غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

المقصد التاسع

في التسليم

وفيه مباحث :

الأوّل : اختلف الأصحاب في وجوب التسليم والمختار عندي هو الوجوب لوجوه :

الأوّل : استصحاب الحالة المتلبّس بها في حال الصلاة من التزام الشرائط واجتناب الموانع واستمرار النيّة الحكميّة ، وسيجي‌ء أنّ هذا المعنى لا يتأتى مع الاستحباب ، وعدم براءة الذمّة يقيناً إلّا بذلك.

الثاني : استمرار العمل به بطريق اللزوم في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده من الصحابة والتابعين والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام.

الثالث : ما رواه المشايخ الثلاثة الصدوق والشيخ مرسلاً والكليني مسنداً ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم» (١).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٩ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣ ح ٦٨ ، الخلاف ١ : ٣٧٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٣ أبواب التسليم ب ١ ح ١.

٦١

ولا وجه للقدح في السند بالإرسال ، وبأنّها لم ترد من طريق الخاصّة ، سيّما مع ورودها في الفقيه والكافي ، بل في الإرسال إشارة إلى كمال الاعتماد على الصحّة ، مع أنّ السيد المرتضى رحمه‌الله نقل هذه الرواية معتمداً عليها (١) ، وهو لا يعمل بخبر الواحد ، إلى غير ذلك من المؤيّدات.

مع أنّ كون تحليل الصلاة هو التسليم ورد في أخبار كثيرة خاصّة (٢) سيجي‌ء بعضها (٣).

وفي كتاب الهداية للصدوق عن الصادق عليه‌السلام : «تحريم الصلاة التكبير ، وتحليلها التسليم» (٤).

وظاهر الخبر الحصر كما لا يخفى على المطّلع بضوابط العربية ، والمفرد المضاف يفيد العموم حيث لا عهد ، مع أنّ معنى التحليل هو أنّ يؤثّر الشي‌ء في حلّيّة شي‌ء فلو كان قبله حلالاً فلا معنى للتحليل.

ولا ريب أنّه مع القول بالاستحباب فبعد تمام التشهّد تنقضي الصلاة وتحلّ المنافيات ، والتحليل حينئذٍ تحصيل للحاصل.

وبالجملة لا ينبغي التأمّل في دلالتها.

ومما ذكرنا ظهر اندفاع ما قيل من أنّ التحليل قد يحصل (بغير) (٥) التسليم كالمنافيات وإن لم يكن الإتيان بها جائزاً ، وحينئذٍ لا بدّ من تأويل التحليل بالتّحليل الذي قدّره الشارع ، وحينئذٍ كما أمكن إرادة التحليل الذي قدّره الشارع على سبيل الوجوب ، أمكن إرادة التحليل الذي قدّره على سبيل الاستحباب ، وليس للأوّل

__________________

(١) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٩٦.

(٢) في «م» : الخاصيّة.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ١٠٠٣ أبواب التسليم ب ١.

(٤) الهداية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٢.

(٥) في «م» ، «ح» : بعد.

٦٢

على الأخر ترجيح واضح (١) ، لأن بعد ما ثبت عدم حلّيّة فعل المنافيات قبل التسليم بمقتضى مفهوم التحليل ، فلا معنى لاستحباب المحلل.

ولا يخفى أنّ النسبة حينئذٍ مجازية ، وهي خلاف الأصل ، وذلك (٢) لأنّ التحليل لم يحصل حينئذٍ بالتسليم ، بل فعل المنافيات حلال قبل التسليم ، لأنّ المفروض تمامية الصلاة بالصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على القول بالاستحباب.

فإن قلت : نعم إنّه قد فرغ من واجبات الصلاة ولكنه باقٍ في مستحباتها ، فهذه الصيغة تُخرج عن الواجبات والمستحبات جميعاً.

قلت : البقاء في المستحبّات لا ينفع مع تجويز فعل ما كان محرّماً سابقاً ، فكيف يصحّ مع ذلك القول بكون التسليم مخرجاً عن الصلاة ومحلّلاً.

فإن قلت : البقاء في الصلاة لا يستلزم وجوب ما يجب عليه فيها وتحريم ما يحرم عليه ، بل يحصل بالمحافظة على الشروط وثواب المصلّي واستجابة الدعاء.

قلت : هذا خروج عن الظاهر لوجوه ، أما في معنى التحليل فظاهر.

وأمّا في معنى الخروج فكذلك أيضاً ، لأنّه تخصيص بعيد لم يقم عليه دليل.

وأيضاً ادّعى السيد رحمه‌الله الإجماع على أنّ الخروج من الصلاة واجب كالدّخول فيها (٣) ، فإن لم يقف الخروج منها على التسليم دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة (٤) ، وأصحابنا لا يجيزون ذلك ، فثبت وجوب التسليم.

__________________

(١) الذخيرة : ٢٩٠.

(٢) في «م» ، «ح» : ذلك.

(٣) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٩٦.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ١٩٤ ، اللباب ١ : ٨٥ ، المغني ١ : ٦٢٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٢٣ ، المجموع ٣ : ٤٨١ ، فتح العزيز ٣ : ٥٢٠ ، المحلّى ٣ : ٢٧٦.

٦٣

ويظهر ذلك من المحقّق في المعتبر أيضاً ، حيث قال في جواز الخروج عن الصلاة بلفظ «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» لا يقال : ما ذكرتم من السلام علينا خروج عن الإجماع ؛ لانحصاره بين السلام عليكم وفعل المنافي ، قلنا : لانسلّم ذلك ، والمنقول عن أهل البيت ما ذكرناه ، وقد صرّح الشيخ بما ذكرناه في التهذيب ، فإنه قال : عندنا أنّ من قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انقطعت صلاته ، إلى آخر ما ذكره (١).

ومما يدلّ على استفادة وجوب السلام من الرواية مقابلة التحليل بالتحريم ، لعدم الخلاف في وجوب التكبير.

بل لا يبعد استفادة الجزئية أيضاً من هذه القرينة ، إذ جزئية التكبير مما لا ينبغي التأمّل فيها ، وكونه خارجاً عن الصلاة هو المنقول عن أبي حنيفة (٢).

ومما ينادي بجزئيتها الأخبار الدالّة على أنّ تكبيرات الصلاة خمس وتسعون (٣).

ولا حاجة في هذا المطلب إلى الاستدلال. على أنّا (٤) نقول : بعد ثبوت الإطلاق أو العموم ولو بقرينة الوقوع في كلام الحكيم ، فالأصل عدم التقييد والتخصيص.

مع أنّ الأفعال المنافية ليست بمحلّلة ، بل هي منافية ومبطلة ، والإبطال غير التحليل.

وربما يقال بعد التسليم : إنّ الحمل على الوجوب أقرب المجازات أيضاً.

وفي معنى هذا الخبر موثّقة عمار الاتية.

وكون السلام تحليل الصلاة يظهر من أخبارٍ أُخر أيضاً ، منها ما روى الفضل بن

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٥ ، التهذيب ٢ : ١٢٩.

(٢) نقله في نيل الأوطار ٢ : ١٩٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٧١٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥.

(٤) في «ح» : على ما.

٦٤

شاذان في علّة جعل السلام تحليلاً (١) ، ومنها رواية المفضّل في العلل (٢) وغيرهما ، وهي كثيرة مرويّة في العيون والعلل وكتاب معاني الأخبار وكتاب المناقب لابن شهرآشوب (٣).

مع أنّ في رواية المفضّل بن عمر دلالة أُخرى على الوجوب من جهة تقرير الإمام عليه‌السلام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ، قال : «لأنّه تحليل الصلاة» (٤).

الرابع : موثّقة أبي بصير لسماعة وعثمان بن عيسى (٥) قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في رجل صلّى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف ، قال : «فليخرج وليغسل أنفه ، ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته ، فإنّ آخر الصلاة التسليم» (٦).

الخامس : الأخبار الكثيرة المستفيضة ، بل المتواترة من الصحاح وغيرها ، المشتملة على ثبوته بصيغة الأمر أو الجملة الخبرية وبما يجزئ ونحو ذلك (٧).

السادس : صحيحة الفضلاء عن الباقر عليه‌السلام : في صلاة الخوف «فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة ، وللآخرين التسليم» (٨) وربما نشير إلى أدلّة أُخرى للوجوب.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٠٨ ، علل الشرائع : ٢٦٢ ح ٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٥ أبواب التسليم ب ١ ح ١٠.

(٢) علل الشرائع : ٣٥٩ ب ٧٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٥ أبواب التسليم ب ١ ح ١١.

(٣) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٢٣ ، معاني الأخبار : ١٧٥ ح ١ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٥٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٦ أبواب التسليم ب ١ ح ١٣.

(٤) علل الشرائع : ٣٥٩ ب ٧٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٥ أبواب التسليم ب ١ ح ١١.

(٥) لأنّهما واقفيّان (انظر معجم رجال الحديث رقم ٥٥٤٦ ، ٧٦١٠).

(٦) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ح ١٣٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ح ١٣٠٢ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٤ أبواب التسليم ب ١ ح ٤.

(٧) انظر الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهّد ب ٧ ، وج ٥ : ٤٠٢ أبواب الجماعة ب ١٨.

(٨) تفسير العياشي ١ : ٢٧٢ ح ٢٥٧ ، الوسائل ٥ : ٤٨٢ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ٨ بتفاوت.

٦٥

وربما يؤيّد ذلك بقوله تعالى (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١).

وبأنّ السلام لو لم يكن واجباً لما بطلت صلاة المسافر إذا زاد ركعة أو ركعتين ، والتالي باطل ، لرواية زرارة ومحمّد بن مسلم قالا ، قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل صلّى في السفر أربعاً ، أيعيد؟ قال : «إن كان قرئت عليه أية التقصير وفسّرت وصلّى أربعاً أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة» (٢).

وإنّما جعلناهما من المؤيّدات لتطرّق المناقشة فيهما كما لا يخفى.

وذهب الشيخان في بعض أقوالهما (٣) وابن البراج (٤) وابن إدريس (٥) وأكثر المتأخّرين (٦) إلى الاستحباب.

وقد استدلّوا على ذلك بالأصل ، وبشطرٍ من الأخبار ، ومنها ما يتضمّن أن المصلّي يتشهّد وينصرف من دون ذكر السلام ، كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في التشهّد.

وصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون خلف الإمام ، ويطوّل الإمام التشهّد ، فيأخذ الرجل البول ، أو يتخوّف على شي‌ء يفوت ، أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال : «يتشهّد هو وينصرف ويدع الإمام» (٧).

وتؤدّي مؤدّاهما صحيحة محمّد بن مسلم أيضاً عن الصادق عليه‌السلام : عن

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٨ ح ١٢٦٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٦ ح ٥٧١ ، الوسائل ٥ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤.

(٣) الشيخ المفيد في المقنعة : ١٣٩ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٨٩.

(٤) المهذّب ١ : ٩٩.

(٥) السرائر ١ : ٢٣١.

(٦) كالعلامة في التذكرة ٣ : ٢٤٣ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٢٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٣٠.

(٧) الفقيه ١ : ٢٦١ ح ١١٩١ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ ح ١٤٤٦ ، وج ٣ : ٢٨٣ ح ٨٤٢ ، الوسائل ٥ : ٤٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

٦٦

رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتان هي أو أربع ، قال : «يسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهّد وينصرف ، وليس عليه شي‌ء» (١).

وفيه : أنّ عدم ذكر السلام لا يدلّ على عدم الوجوب ، لعدم كونه في مقام البيان.

بل نقول : إنّهما تدلّان على الوجوب ، لظهور لفظ الانصراف في التسليم كما يظهر من أخبارٍ كثيرة ، وستأتي الأخبار الدالّة عليه في غضون (٢) هذا المبحث.

سلّمنا عدم الدلالة ، لكن الدلالة على المطلوب أيضاً مفقودة ، سيّما في الصحيحة الأُخرى ، بل أولها قرينة على أنّ الاقتصار ليس للاستحباب ، على أنّه يحتاج إلى إثبات عدم القول بالفصل ، فتأمّل.

ومنها : ما ورد في باب الشكّ والسهو وغيره مما تضمّن أنّه يفعل كذا ويتشهّد بدون ذكر السلام (٣).

ويظهر جوابه أيضاً مما ذكرنا ، مع أنّها معارضة بأكثر منها بمراتب شتّى في أمثال هذه المقامات قد ذُكر فيها السلام بلفظ الأمر وغيره (٤).

ومنها : ما ورد في الحسن عن الصادق عليه‌السلام : «إذا فرغت من طوافك فأتِ مقام إبراهيم وصلّ ركعتين ، واجعله أمامك ، فاقرأ فيها قل هو الله أحد ، وفي الثانية قل يا أيّها الكافرون ، ثمّ تشهّد واحمد الله واثنِ عليه وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واسأله أن يتقبّل منك» (٥). ويتمّ الاستدلال بضميمة عدم القول بالفصل.

وفيه : أنّه ليس في مقام بيان الهيئة التي لمهيّة الصلاة من حيث هي ، بل الظاهر

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٥ ح ٧٣٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ ح ١٤١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٢٤ أبواب الخلل ب ١١ ح ٦.

(٢) في «ص» : غصون.

(٣) الوسائل ٥ : ٣١٩ أبواب الخلل ب ٩ ـ ١٣.

(٤) انظر الوسائل ٥ : ٣٠٤ أبواب الخلل ب ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٣ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٦ ح ٩٧٣ ، الوسائل ٩ : ٣٩١ أبواب الطواف ب ٣ ح ١.

٦٧

منه بيان الاداب المخصوصة بهذه الصلاة وهذا المقام كما لا يخفى على ذي السليقة المستقيمة المتدبّر في سوق الحديث.

وقد يستدلّ على ذلك أيضاً بالأخبار الّتي مرّ بعضها فيمن أحدث قبل التسليم أنه يمضي ويتمّ صلاته (١).

وفيه : أنّه مع أنّ آخر صحيحة أبان عن زرارة (٢) وموثّقة غالب بن عثمان (٣) المتقدّمتين يدلّ على خلاف ذلك ، فهي لا تنافي الوجوب ، لأنّ بعض الأصحاب مع قوله بالوجوب لا يضايق عن ذلك فيجعله واجباً خارجاً عن الصلاة (٤) ، بل لا يبعد القول به مع القول بالجزئية أيضاً.

نعم يشكل القول بما نقلناه سابقاً عن التذكرة من أنه من قال بوجوب التسليم يقول ببطلان الصلاة حينئذٍ (٥) ، وما نقلناه من المدارك أيضاً من الإجماع على ذلك (٦).

ويخدشه أنّ صاحب الفاخر ذهب إلى ذلك مع قوله بوجوب التسليم (٧).

وكذا ما قاله في المدارك أيضاً في مباحث الخلل الواقع في الصلاة قال : الأجود عدم بطلان الصلاة بفعل المنافي وإن قلنا بوجوبه ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٠١٠ أبواب التسليم ب ٣.

(٢) تقدّمت في ص ٥١ ، وهي في التهذيب ٢ : ٣٢٠ ح ١٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ح ١٣٠١ ، الوسائل ٤ : ١٠١١ أبواب التسليم ب ٣ ح ٢ وفيها : عن الرجل يصلّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم قال : قد تمّت صلاته ، وإن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه وقام فقد تمّت صلاته.

(٣) تقدّمت في ص ٥١ ، وهي في التهذيب ٢ : ٣١٩ ح ١٣٠٤ ، الوسائل ٤ : ١٠١٢ أبواب التسليم ب ٣ ح ٦ والرواية : عن الرجل يصلّي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلّم قال : تمّت صلاته ، وإن كان رعافاً غسله ثمّ رجع فسلّم.

(٤) كالفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ١٥٢ ، ونقله عن البشرى لأحمد بن طاوس في الحدائق ٨ : ٤٨٣ واختاره.

(٥) التذكرة ٣ : ٢٧١.

(٦) المدارك ٣ : ٤٣١.

(٧) نقله عنه في الذكرى : ٢٠٦.

٦٨

زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، ونقل أوّل صحيحة زرارة المتقدّمة في التشهّد ، وصحيحته الأُخرى الّتي نقلناها ثمّة قبل هذه الصحيحة (١).

مع أنّ لنا أن نقول : بأنّ هذه الروايات لا تقاوم ما دلّ على بطلان الصلاة بالحدث ، فنعمل على التفصيل المذكور.

والأحوط الإتمام والإعادة.

ثم على القول بعدم البطلان مع القول بالوجوب ، فهل يجب السلام حينئذٍ بدون الطهارة ، أم يسقط؟ وجهان ، والأحوط بل الأظهر أن لا يترك.

ثمّ إنّ الأخبار الواردة في ذلك وإن كانت بظاهرها مطلقة ، لكن المتبادر منها حصول الحدث سهواً أو من دون الاختيار ، فمع تعمّده تجب الإعادة على الأقوى.

وبالجملة لم أقف للقائلين بالاستحباب على دليلٍ يعتدّ به.

ثمّ يبقى الكلام في أنّ الواجب في السلام أيّ لفظ ، والمخرج أيّ شي‌ء ، هل هو خصوص السلام عليكم ، أو خصوص السلام علينا ، أو بالتخيير ، أو كلاهما؟ احتمالات ، وذهب إلى كلّ قائل.

فاعلم : أنّ الذي يستفاد من الأخبار أنّ المصلّي يخرج عن الصلاة بقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ففي صحيحة الحلبي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كلّما ذكرت الله عزوجل به والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو من الصلاة ، فإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد انصرفت» (٢).

ورواية أبي بصير وليس في طريقها ، إلّا محمّد بن سنان عنه عليه‌السلام ، قال : «إذا كنت إماماً فإنما التسليم أن تسلّم على النبيّ عليه وآله السلام ، وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ، ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم ، وكذلك إذا كنت وحدك

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٢٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ح ١٢٩٣ ، الوسائل ٤ : ١٠١٢ أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

٦٩

تقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، مثل ما سلّمت وأنت إمام ، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت ، وسلم على من على يمينك وشمالك ، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الذين عن يمينك ، ولا تدع التسليم على يمينك وإن لم يكن على شمالك أحد» (١).

ورواية أبي كهمس ، عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الركعتين الأُوليين إذا جلست فيهما للتشهّد فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، انصراف هو؟ قال : «لا ، ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف» (٢).

وحسنة ابن ميسر لثعلبة بن ميمون عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم : قول الرجل : تبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك ، وإنّما هو شي‌ء قالته الجن بجهالة ، فحكى الله عزوجل عنهم ، وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» (٣).

والظاهر أنّه عليه‌السلام أراد ذلك في التشهّد الأوّل كما يجي‌ء التصريح في رواية العيون.

وروى الصدوق مرسلاً عن الصادق عليه‌السلام : «أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين ، بقوله : تبارك اسمك وتعالى جدّك إلى آخر الحديث السابق» (٤).

والظاهر أنّ العلّة في إبطال القول الثاني هو كونه موضوعاً للتحليل ، وليس ههنا موضع التحليل ، ولعلّه لظهور الأمر فيه لكونه طريقة واضحة في أصحابهم عليهم‌السلام كما ستعرف اقتصر في التعليل للقول الأوّل فتأمّل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ح ١٣٠٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٨ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٩ ح ١٠١٤ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ح ١٢٩٢ ، الوسائل ٤ : ١٠١٢ أبواب التسليم ب ٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٦ ح ١٢٩٠ ، الخصال : ٥٠ ح ٥٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٠ أبواب التشهّد ب ١٢ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦١ ح ١١٩٠ ، الوسائل ٤ : ١٠٠١ أبواب التشهّد ب ١٢ ح ٢.

٧٠

وروى في العيون عن الرضا عليه‌السلام فيما كتب للمأمون : «من محض الإسلام ولا يجوز أن تقول في التشهّد الأوّل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، لأن تحليل الصلاة التسليم ، فإذا قلت هذا فقد سلّمت» (١).

وروى أبو بصير في الموثّق عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا نسي الرجل أن يسلّم ، فإذا ولّى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد فرغ من صلاته» (٢).

وقال الشيخ في التهذيب : عندنا أنّ من قال : السلام علينا في التشهّد فقد انقطعت صلاته ، فإن قال بعد ذلك : السلام عليكم ورحمة الله جاز ، وإن لم يقل جاز أيضاً ، ذكر ذلك في تسليم ركعتي الوتر (٣).

ويظهر منه أنّه كان مذهب الإماميّة وشعاراً لهم.

ومع ملاحظة ما ذكرنا من الأخبار يثبت الخروج والانصراف بقول «السلام علينا» فحينئذٍ لا بدّ من حمل التسليم في قوله عليه‌السلام «وتحليلها التسليم» (٤) على الأعمّ.

وربّما يقال : إنّه راجع إلى المعهود بين العامّة والخاصّة ، وهو قول «السلام عليكم» وذلك يظهر من الأخبار أيضاً (٥) ، كما في موثّقة أبي بصير الطويلة ، قال في آخرها : «والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ثمّ تسلّم» (٦). ويظهر منه أنّ السلام هو السلام عليكم فقط.

وكذا موثّقة عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسليم ما هو؟

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٢٣ ، الوسائل ٤ : ١٠٠١ أبواب التشهّد ب ١٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٩ ح ٦٢٦ ، الوسائل ٤ : ١٠١٠ أبواب التسليم ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٢٩.

(٤) الكافي ٣ : ٦٩ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٣ أبواب التسليم ب ١ ح ١.

(٥) كما في المدارك ٣ : ٤٣٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٣ ، الوسائل ٤ : ٩٨٩ أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

٧١

قال : «هو إذن» (١) مع ملاحظة رواية أبي بصير المتقدّمة.

وكذا ما رواه الفاضلان والشهيد رحمهم‌الله عن جامع البزنطي ، عن ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة ، قال : «يقول : السلام عليكم» (٢).

وتؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر الاتية.

وفي صحيحة المعراج الطويلة : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرّة تجاه القبلة» (٣)

ولعلّ معهوديّة ذلك بين العامّة أكثر ، فتكون محلّلية «السلام علينا» مخالفةً لمذهبهم كما يشير إليه قول الشيخ «وعندنا كذا» (٤).

مع أنّه قد ظهر من رواية أبي بصير أنّ التسليم هو هذا ، وأنّ «السلام عليكم» إذن ، وكذا يظهر من بعض الأخبار الأُخر.

ولعلّه يمكن إرجاع موثّقة يونس بن يعقوب أيضاً إلى ذلك قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : صلّيت بقوم صلاة فقعدت للتشهّد ثم قمت ونسيت أن أُسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّمت علينا ، فقال : «ألم تسلّم وأنت جالس» قلت : بلى ، قال : «لا بأس عليك ، ولو نسيت حتى قالوا ذلك استقبلتهم بوجهك فقلت : السلام عليكم» (٥) فإنّ الظاهر من قوله «بلى» أنّه سلّم حين جلوسه ، ونسيان السلام لا يلائم ذلك ، فلا بدّ من كون المراد من قوله عليه‌السلام «ألم تسلّم» قول السلام علينا ، فحينئذٍ يستقيم معنى الحديث أيضاً.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٧ ح ١٢٩٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٤ أبواب التسليم ب ١ ح ٧.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٣٦ ، المنتهي ١ : ٢٩٦ ، الذكرى : ٢٠٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨٢ ح ١ ، علل الشرائع : ٣١٢ ب ١ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٤) في «ص» : وعندنا ، أقول : «كذا» إشارة إلى ما بعد عندنا من الكلام.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٤٨ ح ١٤٤٢ ، الوسائل ٤ : ١٠١١ أبواب التسليم ب ٣ ح ٥.

٧٢

والعجب من بعض المتأخّرين استدلاله بهذا الحديث على نفي وجوب السلام (١) ، وهو في الدلالة على نقيضه أظهر.

وحينئذٍ فيبقى الكلام في أنّ الأكثر من القائلين بوجوب السلام يقولون : إنّ الخروج إنّما هو «بالسلام عليكم» ، وادّعى على كونه مخرجاً عن الصلاة وأنّ به ينصرف المصلّي الإجماع من علماء الإسلام الفاضلان (٢) والشهيد (٣).

فأما كلام الأكثر فلا حجية فيه من حيث هو كلامهم.

وأما الإجماع المنقول فهو لا ينافي ما حقّقناه ، إذ الإجماع في أنه يحصل الخروج بذلك ، لا أنه لا يحصل بغيره ، وذلك يتحقّق إذا أبى المصلّي إلّا عن القول بالسلام عليكم ، أو قدّمه على قول السلام علينا ، أي جوّزنا ذلك. وإن قدّم السلام علينا فالحقّ أنّه لا يبقى مجال (٤) تأثير لقول «السلام عليكم» لأنّه مخرج كما حقّقناه.

وبالجملة ما ادّعيناه مطلقاً ، وما ادّعوه أيضاً مطلقاً ، ولا يتناقضان أبداً ، وما أوردناه من الأدلّة لا يثبت التعيّن ، بل يثبت حصول الانصراف مطلقاً.

وأما الحصر المستفاد من رواية أبي كهمس فهو إضافيّ بالنسبة إلى السلام عليك أيها النبيّ.

وأما الحصر المذكور في رواية أبي بصير فلعلّه محمول على أنه إن كنت إماماً وأردت القول بكلا اللفظين فالتسليم المعهود الذي هو تحليل الصلاة إنّما هو مجموع ذلك القول ، ويصير الأخر إذناً ، فتأمّل.

وارتكبنا ذلك للجمع بين الأدلّة.

ثمّ إنّ أكثر القائلين بوجوب التسليم أوجبوا قول «السلام عليكم» بل قال في

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤٣٠.

(٢) المحقّق في المعتبر ٢ : ٢٣٥ ، والعلامة في نهاية الإحكام ١ : ٥٠٤.

(٣) الذكرى : ٢٠٦.

(٤) في «ص» : بحال.

٧٣

البيان : إنّ «السلام علينا» لم يوجبه أحد من القدماء (١).

وقال في الدروس : إنّ الموجبين على قول السلام عليكم (٢).

ونقل في الذكرى قول المحقّق بالتخيير بينهما ، وقال : إنّه قول محدث (٣) ، ولكنّه قوّاه في موضع آخر (٤) ، واختاره في الألفيّة واللمعة (٥).

وأوجب الفاضل يحيى بن سعيد «السلام علينا» وتعيّن الخروج به (٦).

وأنكره الشهيد ، وقال : إنه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر به قائله (٧) ، وهو رحمه‌الله إنّ أراد من التعيين ذلك فله وجه ، وإلّا فلم يعلم إجماع على ذلك كما ذكرنا.

فحينئذٍ يقع الإشكال من جهة أنّ ما ينصرف به وتُحلل به الصلاة لا بدّ أن يكون واجباً كما حقّقناه سابقاً ، والقول بوجوب السلام علينا يناقض تلك الإجماعات المنقولة كما لا يخفى ، وأنّ الأكثر قائلون بوجوب «السلام عليكم» وأنّ القدماء لم يقولوا بوجوب «السلام علينا» كما ذكره الشهيد.

ومن جهة الأخبار الدالّة على أنّ الانصراف يقع ب «السلام علينا».

ويمكن دفعه بأنّه لم يثبت الإجماع على وجوب قول «السلام عليكم» بالخصوص ، ولا على عدم وجوب «السلام علينا» مطلقاً ، وذهاب الأكثر إلى وجوب ذلك.

ونقل الشهيد رحمه‌الله عدم ذهاب أحد من القدماء إلى هذا لا يصير حجّة

__________________

(١) البيان : ١٧٧.

(٢) الدروس ١ : ١٨٣.

(٣) الذكرى : ٢٠٧.

(٤) الذكرى : ٢٠٨.

(٥) الألفيّة : ٦٢ ، اللمعة (الروضة البهيّة) ١ : ٦٢٤.

(٦) الجامع للشرائع : ٨٤.

(٧) الذكرى : ٢٠٨.

٧٤

على شي‌ء ، سيّما مع اختياره ذلك في اللمعة ، وهو آخر تأليفاته.

والإشكال إنّما يرد إذا قلنا بأنّ السلام علينا واجب بالخصوص مع تعيّن تقديمه على قول السلام عليكم ، فإنّه حينئذٍ لا يبقى تأثير لقول «السلام عليكم» ، فلم يبق معنى للإجماعات.

وأما إذا أوجبناهما (بدون ترتيب أو أوجبناهما) (١) بعنوان التخيير ، أو أوجبنا واحداً منهما وأسقطنا المندوب ؛ فلا تنتفي الثمرة مع ملاحظة ما ذكرنا سابقاً.

فالذي يقوى في نفسي هو التخيير ، كما اختاره المحقّق (٢) ، والعلامة في المنتهي (٣) ، والشهيد في اللمعة (٤) ، لعدم إثبات الأخبار وغيرها الانحصار في السلام علينا ، أو يثبت ولكنه لا بدّ من التوجيه لمكان المعارض ، وللإجماعات المنقولة ، والإطلاقات الدالّة على كون مطلق السلام أو السلام عليكم مخرجاً ، فبأيّهما بدأ يكون الثاني مستحبّاً ، كخصلتين من خصال الكفارة.

والحاصل أنّ الذي يظهر من الأخبار أنّ المخرج هو «السلام علينا» لكن الإجماعات المنقولة وبعض «الأخبار» (٥) يلجئنا إلى القول بالتخيير وإخراج بعض الأخبار عن ظاهرها ، ومن لم يعتمد على مثل هذه الإجماعات فلا بدّ من أن يقتصر على ما يظهر من الأخبار ، ولكنّي إذا ضاق عليّ الوقت فلعلّي أختار السلام علينا.

فالأولى الجمع بينهما ، وتقديم «السلام علينا» (٦) ، اقتفاءً لأثر الأخبار ، مع اعتقاد الخروج بالأوّل عن الصلاة.

ومن ههنا يتّضح مختارنا من كون السلام خارجاً عن الصلاة أو داخلاً ، إذ السلام

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «ص» ، «م».

(٢) المعتبر ٢ : ٢٣٤.

(٣) المنتهي ١ : ٢٩٦.

(٤) اللمعة (الروضة البهيّة) ١ : ٦٢٤.

(٥) في «ص» : أخبار آتية.

(٦) في «م» ، «ح» : السلام عليكم.

٧٥

المخرج أيّهما كان فهو داخل في الصلاة ؛ لما ذكرنا في بيان معنى التحليل ، ولظاهر بعض الأخبار ، ولتصريح موثّقة أبي بصير المتقدّمة (١) ، وغيره خارج عن الصلاة ، وهو واضح.

واتّضح أيضاً أنّ المخرج واجب ، والخارج مستحبّ ، ونِعمَ ما قيل : إنّه لعلّه هو السرّ في دعوى الدخول والخروج والوجوب والاستحباب (٢) ، وحينئذٍ فما يدلّ من بعض الأخبار على كونه خارجاً عن الصلاة مثل صحيحة سليمان بن خالد (٣) وصحيحة الحسين بن أبي العلاء (٤) المتقدّمتان (٥) في أوّل مبحث التشهّد لا بدّ من حمله على ما يوافق ذلك ، بأن يكون المراد من الإتمام الإتمام بالسلام المخرج ، وبالسلام السلام الخارج.

تتميم :

قال العلامة في المنتهي : ولو قال : «السلام عليكم ورحمة الله» جاز وإن لم يقل «وبركاته» بلا خلاف (٦).

ونقل عن أبي الصلاح وجوب ذلك (٧).

وربما يستدلّ عليه بصحيحة عليّ بن جعفر ، قال : رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمّد بني جعفر يسلّمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام عليكم

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٩ ح ٦٢٦ ، الوسائل ٤ : ١٠١٠ أبواب التسليم ب ٣ ح ١.

(٢) الوحيد البهبهاني في حاشيته على المدارك : ٢٠٧.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ح ١٣٧٤ ، الوسائل ٤ : ٩٩٥ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٩ ح ٦٢٣ ، الوسائل ٤ : ٩٩٦ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٥.

(٥) في «م» ، «ح» : المتقدّمات.

(٦) المنتهي ١ : ٢٩٦.

(٧) الكافي في الفقه : ١١٩.

٧٦

ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله (١). وليس بشي‌ء ، وكثير من الأخبار خالٍ عنه (٢).

وعن ابن زهرة مع ذلك وجوب «وبركاته» أيضاً (٣).

والظاهر كفاية «السلام عليكم» وفاقاً للصدوق وابن الجنيد وابن أبي عقيل (٤) ، والاحتياط في قول ابن زهرة.

والوجه الاقتصار على المنقول في الأخبار من قول «السلام عليكم» فيشكل الاقتصار بقول «سلام عليكم» ونحو ذلك.

وهل يعتبر في التسليم قصد الخروج؟ نقل عن المبسوط أنّه ينبغي ذلك (٥) ، وعن بعض الأصحاب وجوب ذلك (٦) ، والأصل عدمه ، ووجهه غير معلوم ، وسبيل الاحتياط واضح.

الثاني : مذهب الأصحاب أنّ المنفرد يكتفي بتسليمة واحدة مستقبل القبلة والمشهور أنّه مع ذلك يومئ بمؤخر عينه (٧) إلى يمينه.

ويدلّ على ذلك صحيحة عبد الحميد بن عوّاض ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إن كنت تؤمّ قومك أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك ، وإن كنت مع إمام فتسليمتين ، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٧ ح ١٢٩٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢.

(٣) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢١٠ ، ونقله عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل في المنتهي ١ : ٢٩٦.

(٥) المبسوط ١ : ١١٦.

(٦) انظر جامع المقاصد ٢ : ٣٢٨.

(٧) مؤخر العين : ما يلي الصدغ ، ومُقدِمُها طرفها الّذي يلي الأنف (المصباح المنير ١ : ٧).

(٨) التهذيب ٢ : ٩٢ ح ٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ح ١٣٠٣ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٣.

٧٧

ورواية أبي بصير المتقدّمة (١) ، وإطلاق صحيحة الرهط الاتية (٢).

وموثّقة سماعة عنه عليه‌السلام ، قال : «إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك» (٣)

وما رواه البزنطي في جامعه ، عن أبي بصير قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» (٤).

وقد يناقش في دلالة تلك الأخبار على الإيماء بمؤخر العين إلى اليمين.

ويمكن دفعها بأن المراد من التسليم ههنا لعلّه هو المحلّل ، لكونه أقلّ الواجب ، فإذا كان هو فيكون واجباً كما ذكرنا ، وداخلاً في الصلاة كما عرفت ، فحينئذٍ يجب أن لا يفعل فيه ما ينافي الصلاة.

ولا يخفى أنّ التسليم عن اليمين والانصراف عن اليمين والتسليم على اليمين وعلى من كان في اليمين إلى غير ذلك مما ورد في الأخبار يستلزم التفاتاً إلى اليمين كما هو طريقة السلام وظاهر أُسلوب مثل هذا الكلام.

ولعلّ الالتفات بالجنان غير متفاهم العرف ، وغير منساق إلى الوجدان ، فانحصر في الحسّي.

ولما كان الانحراف عن القبلة في الصلاة حراماً ، وكذا الالتفات إلى غير جهتها من دون تحريف عنها مكروهاً ، فالقدر المتيقّن من الرخصة الحاصلة بسبب هذه الأخبار المعمول بها عند الأصحاب هو ذلك ، ولعلّ النكتة في استحبابه هي الإشعار بالانصراف حينئذٍ.

ويظهر الاكتفاء بإشارة العين ونحوها من رواية الفضل بن شاذان في العلل ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٧ ح ١٣٠٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٨ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٣ ح ٣٤٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ح ١٣٠٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٨ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٧ ح ١٢٩٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٨ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٣٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٢.

٧٨

التي رواها عن الرضا عليه‌السلام أيضاً وستأتي.

وعلى هذا يبقى الكلام في أنّ الظاهر من هذه التسليمات في هذه الأخبار وغيرها هو «السلام عليكم» لكونه المناسب للسلام على الغير ، وهذا أيضاً مما يؤيّد القول بوجوبه بل وتعيّنه.

وأقول : لا منافاة بين ذلك وإرادة (١) القدر المشترك من السلام المخرج كما أثبتناه بالأدلّة سابقاً ، سيّما وفي الأغلب لا يلزم وجود أحد عن يمين المنفرد ليسلّم عليه ، بل الظاهر من السلام على من في اليمين هو الاختصاص بالمأموم.

على أنا نقول : كما أنّ «السلام عليكم» يصلح للتسليم على الغير ، فكذلك «السلام علينا» بل هو أقرب لو كان واحداً ، وقد عرفت أيضاً قوله عليه‌السلام في موثّقة أبي بصير المتقدّمة سابقاً : «فإذا ولّى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد فرغ من صلاته».

ومن مجموع ما ذكرنا حصل أن لا وجه لقول من يستدلّ بتلك الالتفاتات على كون السلام خارجاً عن الصلاة.

ثمّ ما عرفت من أنّ المراد بالتسليم التسليم المخرج ظاهراً ، وأنّ ذلك المذكور من الاستحباب يتأدّى به في الجملة لا ينافي ما لو جمع بين اللفظين وادّى تلك الاستحبابات باللفظة الأخيرة ، لإطلاق التسليم.

ولكنه يشكل بما في الأخبار من أنه ينصرف عن يمينه ونحو ذلك من الظواهر (٢) ، فإنّ وصف الانصراف مطلوب في إرادة التسليم من لفظ الانصراف كما هو ظاهر.

وهكذا الظاهر من قولهم عليهم‌السلام «يسلّم عن يمينه» (٣) ونحو ذلك ظاهر في إرادة المخرج ، فإرادة المطلق من المقيّد لا وجه لها.

__________________

(١) وإرادة يعني : وبين إرادة.

(٢) الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢.

(٣) الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢.

٧٩

وأيضاً الوجه الذي ذكرنا لتوجيه الإيماء بمؤخر العين إنما يناسب إرادة المخرج.

ولعلّه يمكن دفع الأخير بأنّ مراد الفقهاء بيان ما يجري في جميع الموارد ويجوز تحقّقه فيها ويتأدّى المستحبّ في ضمنه وإن لم تكن في بعض الصور مراعاة ذلك واجبةً ، كما لو تلفّظ بهما ، ولكن الإشكال من جهة الأخبار بعدُ باقٍ بحاله ، فالدليل على ذلك لعلّه الإجماع.

وأما قولهم عليهم‌السلام : «التسليمة الواحدة والتسليمتين» فالمراد به الوحدة والتعدّد الشخصي لا النوعي ؛ فلا تغفل.

والذي يختلج بالبال من العناية في التوجيه وجهان :

الأوّل : أنّا لما بنينا الأمر ههنا على التخيير بين اللفظين فيكونا هما معاً أحد أفراد الواجب التخييري وأفضلها.

فالمحلّل قد يكون اللفظ الأوّل ، وقد يكون الثاني ، وقد يكون هما معاً ، بمعنى تحقّقه بالمجموع ، فيصدق على المجموع أيضاً أنه مخرج ولو باعتبار أحدهما ، ويحصل الانصراف به ، فيتمّ التقريب ، لأن حصول الاستحباب المذكور بالمجموع يكفي فيه حصوله باللفظ الأخر ، فتأمّل.

الثاني : أنّ في رواية أبي بصير إشعاراً بأن المأموم بعد قول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يسلّم على من على يمينه وشماله ، وفي سوق الرواية لهذا أيضاً تأييد فلاحظها ، فإذا ثبت ذلك فلا قائل بالفصل ، ولكن إثبات ذلك مشكل فتفكّر.

ويستحبّ للإمام أيضاً ما يستحبّ للمنفرد على المشهور ، إلّا أنّه يومئ بصفحة وجهه ، وتدلّ عليه صحيحة عبد الحميد المتقدّمة (١).

وصحيحة منصور قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الإمام يسلّم واحدة ،

__________________

(١) المتقدّمة ص ٧٧ ، وهي في التهذيب ٢ : ٩٢ ح ٣٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٦ ح ١٣٠٣ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٣.

٨٠