غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

ويبقى الكلام في وجه الترجيح وحمل الخلاف على الاستحباب.

وما ذهب اليه ابن إدريس أقوى بالنسبة إلى الأُصول وظواهر كثيرٍ من الأخبار واشتراكه في أدلّة المشهور كما ذكرنا ، والمشهور بالنسبة (١) إلى الشهرة ومطابقته للإطلاقات.

ولا ريب أنّ الاحتياط مع مذهب ابن إدريس ، سيّما فيما لو كان أكثر من رجلين.

ولعلّ التفصيل كما هو مضمون الروايتين بل الروايات ليس بذلك البعيد ، كما يظهر ذلك من بعض المتأخّرين (٢) ، لعدم ظهور الإجماع المركّب ههنا (٣).

ثم بعد البناء على التأخّر أو الأعمّ منه ، فهل الوقوف على اليمين بالتفصيل المذكور واجب أو مستحبّ؟ فيه وجهان ، والمشهور بين الأصحاب أنّه مستحبّ ، بل قال في المنتهي : إنّ هذا الموقف سنّة ، فلو خالف بأن وقف الواحد على يسار الإمام أو خلفه لم تبطل صلاته عند علمائنا أجمع (٤).

وهذا لا ينافي خلاف ابن إدريس ، إذ هو في التقدّم والتأخّر ؛ وكلّ منهما أعمّ من كلّ من اليمين واليسار من وجه ، فتأمّل.

ونقل عن ابن الجنيد القول بوجوب ذلك لظاهر الروايتين (٥) ، وتدلّ عليه أيضاً رواية الحسين بن بشار المدائني : أنّه سمع من يسأل الرضا عليه‌السلام عن رجل صلّى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ، كيف يصنع إذا علم وهو في

__________________

(١) يعني : والمشهور أقوى بالنسبة..

(٢) كالبحراني في الحدائق الناضرة ١١ : ١١٦.

(٣) في «ص» زيادة : بنى أنّه سئل عن الرجل يؤمّ الرجلين ، قال : يتقدّمهما ولا يقوم بينهما ، وعن الرجلين يصلّيان جماعة قال : نعم يجعله عن يمينه لا ينحصر.

(٤) المنتهي ١ : ٣٧٦.

(٥) قال العلامة في المختلف ٣ : ٨٩ المشهور بين الأصحاب أنّ موقف المأموم وحده أو الجماعة على ما رتّبوه نفل لا فرض ، وقال ابن الجنيد : لا تجوز صلاته لو خالف.

١٤١

الصلاة؟ قال يحوّله عن يمينه (١) ولا ريب أنّ الاحتياط في ذلك.

والمرجع في التقدّم والتأخّر إلى العرف ، وقد نسب إلى صريح الأصحاب أنّ التساوي يعتبر بالأعقاب ، فلو تساوى العقبان لم يضرّ تقدّم أصابع رجل المأموم ، ولا تقدّم رأسه وصدره ، ولا ينفعه العكس لو تقدّم العقب (٢).

وقيل باعتبار تقدّم العقب والأصابع معاً (٣) ، وأنّه لا يضرّ التقدّم في الرأس والركبتين حال الركوع والسجود والجلوس ، والأحوط اعتبار كلّ المذكورات.

السادس : تجب نيّة الائتمام ، وتعيين الإمام ، ولو بأن يقتدي بمن يعلم أنّه أحد العدلين المرضيين عنده.

وتجب متابعة الإمام في الأفعال بإجماعنا كما ذكره جماعة من الأصحاب ، بل هو إجماع العلماء كما يظهر من المعتبر والمنتهى (٤).

ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع وعدم تحقّق معنى القدوة بدونه وعدم حصول البراءة إلّا بذلك ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا (٥) ومن طريق الخاصة أيضاً أخبار تدلّ على ذلك (٦) ، وسيجي‌ء شطر منها.

والمراد من المتابعة هنا عدم التقدّم ، سواء وافقه أو تأخّر عنه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٨ ح ١١٧٤ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ح ٩٠ ، ، الوسائل ٥ : ٤١٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٤ ح ٢. وفيهما الحسين بن يسار ، قال في معجم رجال الحديث ٥ : ٢٠٢ من المطمأن به أنّ الرجل واحد ، والاختلاف إنّما نشأ من اختلاف نسخ الرجال ، كما أنّ من المطمأن به صحّة كلمة بشار على ما صرّح به ابن داود دون كلمة يسار كما يظهر من الروايات.

(٢) كما في المدارك ٤ : ٣٣١.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ١١٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٢١ ، المنتهي ١ : ٣٧٩.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ح ٧٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ح ٨٤٦.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨.

١٤٢

ولا يجب التأخّر ، للأصل ، وظاهر الإطلاقات ، إلّا أنّه أفضل.

ويظهر من الصدوق أنّ ثواب الجماعة مشروط بذلك ، قال في الفقيه : إنّ من المأمومين من لا صلاة له ، وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك ، ومنهم من له أربع وعشرون ركعة وهو الذي يتبع الإمام في كلّ شي‌ء ، فيركع بعده ، ويسجد بعده ، ويرفع منهما بعده (١).

وظاهر العبارة وإن كان سائقاً مساق نفي الفضيلة والثواب في التقدّم ، إلّا أنّك عرفت أنّ المتابعة واجبة بالإجماع.

ويبقى الكلام في أنّه هل تبطل الصلاة بذلك أم لا؟ ظاهر ما ذكرنا من الأدلّة وأنّ القدوة لا تتحقّق إلّا بذلك يقتضي بطلان الصلاة ، لأنّ هذه الصلاة حينئذٍ خارجة عن الجماعة وغير داخلة في الانفراد ، لأنّ الجماعة مشروطة بالنيّة كما سيأتي ، فمع نيّتها لا يتأتى الانفراد ، ومع التخلّف لا تصحّ الجماعة ، سيّما إذا قلنا بكون العبادات أسامي للصحيحة.

وظاهر ما سيأتي من الأخبار وكلام الأصحاب الصحّة ، وكلام الصدوق رحمه‌الله محتمل لها (٢).

فلو رفع رأسه عن الركوع قبل الإمام أو عن السجود فيجب عليه الاستمرار لو كان عامداً في ذلك ، قال في المدارك : إنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً صريحاً (٣) ، ولكن المفيد أطلق العود ولم يقيّده بالعامد (٤).

واستدلّوا على ذلك بموثّقة غياث بن إبراهيم ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ٢٧٩.

(٢) في «ص» ، «م» : لهما.

(٣) المدارك ٤ : ٣٢٧.

(٤) وجدناه في التهذيب ٣ : ٤٧.

١٤٣

عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه؟ قال : «لا» (١).

وللزوم زيادة في الصلاة ، ركناً كان أو غيره لو عاد إلى ما تقدّم فيه عن الإمام.

ولو كان ناسياً في ذلك ، فالمشهور أيضاً أنّه يعود إلى ما كان فيه ويتمّ مع الإمام.

وتدلّ عليه صحيحة ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار ، عن الصادق عليه‌السلام ، قالا : سألناه عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ، فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : «فليسجد» (٢).

وصحيحة عليّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن الرجل يركع مع إمام يقتدى به ، ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام ، قال يعيد ركوعه معه (٣).

وحسنة محمّد بن سهل الأشعري ، عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام مثلها مع أدنى تفاوت في اللفظ (٤).

وقد يستشكل في هذا الحكم وهذه الاستدلالات ، إذ تلك الأخبار مطلقات ، وكذا موثّقة غياث ، فلا وجه لحملها على العامد وتلك على الناسي ، مع أنّ تلك الموثّقة لا تثبت تمام المطلوب ، وفي ثبوت الإجماع المركب تأمّل.

أقول : وما يختلج بالبال في تنقيح المقال أنّ الظاهر من تلك الأخبار أنّها في صورة النسيان ، إذ هو الغالب في ذلك ، لكون وجوب المتابعة مجمعاً عليه معهوداً بين الأصحاب بل المسلمين ، ومن البعيد أن يكون من كان يصلّي صلاة الجماعة ويدخل في زمرة الصالحين أن يفعل ذلك القبيح عمداً ، وسيّما بحيث يكون هذا

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٧ ح ١٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ ح ١٦٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤٤٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٨ ح ١١٧٣ ، التهذيب ٣ : ٤٨ ح ١٦٥ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٧٧ ح ٨١٠ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٨ ح ١١٧٢ ، التهذيب ٣ : ٤٧ ح ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ ح ١٦٨٨ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٢.

١٤٤

مورد سؤال الراوين في جملة من الأخبار ، ولعلّه لا فرق بينه وبين الخطأ ، بل هو الأغلب والشائع.

والحمل على جاهل المسألة أيضاً بعيد ، مع أنّ الجاهل صلاته باطلة غالباً على ما هو التحقيق ، فلا يلائم المقام (١).

وبالجملة فالذي يجده الطبع السليم أنّ المراد بتلك الأخبار هو صورة النسيان أو الخطأ.

والذي يشيّد أركان ذلك ما يأتي من موثّقة ابن فضال في الهويّ إلى الركوع قبل الإمام (٢) ، لما ذكرنا من أنّه لا فرق بين الخطأ والنسيان ، ولا قائل بالفصل بين حكم الرفع والهويّ ؛ فيتمّ التقريب.

وأمّا موثّقة غياث ، فلما كانت مخالفة لتلك الأخبار الكثيرة الصحيحة ، فلا بدّ من حملها على صورة العمد ، وليس ذلك التوجيه بنفسه دليلاً للاستمرار حالة العمد ، إذ الدليل لا بدّ أن يكون نصّاً أو ظاهراً ، وما ذكرناه من الظهور في تلك الأخبار غاية ما يثبت منها مفهوم لقبي ؛ ولا حجية فيه حتّى نقول إنّه هو المخصص للموثّقة.

فنقول : إنّ الأصل في الصلاة عدم جواز الزيادة على الهيئة المخصوصة ، لكونه مخرجاً لها عن المطلوب للشارع ، ولا ريب أنّ زيادة كلّ واجب في الصلاة أو نقصانه عمداً مبطل للصلاة ، فهذا الأصل أصل متقن (٣) ، ولم يثبت مخصّص له ، فلا يجوز حينئذٍ العود ، للزوم الزيادة ، غاية ما ثبت من الرخصة هو في حالة النسيان ، لظهور الأخبار في ذلك ، وعدم جواز مخالفة الأصل إلّا بالقدر المتيقّن ، فموثّقة غياث مقرّرة للأصل.

__________________

(١) في «ص» : فلا يتمّ المقام.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ح ٨٢٣ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

(٣) في «م» : متيقّن.

١٤٥

ولم يوجد هناك ناقل يقاومه ليترجّح عليه ، لما ذكرنا من عدم ظهور الأخبار في العامد ، مع أنّ الترجيح للمقرّر كما هو التحقيق ، والقدر الذي قابلة الناقل لقوّته وهو صورة النسيان فقد خصّصناه ، فتبقى صورة العمد بحالها.

ومن هذا يظهر وجه تفرقة الأصحاب.

ولكن يبقى الإشكال في تصريحهم بأنّه يستمر حتّى يلحقه الإمام ؛ ولم يحكموا ببطلان الصلاة حينئذٍ ، بل وحكموا بصحّتها ، فإنّ المحقّق والمقرّر عندنا بل وعند العلماء كافة وجوب المتابعة ، ومع التخلّف عن ذلك فالأوجه البطلان ، فكيف يحكم بالصحّة؟!

وموثّقة غياث أيضاً لا تنافي ذلك ، ولم تصرّح فيه بلزوم الاستمرار ، ولعلّه يكون المراد فيه البطلان أيضاً.

وقد يقال البطلان يظهر من كلام الشيخ في المبسوط أيضاً ، حيث قال : من فارق الإمام بغير عذر بطلت صلاته (١) ، ولا يخلو من إشعار.

ولعلّ نظر الأصحاب إلى أنّ المتابعة واجب خارج عن الصلاة ، فبتركه يحصل الإثم خاصّة ، ولعلّ في كلام الصدوق الذي ذكرنا أيضاً إشعار بذلك.

ويشكل هذا الحكم لو قلنا بأنّ الجماعة اسم (٢) للصحيحة منها.

ثم بعد البناء على ذلك فالموثّقة تحكم على مورد خاصّ ، والإجماع المركّب لم نقف على من يدّعيه ههنا ، ولم يظهر لنا القطع به ، فالأحوط في غير مورد الخبر العود والإعادة ، بل في أصل هذا الحكم عندي إشكال ، ولم أقف للأصحاب في ذلك على حجّة يعتدّ بها.

ثم إنّ العلامة رحمه‌الله ذهب في التذكرة والنهاية إلى استحباب العود في

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٢) بدل اسم في «ح» : تامة.

١٤٦

صورة النسيان (١) ، ولعلّه لتلك المعارضات استضعف دلالتها على الوجوب ، وليس بشي‌ء ، لتوقّف اليقين بالبراءة على ذلك.

وبعد البناء على المشهور من الوجوب ، فهل تبطل الصلاة بتعمّد ترك العود أم لا؟ وجهان ، مالهما إلى جعل ذلك خارجاً عن الجماعة أو داخلاً فيها ، وعدم البطلان في صورة العمد يؤيّد عدم البطلان ههنا وإن ثبت العصيان ، والأحوط البناء على البطلان والإعادة في الوقت.

وأما الخارج ففي شمول أدلّة القضاء له إشكال.

وهذا الحكم الذي نقلناه من المشهور في الرفع هو بعينه قولهم في الهويّ إلى الركوع والسجود ، أما في صورة العمد فللزوم الزيادة كما ذكرنا.

وأما في صورة النسيان فلموثّقة حسن بن عليّ بن فضال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : في الرجل كان خلف إمام يأتم به ، فركع قبل أن يركع الإمام ، وهو يظنّ أنّ الأمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب : «يتمّ صلاته ولا يفسد ما صنع صلاته» (٢) ويتمّ التقريب بعدم القول بالفصل.

ويظهر لك مما ذكرنا سابقاً الإشكال في صورة التعمّد والجواب عنه ، وكذا التعدّي عن حكم الهويّ إلى الركوع كما هو مورد النصّ إلى غيره ، وأنّ الاحتياط ماذا.

ولا بدّ من تقييد ذلك بما إذا تمّت قراءة الإمام ، وإلّا فيشكل الحكم بالصحّة ، بل الحكم بالصحّة بالاستمرار في حال العمد في جميع هذه الصور عندي محلّ إشكال ، وكذا العود في هذه الحالة ، والاحتياط في الاستمرار وإعادة الصلاة ، هذا حال الأفعال.

__________________

(١) التذكرة ٤ : ٣٤٤ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٣٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٠ ح ٨٢٣ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

١٤٧

وأما الأقوال والأذكار ففيها قولان ؛ الأوّل : ولعلّ الأكثر عليه عدم الوجوب ، للأصل ، وصدق الامتثال بالمطلقات بدون ذلك ، وعدم ثبوت المقيّد ، وأنّه لو كان واجباً لوجب على الإمام الجهر ليعلم المأموم فلا يتقدّمه (١).

وثانيهما : قول الشهيد في جملة من كتبه ، وهو وجوب المتابعة (٢) ، ولعلّ نظره إلى الرواية النبوية المتقدّمة (٣) ، وبأنّ القدوة لا تحصل إلّا بذلك ، والأحوط هو ما ذكره.

ولعلّ المراد بالمتابعة في الأقوال : هي المتابعة في شخص الذكر أيضاً ، لا مجرد التقديم والتأخير.

هذا في غير تكبيرة الإحرام.

وأما فيها فلا ريب في البطلان مع التقدّم ، ويظهر وجهه بما أسلفناه.

وأما معه فقولان ، والأصحّ البطلان ، للأصل ، ولعدم ظهور صدق القدوة ، لأنّ القدوة تحصل إذا ثبتت صلاة يقتدى بها ، والاقتداء أيضاً إنّما يحصل بانعقاد الصلاة ، ولا تنعقد إلّا بعد تمام التكبير ، وتمامه ليس في حال انعقاد صلاة المؤتمّ بها ، لكون بعضه قبل انعقاد صلاته.

ولكن الحميري روى في قرب الإسناد ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي فيكبّر قبل الإمام ، قال لا يكبّر إلّا مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبير (٤) وفي دلالتها على خلاف ما اخترناه تأمّل.

اعلم أنّ كلام الأصحاب في هذه المسائل كالأخبار مقيّد بالصلاة خلف من يقتدى به ، والظاهر أنّه كذلك والله العالم.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٢١ ، المدارك ٤ : ٣٢٦.

(٢) الدروس ١ : ٢٢١ ، البيان : ٢٣٨.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ح ٧٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ح ٨٤٦.

(٤) قرب الإسناد : ٩٥.

١٤٨

السابع : الأظهر أنّه يجب ترك القراءة للمأموم مطلقاً إلّا إذا كانت الصلاة جهرية ، ولم يسمع صوت الإمام ولا همهمته ، وتستحبّ القراءة في هذه الصورة وفاقاً لجماعة من المتأخّرين (١).

لنا : ظاهر الآية الشريفة (٢) ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جُعل إليه فلا تقرأ خلفه ، وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أُمر بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ (٣).

وصحيحة الحلبي عنه عليه‌السلام ، قال إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به ، فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ، إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها ولم تسمع ، فاقرأ (٤).

وقال الصدوق في الفقيه : وفي رواية عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام أنّه إن سمع الهمهمة فلا يقرأ (٥).

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال وإن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئاً في الأُوليين ، وأنصت لقراءته ، ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين ، فإنّ الله عزوجل يقول للمؤمنين (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) يعني في الفريضة خلف الإمام (فَاسْتَمِعُوا لَهُ

__________________

(١) كصاحبي المدارك ٤ : ٣٢٣ ، والذخيرة : ٣٩٧.

(٢) (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف : ٢٠٤).

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ح ١١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ح ١٦٤٩ ، الوسائل ٥ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٧ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٥٥ ح ١١٥٦ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ح ١١٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ح ١٦٥٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٢.

١٤٩

وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١) والأخيرتان تتبع الأُوليين (٢).

وحسنة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبّح في نفسك (٣).

وحسنة قتيبة عن الصادق عليه‌السلام ، قال إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ (٤).

وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم قالا ، قال أبو جعفر عليه‌السلام كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من قرأ خلف إمام يؤتمّ به فمات بعث على غير الفطرة (٥).

وموثّقة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف من أرتضي به ، أقرأ خلفه؟ فقال من رضيت به فلا تقرأ خلفه (٦).

وصحيحة سليمان بن خالد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيقرأ الرجل في الأُولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنّه يقرأ؟ فقال لا ينبغي له أن يقرأ ، يكِله إلى الإمام (٧).

__________________

(١) الأعراف : ٢٠٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٦٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٣. وفيهما : فالأخيرتان تبعاً للأُوليين ، وفي نسخة «ح» من نسخنا : والأخيرتان تتبعا الأُوليين.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٧ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ح ١١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ح ١٦٥١ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٧ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٣ ح ١١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ح ١٦٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٧ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ح ٧٧٠ ، الفقيه ١ : ٢٥٥ ح ١١٥٥ ، المحاسن : ٧٩ ح ٣ ، الوسائل ٥ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٣ ح ١١٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ح ١٦٥٣ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٤.

(٧) التهذيب ٣ : ٣٣ ح ١١٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ح ١٦٥٤ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٨.

١٥٠

وصحيحة ابن سنان عنه عليه‌السلام ، قال إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ ، وكان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأُوليين وقال يجزئك التسبيح في الأخيرتين» قلت : أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : «أقرأ فاتحة الكتاب (١).

ورواية الحسين بن بشير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام فقال لا ، إنّ الإمام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه ، إنما يضمن القراءة (٢).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن الإمام إذا أخطأ في القرآن فلا يدري ما يقول ، قال يفتح عليه بعض من خلفه قال : وسألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول ، فقال إذا سمع صوته فهو يجزئه ، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه (٣).

وصحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إمام لا بأس به في جميع أمره ، عارف ، غير أنّه يُسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما ، أقرأ خلفه؟ قال لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّاً قاطعاً (٤).

ودلالة هذه الأخبار على سقوط القراءة وحرمتها مع سماع القراءة بيّنة ، وكذا اتّحاد حكم الهمهمة معه ، لخصوص الروايتين المتقدّمتين ، وعموم الآية والأخبار الأُخر ، وكذا على سقوط القراءة وحرمتها في الركعتين الأُوليين من الإخفاتية ، للعمومات ، والإطلاقات في الأخبار المتقدّمة ، وخصوص صحيحة عبد الرحمن بن

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٥ ح ١٢٤ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠٤ ، التهذيب ٣ : ٢٧٩ ح ٨٢٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠ ح ١ ، وفي الفقيه والوسائل الراوي هو : الحسن بن كثير ، وهو الأصحّ. انظر معجم رجال الحديث رقم ٢٧٤٠ ، ٣٠٦٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٤ ح ١٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ ح ١٦٥٦ ، الوسائل ٥ : ٣٨٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٧ ح ٣ وص ٤٢٤ ب ٣١ ح ١٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١١٤ ، التهذيب ٣ : ٣٠ ح ١٠٦ ، الوسائل ٥ : ٣٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ١.

١٥١

الحجّاج ، وصحيحة ابن سنان وغيرهما.

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه : لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الأُوليين في جميع الصلوات من ذوات الجهر والإخفات إلّا أن تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقر كلّ واحد لنفسه ، وهذه أشهر الروايات ، ثمّ نقل روايات أُخر (١).

وقال ابن إدريس : اختلفت الرواية خلف الإمام الموثوق به ، فروي أنّه لا قراءة على المأموم في جميع الركعات والصلوات ، سواء كانت جهريّة أو إخفاتيّة ، وهي أظهر الروايات التي تقتضيها أُصول المذهب ، لأنّ الإمام ضامن للقراءة بلا خلاف ، ثمّ نقل روايات اخرى ، ثمّ قال بعده : والأوّل أظهر لما قدمناه (٢).

ويظهر من كلامهما رحمهما‌الله أنّ السقوط هو المشهور بين الأصحاب ، والأوفق بقواعدهم ، لكن كلامهما ليس بصريح في الحرمة ، بل كلام ابن إدريس إنّما ينفي الوجوب ، فلم تظهر الشهرة من كلامهما إلّا في السقوط.

نعم لا يخلو كلام السيد عن ظهور في الحرمة.

ويؤيّد ما يظهر من ابن إدريس كلام المحقّق في المعتبر أيضاً ، حيث قال : وتكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر ، وفي الجهريّة لو سمع ولو همهمة ، ولو لم يسمع قرأ ، ثمّ قال : هنا مسائل ، الأُولى تسقط القراءة عن المأموم وعليه اتفاق العلماء ، وقال الشيخان : لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام ولو همهمة ، الى آخر ما ذكره (٣).

وأما الركعتان الأخيرتان فيدلّ على عدم الجواز في الجهريّة خصوص صحيحة

__________________

(١) الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٤٠. قال : وروى أنّه لا يقرأ فيما يجهر فيه ويلزمه القراءة فيما خافت فيه الإمام ، وروى أنّه بالخيار فيما خافت فيه.

(٢) السرائر ١ : ٢٨٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٢٠.

١٥٢

زرارة المتقدّمة (١) ، ويمكن استنباط العموم منها بالنسبة إلى الإخفاتية أيضاً ، وقد ثبت عدم الجواز في أُولييها ، وكذا العمومات أيضاً دالّة على ذلك في الجهريّة والإخفاتيّة.

وأما استحباب القراءة فيما لم يسمع صوت الإمام فلما مرّ من الأخبار ، وبها تخصّص عمومات المنع.

وأما رفع الوجوب مع وجود الأوامر وهي ظاهرة في الوجوب فللأصل ، ولأنها في مورد الحظر غالباً ، أو مورد توهّمه ، ولخصوص صحيحة الحسن بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة ، قال لا بأس إن صمت وإن قرأ (٢).

ثمّ يرد على بعض ما ذكرنا من الأحكام أُمور :

الأوّل : إن ما ذكرت من الأدلّة يقتضي حرمة القراءة في الركعتين الأُوليين من الإخفاتية ، وقد روى إبراهيم بن عليّ المرافقي وأبو أحمد عمرو بن الربيع البصري ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام : أنّه سئل عن القراءة خلف الإمام فقال : «إذا كنت خلف الإمام تولّاه وتثق به فإنّه تجزئك قراءته ، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فأنصت ، قال الله تعالى (وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٣) قال ، فقيل له : فإن لم أكن أثق به فأصلّي خلفه فأقرأ؟ قال : «لا ، صلّ قبله أو بعده» فقيل له : أفأُصلّي خلفه وأجعلها تطوّعاً؟ قال لو قُبل التطوّع لقبلت الفريضة ، ولكن اجعلها سبحة (٤).

__________________

(١) ص ١٤٩ وهي في الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٦٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٤ ح ١٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ ح ١٦٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١١.

(٣) الأعراف : ٢٠٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣ ح ١٢٠ ، وفي الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٥ ، وب ٦ ح ٥.

١٥٣

وهذه الرواية ظاهرة في جواز القراءة ، وكذا صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة تشعر بذلك ، حيث قال عليه‌السلام : «لا ينبغي» (١) وهو لا يدلّ على الحرمة ، بل هو ظاهر في الكراهة ، فالوجه الجمع بين الأخبار بالكراهة وأفضليّة التسبيح كما سنذكر.

وفيه : أنّ الصحيحة غير صريحة في المطلوب ، لمنع ظهور «لا ينبغي» في الكراهة ، غاية الأمر عدم دلالته على الحرمة ، ولعلّ الصحيحة ظاهرة في الركعتين الأخيرتين كما يشعر به قوله «وهو لا يعلم أنّه يقرأ» وسيجي‌ء فيهما كلام.

ولو سلّمنا الظهور في المطلوب أيضاً ، فهو لا يعارض الأخبار الكثيرة الصريحة الصحيحة ، سيّما مع ما عرفت من أنّه الأوفق بالمذهب ، والمشهور بين الأصحاب على ما ظهر من كلام السيّد رحمه‌الله ، وإن كان يظهر خلافه من المحقّق رحمه‌الله ، فلا وجه لإخراج الأقوى عن ظاهره بمخالفة الأضعف ظاهراً.

ومما ذكرنا يظهر الجواب عن الرواية ، والتوجيه المذكور يتطرّق فيها أيضاً على ضرب من العناية.

الثاني : إنّه يعارض ما دلّ على حرمة القراءة في الركعتين الأخيرتين مطلقاً بصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال إن قرأت فلا بأس ، وإن سكتّ فلا بأس (٢).

ورواية أبي خديجة عن الصادق عليه‌السلام ، قال إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأُوليين وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب ، وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في

__________________

(١) تقدّمت في ص ١٥٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ح ١١٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٣.

١٥٤

الركعتين الأخيرتين(١).

وبما رواه المحقّق في المعتبر ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال إذا كنت في الأخيرتين فقل للذين خلفك يقرؤن فاتحة الكتاب (٢).

وتؤيّده صحيحة ابن سنان المتقدّمة على بعض الوجوه ، وكذا صحيحة سليمان بن خالد.

وليس في عمومات تلك الأخبار أيضاً ما يشمل ما نحن فيه بظاهره إلّا صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم ، وموثّقة يونس بن يعقوب.

وأما مثل رواية الحسين بن بشير فلعلّ الظاهر منها أنّه فيما ثبت للإمام هناك قراءة حتّى يضمن بها قراءة من خلفه ، والتزام القراءة في الأخيرتين ووجوبها عيناً غير واضح ، بل عرفت سابقاً أفضلية التسبيح مطلقاً.

وأما مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج وصحيحة الحلبي وعمر بن يزيد وغيرها وإن كان فيها إطلاق لكن الطبع السليم والتأمّل المستقيم لا يفهم منها عموماً ، ولا ينساق إلى الركعتين الأخيرتين قطعاً كما لا يخفى.

وأما صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم وموثّقة يونس فهما تتعارضان مع ما ذكرنا من الأخبار وعمومات جواز القراءة في الصلاة وفي خصوص الركعتين الأخيرتين.

ويمكن دفعه بأنّ صحيحة عليّ بن يقطين ظاهرة في الجهريّة ، ويعارضها خصوص صحيحة زرارة المتقدّمة ، فمع تأييدها بظاهر العمومات لا تقاومها هذه الصحيحة.

وأما رواية أبي خديجة فربما يقال : إنّ المراد منها بقوله عليه‌السلام فإذا كان في

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ح ٨٠٠ ، الوسائل ٥ : ٤٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٢١.

١٥٥

الركعتين الأخيرتين (إذا كان الائتمام في الركعتين الأخيرتين) (١) بأن يكون المأمومون مسبوقين ، وقوله عليه‌السلام في الركعتين الأخيرتين في آخر الخبر من متعلّقات قوله «على الإمام التسبيح» فحينئذٍ لا يتمّ التقريب ، إذ هو مسألة على حدة ، وسيجي‌ء إن شاء الله تعالى.

وعلى فرض تسليم الدلالة فهي قاصرة السند (٢) ، ولا تقاوم الأخبار الصحيحة الظاهرة.

ومن هذا يظهر الجواب عن البواقي ، إلّا أن يقال : شمول الصحيحة والموثّقة لذلك محلّ تأمّل ، وإنّهما ظاهرتان فيما تثبت فيه القراءة ، فتبقى عمومات جواز القراءة بحالها ، إلّا أنّ ترك القراءة أحوط ، سيّما مع ما نذكر من استحباب التّسبيح ، وذكرنا سابقاً من أفضليته مطلقاً (٣).

وبالجملة الأولى ترك القراءة في جميع تلك الموارد إلّا في الجهريّة إذا لم يسمعها المأموم ، ولعلّه يمكن القول بالأولوية هناك أيضاً ، لعدم التأكد (٤) فيها كما ذكر ، وأفضلية التسبيح ، ولخصوص بعض الأخبار الدالّة عليها ، منها ما تقدّم ، ومنها ما سيأتي.

ثمّ إنّ جمعاً من الأصحاب حكموا باستحباب التسبيح في الإخفاتية (٥) ، لصحيحة بكر بن محمّد الأزدي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام إنّي لأكره للمرء أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنّه حمار قال ،

__________________

(١) ما بين القوسين مشطوب في نسخة «ص».

(٢) لعلّ وجه الضعف هو الكلام في أبي خديجة فقد ضعّفه الشيخ في الفهرست : ٧٩ رقم ٣٢٧ ، وتبعه العلامة في رجاله : ٢٢٧. وإن وثّقه النجاشي والشيخ في موضع آخر.

(٣) نذكّر : أنّ الأخبار الّتي لم نشر إلى مصادرها قد مرّت نصوصها والإشارة إلى مصادرها في الصفحات ١٥١١٤٩.

(٤) في «ص» : التأكيد.

(٥) كالشهيد في البيان : ٢٤٣ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٢٤.

١٥٦

قلت : جعلت فداك فيصنع ماذا؟ قال : «يسبّح» (١).

وقد مرّت رواية أبي خديجة (٢) وحسنة زرارة (٣) ، إلّا أنّ حسنة زرارة تشمل بإطلاقها الجهريّة وإن سمع قراءة الإمام ، بل هي ظاهرة فيها.

فحينئذٍ يرد الإشكال من جهة ما دلّ على استحباب القراءة فيما لم يسمع الصوت ولا الهمهمة ، وحرمتها فيما سُمعا. ومن جهة إطلاق رواية أبي خديجة ، وظاهر هذه الحسنة ، فإنّهما تدلّان على رجحان التسبيح مطلقاً ، المتضمن لعدم الاستماع.

أما الإشكال الأوّل وهو رجحان التسبيح كما هو مقتضى رواية أبي خديجة ، ففيه أنّها لا تقاوم تلك الأدلّة كما ذكرنا سابقاً.

وأما الإشكال الثاني وهو رجحان التسبيح مع تضمّنه عدم الاستماع كما أفادته الحسنة ، فقد قيل في وجه الجمع بينها وبين الآية بوجهين ، الأوّل : أن يكون المراد التسبيح الخفيّ بحيث لا ينافي الإنصات العرفيّ ، والثاني : أن يكون المراد التسبيح القلبي والنفسي لا الذكري كما هو ظاهر الخبر.

وفي كليهما نظر ، لأنّ المأمور به في الآية الاستماع والإنصات ، ولا يتحقّق الإنصات إلّا بترك القراءة ، ولا ريب أنّ الاستماع أمر مربوط بالقلب ، فإنّما هو إعمال القلب للجارحة المخصوصة لحصول المقصود ، فمع ربط القلب بتحصيل السماع يشكل الالتفات إلى التسبيح النفسي والقلبي الذي ليس هو إلّا بتوجّه القلب ، ولا مدخل فيه لجارحة أُخرى ، إذ «ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ».

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٦١ ، الوسائل ٥ : ٤٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ١.

(٢) ص ١٥٤.

(٣) ص ١٥٠ وهي في الكافي ٣ : ٣٧٧ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٣٢ ح ١١٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ ح ١٦٥١ ، الوسائل ٥ : ٤٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٦.

١٥٧

فلعلّ حملها على الإخفاتية وجعل الإنصات عبارة عن ترك القراءة أولى.

ويشعر بذلك أيضاً بعض الأخبار ، كصحيحة عليّ بن يقطين (١).

وبالجملة الحكم باستحباب التسبيح في الركعتين الأُوليين من الجهرية إذا سمع القراءة في غاية الإشكال ، بل وجوازه أيضاً.

الثامن : يستحبّ حضور جماعة أهل الخلاف استحباباً مؤكّداً للأخبار الكثيرة ، فروى زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «يا زيد ، خالقوا الناس بأخلاقهم ، صلّوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذّنين فافعلوا ، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفريّة ، رحم الله جعفراً ، ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه ، وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفريّة ، فعل الله بجعفر ، ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه» (٢).

وحفص بن البختري في الصحيح عنه عليه‌السلام ، قال يحسب لك إذا دخلت معهم وإن لم تقتدِ بهم مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من يقتدى به (٣).

وحمّاد بن عثمان في الصحيح عنه عليه‌السلام ، أنّه قال من صلّى معهم في الصفّ الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصفّ الأوّل (٤) إلى غير ذلك من الأخبار (٥).

وتستحبّ الصلاة في المنزل أوّلاً ثمّ الصلاة معهم ، لصحيحة عمر بن يزيد عنه

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٤ ح ١٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ ح ١٦٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٢٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥١ ح ١١٢٩ ، الوسائل ٥ : ٤٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٥ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٣ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥١ ح ١١٢٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ح ٧٥٢ ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٠ ح ١١٢٦ ، أمالي الصدوق : ٣٠٠ ح ١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ١.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥.

١٥٨

عليه‌السلام ، أنّه قال ما منكم أحد يصلّي صلاة فريضة في وقتها ، ثمّ يصلّي معهم صلاة تقيّة وهو متوضئ إلّا كتب الله له بها خمساً وعشرين درجة ، فارغبوا في ذلك (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام أنّه قال : «ما من عبد يصلّي في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلّي معهم وهو على وضوء إلّا كتب الله له خمساً وعشرين درجة».

وقال له أيضاً : إنّ على بابي مسجداً يكون فيه قوم مخالفون معاندون وهم يمسّون في الصلاة ، فأنا أُصلّي العصر ثمّ أخرج فأُصلّي معهم ، فقال أما ترضى أن تحسب لك بأربع وعشرين صلاة (٢).

وما رواه مروك بن عبيد في الصحيح ، عن نشيط بن صالح ، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل منّا يصلّي صلاته في جوف بيته مغلقاً عليه بابه ، ثمّ يخرج فيصلّي مع جيرته ، تكون صلاته تلك وحده في بيته جماعة؟ فقال الذي يصلّي في بيته يضاعف الله له ضعفي أجر الجماعة ، يكون له خمسين درجة ، والذي يصلّي مع جيرته يكتب الله له أجر من صلّى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدخل معهم في صلاته فيخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم (٣) إلى غير ذلك من الأخبار (٤).

ولا تسقط القراءة حينئذٍ ، وقال في المنتهي : لا نعرف فيه خلافاً (٥).

ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك ، وكونه منفرداً غير مقتدي حينئذٍ : حسنة الحلبي عن

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٠ ح ١١٢٥ ، الوسائل ٥ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٥ ح ١٢١٠ ، الوسائل ٥ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦ ح ٢ ، ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٧٣ ح ٧٨٩ ، الوسائل ٥ : ٣٨٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦ ح ٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦.

(٥) المنتهي ١ : ٣٧٨.

١٥٩

الصادق عليه‌السلام ، قال إذا صلّيت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع (١).

وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة ، قال اقرأ لنفسك ، فإن لم تسمع بنفسك فلا بأس (٢).

وصحيحة محمّد بن أبي حمزة ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس (٣) ويسقط الجهر للروايتين الأخيرتين.

وأما ما تضمّن من الأخبار من ترك القراءة مثل ما رواه بكير بن أعين في الموثّق لابنه ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الناصب يؤمّنا ما نقول في الصلاة معه؟ فقال أما إذا جهر فأنصت للقران واستمع ، ثمّ اركع واسجد أنت لنفسك (٤).

وما رواه زرارة وليس في طريقها إلّا قاسم بن عروة عن الباقر عليه‌السلام ، قال لا بأس أن تصلّي خلف الناصب ولا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه ، فإن قراءته تجزيك إذا سمعتها (٥).

وما رواه معاوية بن وهب في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤمّ القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فقال إذا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٣ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٥ ح ١٢٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ ح ١٦٥٨ ، الوسائل ٥ : ٤٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٦ ح ١٢٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ ح ١٦٦٣ ، الوسائل ٥ : ٤٢٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٠ ح ١١٨٥ ، التهذيب ٢ : ٩٧ ح ٣٦٦ ، وج ٣ : ٣٦ ح ١٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١١٩٧ ، وص ٤٣٠ ح ١٦٦٢ ، الوسائل ٥ : ٤٢٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٥ ح ١٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ ح ١٦٦٠ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٧٨ ح ٨١٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٥.

١٦٠