غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٣

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-251-3
الصفحات: ٥٦٧

سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له قلت : فإنّه يشهد عليّ بالشرك! قال : «إن عصى الله فأطع الله» ، فرددت عليه فأبى أن يرخّص لي قال ، قلت له : أُصلّي إذن في بيتي ثمّ أخرج إليه؟ فقال : «أنت وذاك».

وقال إنّ عليّاً عليه‌السلام كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوّاء وهو خلفه (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١) ، فأنصت عليّ عليه‌السلام تعظيماً للقران حتّى فرغ من الآية ثمّ عاد في قراءته ، ثمّ عاد ابن الكوّاء الآية فأنصت عليّ عليه‌السلام أيضاً ، ثمّ قرأ ، فأعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ عليه‌السلام ، ثمّ قال (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (٢) ثمّ أتمّ السورة ثم ركع» (٣).

فالأجود حملها على شدّة التقيّة كما فعله الشيخ (٤).

وحملها على أنّه يقرأ إذا سكت المخالف ، ويسكت إذا قرأ ؛ مؤيّداً ذلك بظاهر حكاية عليّ عليه‌السلام ؛ ليس بذلك.

ويشهد لما اخترناه من الحمل صحيحة ابن أُذينة ، عن عليّ بن سعد البصري قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني نازل في بني عدي ومؤذّنهم وإمامهم وجميع أهل المسجد عثمانية يتبرّؤن منكم ومن شيعتكم ، وأنا نازل فيهم ، فما ترى في الصلاة خلف الإمام؟ قال : «صلّ خلفه» قال : «واحتسب بما تسمع ، ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول الفضيل وتدع قولي».

قال عليّ : فقدمت البصرة وأخبرت فضيلاً فقال : هو أعلم بما قال ، لكني قد سمعته وسمعت أباه يقولان : «لا تعتدّ بالصلاة خلف الناصب ، واقرأ لنفسك كأنك

__________________

(١) الزمر : ٦٥.

(٢) الروم : ٦٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٥ ح ١٢٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ ح ١٦٦١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٦ ح ١٢٧.

١٦١

وحدك» قال : فأخذت بقول الفضيل وتركت قول أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

والأولى الجمع بين الاستماع والإنصات والقراءة حسب ما أمكن.

ولو لم يقدر إلّا على أُمّ الكتاب وحدها فتجزيه وإن كانت السورة واجبة أيضاً على الأصح ، وادّعى في المدارك عليه الإجماع (٢) ، والظاهر عدم الخلاف فيه.

وتدلّ عليه أيضاً رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال ، قلت له : إنّي أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني ، إلى ما أن أؤذّن وأُقيم ولا أقرأ إلّا الحمد حتّى يركع ، أيجزيني ذلك؟ قال نعم ، تجزيك الحمد وحدها (٣).

ورواية عليّ بن أسباط في الحسن ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام : في الرجل يكون خلف الإمام لا يقتدي به فيسبقه الإمام بالقراءة ، قال إذا كان قد قرأ أمّ الكتاب أجزأه ، يقطع ويركع (٤).

وأما لو ركع الإمام قبل إكمال الفاتحة فقيل : يقرأ في ركوعه (٥).

وقيل : تسقط القراءة للضرورة ، وحكم بذلك الشيخ في التهذيب حتّى قال : إنّ الإنسان إذا لم يلحق القراءة معهم جاز له ترك القراءة معهم والاعتداد بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع (٦).

وتدلّ عليه أخبار كثيرة ، فروى أبو بصير في الصّحيح قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : من لا أقتدي به في الصلاة ، قال افرغ قبل أن يفرغ ، فإنّك في

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧ ح ٩٥ وفيه : عليّ بن سعيد البصري ، الوسائل ٥ : ٣٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٤ ، وب ٣٣ ح ٧.

(٢) المدارك ٤ : ٣٢٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٧ ح ١٣٢ ، الاستبصار ١ : ٤٣١ ح ١٦٦٥ ، الوسائل ٥ : ٤٢٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٦ ح ١٣٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ ح ١٦٥٩ ، الوسائل ٥ : ٤٢٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٥.

(٥) الذكرى : ٢٧٥.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٧.

١٦٢

حصار ، فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه (١).

وروى معاذ بن كثير في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام أية أو آيتان فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، وليدخل في الصلاة (٢).

وروى إسحاق بن عمّار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا يمكنني أن أُؤذّن وأُقيم وأُكبّر ، فقال لي : «فإذا كان كذلك فادخل معهم في الركعة واعتدّ بها ، فإنّها من أفضل ركعاتك».

قال إسحاق : فلما سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد قلت للغلام : انظر أُقيمت الصلاة ، فجاءني فقال : نعم ، فقمت مبادراً فدخلت المسجد فوجدت الناس قد ركعوا ، فركعت مع أوّل صفّ أدركت ، واعتددت بها ، ثمّ صلّيت بها بعد الانصراف أربع ركعات ، ثم انصرفت ، فإذا خمسة أو ستة من جيراني قد قاموا إليّ من المخزوميين والأُمويين فاقعدوني ثمّ قالوا : يا أبا هاشم جزاك الله عن نفسك خيراً ، فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما قيل فيك ، فقلت : وأيّ شي‌ء ذلك؟ قالوا : اتبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنّك لا تقتدي بالصلاة معنا ، فوجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا وصلّيت بصلاتنا ، فرضي الله عنك وجزاك خيراً قال ، قلت لهم : سبحان الله ، المثلي يقال هذا ، قال : فعلمت أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لم يأمرني إلّا وهو يخاف عليّ هذا وشبهه (٣).

وروى أحمد بن عائذ قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّي أدخل مع هؤلاء

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ح ٨٠١ ، الوسائل ٥ : ٤٣٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ ح ١١١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٦٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٨ ح ١٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣١ ح ١٦٦٦ ، الوسائل ٥ : ٤٣١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٤.

١٦٣

في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أُؤذّن وأُقيم فلا أقرأ شيئاً حتى إذا ركعوا وأركع معهم ، أفيجزيني ذلك؟ قال : «نعم» (١).

وقال بعض المتأخّرين كصاحب الذخيرة وصاحب المدارك بعد نقلهم استدلال الشيخ على المطلب برواية إسحاق : إنّه يشكل التعويل عليها لضعف الرواية ، وقال : إنّ الأحوط الإتمام والإعادة عند عدم التمكّن من قراءة الفاتحة (٢). وقد عرفت عدم انحصار الدليل فيها.

ولا يخفى أنّ ما ذكرنا من الروايات يكفي في إثبات ذلك الحكم ؛ وإن كان لتضامّها وتعاضد بعضها ببعض ، مع أنّ رواية أبي بصير صحيحة ، والظاهر أنّ أبا بصير هو الثقة.

وكذا رواية معاذ ، وقد ذكر المفيد أنّه من ثقات أصحاب الصادق عليه‌السلام وفقهائه الصالحين ومن شيوخ أصحابه وخاصّته (٣) ، والظاهر أنّه الفرّاء النحوي الثقة الجليل (٤).

ولم نقف للقائل بالقراءة حال الركوع على مستند ، ولعلّه يمكن أن يقال : الاحتياط فيما ذكراه فيما لو لم يكن هناك تقيّة ، وأما في صورة التقيّة والضرورة فلعلّه ليس مجال التأمّل في الحكم.

ومن هذا يظهر لك الحكم باستحباب الجماعة مع المخالفين وجواز الاعتداد بتلك الصلاة وأنه متى وأنى يستحب وحيثما يجب.

ويستحبّ لو فرغ قبل الإمام أن يمجّد الله ويثني عليه ويسجد حتّى يفرغ ، ففي

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٧ ح ١٣٢ ، وفي الاستبصار ١ : ٤٣١ ح ١٦٦٥ ، والوسائل ٥ : ٤٢٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٦ الراوي أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

(٢) الذخيرة : ٣٩٨ ، المدارك ٤ : ٣٢٦ ، ولعلّ وجه الضعف وقوع محمّد بن الحصين في طريقها وفي توثيقه كلام. انظر معجم رجال الحديث رقم ١٠٦٠٧.

(٣) الإرشاد ٢ : ٢١٦.

(٤) انظر معجم رجال الحديث ١٨ : ١٨٤ رقم ١٢٤١٩ ١٢٤٢٦.

١٦٤

موثّقة عمر بن أبي شعبة لابن بكير عن الصادق عليه‌السلام قال ، قلت له : أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ من قراءته ، قال فأتمّ السورة ، ومجّد الله ، وأثنِ عليه حتى يفرغ (١).

وتقرب منها مرسلة إسحاق بن عمّار عنه عليه‌السلام ، وفي آخرها فسبّح حتّى يفرغ (٢).

وروى زرارة في الموثّق لابن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ ، قال فأمسك أية ومجّد الله وأثنِ عليه ، فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع (٣).

ولم أقف على نصّ من كلام الأصحاب في وجه جمع تلك الأخبار ، وصحيحة أبي بصير المتقدّمة (٤) تؤيّد الروايات الأوّلة ، وكذا غيرها.

ولعلّ الإتمام أوّلاً أقوى وإن كان حمل موثّقة زرارة على الاستحباب أيضاً ليس بذلك البعيد.

وحكم بعض الأصحاب باستحباب التسبيح والذكر قبل فراغ الإمام خلف من يقتدى به أيضاً فيما تجوز فيه القراءة للإطلاق (٥).

التاسع : يجوز أن يأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلفا كالظهر والعصر هذا هو المعروف بين الأصحاب ، بل قال العلامة في المنتهي : إنه قول علمائنا أجمع (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٨ ح ١٣٤ ، الوسائل ٥ : ٤٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ ح ٣ ، الوسائل ٥ : ٤٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٣ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٨ ح ١٣٥ ، الوسائل ٥ : ٤٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ١.

(٤) مرّت في ص ١٦٢ ، وهي في التهذيب ٣ : ٢٧٥ ح ٨٠١ ، والوسائل ٥ : ٤٣٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ١.

(٥) القواعد ١ : ٣١٧.

(٦) المنتهي ١ : ٣٦٧.

١٦٥

والظاهر أنّهم لم يفرّقوا في ذلك بتخالف الكمّ أيضاً ، كالظهر والصبح أو المغرب مثلاً ، بأن يكون بعضها قضاءً أو كلّها.

ويدلّ على ذلك مضافاً إلى الإجماع صحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل إمام قوم ، فيصلّي العصر وهي لهم الظهر ، قال أجزأت عنه ، وأجزأت عنهم (١).

وموثّقة أبي بصير ، قال : سألته عن رجل صلّى مع قوم وهو يرى أنها الاولى وكانت العصر ، قال فليجعلها الأُولى وليصلّ العصر (٢).

ورواية زرارة وفي طريقها عليّ بن حديد (٣) عن الباقر عليه‌السلام : في رجل دخل مع قومٍ ولم يكن صلّى هو الظهر والقوم يصلّون العصر ، يصلّي معهم؟ قال يجعل صلاته التي صلّى معهم الظهر ، ويصلّي هو بعد العصر (٤).

وحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أمّ قوماً في العصر فذكر وهو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الأُولى ، قال فليجعلها الأُولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم (٥).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأُوليين الظهر والأخيرتين العصر» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٩ ح ١٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٣٩ ح ١٦٩١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٣ ح ١٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ ح ٧٨٣ ، الوسائل ٥ : ٤٥٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٤.

(٣) ضعّفه الشيخ في التهذيب ٧ : ١٠١ ذ. ح ٤٣٥ ، والاستبصار ١ : ٤٠ ح ١١٢ وطريقه إليه ضعيف وقد وقع في أسناد تفسير القمّي ، وعلى أي حال يشكل الحكم بوثاقته.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٧١ ح ١٠٧٨ ، الوسائل ٣ : ٢١٣ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٤ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١٩٧ ح ٧٧٧ ، وص ٢٦٩ ح ١٠٧٢ ، الوسائل ٣ : ٢١٣ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٧ ح ١٣٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٥٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٦ ، وب ١٨ ح ١.

١٦٦

وموثّقة الفضل بن عبد الملك عن الصادق عليه‌السلام ، قال لا يؤمّ الحضريّ المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإذا ابتلى بشي‌ء من ذلك فأمّ قوماً حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور (١) الحديث بتمامه.

وقد استدلّ العلامة بأنّه إذا جاز ائتمام المفترض بالمتنفل كما في المعادة فيصحّ ههنا (٢) ، ولا اعتماد عليه.

ونقل عن الصدوق رحمه‌الله أنّه قال لا بأس أن يصلّي الرجل الظهر خلف من يصلّي العصر ، ولا يصلّي العصر خلف من يصلّي الظهر ، إلّا أن يتوهّمها العصر فيصلّي معه العصر ثمّ يعلم أنها كانت الظهر فتجزي عنه (٣).

وربما يستدلّ له بصحيحة عليّ بن جعفر : أنّه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلّي معه وهي تحسب أنها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة صلاتها (٤) ، وهي تناقض مطلبه كما لا يخفى.

ولعلّ الأمر بالإعادة لكونها محاذيةً للإمام بناءً على عدم الجواز ، ويحمل على الاستحباب بناءً على المختار من الكراهة.

وربما يقال : إنّه لعلّه لاعتقاد المرأة خلاف الواقع (٥) ، وفيه تأمّل.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٨٠ ، التهذيب ٣ : ١٦٤ ح ٣٥٥ ، وص ٢٢٦ ح ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ح ١٦٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٦.

(٢) المنتهي ١ : ٣٦٧.

(٣) الفقيه ١ : ٣٥٨ ح ١٠٣٠.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٩ ح ١٧٣ ، الوسائل ٥ : ٤٥٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٢.

(٥) المدارك ٤ : ٣٣٧.

١٦٧

وربّما نقل عن ابن بابويه القول باعتبار الاتفاق في الكم (١) ، وتدفعه الأخبار الصريحة في ائتمام المسافر بالمقيم (٢) ، ولكن الشأن في إثبات العموم ، ولعلّه لا قائل بالفصل ، ولم نجد في الأخبار نصّاً في غيرها.

نعم روى الكليني والشيخ رحمهما‌الله عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أُخرى ، فقال : «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها ، وإن ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها ، وإن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمها بركعة ، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك» (٣) فإنّ الظاهر منها أنّه يعدل إلى العصر ويأتم فيها بالمغرب.

وروى الشيخ عن إسحاق بن عمّار وفي طريقها سلمة صاحب السابري (٤) والراوي عنه ابن أبي عمير والصدوق أيضاً بسنده عن إسحاق بن عمّار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تقام الصلاة وقد صلّيت ، فقال : «صلّ واجعلها لما فات» (٥).

واستثنى الشهيد صلاة الاحتياط إلّا فيما اشترك الإمام والمأموم في الشك (٦). والاحتياط الترك مطلقاً لما أسلفنا لك سابقاً.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٣ : ٩١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ١٠٧١ ، الوسائل ٣ : ٢١٣ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢. والراوي فيها هو عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، وهو الصحيح.

(٤) وهو مجهول ، ولم يثبت توثيقه ، وإن وقع في أسناد كامل الزيارات.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٥ ح ١٢١٣ ، التهذيب ٣ : ٥١ ح ١٧٨ ، الوسائل ٥ : ٤٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٥ ح ١.

(٦) الدروس ١ : ٢٠٥.

١٦٨

وما ذكرنا من جواز الائتمام إنّما هو إذا لم تتخالفا كيفيةً كاليومية والكسوف والعيدين ، فإنّه لا تتحقّق القدوة ههنا والمتابعة ، وهو ظاهر.

ويمكن القول بأنّه دائر مدار إمكان المتابعة ، فلا مانع من القدوة في الركوع الأخير أو القنوت الأخير أو نحو ذلك ، لشمول العمومات ؛ والاحتياط تركه.

ويجوز ائتمام المتنفّل بالمفترض ، كاقتداء المعيد بمن لم يصلّ ، وكذا ائتمام غير البالغ بناءً على كون عبادته شرعيّة ، كلّ ذلك يظهر من الأخبار وسيأتي. وعكسه ، كائتمام من لم يصلّ بالمعيد ، وسيجي‌ء دليله.

والمتنفّل بالمتنفّل في مواضع كالعيدين مع انتفاء الشرائط ، وكذا الاستسقاء والغدير على رأي أبي الصلاح (١).

العاشر : لا تجوز مفارقة الإمام بلا عذر بدون قصد الانفراد للتأسّي ، ولأنّ الإمام إنّما جعل إماماً ليؤتمّ به (٢) ، ولأنّه لا دليل على صحّة مثل هذه الصلاة ، والأصل عدم الصحّة.

وأما مع العذر فلا خلاف فيه ، كانفراده في التشهّد إذا كان مسبوقاً بالإمام ونحو ذلك ، وكذا لا شكّ في جواز المفارقة مع قصد الانفراد مع العذر.

ويبقى الكلام في جواز المفارقة مع قصد الانفراد بلا عذر ، فهو المشهور بين الأصحاب ، والمعروف من مذهبهم ، بل نقل العلامة في النهاية الإجماع على ذلك (٣). وكذا نقل عن ظاهر المنتهي أيضاً (٤).

وقال الشيخ في المبسوط : من فارق الإمام بغير عذر بطلت صلاته ، وإن فارقه

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٦٠.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ٢٢٥ ح ٤٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ح ٧٧.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ١٢٨.

(٤) المنتهي ١ : ٣٨٤.

١٦٩

لعذرٍ وتمّم صحّت صلاته (١).

واحتجّوا على المشهور بالأخبار الاتية في الانفراد في السلام والتشهّد ، وغير ذلك ، وبفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاة ذات الرقاع ، فإنّه صلّى بطائفةٍ يوم ذات الرقاع ركعة ثمّ خرجت من صلاته وأتمّت منفردة ، وببعض الاعتبارات الضعيفة التي لا يمكن الاعتماد عليها.

والجواب عن الأخبار بالقول بالموجب ، إذ هو مع العذر في الأغلب ، والمطلوب خلافه.

وأما مثل صحيحة أبي المعزى الاتية ؛ فيحتاج إتمام الاستدلال بها بعدم القول بالفصل ، وهو غير معلوم.

ويدلّ على مذهب الشيخ عدم ثبوت التوظيف بمثل هذه الصلاة ، والأصل عدم الصحّة.

ويؤيّده قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٢) وقوله إنّما جُعل الإمام إماماً ليؤتمّ به (٣) ويمكن القدح في تأييد الثاني.

وجعلهما الشيخ دليلاً على مدّعاه على ما نقل عنه (٤).

وتؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : أنه سأله عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدّم أحداً ، ما حال القوم؟ قال لا صلاة لهم إلّا بإمام ، فليقدّم بعضهم فليتمّ بهم ما بقي منها ، وقد تمّت صلاتهم (٥). فالإجماع إنّما هو الحجّة ، وإلّا فلا دليل للمشهور ظاهراً ، فالحكم على خلافهم

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٢) محمّد : ٣٣.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٢٢٥ ح ٤٢.

(٤) نقله في المختلف ٣ : ٧٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٢ ح ١١٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ ح ٨٤٣ ، الوسائل ٥ : ٤٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ١.

١٧٠

والقطع ببطلان الصلاة مشكل ، والاحتياط في عدم الانفراد من دون العذر.

وما ذكرنا إنّما هو في الجماعة المستحبّة ، وأمّا الواجبة فلا يجوز قطعاً.

وهل يجوز عدول المنفرد إلى الائتمام؟ الأصل يقتضي عدم الجواز ، وجوّزه الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (١) ، والأحوط الاجتناب ، وقد مرّت في مباحث النيّة نبذة من مباحث العدول فراجع وتأمّل (٢).

ثمّ : بعد البناء على جواز العدول يجب إتمام الصلاة من موضع الانفراد ، فإذا كان قبل القراءة فيقرأ وبعده فيركع.

وأما في الأثناء ففيه إشكال ، وأوجب الشهيد الثاني الاستئناف من أوّل تلك السورة (٣) ، والشهيد الأوّل الاستئناف مطلقاً ، لأنّه في محلّ القراءة وقد نوى الانفراد (٤) ، وقال في المدارك : ولعلّه أحوط (٥).

ولكن الإشكال في ذلك الاحتياط أيضاً محتمل ، سيّما على مذهب من يحرّم القراءة (٦) كما هو المختار ، إلّا أن يقال : إنّ القرآن المحرّم هو ما كان بقصد القراءة المعيّنة للصلاة كما ذكرنا.

ويجوز أن يسلّم المأموم قبل الإمام وينصرف للضرورة وغيرها ، قال في المدارك : هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب حتّى في كلام القائلين بوجوب التسليم (٧).

ويدلّ على ذلك مطلقاً صحيحة أبي المعزى عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٥٢.

(٢) المجلد الثاني ص ٤٥٩.

(٣) روض الجنان : ٣٦٨.

(٤) الذكرى : ٢٧٢.

(٥) المدارك ٤ : ٣٧٩.

(٦) في «م» ، «ح» : القرآن ، بدل القراءة.

(٧) المدارك ٤ : ٣٨٧.

١٧١

يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام ، قال ليس عليه بذلك بأس (١).

ولكن أبي المعزى روى أيضاً في الصحيح عنه عليه‌السلام : عن الرجل يكون خلف الإمام فيسهو فيسلّم قبل أن يسلّم الإمام ، قال : «لا بأس» (٢) ولعلّه يورث وهناً في الإطلاق.

وتدلّ على صورة العذر صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطوّل الإمام بالتشهّد ، فيأخذ الرجل البول أو يتخوّف على شي‌ء يفوت أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال يتشهّد هو وينصرف ويدع الإمام (٣).

وصحيحته الأُخرى عنه عليه‌السلام : عن الرجل يكون خلف إمام فيطوّل في التشهّد فيأخذه البول ، أو يخاف على شي‌ء أن يفوت ، أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال يسلّم وينصرف ويدع الإمام (٤).

وصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد ، قال يسلّم ويمضي في حاجته إن أحبّ (٥) وهذه الصحيحة أيضاً ظاهرها جواز السبقة بدون العذر كما لا يخفى.

والظاهر أنّه لا يجب هنا قصد الانفراد ، وربّما ينسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب أيضاً ، وربما يقوى ذلك على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال ، ولعلّه ليس على ما ينبغي ، لكون الجلوس المعيّن من الأفعال ، والانصراف قبل

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٥ ح ١٨٩ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٩ ح ١٤٤٧ ، الوسائل ٥ : ٤٦٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٩ ح ١٤٤٦ ، الوسائل ٥ : ٤٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦١ ح ١١٩١ ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ ح ٨٤٢ ، وفي الوسائل ٥ : ٤٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢ يتشهّد بدل يسلّم.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٧ ح ١١٦٣ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ ح ١٤٤٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٤ أبواب التسليم ب ١ ح ٦ ، وج ٥ : ٤٦٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٣.

١٧٢

الإمام ـ سيّما إذا كان في التشهّد ـ يستلزم عدم المتابعة في الفعل أيضاً ، والأخبار المطلقة.

ولعلّ قصد الانصراف يكفي مع عدم قصد الائتمام ، ولا حاجة إلى قصد عدمه.

الحادي عشر : لا شكّ في أنّ الأولى بالتقدّم هو إمام الأصل لو كان حاضراً ، بل وكذلك حكم من أنابه الإمام بخصوص الصلاة.

وأما عند غيبته فصاحب المنزل ، والإمارة من جانب الإمام ، والمسجد الراتب (١) أولى من غيرهم ، وإن كان الغير أفضل ، والظاهر عدم الخلاف في ذلك ، وقال العلامة في المنتهي : إنّه لا يعرف فيه خلافاً (٢).

وتدلّ على ذلك رواية أبي عبيدة الاتية ، وفي معناها أيضاً روى الجمهور عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنها تدلّ على الأولين.

وأما المسجد ، فربّما يعلّل بأن تقديم الغير يورث وحشةً وتنافراً ، وبأنه مثل منزله.

ويمكن أن يقال : إنّ ذلك سلطنة لصاحب المسجد فيدخل في الرواية أيضاً ، وكلام الأصحاب في ذلك يكفي ؛ للتسامح في أدلّة السنن.

وحكم الشهيدان بأنّ الكراهة تنتفي لو كان بإذنهم ، لأنّ أولويتهم ليست مستندة إلى فضيلة ذاتية ، بل إلى سياسة أدبية (٣).

وقال صاحب المدارك : إنّه اجتهاد في مقابل النصّ (٤).

__________________

(١) يعني : صاحب المنزل ، وصاحب الإمارة من جانب الإمام ، وصاحب المسجد الراتب.

(٢) المنتهي ١ : ٣٧٤.

(٣) الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٧٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٦.

(٤) المدارك ٤ : ٣٥٦.

١٧٣

ويمكن أن يقال : إنّ الظاهر من النهي في الرواية هو النهي عن التقدّم في نفسه وأوّلاً ، وأما التقدّم بسبب تقديمهم إيّاه فلا يستفاد من النصّ ، فيبقى على أصله ، وليس بذلك البعيد.

ولعلّ سياق الرواية أيضاً يقتضي ذلك ، بأن تكون هي أيضاً من المرجّحات كالأقرئية والأفقهية وغيرهما ، فيكون الأمر كما ذكراه ، فتأمّل.

وعلى هذا فلا يتفرّع أثر على النزاع في أنّه هل الأفضل تقدّمهم أو الإذن للأفضل إلّا على ما ذكراه ، وحينئذٍ فالأظهر أفضليّة الإذن ؛ لما سيأتي من الأدلّة على أولويّة الأعلم وغيره مما لم يذكر ، وأما على ما ادّعوه من ظهور الرواية في الإطلاق فالأولى المباشرة.

ونقل عن جماعة من الأصحاب أنّ الأولوية لا تتوقّف على حضورهم ، بل يرسل إليهم لو كانوا غائبين ، فإن حضروا أو استنابوا فهو ، وإلّا فيقدّم المأمومون من يريدون مع خوف ضيق الوقت (١).

والظاهر أنّ المراد من صاحب المنزل : هو ساكنه ، ولو بالعارية ، فلو اجتمع المالك والمستأجر أو المستعير فالظاهر تقديمهما. ونقل عن الشهيد الثاني ترجيح المالك في الثاني (٢) ، وليس بواضح.

وأما الثلاثة فلم نقف على مرجح في أنفسهم لو اجتمعوا.

ثمّ نقل عن جماعة من الأصحاب أنّ الهاشمي أولى (٣). والظاهر أنّ مرادهم بعد الثلاثة المتقدّمة كما يظهر من غير واحدٍ من الأصحاب ، وكما يظهر من كلام العلامة في المنتهي في حكاية تقديم الثلاثة (٤).

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٦ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٥٧.

(٢) روض الجنان : ٣٦٦.

(٣) كالعلامة في النهاية : ١١٢ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٥٧.

(٤) المنتهي ١ : ٣٧٥.

١٧٤

وقال الشهيد في الذكرى (١) بعد أن اعترف بعدم النصّ عليه إلّا ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بطريق غير معلوم قدّموا قريشاً ولا تقدّموهم (٢) نعم فيه إكرام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ تقديمه لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبجيله مما لا خفاء في أولويته.

وقد يستدلّ عليه بأنّه أفضل ، وتقديم المفضول قبيح عقلاً (٣).

ثمّ لو تشاحّ الأئمّة ، فالمنسوب إلى أكثر الأصحاب تقدّم الأقرأ على الأفقه (٤) ، وتدلّ عليه رواية الجمهور عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّاً (٥).

وما رواه أبو عبيدة الحذّاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان ، فقال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يتقدّم القوم أقرؤهم للقران ، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً ، فإن كانوا في السنّ سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة وأفقههم في الدين ، ولا يتقدّمن أحدكم الرجل في منزله ، ولا صاحب سلطان في سلطانه» ؛ (٦).

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٠.

(٢) ترتيب مسند الشافعي ٢ : ١٩٤ ح ٦٩١ ، الجامع الكبير ١ : ٦٠٥ ، الجامع الصغير ٢ : ٢٥٣ ح ٦١٠٩ ، ٦١١٠ ، مجمع الزوائد ١٠ : ٢٥ ، الكامل لابن عدي ٥ : ١٨١٠.

(٣) كما في المنتهي ١ : ٣٧٥.

(٤) منهم المحقّق في الشرائع ١ : ١١٥ ، والمعتبر ٢ : ٤٣٩ ، والعلامة في القواعد ١ : ٣١٨ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ١٥٢ ، والشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٢١٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٦.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ح ٦٧٣ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ ح ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ح ٥٨٤ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٣ ح ٩٨٠ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٦ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٣ ، الوسائل ٥ : ٤١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

١٧٥

وتؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما : إنه سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراناً ، قال : «لا بأس به» (١).

والمراد بالأقرإ على ما نقل عن جماعة من الأصحاب هو الأجود قراءة وإتقاناً للحروف ، وأشدّ إخراجاً لها من مخارجها. وربّما يضمّ إلى ذلك الأعرفية بالأُصول المقرّرة بين القرّاء (٢).

وقيل : يحتمل إرادة أكثريّة قراءة القرآن ، أو أجوديّة طلاقة اللسان (٣).

ونقل العلامة في التذكرة قولاً بتقديم الأفقه على الأقرأ (٤) ، ومال إليه جماعة من متأخّري أصحابنا ، بل وقطع بعضهم بذلك (٥) ، وهو قوي ، لما رواه الصدوق مرسلاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال إمام القوم وافدهم ، فقدّموا أفضلكم (٦). والوافد : قاصد الأمير للزيارة أو الاسترفاد ونحوهما ، والإبل السابق للقطار (٧).

وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً إن سرّكم أن تزكّوا صلاتكم ، فقدّموا خياركم (٨).

وتدلّ عليه أيضاً الآيات والأخبار الكثيرة الدالّة على أفضليّة العالم وجلالة قدره ، وكونه بمنزلة الأنبياء ، وكونه وارثهم ، وأفضل من سبعين ألف عابد ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة (٩) ، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، بل الذين

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ٩٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٢٨ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ٢.

(٢) المسالك ١ : ٣١٦ ، روض الجنان : ٣٦٦.

(٣) البيان : ٢٣٣.

(٤) التذكرة ٤ : ٣٠٦.

(٥) كالعلامة في المختلف ٣ : ٦٦ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٥٩.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠٠ ، الوسائل ٥ : ٤١٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٦ ح ٢.

(٧) القاموس المحيط ١ : ٣٥٩ وفيه : للقطا ، بدل للقطار.

(٨) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠١ ، الوسائل ٥ : ٤١٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٦ ح ٣.

(٩) راجع البحار ١ : ١٦٢.

١٧٦

أُوتوا العلم منكم درجات (١).

وتؤيّده أيضاً حسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال ، قلت له : الصلاة خلف العبد ، فقال : «لا بأس به إذا كان فقيهاً ولم يكن هناك أفقه منه» قال ، قلت : أُصلي خلف الأعمى؟ قال نعم ، إذا كان من يسدّده ، وكان أفضلهم (٢).

وموثّقة سماعة قال : سألته عن المملوك يؤمّ الناس؟ فقال لا ، إلّا أن يكون هو أفقههم وأعلمهم (٣).

وروى الصدوق مرسلاً عن الصادقين عليهما‌السلام قالا لا بأس أن يؤمّ الأعمى إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة وأفقههم (٤).

وربما قيل بالتخيير (٥) ، ولعلّ نظره إلى الجمع بين الأخبار ، وتؤيّده هذه الرواية أيضاً.

وقد يجاب عن الروايتين بضعف السند (٦) ، واشتمال الثانية على خلاف المعروف بين الأصحاب ، وهو تقديم الأسن على الأعلم.

وقد توجّه رواية أبي عبيدة بأنّ المراد بالأقرإ هو المستلزم للفقه والعلم بأحكام القرآن ، وأنّ إطلاق القارئ على العارف بذلك كان شائعاً في الصدر الأوّل.

وقد يردّ ذلك بأنّه ينافي ذكر الأعلم بالسنّة عقيبه ، وأنّ العلم بمعاني القرآن لا يستلزم العلم بالسنّة ، فلا ينفع ذلك التوجيه.

__________________

(١) الزمر : ٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ١ ، وب ٢١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٣٠ ، الوسائل ٥ : ٤٠٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١٠٩ ، الوسائل ٥ : ٤١٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٢١ ح ٣.

(٥) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٦) وهما رواية الجمهور ورواية أبي عبيدة ، والأولى واردة من طرق العامّة ، والثانية في طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف ، وضعّفه النجاشي والشيخ وابن الغضائري ، وشهد أحمد بن محمّد عليه بالغلو والكذب ، وشهد ابن بابويه وابن نوح بضعفه ، ومع كلّ ذلك قال الشيخ إنّه ثقة ، انظر معجم رجال الحديث رقم ٥٦٢٩.

١٧٧

إلّا أن يقال : إنّ الدقائق المرموزة في القرآن مما ينتفع بها أهل التفكّر فيه ، ويتّعظ بها المذكرون كثيراً ما ينفكّ عنها العالم بالسنّة ، بل الأعلم بها ، إذ الظاهر من العلم بالسنّة هو العلم بالفروع الشرعيّة مما يحتاج إليها في الصلاة وغيرها.

فحينئذٍ المفروض أنّ الإمام لا بدّ من كونه عالماً بأحكام صلاته بأيّ نحو كان ، اجتهاداً أو تقليداً ، وهذا يكفيه. وأما مرتبة التدبّر بالآيات والتذكّر بها والتقرّب بذلك إلى جناب الباري جلّ اسمه لعلّها مرتبة يزيد فضلها على هذا القدر من المزيّة في العلم.

وتؤيّده الأخبار الكثيرة الواردة في قراءة القرآن ولزوم التدبّر فيه (١) ، وأن لا يكون همّ أحدكم آخر السورة ، بل أن تفزعوا قلوبكم القاسية ، فيكون المراد بالأقرإ هو ذلك ، إلّا أنّه لم يعهد هذا القول من الأصحاب.

فحينئذٍ الخبر الظاهر الدلالة على مطلوبهم هو الرواية العاميّة ، ولعلّ ضعفها منجبر بعملهم ، سيّما مع كونها من أدلّة السنن.

ثمّ المشهور بين المتأخّرين أنّه يقدّم بعد الأفقه الأقدم هجرة (٢) ، وهو المنقول عن الشيخ في النهاية (٣) ، وله قول بتقديم الأشرف بعد الأفقه على الأقدم هجرة (٤) ، والدليل على ذلك هو الرواية العاميّة (٥).

والمراد بالأقدم هجرة على ما ذكره في التذكرة سبق الإسلام ، أو من كان سبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته (٦) ، وقد مرّ سابقاً ما ينفعك تذكّره.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٨٢٨ أبواب قراءة القرآن ب ٣ ، وص ٨٥٦ ب ٢١.

(٢) كالعلامة في التذكرة ٤ : ٣٠٨ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٦٠.

(٣) النهاية : ١١١.

(٤) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٥) المتقدّمة في ص ١٧٥.

(٦) التذكرة ٤ : ٣٠٨ مسألة ٥٨٣.

١٧٨

ثمّ يقدّم الأسن ، وظاهر جماعة أنّ المراد : علوّ السن في الإسلام (١) ، وهو خلاف ظاهر النصّ ، والدليل على ذينك أيضاً الرواية العاميّة.

ثمّ يقدّم الأصبح وجهاً ، ذكره ابنا بابويه (٢) والشيخ (٣) وسلّار (٤) وابن البرّاج (٥) والفاضلان (٦) ، ونقل عن المرتضى (٧) وابن إدريس (٨) أنّه قد روي إذا تساووا فأصبحهم وجهاً.

وفسّر مرةً بأحسن صورة (٩) ، ومرة بأحسن ذكراً بين الناس (١٠).

وقال العلامة في التذكرة : فإن استووا في ذلك كلّه قدّم أشرفهم ، أي أعلاهم نسباً ، وأفضلهم في نفسه ، فإن استووا في هذه الخصال قدّم أتقاهم وأورعهم ، لأنّه أشرف في الدين ، وأقرب إلى الإجابة. وربما رجّحه بعضهم على الأوّل (١١).

ثمّ قال : فإن استووا في ذلك كلّه فالأقرب القرعة ، ثمّ قال : وهذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ، ولا إيجاب ، فلو قدّم المفضول جاز ولا نعلم فيه خلافاً (١٢).

__________________

(١) منهم الشهيد في الذكرى : ٢٧١ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٦٠.

(٢) نقله عن عليّ بن بابويه في المختلف ٣ : ٦٩ ، الفقيه ١ : ٣٧٧ ذ. ح ١٠٩٩.

(٣) النهاية : ١١١.

(٤) المراسم : ٧٨.

(٥) المهذّب ١ : ٨١.

(٦) المحقّق في الشرائع ١ : ١١٥ ، والعلامة في نهاية الأحكام ٢ : ١٥٤ ، والمنتهى ١ : ٣٧٥.

(٧) الجمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٤٠.

(٨) السرائر ١ : ٢٨٢.

(٩) كما في المدارك ٤ : ٣٦٠.

(١٠) حكاه في التذكرة ٤ : ٣١٠ عن آخرين وارتضاه ، وانظر المهذّب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، والمجموع ٤ : ٢٨٤ ، وفتح العزيز ٤ : ٣٣٥ ، وحلية العلماء ٢ : ١٧٨.

(١١) المرجّح هو العلامة في التذكرة ٤ : ٣١١ قال ، والأقوى عندي تقديم هذا على الأشرف لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا.

(١٢) التذكرة ٤ : ٣١١.

١٧٩

هذا كلّه إذا اختلف المأمومون ولم يتفقوا على شي‌ء ، وهذا مذهب الأكثر.

وقال العلامة في التذكرة : إنّه يقدّم اختيار الأكثر ، فإذا تساووا طلب الترجيح (١) ، وهو خلاف ما اقتضاه النصّ ، وأما لو اتفق المأمومون على واحد فهو أولى ، لما فيه من اجتماع القلوب ، وحصول الإقبال المطلوب.

وكذا إن كرهه الجميع ، ولا يتقدّم حينئذٍ ، لقوله عليه‌السلام ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ، أحدهم من تقدّم قوماً وهم له كارهون (٢) وكذا قيل (٣).

وقال العلامة في التذكرة : والأقرب إنّه إذا كان ذا دين فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته ، والإثم على من كرهه ، وإلّا كرهت (٤). واستحسنه بعض المتأخّرين أيضاً (٥) ، وهو في محلّه.

ثمّ اعلم أنّ ما ورد من الأخبار في تلك المرجّحات كرواية أبي عبيدة (٦) إنّما يفيد الترجيح على العموم ، لأن العبرة بعموم اللفظ ، والسؤال غير مخصّص للحكم على الأصحّ.

ولا يخفى أنّ المرجّحات الثلاثة التي ذكرناها أوّلاً أيضاً منساقة مساق باقي المرجّحات ، وظاهرها العموم.

ولكن جماعة من أصحابنا قد أطلقوا الحكم أوّلاً بأولوية الثلاثة الأُول (٧). ثمّ

__________________

(١) التذكرة ٤ : ٣٠٦ مسألة ٥٨١.

(٢) هذا مضمون ما ورد في الكافي ٥ : ٥٠٧ ح ٥ ، وأمالي الطوسي ١ : ١٩٦ ، والوسائل ٥ : ٤١٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٧ ح ٦.

(٣) المدارك ٤ : ٣٧٠.

(٤) التذكرة ٤ : ٣٠٥.

(٥) كصاحب المدارك ٤ : ٣٧٠.

(٦) المتقدّمة في ص ١٧٥ ، وهي في الكافي ٣ : ٣٧٦ ح ٥ ، والتهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٣ ، والوسائل ٥ : ٤١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

(٧) كالمحقّق في الشرائع ١ : ١١٥ ، والعلامة في التذكرة ٤ : ٣٠٦.

١٨٠