٠ ح ١.

(٧) علل الشرائع : ٣٠٩ ح ٤ ، أمالي الصدوق : ٣١٤ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٨٨٣ أبواب الدفن ب ٦٠ ح ٢.

(٨) الذكرى : ٦٦ ، والرواية هي رواية ابن القداح المتقدّمة.

(٩) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٢ ، الوسائل ٢ : ٨٤٧ أبواب الدفن ب ٢١ ح ٦.

٥٣٢

عليه اجراً هل يضرّ الميّت؟ قال : «لا» (١).

وعن الراوندي : أنّ عمل العارفين من الطائفة على ابتداء التشريج من الرأس (٢).

ويستحبّ الدعاء حال التشريج ، لرواية إسحاق بن عمّار (٣).

ثمّ يخرج من قبل الرجلين بلا فرق بين الرجل والمرأة ، خلافاً لابن الجنيد ، فقال : يخرج في المرأة من عند رأسها (٤) ، ولم يظهر وجهه.

ويدلّ على أصل الحكم خصوص رواية السكوني (٥) ، ومرفوعة سهل بن زياد (٦) ، وإطلاق غيرها من الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ لكلّ بيت باباً ، وباب القبر من قبل الرّجلين (٧).

وفي رواية سهل بن زياد : «أنّه يدخل من حيث شاء ولا يخرج إلّا من قبل الرّجلين»

ويقول عند الخروج من القبر : «(إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، اللهم ارفع درجته في أعلى عليّين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، وعندك نحتسبه يا ربّ العالمين» كما في رواية إسحاق به عمّار.

ثمّ يهيل الحاضرون عليه التراب بظهور الأكفّ مسترجعين على المشهور بين الأصحاب ، واعترف جماعة من الأصحاب بعدم الوقوف على دليله (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٧ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٨٥٤ أبواب الدفن ب ٢٨ ح ١.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ٦٦.

(٣) المتقدّمة.

(٤) نقله عنه في المختلف ٢ : ٣١٣.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣١٦ ح ٩١٧ ، الوسائل ٢ : ٨٥٠ أبواب الدفن ب ٢٣ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ١٩٣ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٨٥٠ أبواب الدفن ب ٢٣ ح ٢.

(٧) الوسائل ٢ : ٨٤٩ أبواب الدفن ب ٢٢ ح ٤ ، ٦ ، ٧.

(٨) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٨٤.

٥٣٣

ولعلّ دليله هو ما رواه الصدوق عن سالم بن مكرم ، وفي جملته : «فإذا خرجت من القبر ، فقل وأنت تنفض يديك من التراب : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثم احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرّات ، وقل : اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله» (١).

وهذا وإن كان يمكن المناقشة فيه بعدم دلالته على المجموع ، لكن قال بعض الأصحاب : لا دليل على شي‌ء من الأمرين كصاحب المدارك (٢) ، ولا ريب أنّه يثبت البعض.

وكذلك رواية محمّد بن الأصبغ ، عن بعض أصحابنا ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام وهو في جنازة فحثا التراب على القبر بظهر كفّيه (٣).

وفي حسنة عمر بن أُذينة قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يطرح التراب على الميّت ، فيمسكه ساعة في يده ثمّ يطرحه ، ولا يزيد على ثلاثة أكفّ (٤) ، فقال : «يا عمر كنت أقول : إيماناً بك ، وتصديقاً ببعثك ، هذا ما وعدنا الله ورسوله إلى قوله تسليماً هكذا كان يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبه جرت السنّة» (٥) ولعلّ هذا مستحبّ آخر ، أو (٦) يحصل الاستحباب بكليهما.

واستثنى الأصحاب من ذلك ذا الرحم ، فيكره له الإهالة على رحمه ، لموثّقة عبيد بن زرارة المعلّلة بأنّه يورث القسوة ، المبعدة عن الربّ تعالى (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٨ ح ٥٠٠ ، الوسائل ٢ : ٨٤٦ أبواب الدفن ب ٢١ ح ٥.

(٢) المدارك ٢ : ١٤٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣١٨ ح ٩٢٥ ، الوسائل ٢ : ٨٥٥ أبواب الدفن ب ٢٩ ح ٥.

(٤) في المصدر زيادة : فسألته عن ذلك..

(٥) الكافي ٣ : ١٩٨ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٨٥٤ أبواب الدفن ب ٢٩ ح ٢.

(٦) في «ص» : و.

(٧) الكافي ٣ : ١٩٩ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ح ٩٢٨ ، علل الشرائع : ٣٠٤ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٨٥٥ أبواب الدفن ب ٣٠ ح ١.

٥٣٤

ويستحبّ تربيع القبر وتسطيحه ورفعه مقدار أربع أصابع إلى شبر ، ويدلّ على الأوّل والثاني مضافاً إلى الإجماع ظاهر رواية محمّد بن مسلم (١).

وعلى التربيع ما رواه في العلل من علّته أن البيت نزل مربّعاً (٢).

وعلى تسطيحه الإجماع ، نقله الشيخ في الخلاف (٣) ، والأخبار ، مثل ما روي أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سطّح قبر ابنه إبراهيم (٤) ، وسطح قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) ، ولكراهة التسنيم كما يفعله العامة معترفين باستحباب التسطيح مخالفة لنا ، كما ذكره في روض الجنان (٦).

ويستفاد ذلك من الأخبار الدالّة على تسوية القبر ، مثل صحيحة زرارة الاتية بعد ذلك (٧) ، ورواية السكوني ، وسنذكرها في تجديد القبور (٨).

وعلى رفعه أربع أصابع أخبار كثيرة ، طائفة منها مطلقة ، وطائفة منها مقيّدة بمفرجات ، وبعضها مقيّدة بمضمومة ، وفي بعضها أنّ قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع شبراً من الأرض (٩)

ولعلّ عدم التجاوز عن الأربع المفرجات أولى ، لما رواه في العيون من منع الكاظم عليه‌السلام عن ذلك (١٠) ، وكيف كان فالزائد على المذكورات مكروه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٥ ح ٩١٦ ، وص ٤٥٨ ح ١٤٩٤ ، الوسائل ٢ : ٨٤٨ أبواب الدفن ب ٢٢ ح ٢.

(٢) علل الشرائع : ٣٠٥ ، الوسائل ٢ : ٨٥٨ أبواب الدفن ب ٣١ ح ١٢.

(٣) الخلاف ١ : ٧٠٦ مسألة ٥٠٥.

(٤) الأُمّ ١ : ٢٧٣ ، مختصر المزني : ٣٧.

(٥) المنتهي ١ : ٤٦٢.

(٦) روض الجنان : ٣١٧ ، وانظر المجموع ٥ : ٢٩٧.

(٧) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٨٦٠ أبواب الدفن ب ٣٣ ح ١.

(٨) الكافي ٦ : ٥٢٨ ح ١٤ ، الوسائل ٢ : ٨٦٩ أبواب الدفن ب ٤٣ ح ٢ ، وفيه : ولا قبراً إلّا سوّيته.

(٩) انظر الوسائل ٢ : أبواب الدفن ب ٢١ ح ٥.

(١٠) عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ١٠٣ ح ٦ ، الوسائل ٢ : ٨٥٨ أبواب الدفن ب ٣١ ح ١٠.

٥٣٥

ويستحبّ رشّ الماء على القبر ، لتطابق الأقوال والأخبار عليه (١).

والأفضل أن يعمل على مقتضى رواية سالم بن مكرم عن الصادق عليه‌السلام ، وفي آخرها

فإذا سوّي قبره فصبّ على قبره الماء ، وتجعل القبر أمامك وأنت مستقبل القبلة ، وتبدأ بصبّ الماء من عند رأسه ، وتدور به على قبره من أربعة جوانبه حتّى ترجع إلى الرأس من غير أن تقطع الماء ، فإذا فضل من الماء شي‌ء فصبّه على وسط القبر(٢).

ويستحبّ وضع اليد على القبر والدعاء للميت والاستغفار له ، لرواية سالم بن مكرم هذه ، وغيرها من الروايات ، مثل صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام في حديث قال ، قال : «وإذا حثي عليه التراب وسوّي قبره ، فضع كفك على قبره عند رأسه ، وفرّج أصابعك ، واغمز كفّك عليه بعد ما نضح بالماء» (٣) وبمضمونها حسنته عن الصادق عليه‌السلام (٤).

ويتأكد ذلك في حقّ من لم يصلّ على الميّت كما يستفاد من بعض الأخبار (٥).

وما يستفاد من استحباب تأثير اليد في التراب إنّما هو في حال الدفن. ولم نقف على رجحان التأثير في غير التراب وفي غير هذا الحال.

وأن يدعو بما رواه عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «اللهم ارحم غربته ، وصِل وحدته ، وأنس وحشته ، وأسكن إليه من رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك ، وألحقه بمن كان يتولّاه» (٦).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٧٢ ، الوسائل ٢ : ٨٥٨ أبواب الدفن ب ٣١ ح ١٠.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٨ ح ٥٠٠ ، الوسائل ٢ : ٨٤٦ أبواب الدفن ب ٢١ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٨٦٠ أبواب الدفن ب ٣٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٠ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٦٠ ح ١٤٩٨ ، الوسائل ٢ : ٨٦١ أبواب الدفن ب ٣٣ ح ٤.

(٥) انظر الوسائل ٢ : ٨٦٠ أبواب الدفن ب ٣٣ ح ٢ ، ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٦ ، الوسائل ٢ : ٨٦٢ أبواب لدفن ب ٣٤ ح ٢.

٥٣٦

وبما رواه محمّد بن مسلم : «اللهم جافِ الأرض عن جنبيه ، وأصعد إليك روحه ، ولقّه منك رضواناً ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه بها عن رحمة من سواك» (١).

ويظهر من رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله استحباب كونه مقابل القبلة حين وضع اليد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده إلى الأرض ووضعها ثمّ رفعها وهو مقابل القبلة.

وهو يفيد رجحان مطلق الوضع ، لا خصوص عند الرأس كما يستفاد من غيرها ، ولا اختصاصه بوقت الدفن ، هذا على ما رواه الشيخ (٢).

أمّا على ما في الكافي فتشكل استفادته ، لأنّ له زيادة في أوّله تضعف الاستدلال به على الإطلاق (٣).

وقال في الفقيه : ومتى زرت قبره فادعُ له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة (٤) ، وأراد بالدعاء ما ورد في رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة.

قال في الذكرى : وعلى ذلك يعني الاستقبال عمل الأصحاب (٥) ، وقال بعض أصحابنا : ورأيت في بعض الروايات أنّ زيارة غير المعصوم مستقبل القبلة ، وزيارته مستدبرها ومستقبلها (٦).

أقول : وروى الكليني في الصحيح ، عن محمّد بن أحمد ، قال : كنت بفيد ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٩ ح ٩٢٧ ، الوسائل ٢ : ٨٥٥ أبواب الدفن ب ٢٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦٢ ح ١٥٠٨ ، الوسائل ٢ : ٨٦١ أبواب الدفن ب ٣٣ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٠٠ ح ٣ ، وفي صدره : سألته عن وضع الرجل يده على القبر ما هو؟ ولمَ صنع؟ قال : صنعه رسول الله (ص) على ابنه بعد النضح..

(٤) الفقيه ١ : ١٠٩.

(٥) الذكرى : ٦٨.

(٦) انظر الوسائل ٢ : ٨٨١ أبواب الدفن ب ٥٧ ، وج ١٠ : ٢٦٦ أبواب المزار ب ٦ ، وص ٣٠٣ ب ٢٩ ، وص ٣٨٢ ب ٦٢ وغيرها من أبواب المزار.

٥٣٧

فمشيت مع عليّ بن بلال إلى قبر محمّد بن إسماعيل بن بزيع فقال عليّ بن بلال : قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا عليه‌السلام قال : «من أتى قبر أخيه ثمّ وضع يده على القبر وقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرّات أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم الفزع» (١).

وهذا المضمون مرويّ بأسانيد معتبرة في التهذيب ، ومزار ابن قولويه ، ورجال الكشي ، والنجاشي ، وفي ثواب الأعمال (٢).

وفي الكشي : أنّ محمّد بن إسماعيل روى عن أبي جعفر عليه‌السلام والمراد به الجواد عليه‌السلام أنّه يقول من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر فقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرّات أمن من الفزع الأكبر (٣).

وفي التهذيب مثل ما رواه في الكافي إلّا أنّه قال : «من أتى قبر أخيه من أيّ ناحية وضع يده وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر» (٤) الحديث ، وكذلك الصدوق رواه مرسلاً مطلقاً في الفقيه عن الرضا عليه‌السلام (٥).

وكيف كان فلا ريب في استحباب الاستقبال.

ويستحبّ أن يلقّنه الوليّ أو من يأمره بعد انصراف الناس بأرفع صوته بإجماع أصحابنا كما ادّعاه غير واحدٍ منهم (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٩ ، الوسائل ٢ : ٨٨١ أبواب الدفن ب ٥٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ١٠٤ ح ١٨٢ ، كامل الزيارات : ٣١٩ ح ٣ ، رجال الكشي ٢ : ٨٣٦ ١٠٦٦ ، رجال النجاشي : ٣٣١ ٨٩٣ ، ثواب الأعمال : ٢٣٦.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨٣٦ ١٠٦٦.

(٤) التهذيب ٦ : ١٠٤ ح ١٨٢.

(٥) الفقيه ١ : ١١٥ ح ٥٤١.

(٦) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٤ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٣٠٣ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٤٦٣ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٧٩ ، والتذكرة ١ : ٥٣.

٥٣٨

وتدلّ عليه رواية يحيى بن عبد الله (١) ، ورواية جابر (٢) ، ومرسلة إبراهيم بن هاشم المذكورة في العلل (٣) ، وفي تلك الأخبار أنّ ذلك يكفي الميت دخول النكيرين عليه في القبر ومسألتهما إياه.

وذهب ابن إدريس إلى أنّ الملقّن يستقبل القبلة والقبر (٤) ، وابن البرّاج ويحيى بن سعيد إلى أنّه يستدبر القبلة والقبر أمامه (٥) ، قال الشهيد رضي‌الله‌عنه : وكلاهما جائزان ، لإطلاق الخبر (٦).

أقول : ويمكن ترجيح الاستقبال ، لكونه خير المجالس ، ثم قال : وقال ابن البراج : ومع التقيّة يقول ذلك سراً (٧).

وأمّا الطفل فقال في الذكرى : ظاهر التعليل يشعر بعدم تلقينه ، ويمكن أن يقال : يلقّن إقامة للشعار ، وخصوصاً المميز ، وكما في الجريدتين (٨).

ويستحبّ أن يوضع عند رأسه علامة من حجر أو خشبة ليزار ، لما نقل من فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قبر عثمان بن مظعون (٩) ، ولرواية يونس بن يعقوب الاتية الدالّة على ذلك وعلى أن يكتب اسمه في اللوح (١٠).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠١ ح ١١ ، الفقيه ١ : ١٠٩ ح ٥٠١ ، التهذيب ١ : ٣٢١ ح ٩٣٥ ، الوسائل ٢ : ٨٦٢ أبواب الدفن ب ٣٥ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٥٩ ح ١٤٩٦ ، الوسائل ٢ : ٨٦٣ أبواب الدفن ب ٣٥ ح ٢.

(٣) علل الشرائع : ٣٠٨ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٨٦٣ أبواب الدفن ب ٣٥ ح ٣.

(٤) السرائر ١ : ١٦٥.

(٥) المهذّب ١ : ٦٤ ، الجامع للشرائع : ٥٥.

(٦) الذكرى : ٦٨.

(٧) المهذّب ١ : ٦٤.

(٨) الذكرى : ٦٨.

(٩) دعائم الإسلام ١ : ٢٣٨ ، البحار ٨٢ : ٢٢ ، المستدرك ٢ : ٣٤٤ أبواب الدفن ب ٣٥ ح ١.

(١٠) الكافي ٣ : ٢٠٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٦١ ح ١٥٠١ ، الاستبصار ١ : ٢١٧ ح ٧٦٨ ، الوسائل ٢ : ٨٦٤ أبواب الدفن ب ٣٧ ح ٢.

٥٣٩

الثامن : قال الأصحاب يكره فرش القبر بالساج إلّا عند الضرورة والساج هو خشب مخصوص.

والظاهر أنّ مرادهم السّاج ونحوه ، كما يظهر من الشهيدين رحمهما‌الله (١).

واعترف بعضهم بعدم الوقوف على الدليل (٢) ، وبعضهم علّله بأنّه إتلاف مال غير مأذون فيه شرعاً (٣) ، وفيه إشكال.

وتكفي فتواهم في الكراهة ، مع أنّه يمكن استفادته من مكاتبة عليّ بن بلال إلى أبي الحسن عليه‌السلام : أنّه ربما مات الميّت عندنا وتكون الأرض نديّة فنفرش القبر بالسّاج ، أو نطبق عليه؟ فكتب : «ذلك جائز» (٤) فإن السؤال عن ذلك في حال الضرورة مشعر بأنّه يعلم المرجوحية بدونها ، فتقرير الإمام إيّاه على ذلك المعتقد يدلّ عليه ، وكذلك تدلّ الرواية على عدم الكراهة حال الضرورة.

وقال في الفقيه : روي عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام إطلاق في أن يفرش القبر بالساج ويطبق على الميّت الساج (٥) ، وهذا لا ينافي الكراهة في غير حال الضرورة ، وبه يقلّ الإشكال الذي أشرنا إليه ، إذ ذلك إذن في الإتلاف ، مع أنّ الإتلاف الّذي ثبتت حرمته هو ما يعدّ إسرافاً ، وذلك ليس مما ينكره العقلاء في تصرّفاتهم ، فبقي أن تكون الحكمة في الكراهة هي مطلوبية كون الميّت على الأرض لا على فراش كما في صلاة العيد.

وأما وضع الثياب والفرش التي لها قيمة ، فصرّح في روض الجنان بحرمته ،

__________________

(١) الذكرى : ٦٦ ، روض الجنان : ٣١٧ ، المسالك ١ : ١٠٢.

(٢) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤٩٥.

(٣) كصاحب الرياض ٢ : ٢٣٧.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٦ ح ١٤٨٨ ، الوسائل ٢ : ٨٥٣ أبواب الدفن ب ٢٧ ح ١ بتفاوت يسير.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٨ ح ٤٩٩.

٥٤٠