بلغة الفقيّة - ج ٤

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤١

فصاعدا للأبوين ، أو للأب خاصة كذلك (١).

(والثلث) لاثنين : الأم مع عدم الحاجب من الولد ـ وان نزل (٢) والاخوة ، والاثنان فصاعدا من كلالة الأم خاصة (٣).

(والسدس) لثلاثة : الأبوان مع الولد ، لكل واحد منهما السدس (٤) والأم مع الحاجب الواحد من كلالة الأم (٥).

وكل ذلك من السهام وأربابها مدلول عليه بالكتاب والسنة والإجماع وصور اجتماعها الثائي المتصورة ست وثلاثون ، حاصلة من ضرب الستة ـ التي هي الفريضة ـ في مثلها ، وهو ضرب النصف : في مثله وفي الربع وفي الثمن وفي الثلثين وفي الثلث وفي السدس ، وهكذا. ويسقط المكرر منها ، وهو خمس عشرة ، واحد في الصورة الثانية ، وهو الربع في النصف ، واثنان في الثالثة وهما الثمن في النصف وفي الربع ، وثلاثة في الرابعة : الثلثان في النصف وفي الربع وفي الثمن ، وأربعة في الخامسة : الثلث في الثلثين ، وفي الثلاثة الأول (٦) وخمسة في السادسة : السدس في الخمس الأول (٧).

__________________

(١) أي مع فقد الولد الذكر ، لقوله تعالى «فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ».

(٢) لقوله تعالى «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ».

(٣) لقوله تعالى «فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ».

(٤) لقوله تعالى «لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ».

(٥) لقوله تعالى «فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ».

(٦) وهي : النصف والربع والثمن ، فالثلث مع كل منهما مكرر.

(٧) أي مع النصف والربع والثمن والثلثين والثلث.

٢٨١

ويبقى إحدى وعشرون صورة غير مكررة (١).

وبتقرير آخر : كل من الطرفين ـ وهما النصف ، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما ـ إذا ضرب في مثله ، وفيما هو في طوله : من نصفه ونصف نصفه ، كان الحاصل تسع صور ، ثلاث منها مكرّرة ، وهو الربع في النصف ، والثمن في كل منهما ، وكذا الثلث في الثلثين ، والسدس في كلّ منهما. وستة غير مكرّرة. فمجموع المكرّر منهما ستة ، وغير المكرّر اثنا عشر.

ثم يفرض ضرب كل من الطرفين في الآخر ، فالطرد منهما بصورة التسعة لا تكرار فيه ، والعكس كله مكرّر.

فالمكرّر من مجموع الصور المتصورة خمس عشرة صورة ، وغير المكرر إحدى وعشرون.

إلا أن ثمانية منها ممتنعة عقلا ، أو شرعا.

(فالأول) منهما : اجتماع الربع مع مثله ، لأن الربع فرض إرث الزوج من الزوجة مع الولد لها ، وفرض الزوجة من الزوج مع عدم الولد له ، فلا يعقل اجتماعهما ، والثمن مع مثله ، لأنه فرض واحد ، ومع الربع لأنهما فرض الزوجين كل منهما من الآخر ، ومع الثلث لأنه فرض الزوجة مع الولد وهو يحجب الأمّ عن الثلث (حجب نقصان) والأخوة (حجب حرمان) فلا يعقل اجتماعهما ، والثلثان مع مثلهما لأنهما فرض البنتين فصاعدا وفرض الأختين المحجوبتين بالبنتين ، والثلث مع مثله

__________________

(١) وهي : نصف مع مثله ومع الربع ومع الثمن ومع الثلثين ومع الثلث ومع السدس ، والربع مع مثله ومع الثمن ومع الثلثين ومع الثلث ومع السدس. والثمن مع مثله ومع الثلثين ومع الثلث ومع السدس والثلثان مع مثلهما ومع الثلث ومع السدس. والثلث مع مثله ومع السدس. والسدس مع مثله.

٢٨٢

لأنه فرض الام مع عدم الحاجب ، والثاني فرض الواحد من كلالتها المحجوب بها.

(والثاني) وهو ما يمتنع الاجتماع فيه شرعا : النصف مع الثلثين لاستلزامه العول والنقص على ذوي المغروض ـ عدا الزوج والزوجة وكلالة الأم ـ فيكون حينئذ إرثهم بالقرابة.

والباقي ثلاث عشرة صورة لا يمتنع الاجتماع فيها ـ لا عقلا ولا شرعا (١) غير أن بعض صورها يستلزم الردّ على من يرد عليه ممن ستعرف فيكون الإرث حينئذ بالفرض والردّ معا.

ثم الفريضة ـ وهي أقل عدد يخرج منه ما فرض من السهام صحيحا :

قد تكون وفق السهام ، كما في الزوج مع الأبوين إذا لم يكن للأم حاجب : للزوج النصف ، وللأم الثلث ، والباقي ـ وهو السدس ـ للأب وكالبنتين مع الأبوين : للبنتين الثلثان ، والثلث بين الأبوين لكل واحد منهما السدس ، وحكمه واضح ، وقد تزيد ، وقد تنقص.

فهنا أمران : التعصيب ، والعول.

(أما الأمر الأول) ففيه الخلاف المعروف بين الفريقين بالنسبة الى من يرث الزائد من السهام المفروضة في كتاب الله ، فإنه ـ عندنا ـ يرد الفاضل على ذوي الفروض بنسبة فروضهم ، عدا الزوج والزوجة ، وعندهم : يعطى للعصبة.

وحيث كان وجوب الرد وبطلان التعصيب من ضروريات مذهبنا ،

__________________

(١) وهي : النصف مع مثله ، ومع الربع ، ومع الثمن ، ومع الثلث ومع السدس ، والربع مع الثلثين ، ومع الثلث ، ومع السدس والثمن مع الثلثين ، ومع السدس. والثلثان مع الثلث ، ومع السدس والسدس مع مثله.

٢٨٣

فلا حاجة الى إطالة الكلام في الاستدلال عليه (١) بل المهم هنا البحث في مطالب ثلاثة : في موضوع العصبة ، وموارد إرثها عندهم ، وطريق معرفة توزيع الرد الواجب ـ عندنا.

(أما المطلب الأول) فالعصبة : إما نسبية ، أو سببية.

(والاولى) قسمان :

(أحدهما) عصبة بنفسه ، وهو كل ذكر يدلي إلى الميت بغير واسطة أو بتوسط الذكور ، وهم أصناف أربعة : (الأول) الابن وأولاده الذكور (والثاني) الأب وآباؤه (والثالث) الاخوة وأبناؤهم (والرابع) أعمام الميت لأب وبنوهم وأعمام الأب وبنوهم ، والأقرب من هؤلاء يمنع الأبعد عن ميراث الفاضل.

(وثانيهما) عصبة بغيره ، وهنّ : البنات وبنات الابن ، والأخوات للأب ، فإنهن لا يرثن بالتعصيب ـ عندهم ـ إلا بالذكور في درجتهنّ أو فيما دونهن ، ولذا لو خلّف ـ مثلا ـ بنتين وبنت ابن كان للبنتين الثلثان ، ولم يكن لبنت الابن شي‌ء ، إلا إذا كان لها أخ أو ابن أخ ، أو خلّف أختين وبنت أخ لم يكن لبنت الأخ شي‌ء إلا إذا كان لها أخ أو ابن أخ.

(والثانية) عصبة الولاء ، والبحث عنه يأتي في محله ان شاء الله

(وأما المطلب الثاني) فموارد الرد :

(في الطبقة الأولى) : مع عدم أحد الزوجين ثلاثة : (الأول) البنت مع أحد الأبوين ، فالزائد على فرضهما ـ وهو الثلث ـ يرد عليهما

__________________

(١) ولقد عقد في الوسائل بابا خاصا بهذا المعنى ، وهو الباب الثامن من أبواب موجبات الإرث بعنوان : باب بطلان التعصيب ، ذكر فيه الروايات المتضمنة لذلك المعنى.

٢٨٤

ـ عندنا ـ وترثه العصبة ـ عندهم ـ (والثاني) البنت معهما ، فالفاضل ـ وهو السدس ـ يرد عليهم ، لا للعصبة (والثالث) البنات وأحد الأبوين ، فالفاضل السدس أيضا يرد عليهم. ومع أحد الزوجين أربعة : البنت ، وأحد الأبوين ، وزوج ، أو زوجة فالفاضل في (الأول) وهو نصف السدس يرد على غير الزوج منهم ، وفي (الثاني) وهو خمسة من أربع وعشرين حصة ، يرد على غير الزوجة منهم (والثالث) البنت وأبوان وزوجة ، فالفاضل واحد من المخرج المتقدم يردّ على غير الزوجة (والرابع) البنات وأحد الأبوين وزوجة ، فالفاضل كالصورة التي قبلها.

و (في الطبقة الثانية) أربعة : (الأول) واحد من كلالة الأم وأخت لأب ، يبقى ثلث يرد عليهما (الثاني) واحد من كلالة الأم وأخوات لأب ، يبقى سدس يرد عليهم (الثالث) اثنان فصاعدا من كلالة الأم وأخت الأب ، يبقى أيضا سدس يرد عليهم (الرابع) واحد من كلالة الأم وأخت لأب وزوجة ، فالفريضة من اثني عشر : للكلالة اثنان ، وللأخت ستة ، وللزوجة ثلاثة ، يبقى واحد يرد على من عدا الزوجة ، فالرد ثابت في المواد الأربعة ، وان وقع الخلاف في الرد على كلالة الأم مع وجود كلالة الأب.

(وأما المطلب الثالث) فلمعرفة توزيعه طريقان : (أحدهما) نسبه في (مفتاح الكرامة) إلى المعروف ، وهو أن تضرب مخرج الرد في أصل الفريضة ، ففي ما لو ترك بنتا وأبوين ، فللبنت ثلاثة وللأبوين اثنان يبقى واحد يرد أخماسا ، وذلك بأن تضرب مخرج الرد أي من يرد عليه ـ وهو خمسة ـ في أصل الفريضة ـ وهو ستة ـ فالحاصل ثلاثون :

يعطى للبنت ثمانية عشر ، ولكل من الأبوين ستة (والثاني) نسبه الى

٢٨٥

(المبسوط) و (السرائر) وهو أن تجمع مخرج فرائض من يجب عليه الرد ، وتضربه في أصل الفريضة ، ففي المثال : تأخذ مخرج السدسين ـ وهو الثلث من ثلاثة ومخرج النصف من اثنين ، فيكون خمسة تضربها في ستة ، وهكذا في غيره.

(وأما الأمر الثاني) فأجمعت الإمامية على بطلان العول بمعنى دخول النقص على جميع ذوي الفروض ـ كما عليه الجمهور ـ بل عندنا يدخل النقص على البنت والبنات والأخت والأخوات من الأبوين أو الأب وفي دخوله على الأب خلاف يأتي في محله ان شاء الله.

ويدل عليه ـ مضافا الى الإجماع ، بل وضرورة المذهب ـ الأخبار المستفيضة ، بل المتواترة معنى من (١) بل الظاهر : أنه مذهب غير واحد من الصحابة.

فعن ابن عباس انه كان يقول : «من شاء باهلته عند الحجر الأسود أن الله تعالى لم يذكر في كتابه نصفين وثلثا» : وقال أيضا : «سبحان الله العظيم ، أترون أن الذي أحصى رمل عالج (٢) عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا ، فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين وضع الثلث؟

فقال له زفر بن أوس البصري : يا بن عباس فمن أول من أعال الفرائض؟

فقال : عمر بن الخطاب لما التفّت الفرائض عنده ، ودفع بعضها بعضا فقال : والله ما أدري : أيكم قدّم الله وأيكم أخر وما أجد شيئا أوسع

__________________

(١) وقد عقد لها في الوسائل بابا خاصا ، وهو الباب السادس من أبواب موجبات الإرث بعنوان : باب بطلان العول استعرض فيه كثيرا من روايات الباب.

(٢) والمقصود من (رمل عالج) هو الرمل المتراكم بعضه على بعض لكثرته في ذلك المكان.

٢٨٦

من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص .. قال ابن عباس : وأيم الله لو قدّم من قدّم الله ، وأخر من أخّر الله ما عالت الفريضة ، فقال له زفر : وأيها قدّم وأيها أخر؟ فقال : فكل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلا الى فريضة فهذا ما قدّم الله. وأما ما أخّر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخر : فأما التي قدم فالزوج له النصف ، فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع الى الربع لا يزيله ـ عنه شي‌ء ـ والزوجة لها الربع فاذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلى الثمن لا يزيلهما عنه شي‌ء. والأم لها الثلث ، فاذا زالت عنه صارت الى السدس ولا يزيلها عنه شي‌ء وأما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي ، فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدي‌ء بما قدم وأعطي حقه كاملا ، فإن بقي شي‌ء كان لما أخر ..» الحديث (١) ولعمري إن ابن عباس أشار الى معنى يناسبه اليمين ، ولا ينافيه التعليل ، ضرورة أنهم لو قدّموا من قدّمه الله لعلموا أن الفرائض لا تعول ومستندهم ـ بعد التعويل على فتوى عمر ـ القياس بالدين مع قصور التركة عن وفائه ، والوصية إلى جماعة بمال مع القصور ، فان النقص فيهما يدخل على الجميع ، فكذا الفرائض إذا اجتمعت مع قصور التركة عنها.

وهو من القياس مع الفارق : أما في الدين ، فلان حقوق الدّيان التي يجب الخروج عنها على كل حال ، وان قصر المال عنه لبقاء الباقي في الذمة وان كان ميتا ولذا جاز احتسابه عليه ـ متعلقة بخصوص التركة تعلق الاستيفاء دون اختصاص أصل الحق بها بحيث لا حقّ له في غيرها ولو في الذمة حتى تقاس عليه الفرائض التي هي كمية في الاستحقاق بالإرث.

__________________

(١) راجع : الباب السادس والسابع من أبواب موجبات الإرث من كتاب الفرائض من الوسائل.

٢٨٧

وأما في الوصية فلأن التوزيع في جميع صورها ممنوع لأنها لا تخلو : إما تكون مرتبة ولو في الذّكر ، أو غير مرتبة كما لو قال : (أعطوا ألفا إلى هؤلاء) مع قصور المال عن القدر الموصى به ، أو مشكوكة. أما المرتبة فليبدء فيها بالأول فالأول ، ويختص النقص بمن قصر المال عنده فلا توزيع فيها. وأما غير المرتبة فلتعلق حقوق المجموع بالجميع وبطلان الوصية فيما زاد عليه لعدم الموضوع لها ، ولا يستحيل على الموصي الوصية بمقدار لا يفي المال بقدره جهلا منه به لعدم استحالة الجهل عليه ، فكيف يقاس به من يستحيل في حقه الجهل. وأما المشكوكة (فمرة) يكون الشك في المرتب بعد العلم بالترتيب لنسيان ـ مثلا ـ والحكم فيه القرعة (وأخرى) يكون الشك في الترتيب وعدمه ، والأقرب فيه التوزيع ، خلافا للروضة فبنى فيه على القرعة ، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا في الوصية على كل تقدير فالقياس باطل.

ثم ان العول لا يتحقق إلا بدخول الزوج أو الزوجة ، لأن النصف فيما عدا الزوج فرض البنت الواحدة أو الأخت كذلك للأب ، وهو لا يجتمع مع مثله ، وكذا مع الثلثين الذي هو فرض البنتين أو الأختين للأب ، لاختلاف الطبقة ، وهو مع الثلث كالبنت مع الأبوين أو الأخت للأب مع إخوة الأم مورد التعصيب الذي لا نقول به ، وكذا اجتماعه مع السدس كالبنت مع أحد الأبوين أو الأخت مع الواحد من كلالة الأم ، فلا عول إلا حيث يدخل أحد الزوجين ، كما إذا كانت الفريضة ستة ، فعالت إلى سبعة في مثل زوج وأختين لأب ، فإن له النصف ثلاثة من ستة ولهما الثلثان أربعة ، فزادت الفريضة واحدا ، أو الى ثمانية كما إذا كان معهم أخت لأم ، أو تسعة بأن كان معهم أخ لأم. وكذا لو دخل الربع ـ الذي هو فرض الزوج مع الولد والزوجة مع عدمه ـ مع الثلثين

٢٨٨

والسدس أو السدسين ، فتعول الفريضة ـ وهي اثنا عشر ـ إلى ثلاثة عشر في الأول ، وخمسة عشر في الثاني ، أو دخل الثمن مع البنتين والأبوين فتعول من أربع وعشرين الى سبع وعشرين.

هذا تمام الكلام في المقدمات.

وأما المقاصد فثلاثة :

(الأول) في ميراث الأنساب. فقد تقدّم أن للنسب طبقات وأن لكل طبقة درجات ، وأن الأقرب من كل منهما يمنع الأبعد.

فالطبقة الأولى : الأبوان من غير ارتفاع والأولاد وان نزلوا.

فلكل من الأبوين ـ إذا انفرد عمن في مرتبته وعن الزوجين ـ المال كله غير أن الأب يرث بالقرابة ، إذ لا فرض له مع عدم الولد ، والام ترث الثلث بالفرض ، والباقي بالقرابة : بالإجماع الذي لا ينافيه ما عن ابن أبي عقيل : «من أنها مع الانفراد ترث بالقرابة لا بالفرض والرد» معللا بأن التسمية لها بالسدس أو الثلث انما هي إذا اجتمعت مع الأب أو الولد وإلا فليست بذات سهم.

ولو اجتمع الأبوان فللأم الثلث مع عدم الحاجب (١) والسدس معه تسمية ، والباقي في الموردين للأب بالقرابة.

ولو اجتمع معهما ، أو مع أحدهما زوج أو زوجة فلهما النصيب الأعلى : من النصف والربع (٢) بالفرض ، وللأم الثلث أو السدس (٣) والباقي للأب.

__________________

(١) من الاخوة ـ مثلا ـ

(٢) الأول إذا كان زوجا ، والثاني إذا كان زوجة.

(٣) الأول مع عدم الحاجب كإخوة الميت ، والثاني مع وجوده.

٢٨٩

ولو كان مع الزوج الأب خاصة فللزوج النصف والباقي للأب بالقرابة.

ولو كان معه الأم خاصة فله النصف بالفرض ، وللأم الباقي : ثلث بالفرض وسدس بالقرابة.

وللابن المال إذا انفرد بالقرابة لعدم الفرض له.

وإن تعدد فالمال بينهم بالسوية لاشتراكهم في السبب وعدم الترجيح الموجب للتساوي.

وللبنت الواحدة النصف بالفرض ، والباقي رد عليها بالقرابة.

وللبنتين أو أكثر الثلثان بالفرض ، والباقي رد عليهما أو عليهم بالقرابة : خلافا لما عن الفضل وابن أبي عقيل ، فخصا الفرض بحال الاجتماع مع الأب ، وجعلا البنت والبنتين عند الانفراد كالابن في انتفاء الفرض وكون الإرث بالقرابة.

ولو اجتمع الذكر والأنثى فللذكر مثل حظ الأنثيين بالقرابة لاختصاص الفرض بالبنت والباقي بعدم الذكر معهن.

ولو اجتمع مع الولد الأبوان أو أحدهما ، فله أو لكل منهما السدس بالفرض ، والباقي للولد أو الأولاد بالقرابة إن ، كانوا ذكورا أو ملفقين منهم ومن الإناث ، وان كانوا إناثا فالباقي لهن بالفرض وبالقرابة غير أنه إذا كان في المال زيادة على الفروض كالبنت الواحدة مع الأبوين أو أحدهما ، أو البنتين مع أحد الأبوين ، ردّ الزائد عليهما أو عليهم أرباعا (١)

__________________

(١) هذا في صورة ما إذا كان مع البنت والأبوين حاجب فللبنت النصف بالفريضة (أي ١٢ من أصل ٢٤) مثلا والأب له السدس أي (٤) بالفريضة وللأم كذلك ، فالباقي ـ وهو أربعة ـ يوزع على البنت والأب فقط أرباعا ، للبنت ثلاثة اضافة على فريضتها ، فيجتمع لها ـ

٢٩٠

أو أخماسا ـ كما تقدم ـ (١).

ولو اجتمع معهم الزوج أو الزوجة ، كان لكل منهما نصيبه الأدنى من الربع أو الثمن. كل ذلك مدلول عليه بالنص والإجماع.

(تكملة) (٢) في بيان من ينقص منه ، ومن يرد عليه. فاعلم إن النقص يدخل على البنت والبنات والأخت والأخوات من الأب ، وفي دخوله على الأب وعدمه؟ قولان : ذهب الى الأول المحقق في الشرائع والنافع والشهيد في اللمعة والعلامة في جملة من كتبه بناء منهم على أن الضابط دخول النقص على من له فرض واحد يرث به ـ تارة ـ وبالقرابة ـ أخرى ـ كالبنت ـ مثلا ـ فان فرضها النصف مع عدم الابن ومعه ترث بالقرابة وكذا البنات والأخت والأخوات مع عدم الأخ.

ومن له فرضان بحيث لو أزيل عن فرضه الأعلى سقط إلى الأدنى كالزوج والزوجة والأم وكلالتها لا يدخل عليه النقص ، وحيث كان الأب له فرض واحد ـ وهو السدس مع الولد ـ لا ينقص عنه ، ومع عدمه انما يرث بالقرابة كان داخلا في ضابطة : من يدخل النقص عليه.

وهو ليس بجيد ـ لا لما ذكره في (الروضة) حيث قال : «إن ذكر المصنف الأب مع من يدخل النقص عليهم من ذوي الفروض ليس

__________________

ـ (١٥ من الأصل) وللأب واحد ، فيجتمع له (٥ من الأصل) وليس للأم رد.

(١) هذا في صورة ما إذا كان مع البنتين أحد الأبوين خاصة ، فللبنتين ثلثان بالفرض أى (٢٠ من ٣٠ مثلا) ولأحد الأبوين سدس أي (٥ من الأصل) والباقي (وهو ٥) يوزع على البنتين والأب أخماسا : (٤) الى البنتين وواحد إلى الأب.

(٢) الظاهر أن هذا الموضوع هو ثاني المقاصد الثلاثة.

٢٩١

بجيد لأنه مع الولد لا ينقص عن السدس ومع عدمه ليس من ذوي الفروض ومسألة العول مختصة بهم (١).

لورود النقض عليه بالبنت ، فإنها مع عدم الأخ لا تنقص عن فرضها النصف ، ومعه ليست من ذوي الفروض ، وكذلك غيرها من البنات والأخت والأخوات ، فإنهن لا ينقصن عن فرضهن مع عدم الأخ ، ومعه لسن من ذوي الفروض.

بل لأن الضابط في ذلك هو كل ذي فرض ينقص عن فرضه ـ تارة ـ ويزيد عليه ـ أخرى ـ سواء كان ذا فرض أو فرضين بعد إحراز قبوله النقص عن فرضه كالبنت ، فإنها تنقص بوجود الأخ معها عن فرضها الى الثلث ، إن كان واحدا ، وإلى الخمس إن كان اثنين ، والى السبع ، ان كان ثلاثا وهكذا تنقص بنسبة عدد الذكور لقوله تعالى «فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» وما لم يعلم قبوله النقص كالأب مع الولد فضلا عما لو علم عدمه كالزوجين والأم وكلالتها ، لا يدخل النقص عليه لعدم إحراز قبوله له بدليل يدل عليه.

ومنه يظهر الفرق بين الأب والبنت والبنات. فإذا الأقوى ـ وعليه الأكثر ـ هو القول الثاني.

وأما الرد على ذوي الفروض ـ عدا الزوجين ـ فلعموم آية «أُولُوا الْأَرْحامِ» والمنع فيهما لورود الدليل على عدم قبولهما النقص والزيادة.

وبالجملة : فالوارث مطلقا : أما يرث بالقرابة خاصة ، وهو من دخل في الإرث بعموم الكتاب ، أو بالفرض خاصة وهو الزوج والزوجة ما لم ينحصر الوارث بالإمام (ع) أو يرث بالفرض ـ تارة ـ وبالقرابة ـ أخرى ـ كالأب والبنت والبنات والأخت والأخوات مع عدم الذكر

__________________

(١) راجع ذلك في أخريات الفصل الثاني في بيان السهام المقدرة.

٢٩٢

أو يرث بهما معا ، وهو ذو الفرض على تقدير الرد عليه ، فلا يختص الرد بمن يدخل النقص عليه ، ولذا يرد على الأم ، وكذا كلالتها مع عدم دخول النقص عليهن.

(بقي هنا مسائل الأولى) (١)

ولد الولد يقوم مقام أبيه أو أمه عند فقده أو فقد من هو في درجة أحدهما ، سواء وجد الأبوان أو أحدهما أو لم يوجد ، فينفرد بالمال لو انفرد ، ويقاسم الأبوين أو أحدهما مع وجوده أو وجودهما ، فلو خلّف مع الأبوين أو أحدهما ولد الولد ـ وان سفل ـ كان لكل من الأبوين السدس والباقي لولد الولد ـ ذكرا كان أو أنثى ـ بلا خلاف أجد في ذلك ، إلا ما يحكى عن (الصدوق) ، فخص المال بالأبوين ، ولم يشارك معهما أولاد الأولاد حيث قال رحمه الله في (الفقيه) : «أربعة لا يرث معهم أحد إلا زوج أو زوجة : الابن والابنه ، هذا هو الأصل لنا في المواريث ، فاذا ترك الرجل أبوين وابن ابن أو ابنة ابنة ، فالمال للأبوين : للأم الثلث وللأب الثلثان ، لان ولد الولد إنما يقومون مقام الولد إذا لم يكن هناك ولد ولا وارث غيره ، والوارث هو الأب والام» (٢) وعن (المقنع) : «فان ترك ابن ابن وأبوين ، فللأم الثلث ، وللأب الثلثان وسقط ابن الابن» (٣) ويدل على المختار ـ بعد الإجماع بقسميه وشذوذ المخالف بل عن بعض إنه مسبوق بالإجماع وملحوق به ـ النصوص المستفيضة التي هي بين ظاهرة ومصرحة بذلك.

__________________

(١) ومن هنا الشروع في ثالث المقاصد ـ على الظاهر ـ

(٢) الجزء الرابع من الكتاب طبع النجف ، باب ١٤١ ميراث الأبوين مع ولد الولد.

(٣) المقنع للصدوق ـ أيضا ـ طبع ضمن الجوامع الفقهية في إيران.

٢٩٣

ففي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع): «بنات الابنة يرثن إذا لم يكن بنات كنّ مكان البنات» (١) وفي الموثق عنه أيضا : «ابن الابن يقوم مقام أبيه» (٢) وحسن عبد الرحمن عنه أيضا : «ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن ، قال : وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت» (٣).

وخبر الحسن بن محمد بن سماعة قال : «دفع إلى صفوان كتابا لموسى ابن بكير ، فقال : هذا سماعي عن موسى بن بكير ، وقرأته عليه ، فاذا فيه : موسى بن بكير عن علي بن سعيد عن زرارة قال : هذا ما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا : عن أبي عبد الله عليه السلام وعن أبي جعفر (ع) ـ وذكر مسائل الى أن قال ـ : ولا يرث أحد من خلق الله تعالى مع الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة ، فان لم يكن ولد وكان ولد الولد ـ ذكورا كانوا أو إناثا ـ فإنهم بمنزلة الولد ، وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين ، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات ، ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر ، وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث الولد الصلب ويحجبون ما يحجب الولد الصلب» (٤) وهو نص في المطلوب. والخبر المروي عن (دعائم الإسلام) : «عن

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الفرائض ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد باب ٧ ان أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم.

(٢) أي موثق إسحاق بن عمار ، المصدر الآنف من الوسائل حديث (٢).

(٣) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٥).

(٤) ذكره الشيخ الطوسي في (التهذيب : كتاب الفرائض) باب (٧) ميراث الأزواج حديث (٣).

٢٩٤

جعفر بن محمد (ع) : انه قال في رجل ترك أبا وابن ابن قال : للأب السدس وما بقي فلابن الابن ، لأنه قام مقام أبيه إذا لم يكن ابن ، وكذلك ولد الولد ما تناسلوا إذا لم يكن أقرب منهم من الولد ، ومن قرب منهم حجب من بعد ، وكذلك بنو البنت» الحديث.

وضعفهما منجبر بعمل الأصحاب ، والموافقة لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة ـ بل المتواترة كما عن النهاية ـ واحتج الصدوق بما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح : «عن سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الأول (ع) قال : بنات الابنة يقمن مقام البنت إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت أولاد ولا وارث غيرهن» (١) وما رواه الشيخان في (الكافي والتهذيب) في الصحيح عن عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) قال : «بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن» (٢) وفي (مصابيح) جدي العلامة ـ بعد ذكر احتجاج الصدوق بالخبرين ـ ما لفظه : «قال الشيخ في كتابي الأخبار. فأما ما ذكره بعض أصحابنا : من أن ولد الولد لا يرث مع الأبوين واحتجاجه في ذلك بخبر سعد بن أبي خلف وعبد الرحمن بن الحجاج في

__________________

(١) ذكره الكليني في الكافي : كتاب المواريث ، باب ميراث ولد الولد ، حديث (١) وذكره الصدوق في (الفقيه) (١٤٠ باب ميراث ولد الولد) حديث (١). وذكره الشيخ في الاستبصار : كتاب الفرائض باب ٩٩ إن ولد الولد يقوم مقام الولد ، حديث (٢).

(٢) الكافي للكليني : كتاب المواريث ، باب ميراث ولد الولد ، حديث (٤) والتهذيب للشيخ الطوسي : كتاب الفرائض والمواريث باب ٢٨ ميراث من علا من الاباء وهبط من الأبناء حديث (٥٧).

٢٩٥

قوله : إن ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيره ، قال : ولا وارث غيره انما هو الوالدان لا غير ، فغلط لأن قوله (ع) (ولا وارث غيره) ، المراد بذلك : إذا لم يكن للميت الابن الذي يتقرب ابن الابن به ، أو البنت التي تتقرب بنت البنت بها ، ولا وارث غيره من الأولاد للصلب غيرهما. واستدل على ذلك برواية عبد الرحمن ابن الحجاج المتقدمة في أدلة المشهور ـ الى ان قال ـ وما ذكره الشيخ في معنى الخبرين تأويل جيد. لكن لا حاجة فيه الى تقييد الابن والبنت بالذي يتقرب به هذا الوارث ، بل لو أبقى على عمومه كما هو الظاهر صح أيضا وكان المعنى : ان بنت البنت تقوم مقام البنت إذا لم يكن للميت بنت مطلقا سواء كان أم هذه البنت ، أو غيرها ، وكذا ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت ابن سواء كان أبا هذا الابن أو غيره ، ولا وارث غيره ، يريد به : الابن في الأول ، والبنت في الثاني ، ويحتمل أن يراد بالوارث فيهما الأعم من ولد الصلب والأقرب من أولاد الأولاد فإن المراد ببنات الابن أو البنت ما يشمل السافلات ، والأقرب منهن ومن غيرهن من الأولاد يمنع الأبعد. ويحتمل أيضا أن يكون (لا) في قوله : (ولا وارث) لنفي الجنس لا لتأكيد النفي ، والمراد : ان بنات الابن أو البنت يرثن عند فقد الأولاد ، ولا وارث غيرهن حينئذ ، ويختص بما إذا لم يكن هناك أب أو أم أو زوج أو زوجة ، ويحتمل أيضا : أن يكون المراد أنها ترث المال كله إن لم يكن ولد ولا وارث آخر كالأبوين وإلا كانت مشاركة ، وفي بعض هذه الوجوه بعد ، والأوجه ما ذكرناه أولا. قال في (الوسائل) : والذي يظهر ان وجه الإجمال ملاحظة التقية لأن كثيرا من العامة وافقوا الصدوق فيما تقدّم كما نقله الكليني وغيره. وقال المحدث المجلسي في (شرح الفقيه) : «ويمكن أن يكون التعبير كذلك.

٢٩٦

للتقية ـ كما ذهب اليه كثيرون منهم ، وكيف كان ، فهذه العبارة المجملة لا تكاد تعارض ما تقدم من الأدلة الواضحة» انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه» (١).

وهو كلام متين في غاية القوة والمتانة ، (والاحتجاج) للصدوق بالأقربية لأن الأبوين يشاركان الولد المقدم في الدرجة على ولد الولد (يضعفه) أن الأقربية إنما تمنع مع الاتحاد في الصنف والاختلاف في الدرجة ، لا مع الاختلاف فيه كالأبوين مع الأولاد ـ الذي قد عرفت فيما تقدم ـ أنهما صنفان.

(المسألة الثانية) ولد الولد ـ ذكرا كان أو أنثى ـ يرث نصيب من يتقرب به الى الميت ، فلابن البنت ثلث المال نصيب أمه ، ولبنت الابن الثلثان نصيب أبيها.

للإجماع المحكي صريحا في (الغنية) (وكنز العرفان) المعتضد بالشهرة بقسميها ، بل في (الرياض) : عليه عامة من تأخر ، بل عن (الإيضاح) و (غاية المراد) : نسبته الى فتوى الأصحاب.

ولظهور الأخبار المتقدمة في كون القيام مقامهم وتنزيلهم منزلتهم في أصل الإرث وكيفيته ، لا حصول الأول منهما ، كيف ولو كان المراد من المنزلة إثبات أصل التوارث لا الكيفية لا اكتفي في النصوص بذكر أولاد الأولاد ، واستغني عن ذكر التفصيل الذي يكون حينئذ تطويلا لا حاجة إليه مضافا الى ما في ذيل (خبر سماعة) المتقدم المصرح بأن ولد البنين

__________________

(١) راجع هذه العبارة المفصلة من (المصابيح) في كتاب الفرائض أخريات) (مصباح) : قال الصدوق في الفقيه : «أربعة لا يرث معهم الا زوج ..».

٢٩٧

بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين ، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات.

ويؤيد ذلك ـ بل يدل عليه ـ أن تقرب ولد الولد ونسبته الى الميت انما هو بواسطة من يتقرب به اليه ، فاذا كان أحد السببين أقوى من الآخر ، ولو من حيث الأكثرية في النصيب ، كان المناط في كيفية الإرث اعتبار ما هو السبب فيه ، كيف والفرع لا يزيد على أصله ، والتفاضل بين الذكر والأنثى يختص بما إذا تساووا في جميع المرجحات إلا الذكورة والأنوثة وليس المقام منه لوجود المرجح ، وهو أقوائية السبب الذي يتقرب به الى الميت.

وبالجملة ، المستفاد من مجموع أدلة المواريث أولوية بعض الورثة من بعض في أصل الإرث ، كالأولوية في الطبقات أو الدرجات ، والأولوية في أكثرية النصيب كالذكر والأنثى ، إلا أن الثانية مشروطة بالتساوي في جميع المرجحات إلا الذكورة والأنوثة ، فالقسمة بينهم بالتفاضل : للذكر مثل حظ الأنثيين ، وليس ذلك تخصيصا لعموم (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) إلخ ، بل هو مخصص لخروجه عن موضوع التفاضل بوجود المرجح ، وهو واضح بعد إمعان النظر في مجموع الأدلة.

خلافا للمحكي عن (المرتضى) والحسن والحلي ومعين الدين المصري فقالوا يقتسمون تقاسم الأولاد للصلب من غير اعتبار من تقربوا به ، لأنهم أولاد حقيقة فيدخلون في العموم المتقدم.

وبما ذكرنا ظهر لك ضعف هذا القول ومستنده.

(المسألة الثالثة) أولاد البنين يقتسمون نصيبهم فيما بينهم مع الاختلاف :

للذكر مثل حظ الأنثيين : للإجماع المستفيض ، بل المحصل ، واندراجهم في عموم آية الوصية ، وان منعنا صدق الولد عليهم حقيقة للإجماع المحكي

٢٩٨

على إرادة ما هو الأعم من ولد الصلب وولد الولد وان نزل هنا وفي أمثاله ، وكذا أولاد البنات على الأشهر بل المشهور ، بل الإجماع محكي عليه أيضا ، مضافا الى اندراجهم في عموم آية الوصية ـ كما تقدم ـ خلافا للقاضي تبعا لبعض القدماء ، فقالوا : يقتسمون نصيبهم بالسوية مطلقا لتقربهم بالأنثى.

وهو مع شذوذه ـ كما قيل ومخالفته للنص والإجماع ـ منقوض بما اعترف به موافقا للقوم في اقتسام أولاد الأخت للأبوين أو للأب بالتفاوت مع مشاركتهم لأولاد البنت في إرث نصيب الأم ، والقياس بكلالة الأم في الاقتسام بينهم بالسوية قياس مع الفارق ، لثبوت التسوية ـ هناك ـ بالدليل المفقود ـ هنا ـ والأصل في المقام لو سلّم مقطوع بما عرفت : من النص والإجماع.

(المسألة الرابعة) في الحبوة (١) وتمام الكلام فيها يقع في مواضع :

(الأول) في كونها على الوجوب أو الاستحباب (الثاني) كونها هل يكون استحقاقها بنحو المجان أو العوض؟ (الثالث) في من يحبى

__________________

(١) ولقد لاحظنا من خلال مراجعتنا الكتب اللغوية كالصحاح والمصباح واللسان والقاموس وشرحه والمجمع والنهاية وغيرها في خصوص هذه المادة فرأيناها متقاربة المضامين في أن الحبوة اسم من الحباء بمنى العطاء بلا من ولا جزاء ، وأن بنيتها على تثليث الأول وان كثر استعمالها على الفتح. وقد استعملها الفقهاء في نفس معناها اللغوي ـ العطاء ـ بلا نقل الى مصطلح جديد ـ كما قد يقال. إذ ليس في الأخبار تعرض لنفس المادة بمشتقاتها ، وإنما الموجود فيها مضمون : أن للولد الأكبر من التركة كذا وكذا .. وهذا لا يعطي اصطلاحا شرعيا لنفس المادة ، وانما المستعمل فيه هو نفس المعنى اللغوي ـ على الظاهر.

٢٩٩

من الورثة ، ويندرج فيه من يحبى من تركته (الرابع) فيما يحبى به من أعيان التركة (الخامس) في بعض الشرائط المعتبرة في ثبوتها.

ويستخرج من هذه المواضع التي وقع الخلاف في جميعها الأقوال في المسألة ـ كما ستعرفها مفصلة.

ولنبدأ تيمنا بذكر الأخبار الواردة في هذا المضمار :

ففي (الوسائل) بإسناده عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال : «إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده ، فان كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور» وفيه أيضا عن الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن خالد ، وعن الصدوق بإسناده عن حماد بن عيسى مثله ، إلا أنه أسقط (وراحلته) (١).

وفيه بإسناده عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال :

«إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه» ورواه أيضا عن الشيخ بإسناده عن الفضل بن شاذان مثله (٢).

وبإسناده عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إذا هلك الرجل وترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف فان حدث به حدث فللأكبر منهم» (٣).

وبإسناده عن ابن أذينة عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع) إن الرجل إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه ، فان كان له بنون ، فهو لأكبرهم. ورواه أيضا عن الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم نحوه. وكذا الذي قبله (٤).

وفيه بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : «الميت إذا مات فان لابنه الأكبر السيف والرحل والثياب ثياب جلده» (٥).

__________________

(١) راجع : كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (١).

(٢) راجع : كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (٢).

(٣) راجع : كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (٣).

(٤) راجع : كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (٤).

(٥) راجع : كتاب الفرائض والمواريث منه ، باب ٣ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث (٥).

٣٠٠