بلغة الفقيّة - ج ٤

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤١

والطبقة الثالثة وهم الأعمام ، والعمّات ، والأخوان ، والخالات ـ صنف واحد ، خلافا لنادر منا ـ كما ستعرف ـ إلا أن الداني منهم يمنع العالي ، ذكرا كان أو أنثى ، فإن العم يمنع عمّ الأب ، وهو يمنع عمّ الجدّ ، وهكذا ما تصاعدوا وكذا الخال الأدنى يمنع الخال الأبعد ، والعمّة والخالة كالعمة والخال ، وأولادهم أولاد الأعمام وأولاد الأخوال ، ما تنازلوا ، غير أن القريب منهم يمنع البعيد مطلقا ، فالعم يمنع ابني الخال والخالة ، وكذا الخال بمنع ابني العم والعمّة وابن القريب ـ وإن بعد ـ يمنع البعيد وأولاده ـ والقريب من أولاد أحدهما يمنع البعيد من أولاد الآخر ، لأنهم صنف واحد ، إلا ابن العّم للأبوين فإنه يمنع العم لأب ـ وحده ـ للدليل الخاص ـ كما ستعرف ـ ولا يمنع البعيد القريب في غيره ، ولا يرث معه ، إلا إذا لم يزاحمه في استحقاقه كما جزم به جدنا (في المصابيح) تبعا للدروس ، مثل أخ حر وولد نصفه حر ، فان المال بينهما نصفان ، وقد يتفق ذلك في الاخوة والأجداد بغير حجب ، كما لو اجتمع الجد الأعلى لأب مع الأدنى لأم ـ وكان معهما إخوة للأب ـ فللجد للأم فرضه ، والجد البعيد لا يزاحمه فيه ، فلا يحجب به ، وانما يزاحم الاخوة ، وهم لا يحجبونه ، ولو كان الجد الأدنى للأم يحجب الجد الأعلى للأب لعبده لما شارك الجد الأعلى مع الأخوة ، مع أنه يشاركهم ، وكما لو اجتمع الجد الأعلى لأم مع الأدنى لأب ـ ومعهما إخوة للأم ـ فإن الجد الأدنى للأب لا يحجب الأعلى للأم لاختصاصه بالثلثين ، والجد الأعلى ـ لكونه غير محجوب بالأدنى ـ يشارك الإخوة للأم. وسيأتي تحقيق ذلك في الحجب ، والمتقرب بالأبوين يمنع المتقرب بالأب خاصة.

١٨١

(المقدمة الثانية في الموانع وهي أمور)

(الأول) الكفر. وهو : مقابل الإيمان (١) الذي هو التصديق

__________________

(١) الذي يستعرض كتب اللغة والتفسير والعقائد وبعض كتب الأخبار في هذا الشأن يلمس الإيجابية في حقيقة الكفر ودخل عدم الايمان في ذلك ففي القاموس ـ مثلا ـ يعرّفه بأنه ضد الايمان. وكذلك غيره من كتب اللغة فان عامتهم يأخذون في حقيقته : الجحد والمعاندة والتغطية أيضا وكذلك نلمس المقابلة واضحة في تعاريف الكفر والايمان معا الواردة على ألسنة أهل التفسير والعقائد والحديث ، ففي التجريد للخاجة نصير الطوسي : «والايمان التصديق بالقلب واللسان ـ الى قوله ـ والكفر عدم الايمان إما مع الضد أو بدونه ..»

وفي شرحه للعلامة الحلي : «الكفر في اللغة هو التغطية ، وفي العرف الشرعي هو عدم الايمان إما مع الضد ، بأن يعتقد فساد ما هو شرط في الايمان ، أو بدون الضد كالشاك الخالي من الاعتقاد الصحيح والباطل» وتتضح المقابلة أكثر لو استعرضنا بعض الآيات والروايات في المقام كقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ). وقول الامام الصادق (ع) ـ كما في أصول الكافي ـ : «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه ، فمنها كفر الجحود ، والجحود ، على وجهين وكفر النعم ، والكفر بترك ما أمر الله ، وكفر البراءة ..» فالمقابلة بين الكفر والايمان إيجابية واضحة حتى كأنهما ـ أو هما ـ من المعاني المتضايفة التي يدخل أحدهما في تعريف الآخر كالفوقية والتحتية ، والإمامية والورائية ونحوهما الأمر الذي يعطى أن تقابلهما من باب العدم والملكة أو الضدين ، لا من باب السلب والإيجاب ـ كما قيل ـ ، فهي مقابلة بالمعنى الأخص. وقد تكون المقابلة بين الكفر والإسلام ، ولكن لا على هذا الغرار ، بل بالمعنى

١٨٢

بالمعارف الخاصة مطلقا ، أو منضما إليه الإقرار باللسان فقط ، أو هو مع العمل بالأركان (١).

والإسلام أعم منه مطلقا على قول (٢) أو متحد معه صدقا لا مفهوما

__________________

الأعم أي مقابلة السلب والإيجاب.

وبالجملة : فقد يراد بالكفر : ما يقابل الإسلام من حيث ترتيب الآثار الشرعية : من النجاسة والهدر وقطع المناكحات والتوارث ونحوهما مما يترتب على محض إظهار الإسلام. وملاكه : إنكار ما يعتبر في حقيقة الإسلام بالمعنى الأعم من الاعتراف بالشهادتين والمعاد. وقد يراد بالكفر : ما يقابل الإيمان الذي هو الإسلام بالمعنى الأخص ـ : من الاعتراف بجميع ما يعتبر في الإسلام وزيادة الإمامة والعدل ونحوهما من ركائز الايمان ـ كما هي مدرجة في كتب العقائد. وقد لا يستلزم إنكار ذلك ترتب الآثار الشرعية المذكورة ظاهرا : من النجاسة ونحوها ، ولكنه معدود في الآخرة من الكافرين.

(١) ولقد عرفه الشيخ المفيد ـ قدس سره ـ في كتبه العقائدية باحتواء هذه المفاهيم الثلاثة فقال : «الايمان التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان» آخذا ذلك من كثير من الروايات ، من ذلك ما أخرجه (ابن ماجة وابن مردويه والطبراني والبيهقي) ـ في شعب الايمان ـ عن علي بن أبي طالب (ع) قال قال رسول الله (ص) : «الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان».

(٢) بمعنى أن النسبة بين الإسلام والايمان من العموم والخصوص المطلق ، والخصوصية في جانب الايمان. وهذا المعنى يظهر لكل من يصوّب نظره في كتب اللغة والتفسير والحديث والعقائد ، فكتب اللغة تعرّف الإسلام بالإذعان والانقياد والاستسلام والدين ونحو ذلك من المفاهيم العامة ـ

١٨٣

على قول آخر ، أو متحد معه فيهما وان اختلفا حكما على قول ثالث ، وهو الأقوى ، فالتصديق معتبر فيهما.

والكفر : عدم التصديق بما يكون التصديق به إيمانا سواء صدّق بعدمه أولا ، وقيل بالأول. والأول هو الأشهر الأظهر ، فالخالي عن التصديقين ممن يكون من شأنه التصديق ـ سواء كان ملتفتا كالشاك أو غير ملتفت كمن لم تبلغه الدعوة ـ كافر على الأول ، وواسطة على الثاني.

مع إمكان دعوى كون الثاني خارجا عن المقسم ، لأن التقسيم انما هو بالنسبة إلى الملتفت دون الغافل.

وأما الصغير ومن بلغ مجنونا ، فهما واسطة على كل تقدير ، لعدم الشأنية فيهما الموجب للخروج عن المقسم ، ولعلهما يندرجان في المستضعفين ولا يتوهم النقض بما يوجب الكفر من الأقوال والأفعال كالسب وإلقاء المصحف في القاذورات مع وجود التصديق بأصول الايمان.

__________________

ـ وتعرّف الايمان بالتصديق والإذعان والاعتقاد ونحو ذلك من تركيز تلك المفاهيم. وهكذا كتب التفسير ، ففي تفسير قوله تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) يقول الأزهري ـ كما في لسان العرب ـ : «فالإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به سيدنا رسول الله (ص) وبه يحقن الدم ، فان كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان الذي هذه صفته ..»

وكذلك يظهر هذا المعنى من الكليني في أصول الكافي ، والبرقي في محاسنه ـ عن أحدهما (ع) حيث يقول : «الايمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلا عمل» ، وما في خصال الصدوق ـ بسنده عن الأعمش ـ عن جعفر بن محمد (ع) ـ في حديث ـ : «والإسلام غير الايمان ، وكل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنا». وغيرها كثير مما يدل على هذا المعنى.

١٨٤

أما أولا ، فلمنع اجتماع مثل ذلك مع الايمان وانكشاف زوال التصديق بصدور واحد منهما كالإقرار الكاشف عمّا في القلب. وأما ـ ثانيا ـ فلو سلم بقاؤه فعل الحكم بكفره من الشارع انما هو لحسم التجري على مثل ذلك ، ولا استبشاع في كون الشخص الواحد في الزمان الواحد كافرا ومؤمنا باعتبار الظاهر والباطن ، كمن أقرّ بالشهادتين بالمحكوم بإسلامه مع عدم الاعتقاد بما أقرّ به.

وكيف كان ، فالكافر لا يرث المسلم بإجماع المسلمين والمسلم ـ عدا الامام ـ وان كان بعيدا يرث الكافر ، وإن كان له وارث قريب ، ويحجبه إجماعا منها ، خلافا لمن خالفنا ، تمسكا منهم بحديث : «لا توارث بين أهل ملّتين» (١) وفيه ـ مع إمكان دعوى ظهوره في نفي التوارث من الطرفين لا نفيه من طرف واحد ـ إنه مفسر بذلك في عدة من أخبارنا.

ويدل على ذلك كله ـ مضافا الى الإجماع بقسميه ـ النصوص المعتبرة المستفيضة ، بل المتواترة معنى وفيها الصحيح وغيره.

ففي الخبر عن أبي ولاد : «قال سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ

__________________

(١) في (مجمع الزوائد للهيثمي : ج ٤ ص ٢٢٥) الطبعة الثانية سنة ١٩٦٧ م طبع دار الكتاب بيروت : «عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) : لا ترث ملة ملة. رواه البزاز والطبراني في الأوسط. وفيه عمر بن راشد ، وهو ضعيف عند الجمهور».

وفي (التاج الجامع للأصول) تأليف الشيخ منصور علي ناصيف : ج ٢ ص ٢٥١ الطبعة الثانية سنة ١٣٨١ ه‍ ـ كتاب الفرائض والوصايا والعتق : «عن أسامة بن زيد عن النبي (ص) : لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم. رواه الأربعة ، ولأصحاب السنن : لا يتوارث أهل ملتين شتى».

١٨٥

يقول : المسلم يرث امرأته الذمية ، وهي لا ترثه» (١) وخبر الحسن بن صالح «عن أبي عبد الله (ع) قال : «المسلم يحجب الكافر ويرثه ، والكافر يحجب المسلم ولا يرثه» (٢) وخبر أبي خديجة : «عن أبي عبد الله (ع) قال : لا يرث الكافر المسلم ، وللمسلم أن يرث الكافر ، إلا أن يكون المسلم قد أوصى للكافر بشي‌ء» (٣) وخبر عبد الرحمن بن أعين عن أبي عبد الله (ع) قال : «لا يتوارث أهل ملتين نحن نرثهم ولا يرثونا إن الله عز وجل لم يزدنا بالإسلام إلا عزا» (٤) وخبر أبي العباس قال : «سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا يتوارث أهل ملتين يرث هذا هذا ويرث هذا هذا ، إلا أن المسلم يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم» (٥) الى غير ذلك من النصوص الوافية ببيان ذلك.

وأما الامام ، فلا يرث من الكافر ، وإلا لامتنع التوارث بين الكفار إلا المرتد ، فميراثه مع عدم المسلم الوارث للإمام ـ كما ستعرف ـ

ولو مات الكافر عن ولد كافر وزوجة مسلمة كأن أسلمت ومات في العدة أو طلقها في المرض فمات وأسلمت في العدة ، فالأصح ـ وفاقا لظاهر المعظم كما في (مصابيح) جدي العلامة ـ أن للزوجة الربع ، والفاضل للإمام ، ولا شي‌ء للولد : أما كون الزوجة لها الربع فلأن الولد الكافر بحكم المعدوم مع الوارث المسلم ـ وهو هنا الزوجة ـ فلا يرث ولا يحجبها عن نصيبها الأعلى بعد تنزيله منزلة العدم ، وأما كون الفاضل للإمام (ع) فلأنه إن لم يكن له ، فلا يخلو : إما أن يكون للولد أو للزوجة. لا سبيل إلى الأول ، لأنه محجوب بالوارث المسلم وهو الزوجة ، لعدم مشاركة الكافر مع المسلم في الإرث فلا يحجب الإمام أيضا ، والامام (ع) إنما

__________________

(١) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث ، باب ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث (١).

(٢) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث ، باب ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث (٢).

(٣) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث ، باب ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث (٣).

(٤) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث ، باب ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث (٦).

(٥) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث ، باب ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث (١٥).

١٨٦

يحجب عن إرث الكافر بالكافر الوارث المفقود في المقام لا مطلقا. ولا سبيل الى الثاني أيضا ، لما دل على عدم الرد على الزوجة مطلقا ، كما هو الأقوى فإذا بطل الأولان تعين الثالث ، وهو كونه للإمام (ع).

واحتمل في (القواعد) في المسألة احتمالات ، وقوى كون الثمن للزوجة والباقي للولد حيث قال : «فان قلنا بالرد فلا بحث ، وإلا فأقوى الاحتمالات : أن للزوجة الثمن ، والباقي للولد ، ثم الربع والباقي له أولها أو للإمام (ع) (١).

ولنبين أولا وجوه الاحتمالات حتى يمتاز القوي منها عن الضعيف :

أما وجه القول بكون الربع لها والباقي للإمام (ع) فقد عرفته (٢) وأما وجه القول بأن لها الثمن والباقي للولد : أما كون الثمن لها ، فلدخولها في عموم أو إطلاق (فلهن الثمن إن كان له ولد) وهذا ولد وأما كون الباقي للولد ، فلأنه ان لم يكن له : فاما أن يكون لها أو للإمام (ع) ، لا سبيل إلى الأول لأنها بالنسبة إلى الباقي كالمعدوم لفرض عدم الرد عليها ، ولا إلى الثاني لأن الكافر يرث من الكافر مع عدم مسلم غير الامام ، والمفروض عدمه هنا حكما بالنسبة إلى الباقي.

ويضعفه عموم حجب الكافر بالمسلم وإطلاق الأصحاب عدم إرث الكافر مع وجود مسلم غير الامام ، وتنزيلهم الكافر منزلة الموتى في الإرث وأنه لو ورث ، فأما أن ترث الزوجة الربع ، وهو خلاف فرضها مع الولد الوارث ، أو الثمن فيلزم حجب المسلم بالكافر ، وهو باطل بالنص

__________________

(١) راجع ذلك في كتاب الفرائض ، أوائل الفصل الثاني في موانع الإرث ، المطلب الأول ـ في الكفر. وأول العبارة هكذا «ولو كان مع الولد الكافر زوجة مسلمة ، فإن ..».

(٢) آنفا من قوله : «أما كون الزوجة لها الربع ..» إلخ

١٨٧

والإجماع من الأمة عدا ابن مسعود ـ كما قيل.

وأما وجه القول بأن لها الربع والباقي له : أما كون الربع لها ، فلان الكافر لا يحجب المسلم ، فلها الربع مع عدم الحاجب. وأما كون الباقي له فلعين ما تقدم : من كون الباقي ـ عدا الثمن ـ له لا لها ، ولا للإمام (ع) وضعفه يظهر مما تقدم.

وأما وجه القول بأن الباقي لها بالرّد ، فهو ما دل على عدم إرث الكافر مع وجود المسلم وعدم إرث الإمام من الكافر ، وهو حسن بالنسبة الى عدم كون الباقي للولد.

وأما الرد عليها ، فيضعّفه ما دلّ على المنع عنه مطلقا ، ولا دليل يوجب تخصيص منع الرد عليها بغير المقام.

وأما الامام ، فقد عرفت أنه انما يحجب بالكافر الوارث لا مطلقا ، والوارث المسلم هنا ـ وهو الزوجة ـ يجتمع مع الإمام في الإرث.

وبالجملة : لا سبيل إلى إرث الولد ما فضل عن نصيب الزوجة ، لأنه حينئذ : ان كان لها الربع كان منافيا لما دلّ على أن نصيبها الثمن مع الولد الوارث ، وان كان لها الثمن كانت محجوبة في نصف الربع بالكافر ، والكافر لا يحجب المسلم. فاذا بطل كون الفاضل له : فإما أن يكون لها أو للإمام ، لا سبيل إلى الأول أيضا ، لعدم الرد عليها مطلقا ، فتعين كونه للإمام ، وحيث لا يكون الولد وارثا لا يكون حاجبا عن نصيبها الأعلى.

(والنقض) بالأخوة الحاجبة للأم عن نصيبها الأعلى مع عدم إرثهم (مدفوع) بأنه قياس مع الفارق ، لقيام الدليل على حجب المسلم غير الوارث للمسلم ، ولم يقم دليل على حجب الكافر كذلك للمسلم ، بل عموم ما دل على عدم حجب المسلم بالكافر دليل على العدم.

فظهر قوّة ما قوّيناه من الاحتمالات ، وضعف الباقي منها.

١٨٨

هذا وظاهر عبارة (القواعد) التنافي بين كلاميه ، حيث بنى الاحتمالات على القول بعدم الرد عليها وجعل منها احتمال الرد عليها.

(ووجّهه في كشف اللثام) (١) بما يرجع محصله ـ بتوضيح منا ـ الى أن المبنى هو نفي عموم الرد ، لا عموم نفيه ، فإنه في مقابل الإيجاب الكلي وهو قوله «فان قلنا بالرد فلا بحث» يكفي السلب الجزئي الذي يجتمع مع القول بالتفصيل : من كونه للإمام في زمان حضوره ، والرد عليها في غيبته ، وبعبارة أخرى : إن لم نقل بالرد مطلقا سواء قلنا بعدمه مطلقا أو في خصوص زمان الحضور. وحينئذ فاحتمال كون الباقي لها منزّل على زمان الغيبة ، واحتمال كونه للإمام منزل على زمان الحضور أو القول بالعدم مطلقا.

وفيه : مع أنه تفكيك ركيك أن القول بالرد في الغيبة أيضا يناسب عدم البحث فيه ، لأنه كالقول بالرد عليها مطلقا من حيث كون الباقي لها فالمناسب أن يكون المقابل الذي فيه البحث عدم الرد عليها مطلقا في زمان الحضور والغيبة.

فالأحسن أن يجاب عنه : بأن الرد المنفي الذي لا بحث فيه إنما هو الرد عليها بالأصل ، فلا ينافي الرد عليها هنا بالعرض ، للانحصار فيه بعد بطلان كون الباقي للولد ، لأنه محجوب بالزوجة المسلمة ، وبطلان كونه للإمام ، لأنه لا يرث الكافر غير المرتد ، وإلا لامتنع التوارث بين الكفار ، فانحصر كونه لها في خصوص المقام.

هذا ولا يتوهم منافاة ما ذكرناه آنفا : من اشتراط الحجب بالمزاحمة

__________________

(١) كشف اللثام في شرح قواعد الأحكام لمحمد بن الحسن الأصفهاني الشهير بالفاضل الهندي. راجع ذلك منه في كتاب الفرائض : أوائل المطلب الأول في الكفر من الفصل الثاني في موانع الإرث.

١٨٩

بحيث ينتفي بانتفائها ، لما ذكرنا هنا : من حجب الزوجة المسلمة الولد الكافر مع عدم مزاحمته لها فيما زاد على نصيبها الأعلى ، لأن حجب القريب للبعيد في «أولى الأرحام» انما هو إذا زاحمه على وجه يكون المال له لولاه ، ضرورة اختصاص الأولوية آية ورواية بالميراث فحيث لا ميراث لا أولوية. وسبب الحجب في المقام إنما هو حيثية الإسلام والكفر ، زاحم أو لم يزاحم ، فأثر الحجب هنا توريث الامام كأثر حجب الأخوة للأم. للتوفير على الأب.

ولو كان الكفر تبعيا بان مات الكافر وله أولاد صغار وله ابن أخ وابن أخت مسلمان ، فعن مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر (ع) عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم وابن أخت مسلم ، وللنصراني أولاد صغار وزوجة نصارى؟ قال فقال : أرى أن يعطى ابن أخيه ثلثي ما ترك ويعطى ابن أخته المسلم ثلث ما ترك ، ان لم يكن له ولد صغار ، فان كان له ولد صغار فإن على الوارثين أن ينفقا على الصغار مما ورثا من أبيهم حتى يدركوا قيل كيف ينفقان؟ قال فقال : يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة ، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة ، فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم ، قيل له : فإن أسلموا وهم صغار؟ قال : يدفع ما ترك أبوهم الى الامام حتى يدركوا ، فان بقوا على الإسلام دفع الامام ميراثهم إليهم ، وان لم يبقوا على الإسلام إذا أدركوا دفع الامام الميراث الى ابن أخيه وابن أخته المسلمين : يدفع الى ابن أخيه ثلثي ما ترك ، ويدفع الى ابن أخته ثلث ما ترك» (١).

وتنقيح المسألة : هو أن يقال : الكفر التبعي الحاصل بالتولد من الكافرين : هل يزول بموتهما كما في (كشف اللثام) حيث علل بأن كل

__________________

(١) الكافي للكليني : كتاب المواريث. باب آخر ميراث أهل الملل حديث (١).

١٩٠

مولود يولد على الفطرة ، وإنما حكم بكفر الصغير تبعا لأبويه ، فإذا ماتا زالت التبعية ، أو لا يزول؟ وهو الأقوى ، بل هو ظاهر إطلاق الأصحاب في مباحث النجاسات وأحكام الموتى والنكاح والقصاص والديات والاسترقاق وغيرها.

وعليه ، فهل يزول بالإسلام مطلقا ، أو يتوقف على إسلامه عند البلوغ؟ الأقوى الأول ، بعد تنزيل ما دل على التبعية على الغالب من نقصان الصبي عن إدراك الأديان وتمييز ما هو الحق منها ، وإلا فلو فرض معرفته بأصول الايمان معرفة تامة وتصديقه بها ، فهو مسلم حقيقة غير محكوم عليه بالتبعية ـ البتة ـ ولو مع وجود الأبوين ، إلا أن إسلامه غير مستقر ما لم يبلغ ، فاذا بلغ كذلك استقر. كما أن الكفر التبعي لا يستقر إلا بالبلوغ كافرا ، فكل : من الكفر والإسلام متزلزل لا استقرار له الا بعد البلوغ بل ما دل على أن الكافر لو أسلم قبل القسمة شاركهم في المال أو حازه كله (١) يدل على أن حجب الكافر من الإرث بالمسلم يتوقف على أمرين : البلوغ والقسمة ، ولذا لو أسلم قبلها ورث المال ـ كلا أو بعضا ـ لوجود العلقة النسبية وزوال المانع ، فالحجب حين الكفر في الصغر حجب متزلزل لا يستقر إلا يتحقق الأمرين. وحينئذ فمن حيث حجبهم ولو متزلزلا لا يعطى المال للمسلمين يحفظانه ولا يتصرفان فيه ، لعدم استقرار الحجب قبل البلوغ

__________________

(١) أى شاركهم إن كان معه غيره ، وحازه كله ، إن انفرد بحق الإرث. ولقد عقد في الوسائل كتاب الفرائض والمواريث بابا مستقلا في هذا المعنى أسماه : (باب أن الكافر إذا أسلم على ميراث قبل قسمته شارك فيه إن كان مساويا ، واختص به إن كان أولى) استعرض فيه الروايات الدالة على ذلك ، كقول الامام الصادق (ع) : «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه ، وان أسلم وقد قسم فلا ميراث له».

١٩١

والقسمة ، وينفقان عليه لاحتمال زواله قبلها الكاشف عن إرثه من أول الأمر ، كما أن بقاءه على الكفر بعد البلوغ مع عرض الإسلام عليه وإبائه عنه يكشف عن إرث المسلم من حين الحجب. وأما إذا أسلم في حال الصغر ارتفع الحجب لزوال الكفر التبعي بعروض الإسلام وتحققه حقيقة ، ولكن يتوقف استحقاقه الإرث على الاتصاف به بعد البلوغ كالحمل المتوقف إرثه على تولده حيا بحيث لو ولد ميتا انكشف عدم إرثه إلا أنه لعدم استقراره قبل البلوغ تولى حفظه وليّ المسلمين ، وهو الامام (ع) وأنفق عليه ما يحتاج اليه ، وإن لم ينص عليه في الرواية إلا أنه معلوم بالأولوية : من إنفاق المسلمين الوارثين ، فإن بقي على إسلامه بعد البلوغ دفع إليه إرثه ، وإلا دفعه الى الوارث المسلم ، وهذا القسم من الإسلام لعدم كونه فطريا لا يوجب الارتداد عنه الارتداد عن فطرة ، كما أن الارتداد عنه في حال الصغر لعدم المؤاخذة عليه لرفع القلم لا يجرى عليه أحكام المرتد الفطري ، وان حكم بكفره حقيقة.

وبالجملة ، ما ذكرناه هو مفاد (الرواية) على تقدير صحة سندها ، إلا أن الشأن في ذلك ، حيث وقع الخلاف فيه : فمنهم من وصفها بالصحة كالعلامة في بعض كتبه والشهيد في الدروس ومحكي (شرح الإرشاد) وابن فهد في (محكي المهذب) بل عن جدنا المجلسي نسبته الى أكثر الأصحاب ، ومنهم من ضعفها لتردد مالك بن أعين بين أخي زرارة الضعيف والجهني المجهول ، وفي بعض نسخ (الفقيه) أسندها اليه والى عبد الملك ، وعليه الحر في (الوسائل) بل أكده بعد العطف بالواو بلفظ (جميعا) وعبد الملك ـ وإن كان ممدوحا ـ إلا أنه بغير توثيق ، وعليها فتكون الرواية بطريق (الفقيه) حسنة ، وأين الحسن من الصحيح؟ وفي بعض نسخه ـ على ما حكاه جدنا في (المصابيح) ـ الترديد بين مالك

١٩٢

وعبد الملك بلفظ أو ، بل خطأ فيه الوسائل في العطف بالواو ، وعن (الوافي) أيضا : الترديد بأو ، دون العطف بالواو. ومع الاحتمالين لا يوصف السند إلا بالأخ بل ذكر عبد الملك بن أعين في طريق الصدوق يؤيد كون مالك أخا زرارة وهو مذموم.

وعلى كل حال ، فالرواية ضعيفة السند ، الا أن يقال بانجبارها بالشهرة ـ بقسميها ـ رواية وفتوى ، لظهور رواية الراوين لها في العمل بها ، مضافا الى نسبة الفتوى بها الى المفيد والقاضي والحلبي وابن زهرة والكيدري ونجيب الدين وابن سعيد في الجامع ، بل في الدروس : أن عليها معظم الأصحاب. وعن (المسالك) نسبة ذلك الى أكثرهم ، وإن اختلفوا فبعض اقتصر على موردها ، ونسب المقتصر على موردها في (المصابيح) إلى الندرة ، وبعض عنون المسألة بما إذا اجتمع مع الأولاد الإخوة للأب والأخوة للأم ، وهو المحكي في (المصابيح) عن الشيخين والقاضي ، وبعض طرّد الحكم في اجتماع القرابة مطلقا معهم كالحلبيين والمحقق الطوسي والكيدري على ما حكاه عنهم في (المصابيح) والظاهر من المقتصر على مورد الرواية أو على إخوة الأب والأم في الذكر انما هو من باب المثال ، والا فالحكم عندهم مطرد كمن أطلق الحكم من غيرهم.

واختلف بعض المتأخرين : فبين من طرحها لضعفها كثاني الشهيدين في (المسالك) وجدنا في (المصابيح) وغيرهما ، وبين من توقف في العمل لضعف السند ، ومخالفة المتن للأصول المقررة والقواعد المسلمة : من إيجاب النفقة على الورثة بلا سبب وذهابها ممن يستحقها من غير عوض ، واعتبار إسلام الصغير في الحكم بإرثه مراعى وتوريث من أسلم بعد القسمة ومنع الوارث المسلم من دون حاجب ، فان الطفل تابع لأبويه في الكفر إجماعا ، ولو لا التبعية لاطرد الحكم في الأطفال مطلقا ولكان المتصرف

١٩٣

بالإنفاق عليهم الولي الشرعي دون القرابة ، ولم يقل به أحد.

وأنت خبير بما في موجبات الطرح أو التوقف : أما ضعف السند ، فمع كونه مجبورا فطريقه صحيح الى مالك بن أعين ، وفيه الحسن بن محبوب ، وهو من أصحاب الإجماع ، ولعله لذا وصفها الأكثر بالصحة واعترفوا بكونها من المشاهير ، فهي ـ إذا ـ حجة لا بأس بتخصيص العمومات بها. وأما مخالفة المتن للأصول فيما ذكرناه ظهر لك عدم مخالفته لشي‌ء منها ، لان بذلك النفقة انما هو لكون علقة النسب مقتضية للإرث والمانع ـ وهو الكفر التبعي ـ وحجبه بالمسلم لعدم استقراره قبل البلوغ غير معلوم ، ولذا لا يرجع عليه بعوضها أو قبض الوارث المسلم أو المسلمين للحجب المتزلزل انما هو مراعى باستقرار الحجب عند البلوغ ، فليس قبض استحقاق للإرث حتى يكون قسمة ، فمن بلغ وقبل الإسلام كان أحق بالإرث ولم يندرج في مسألة (من أسلم بعد القسمة) لعدم تحققها وإن بقي على الكفر تحقق المانع واستقر الحجب وكان الإرث للوارث المسلم أو المسلمين.

ولو أسلم الصغير زالت التبعية وينفق عليه بالأولوية ، ويتولى قبض المال ولي المسلمين ، إلا أن إسلامه لتزلزله وعدم استقراره قبل البلوغ لا يكون كالصغير المتولد من المسلم في استحقاق الإرث من حينه ، بل يكون مراعى بانكشاف حاله عند البلوغ : فإن بقي على إسلامه إلى البلوغ دفع إليه إرثه لاستقرار إسلامه ، وإلا حجب بالوارث المسلم ودفع اليه وبالجملة ، فمن حيث تحقق الإسلام وزوال الكفر التبعي به لم يتول الوارث المسلم قبض المال ، ومن حيث عدم استقراره قبل البلوغ تولّى قبضه الامام.

فقد ظهر لك مما ذكرنا عدم مخالفة الرواية بشي‌ء من القواعد.

١٩٤

وإن أبيت عن ذلك فنقول : بعد حجية الخبر لما تقدم يكفي الخروج به عن تلك القواعد. وإن سلمت مخالفته لها ، فالأظهر ما عليه الأكثر ، وان كان الاحتياط مع الإمكان لا ينبغي تركه.

بقي هنا مسائل :

(الأولى) الكفّار يتوارثون على اختلاف أصنافهم في الملّة ما لم يكن مسلم وارث غير الامام ـ وان بعد ـ فيرث الذمي بأصنافه الحربي بأصنافه ، وبالعكس. وما ورد : من أن أهل ملّتين لا يتوارثون ، فالمراد ملة لكفر وملّة الإسلام (١) وإلا فالكفر ـ كما ورد ـ ملة واحدة ـ كما أن المسلمين يتوارثون على اختلاف مذاهبهم ، لاتحادهم في الملّة ، إلا الغلاة والنواصب وشبههم ، فإنهم كفّار وان انتحلوا دين الإسلام ، فنرثهم ولا يرثوننا ، والطفل يتبع أشرف الأبوين إذا اختلفا في الكفر والإسلام.

فالكلام في هذه المسألة يتم في ضمن ثلاثة مطالب :

(المطلب الأول) في توارث الكفار الأصليين بعضهم من بعض مطلقا. ويدلّ عليه ـ مضافا الى عموم ما دل على سببية النسب والسبب للإرث ـ خصوص المعتبرة المستفيضة ـ بل المتواترة معنى ـ الدالة على ذلك منطوقا ومفهوما (٢) ، والإجماع المستفيض المعتضد بعدم وجدان الخلاف فيه ، إلا ما يحكى عن (الديلمي) فيتوارثون ما لم يكونوا حربيين ، وما يحكى عن (شارح الإيجاز) فالحربي لا يرث الذمي. ولعل الوجه في ذلك :

__________________

(١) كما مرت ـ آنفا ـ الروايات الواردة عن الأئمة الأطهار (ع) في هذا المعنى.

(٢) ولقد عقد في الوسائل ـ كتاب الفرائض والمواريث ـ لذلك بابا خاصا في ضمن أبواب موجبات الإرث ، فقال : باب أن الميراث يثبت بالنسب والسبب.

١٩٥

أن أموالهم في‌ء ، فلا يملكها أحد منهم ، والذمي يملك منهم ولا يملكون منه ، وفيه ـ مع مخالفته لعموم ما دلّ على توارث الكفار ـ أن غايته سقوط احترام ماله وجواز مزاحمته فيه ، لا عدم تملكه له بالإرث وغيره

(المطلب الثاني) في توارث المسلمين : بعضهم من بعض وان اختلفوا في المذهب ، وهو مدلول عليه بالكتاب والسنة والإجماع : عموما وخصوصا بل هو من ضروريات الدين.

نعم يستثني منهم من حكم بكفره من الفرق التي :

(منها) من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كمستحلّ الخمر والخنزير ، وترك الصلاة والزكاة ، بالإجماع المحكي فوق حدّ الاستفاضة المعتضد بعدم الخلاف فيه ، وإن اختلفوا في كون الإنكار : هل هو بنفسه سبب مستقل على حدّ إنكار التوحيد والرسالة ـ كما نسب إلى الأكثر بل عن بعض الى ظاهر الأصحاب ـ ولعله لإطلاق حكمهم بكفر منكر الضروري أو لاستلزامه عدم تصديق النبي أو تكذيبه فيما جاء به ، كما هو قضية من قيّد الإنكار بعدم الشبهة المحتملة في حقه كالمقدس الأردبيلي في (مجمعه) والمحقق الخوانساري في (حاشيته الجماليّة) والوحيد البهبهاني في (شرح المفاتيح) (١) وغيرهم ، لأن مرجع الشبهة إلى إنكار كونه مما أخبر به

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد العلامة ، للمقدس المولى أحمد بن محمد الأردبيلي المتوفى في النجف الأشرف سنة ٩٩٣ ه‍. طبع بايران في مجلد ضخم بالشكل الحجري ، وحاشية شرح الإشارات للمحقق الآقا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري المتوفى سنة ١٠٩٩ في الفلسفة والعقائد. ولعله لا يزال من نفائس المخطوطات ، وربما توجد نسخة منه في مكتبة آل كاشف الغطاء في النجف الأشرف. وشرح مفاتيح الشرائع للأستاذ الأكبر الآقا الوحيد البهبهاني المتوفى سنة ١٢٠٦ في كربلاء ، ودفنه

١٩٦

النبي ، لا إنكار ما أخبر به (١).

وعليه فيختص الحكم به بأهل المعرفة بكونه من الضروريات دون من جهله ، فيعم الحكم من أنكر ضروريا من ضروريات المذهب ، وكان هو من أهل ذلك المذهب كمن أنكر حلية التمتع ، أو قال بالعول والتعصيب وهو من الإمامية ، لعلمه بأن حلية الأول وعدم ثبوت الثاني من ضروريات مذهبه الذي يستند الى إخبار النبي به ، بل يعم الحكم لكل ما قطع بكونه مما أخبر به ، ولو من إجماع محصل ، فإنه حينئذ إنكار لما هو من الدين.

ولا بأس بنقل بعض عباراتهم في ذلك :

ففي (مجمع الأردبيلي) ما لفظه : «الضروري الذي يكفر منكره : الذي ثبت عنده يقينا كونه من الدين ولو بالبرهان ولو لم يكن مجمعا عليه ، إذ الظاهر أن دليل كفره هو إنكار الشريعة وإنكار صدق النبي في ذلك مع ثبوته يقينا عنده ، وليس كل من أنكر مجمعا عليه يكفر ، بل المدار على حصول العلم والإنكار وعدمه ، إلا أنه لما كان حصوله في الضروري غالبا جعلوا ذلك مناطا ، وحكموا به ، فالمجمع عليه ما لم يكن ضروريا لم يؤثر» وفي (الحاشية الجماليّة) قال : «ثم بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورة إنما يكون إنكاره كفرا إذا لم يكن ذلك لشبهة كأن يكون ـ مثلا ـ

__________________

تلميذه الأعظم السيد المهدي بحر العلوم مع أبيه السيد المرتضى في الرواق الحسيني مما يلي قبور الشهداء. خرج منه ثمان مجلدات في العبادات وتوجد بعض مجلداته في مكتبة أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف.

(١) وبتعبير أوضح : هل أن إنكار الضروري سبب مستقل للكفر على نحو الموضوعية أو أنه يوجب الكفر من باب الطريقية لإنكار الرسالة ولا يتحقق ذلك إلا بالالتفات؟ المشهور هو الأول ، والتحقيق هو الثاني لأنه القدر المتيقن من الأدلة ، ولتوقف الصدق العرفي للعنوان على ذلك المعنى.

١٩٧

قريب العهد بالدين ، ولم ينشأ بين أهله ، فلو كان لشبهة لا يحكم بكفره وذلك لأن الحكم بكفر منكر الضروري كالصلاة انما هو باعتبار أن كل من نشأ بين المسلمين وعاشرهم يعلم بديهة وجوب الصلاة في شرعنا وإخبار نبينا به ، فإنكاره لا يحتمل أن يكون باعتبار إنكار إتيان النبي (ص) به ، بل ليس منشأه الا عدم الايمان بالنبي والتصديق به ، وان كان يظهر الايمان ، ويقول بحسب الظاهر أن النبي لم يحكم بوجوبه ، فان ذلك للتقية أو نحوها. وأما في الباطن فلم يؤمن ، وليس منشأ الإنكار إلا ذلك ، وظاهر أن هذا انما يتمشى مع عدم الشبهة ـ كما ذكرنا ـ إذ من كان قريب العهد والصحبة بالإسلام والمسلمين ونشأ في بلاد الكفر بلا اطلاع منه على عقائد المسلمين ، فربما خفي عليه بعض ضروريات الإسلام وإخبار النبي (ص) فلو أنكره لم يعلم من إنكاره إنكار النبي فتفطن» وفي (شرح المفاتيح) للوحيد ما نصه : «إن كل من أنكر ضروري الدين يكون خارجا عنه عند الفقهاء إذا لم يحتمل فيه الشبهة إلا أن يكون قريب العهد بالإسلام أو ساكنا في بلاد الكفر معيشا فيها بحيث أمكن في شأنه عروض الشبهة» انتهى.

قلت : ولعل الذي ألجأ هؤلاء الى ما ذكروه ، هو عدم الدليل على سببية العنوان المتقدم بنفسه للكفر ، فالتجؤا إلى إرجاعه إلى حيثية استلزامه لعدم تصديق النبي أو تكذيبه الذي لا شك في سببيته له ، ولذا قيّدوا الإنكار بما يستلزم ذلك من عدم احتمال الشبهة ، وجعلوه هو الوجه في ذلك.

وهنا وجه آخر ، لعله أولى بالركون اليه يجتمع مع الوجه المذكور ويفترق عنه ، وهو : ان إنكار الضروري مستلزم لتحقق عنوان الخروج عن الدّين الذي لا شك في سببيته للكفر ، ضرورة أن التدين بدين الإسلام

١٩٨

معتبر في صحة الإسلام ، لأن (أسلم) عرفا وشرعا بمعنى (دان) بدين الإسلام بل ليس المراد من التكليف بالإسلام إلا التدين به واتخاذه دينا له والالتزام بنحو التدين بجميع ما هو معتبر فيه : من الأصول والفروع من التوحيد والنبوة ، والتصديق بجميع ما جاء به النبي (ص) ولو بنحو الإجمال ، ولا شك في صدق الخروج عن الدين الموجب للكفر بعدم التدين بحكم من أحكامه أو التدين بعدمه ، لتضمن الكتاب والسنة : أن من خرج عن دين الإسلام فهو كافر.

ففي الحديث : «أدنى ما يكون العبد به كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه أن الله أمر به ونصبه دينا ..» (١) الحديث.

وفي صحيحة أبي الصباح الكناني ، قال : «قلت لأبي جعفر (ع) ان عندنا قوما يقولون : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو مؤمن؟ قال (ع) : فلم يضربون الحدود ولم يقطع ـ الى أن قال ـ : فما بال من جحد الفرائض كافرا» (٢).

وفي مكاتبة عبد الرحيم الصحيحة ، وفيها «.. ولا يخرجه الى الكفر إلا الجحود والاستحلال بأن يقول للحلال : هذا حرام وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك ، فعندها يكون خارجا من الإسلام والايمان ، داخلا في الكفر» (٣).

__________________

(١) حديث مفصل ذكره الكليني في (ج ٢ من أصول الكافي) باب : أدنى ما يكون به العبد مؤمنا.

(٢) الوسائل : باب (٢) من أبواب مقدمة العبادات ، حديث ٣.

(٣) وهو عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : «أنه كتب اليه مع عبد الملك بن أعين : سألت ـ رحمك الله ـ عن الايمان. والايمان هو الإقرار ـ الى أن قال ـ : والإسلام قبل الايمان ..»

١٩٩

وفي صحيحة عبد الله بن سنان «قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت : هل يخرجه ذلك عن الإسلام ـ الى أن قال ـ فقال (ع) : من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك عن الإسلام ..» إلخ (١).

ونحوها رواية مسعدة بن صدقة المروية في (الكافي) في باب الكبائر (٢).

وصحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر (ع) «قال : سألته عن أدنى ما يكون به العبد مشركا؟ قال (ع) : من قال للنواة : حصاة وللحصاة : طنها نواة ثم دان به» (٣).

وما رواه في (الوسائل) عن تحف العقول عن الصادق (ع) ـ في حديث ـ قال : «.. ويخرج من الإيمان بخمس جهات من الفعل ، كلها متشابهات معروفات : الكفر والشرك والضلال والفسق وركوب الكبائر فمعنى الكفر كل معصية عصي الله بها بجهة الجحد والإنكار والاستخفاف والتهاون في كل ما دقّ وجلّ ، وفاعله كافر ، ومعناه معنى كفر من أي ملة كان ومن أي فرقة كان بعد أن يكون بهذه الصفات فهو كافر ـ الى أن قال ـ : فان كان هو الذي مال بهواه الى وجه من وجوه المعصية لجهة الجحود والاستخفاف والتهاون فقد كفر ، وان هو مال بهواه الى التدين لجهة

__________________

(راجع الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، باب ١٠ جملة مما يثبت به الكفر والارتداد ، حديث (٥٠).

(١) الوسائل : كتاب الطهارة ، باب ٢ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث (١٠).

(٢) الوسائل : كتاب الطهارة ، باب ٢ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث (١١).

(٣) أصول الكافي للكليني : كتاب الايمان والكفر باب الشرك ، حديث (١).

٢٠٠