بلغة الفقيّة - ج ٤

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤١

وبإسناده عن زرارة ومحمد بن مسلم وبكير وفضيل بن يسار عن أحدهما (ع) : «ان الرجل إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه ، فان كانوا اثنين فهو لأكبرهما» (١).

وبإسناده عن شعيب العقرقوفي قال : «سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يموت : ماله من متاع بيته؟ قال : السيف ، وقال : الميت إذا مات فان لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده» (٢).

وبإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال : «كم من إنسان له حق لا يعلم به ، قلت : وما ذاك أصلحك الله؟ قال : إن صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به ، أما انه لم يكن بذهب ولا فضة ، قلت :

وما كان؟ قال : كان علما ، قلت : فأيهما أحق به؟ قال الكبير كذلك نقول نحن» (٣).

وبإسناد عن علي بن ساباط عن أبي الحسن الرضا (ع) «قال سمعناه ـ وذكر كنز اليتيمين ـ فقال : كان لوحا من ذهب ـ الى ان قال ـ فقال حسين بن أسباط : فإلى من صار؟ الى أكبرهما؟ قال : نعم» (٤) وبإسناده عن سماعة قال : «سألته عن الرجل يموت ماله من متاع البيت؟ قال : السيف والسلاح والرحل وثياب جلدة» (٥).

إذا عرفت ذلك فنقول : أجمعت الإمامية على مشروعية الحبوة حتى عدّ ذلك من متفرداتهم (٦).

__________________

(١) راجع كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (١).

(٢) راجع كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (٢).

(٣) راجع كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (٣).

(٤) راجع كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (٤).

(٥) راجع كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (٥).

(٦) قال السيد المرتضى ـ قدس سره ـ في (الانتصار) : مسائل المواريث والفرائض والوصايا ـ : «مسألة ـ ومما انفردت به الإمامية : القول بأن الولد الذكر الأكبر يفضل دون سائر الورثة بسيف أبيه ـ

٣٠١

وإن وقع الخلاف بينهم : في أن الإحباء له : هل هو على جهة الوجوب ، أو الاستحباب؟.

والأقوى هو الأول ، وعليه المشهور ، بل الإجماع عليه محكي في (السرائر) حيث قال ـ بعد ذكر القولين مقدما للقول بالوجوب ما لفظه ـ : «والأول من الأقوال هو الظاهر المجمع عليه عند أصحابنا المعمول به ، وفتاويهم في عصرنا هذا ـ وهو سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ـ عليه بلا خلاف بينهم في ذلك» (١) وهو الحجة ، سيّما بعد اعتضاده بما عرفت. مضافا الى ظهور النصوص المتقدمة في ذلك بمعونة اللام التي هي ـ وان كانت للاختصاص على الأقرب ـ إلا أن مراتبه مختلفة في الشدة والضعف بحسب الموارد مفيدا للملك ـ مرة ـ وللحق ـ أخرى ـ كحق الخيار وحق الشفعة ونحوهما ـ وثالثة ـ للخصوصية الحاصلة من مجرد الإضافة ومحض الانتساب كالقميص للعبد والسرج للفرس. لكن من المعلوم أن مفادها في المقام وأمثاله من الأقارير والوصايا والنذور والجعالات والسهام الموروثة ، انما هو الملك.

ولذا لا يتوقفون في الحكم به لهم ، وليس إلا لظهور اللام في ذلك. ومن الواضح ان ذلك ثابت للولد الأكبر بنحو التنجيز عند موت أبيه ، فيكون تمكين الورثة له من ذلك مسببا عن الحق الثابت ، لا أنه سبب لإحداث

__________________

ـ وخاتمه ومصحفه ، وباقي الفقهاء يخالف في ذلك».

(١) وقبل هذه الجملة ـ كما في كتاب الفرائض آخر فصل «وإذا انفرد الولد من الأبوين وأحد الزوجين» قوله : «ويخص الولد الأكبر من الذكور ـ إذا لم يكن سفيها فاسد الرأي ـ بسيف أبيه ومصحفه وخاتمه وثياب جلدة إذا كان هناك تركة سوى ذلك ـ الى قوله ـ : وذهب بعض أصحابنا الى أن ذلك يستحب تخصيصه به ، دون أن يكون ذلك مستحقا له على جهة الوجوب ..».

٣٠٢

حق له حتى يجتمع مع القول بالاستحباب الذي مرجعه الى محض التكليف دون حكم الوضع ، إذ لا حق له حينئذ قبل الإحباء ، وهو مناف لتنجيز الحق المستفاد من الأخبار بمعونة اللام ، فلا يتم ذلك إلا على نحو الوجوب خلافا للمحكي عن الإسكافي وأبي الصلاح في (الكافي) والمرتضى في (الانتصار) وأبي المكارم في (الغنية) والطوسي في (الرسالة النصيرية) فنسب إليهم الاستحباب ، واختاره العلامة في (المختلف) والفاضل الهندي في (الكشف) والسبزواري في (الكفاية) ومال إليه في (الإيضاح) والمسالك.

قلت : في نسبة الاستحباب الى بعضهم تأمل ، حيث أن عباراتهم المنقولة عنهم ليست صريحة ، بل لعله ولا ظاهرة فيه ، حيث قال في (الكافي) : «ومن السنة أن يحبى الأكبر من ولد المورث» إلخ ، إذ لعل مراده المستفاد من السنة أى الاخبار ، دون الكتاب ، وقال في (الانتصار):

«ومما انفردت به الإمامية القول بأن الولد الأكبر يفضل دون سائر الورثة بسيف أبيه وخاتمه ومصحفه وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك» ، والتفضيل أعم ، والانفراد انما هو في المشروعية في مقابل العامة المنكرين لها نعم عبارة الإسكافي المحكية عن كتابه (الأحمدي) صريحة في الاستحباب حيث قال : «ويستحب أن يؤثر الولد الأكبر إذا كان ذكرا بالسيف وآلة السلاح والمصحف والخاتم وثياب الأب التي كانت لجسده بقيمة ، وليس ذلك عندي بواجب إذا تشاجروا عليه». وكذا عبارة (الغنية) بل فيها : دعوى الإجماع عليه ، قال : «ويستحب أن يخص الأكبر من الولد الذكور بسيف أبيه ومصحفه وخاتمه وثياب جلدة إذا كان هناك تركة سوى ذلك بدليل إجماع الطائفة».

وكيف كان فلا أرى للاستحباب مستندا إلا أحد أمرين :

٣٠٣

أحدهما ـ الجمع بين عمومات الإرث الدالة على استحقاق الورثة في جميع التركة حتى التي يحبى بها ، وما عليه اتفاق الأصحاب من مشروعية الإحباء ـ بالحمل على الاستحباب الذي يجتمع مع عموم الكتاب ، بخلاف الوجوب الذي يلزم منه تخصيصه بعد طرح هذه الأخبار ، لكونها آحادا بناء على طريقتهم : من عدم العمل بها : إما مطلقا أو حيث يعارض عموم الكتاب لعدم تخصيصه بها ، وان جاز العمل بها مع عدمه.

(والثاني) الأصل مع عدم دلالة الأخبار على الوجوب لعدم ظهور اللام في الملك أو الحق ، بل غايته الاختصاص الذي يجتمع مع الندب بإرادة أن من يخصص ويؤثر بملك الأعيان ـ وان لم يجب أصل التخصيص ـ هو الولد الأكبر.

مؤيدا ـ كما قيل ـ : باختلاف الأخبار في أعيان الحبوة بالزيادة والنقيصة المنافي للوجوب دون الندب الذي يتسامح في أدلته ، نحو الاختلاف في منزوجات البئر ، وبحسنة حريز المتقدمة ، بناء على ظهورها في أن هلاك الأكبر بعد هلاك أبيه ، ومقتضاه على الوجوب كونها موروثة لورثته دون الأكبر من ولد أبيه ، الذي لا يتم إلا على الندب ، فيكون المعنى حينئذ :

إذا هلك الأكبر لا يسقط الاستحباب ، بل يعطى للأكبر الموجود من ولد الرجل.

ويضعّف الأول بحجية أخبار الآحاد وجواز تخصيص الكتاب بها على الأقوى ـ كما قرر في محله ـ سيما مع عمل جلّ الأصحاب بها.

(والثاني) بما عرفت : من اقتضاء الاختصاص المنجز عند موت المورث الوجوب دون الندب الذي يتوقف على رضاء الورثة (ودعوى) إرادة اختصاص الأعيان بالأكبر المستفاد من اللام بمعنى كون الأكبر موردا لهذه الخصوصية التي هي الحكم بندب الإيثار الذي موضوعه تلك الأعيان

٣٠٤

وبهذه الملاحظة اتصف بالاختصاص به ، فاختصاص الأكبر نظير مرتبة «ملك أن يملك» من مراتب الملك ، وهذا القدر من الخصوصية ثابت له بمجرد الموت قبل الإحياء «موهونة» جدا ، والأصل مقطوع بالنصوص وإجماع (الغنية) موهون بما عرفت ، إن أريد به الإجماع على الندب.

ويضعف التأييد الأول (١) أولا بأن الاختلاف المحمول على الندب للتسامح في دليله إنما هو حيث لا يعارض بما يدلّ على المنع ، ولو بنحو العموم ، كما في المقام من عمومات أدلة الإرث ، مع عموم حرمة التصرف في مال الغير ، خصوصا مع وجود صغير في الورثة ، فندب الإحباء يشمله لكونه استحبابا ماليا كزكاة مال الطفل يباشر إخراجها الولي ، فلا يصلح له من الدليل إلا حجة قاطعة ، ومتى وجد كذلك صلح لإثبات الوجوب أيضا وثانيا بلزوم علاج الاختلاف على كل من القولين لأن القائلين بالندب جلّهم ـ بل كلهم كما قيل ـ اقتصروا على أربعة منها ، عدا الإسكافي فأضاف إليها آلة السلاح الشاملة للسيف وغيره.

ويضعّف التأييد بالثاني : بأن المراد من قوله في الحسنة «فإن حدث به حدث» هلاك الولد قبل هلاك أبيه دفعا لتوهم سقوط الحبوة بموت من كان أكبر ولده لانتفاء موضوعها. كيف ولو كان هلاكه بعد هلاك أبيه كانت الحبوة كلها على القول بالوجوب أو ما يخصه منها بالإرث على الندب موروثا لولده دون الأكبر من ولد أبيه.

(الموضع الثاني) : المشهور شهرة عظيمة على كون الاستحقاق مجانا لا بعوض ، بل نسبه ثاني الشهدين في (رسالته) الى عامة المتأخرين بل هو مندرج فيما ادعى عليه الإجماع في (السرائر) وهو الحجة

__________________

(١) وهو اختلاف الأخبار في أعيان الحبوة بالزيادة والنقيصة.

٣٠٥

سيما مع اعتضاده بالشهرة ـ بقسميها (١) مضافا الى الأصل ، وظواهر النصوص المتقدمة في عدم اعتبار القيمة ، إذ لو كان مشروطا بها لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، خلافا للمرتضى والإسكافي.

واحتج السيد بما يرجع ملخصه الى الجمع المتقدم بين عمومات الكتاب وعدم المخالفة لما عليه الأصحاب ، وفي (المختلف) ـ بعد ذكر قول السيد ودليله ـ نفى عنه البأس ، وأيده بلزوم الإجحاف على الورثة لو عمل بما دلت عليه الاخبار. ونفى عنه البأس أيضا الأردبيلي في (المجمع) واختاره كاشف اللثام ، وصاحب الكفاية ، وظاهر (الروضة) (والمسالك): التوقف.

قلت : ما اختاره (السيد) حسن على طريقة من لم يعمل بأخبار الآحاد. لكن يبقى عليه أن الجمع يحصل بمجرد الحمل على الاستحباب من غير توقف على الاحتساب ، ومرجعه الى محض ندب الإيثار الذي لا يلزم منه تخصيص الكتاب ، ولا مخالفة اتفاق الأصحاب ، بعد أن كان الاتفاق على أصل المشروعية.

وحينئذ فاللازم على طريقة من لا يعوّل على أخبار الآحاد : إما القول بالاستحباب مجانا ، أو القول بالوجوب والاحتساب. وأما من يرى حجيتها وجواز تخصيص الكتاب بها ، فلا وجه للعدول عما تقتضيه ظواهرها :

من كونها له مجانا كالعلامة في (المختلف) ومن قواه ممن عرفت. والإجحاف بالأربعة ـ التي لا نقول بأزيد منها ـ مع أنه غير متحقق في الغالب لا يضر مع قيام الدليل عليه.

ثم إن هاهنا فروعا مبنية على القول بالاحتساب ، سواء قلنا بالوجوب

__________________

(١) أي الشهرة الفتوائية ، والشهرة الروائية.

٣٠٦

أو الاستحباب :

(منها) ان المدار هل هو على القيمة عند الموت أو عند الدفع؟ لا إشكال في أن العبرة بها عند الاحتساب ـ على القول بالاستحباب لأنه زمان انتقال الحبوة الى المحبو ، وقبله ملك الورثة ، وان استحب له الإيثار. وأما على القول بالوجوب فالأقرب اعتبار القيمة عند الموت ، لأنه زمان انتقالها الى المحبو ، وان كانت معوضة بما يقابلها من التركة ، وان قلنا بتزلزل الملك الى الاحتساب ، لأن التعويض ثابت أيضا من حين الملك لا من حين الاستقرار. وأما على ما هو الأقرب : ـ من استقرار الملك من حين الموت معوضا بالقيمة قهرا كما هو مفاد ظواهر النصوص التي لا ينافيها صدق الحبوة عليها لامتيازه باختصاصه بمختصات آبية وهذا القدر كاف في الصدق ـ فلا إشكال في أن العبرة بقيمتها عند الموت.

ومنه يظهر لك ضعف ما وجه به الاحتمال الآخر : من أنه ليس تملكا قهريا بمجرد الموت ، بل هو منوط باختيار المحبو ، فالعبرة بزمانه لان ثبوت الاختيار خلاف ظواهر الأخبار.

(ومنها) ان العوض هل يختص دفعه من نصيبه من باقي التركة أم هو دين في ذمته غير متعين في مال مخصوص؟ نسب الأول في (السرائر) الى بعض الأصحاب ، وظاهره نسبة ذلك الى أهل القول باعتبار القيمة واختاره عمنا الأستاذ (١) في (رسالة الحبوة من ملحقات برهانه) وأطنب في تقوية ذلك بما يرجع ملخّصه الى : أن الاحتساب من نصيبه أدخل بالإرث من المال الأجنبي بعد أن كان اعتبار القيمة للجمع بين العمل

__________________

(١) يقصد : الحجة المحقق السيد علي بن الرضا بن السيد بحر العلوم ـ قدس سره ـ صاحب (البرهان القاطع في شرح المختصر النافع) المولود سنة ١٢٢٤ والمتوفى سنة ١٢٩٨ ه‍ ـ والرسالة المشار إليها لا زالت من نفائس المخطوطات

٣٠٧

بعمومات الإرث وعدم مخالفة الأصحاب ، أو بينها وبين النصوص بناء على اعتبارها ، مؤيدا بإشعار لفظ الاحتساب في كلامهم بذلك.

والأقرب هو الثاني ، لعدم الدليل على اختصاص القيمة بما يرثه من التركة ، بل الأصل يقتضي العدم ، ومجرد الأدخلية لا يصلح دليلا على التعيين بعد أن كان الجمع حاصلا باستحقاقه قيمة ما ورثه من الحبوة.

(ومنها) قد عرفت أن الأقرب تملك الحبوة معوضا بالقيمة قهرا من غير توقف على اختيار المحبو ، خلافا لما في (ملحقات البرهان) : من اختيار الثاني ، مستدلا فيه بأمور لا تصلح لان تكون دليلا على مدّعاه ، تركناها خوف الإطالة.

وكيف كان ، فعلى القول بكون المعاوضة قهرية : لو تلفت الحبوة قبل قبض المحبو بلا تفريط منه سقطت القيمة بناء على بطلان المعاوضة لو تلف قبل تسليم العوضين ، نظير تلف المبيع قبل قبضه ، ان قلنا بكون الضمان بالمسمى هناك على القاعدة ، وإلا فاللازم هنا غرامة القيمة لحصول التملك بالعوض بمجرد الموت مع احتمال أن يقال بالغرامة هنا ، وان قلنا يكون الضمان بالمسمى في تلك المسألة على القاعدة بدعوى اختصاص تلك القاعدة بالمعاوضات الاختيارية دون القهرية.

وعلى القول بكونها منوطة باختيار المحبو ، فلا غرامة عليه منها لبدل التالف قبل الاختيار.

ثم على كل من القولين ليس له التصرف في الحبوة قبل دفع القيمة إلى مستحقها لاشتراك الجميع في إرث مالية الحبوة وان اختص المحبو بأشخاص أعيانها فهو كإرث الزوجة مطلقا ، أو غير ذات الولد : من قيمة عمارة الرباع دون عرصتها على ما قويناه في محله.

(ومنها) : ان اختيار المحبو بناء على التوقف عليه ـ هل هو

٣٠٨

على الفور كحق الشفعة للشريك لمساواته له في المقتضى للفورية ، ويعد من العذر هنا ما يعدّ هناك من العذر في بعض صور التأخير كعدم العلم بالحقية أو الفورية وعدم التمكن من الأخذ به لضرورة فيه من غيبة وحبس وإغماء الى غير ذلك ، أم هو على التراخي ما لم يستلزم الإبطاء ضررا على الورثة؟ وجهان : ولعل الثاني هو الأقرب ، للأصل.

(ومنها) بناء على تعلّق استيفاء القيمة بنصيب المحبو من التركة دون المال الأجنبي : لو نقص نصيبه منها عمّا يلزمه من القيمة ، فهل يختص مع ذلك أيضا بتمام أعيان الحبوة مجانا ، أم بمال خارجي في ذمته ، أم يكمل به ، أم يبطل اختصاصه بها أصلا لعدم وجود العوض ، أم يبطل في القدر الزائد على نصيبه الموجود في الباقي لعدم العوض ويصح فيما يفي به نصيبه لعدم المانع منه لوجود عوضه؟ احتمالات : أقربها الأخير ، ويتلوه في القرب الاحتمال الثالث. ثم على الأخير : هل تعيين ما يصح فيه الحبوة للمحبو أو للورثة ، أو يفصل بين ما إذا وجد في أعيانها ما يساوي قيمته نصيبه فهو المتعين؟ وجوه :

هذا والتعرض لبقية فروع المسألة تطويل ، لا حاجة إليه ، سيما بناء على ما اخترناه من الانتقال اليه مجانا.

(الموضع الثالث في المحبو) وهو الولد الذكر ، وان كان الانتساب اليه بوطء الشبهة ، لشمول إطلاق النصوص له بعد صدق الولد شرعا عليه ، بخلاف المتولد من الزنا لعدم اللحوق به شرعا وان كان ولده لغة فلا حبوة للأنثى لعدم الدليل عليه ، بل الدليل على عدمه : من الأصل والإجماع على اشتراط الذكورة.

فإن كان الولد واحدا كانت الحبوة له وان متعددا فللأكبر ولا يعطي ذكر الأكبر في النصوص الاختصاص بالمتعدد لمكان ظهور التفضيل في المشاركة لعدم

٣٠٩

الخلاف ـ كما قيل ـ في احباء المنفرد بل صرح به غير واحد ، وحكى في (مفتاح الكرامة) عن المبسوط سقوط الحكم مع الانفراد حيث قال : «وأما إذا كان واحدا ففي المبسوط : سقط هذا الحكم ، وفي المجمع : إنه يحبى».

وهو منه عجيب ، إذ توهم ذلك من عبارة فيه وهي قوله : «فان كانوا جماعة في سن واحد اشتركوا فيه ، وان كان لم يخلف غير ذلك يسقط هذا الحكم» وهو كما ترى ، إذ مراده سقوط حكم الحبوة ان لم يخلف غير أعيانها كما هو قول جماعة ، ولإطلاق مصححة العقرقوفي وصريح موثقة الفضلاء ، ومرسلة ابن أذينة ـ المتقدمة ـ مع أن اعتبار وجود المفضل عليه في أفعل التفضيل أكثري لا كلي ، بل لا يبعد دعوى سوق الأخبار المصرحة بلفظ الأكبر لبيان الاختصاص به ، مع التعدد لا الاشتراك مع الأصغر وحينئذ فالأكبر يراد منه من لا أكبر منه ، كما أن المراد منه ، الأكبرية في السن وإن بلغ الأصغر قبله ، لأنه المتبادر من الأكبر عرفا. فلا يتوهم تقديم البالغ المكلف نظرا الى حكمة مقابلة الحبوة بقضاء الأكبر ما فات أباه من الصلوات ، مع كونها حكمة ولذا يحبى ، وان لم يكن على أبيه قضاء. ولو ولدا توأمين فالأكبر ـ عرفا ـ هو الخارج أولا ، دون الأخير ، وأن الفصل ـ أولا ـ من صلب أبيه وان نص عليه فيما روي «أن أبا عبد الله (ع) هنأ من أصحابه رجلا بولدين ولدا له توأم ، ثم قال له : أيهما أكبر؟ فقال الرجل : الذي خرج أولا ، فقال أبو عبد الله (ع) الذي خرج أخرا هو أكبر ، أما تعلم أنها حملت بذلك ـ أولا ـ وأن هذا دخل على ذلك فلم يمكنه أن يخرج حتى يخرج هذا ، فالذي خرج أخرا هو أكبر» (١)

__________________

(١) الوسائل : كتاب النكاح ، باب ٩٩ من أبواب أحكام الأولاد حديث (١).

٣١٠

لشذوذ الرواية ـ كما قيل ـ وإمكان معارضتها بما عن (الفقيه) عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : «أكبر ما يكون الإنسان يوم ولد وأصغر ما يكون يوم يموت» بدعوى ظهوره في كون مناط الأكبرية على الولادة دون الحمل ، وان قيل باشتراكهما في الأكبرية لعدم الاعتداد بمثل هذا التفاوت فلا يقدح في صدق التساوي عرفا.

إلا أن المنع عن الصدق عرفا في حيّز المنع ، مع كون الأول متيقن الاستحقاق والأخير مشكوك ، والاشتراك فرع إحراز التساوي لو قلنا به فيه.

وبما ذكرنا يعرف الأكبر من اللذين ولد أحدهما لأقل الحمل والآخر لأكثره ـ مثلا ـ بعد ما عرفت من كون المدار عرفا على الولادة دون سبق الحمل.

ولو اتحد زمان ولادتهما تحقيقا كما إذا كانا من زوجتين ، ففي سقوط الحبوة أو الاشتراك فيها؟ قولان.

صرح بالأول ابن حمزة في (الوسيلة) حيث اشترط في الحبوة أمورا عدمية فقد آخر في سنه ، وهو صريح في سقوطها مع وجود المساوي. ولعل نظره الى انفراد لفظ الابن والأكبر في الاخبار المستفاد منه اشتراط الوحدة في أصل الاستحقاق ، والأكبرية مع التعدد معينة للواحد المستحق. وحينئذ فمع التساوي يسقط الحكم لأن الاشتراك ينافي اعتبار الوحدة في المستحق ، ولا مرجح لأحدهما على الآخر ، والحكم مخالف للأصل ، والعمومات ، فليقتصر على المتيقن في الخروج عنهما ، وهو المفرد والأكبر في المتعدد.

(والثاني) هو مختار المبسوط والجامع والإيضاح والمهذب والدروس والتنقيح وغاية المرام والكفاية ـ على ما حكى عن بعضهم ـ بل عن (غاية المرام) : إنه المشهور. وفي (الكفاية) : انه الأشهر ، بل في (ملحقات

٣١١

البرهان) : ان شهرته شهرة عظيمة مقاربة للإجماع.

وهو الأقوى لمنع اعتبار الوحدة في المستحق لان الأفراد في المقام أفراد الجنس الشامل للواحد والمتعدد ، وان اختص بها الأكبر في الأخير ، فيكون حاصل مفاد النصوص : أن الحبوة للابن مطلقا إلا مع التعدد والاختلاف في السن ، فهي للأكبر ، فظهر لك بذلك ضعف القول الأول ومستنده وحينئذ فالمراد بالأكبر من لا أكبر منه ، وعليه فيحكم بالاشتراك في خصوص ما لو علم التساوي لأن كلا منهما يصدق عليه أنه لا أكبر منه فاشتركا في السبب الذي هو مناط استحقاقها في صورة التعدد بعد تفسير الأكبر بمن لا أكبر منه.

وأما لو احتمل التساوي واكبرية كل منهما من الآخر ، ففي سقوط الحبوة للأصل بناء على أن الاختصاص بواحد أو الاشتراك مرتبان على إحراز الأكبرية أو التساوي ، وليس في المقام أصل موضوعي يشخص أحدهما أو القرعة للعلم بوجود المستحق والشك في قدر الاستحقاق؟ وجهان :

والثاني هو الأقرب. وعليه : فاما أن تضرب قرعة واحدة بأن يكتب التساوي وأكبرية كل منهما بخصوصه في ضمن ثلاث رقعات ، فالمستخرج هو المتعين أو تضرب مرة بين التساوي والأكبرية ـ وأخرى ـ لتعيين الأكبر على الثاني وأما لو علم أن أحدهما المعين لا أكبر منه ، وشك في الآخر : أنه مساو له أو أصغر ، فالأقرب اختصاصها به لأنه المتيقن في صدق العنوان عليه وغيره مشكوك.

نعم لو علمت الأكبرية وشك في الأكبر ، فلا محيص عن التعيين بالقرعة.

وأما الخنثى المشكل فلا إشكال في سقوط الحبوة له سواء قلنا بكونها طبيعة ثالثة أو مرددة بين الطبيعتين. أما على الأول فواضح ، وأما على

٣١٢

الثاني ، فلأن الشك في الشرط شك في المشروط ، والأصل عدمه.

وقيل يحبى النصف كما يرث نصف النصيبين ، لأنها إرث أيضا.

وفيه : انه قياس مع الفارق ، للنص هناك المفقود في المقام إذ لولاه لكان اللازم بعد التحري القرعة ـ كما هو قول ـ ولذا يجب التحري ـ أولا ـ هناك ، ولا يجب هنا ، وليس إلا لدوران موضوع الإرث في غير الحبوة بين العنوانين المتباينين : الذكر والأنثى ، وفيها مرتب على موضوع واحد وهو الذكر ، ويكفي في نفيه الشك في موضوعه.

وهذه الشروط : من الولديّة ، والذكورية ، والأكبريّة وفاقية ،

وهناك أمور اختلفوا في اعتبارها في المحبو.

(منها) هل يعتبر انفصاله حيا عند موت أبيه فلا حبوة للحمل مطلقا. أو لا يعتبر فيحبى مطلقا كغيرها من الميراث ، أو يفصّل في الجنين بين كونه تاما ، وقبله ، فيحبى في الأول دون الثاني؟ وجوه ، بل أقول :

مستند الأول : عدم صدق ولد ذكر عرفا حال الحاجة الى تحقق صدقه ، وهو زمان موت أبيه ، لأنه زمان استحقاقه ، ولأن إفراز الحبوة ذلك الوقت إن حكم بها له كان حكما غير مطابق للواقع ، إذ ليس هناك مذكر ، وان حكم بها للورثة استصحب الحكم وعمل بأصالة عدم المزيل إلى أن يتحقق ، وان انتفى الأمران لزم بقاء المال بغير مالك.

وفيه : ان الدليل أخص من المدّعى ، إذ غاية مفاده ـ لو سلم ـ عدم استحقاقه قبل وجوده عند الموت في نفس الأمر كما لو كان علقة أو مضغة ، لا عدم استحقاقه قبل انفصاله ، الذي ، والمدعى ، والافراز له في ذلك الوقت مراعى بتحقق الذكورية كإفراز نصيب الذكر.

ومستند الثاني : استحقاق الحمل مطلقا ولو كان علقة الإرث نصيب الذكر ان تحققت الذكورية فالذكورية المتأخرة كاشفة عن تملكه نصيب الذكر من أول

٣١٣

الأمر ، وليس ذلك إلا لكفاية تعقب الذكورية في إرث النصيب والحبوة إرث المذكر ، فيجري فيها ما يجري في نصيبه من سائر التركة.

ومستند الثالث : أن الذكورية ـ التي هي موضوع حكم الحبوة ـ إنما تلحق في الواقع عند تمام الخلقة ، الظاهر في كونه عند انتهاء أربعة أشهر ، لصحيحة زرارة «إذا وقعت النطفة في الرحم استقربت فيها أربعين يوما ، وتكون علقة أربعين يوما ، وتكون مضغة أربعين يوما ، ثم يبعث الله ملكين خلّاقين فيقال لهما : اخلقا كما يريد الله ذكرا كان أو أنثى» وقبله لا مذكر في الواقع حتى يمتاز باختصاص الحبوة به.

لا يقال : هذا بعينه وارد في إرث الحمل نصيب الذكر قبل تمام خلقته وتملكه له قبل لحوق عنوان الذكوريّة به ، ولذا يفرز له حصة الذّكر وان كان علقة فيكشف عن كون لحوق عنوان الذكورية كافيا في استحقاق نصيب الذكر قبله ، فليكن في الحبوة كذلك ، لاتحاد موضوعهما الذي هو الولد الذكر.

لوضوح الفرق ـ بعد الإجماع الفارق بين الموردين ـ بأن الحمل يرث من حيث هو لصدق الولد عليه قبل كونه ذكرا أو أنثى أو خنثى ، ولكل من الأصناف الثلاثة نصيب مقدّر يستحقه بذلك الإرث لا بسبب آخر ، ومقتضى الجمع هو إرث الولد المعقب بالذكورية نصيب الذكر ، والمعقب بالأنوثية نصيب الأنثى ، نظير الإجازة في الفضولي ـ بناء على كونها كاشفة عن الملك من حين العقد ـ فالذكورية والأنوثية شرطان لمقدار النصيبين من التركة ، لا لأصل الإرث منها. والذكوريّة في الحبوة شرط لأصل الإرث ، لا لمقداره ، فلا موجب لجعل المحبو الولد المعقب بالذكوريّة بعد أن كان موضوعه ـ عند موت أبيه ـ هو المذكّر الغير المتحقق قبل تمام الخلقة ، وليس موضوع الإرث عند موت الموروث إلا

٣١٤

وجود حمل ، لا وجود مذكر ، وان كان الحمل الذي هو موضوع الإرث معقبا بأحد العناوين.

نعم لو كان للأنثى نصف الحبوة ـ مثلا ـ بحيث يكون لكل منها ومن الذكر نصيب فيها ، لتم النقض ، فاذا : القول بالتفصيل قوي جدا

(ومنها) : البلوغ فقد اعتبره بعض للحكمة المتقدمة ، وقد عرفت ما فيه.

(ومنها) أن لا يكون سفيها ، ولا فاسد الرأي. أما الأول ، فلا أرى وجها لاعتباره في الحبو بعد اندراجه في إطلاقات أدلة الحبوة إلا ما عسى أن يتوهم ـ بل توهم كما في مفتاح الكرامة ـ اندراجه فيما ادعى عليه في (السرائر) : من الإجماع ، فيكون ـ بعد اعتضاده بالشهرة المحكية ـ مخصصا لإطلاق الأدلة.

وفيه : إن إجماع (السرائر) ظاهر في انعقاده على الوجوب بنحو المجان في مقابل القول بالتعويض أو الاستحباب الذي حكاه عن (المرتضى) وغيره ، لا على ما أخذه شرطا في عنوان الفرع ، فلم يبق إلا الشهرة المحكية التي بنفسها ـ بعد تسليمها ـ لا تنهض حجة لتقييد المطلقات ، بل وكذا لا يمنع الجنون عن الإحباء لما ذكر ، الا على جعل الحبوة عوضا عن القضاء ـ كما عليه ابن حمزة.

وأما الثاني ، فلا دليل أيضا على تخصيص أدلة الحبوة بغيره الا ما يقال : من دخوله في عموم «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» (١) إذ لا يقولون

__________________

(١) في الوسائل : كتاب الطلاق باب ٣٠ من أبواب مقدماته وشرائطه حديث (٥) بسنده عن علي بن أبي حمزة : «أنه سأل أبا الحسن (ع) عن المطلقة على غير السنة : أيتزوجها الرجل؟ فقال : ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم ، وتزوجوهن فلا بأس بذلك». ونحوها غيرها في

٣١٥

بالحبوة نظير الأخذ منهم بالعصبة وتزويج مطلقتهم ثلاثا بلا تخلل الرجوع والتعارض بينها وبين أدلة الحبوة من تعارض العامين من وجه الترجيح ، وهو في عموم «ألزموهم» لاعتضادها بالشهرة ـ كما قيل ـ ان لم نقل بحكومتها على أدلة الحبوة.

وفيه ـ مع أخصية الدليل من المدعى لاختصاصه بخصوص المخالف الذي لا يرى الحبوة أصلا فلا يشمل من يقول بها من غيرهم كالواقفية (١) على ما قيل ـ إنه لا يتم الاستدلال به لأن غاية مفاده جواز مزاحمته في المنع عن الحبوة ، دون عدم استحقاقه كما هو المدعى.

__________________

نفس الباب والكتاب : ومن ذلك كون الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ قاعدة عامة في جواز إلزام المخالفين بما يعتقدونه ، وأسموها (قاعدة الإلزام) وهي من القواعد الفقهية المشهورة المذكورة في مظانها من الموسوعات الفقهية والظاهر ان مفاد القاعدة من الأحكام الثانوية لا الأولية ، إذ معنى «ألزموهم ..» في القاعدة هو صحة إلزامهم بما يعتقدونه وإن كان باطلا بالنسبة إلينا ، فالحكم الأولى ـ عندنا ـ البطلان. والحكم الثانوي الصحة بموجب القاعدة والله العالم.

(١) تطلق (الواقفية) على فرق ثلاثة : (الباقرية) وهم الذين وقفوا بعد وفاة الإمام محمد بن علي الباقر (ع) عليه ولم يسوقوا الإمامة لولده الصادق (ع) وربما قال بعضهم برجعته وتوليه الإمامة (والجعفرية) وهم الذين وقفوا ـ بعد وفاة الإمام الصادق (ع) ـ عليه ولم يعترفوا بامامة أحد من أولاده ، وانتقلوا بعد ذلك إلى رأي الزيدية. (والرضوية) وهم الذين وقفوا ـ بعد وفاة الامام الرضا (ع) ـ عليه ، ولم يدروا من الامام بعده ، وربما يطلق هذا العنوان على غير أولئك من فرق الشيعة. تراجع : كتب الفرق والمقالات في تفصيل ذلك.

٣١٦

(ومنها) أن لا يكون ممنوعا من الإرث بأحد الموانع المتقدمة : من القتل والكفر والرقية ، فلا يحبى الممنوع ، لأن الحبوة إرث ، وهو ممنوع عنه ، ولا يحبى غيره من الذكور لعدم كونه أكبر منه ، ويحتمل ـ على بعد ـ تنزيله منزلة المعدوم ، فيحبى الأكبر بعده خصوصا لو كان السبب هو الارتداد عن فطرة لوجوب قتله ، ولذا تعتد زوجته عدّة الوفاة ، وتقسم أمواله في ورثته.

نعم لو أسلم الكافر أو أعتق العبد قبل القسمة جازت الحبوة كما يجوز نصيبه من الإرث ، سيما بناء على كون المانع هو الكفر المستمر إلى القسمة ، والرقية كذلك ، ولو قلنا بالانتقال إلى الورثة متزلزلا ويستقر بالقسمة ، فالأقرب كذلك. ويحتمل ـ على بعد ـ السقوط هنا ، للأصل واختصاص الدليل بالرجوع إليه في غيرها من التركة.

وأما المبعض فلا يحبى حتى يقدر نصيبه من الحرية وان ورث به من التركة بقدره ، للأصل ، مع انصراف الإطلاقات إلى غيره ، واحتمال التبعيض بعيد جدا.

وأما ما يحبى منه ، فهو الأب دون غيره من الأقارب ، لأنه المستفاد من النصوص ، ولا يعتبر فيه الإسلام ولا غيره مما اعتبره بعضهم في المحبو لإطلاق النصوص وعدم مؤاخذة المحبو بجرم الميت.

ولو كان الميت خنثى وفرض تكوّن الولد منه ، ففي استحقاق ولده الحبوة؟ قولان :

قوّى ثانيهما الشهيد الثاني في (رسالته) حيث قال : «ولو كان الميت خنثى وقد اتفق تولد الولد منه : اما لشبهة أو بناء على تزويجه كما فرضه الشيخ وجماعة ـ رحمهم الله ـ في باب الميراث وحكموا بأنه لو كان زوجا أو زوجة فله نصف النصيبين ، ففي استحقاق ولده الحبوة نظر : من ظهور الأبوة

٣١٧

وعموم النصوص ، ومن الشك في إطلاق الأبوة هنا للشك في الذكورية. والأقوى عدم الاستحقاق للشك ، فيرجع الى الأصل.

قلت : فرض الفرع انما هو في الخنثى المشكل ، وبالتولد منه لكونه أمارة قطعية يخرج عن الاشكال ، وحينئذ فلا إشكال في احباء ولده ، ومع التنزل وفرض بقاء الاشكال ، فلا إشكال أيضا في الأحباء لصدق الأبوة الكافي في احباء ابنه وان فرض الشك في ذكوريته ، لعدم أخذ الذكورية قيدا في الأب بعد فرض انفكاكهما ، وليس أما ، لأن الأم هي الموطوءة التي حملته في بطنها فلا يكون إلا أبا ، وذكر الرجل في بعضها ـ مع أنه لا ينفي من شك في ذكوريته ـ منزل على الغالب. ودعوى الانصراف لا تجدي لأنه من ندرة الوجود ، دون الاستعمال.

(الموضع الرابع) : في أعيان الحبوة وهي أربعة : السيف ، والمصحف ، والخاتم ، والثياب : على المشهور شهرة عظيمة بل ادعى عمنا الأستاد في (ملحقات برهانه) الوفاق عليه ، وادعاه جدنا في (الرياض) أيضا ، وفي (مفتاح الكرامة) ـ بعد دعواه الإجماع ـ حكايته (عن السرائر) وفي المبسوط والروضة : نسبته إلى الأصحاب.

ويدل عليه ـ مضافا الى ذلك ـ أن الأربعة هي المستفادة من مجموع الأخبار ، بعد ضم بعضها الى بعض ، وان اقتصر بعضها على بعض واشتمل بعضها على غيرها : كالسلاح الشامل للسيف وغيره ، سيما بعد عطفه عليه والرحل والرّاحلة والدرع. بل لم يكن في الأخبار خبر جامع للأربعة ، وأشملها لها : الصحيحان المتقدمان (١) وقد تضمّنا ثلاثة منها ولم يتضمّنا الثياب ، بل تضمنا الدرع بدلها ، إلا أن الاقتصار على

__________________

(١) إشارة إلى صحيحتي ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) وحريز عن أبي عبد الله (ع) الحاويتين ذكر السيف والمصحف والخاتم والدرع

٣١٨

البعض منها لا ينافي ضم غيره اليه من خبر آخر (١) مع قوة احتمال إرادة القميص من الدرع في الصحيح دون درع الحديد الذي لم نعثر على قائل به وما اشتمل منها على غير الأربعة بعد إعراض الأصحاب عنه بالنسبة إلى الزائد لا يسقط عن الحجية بالنسبة الى ما عملوا به نظير العام المخصص الذي هو حجة في الباقي ـ كما قرّر في محله.

فاذا ما عليه المشهور : من الاختصاص بالأربعة ، هو الأقوى ، وظهر بذلك ضعف ما يحكى عن بعض خلافه مما هو عليه عن (أعلام المفيد): من الاقتصار على ثلاثة بحذف الثياب ، والمحكي عن الإسكافي من زيادة آلة السلاح بعد ذكر السيف ، وما عن الصدوق حيث روى في (الفقيه) إحدى صحيحتي الربعي ، وهي : «إذا مات الرجل فسيفه وخاتمه ومصحفه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده» (٢) بناء على ما ذكره في صدر كتابه : من أنه لا يذكر فيه إلا ما يعتمد عليه ويدين الله به. إلا أن المحكي عنه العدول عن ذلك الى إيراد نحو المصنفين ، وما عن أبي الصلاح في (الكافي) : من تقييد الثياب بثياب صلاته ، ولعلّ التقييد لغلبة استعماله ثياب الصلاة عند تعدد الثياب ، وإلا فلا وجه للتقييد بها.

وينبغي التنبيه على أمور :

(الأول) ما ورد من أعيان الحبوة في النصوص بلفظ الجمع كالثياب أخذ المحبو جميعه ، للعموم المستفاد من الجمع المضاف ، وما ورد بلفظ المفرد من باقي الأعيان : فإن كان متحدا فواضح ، وان كان متعددا ففي كون الجميع حبوة ، أو واحد منها مبهما ، أو ما غلب استعماله؟ أوجه : بل أقوال :

__________________

(١) كالرحل والراحلة والكسوة والكتب ونحوها.

(٢) راجع ذلك : في نوادر المواريث باب (١٧٥) حديث (١).

٣١٩

مستند الأول : ورودها في الأخبار مفردا محلى باللام أو مضافا ، وهو يفيد العموم عند بعض.

ومستند الثاني : منع العموم وكون الواحد هو المتيقن ، والزائد منفي بالأصل.

ومستند الثالث أن مزيد الاختصاص به والانتساب اليه موجب لتبادر إرادته منه ، فتكون غلبة الاستعمال معينة لذلك الواحد.

ولعل الأخير هو الأقوى. ويضعف الأول بضعف المبنى من إفادة المفرد المحلى باللام أو المضاف العموم ، والثاني بصلاحية أشدّية الانتساب لان تكون قرينة معيّنة لذلك الواحد ، فكما أن مطلق الاختصاص المسبب عن محض الملكية غير مجد في تحقق الإحباء ، وإلا لاستلزم أن تكون الأعيان المعدّة للتجارة والعطايا ونحوهما لكونها مملوكة له ومنسوبة إليه حبوة أيضا ، ولم يقل به أحد ، فعلم ان الموجب هو الاختصاص الخاص زائدا على الحاصل بالملك ، فكذا ، ما كان منها أشدّ اختصاصا به بغلبة الاستعمال كان هو المتعين في الإرادة عند الدوران بينه وبين ما لم يستعمله أو لم يغلب استعماله بعد نفي العموم وفرض إرادة الواحد منها.

وعلى القول الثاني أو الثالث ـ مع فرض عدم غلبة واحد منها في الاستعمال ـ فهل يتخير في التعيين ، أو يتعيّن بالقرعة؟ الأقوى هو الثاني وعلى الأول ، فهل التخيير للمحبو ، أو للوارث غيره؟ قولان :

اختار (ثانيهما) عمنا الأستاد في (ملحقات برهانه) مستدلا عليه بما يرجع محصّله إلى إلحاقه بأشباهه ونظائره في الحكم من كل ما وجب على الإنسان إعطاء فرد من كلي لغيره ، كما إذا نذر للفقير عشرة من ألف درهم معينة ، فإن تعيين العشرة إلى الناذر ، وأعظمها الشاة التي يستحقها الفقير من شياه المالك زكاة ، فان تعيينها الى المالك ، وهكذا.

٣٢٠