غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

المنصوصة ، وإن لم يظهر من أصل الروايات وعموم الأخبار.

والعلّة تقتضي عدم الفرق بين الأُوليين ، وغيرهما ، وكذلك الفجر والمغرب وغيرهما.

ومعنى قولنا «لا حكم للشكّ مع الكثرة» أنّه يبني على الصحّة ويمضي في الصلاة ، فيبني على فعل المشكوك فيه ، إلّا إذا اقتضى البطلان ، فيبني على عدمه.

والأظهر سقوط سجدتي السهو أيضاً إذا اقتضاها الشكّ كصلاة الاحتياط والإعادة. والتمسّك بعموم ما دلّ عليها ضعيف.

وهل هو عزيمة بحيث لو عمل بمقتضى الشكّ فيكون باطلاً؟ قولان ، أظهرهما وأشهرهما نعم ، فيبطل لو عمل بمقتضاه.

ولم نقف على مستند للقول الأخر.

وفصّل بعض المتأخرين فقال بالبطلان لو فعل ما كانت زيادته مبطلة للصلاة (١).

وفيه : أنّه إن كان فعله في حال الشكّ في معنى العمد فلا يتفاوت الحكم فيما تبطل بزيادته الصلاة مطلقاً كالركوع ، أو عمداً فقط كالسجدة الواحدة ، وإن لم يكن ذلك في معنى العمد فليس بسهو أيضاً حتى يكون مبطلاً في الصورة الأُولى دون الثانية.

وربما قيل باستحباب ذلك وجواز البناء على الأصل (٢) ، وهو أيضاً ضعيف ، لظهور الأخبار في الوجوب ، ومنافاته للعلّة ، فإنّه لم يخلص بذلك عن مكيدة الشيطان ، فيشككه في الأقلّ بعد البناء عليه أيضاً.

ويُرجع في تحديد الكثرة إلى العرف كما اختاره جمهور المتأخّرين.

وقال ابن حمزة : بأنّه يحصل بثلاث مرّات متوالية (٣).

وحدده ابن إدريس مرّة بأن يسهو في شي‌ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرّات ،

__________________

(١) انظر الذخيرة : ٣٧١.

(٢) انظر الذخيرة : ٣٧١.

(٣) الوسيلة : ١٠٢.

٣٢١

ومرّة بأن يسهو في أكثر الخمس يعني ثلاث صلوات من الخمس فيسقط حكمه بعد ذلك (١) ، فإن أراد حصول الكثرة بذلك أيضاً فحسن ، وإلّا فلا وجه لهذا التحديد.

وأما صحيحة محمّد بن أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام ، قال إذا كان الرجل ممن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو (٢) ففيها إجمال ، وأظهر معانيها : أنّه إذا لم تحصل له ثلاث صلوات متواليات بدون الشكّ فهو ممن كثر شكّه ، ولا دلالة فيها على انحصار كثير الشكّ في ذلك ، وكما أنّ حصوله يعرف بالعرف ، فكذلك الخروج عنه ، ولا يعتبر فيه اتّحاد المشكوك فيه.

ولو كثر شكّه في فعل خاصّ ففي تعدّيه إلى غيره وجهان ، أقربهما العدم ، لأنّ المتبادر من الأخبار المضافة فيها كثرة الشكّ إلى الصلاة كثرة طبيعة الشكّ في طبيعة الصلاة ، لا الشك في جزء خاصّ منها ، ويفهم الحكم في خصوص هذا الخبر من العلّة المنصوصة ، لا من أصل الخبر حتّى يعارض به ما ذكرنا.

ومع الشكّ في حصول كثرة الشكّ الأصل عدمه ، إلّا أنّ يجد من نفسه أنّه من الشيطان ، فيبني على الكثرة.

وفي حصول كثرة الشكّ بما استقرّ الظنّ على أحد طرفيه بعد التروّي وبما حصل في النافلة وجهان ، أقربهما نعم ، ولكن إذا اختصّ بالنافلة ولا يتعدّاها فحكمه ما مرّ في الجزء الخاصّ.

ثمّ إنّ علاج كثرة الشكّ يمكن بأُمور يستحبّ الإقدام عليها والاهتمام بها ، أغلبها التفكّر في عظمة المعبود ، وكونه العالم للغيب والشهادة ، القادر الضارّ النافع الرازق المحيي المميت المنعم الصمد لا غيره ، وفي عجز نفسه وذاته وهوانها عنده ، وفي فناء الدنيا ولذّاتها ، وبقاء نعيم الآخرة وعظمتها ، وشدّة العذاب وعدم

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٤٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٤ ح ٩٩٠ ، الوسائل ٥ : ٣٣٠ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٧.

٣٢٢

طاقته له ، فمع ذلك تنقطع علاقته عمّا سواه ، ويتوجّه إليه فلا يشكّ إلّا نادراً.

وبعده الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

وأن يطعن فخذه الأيسر بإصبعه المسبحة اليمنى إذا دخل في الصلاة ، ويقول : «بسم الله وبالله ، توكلّت على الله ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» فإنّه يزجره ويطرده عنه ، كما رواه السكوني عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

أو يقول إذا دخل الخلاء : «بسم الله وبالله ، أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» كما رواه في الفقيه أيضاً عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، وهذا أشمل من الأوّل.

ومن جملة ما ورد في الأخبار اختصار الصلاة وتخفيفها (٣).

ومنها :الإحصاء بالحصى ، وبخاتمه بأن يحوّله من مكان إلى مكان (٤) ، وغير ذلك (٥).

التاسع : روى محمّد بن مسلم في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن السهو في النافلة ، قال : «ليس عليك شي‌ء» (٦) وفي بعض النسخ «سهو» مقام شي‌ء.

وفي مرسلة يونس المتقدّمة ، قال : «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه باتفاق منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسهُ الإمام ، ولا سهو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٢٣ ح ٩٨٤ ، الوسائل ٥ : ٣٤٥ أبواب الخلل ب ٣١ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧ ح ٤٢ ، الوسائل ١ : ٢١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٨.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٣٥ أبواب الخلل ب ٢٢.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٤٣ أبواب الخلل ب ٢٨.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٤٧ أبواب الخلل ب ٣٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ح ١٤٢٢ ، الوسائل ٥ : ٣٣١ أبواب الخلل ب ١٨ ح ١.

٣٢٣

في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو ، ولا في الركعتين الأُوليين من كلّ صلاة ، ولا في نافلة» (١).

واتّفق الأصحاب على ما نقله في المعتبر على جواز البناء على الأكثر في النافلة (٢) ، واستدلّوا عليه بالروايتين (٣) ، وفي دلالتهما على المطلوب خفاء.

ووجه الاستدلال في الاولى : أنّه ليس عليك شي‌ء من فعل أو إعادة أو صلاة احتياط أو سجدتي سهو ، وحاصله البناء على الصحّة كما في كثير الشكّ.

وفي الثانية : مع مراعاة تناسق القرائن المذكورة أنّه لا حكم للسهو في المذكورات ، بمعنى أنّه إما يحكم بالبطلان رأساً ، أو يحكم بالصحّة من دون تدارك وتلافٍ في المحلّ وخارجه ، وسجدتي سهو ونحو ذلك ، سواء كان الحكم بالصحّة من جهة عدم اختلال وحصول شكّ كما في المأموم والإمام ، أو من جهة جعله في حكم ذلك كما في كثير الشكّ.

فما يحكم بالبطلان رأساً فيه هو الشك في الأُوليين والفجر والمغرب ، ومما يحكم بالصحّة بالمعنى الأوّل هو حكاية الإمام والمأموم ، وما يحكم بالصحّة بالمعنى الثاني هو النافلة ، والسهو في السهو كما سنحققه ، فالجامع بين القرائن هو أنّه لا يعامل فيها معاملات الشكّ وما يترتّب عليه من الأفعال.

والقرينة المعيّنة لجعل النافلة من القسم الثاني من الصحّة دون البطلان أنّه لو قلنا ببطلانها لكان الأمر فيها أشدّ من الفريضة ، والمقصود في الرواية التسهيل ، مع أنّ الأمر في النافلة أسهل بالذات.

وبالجملة هذه الرواية مع الإجماع المنقول تكفي في المطلوب ، وتؤيّده الصحيحة الاولى إن لم نقل بدلالتها عليه وظهورها فيه أيضاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٩٥.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٣١ أبواب الخلل ب ١٨.

٣٢٤

والمشهور أنّ البناء على الأقلّ أفضل ، للاستصحاب ، والأخبار الدالّة على عدم نقض اليقين بالشكّ ، وخصوص ما رواه الكليني مرسلاً مقطوعاً «أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقل» (١).

وقد حمل الأكثر كلّ ما دلّ على البناء على الأقلّ من الأخبار على النافلة ، ومقتضى هذه الأدلّة وإن كان هو الوجوب ، لكن الإجماع المنقول والشهرة والروايتين أخرجتها في النافلة عن الظاهر.

ثم إنّ ظاهر الخبرين الأوّلين عدم الفرق بين عدد الركعات والأجزاء.

وقال في المدارك : إنّ أحكام الفريضة جارية فيها إلّا في عدد الركعات وسجدتي السهو (٢) ، لصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة (٣).

وفيه : أنّ عموم ما دلّ على أحكام الشكّ بحيث ينصرف إلى النافلة محلّ تأمّل ، وظاهر رواية يونس (٤) سيّما مع ملاحظة القرائن يفيد عدم الاعتناء بالشكّ فيها مطلقاً ، وكذلك صحيحة محمّد بن مسلم.

نعم يمكن الإشكال في شمول الرواية للصلوات المتعدّدة ، كالشكّ في كون الركعتين الأُوليين من نافلة الظهر مثلاً أو الركعتين الثانيتين ، وهكذا.

ولا يبعد تعميم المرسلة لذلك ، وإن كان الأحوط البناء على الأصل.

العاشر : لا عبرة بالشكّ بعد الصلاة ، ولا للسهو في السهو.

أما الأوّل : فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّ الأمر يقتضي الإجزاء وعمومات ما دلّ على عدم الاعتناء بالشكّ مع الخروج عن محلّه صريح صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣١ أبواب الخلل ب ١٨ ح ٢.

(٢) المدارك ٤ : ٢٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ح ١٤٢٢ ، الوسائل ٥ : ٣٣١ أبواب الخلل ب ١٨ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٨.

٣٢٥

في حكم أجزاء الثنائية والثلاثية (١).

وهل يجري حكم الظنّ في ذلك أم يختصّ بحال الصلاة؟ يحتمل ذلك ، للعموم ، فلو ظنّ بنقص بعد الصلاة فيتمّه إن أمكن ولم يمنعه مانع ولم يتخلّل مبطل.

ويحتمل القول بالبطلان ، لأنّ ما اقتضاه الدليل في الإتيان بركعة اخرى إنّما كان في صورة النسيان ، فإلحاق الظنّ بالعلم إنّما يثبت به كون الركعة في حكم معلومة الترك ، وهو لا يستلزم كونه في حكم السهو في ذلك ، فلعلّ حكمه البطلان. وكذلك القول بوجوب سجدتي السهو لأجل التسليم.

ويحتمل كونه في حكم الشكّ ، فلا عبرة به ، ويحكم بصحّة الصلاة ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة فرض جديد ، والتكليف بركعة أُخرى لم يثبت ، واستصحاب شغل الذمّة مدفوع بمنع الاشتغال حتى بالإعادة والتتميم أيضاً ، ولأنّ هنا تكليفاً واحداً مبنيّاً على وسعه وطاقته ، وتكليفه في حال الصلاة ما اقتضاه زعمه وقد تمّت ، وهذا أظهر الاحتمالات ، والأوّل أحوطها.

ولو كان ظنّه موجباً للبطلان كزيادة ركعة مثلاً ففيه وجهان ، أظهرهما الصحّة ، ويظهر وجهه مما تقدّم. ولو كان غير منافٍ للصحة فيبني عليه.

ولا تدارك عليه فيما فيه تدارك ، كما لو شك بين الثلاث والأربع بعد الصلاة وغلب وهمه في الأربع فيبني عليه ، ولا احتياط عليه ، لعموم ما دلّ على اعتبار الظنّ من رواية صفوان (٢) وغيرها ، لأنّ مع الشكّ يبني عليه كذلك ، فمع الظنّ أولى.

وأما السهو في السّهو ، فهذا كلام مذكور في ألسنة الفقهاء ، وفي بعض

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٦ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ ح ٧٤٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ ح ١٤١٩ ، الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل ب ١٥ ح ١.

٣٢٦

الروايات ، كحسنة حفص بن البختري (١) ، ومرسلة يونس (٢).

والظاهر أنّ حقيقة اللفظ غير مرادة ، والمجازات المحتملة فيه في غاية الكثرة متشعّبة من إرادة السهو في اللفظين والشكّ فيهما ، أو السهو في الأوّل والشك في الثاني أو بالعكس ، ويحتمل إرادة القدر المشترك بينهما من اللفظين على التفصيل المذكور ، سواء كان بعنوان عموم المجاز أو استعمال اللفظ في المعنيين.

والتفصيل : أنّه إما يراد أنّه لا حكم للسهو في السّهو ، بمعنى أنّه إذا سها في أنّه سها في شي‌ء فليس عليه شي‌ء من سجدتي السهو أو غيرها من أجل هذا السهو.

أو يراد أنّه لا حكم للشكّ في الشكّ ، بمعنى أنّه إذا شكّ أنّه هل شكّ أم لا فلا يعتني به ، لأنّ الأصل عدمه ، فيرجع إلى الحالة التي هو فيها.

ولا ثمرة في هذا الكلام إلّا على القول بأنّ محض حصول الشكّ يوجب حكمه وإن وقع ظنّه أو قطعه على أحد الطرفين بعد التروّي.

نعم قد يثمر الشكّ في الشكّ إذا كان الشكّ في أنواع الشكّ بعد علمه بوقوعه في الجملة ، مثلاً شكّ في أنّ شكّه هل كان بين الاثنتين والأربع ، أو الثلاث والأربع ، فالظاهر أنّه يرجع إلى الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيصلّي ركعتين من قيام وركعتين من جلوس كما قالوه.

والظاهر أنّه كذلك أيضاً لو شكّ أنّه هل شكّ بين الاثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع.

ولو شكّ أنّه هل شكّ بين الثلاث والأربع أو الأربع والخمس فيرجع إلى الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، وقد مرّ حكمه ، وهكذا.

وإن شكّ في شي‌ء من أفعال الصلاة ولم يتجاوز محلّه ، ثمّ شكّ أنّه هل فعله أم لا ، فالأظهر وجوب الإتيان به. واحتمال اندراج ذلك في المسألة المبحوثة ، أعني

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل ب ٢٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤١ أبواب الخلل ب ٢٥ ح ٢.

٣٢٧

عدم الحكم للشكّ في الشكّ وأنّه مبنيّ على الصحّة جارٍ ، فإن أعاد الصلاة مع ذلك كان أحوط.

أو يراد أنّه لا حكم للسهو في موجب السهو ، كسجدتي السهو ، فإن أُريد سهو نفس السجدتين فقد مرّ حكمه أنّه يجب عليه فعلها متى ذكرهما ، وإن أُريد السهو في شي‌ء من واجباتها فإن كان هو أحد السجدتين فالأحوط بل الأظهر وجوب الإتيان بها قبل الدخول في التشهّد ، وإن كان بعد الدخول فيه فالأظهر عدم الوجوب ، وإن كان الأحوط الرجوع وإعادة السجدتين بعد التمام.

وإن كان في شي‌ء من الواجبات من الأذكار وغيرها ، فإن كان قبل الرفع فيأتي به ، وإن كان بعده فلا يجب ، وأنّ الأحوط الإعادة ، ولا تجب سجدتا السهو في شي‌ء من الخلل الواقع فيها للأصل.

ومما ذكرنا يظهر حكم الأجزاء المنسية ، فيقضي متى ذكرها لو نسيها ويأتي بما نسي من أجزائها ما لم يفت محلّها ولا شي‌ء عليه إذا فات. والكلام في سجدتي السهو فيهما ما مرّ ، للأصل.

أو يراد أنّه لا حكم للسهو في الشكّ ، فإن أُريد منه السهو في نفس الشكّ ، يعني أنّه سها أنّه شك فلا شي‌ء عليه من أجل السهو فهو كذلك ، ولكنه يأتي بموجب الشكّ بعد التذكّر.

وإن أُريد أنّه لا حكم للسهو في موجب الشكّ ، فإن أُريد سهو نفس موجب الشكّ كصلاة الاحتياط وسجدتي السهو فهو باطل ، لوجوب الإتيان بهما متى ذكرهما.

وإن أُريد نفي وجوب سجدتي السهو في السّهو الحاصل فيهما ، فهو أيضاً موافق للأصل وموثّقة عمّار الاتية (١).

__________________

(١) في ص ٣١٥ ، وهي في التهذيب ٢ : ٣٥٣ ح ١٤٦٦ ، والوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل ب ٣٢ ح ٢.

٣٢٨

وإن أُريد أنّه لا يجب عليه حكم في سهو جزء من أجزائها فهو وإن كان موافق للأصل أيضاً فيما جاوز المحلّ ، ولكن الأحوط في صلاة الاحتياط أن يعامل بها معاملات الصلاة ، ولم يظهر دليل على وجوبه ، سيّما مع ملاحظة موثّقة عمّار الآتية (١) والروايتين المتقدّمتين (٢) وأنّ الأمر يقتضي الإجزاء.

وإن أُريد نفي سجدتي السهو فهو كذلك ، للأصل ، وموثّقة عمّار ، وغيرها (٣).

أو يراد أنّه لا حكم للشكّ في موجب الشكّ ، فإن أُريد منه الشك في فعله وتركه فيجب الإتيان به ، لأنّ الأصل عدم الإتيان ، ولا يستفاد من الروايات نفي الحكم عن ذلك.

وإن أُريد الشكّ في أجزاء موجب الشكّ ، مثل أنّ يشكّ في عدد ركعات صلاة الاحتياط أو أفعالها أو عدد سجدتي السهو أو أفعالهما ؛ فالمشهور أنّه لا يلتفت إليه ويبني على الصحّة بالمعنى الذي مرّ في كثير الشكّ ، وبهذا فسّر العلامة في المنتهي قول الفقهاء «لا سهو في السهو» (٤).

ولا فرق في ذلك بين بقاء وقت المشكوك فيه وعدمه.

أو يراد أنّه لا حكم للشكّ في السهو ، فإن أُريد الشكّ في أنّه سها أم لا فهو لا (٥) يرجع إلّا إلى الشكّ في الفعل.

وإن أُريد الشكّ في أنّ ما سهاه هل هو سجدة مثلاً أو تشهّد بعد اليقين بالسهو ، فالأحوط الإتيان بهما ويسجد سجدتي السهو مرّة. وإن شكّ أنّه ركوع أو سجدة فيقضي السجدة ويسجد للسهو ، والاحتياط في الإعادة ، وإن كان الأظهر عدمها ،

__________________

(١) في ص ٣١٥ ، وهي في التهذيب ٢ : ٣٥٣ ح ١٤٦٦ ، والوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل ب ٣٢ ح ٢.

(٢) وهما حسنة حفص بن البختري ومرسلة يونس المتقدّمتان في ص ٣٢٧.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل ب ٣٢.

(٤) المنتهي ١ : ٤١١.

(٥) في «م» ، «ح» : ولا.

٣٢٩

لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة كالقضاء فرض جديد ، بل لا يبعد القول بعدم وجوب قضاء السجدة أيضاً.

وكذلك لا يبعد القول بعدم وجوب شي‌ء عليه في الصورة الأُولى أيضاً ، نظراً إلى شمول الروايتين لها على الظاهر ، أو على الاحتمال على ما بيّنته.

وإن أُريد الشكّ في موجب السهو ، فإن كان في فعله مثل الشكّ في فعل سجدتي السهو فقد مرّ أنّه يأتي به. وإن أُريد الشكّ في عدده وأجزائه فالأحوط قبل الخروج عن محلّه الإتيان به ، وبعد الخروج لا شي‌ء عليه.

إذا عرفت هذه الاحتمالات وموافقتها للأصل ومخالفتها فارجع إلى الأدلّة ولاحظ ما ورد في أحكام السهو والشكّ ، وأنّها هل تشمل هذه الصور المفصّلة أم لا ، ثمّ لاحظ ما ورد مما هو قابل للتخصيص ، وهما الروايتان المتقدّمتان ، وهما حسنة حفص بن البختري (١) ، ومرسلة يونس القوية (٢) ؛ المتضمّنتان لأنّه لا سهو في سهو ، ولا سهو على سهو ، وموثّقة عمّار المتقدّمة في مقامات سجدتي السهو ، وفي جملتها : «وليس في شي‌ء مما تتمّ به الصلاة سهو» (٣).

وتؤيّدها موثّقة سماعة (٤) وصحيحة الفضيل (٥) المتقدّمتان هناك أيضاً ؛ القائلتان «إنّ من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو».

فنقول : إنّ الروايتين الأُوليين إن لم نقل مع ملاحظة القرائن الخارجية بظهورها في أكثر الاحتمالات المذكورة فلا أقلّ من كونهما محتملتين فتكونان مجملتين ، والعام المخصص بالمجمل ساقط من الحجية في قدر الإجمال ، فلا تبقى مقتضيات

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل ب ٢٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤١ أبواب الخلل ب ٢٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ح ١٤٦٦ ، الوسائل ٥ : ٣٤٦ أبواب الخلل ب ٣٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٥ ح ٤ ، الوسائل ٥ : ٣٣٧ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ٨.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٠ ح ١٠١٨ ، الوسائل ٥ : ٣٣٧ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ٦.

٣٣٠

العمومات من الصحّة والبطلان والأعمال الخاصّة في الشكّ والسّهو باقية على عمومها بحيث تشمل موارد الاحتمالات ، مع عدم إمكان الشّمول في البعض كما لا يخفى. وكذلك مقتضى العمومات الدالّة على وجوب أداء الصلاة على ما هي عليه في نفس الأمر بأجزائها وشرائطها حينئذٍ ، حتّى يقال إنّ براءة الذمّة لا تحصل مع عدم الاعتناء بالسهو في أمثال ذلك.

والحاصل أنّ الظاهر من الروايتين ، سيّما مع ملاحظة القرائن السابقة واللاحقة لهذه العبارة أنّه يبنى فيه على الصحّة مثل كثير الشكّ كما أشرنا إليه في السهو في النافلة (١) ، وأنّ حاله أسهل من غيره ، واحتمال المحتملات لا ينافي ظهور هذا المعنى.

ولا معنى لجريان أحكام الشكّ والسهو فيها مثل نفس الصلاة حينئذٍ ، لأنّه لا يبقى حينئذٍ فرق بينهما ، فلم يبق وجه لجعله أسهل من غيره.

ومن هذا يندفع احتمال بطلان الصلاة أو سجدتي السهو أو الأجزاء المنسية بالشكّ والسهو وصحتها مع العمل بمقتضياتها في الصلاة يوجب عدم الفرق بينها وبين الصلاة ، فيبقى الحكم بالصحّة بدون العمل على ما يقتضيها في الصلاة.

ومن هذا يندفع احتمال المعارضة بالتعليل الوارد في موثّقة سماعة (٢) المتقدّمة في مبحث الشكّ في الثنائية والثلاثية المقتضية لبطلان الثنائية من صلاة الاحتياط بالشكّ لو سلّم شمولها لها.

فهذه القاعدة أعني التخصيص بالمجمل في الروايتين مع انضمام ما يستفاد من تتبّع تضاعيف الأخبار الواردة في الشكّ والعلل المستفادة منها أنّ موجبات الشكّ والسهو بفتح الجيم إنّما هي من نتائج أفكار الشيطان ، وملاحظة الرواية الواردة في أنّ الفقيه لا يعيد الصلاة (٣) مع انضمام موثّقة عمّار وغيرها يكفي في أنّ الحكم

__________________

(١) ص ٣٢٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٩ ح ٧٢٠ ، الاستبصار ١ : ٣٦٦ ح ١٣٩٤ الوسائل ٥ : ٣٠٥ أبواب الخلل ب ٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٣ ح ٧٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٥ ح ١٤٢٤ ، الوسائل ٥ : ٣٢٠ أبواب الخلل ب ٩ ح ٣.

٣٣١

في جميع المحتملات البناء على الصحّة ، وعدم لزوم شي‌ء من سجدتي السهو أو الإعادة أو القضاء ونحو ذلك.

نعم يقع الإشكال في الأجزاء المنسيّة في المذكورات مع بقاء محلّها ، فإنّ الظاهر وجوب الإتيان لا لأنّه مقتضى السهو ، بل لأنّه مقتضى نفس التكليف بها. ولم يظهر من هذه الأدلّة ظهور سقوط حكمها ، ولم يحصل لما دلّ على الإتيان بنفس هذه التكاليف إجمال بسبب هذه الروايات بالنسبة إلى هذه الأجزاء.

ويؤيّد ما ذكرنا قوله عليه‌السلام في حسنة حفص : «ولا على الإعادة إعادة» فإنّها تدلّ على أنّ الصلاة المعادة لأجل الشكّ لا تعاد من جهة شكّ أو سهو ، وهو موافق للعلّة الواردة في غيرها في أنّ الإعادة متابعة للشيطان ، فإن من المجرّب أنّ من يعيد صلاته لأجل شكّ ؛ يشكّ فيها ثانياً بنفس ما شكّ في الأُولى غالباً. ولكن لم نقف على قائل بذلك صريحاً.

والمشهور عدم العمل بذلك إلّا مع كثرة الشكّ.

وربما قيل : يظهر من هذه العبارة أنّ كثرة الشكّ تحصل بالمرتبة الثانية ، وهو أيضاً مشكل.

نعم يمكن القول به من جهة ظهور أنّه من عمل الشيطان ، والعلّة المنصوصة تقتضي ذلك.

٣٣٢

المقصد الرابع

في الفوائت

وفيه مباحث :

الأول : الحقّ عدم وجوب ما فات في الوقت في خارجه إلّا بدليل جديد كما حقّقناه في الأُصول (١). فلا يجب مع الشكّ بالفوت ، بل وظنّه ، فهذا أصل موافق لأصل البراءة وأصالة عدم التكليف.

والذي وصل إلينا من العمومات والإطلاقات التي تكون بمنزلة القانون في وجوب القضاء بعد وضع الموارد الخاصّة التي ثبت وجوب القضاء فيها بالنصّ والإجماع هي الروايات الدالّة على أنّه يجب على من فاتت منه صلاة أن يفعلها إذا ذكرها (٢).

ولكن الإشكال في معنى الفوت ، والتفرقة بين مثل الحائض والمجنون وفاقد الطهور على قول ، وبين الناسي والنائم.

وقد يفرّق بأنّ عدم وجوب القضاء على مثل الحائض لفقدان الشرط وهو

__________________

(١) القوانين : ١٣٣.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١.

٣٣٣

الحيض ؛ فلم تفت منها ، ووجوبه على الساهي والنائم لوجود المانع.

وهو تحكّم ، وكما يجوز أن تكون الطهارة شرطاً يجوز أن يكون الحيض مانعاً ، وكما يجوز أن يكون التمكّن من الطهور شرطاً يجوز أن يكون فقدان الماء مانعاً ، وهكذا يحتمل كون اليقظة شرطاً كما يحتمل كون النوم مانعاً ، مع أنّ عدم المانع أيضاً شرط من الشروط.

نعم يمكن أن يرجع في فهم الفوت إلى العرف.

لا يقال : هذا أمر شرعيّ لا مدخل للعرف فيه ، فإنّ كون الشي‌ء مراد الشارع وغير مراده إنّما يعلم منه لا من العرف.

لأنّا نقول : إنّ من المحقّق عند العقل والعرف والعادة أنّ المدار في الإطاعة والامتثال على الظنون ، فكما يحسن بل يجب على المسافر تهيئة الزاد للسفر ، ولملاقي العدو أخذ الحذر والسلاح مع احتمال الفوت (١) قبل الاحتياج إلى الزاد ، وقبل لقاء العدو ، فكذلك للصحيح السالم في أوّل الوقت التهيّؤ للصلاة بل الدخول فيها بنيّة الوجوب مع احتمال الهلاك قبل التمام ، وكذلك نيّة الصيام في الليل ، والسفر إلى الحجّ قبل الموسم ، وأمثال ذلك. وهكذا الكلام في سائر أحوال المكلّفين.

فالظاهر في العقلاء الأصحّاء الخالين عن الموانع كونهم مكلّفين ، فلمّا كانوا في نظر أهل العرف مستعدّين لفعليّة تعلّق التكليف ، وقابلين لحصول العبادة منهم يصحّ في العرف أن يقال لمن سها أو نام منهم ولو قبل دخول الوقت حتّى خرج الوقت : إنّ الصلاة فاتت منه ، بخلاف الصغير والمجنون.

ونظير ذلك أنّ أهل العرف يقولون للتاجر المالك القنية الطالب للاسترباح إذا حصل له مانع من سفرٍ خاص : إنّه فات منه هذا الربح ، بخلاف الفقير الذي لا قنية

__________________

(١) في «ص» : الفوات.

٣٣٤

ولا أهليّة للتكسّب له من جهة عدم الأسباب.

ثمّ في كلّ مورد حصل للمجتهد ظنّ بالفهم العرفي وصدق الفوات فيحكم بالقضاء كالنائم والناسي ، وكلّ موضع يحصل الظنّ بعدمه فيحكم بالعدم كالصغير والمجنون ، وما يشكل عليه الأمر في الفهم فيرجع إلى الأصل.

ومن المواضع المشكلة الحائض ، فيمكن القول بالفوات وعدم وجوب قضاء الصلاة من دليلٍ خاصّ ، والقول بالعدم ووجوب القضاء في الصوم من دليل خاصّ.

فلنفصّل بعض التفصيل ونقول : يجب القضاء على من ترك صلاة فريضة مع استكمال شرائطها ، أو أخلّ بها لنومٍ أو نسيان ، لخصوص الأخبار في النوم والنسيان ، وعمومها في غيرهما ، فإنّ المستفاد منها وجوب القضاء على من فاتته الصلاة. والأخبار كثيرة معتبرة لا حاجة إلى ذكرها (١) ، وتجي‌ء الإشارة إلى بعضها.

ولا يجب القضاء على المجنون والصغير بالإجماع ، بل الضرورة ، وكذا لا يجب قضاء الصلاة على الحائض والنفساء بالإجماع.

وقد مرّ التفصيل والكلام فيما لو أدركتا الوقت طاهرتين في أخره بمقدار الطهارة وركعة ، وأنّه يجب عليهما الإتيان بهما ، ولو تركتا يجب عليهما قضاؤها ؛ بخلاف ما لو أدركتا هذا المقدار في أوّل الوقت.

وقد مرّ الكلام في فاقد الطهور أيضاً ، وأنّ فيه قولين ؛ أظهرهما ، الوجوب ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته (٢).

والمناقشة في أنّ هذه الصلاة ليست بفريضة عليه ؛ ليس في محلّها إذ الظاهر أنّ الفريضة صارت حقيقة في الصلاة المعهودة الواجبة ، أو صارت مجازاً مشهوراً ، مع أنّه منقوض بالنّائم والناسي.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ح ١٤٣ ، وج ٣ : ١٠٧ ح ١٥٠.

٣٣٥

وفي رواية زرارة : «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أُخرى ، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت الفائتة كنت من الأُخرى في وقت فابدأ بالّتي فاتتك» (١) الحديث ، وليس فيها التقييد بالفريضة.

والخدشة بأنّ قوله عليه‌السلام : «فذكرتها» ظاهر في الناسي ليس على ما ينبغي ، لعدم المنافاة ، ولا ينحصر تحقّق التذكّر بسبق النسيان حال الفوت.

وقال في روض الجنان : إنّه يشمل ما لو ذهل فاقد الطهور عن الصلاة بعد وجود المطهّر وذكرها في وقت اخرى ، فيجب عليه حينئذٍ قضاؤها ، للأمر به في الحديث (٢) ، ولا قائل بالفرق.

وتؤيّده صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : فيمن صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها ، قال يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة (٣) الحديث.

واستدلّ عليه أيضاً بروايته الأُخرى القويّة عنه عليه‌السلام إذا نسي الرجل صلاة أو صلّاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها ، فليقضِ الذي وجب عليه لا يزيد ولا ينقص (٤) الحديث فإنّه يشمل العاجز عن تحصيل الطهور ، وإذا وجب مع الصلاة فمع تركها أولى.

واحتجّ المانع بأنّ القضاء هو الإتيان بما فات من الواجب ، والمفروض أنّ الأداء ليس بواجب ، فالقضاء أيضاً ليس بواجب ، وبأنّ القضاء إنّما هو بالفرض الجديد ، ولا دليل عليه.

والجواب عن الأوّل بمنع لزوم تعلّق الوجوب في الوقت في تحقّق مفهوم القضاء ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ح ٦٨٦ ، وص ٢٦٨ ح ١٠٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٨٧ ح ١٠٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٢.

(٢) روض الجنان : ٣٥٨.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧١ ح ٦٨١ ، وص ٢٦٦ ح ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٦ ، الوسائل ٣ : ١٩٩ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٢ ح ١٢٨٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ح ٥٦٨ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ٤.

٣٣٦

وقد عرفت الأمر الجديد.

ويجب القضاء على من فاتته الصلاة من أجل شرب مُرقِد أو مسكر ، للعمومات.

وتخصيص جماعة إيّاه بما لم يكن مُكرَهاً وغير عالم لا وجه له ، للعمومات والإطلاقات.

ولا دلالة للعلّة الاتية في المغمى عليه على ما نحن فيه ، مع أنّها منقوضة بالنائم والساهي إذا كانا خارجين عن تحت الاختيار.

والقول بأنّ جميع المبادئ فيهما اختيارية ، بعيد ، مع إمكان جريان ذلك في المكرَه بالمرقِد والمسكر.

وفي المغمى عليه قولان ، أصحّهما عدم الوجوب ، للأخبار الكثيرة الصحيحة وغيرها ، ومن جملتها حسنة حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول في المغمى عليه قال ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر (١).

وفي حسنة عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام ، قال كلّما غلب الله عليه فليس على صاحبه شي‌ء (٢).

وظاهر الصدوق في المقنع الوجوب (٣) لظواهر الأخبار الصحيحة وغيرها (٤) ، وموافقة الأخبار الأوّلة للأصل وعمل الأصحاب ونفي العسر والحرج يرجّح العمل عليها.

والأولى حمل هذه على الاستحباب كما تشعر به بل تدلّ عليه رواية منصور بن حازم

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٣ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ ح ٩٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٧ ح ١٧٧٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٣ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ح ٧٢٦ ، الوسائل ٥ : ٣٥٥ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٢٤.

(٣) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٠.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٥٦ أبواب قضاء الصلوات ب ٤.

٣٣٧

عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل عن المغمى عليه شهراً أو أربعين ليلة قال ، فقال إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي : أن تقضي كلّ ما فاتك (١) ويقرب منها رواية أبي كهمس (٢).

وكذلك يحمل ما دلّ من الأخبار على قضاء اليوم الّذي أفاق فيه أو ثلاثة أيام أو غير ذلك على مراتب الاستحباب.

ويمكن أن يراد من اليوم الذي أفاق فيه الصلاة التي أفاق في وقتها كما يظهر من صحيحة الحلبي (٣) وصحيحة ابن أبي عمير (٤).

ثمّ إنّ الظاهر من العلّة المذكورة في حسنة حفص هو وجوب القضاء إذا تسبّب هو في الإغماء (٥) ، والأظهر العدم ، للأصل ، وإطلاق سائر الأخبار ، وأنّها واردة مورد الغالب ، مع أنّها معارضة بما ورد في الساهي والنائم (٦).

وإجراء هذه العلّة في المرقِد والمسكر أضعف ، لأنّ النسبة بين ما دلّ على وجوب قضاء ما فات من الإنسان وهذه العلّة عموم من وجه ، والأوّل أقوى ، لظاهر الإجماع المنقول كما يظهر من الذكرى ، فإنّه أسنده إلى الأصحاب ، سيّما مع الحكم بوجوب القضاء على النائم والناسي (٧).

فإن قلت : إنّ العمومات تشمل المغمى عليه أيضاً.

قلنا : الأخبار الواردة فيه خاصّة ، والخاصّ مطلقاً مقدّم على العام ، ولا يضر

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ح ٧٢٥ ، الوسائل ٥ : ٣٥٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٤ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ح ٧٢٤ ، الوسائل ٥ : ٣٥٧ أبواب قضاء الصلوات ب ٤ ح ١٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٦ ح ١٠٤٠ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ ح ٩٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ ح ١٧٨٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٢ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٣ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ ح ٩٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٧ ح ١٧٧٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٣ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٣ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ ح ٩٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٧ ح ١٧٧٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٣ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١٣.

(٦) الوسائل ٥ : ٣٤٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١.

(٧) الذكرى : ١٣٥.

٣٣٨

كون العلّة أعم من وجه من تلك العمومات.

ولا يجب القضاء على الكافر الأصلي إذا أسلم ، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، ولعلّه من المتواترات ، وللإجماع ، بل قيل : إنّه ضروريّ.

وهذا في غير من انتحل الإسلام من الكفّار مثل الغلاة والخوارج والنواصب ، فإنّ حكمهم حكم المخالفين ، وحكمهم أنّهم ما لم يستبصروا فلا تصحّ صلاتهم ولا تُقبل منهم عبادة ، لأنّهم أخذوها من غير موضعها.

وذلك نظير من لم يكن مجتهداً أو لم يأخذ عن مجتهد وإن طابقت عبادته الواقع ، فإنّهم يحكمون ببطلانها ، فكذلك من لم يأخذ دينه من الأئمّة.

ولأنّ عبادتهم فاقدة لشرائط الصحّة غالباً ، والإجماع والأدلة قائمة على بطلان العبادة الغير الجامعة لشرائط الصحّة ، مثل أنّهم يمسحون بالماء الجديد ، ويغسلون أرجلهم في الوضوء ، ويتركون التسمية في القراءة وأمثال ذلك.

وللأخبار الكثيرة المصرّحة بأنّه لا يقبل منهم عمل ، وأنّ أعمالهم كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ؛ المذكورة في الكافي لا نطيل بذكرها (١).

ولا إشكال في هذا الحكم في المعاندين منهم المصرّين على متابعتهم الإباء والأُمّهات ، فإنّهم لا يؤجرون عليه أصلاً وقطعاً.

وأما المستضعفون الجاهلون فلا دليل على حرمانهم من الأجر مطلقاً ، وقد بيّنا في القوانين أنّ الجاهل إجمالاً وتفصيلاً معذور ، وإنّما الذي لا يعذر هو العالم بالإجمال ، الجاهل بالتفصيل ، المقصّر في التحصيل.

وأما بعد الاستبصار ففيه أقوال ثلاثة ، أقواها موافقاً للمختلف (٢) والذكرى (٣) : أنّه لا يجب عليهم قضاء ما فعلوه إلّا الزكاة التي أعطوها غير المؤمنين ، وأنّهم يثابون

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٣ ح ٨ ، وج ٢ : ١٨ ح ٥.

(٢) المختلف ٣ : ٣٠٧.

(٣) الذكرى : ١٣٥.

٣٣٩

بما فعلوا ويكتب لهم.

وهذا ليس بمعنى الحكم بكونها صحيحة في نفس الأمر ، لينافي ما قدّمناه ، بل ذلك بفضل من الله سبحانه.

والقول بأنّ قبولها مشروط بشرط متأخّر وهو الإيمان ، فإذا لحقها تمّت الصحّة ؛ ضعيف ، كما لا يخفى على المتأمّل فيما تقدّم وما سيأتي.

فإن قلت : إنّهم يشترطون في سقوط القضاء وقوع العبادة صحيحة عندهم وصحيحة عندنا على إشكال فيه فهذا ينافي ما ذكرته من عدم الصحّة سابقاً ، وإسقاط القضاء بذلك أيضاً شاهد على الصحّة.

قلت : إنّما قلنا بسقوط القضاء للأخبار الواردة في أنّه لا تجب عليهم إعادة ما صلّوا وصاموا ، لا لأنّهم صلّوا وصاموا (١) ، ولكن لما كان الظاهر المتبادر من السؤال والجواب السؤال عن الصلاة الصحيحة عندهم فاقتصرنا عليه ، وأما الصلاة الفاسدة فيجب قضاؤها بالإجماع كما لو كانوا تركوها رأساً ، وتدلّ عليه العمومات أيضاً.

وهذا ليس مثل الإسلام الذي يجبّ ما قبله ، وحِكمة الفرق : أنّ الكافر لا يترك الصلاة اجتراءً على الله ، لأنّه لا يعتقد وجوبها عليه ، بخلاف المخالف.

بقي الكلام في الإشكال الذي ذكرناه فيما كانت صحيحة عندنا دونهم ، فربّما قيل بكفايته مثل الصحيحة عندهم (٢) ، وربّما قيل بالأولوية (٣) ، وربّما قيل بعدم الكفاية أصلاً ، لأنّهم يعتقدون فسادها فلا يمكنهم التقرب بها ، مع أنّه يقرب من المحال فعلهم موافقاً لنا من غير جهة المأخذ أيضاً (٤) ، والوجهان الأولان باطلان ، لمنع

__________________

(١) الوسائل ١ : ٩٧ أبواب مقدّمة العبادات ب ٣١.

(٢) الذكرى : ١٣٥.

(٣) روض الجنان : ٣٥٦.

(٤) حكاه في روض الجنان : ٣٥٦ ، وقد يستفاد من رياض المسائل ٤ : ٢٧٣.

٣٤٠