غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

في مسألة الشكّ بين الاثنتين والأربع الإمرة بسجدتي السهو للتكلّم أيضاً (١) لا تدلّ على ذلك ، مع أنّها يمكن أن تكون لأجل سهو في نفس الصلاة ، أو في صلاة الاحتياط لا بينهما.

وعلى القول بالبطلان بتخلّل المنافي فحكمها حكم جزء الصلاة ، ويترتّب عليه حكم المنافيات في الصلاة ، فعلى ما اخترناه إذا أحدث بعد الصلاة قبل الاحتياط يتوضأ ، ويأتي بصلاة الاحتياط.

وادّعى الشهيد في الذكرى الإجماع على فوريّة الأجزاء المنسية التي تقضى ، وقال : إنّه لا خلاف أنّه يشترط فيها ما يشترط في الصلاة حتّى الأداء في الوقت (٢).

وفي بطلان الصلاة بفعل المنافي قبلها أيضاً وجهان ، والأظهر العدم.

ولو ترك صلاة الاحتياط عمداً ففي البطلان وجهان ، ناظران إلى ظاهر الأخبار ، سيّما روايات عمّار الدالّة على أنّها متممة.

وإلى عدم ثبوت اشتراط الصحّة بها ، للأصل ومنع دلالة الروايات ، بل هي واجب على حدة يأثم بتركها. وهو أظهر ، سيّما بملاحظة ما قدّمناه من عدم البطلان بتخلّل المنافي.

مع أنّ المستفاد من العلّة المذكورة في أخبار صلاة الاحتياط من أنّها تمام الصلاة إن كانت ناقصة ، وتحسب نافلة إن كانت تامة (٣) ، أنّ الصلاة تبنى على التمام على الظاهر ، وهذه الصلاة احتياط للإتيان بما في نفس الأمر ، فهذا يشبه باحتياط المجتهد مع حصول الظنّ له بالحكم الشرعي ، غاية الأمر أنّ الاحتياط هنا واجب ، فكما أنّ ظنّه متّصف بكونه حكم الله ظاهراً ، فكذا الصلاة بعد البناء على ما اقتضاه الشكّ.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ ح ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ح ١٣١٥ ، الوسائل ٥ : ٣٢٣ أبواب الخلل ب ١١ ح ٢.

(٢) الذكرى : ٢٢٨.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٢٢ أبواب الخلل ب ١١.

٣٠١

ثمّ على القول بالاشتراط ، هل يكفي فعله أيّ وقت يكون ؛ ولو قضاءً خارج الوقت ، أو تجب في وقت الصلاة ، فتبطل بخروجه؟ احتمالان ، والظاهر بالنظر إلى الأخبار توقيته. وإن لم يكن فوريّاً ولم يثبت القضاء لصلاة الاحتياط من دون الصلاة لا بدّ من دليل.

والتحقيق أنّ القضاء فرض جديد ، والأقرب بطلان الصلاة بخروج الوقت ، إلّا أن يتمسّك بعموم ما ورد في قضاء الفوائت لو لم نمنع شمولها لها.

وأما على ما اخترناه فالوجه عدم البطلان بخروج الوقت وإن أثم بتركها لو تعمّد ، والأحوط بل الأظهر وجوب قضائها ، وكذا لو كان نسياناً.

ولو ترك الأجزاء المنسية عمداً ففي بطلان الصلاة أيضاً وجهان ، أظهرهما العدم.

وعلى الأوّل ففي كفاية القضاء في الصحّة أيضاً الوجهان ، وأولى بالعدم هنا لعدم العموم في أخبار القضاء لتشمله ، ولفظ القضاء الوارد في الأجزاء المنسية ليس على مصطلحه المشهور كما لا يخفى.

الثاني : لو تذكّر قبل الاحتياط عدم الحاجة إليه فلا إشكال.

ولو تذكّر النقصان فيأتي بالنقص ما لم يفعل المنافي.

ولو تذكر النقصان ولما يركع في الركعة الأُولى قال الشهيد : الأقرب عدم الاعتداد بما فعله من النية والتكبير والقراءة ، ويجب عليه القيام لإتمام الصلاة (١) ، انتهى.

ولو تذكّر بعد الاحتياط عدم الحاجة إليه فلا يضرّ ، وله ثواب النافلة ، ومرّ ما يدلّ عليه من الأخبار.

ولو تذكّر النقصان صحّ ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، فإنّ ظاهر الأخبار يشمل

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٧.

٣٠٢

صورة التذكّر أيضاً ، فلا وجه لتخصيصها بالنقص المحتمل دون المتيقّن بعد الاحتياط أيضاً ، ولصريح روايات عمّار.

نعم يقع الإشكال فيما لو ظهر النقصان بخلاف ما اقتضاه شكّه ، كمن صلّى ركعتين من جلوس للشكّ بين الثلاث والأربع ، وظهر له بعد الاحتياط أنّه صلّى ركعتين ففيه إشكال ، نظراً إلى أنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة كالقضاء خلاف الأصل ويحتاج إلى فرض جديد.

وإلى أنّ ذلك حكم ما لو لم يظهر لا مطلقاً ، وما لو حصل ما يجبر النقص ، والمفروض عدمه.

والظاهر من روايات عمّار أيضاً هو ما وافق النقصان.

ويؤيّد الثاني ما يدلّ على حكم ناسي الركعة ، وأنّه يجب الإتيان بها (١) ، إلّا أنّ بينها وبين ما دلّ على حكم الشكّ عموماً من وجه ، وحينئذٍ فحكم النسيان يقتضي الإتيان بركعتين تتميماً للفريضة ، ويقع الإشكال حينئذٍ في كون الاحتياط مبطلاً للصلاة أم لا من جهة كونها فعلاً كثيراً أو مستلزماً لزيادة الركن ، ومن جهة عدم شمول أدلّتهما لما نحن فيه ، ولا يبعد أن يقال بمنع بقاء التكليف بالأربع ركعات بعد الأمر بمقتضى الشكّ ، وعود الحكم السابق يحتاج إلى دليل ، والأصل عدمه ، وكذا لا دليل على إتيان ركعة أُخرى حينئذٍ ، فيكون الإجزاء أظهر ، والاحتياط واضح.

وكذلك الكلام فيما لو ظهر للشاكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الإتيان بالركعتين أنّه صلّى ثلاث ركعات ، أو بعد الإتيان بركعتين من جلوس إذا قدّمهما أنّه كان صلّى ركعتين ، والأمر في الصورة الأخيرة أشكل ، لعدم كفاية الركعتين من جلوس ، وكون الركعتين من قيام بعدهما زائدة على القدر الناقص في نفس الأمر ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٠٧ أبواب الخلل ب ٣.

٣٠٣

وعدم دليل على جواز الإتيان بركعتين أُخريين جالساً ، أو ركعة من قيام ، وظهور منع شمول الأمر لهذه الصورة.

وعدم المطابقة هنا ليس مثل عدم المطابقة لو تذكّر في الشكّ بين الثلاث والأربع أنّه نقص ركعة مع إتيانه بركعتين من جلوس ، فإنّ الظاهر أنّ الجلوس والقيام وزيادة التكبير ونحو ذلك لا يضرّ بالمطابقة على ما اقتضته الأدلّة والأخبار ، بخلاف عدد الركعات.

ولو قلنا بلزوم المطابقة من جميع الوجوه فلا بدّ أن يحكم في كلّ صور التذكّر بالإعادة ، ولا أظنّ قائلاً به ، هذا كلّه إذا تذكّر بعد الخلاص.

وأما لو تذكّر في الأثناء عدم الحاجة فيهدمه ، ويحتمل جواز الإتمام نافلة كما نبّهت عليه الروايات (١).

ولو تذكّر الحاجة فيحتمل الإجزاء للأمر ، والعدم لما تقدّم من دخوله تحت ناسي الركعة ، ولزيادة التكبير ، والتفصيل بالصحّة مع المطابقة ، وعدمها مع عدمها.

وقد تحتاج ملاحظة ذلك التفصيل إلى عدم زيادة الركعة والتصرّف في صلاة الاحتياط ، فلو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع وأتى بركعتين من قيام وتذكّر في أثنائها أنّها كانت ثلاثاً ، فقال في الذكرى : تنقدح الصحّة ما لم يركع في الثانية ، أو يركع وكان قد قعد عقيب الاولى لما سبق في مثله ، أما لو ركع ولما يسبق له الجلوس فالبطلان قويّ ، لأنّه إن اعتبر كونه مكمّلاً للصلاة فقد زاد ، وإن اعتبر كونه صلاة منفردة فقد صلّى زيادة عمّا في ذمّته بغير فاصل.

ولو تذكّر في أثناء الركعتين جالساً أنّها ثلاث فالأقرب الصحّة ، لأنّ الشرع اعتبرها مجزية عن ركعة ، ويحتمل البطلان ، لأنّ ذلك حيث لأعلم للمكلّف ، أما مع علمه فيكون قد صلّى جالساً ما هو فرض معلوم له ، وهذا يقدح في صحة الصلاة ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٢٢ أبواب الخلل ب ١١.

٣٠٤

وإن كان قد فرغ منهما وتذكّر أنّها ثلاث ، وأبعد في الصحّة لو تذكّر أنّها اثنتان ، لأنّه يلزم منه اختلال النظم ، ووجه امتثال الأمر ، فالحكم بالإجزاء على تقدير كلّ محتمل ، إذ المكلّف لا يؤخذ بما في نفس الأمر ، فإذا كان الحكم بالإجزاء حاصلاً مع البقاء على الشكّ ، ومن الممكن أن لا يكون مطابقاً للأمر نفسه ، فلا فرق بينه وبين التذكّر (١) ، انتهى.

والإنصاف أنّ الاعتماد على الأخبار في أكثر هذه الفروع مما لا يظهر له وجه ، وبعد تعارض الأُصول والقواعد والالتفات إلى بعض التنبيهات يظهر رجحان للقول بأنّ كلّ ما وافق الاحتياط للناقص على وفق ما ورد في الأخبار يكون مجزياً ، سواء كان في الأثناء أو بعد التمام ، وكلّ ما يكون موافقاً ويحتاج إلى تصرّف أو عدول نية فلا ، ومع ذلك فالاحتياط في كلّ ما حصل اليقين بالنقصان الإعادة أيضاً.

الثالث : هل تقدّم الأجزاء المنسية على الاحتياط مطلقاً ، أو مع تقدّمها ، أو لا كذلك؟ احتمالات ولم يظهر من الأخبار شي‌ء ، والوجه التخيير ، ولعلّ الأُولى ملاحظة الترتيب.

ويترتّب الاحتياط بترتّب أسبابه ، فلو شكّ بين الاثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ، ثمّ شكّ بين الأربع والخمس في حال القيام ، فيقدّم احتياط الأوّل على الثاني ، وكذلك الأجزاء المنسية المترتّبة.

الرابع : قال في الذكرى : لو أعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط لم يجز ، لعدم الإتيان بالمأمور به وربما احتمل الإجزاء ؛ لإتيانه على الواجب وزيادة (٢).

أقول : والوجه ما ذكره أولاً ، نعم لو هدم الصلاة من حصل له موجب الاحتياط وأعادها فيجزيه وإن عصى في ذلك.

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٧.

(٢) الذكرى : ٢٢٨.

٣٠٥

الخامس : مقتضى فورية الاحتياط عدم جواز صلاة أُخرى قبلها ، فريضة كانت أو نافلة وعلى ما اخترناه فلا دليل على الحرمة ، سيّما على ما اخترناه من عدم إبطال المنافي بينهما أيضاً.

وعلى القول بالفوريّة يبطل أيضاً عند من يجعل الأمر مقتضياً للنهي عن ضدّه الخاصّ مع دلالته على الفساد ، والمقامات الثلاثة كلّها ممنوعة ، هذا إذا تعمّد.

وأما النسيان فقيل : تبطل النافلة مطلقاً ، والفريضة فيما لم يمكن العدول ، وإلّا فيعدل (١).

وفيه : أنّ العدول كما لا يصحّ من النافلة فلا دليل على العموم في جميع الفرائض أيضاً.

ولا يبعد الإتمام ثمّ الإتيان بالاحتياط ، كما لا يبعد جواز الهدم والاحتياط ثمّ الإتيان بتلك الصلاة ، لعدم الدليل على مطلق حرمة الإبطال.

فمن سها احتياط الظهر ودخل في العصر يجوز له الإتمام والهدم كلاهما ، ولعلّ الثاني أوجه ، وأما العدول فلم نقف له على دليل.

ويظهر مما ذكرنا أنّ من تضيّق وقته عن الإتيان باحتياط الظهر ثمّ العصر ولو بإدراك ركعة منه يأتي بالعصر أوّلاً ثمّ بالاحتياط بطريق الأولى.

تنبيه : روى الطبرسي في الاحتجاج ، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن صاحب الزمان عليه‌السلام : أنّه كتب إليه يسأله عن رجل صلّى الظهر ودخل في صلاة العصر ، فلمّا صلّى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين ، كيف يصنع؟ فأجاب عليه‌السلام إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة تقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين ، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمّة لصلاة الظهر ، وصلّى العصر بعد ذلك (٢).

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٨.

(٢) الاحتجاج : ٤٨٨ ، الوسائل ٥ : ٣٢٥ أبواب الخلل ب ١٢ ح ١.

٣٠٦

ونبّه على ذلك الشهيد الثاني رحمه‌الله في روض الجنان ، وعدّ ذلك من المواضع التي لا تضرّ زيادة الركن في الصلاة (١).

السادس : إذا غلب أحد الطرفين أوّلاً أو بعد الشكّ وصار ظنّاً ، فيبني عليه ، فيتبع مقتضاه من الصحّة والبطلان.

فمن ظنّ أنّه صلّى ثلاثاً فيبني عليه ويأتي بالباقي ، ومن ظنّ أربعاً فيتمّ ويقتصر عليه ، ومن ظنّ أنّه زاد ركعة فتبطل صلاته ، وهكذا.

والمشهور أنّه لا فرق في ذلك بين الأُوليين والأخيرتين ، ونسبه الشهيد إلى فتوى الأصحاب (٢) ، ونقل عن ظاهر ابن إدريس اختصاصه بما عدا الأُوليين ، وردّه بأنّه مخالف للعمومات والفتاوى ، واستدلّ بدفع الحرج وبما روى العامة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه (٣).

أقول : وتدلّ عليه صحيحة صفوان المتقدّمة في مسألة من لم يدرِ كم صلّى (٤) ، سيّما على المعنيين الأوّلين اللذين ذكرناهما ، واستقراء الأخبار الكثيرة المتقدّمة في مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع وغيرها المفيدة للظنّ القويّ بأنّ العلّة فيها هي الظنّ.

وظاهر إطلاقهم يشمل الغداة والمغرب أيضاً ، ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكرنا حسنة الحسين بن أبي العلاء المتقدّمة في مسألة من نقص ركعة (٥).

__________________

(١) روض الجنان : ٣٣٤.

(٢) الذكرى : ٢٢٢.

(٣) بدائع الصنائع ١ : ١٦٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٣ ح ١٢١٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ ح ٧٤٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ ح ١٤١٩ ، الوسائل ٥ : ٣٢٧ أبواب الخلل ب ١٥ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٣ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ١٨٣ ح ٧٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٦٧ ح ١٤٠٠ ، الوسائل ٥ : ٣١٥ أبواب الخلل ب ٦ ح ١.

٣٠٧

ورواية إسحاق بن عمّار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا ذهب وهمك إلى التمام أبداً في كلّ صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع ، أفهمت؟» قلت : نعم (١).

وفي الفقه الرضوي أيضاً ما يدلّ على ذلك (٢).

نعم قد تعارض هذه الأخبار بمثل حسنة محمّد بن مسلم المتقدّمة في مسألة الشكّ في الأُوليين وفي الثنائية والثلاثية ، قال : «يستقبل حتى يستيقن أنّه قد أتم» (٣) فإنّ التعليل يفيد عدم الاكتفاء بالظنّ. ورواية أبي بصير (٤) ورواية موسى بن بكر (٥) المتقدّمتين ثمّة ، فإنّها أخص مطلقاً مما ذكرنا.

وكذلك بمثل صحيحة زرارة (٦) وما في معناها (٧) المتقدّمة ثمّة القائلة بوجوب الإعادة على من لم يدرِ واحدة صلّى أم اثنتين ، فإنّ عدم الدراية أعمّ من الظنّ.

ويمكن دفعها بالمعارضة بمفهوم الأخبار الواردة في الفجر والمغرب القائلة ببطلانها بالشّك (٨) ، فإنّ عدم الشكّ أعمّ من الظنّ ، وبأنّ الظاهر من قولهم عليهم‌السلام : «لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين» التساوي كما هو مقتضى همزة التسوية (٩) ، ويؤيّده ما سيجي‌ء أيضاً.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٣ ح ٧٣٠ ، الوسائل ٥ : ٣١٧ أبواب الخلل ب ٧ ح ٢.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١١٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥١ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٩ ح ٧١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٦٥ ح ١٣٩١ ، الوسائل ٥ : ٣٠٤ أبواب الخلل ب ٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٠ ح ٧٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٧٠ ح ١٤٠٨ ، الوسائل ٥ : ٣٠٥ أبواب الخلل ب ٢ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٧٩ ح ٧١٩ ، الوسائل ٥ : ٣٠٥ أبواب الخلل ب ٢ ح ٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٢ ح ٧٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٥ ح ١٤٢٣ ، الوسائل ٥ : ٣٠٠ أبواب الخلل ب ١ ح ٦.

(٧) الوسائل ٥ : ٣٠١ أبواب الخلل ب ١ ح ١٢ ، ١٧.

(٨) الوسائل ٥ : ٣٠٤ أبواب الخلل ب ٢.

(٩) في «م» : هذه التسوية.

٣٠٨

ثمّ إنّ ظاهر الأكثرين وصريح جماعة تسوية الأعداد والأفعال في ذلك (١) ، وهو أيضاً كذلك ، ويدلّ عليه كثير مما تقدّم ، ومفاهيم الصحاح المستفيضة المتقدّمة متفرّقة فيمن شكّ في شي‌ء بأنّه يقضي ما لم يخرج عن مكانه ، ويمضي لو خرج ، لأنّه لا يطلق الشكّ على الظنّ.

ومثله الأخبار المتقدّمة في مبحث تكبيرة الإحرام وغيرها ، مثل صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة فقال : «أليس كان من نيّته أن يكبّر؟» قلت : نعم ، قال : «فليمض في صلاته» (٢).

وما رواه الصدوق مرسلاً عنه عليه‌السلام ، أنّه قال الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح (٣) ونحو ذلك (٤).

وكيف كان ، فمع ظهور دلالة الأخبار الحاكمة بالبطلان في الأُوليين وفي الثنائية والثلاثية في الأعداد والشكّ فيها دون الأفعال والظنّ أو عدم ظهور شمولها للأفعال والظنّ لا يجوز الحكم بالبطلان ، والظنّ الحاصل من الشهرة كافٍ ، فضلاً عن ملاحظة ما ذكرناه من الأخبار ، سيّما مع موافقته لنفي العسر والحرج ، وكون ترك الاعتماد عليه موجباً لتوسيع مجال الشكّ وغلبة الشيطان.

وفي بعض الأخبار دلالة على سجدتي السهو في صورة الظنّ ، ، مثل حسنة الحلبي المتقدّمة في الشكّ بين الثلاث والأربع (٥) ، ولا بأس بالعمل بها استحباباً.

__________________

(١) كابن إدريس في السرائر ١ : ٢٥٠ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٧١٠ ، وروض الجنان : ٣٤١ ، وانظر الذكرى : ٢٢٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٦ ح ٩٩٩ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ ح ٥٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ ح ١٣٣٠ ، الوسائل ٤ : ٧١٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٦ ح ٩٩٨ ، الوسائل ٤ : ٧١٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٤٥ ح ٥٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ ح ١٣٣٢ ، الوسائل ٤ : ٧١٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٣ ح ٨ ، الوسائل ٥ : ٣٢١ أبواب الخلل ب ١٠ ح ٥.

٣٠٩

وكذلك رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة أنفاً (١) ، وموثّقة أبي بصير تدلّ على صلاة الاحتياط مع الشكّ بين الثلاث والأربع ، وغلبة الظنّ بالثّلاثة (٢) ، وهي مهجورة.

فائدة :

قال الشهيد الثاني رحمه‌الله : يجب على الشاكّ التروّي ، فإن ترجّح عنده أحد الطرفين عمل عليه ، وإلّا لزمه حكم الشاكّ (٣). وردّه بعض المتأخرين بأنّ الروايات لا تعطي ذلك ، وجعل مراعاة ذلك احتياطاً (٤).

أقول : ولعلّ نظره إلى ما رواه الشيخ في الصّحيح ، عن حمزة بن حمران وهو ممّن قد يروي عنه صفوان بن يحيى عن الصادق عليه‌السلام ، قال ما أعادها فقيه قط ، يحتال لها ويدبّرها حتّى لا يعيدها (٥). والجملة الخبرية ظاهرة في الوجوب.

وفقه الحديث : أنّ كلّ ما يقبل الاحتيال والتدبير من واردات الشكّ والوسواس ، فالفقيه لا بدّ أنّ يدفعه من نفسه حتّى لا يعيد الصلاة ، فإنّ الإعادة في أمثال ذلك من متابعة الشيطان ، فمن جملة ذلك كثير من الشكوك الحاصلة في العبادات.

ولذلك يجب على كثير الشكّ الإعراض عنه والبناء على الصحّة ، وعلى أهل الوسواس الإعراض عنه وترك المتابعة ، وهذا المعنى يحصل غالباً في نيّة الصلاة ، ويعيد المصلّي صلاته لأجل التشكيك فيها وفي بطلان الصلاة بخروج الريح ونحو ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٣ ح ٧٣٠ ، الوسائل ٥ : ٣١٧ أبواب الخلل ب ٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥١ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٨٥ ح ٧٣٥ ، الوسائل ٥ : ٣٢٢ أبواب الخلل ب ١٠ ح ٧.

(٣) روض الجنان : ٣٤٠ ، المسالك ١ : ٢٩٥.

(٤) المدارك ٤ : ٢٦٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٥ ح ٩٩٣ ، التهذيب ٢ : ٣٥١ ح ١٤٥٥ ، الوسائل ٥ : ٣٤٤ أبواب الخلل ب ٢٩ ح ١.

٣١٠

فدفع مكايد الشيطان من وجوه ، بعضها قبل الشكّ ، وبعضها بعده.

أما ما هو قبله فتحذير النفس وتحقيق معنى النيّة ، وأنّه هو الداعي لا الخطر بالبال ، وأنّ الإخلاص مما لا يمكن تحصيله في حال النيّة ، بل هو مما لا بدّ أن يحصل قبل العبادة ، وأنّ الشيطان يريد سلب لذّة العبادة وجعلها مبغوضة للعبد ، وطبعه متنافراً عنها ، فربّما يوسوس في أفعال الصلاة ، وربّما يوسوس في الطهارة عن الحدث أو الخبث ، فيزاوله حتّى يوقع المكلّف في الشدّة والمحنة ، ويجعله مطيعاً لنفسه في غاية الذلة والمهانة ، فلا بدّ من أخذ الحذر والأسلحة لدفع هذا العدوّ الخبيث بمذكّرات الشرع ومنبّهاته.

ومن جملة ذلك أيضاً إعداد الحصى لعدّ الركعات ونحو ذلك ، والالتجاء إلى الدعوات الواردة في الشكّ ونحوها.

وأما ما هو بَعده ، فمنها الإعراض والعمل على الصحّة كما هو حكم كثير الشكّ.

ومنها التروّي والتفكّر في تحصيل القرائن لأجل إخراج الشكّ إلى الظّنّ ، فكما أنّ مطلوب الشّارع عدم إعادة الصلاة ؛ فكذلك ما هو في معناه مثل صلاة الاحتياط وسجدتي السهو ونحوهما ، فإنّ الكلّ من ثمرات الشكّ ، والعلّة فيه غالباً هي غلبة الشيطان ، والإلهاء عن ذكر الله.

ويؤيّد ما ذكرناه ما رواه ابن إدريس في القويّ عن أبي بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ عيسى بن أعين يشكّ في الصلاة فيعيدها ، قال هل يشكّ في الزكاة فيعطيها مرّتين (١) ، وفي هذه الرواية مزية في الدلالة من جهة التنبيه على العلّة ، فإنّ محبّة المال هي العلّة في عدم إطاعة الشيطان في الزكاة دون الصلاة.

__________________

(١) مستطرفات السرائر ٣ : ٦١٣ ، الوسائل ٥ : ٣٤٤ أبواب الخلل ب ٢٩ ح ٢.

٣١١

ومن التأمّل في الروايتين يظهر تأييد لجواز العمل بالظنّ عموماً كما أشرنا ، فتنبّه.

بقي الكلام في وجه التقييد بقولنا كلّ ما يقبل الاحتيال ، وهو ظاهر ، لأن وجوب الإعادة والعمل على مقتضى الشكّ في الجملة قد ثبت بالإجماع والأخبار ، فالرواية مخصوصة بغيرها.

السابع : لا حكم للشكّ الحاصل للإمام مع حفظ المأموم وبالعكس لحسنة حفص بن البختري (١) ، وصحيحة عليّ بن جعفر (٢) ، ومرسلة يونس (٣) ، ورواية محمّد بن سهل (٤).

ويحصل العلم لكلّ منهما بحال الأخر بالقرائن أو بالإشارة أو بالذكر ، مثل أن يفهم المأموم من الإمام أنّه متردّد بين الاثنتين والثلاث ، فيقول : سبحان الله ثلاث مرّات ، أو يشير إلى القيام بقوله : «بحول الله وقوّته أقوم وأقعد» وهكذا.

والكلام مع يقين أحدهما ظاهر ، لظهور الحفظ في اليقين ، سيّما مع ملاحظة مرسلة يونس على ما رواه الشيخ ، قال : «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه بإيقان منهم» ، وعلى ما رواه الصّدوق في موضع «إيقان» كلمة «اتفاق» فلا يخلو أيضاً من ظهور فيه ، لكمال ندرة الاتّفاق مع عدم اليقين.

وأمّا مع الظّنّ فالأشهر الأظهر جواز رجوع الشاكّ إلى الظانّ أيضاً ، لإطلاق الروايات.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٣٨ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٠ ح ١٤٥٣ ، وج ٣ : ٢٧٩ ح ٨١٨ ، الوسائل ٥ : ٣٣٨ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٣١ ح ١٠٢٨ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٤ ح ١٢٠٥ ، التهذيب ٣ : ٢٧٧ ح ٨١٢ ، الوسائل ٥ : ٣٣٨ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٢.

٣١٢

وفيه إشكال ، لما ذكرنا من ظهور الحفظ في اليقين ، سيّما مع ملاحظة لفظة إيقان.

ويدفعه أنّ الظاهر أنّ المراد في الأخبار أنّ المأموم يبني على ما هو ظاهر أنّه يقيني للإمام ، فإن العلم بأن ما يفعله الإمام بلا تردّد وتأمل هل هو مبنيّ على يقينه أو ظنّه مما لا يمكن عادة ، فإطلاق ما لم يذكر فيه لفظ الحفظ واليقين يشمله ، والمراد مما ذكر فيه أيضاً ظاهر الحفظ واليقين لا النفس الأمري ، وهذا واضح على المتأمّل.

وفي الفقيه في باب نوادر الطواف خبر قويّ يدلّ على المطلوب (١).

ويؤيّده لزوم العسر والحرج على التنبيه بما يفرّق به بين الظنّ واليقين ، مع أنّ المستفاد من الاستقراء أنّ حكم الظنّ في باب الشكّ هو حكم اليقين.

هذا كلّه إذا أردنا إثبات المسألة على العنوان المبحوث عنه ، وإلّا فإذا أفاد الظنّ فلا إشكال ، والغالب أنّ الشكّ يتبدّل به بسبب ظنّ صاحبه.

والمشهور أنّ الظانّ منهما أيضاً يرجع إلى المتيقّن. وتأمّل فيه بعضهم (٢) ، وهو في محلّه ، إلّا أن ترجع المسألة إلى أنّ ذلك يوجب تبدّل الظن بالظنّ بخلافه.

وأما إذا تيقّن كلّ منهما بشي‌ء ، فكلّ منهما يتبع يقينه ، وكذلك إذا ظنّ كلّ منهما بخلاف الأخر.

وأما إذا كانا شاكين ، فإن اتّحد شكهما فيلزمهما حكمه.

وإن اختلفا ، فإن كان بينهما رابطة يرجعان إليها كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث ، والآخر بين الثلاث والأربع ، فيبنيان على الثلاث ؛ لتيقّن أحدهما بوجود الثالثة والآخر بانتفاء الرابعة ، وليس عليهما احتياط.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٤ ح ١٢٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٩.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ١٣٩.

٣١٣

وقد لا يوجد مع الرابطة يقين ، كما لو شكّ أحدهما بين الثلاث والأربع ، والآخر بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فمرجعهما إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، لعدم تيقّن أحدهما بانتفاء الأربع ، فأحدهما متيقّن في الثلاث ، وكلاهما شاكان في الأربع ، فيعملان على مقتضى المرجع.

وإن لم تكن رابطة ، كالشكّ بين الاثنين والثلاث ، وبين الأربع والخمس ، فينفردان كلّ بما يقتضيه شكّه.

هذا كلّه إذا لم يحصل اختلاف بين المأمومين ، وإذا اختلفوا فلا يجوز أن يرجع الإمام إلى أحدهم اقتراحاً ، فيعمل كلّ على ما عنده ، إلّا أن يحصل للإمام الظنّ بقول أحدهم ، فيعمل عليه ، ثم يتبعه الأخر إن حصل له الظنّ بذلك أيضاً ، وإلّا فيعمل على ما عنده.

وفي مرسلة يونس : «فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم» (١).

وهذا إذا لم تجمعهم رابطة ، وإلّا فيبنون على مقتضاها ، كما لو شكّ الإمام بين الاثنتين والثلاث والأربع ، وفرقة من المأمومين بين الثلاث والأربع ، وأُخرى بين الثلاث والأربع والخمس ، فالمجمع هنا هو الشكّ بين الثلاث والأربع لتيقّن المأمومين بالثلاث وتيقن بعضهم مع الإمام بانتفاء الخمس.

وكذلك إذا جمعهم العمل على الشكّ على أمر واحد ، كما لو شكّ الإمام بين الاثنتين والأربع ، وبعضهم بين الثلاث والأربع ، وآخر بين الأربع والخمس ، فيبني الكلّ على الأربع وإن تفاوت احتياطهم ، وهكذا.

والظاهر عدم الفرق بين كون أحد الشكّين مقتضياً للبطلان وعدمه.

ثمّ إنّ كلا منهما يرجع إلى الأخر وإن لم يحصل الظنّ ، بل وإن كان المأموم

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٨.

٣١٤

غير عادل بل فاسقاً ، ولا يجوز الرجوع إلى غيرهما إلّا إذا أفاد الظنّ وإنّ كان عادلاً.

ثمّ إن فعل الإمام ما يوجب سجدتي السهو فيجب عليه بلا خلاف ، كما أنّه لا يجب عليه إذا لم يفعل وإن فعله المأموم بلا خلاف.

وأما المأموم ، فالمشهور أنّه لا يجب عليه شي‌ء إذا لم يفعل ما يوجبه ، وإن فعله الإمام ، خلافاً للمبسوط. فأوجبه (١) وفاقاً لجمهور العامة (٢).

ويجب عليه إذا فعله وإن لم يفعله الإمام ، خلافاً للخلاف فنفى الوجوب (٣) ، وإن عرض له السبب ، مدّعياً عليه إجماع الفرقة ، واختاره السيد (٤) وجماعة من المتأخّرين (٥) ، ونسبه العلّامة إلى العامة عدا مكحول (٦) ، والأقوى المشهور.

لنا : الأصل في الأوّل ، وخصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة في التكلّم ناسياً (٧) ، ورواية منهال المتقدّمة في مقامات سجدتي السهو (٨) في الثاني.

وتدلّ على قول المبسوط موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال في جملتها : وعن الرجل يدخل مع الإمام وقد صلّى الإمام ركعة ، أو أكثر فسها الإمام كيف يصنع الرجل؟ قال : «إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمّها وسلم سجد الرجل سجدتي

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٣.

(٢) المغني لابن قدامة ١ : ٦٩٥.

(٣) الخلاف ١ : ٤٦٣ مسألة ٢٠٦.

(٤) الجمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٤١.

(٥) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٣٩٥ ، والشهيد في الذكرى : ٢٢٣.

(٦) التذكرة ٣ : ٣٢٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٥٦ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ ح ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ ح ١٤٣٣ ، الوسائل ٥ : ٣١٣ أبواب الخلل ب ٤ ح ١.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ح ١٤٦٤ ، الوسائل ٥ : ٣٣٩ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٦.

٣١٥

السهو» (١) وإطلاق موثّقة عمّار المتقدّمة في وجوب التشهّد والتسليم في سجدتي السهو (٢) ، ويمكن حملها على التقيّة ، والأحوط فعله.

واستدلّ أيضاً بقوله عليه‌السلام انّما جعل الإمام إماماً ليتّبعوه (٣) وردّ بالضعف ، وأنّ المراد المتابعة في الصلاة.

وتدلّ على قول الخلاف موثقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئاً ولم يكبّر ولم يسبّح ولم يتشهّد حتّى سلّم ، فقال : «قد جازت صلاته ، وليس عليه شي‌ء إذا سها خلف الإمام ، ولا سجدتا السهو ، لأنّ الإمام ضامن لصلاة من خلفه» (٤).

وقد يستدلّ عليه بموثّقته الأُخرى النافية لسجدتي السهو على مأموم سها التسبيح في الركوع أو السجود أو الذكر بين السجدتين (٥) ، وهو كما ترى.

وقد يستدلّ له بروايتي حفص بن البختري (٦) ومحمّد بن سهل (٧) المتقدّمتين ، وهو أيضاً كما ترى ، مع أنّه تعارضه مرسلة يونس المتقدّمة القائلة «وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام» (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ح ١٤٦٦ ، الوسائل ٥ : ٣٣٩ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٦ ح ٩٩٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ ح ٧٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ ح ١٤٤٢ ، الوسائل ٥ : ٣٣٤ أبواب الخلل ب ٢٠ ح ٣.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٢٢٥ ح ٤٢ ، صحيح البخاري ١ : ١٠٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ح ٤١١ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٤ ح ٦٠٣ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٤ ح ٣٦١ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ح ٨٤٦ ح ١٢٣٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٠ ، ليؤتمّ به بدل ليتّبعوه.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٤ ح ١٢٠٤ ، التهذيب ٣ : ٢٧٨ ح ٨١٧ ، الوسائل ٥ : ٣٣٩ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٣ ح ١٢٠٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧٨ ح ٨١٦ ، الوسائل ٥ : ٣٣٩ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٨ ، الوسائل ٥ : ٣٣٨ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٣.

(٧) الفقيه ١ : ٢٦٤ ح ١٢٠٥ ، التهذيب ٣ : ٢٧٧ ح ٨١٢ ، الوسائل ٥ : ٣٣٨ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٢.

(٨) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٣١ ح ١٠٢٨ ، التهذيب ٣ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٤٠ أبواب الخلل ب ٢٤ ح ٨.

٣١٦

مع أنّ رواية محمّد بن سهل معارضة بأخبارٍ كثيرة دالّة على أنّ الإمام لا يضمن صلاة من خلفه ، مثل صحيحة معاوية بن وهب (١) وغيرها (٢).

وحاصل ما يستفاد من الجمع بين أخبار الضمان وعدم الضمان هو الضمان في القراءة دون غيرها.

وبالجملة الأقوى العمل على الروايتين ، لموافقتهما لجمهور الأصحاب ، ومخالفتهما للعامّة ، واعتضادهما بسائر العمومات.

وهاهنا إشكال فيما نقل عن العامّة (٣) : أنّ ترك السجود هنا مذهب لهم كفعله ثمّة ، وكأنّ ثمّة أولى بالعدم.

فائدة :

لا يجوز للمسبوق بركعة أن يأتمّ بالإمام في الأخيرة لو زاد الإمام ركعة سهواً ، للأصل ، وموثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام : في رجل سبقه الإمام بركعة ثمّ أوهم الإمام فصلّى خمساً ، قال : «يعيد تلك الركعة ، ولا يعتدّ بوهم الإمام» (٤).

قيل : المراد بالإعادة الإتيان بها منفرداً بمناسبة أنّه قد فاتته مع الإمام (٥).

الثامن : لا حكم للشكّ مع كثرته وهو في الجملة إجماعيّ مدلول عليه بالأخبار الكثيرة ؛ (٦) ، منها صحيحة زرارة وأبي بصير قالا ، قلنا له : الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه ، قال : «يعيد».

قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ ، قال : «يمضي في شكّه».

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٧ ح ٨١٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٦.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٢٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠.

(٣) المغني لابن قدامة ١ : ٦٩٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٦ ح ١٢١٦ ، التهذيب ٣ : ٢٧٤ ح ٧٩٤ ، الوسائل ٥ : ٤٦٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٨ ح ١.

(٥) الوافي ٨ : ١٢٥٦.

(٦) الوسائل ٥ : ٣٢٩ أبواب الخلل ب ١٦.

٣١٧

ثم قال : «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمضِ أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك».

قال زرارة ، ثمّ قال : «إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم» (١).

والعلّة المنصوصة تفيد العموم في جميع الموارد.

وتقرب منها موثّقة عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة فيمن لم يدرِ كم صلّى (٢).

والظاهر أنّ المراد بكثرة الشك في أوّل الحديث كثرة احتمالات الشك ، وفي قوله : «فإنّه يكثر عليه ذلك» كثرة نفس الشك وتعدّده.

وصحيحة الفضيل بن يسار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أستتم قائماً فلا أدري ركعت أم لا ، قال : «بلى قد ركعت فامض في صلاتك ، فإنّما ذلك من الشيطان» (٣). ووجه الدلالة أنّ ظاهر قوله : «أستتم قائماً» أنّه ليس بعد القراءة ، بل هو بعد الانتصاب عن الركوع ، فليس الشكّ حينئذٍ إلّا لأجل الوسواس وكثرة الشكّ.

وهناك أخبار أُخر تدلّ على عدم الاعتداد بكثرة السهو أيضاً ، منها صحيحة محمّد بن مسلم (٤) ، وعلّل فيها أيضاً بأنّه من الشيطان.

وعبارة كثير من أصحابنا أيضاً أنّه «لا حكم للسهو مع كثرته» ونقل عن ظاهر

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ح ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ ح ١٤٢٢ ، الوسائل ٥ : ٣٢٩ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٠ ح ١٠٢٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ح ٧٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ ح ١٤٢١ ، الوسائل ٥ : ٣٢٩ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥١ ح ٥٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ح ١٣٥٤ ، الوسائل ٤ : ٩٣٦ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ ح ٩٨٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ح ١٤٢٤ ، الوسائل ٥ : ٣٢٩ أبواب الخلل ب ١٦ ح ١.

٣١٨

جماعة منهم التساوي بين الشكّ والسهو (١) ، ويلزمه عدم البطلان بترك الركن ، وعدم وجوب الإعادة بتركه ، ولا قضاء ما يستلزم القضاء ونحو ذلك. ولكن لم نقف على مصرّح بذلك ، بل ادّعى بعضهم اتّفاق العلماء الفقهاء على البطلان لو كان ركناً وتجاوز محلّه ، وأنّه يأتي به إن لم يتجاوز ، ركناً كان أو غيره ، ويقضيه بعدها لو كان مما يقضى ، نعم نقل عنهم سقوط سجدتي السهو (٢).

أقول : ولفظ السهو وإن كان حقيقة فيما حصل العلم به ، ولكنه استعمل في الأخبار في الشكّ في غاية الكثرة ، وكذلك في كلام الأصحاب.

وقد يستعمل الوهم في الشكّ أيضاً ، كما في موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا ، ويشك في السجود ولا يدري أسجد أم لا ، فقال : «لا يسجد ولا يركع ، ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقيناً» (٣) مع أنّ ما يتعرّض له الشيطان غالباً هو الشكّ.

فبذلك يقرب حمل السهو في الأخبار على الشكّ ، مع أنّ حملها على السهو فقط بعيد ، وإرادة القدر المشترك بينه وبين الشكّ أبعد من إرادة الشكّ ، مضافاً إلى قوله عليه‌السلام في موثّقة عمّار «حتّى يستيقن يقيناً» فإنّه ينادي بوجوب الإتيان بما سها.

والحاصل أنّ القول بعدم الاعتناء بالسهو سيّما فيما لم يتجاوز المحلّ شطط من الكلام ، وتخصيص القول بما تجاوز محلّه تحكّم ، هذا.

__________________

(١) منهم الكركي في شرح الألفيّة (رسائل المحقّق الكركي) ٣ : ٣٠٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٤٣ ، ونقله عن فوائد الشرائع وتعليق الإرشاد ، وإرشاد الجعفريّة ، والميسيّة ، والمقاصد العلّية في مفتاح الكرامة ٣ : ٣٣٣.

(٢) كالشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٢٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٤٣ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٧٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ ح ٦٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ح ١٣٧٢ ، الوسائل ٥ : ٣٣٠ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٥.

٣١٩

ولكن يمكن أن يقال : إنّ السهو أيضاً من الشيطان ، فإن مبدأه هو الغفلة والتسامح وإلهاء النفس ، وهو اختياري ، ويتعقّبه النسيان ، فأصله ومبدؤه من الشيطان. ويدلّ عليه قوله تعالى (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) (١) وقوله تعالى (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) (٢) والعلّة المنصوصة في صحيحة محمّد بن مسلم ، ولكن لما لم نجد قائلاً بذلك (٣) صريحاً من الأصحاب ، بل ادّعي إجماعهم على خلافه (٤) ؛ فنحمله على الشكّ.

نعم يمكن أن يقال في السهو : إنّ تدارك ما نسيه المصلّي ليس نفس مقتضى السهو ، بل هو مقتضى أصل التكليف ، فالمراد بعدم الاعتناء بالسهو ورفع حكمه هو عدم الاعتناء بما يتسبّبه ، وهو ليس إلّا سجدتي السهو ، فإن إتيان الأجزاء المنسية في الصلاة أو في الخارج إنما هو لأجل اقتضاء أصل التكليف ، بمعنى أنّه نفس المكلّف به على وجه ، بخلاف صلاة الاحتياط ، فإنّها مما يمكن أن يصير بدلاً عن المكلّف به لو لم يفعله في الواقع ، لا أنّه بدل في الواقع ، لعدم العلم بسقوطه في الواقع ، ولذلك ورد في الأخبار أنّها تحسب نافلة لو لم يكن في الواقع محتاجاً إليها (٥).

ولعلّ ما ذكرنا هو السرّ في اقتصارهم على سقوط سجدتي السهو دون تلافي ما فات.

ونقل عن جماعة من الأصحاب أنّه لا حكم لشكّ كثير السهو (٦) ، فكأنّهم جعلوا ذلك وجه الجمع بين الأخبار ، وهو أيضاً ليس بذلك البعيد بالنظر إلى العلّة

__________________

(١) الكهف : ٦٣.

(٢) البقرة : ٢٨٦.

(٣) في «ص» : ولكن لم نجد قائلاً.

(٤) البحار ٨٥ : ٢٧٧ باب أحكام الشكّ والسهو.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٢٢ أبواب الخلل ب ١١.

(٦) البيان : ٢٥٥ ، المدارك ٤ : ٢٧١.

٣٢٠