غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

محمَّد بن سنان (١).

وأما لو كفّن في قميصه أو قميص غيره فلا بأس فيه ، لهذه الرواية ، ولصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع (٢) ، ولكن تنزع أزراره للروايتين.

ويستحبّ أن يطوي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن ، والأيمن على الأيسر ، قال في المدارك : لم أقف فيه على أثر ، ولعلّ وجهه التيمّن باليمين (٣).

أقول : في الفقه الرضوي ما يدلّ عليه (٤).

وقال في الذكرى (٥) : وقال الأصحاب (٦) ونقل الشيخ فيه الإجماع (٧) وتطوى اللفافتان ؛ جانبهما الأيسر على جانبه الأيمن ، وجانبهما الأيمن على جانبه الأيسر ، ويعقد طرفيهما مما يلي رأسه ورجليه ، قال ابن البراج : يشق حاشية الظاهرة منهما ويعقد بها (٨).

التاسع : إذا ظهر من الميّت نجاسة فإن لاقت بدنه فيجب غسله.

والمشهور عدم وجوب إعادة غسله ، وعن ابن أبي عقيل إذا خرج منه شي‌ء من الأحداث أنه تجب الإعادة (٩).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩٢ ح ٤١٨ ، التهذيب ١ : ٣٠٥ ح ٨٨٦ ، الوسائل ٢ : ٧٥٦ أبواب التكفين ب ٢٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣٠٤ ح ٨٨٥ ، الوسائل ٢ : ٧٥٦ أبواب التكفين ب ٢٨ ح ١.

(٣) المدارك ٢ : ١١٣.

(٤) فقه الرضا (ع) : ١٦٨.

(٥) الذكرى : ٤٩.

(٦) كالفاضلين في الشرائع ١ : ٣٢ ، والقواعد ١ : ٢٢٧.

(٧) الخلاف ١ : ٧٠٥ مسألة ٥٠٠.

(٨) المهذّب ١ : ٦٢.

(٩) نقله عنه في المختلف ١ : ٣٨٨.

٤٤١

والأوّل أقوى لقويّة عبد الله بن يحيى الكاهلي والحسين بن مختار (١) ، ومرسلة سهل بن زياد (٢) ، ورواية روح بن عبد الرحيم (٣).

ولا وجه للقدح في سند الأخبار مع قوّة بعضها واعتضادها بالعمل في الغسل وبه وبالأصل ، واقتضاء الأمر الإجزاء في عدم إعادة الغسل.

وربما يحتجّ لابن أبي عقيل بأن الحدث ناقض للغسل (٤) ، ولا يخفى ضعفه.

وإن لاقت كفنه فالظاهر أنّ وجوب إزالتها في الجملة إجماعيّ ، ولكن المشهور أنه يغسل قبل طرحه في القبر ويقرض بعد طرحه فيه.

وعن الشيخ (٥) إطلاق القرض ، لمرسلة ابن أبي عمير الحسنة (٦) ، ورواية الكاهلي (٧) وغيرهما (٨).

وربما حملتا على ما لم يمكن الغسل.

وربما جمع بين هذه الأخبار «والأخبار» الأوّلة بالتخيير بين الغسل والقرض ، وربما حملت هذه على ما بعد الطرح في القبر كما هو المشهور.

أقول : والتحقيق أنّ الأخبار الأوّلة أعمّ مطلقاً بالنسبة إلى البدن والكفن ، والأخيرة خاصة بالكفن ، فيخصّص الغسل بغير الكفن.

ووجه تقييد الخاصّ بما بعد الطرح في القبر أنّ عمومه ليس بحيث يشمل الخارج من القبر وصورة إمكان الغسل بلا حرج ، سيّما مع ملاحظة حرمة إتلاف المال

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٩ ح ١٤٥٥ ، الوسائل ٢ : ٧٢٣ أبواب غسل الميّت ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٦ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٧٢٣ أبواب غسل الميّت ب ٣٢ ح ٥ ، وص ٧٥٣ أبواب التكفين ب ٢٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٤٤٩ ح ١٤٥٦ ، الوسائل ٢ : ٧٢٣ أبواب غسل الميّت ب ٣٢ ح ١.

(٤) كما في المختلف ١ : ٣٨٩.

(٥) المبسوط ١ : ١٨١ ، والنهاية : ٤٣.

(٦) الكافي ٣ : ١٥٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥٠ ح ١٤٥٨ ، الوسائل ٢ : ٧٥٣ أبواب التكفين ب ٢٤ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ١٥٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٤٩ ح ١٤٥٧ ، الوسائل ٢ : ٧٢٣ أبواب غسل الميّت ب ٣٢ ح ٤.

(٨) الوسائل ٢ : ٧٢٣ أبواب غسل الميّت ب ٣٢.

٤٤٢

إلّا فيما دلّ عليه الدليل ، ولم يدلّ عليه فيما نحن فيه.

والظاهر أنّ الأمر بالقرض في القبر أيضاً وارد مورد الغالب من عدم إمكان الغسل أو لزوم الحرج ، وإلّا لأمكن وجوب الغسل هناك أيضاً ، وأنّ ذلك رخصة في غيرهما أيضاً لا عزيمة ، ولعلّ مراد المشهور أيضاً ذلك.

ومما يشيّد ما ذكرنا ويسدّده الأمر الوارد بإجادة الأكفان وإعلائها ، حتّى ورد أنّ بعض الأئمة كُفّن في حِبرة تسوى خمسمائة دينار (١) ، وبعضهم بما يسوى أربعمائة دينار (٢) ، وعلّل في الأخبار بأنّهم يباهون بالأكفان ويحشرون فيها ونحو ذلك (٣) ، فالحكم بجواز القرض في كفن يسوى خمسمائة دينار ، وإضاعته وتشويهه مع إمكان غسله بما لا يوجب نقصاناً ولا عسراً كما ترى.

ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً أنّ الغالب في تنجّس الكفن أنّه يحصل من البدن كما هو مورد الأخبار ، ويصعب غسل الكفن بالماء في القبر مع ما أوجبه من البدن ، فالأمر بالقرض إرشاد إلى تقليل النجاسة.

ولم يتعرّضوا لحال البدن في القبر ، مع أنّ إطلاق الأخبار الأوّلة يوجبه ؛ للنظر إلى الغالب من عدم الإمكان ، أو لزوم العسر ، بل الظاهر من تلك الأخبار هو ظهور النجاسة قبل الطرح في القبر.

ومما ذكرنا يظهر أنّ مراد الشيخ أيضاً لا بدّ أن يكون جواز القرض قبل الطرح لا وجوبه كما يتوهّم من عبارة الشرائع (٤) وغيرها (٥) ، لأنّ الظاهر أنّ الأمر بالقرض إرشاد إلى الإزالة في موضع عدم إمكان الغسل ، أو لزوم الحرج ، فليفهم ذلك.

وقال في الذكرى : لو أفسد الدم معظم الكفن أو ما يفحش قطعه ؛ فالظاهر وجوب الغسل مطلقاً استبقاءً للكفن ، لامتناع إتلافه على هذا الوجه ، ومع التعذّر

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٧٤٩ أبواب التكفين ب ١٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٧٤٩ أبواب التكفين ب ١٨.

(٣) الوسائل ٢ : ٧٤٩ أبواب التكفين ب ١٨.

(٤) الشرائع ١ : ٣٣.

(٥) انظر السرائر ١ : ١٦٩ ، والمختلف ١ : ٣٨٩ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٧٨ ، والمدارك ٢ : ١١٧ ، والرياض ٢ : ٢٦٧.

٤٤٣

يسقط للحرج (١). وهذا أيضاً يؤيّد ما ذكرنا ويوضحه.

والظاهر أنّ المراد من إمكان الغسل وعدم تعذّره إنّما هو في القبر ، فلو لم يمكن إلّا بإخراج الميت من القبر أو بنزع الكفن وإخراجه فلا يجوز.

ثمّ أنّهم لم يتعرّضوا لحكم النجاسة الظاهرية للبدن أو الكفن من الخارج فيما حضرني من كلماتهم ، ولعلّ عموم ما دلّ على إزالة النجاسة عن الميّت سيّما ما ورد في علّة الغسل (٢) وتنبيه هذه الأخبار عليه يكفي في تعميم الحكم.

وأما خروج النجاسة والأحداث عنه في أثناء الغسل فالظاهر أنّه أيضاً لا يوجب إعادة الغسل للأصل ، ويدلّ عليه ما مرّ من الأخبار الدالّة على استحباب عصر بطنه بعد الغسلتين الأُوليين (٣).

العاشر : يؤخذ الكفن من أصل المال مقدّماً على الدين والوصية إلّا فيما سنذكره ، والظاهر أنّه إجماعيّ ، وادّعى عليه الإجماع في الذكرى (٤) وغيره (٥).

ويدلّ عليه مضافاً إلى ظاهر الإجماع صحيحة عبد الله بن سنان (٦) ، وصحيحة زرارة (٧) ورواية السكوني (٨).

قال في الذخيرة : وإطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي تقديمه على حقّ

__________________

(١) الذكرى : ٥٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٦٧٨ أبواب غسل الميّت ب ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٦٨٠ أبواب غسل الميّت ب ٢.

(٤) الذكرى : ٥٠.

(٥) كالتذكرة ٢ : ١٤ مسألة ١٦٤ ، وروض الجنان : ١٠٩ ، والمدارك ٢ : ١١٩ ، والرياض ٢ : ٢٤٤.

(٦) التهذيب ١ : ٤٣٧ ح ١٤٠٧ ، الوسائل ٢ : ٧٥٨ أبواب التكفين ب ٣١ ح ١.

(٧) الكافي ٧ : ٢٣ ح ٢ ، الفقيه ٤ : ١٤٣ ح ٤٩٢ ، التهذيب ٩ : ١٧١ ح ٦٩٧ ، الوسائل ١٣ : ٩٨ أبواب الدين ب ١٣ ح ١.

(٨) الكافي ٧ : ٢٣ ح ٣ ، الفقيه ٤ : ١٤٣ ح ٤٨٨ ، التهذيب ٩ : ١٧١ ح ٦٩٨ ، الوسائل ١٣ : ٩٨ أبواب الدين والقرض ب ١٣ ح ٢.

٤٤٤

المرتهن والمجنيّ عليه وغرماء المفلس ، وبه صرّح بعض الأصحاب ، ويحتمل تقديم حق المرتهن والمجنيّ عليه ، ويحتمل تقديم حقّ المجنيّ عليه دون المرتهن (١) ، انتهى.

ولعلّ الوجه أنّ حقّ المرتهن قد تعلّق بعين المال في الجملة قبل الموت ، وكذلك حقّ المجنيّ عليه بالنسبة إلى العبد الجاني ، فيشكل الحكم بارتفاعه بالموت ، ومنع تبادر المذكورات من إطلاق الأخبار ، سيّما الصحيحتين.

والذي يقدّم هو الواجب من الكفن كما صرّح به جماعة (٢) ، وأما المندوب إذا أوصى به ، فإن خرج من الثلث وإلّا فيقف على الإجازة بعد الدين.

قالوا : وكذلك ما يحتاج إليه الميت في التجهيز من سدر وكافور وغيره يخرج من أصل المال (٣) ، ولم أقف على ذكر خلاف فيه ؛ ومن جملة ذلك الماء أو ثمنه ، وأُجرة المكان الذي يغسل فيه ونحو ذلك. واستدلّ عليه في المدارك بأن الوجوب متحقّق ، ولا محلّ له سوى التركة إجماعاً (٤).

أقول : إن لم تكن المسألة إجماعيّة يمكن الخدشة بأنّ ظاهر ما دلّ على وجوب غسل الميت مثل قوله عليه‌السلام : «غسل الميّت واجب» (٥) الإطلاق ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به واجب ، فإذا قال الشارع «غسل الجنابة واجب» فلا نوقفه على وجود الماء ، بل نوجب تحصيله ، إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف ؛ مع إمكان القدح في الإطلاق أيضاً.

وإن لم يكن للميّت ما يكفّن فيه يدفن بلا كفن ، ولا يجب على المسلمين بذله. والظاهر أنه أيضاً إجماعيّ ، وهو مقتضى الأصل.

__________________

(١) الذخيرة : ٨٩. ولعلّه أراد ببعض الأصحاب صاحب المدارك ٢ : ١١٩.

(٢) كالعلامة في المنتهي ١ : ٤٤٢ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٠٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٩٠ ، وصاحب المدارك ٢ : ١١٩.

(٣) الشرائع ١ : ٣٣ ، جامع المقاصد ١ : ٩٦.

(٤) المدارك ٢ : ١٢١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٦٧٨ أبواب غسل الميّت ب ١ ح ١.

٤٤٥

نعم يستحب لهم بذله للأخبار (١).

وعن جماعة من الأصحاب جواز تكفينه من الزكاة مع احتياجه إلى (ذلك) (٢) (٣).

وقيل : بل يجب (٤) لموثّقة الفضل بن يونس الكاتب ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام فقلت له : ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفّن به ، أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال : «أعطِ عياله من الزكاة قدر ما يجهّزونه ، فيكونون هم الذين يجهّزونه»

قلت : فإن له يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره ، فأُجهّزه أنا من الزكاة؟ قال : «كان أبي يقول : إنّ حرمة بدن المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً ، فوارِ بدنه وعورته وجهّزه وكفّنه وحنّطه ، واحتسب بذلك من الزكاة ، وشيّع جنازته».

قلت : فإن اتّجر عليه بعض إخوانه بكفنٍ آخر وكان عليه دين ، أيكفّن بواحد ويقضى دينه بالآخر؟ قال : «لا ، ليس هذا ميراثاً تركه ، إنّما هو شي‌ء صار إليه بعد وفاته ، فليكفّنوه بالذي اتّجر عليه ، ويكون الأخر لهم يصلحون به شأنهم» (٥).

وقدح في المدارك في سندها بسبب وقف الفضل (٦) ، وهو غير مضرّ ، لأنه ثقة (٧).

نعم لا دلالة فيها على الوجوب ، لأنّ الأمر فيها وارد مورد توهّم الحظر.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٧٥٤ أبواب التكفين ب ٢٦.

(٢) بدل ما بين القوسين في «ص» : الزكاة.

(٣) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٢٢ ، وصاحب الحدائق ٤ : ٦٦.

(٤) المنتهي ١ : ٤٤٢ ، وجامع المقاصد ١ : ٤٠٢ ، ومجمع الفائدة ١ : ٢٠٠.

(٥) التهذيب ١ : ٤٤٥ ح ١٤٤٠ ، قرب الإسناد : ١٢٩ ، الوسائل ٢ : ٧٥٩ أبواب التكفين ب ٣٣ ح ١.

(٦) المدارك ٢ : ١٢٠.

(٧) انظر رجال الشيخ : ٣٥٧ قال : إنّه واقفي ، ووثّقه في رجال النجاشي : ٣٠٩ رقم ٨٤٤.

٤٤٦

والظاهر أنّه عليه‌السلام أراد بالأمر بإعطائه أهله ليكفّنوه جعله في سهم الفقراء مع اشتراط فقرهم ، ثمّ الأمر الأخر أيضاً بعد فقد الأهل من باب إدخاله في سبيل الله ، وهو أيضاً لا يفيد الوجوب ، لأنه أيضاً في مورد توّهم الحظر.

وكون الزكاة واجبةً لا يوجب كون ذلك المصرف واجباً ، بل مقتضى ذلك استحباب جعل الزكاة الواجبة في هذا المصرف كما يصرف في نفقة الزوّار.

وفي الخبر أُمور أُخر تقدح في الدلالة على الوجوب لا تخفى على المتأمّل.

وقد يستدلّ على الوجوب بما دلّ على جواز قضاء دين الميت الذي لم يترك شيئاً يوفي دينه (١) من باب الأولوية ، فإن الكفن مقدّم على الدين ، وفيه تأمّل.

وألحق في المسالك الخمس ، قال : ويجوز تحصيله من الزكاة أو من الخمس مع استحقاقه لهما (٢) ، وفيه إشكال.

ولو كان للمسلمين بيت مال موجود كفّن منه. والظاهر أنّ بذلك أيضاً لا يثبت الوجوب ، إذ لا دليل على وجوب بسط بيت المال على جميع المصالح كالزكاة. وقال في المسالك : أُخذ منه وجوباً (٣) ، ولا يحضرني دليله.

والكلام في فقد سائر مؤن التجهيز كالكفن في عدم وجوب البذل على المؤمنين واستحبابه. وأما جعله من الزكاة فيتمّ لو عمّمنا سبيل الله كما هو المشهور ، أو أعطيناه الفقراء من أهله ليجهّزوه به ، بل وتدلّ عليه رواية الفضل أيضاً في الجملة ، والكلام في بيت المال كما مرّ.

الحادي عشر : كفن المرأة على زوجها بلا خلاف بين الأصحاب ، ونقل عليه الإجماع في الخلاف (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٨٣ أبواب الدين والقرض ب ٤.

(٢) المسالك ١ : ٩٦.

(٣) المسالك ١ : ٩٦.

(٤) الخلاف ١ : ٧٠٩.

٤٤٧

وتدلّ عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الكفن من جميع المال» وقال عليه‌السلام : «كفن المرأة على زوجها إذا ماتت» (١).

والظاهر أنّ قوله «وقال عليه‌السلام» من عبد الله بن سنان لا الصدوق حتى يلزم الإرسال.

ورواية السكوني ، عنه عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام : «إنّ علياً عليه‌السلام ، قال : على الزوج كفن امرأته إذا ماتت» (٢).

واستدلّ أيضاً ببقاء الزوجية ؛ ومن ثمّ جاز تغسيلها ورؤيتها ويرثها ، فعليه مؤنتها والكفن منها (٣) ، وفيه نظر.

والأولى الاستدلال بالاستصحاب.

وكيف كان فلا إشكال في الحكم ، لاعتضاد الخبرين والإجماع المنقول بفتوى الأصحاب وعملهم.

وعن جماعة من الأصحاب إلحاق سائر مؤن التجهيز ؛ (٤) ، ولا بأس به ، للاستصحاب ، وتوقّف فيه في المدارك (٥).

ثمّ إنّ إطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق بين الدائمة والمنقطعة ، والحرة والأمة ، والمطيعة والناشزة ، والتعليل بوجوب المؤنة عليل ، فلا يضرّ النشوز في ذلك. نعم يمكن منع انصراف المنقطعة من إطلاق النصّ ، والمطلّقة رجعية زوجة.

وظاهرهم اختصاص الوجوب بالموسر ، واحتمل في المدارك لزومه على المعسر أيضاً (٦) ، وفسّر بأن لا يفضل به شي‌ء عن قوت يوم وليلة وما يستثني في الدين ،

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٤٣ ح ٤٩٠ ، ٤٩١ ، الوسائل ٢ : ٧٥٨ أبواب التكفين ب ٣١ ح ١. وب ٣٢ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٥ ح ١٤٣٩ ، الوسائل ٢ : ٧٥٩ أبواب التكفين ب ٣٢ ح ٢.

(٣) كما في المعتبر ١ : ٣٠٧.

(٤) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٨٨. والحلّي في السرائر ١ : ١٧١ ، والعلامة في النهاية ٢ : ٢٤٨.

(٥) المدارك ٢ : ١١٨.

(٦) المدارك ٢ : ١١٨.

٤٤٨

وحينئذٍ فيجب في تركتها.

قال في الذكرى : ولو ملك البعض أُخرج الباقي من تركتها (١).

ولو ماتا معاً فالظاهر عدم الوجوب في مال الزوج ، لعدم التكليف.

ولو مات بعدها لم يسقط.

ولو أوصت بالكفن فيعتبر من الثلث ، لعدم وجوبه من مالها.

ولا يلحق بالزوجة سائر من تجب نفقته إلّا المملوك ، قال في الذكرى (٢) : ولا يلحق واجب النفقة بالزوجة ، للأصل ، إلّا العبد ، للإجماع عليه وإن كان مدبراً أو مكاتباً ، مشروطاً أو مطلقاً لم يتحرّر منه شي‌ء ، أو أُم ولد ، ولو تحرّر منه شي‌ء فبالنسبة.

__________________

(١) الذكرى : ٥١.

(٢) الذكرى : ٥١.

٤٤٩

المقصد الرابع

في الصلاة عليه

وفيه مباحث :

الأوّل : فيمن يصلّى عليه.

وهو كلّ من أظهر الشهادتين ما لم يظهر منه خلافه بإنكار ضروري الدين.

قال في المنتهي : وتجب الصلاة على الميّت البالغ من المسلمين بلا خلاف (١). وظاهره دعوى الإجماع على الوجوب على كلّ ميّت مسلم.

وقال المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله بعد نقل ذلك : فدليل الوجوب هو الإجماع نظير ما ذكره في الغسل (٢).

وقد ذكرنا الإشكال في دعوى الإجماع ثمّة ، والإشكال موجود هنا أيضاً ، لأن المخالف فيه جماعة من فحول أصحابنا ، كالمفيد (٣) وأبي الصلاح (٤)

__________________

(١) المنتهي ١ : ٤٤٧.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ٤٢٥.

(٣) المقنعة : ٢٢٩.

(٤) الكافي في الفقه : ١٥٧.

٤٥٠

وابن إدريس (١) وسلّار (٢) على ما نقلناه من الذكرى (٣).

وغاية توجيه الإجماع المنقول هو ما ذكرناه ثمّة من أنّ الإجماع نقل على وجوب الصلاة لكلّ ميّت مسلم ، ولعلّ نزاع هؤلاء في كون المخالفين مسلمين ، فالإجماع إنّما انعقد على وجوب الصلاة على المسلم ، والمسلم اسم لمن هو مسلم في نفس الأمر ، ونحن مكلّفون بما نفهم أنّه مسلم ، فإذا اخترنا كون المخالفين مسلمين فيجري عليهم حكم الإجماع ، فلا يضرّ الاختلاف في الإسلام الإجماع على وجوب الصلاة على كلّ مسلم. غاية الأمر كونه كالإجماع على وجوب العمل على ما يفهم أنه المراد من اللفظ.

ولكن القول بكون المخالفين كفّاراً من جميع هؤلاء الفحول غير معهود ، فلم يعلم كون مخالفتهم من جهة الكفر ، فلم يثبت الإجماع على وجوب غسل كلّ مسلم.

ويمكن بعيداً أن يجمع بين دعوى الإجماع ومخالفة هؤلاء أنّ المراد أنّه تجب الصلاة على المكلّفين في الجملة لكلّ ميّت مسلم ، لا أنّه تجب الصلاة على جميع المكلّفين وقاطبتهم على كلّ ميّت مسلم ، فيكفي في ذلك وجوبه على المخالفين فقط.

وتظهر الثمرة في وجوب أمرهم بالصلاة على موتاهم من باب الأمر بالمعروف ، سيّما مع قولهم عليهم‌السلام : «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» (٤) ونحو ذلك من الثمرات ، هذا الكلام في الإجماع.

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٥٦.

(٢) المراسم : ٤٥.

(٣) الذكرى : ٥٤.

(٤) التهذيب ٨ : ٥٨ ح ١٩٠ ، وج ٩ : ٣٢٢ ح ١١٥٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٩٢ ح ١٠٣١ ، ١٠٣٢ وج ٤ : ١٤٨ ح ٥٥٥ ، الوسائل ١٥ : ٣٢١ أبواب مقدّمات الطلاق ب ٣٠ ح ٥ ، وج ١٧ : ٤٨٥ أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب ٤ ح ٥.

٤٥١

وأما الأخبار فقد استدلّ على العموم بقويّة طلحة بن زيد ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام صلّ على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله (١).

ورواية السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : صلّوا على المرجوم من أُمّتي ، وعلى القتال نفسه من أُمّتي ، لا تدعوا أحداً من أُمّتي بغير صلاة (٢).

ونقل في الذكرى (٣) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولعلّه من طرق العامّة «صلّوا على من قال لا إله إلّا الله» (٤).

وأيضاً قال صلى‌الله‌عليه‌وآله «صلّوا على كلّ بَر وفاجر» (٥).

وفي رواية عبد الله بن سنان : «أمر جبرئيل عليه‌السلام هبة الله أن يصلّي على أبيه آدم عليه‌السلام ، وأن يكبّر عليه خمساً عدّة الصلاة التي فرضها الله تعالى على امّة محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي السنة الجارية إلى يوم القيامة» (٦) ونحو ذلك.

ويمكن القدح في سند كلّها أو جلّها ، ودلالة أكثرها ، سيّما الرواية الأخيرة ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٢٨ ح ١٠٢٥ ، الاستبصار ١ : ٤٦٨ ح ١٨٠٩ ، الوسائل ٢ : ٨١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٢٨ ح ١٠٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٦٨ ح ١٨١٠ ، الوسائل ٢ : ٨١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٣ ، وهي ضعيفة السند لوقوع محمّد بن سعيد والظاهر أنّه ابن غزوان وهو مهمل ، وكذا غزوان (انظر معجم رجال الحديث رقم ١٠٨٢٤ ، ٩٢٧٠).

(٣) الذكرى : ٥٣.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ٢٣٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ٥٦ ح ٣ ، ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ١٩ ، مجمع الزوائد ٢ : ٦٧ ، الجامع الصغير ٢ : ٩٨ ح ٥٠٣٠.

(٥) سنن الدارقطني ٢ : ٥٧ ح ١٠ ، الجامع الصغير ٢ : ٩٧ ح ٥٠٢٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٩.

(٦) هذا مضمون ما ورد في الفقيه ١ : ١٠٠ ح ٤٦٨ ، والتهذيب ٣ : ٣٣٠ ح ١٠٣٣ ، والوسائل ٢ : ٧٧٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٣ ، وفي طريقها خلف بن حماد ، ومحمّد بن خالد وفيهما كلام وإن كان المرجّح توثيقهما (راجع معجم رجال الحديث رقم ٤٣٠٨ ، ١٠٦٧٦)

٤٥٢

لمنع عموم الأُمّة ، ولأنّ ظاهر أكثر هذه الأخبار أنّ الفسق لا يضرّ كالزنا والقتل وغيره كما ورد في صحيحة هشام بن سالم «أنّه يصلّى على شارب الخمر والزاني والسارق» (١) والظاهر أنّ الأوامر فيها واردة مورد توهّم الحظر كما لا يخفى على المتأمّل ، ولا ننكر جوازه.

وقضيّة قول الأصحاب في غسله «أنّه يغسّل غسل المخالفين» أنّ صلاته أيضاً كذلك كما ذكره المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٢) ويجي‌ء فيه الإشكال الذي ذكرنا ثمّة.

وقال : الانصراف بعد الرابعة من غير دعاء ، لعدم ظهور وجوب الدعاء له أو عليه وبالدعاء ، والانصراف بعد الخامسة بالدعاء وبغير الدعاء بينهما ، واختيار صلاته كما قيل في الغسل ، ولعلّ الثاني بغير الدعاء أولى ، ويمكن مع الدعاء للعموم وعدم ثبوت عدم جواز الدعاء ، ولهذا وقع في الأدعية بعد المؤمنين والمؤمنات الدعاء للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وعدم الاتفاق على وجوب لعنهم ، واحتمال الترحّم لهم من الله ، هذا مع عدم النصب والعداوة ، لعموم الأخبار الدالّة على وجوبها على امّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكونها خمس تكبيرات مع الدعاء ، ولما سقط الدعاء بعد الرابعة بالإجماع ونحوه ، بقي الباقي ، ويشعر الاكتفاء في المنافق على أربع بجواز الاقتصار عليه هنا أيضاً فتأمّل (٣) ، انتهى كلامه.

ولا تجوز الصلاة على الكافر ، للإجماع ، ولقوله تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) (٤) ولا فرق بين الأصلي والمرتدّ ، والذمّي وغيره.

نعم يجوز على بعض الفرق كالنواصب ، ولكن يلعن عليه في الدعاء كما سيجي‌ء.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٣ ح ٤٨١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٨ ح ١٠٢٤ ، الوسائل ٢ : ٨١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ١.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ٤٢٦.

(٣) مجمع الفائدة ٢ : ٤٢٦.

(٤) التوبة : ٨٤.

٤٥٣

وفي حكم المسلم الأطفال والمجانين المتولّدون من مسلم أو مسلمة.

واختلفوا في الحدّ الذي تجب الصلاة عليه في الطفل ، فالمشهور المدّعى عليه الإجماع من السيّد (١) والعلامة في المنتهي (٢) هو كمال ستّ سنين ، لصحيحة محمّد بن مسلم (٣) ، وصحيحة زرارة وعبيد الله بن علي الحلبي (٤) ، وصحيحة زرارة على الأظهر (٥) ، وغيرها من الأخبار (٦).

وعن ابن الجنيد الوجوب على المستهل (٧) ، لصحيحة عبد الله بن سنان (٨) ، وصحيحة علي بن يقطين (٩) ، ورواية السكوني (١٠) وغيرها (١١).

وعن ابن أبي عقيل عدم الوجوب حتّى يبلغ (١٢) ، لموثّقة عمّار ، وفيها : «إنّما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم» (١٣).

__________________

(١) الانتصار : ٥٩.

(٢) المنتهي ١ : ٤٤٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٨١ ح ١٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ٤٠٨ ح ١٥٦٢ ، الوسائل ٣ : ١٢ أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٠٤ ح ٤٨٦ ، التهذيب ٣ : ١٩٨ ح ٤٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٩ ح ١٨٥٥ ، الوسائل ٢ : ٧٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٧ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٧٨٨ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٣.

(٦) الوسائل ٢ : ٧٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣.

(٧) نقله عنه في المختلف ٢ : ٢٩٩.

(٨) التهذيب ٣ : ١٩٩ ح ٤٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٨٠ ح ١٨٥٧ ، الوسائل ٢ : ٧٨٨ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ١ وفيها : لا يصلّى على المنفوس وهو المولود الّذي لم يستهلّ ولم يصحّ.. وإذا استهلّ فصلّ عليه وورّثه.

(٩) التهذيب ٣ : ٣٣١ ح ١٠٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٨١ ح ١٨٦٠ ، الوسائل ٢ : ٧٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٢ ، وفيها : سألته لكم يصلّى على الصبيّ إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال : يصلّى عليه على كلّ حال ، إلّا أن يسقط لغير تمام.

(١٠) التهذيب ٣ : ٣٣١ ح ١٠٣٥ ، الوسائل ٢ : ٧٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٣ وفيها : يورّث الصبيّ ويصلّى عليه إذا سقط من بطن امّه فاستهلّ صارخاً ، وإذا لم يستهلّ صارخاً لم يورّث ولم يصلّ عليه.

(١١) الوسائل ٢ : ٧٨٨ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤.

(١٢) نقله عنه في المختلف ٢ : ٢٩٩.

(١٣) التهذيب ٣ : ١٩٩ ح ٤٦٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٠ ح ١٨٥٨ ، الوسائل ٢ : ٧٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٥.

٤٥٤

وعن المفيد الوجوب إذا عقل الصلاة (١) ، وكذا الصدوق في المقنع (٢) ، والظاهر أنّه هو قول المشهور ، لما فسّروا في أخبارهم (٣) ذلك ببلوغ ستّ سنين.

وعلى ذلك تحمل صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، حيث قال : «إذا عقل الصلاة صُلّي عليه» (٤).

والأقوى الأوّل ، لكثرة الأخبار وصحتها ، وموافقتها للأصل والشهرة والإجماع المنقول ، وشذوذ القولين بحيث لم يعتدّ العلامة بمخالفتهما (٥) في دعوى الإجماع.

وقد تحمل رواية عمّار على أنّ القلم أعمّ من القلم التمريني (٦) ، وأخبار ابن الجنيد على الاستحباب (٧) ، والأولى حملها على التقيّة كما هو الظاهر من غير واحد منها.

وعن النهاية : يصلّى على من نقص عن ستّ استحباباً وتقيّة (٨) ، والظاهر أنّه أراد استحبابه في نفسه وإرادة الفعل وجوباً للتقيّة.

وأما غير المستهلّ فلا صلاة عليه قولاً واحداً.

وفي حكم ما علم تولّده من مسلم لقيط دار الإسلام ، ومن وجد ميّتاً فيها.

وقيل : اللقيط في دار الكفر أيضاً ، وفيها مسلم صالح للاستيلاد (٩) ،

__________________

(١) المقنعة : ٢٣١.

(٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٧٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ، ١٤.

(٤) التهذيب ٣ : ١٩٩ ح ٤٥٨ ، الوسائل ٢ : ٧٨٨ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٤.

(٥) في «ص» : بمخالفتها ، والمراد بهما هما ابن الجنيد وابن أبي عقيل.

(٦) كما في المختلف ٢ : ٣٠١ ، والذكرى : ٥٤.

(٧) كما في الوسائل ٢ : ٧٨٩ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ذ. ح ٧.

(٨) النهاية : ١٤٣.

(٩) المسالك ١ : ٢٦٢.

٤٥٥

وهو مشكل.

الثاني : في المصلّي على الميّت.

قالوا : إنّ أحقّ الناس بالصلاة عليه أولاهم بميراثه (١).

ومعنى ذلك أنّ الوارث مقدّم على غير الوارث ، لا تقديم الأكثر نصيباً على غيره أيضاً. نعم هنا تفصيل في تقديم بعض ذوي الإرث على غيره سيجي‌ء بيانه.

والظاهر أنّ أصل الحكم إجماعيّ.

واستدلّوا عليه بآية اولي الأرحام (٢).

وفيه إشكال ، فإنّه لا يتمّ إلّا مع تعميم الأولوية بالنسبة إلى الإرث والصلاة وغيرهما ، مثل ولاية القصاص ، وحينئذٍ فلا يدلّ إلّا على أولويّة الرحم على غير الرحم ، لا الوارث على غير الوارث.

ولا يمكن أن يقال : المراد بالبعض الأوّل في الآية هو بعض الأرحام الموجودين ، بمعنى أنّ بعض الموجودين منهم أولى بالميّت من البعض الأخر منهم ، ليثبت اتّحاد الأولى في الميراث والقصاص والصلاة وغيرها ؛ للزوم الإجمال في الآية ، لعدم العهد ، فلا يجوز الاستدلال به ، مع أنّك تراهم يستدلّون بعمومه في إثبات الميراث لمن لم يثبت فرضه في القرآن ، ولم يرد به الخبر أيضاً ، ولم يعهد في السنة النبويّة صلى‌الله‌عليه‌وآله بيان لذلك المجمل حتّى يكون الاتّكال عليه.. مع أنك تراهم لا يتمسّكون في جميع موارد الاستدلال به بالخبر الوارد فيه.

واستدلّوا عليه بحسنة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال يصلّي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحبّ (٣) ورواية البزنطي

__________________

(١) الشرائع ١ : ٩٥ ، المنتهي ١ : ٤٥٠ ، التذكرة ٢ : ٤١ مسألة ١٩٠.

(٢) الأنفال : ٧٥ ، قال الله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).

(٣) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ ح ٤٨٣ ، الوسائل ٢ : ٨٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١.

٤٥٦

وليس في سندها من يتأمّل فيه إلّا سهل ، وهو سهل (١) عن بعض أصحابنا ، عنه عليه‌السلام مثله (٢).

وفيه أيضاً إشكال ، لعدم العهد للأولى ، وكونه كناية عن الأولى المذكور في الآية قد عرفت أنّه لا يجدي ، فإن مقتضى الآية أولويّة مطلق الرحم من غيره ، لا أولويّة بعضهم الخاصّ من غيره كما لا يخفى.

ومقتضى ذلك تساويهم في استحقاق الإرث ، وهو باطل جزماً ، فالاستدلال بالآية إنّما يناسب إثبات مطلق تقديم الرحم على غير الرحم ومجمله.

نعم فصّلت الشريعة النبويّة وبيّنت ترتيب الطبقات ، ومنع الأبعد مع وجود الأقرب في الميراث ، فإن ثبت ذلك الترتيب والمنع في خصوص الصلاة مثلاً كما ثبت في الإرث فالمعتمد هو ؛ لا عموم الآية ، وإلّا فلا يتمّ الاستدلال أصلاً.

وبالجملة لو لم يثبت الإجماع على تقديم الوارث على غيره لأشكل الاستدلال بالمذكورات.

نعم يمكن الاستدلال بالخبرين بحملهما على الأمسّ بالميّت (٣) ، والأشدّ علاقة ، وهو لا ينفكّ عن تقديم الوارث ، ويناسب التفصيل الذي سنذكره بأن يكون المراد به العلاقة واللصوق النَّسبي أو السببي ، لا مطلق العلاقة.

لكن يرد عليه المنع من جهة دلالته على العلاقة الخاصة ، قال الله تعالى (إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) (٤) الآية ، ولم يقل أحد باعتبار مطلق العلاقة هنا.

__________________

(١) فقد وثّقه الشيخ في رجاله : ٤١٦ ، وإن ضعّفه ابن الوليد وابن بابويه وابن نوح والنجاشي وابن الغضائري وشهد عليه أحمد بن محمّد بن عيسى بالغلوّ والكذب وأخرجه من قم إلى الري. (انظر معجم رجال الحديث رقم ٥٦٢٩) وقد ضعّفه الشيخ في الفهرست : ١٠٦ رقم ٣٤١.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٨٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ٢.

(٣) في «م» : الآنس بالميّت.

(٤) آل عمران : ٦٨.

٤٥٧

ثمّ إنّ الإشكال في أن الأولويّة هل هي في مطلق الصلاة أو الإمامة والمأموميّة أيضاً؟ إطلاق الروايتين يقتضي الأوّل ، وظاهر كثير من الأصحاب (١) وصريح بعضهم (٢) الثاني ، ولا تبعد استفادته من رواية السكوني في تقديم سلطان حضر من سلطان الله إن قدّمه وليّ الميّت (٣) ، وكذلك من صحيحة زرارة في إمامة المرأة للنساء إذا لم يكن أحد أولى منها (٤).

والتحقيق أن يقال : الصلاة التي تسقط بها الصلاة على الميت ويسقط الوجوب الكفائي لا بدّ أن تكون بإذن الولي ، سواء كانت في جماعة أو فرادى ، فإن في المصلّين تفاوتاً فاحشاً ربما لا يرضى الولي بإسقاط الصلاة بصلاة من لا يرضى به ، بل يريد أن يصلّي عليه من يحسن ظنّه به ويعتمد صلاحه ، ويكون دعاؤه مظنّة للإجابة ، فلذلك لا يعتنى بشأن المأمومين إذا كان الإمام مرضيّاً ، وكذا لا يعتنى بشأن من يصلّي فرادى بعد انعقاد الجماعة بالإمام المرضيّ له ولم يتمّ بعد ، أو مقارناً لانعقادها ، فالذي يضرّ بمراد الولي هو المنفرد الغير المرضيّ المبتدئ بالصلاة ، والإمام الغير المرضيّ ، ولما كان الغالب في صلاة الجنازة هو الجماعة جعلوا البحث في الإمام أو أطلقوا ، فليفهم ذلك.

ثم بعد اتفاقهم على تقديم الوارث ظاهراً اتّفقوا على تقديم الأب على الابن ، والظاهر أنّه إجماعيّ ، وهو مقتضى تقديم الأمسّ والأشدّ علاقة ، فإنّه أشفق بالولد من الولد.

وكذا الولد على الجدّ ، خلافاً لابن الجنيد (٥) ، حيث قدّمه ، لأنّه أب الأب ، لأنّ

__________________

(١) كالعلامة في التذكرة ٢ : ٤٤ مسألة ١٩٤ حيث قال : إنّما يقدّم الوليّ إذا كان بشرائط الإمامة.

(٢) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٣١١ ، وصاحبي المدارك ٤ : ١٥٦ ، والذخيرة : ٣٣٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٨٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ٤ ، وفيها : إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحقّ بالصلاة عليها إن قدّمه ولي الميّت وإلّا فهو غاصب.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٨٨ ، وص ٢٦٨ ح ٧٦٦ ، الوسائل ٢ : ٨٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ١.

(٥) نقله عنه في المختلف ٢ : ٣٠٤.

٤٥٨

منصب الإمامة إذا كان أليق بالأب من الولد ، فيقدّم أب الأب ، ولا يخفى ضعفه.

وعن الشيخ أنّ الأب أولى ثمّ الولد ، ثمّ ولد الولد ، ثمّ الجدّ للأب ، ثمّ الأخ للأبوين ، ثم الأخ للأب ، ثمّ الأخ للأُمّ ، ثمّ العمّ ، ثمّ الخال ، ثمّ ابن العمّ ، ثمّ ابن الخال ، قال : وبالجملة من كان أولى بالإرث فهو أولى بالصلاة للاية (١).

وفيه إشكال ، لأنّه إن نظر إلى الآية فكلّ الأرحام متساوون كما ذكرنا ، وإن نظر إلى كثرة النصيب فمع عدم الدّليل عليه ينتقض بالأب المقدّم على الابن ، مع كونه أقلّ نصيباً ، وإن كان يمكن القدح في الأقليّة ، لأن الغالب اجتماع الأولاد مع الأب ، وقد يتكثرون فلا يبلغ نصيب أحدهم ربع نصيب الأب ، وهو لا ينقص نصيبه أبداً ، والجدّ المقدّم على الأخ مع كونه مساوياً له ، واعتبار ملاحظة أكثريّة الحنوّ والشفقة لو سلّم في الجدّ أيضاً ، فهو خروج عن اعتبار الإرث.

وقد صرّح بذلك الإشكال في الذكرى (٢) وغيره (٣) ، وهو كذلك ، ولا مناص عن هذا الإشكال.

ولا شي‌ء يصير هنا بمنزلة القانون إلّا الاعتماد على الروايتين والرجوع إلى الأولويّة العرفيّة ، واعتبار الأحنية وأشدّية العلاقة ، ففيما يفهم ذلك في العرف ككون الأب أشدّ علاقة من غيره ، وكذا الأخ من الأبوين مع الأخ من الأب فقط فواضح ، وما لم يفهم ذلك فيه فالأظهر فيه التساوي.

ويمكن الرجوع إلى القرعة وإن كان الرجوع إلى أكثريّة النصيب أيضاً أو التقرّب من جهة الأب أيضاً لا يخلو من رجحان ، بملاحظة أنّ تقديم الشارع بعضهم في النصيب كاشف عن الأقربيّة والأولويّة النفس الأمريّة ، كالحسن الذاتي المفهوم من الأمر الشرعي فيما لا يدرك العقل حسنة أو قبحه ، كصوم آخر رمضان وأوّل شوال.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٣.

(٢) الذكرى : ٥٧.

(٣) المدارك ٤ : ١٥٨.

٤٥٩

هذا كلّه في غير الزوج.

وأما الزوج فهو مقدّم على الأب أيضاً ، فضلاً عن غيره بلا خلاف ظاهر من الأصحاب ، لرواية أبي بصير (١) ، ورواية إسحاق بن عمّار (٢) ، ورواية أبي بصير أيضاً (٣) ، وفي روايتي أبي يصير تصريح بتقديمه على الأب والأخ والولد.

ولا يضرّ ضعف أسنادها مع هذا العمل.

ولا يعارض بها صحيحة حفص بن البختري (٤) ، ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٥) الدالّتين على تقديم الأخ عليه لشذوذهما. وحملهما الشيخ على التقية ، لموافقتهما للعامّة (٦).

وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق بين الدائمة والمنقطعة ، والحرّة والأمة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ١ وفيها : سألته عن المرأة تموت ، من أحقّ أن يصلّي عليها؟ قال : الزوج ، قلت الزوج أحقّ من الأب والأخ والولد؟ قال : نعم ، وفي طريقها إسماعيل بن مرار وفي وثاقته خلاف ، نعم هو واقع في أسناد تفسير عليّ ابن إبراهيم (انظر معجم رجال الحديث رقم ١٤٣٠).

(٢) الكافي ٣ : ١٩٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣٢٥ ح ٩٤٩ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٣ ، وفيها : الزوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها. وفي طريقها سهل بن زياد ، وفيه كلام معروف ، ومحمّد بن أُورمة ، وقال النجاشي : ٣٢٩ رقم ٨٩١ رموه القميون وغمزوا عليه. وعلي بن ميسرة ، وهو أيضاً لم يوثّق (انظر معجم رجال الحديث رقم ٨٥٤٥).

(٣) الكافي ٣ : ١٧٧ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٠٢ ح ٤٧٤ ، التهذيب ٣ : ٢٠٥ ح ٤٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨٦ ح ١٨٨٣ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٢ ، وفيها قلت : المرأة تموت من أحقّ بالصلاة عليها؟ قال : زوجها ، قلت : الزوج أحقّ من الأب والولد والأخ؟ قال : نعم ، يغسّلها. وفي طريقها القاسم بن محمّد وهو مشترك ولعلّه هو الجوهري ولم يثبت توثيقه ، وكذا علي بن أبي حمزة البطائني فهو ضعيف وأحد عمد الواقفة (انظر معجم رجال الحديث رقم ٩٥٣٠ ، و ٧٨٣٢).

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٥ ح ٤٨٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٦ ح ١٨٨٥ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٥ ح ٤٨٥ ، الاستبصار ١ : ٤٨٦ ح ١٨٨٤ ، الوسائل ٢ : ٨٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٥.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٥ ذ. ح ٤٨٦.

٤٦٠