بلغة الفقيّة - ج ٤

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤١

والثلاثة أتساع الباقية لمن تأخر. وعلى الثاني ، فالفريضة من ستة ، يقسم ثلثها ، وهو اثنان بينهما بالسوية ، ويختص صاحب الثلثين بثلث آخر ، والثلث الباقي لمن تأخر ، فلذي الثلث السدس ، ولذي الثلثين ثلاثة أسداس ، وسدسان وهو الثلث لمن تأخر ، وعلى الخطاب ، فلذي الثلث السدس ، ولذي الثلثين ثلثا خمسة أسداس ، وهما خمسة أتساع ، وهي عشرة من ثمانية عشر. وتوضيح ذلك موقوف على بيان ما ذكروه : من قاعدة كلية جارية في معرفة كمية إرث المبعض مع من كان في طبقته ـ حرّا كان أو مبعّضا ـ بناء على الخطاب ، وهي انه : إذا كان أحدهما بعضه حرّا وبعضه رقا فإنما تمنع حرّية البعض جزء نسبته الى ما يمنعه الكل كنسبة الجزء الحرّ الى الكل ، وبعبارة أخرى نقول : نسبة ما حجب بجزء الحرّية الى ما حجب بكلّها كنسبة جزء الحرّية إلى كلّها ، ففي المقام يقال : إنه لو كان من ثلثه حرّ حرّا كلّه لمنع من كله حرّ عن نصف التركة ، فثلث الحرّ يمنع ثلث النصف وهو السدس ، لان الوارث المساوي في الطبقة يحجب مساويه عن نصيبه ، والنصيب يتقدّر بقدر الحرية إذا لم تكن كاملة ونسبة السدس الى النصف كنسبة ثلث الحرّية إلى تمام الحرّية ، فيكون لمن كلّه حرّ خمسة أسداس المال التي بقيت بعد إخراج السدس ، وإذا لم يكن كله حرّا ـ بل ثلثاه كما في المثال المفروض ـ لم يستحق الخمسة أسداس ، وانما يستحق بثلثي حرّيته ثلثي ما كان يستحقه بكل حرّيته فله ثلثا خمسة أسداس ، وهما خمسة أتساع ، وهي عشرة من ثمانية عشر ـ كما تقدم ـ والى ذلك أشار ـ قدس سره ـ بقوله : «فلك بثلثي حرية خمسة أتساع ، ويقال للآخر : يحجبك أخوك بثلثي حربته عن ثلثي النصف وهو الثلث يبقى لك الثلثان ، ولك بثلث حرّية ثلث ذلك وهو التسعان ، ويبقى التسعان لباقي الأقارب» (١)

__________________

(١) راجع من المصدر الآنف من القواعد : آخر ما يحويه عنوان (د)

٢٤١

قوله : «الخامس ابن حرّ وبنت نصفها حرّ : للابن خمسة أسداس المال وللبنت سدسه. في الخطاب والتنزيل معا ..» (١).

إذ يقال في الخطاب للابن : لو كانت البنت حرّة حجبتك من ثلث المال فتحجبك بنصف حريتها عن السدس ، وللبنت : لو كنت حرة كان لك الثلث فلك بنصف الحرّية السدس ، وعلى تقدير جمع الحرّية يكون له أربعة أخماس المال ، ولها الخمس ، فتكون التركة بينهما أخماسا لأنه ابن كامل وربع ابن ، لان نصف البنت ربع الابن ، فأصل الفريضة خمسة : للابن أربعة وللبنت واحد.

هذا وأنت بعد الإحاطة بما ذكرناه تقدر على استخراج بقية الفروع التي ذكرها ـ قدس سره ـ بأدنى تأمل ، فلا حاجة الى إطالة الكلام فيها سيما بعد ضعف الاحتمالات ـ كما ذكره في المصابيح ـ مضافا الى أن طرق الاستخراج وتمييز قدر الاستحقاق بها في المؤدى مختلفة ـ كما في كشف اللثام ـ ففي بعضها يجرى الجميع ، وفي بعضها بعضها ، وقد يتفق المؤدى مع اختلاف الطرق ، وقد يختلف باختلافها ، ولا يكون المؤدى في الجميع واحدا حتى يكون مخيرا في طريق الاستخراج ، ولا يمكن القول بتوقف تعيّن قدر الاستحقاق على اختيار طريق منها للاستخراج لعدم دوران الواقع مدار اختيار طريق منها ، فصرف الوقت فيه تضييع للعمر ، مع كفاية ما ذكرناه في تشريح الذهن.

بقي في المقام مسائل :

(المسألة الأولى) لا يمنع الرق عن إرث من يتقرب به ، فولد المملوك الحر يرث من يتقرب به اليه ، بلا خلاف فيه ، بل الإجماع مستفيضا محكي

__________________

(١) المصدر الآنف من القواعد أول عنوان (ه) كناية عن الخامس.

٢٤٢

عليه ، مضافا الى ما روي عن الصادق (ع) في خبر مهزم : «في عبد مسلم له أم نصرانية وابن حر ، فماتت الأم يرثها ابن ابنها الحر» (١).

(المسألة الثانية) لو أعتق المملوك قبل القسمة شارك مع المساواة في الطبقة ، واختص بالمال إن كان أولى ، وليس له شي‌ء لو أعتق بعدها ، للإجماع ـ بقسميه ـ والنصوص المستفيضة التي (منها) : رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : «قال قضى أمير المؤمنين (ع) فيمن ادعى عبد إنسان أنه ابنه : أنه يعتق من مال الذي ادعاه ، فإن توفي المدعى وقسم ماله قبل أن يعتق العبد فقد سبقه المال ، وإن أعتق قبل أن يقسم ماله فهل نصيبه منه» (٢).

ورواية ابن مسكان عنه أيضا : «قال من أعتق على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه ، وان أعتق بعد ما يقسم فلا ميراث له» (٣).

ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال : «من أسلم على ميراث من قبل أن يقسم فهو له ، ومن أسلم بعد ما قسم فلا ميراث له ، ومن أعتق على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له ، ومن أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له» (٤) وغير ذلك ، وفي كون العتق قبلها كاشفا عن الملك من حين الموت فيكون المانع الرقية المستمرة ، أو ينتقل عند الموت الى الوارث غيره متزلزلا ويستقر بالقسمة وفي ما لو أعتق في أثنائها ، أو بعد قسمة البعض وتبعية النماء للعين وعدمها : ما تقدم في إسلام الكافر.

__________________

(١) مضمون رواية ذكرت في الوسائل : كتاب الفرائض ، باب ١٧ من أبواب موانع الإرث حديث (١).

(٢) المصدر الآنف من الوسائل ، باب ١٨ حديث (١).

(٣) المصدر الآنف من الوسائل ، باب ١٨ حديث (٢).

(٤) المصدر الآنف من الوسائل باب ٣ الكافر إذا أسلم على ميراث قبل قسمته حديث (٣).

٢٤٣

(المسألة الثالثة) لو لم يكن للميت سوى المملوك وارث عدا الامام اشتري من التركة وأعطي له الفاضل منها ، بلا خلاف في أصل الفك وان اختلفوا فيمن يفك. ودعوى الإجماع عليه ـ في الجملة ـ كالنصوص مستفيضة :

(منها) : رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال : «كان أمير المؤمنين (ع) يقول في الرجل الحر يموت وله أم مملوكة؟ قال : تشترى من مال ابنها ، ثم تعتق ثم يورثها» (١).

(ومنها) : رواية عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في رجل توفي وترك مالا وله أم مملوكة؟ قال : تشترى أمه وتعتق ثم يدفع إليها بقية المال» (٢).

(ومنها) : رواية ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال : «إذا مات الرجل وترك أباه وهو مملوك أو أمه وهي مملوكة أو أخا أو أختا وترك مالا والميت حر أشتري مما ترك أبوه أو قرابته وورث ما بقي من المال» (٣).

(ومنها) : رواية جميل بن دراج «قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يموت وله ابن مملوك؟ قال : يشترى ويعتق ثم يدفع اليه ما بقي» (٤)

(ومنها) : رواية عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله (ع) قال : «سألته عن رجل مات وترك مالا كثيرا وترك أما مملوكة وأختا مملوكة قال : تشتريان من مال الميت ثم تعتقان وتورثان ، قلت : أرأيت إن أبى

__________________

(١) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث ، باب ٢٠ من أبواب موانع الإرث ، حديث (١).

(٢) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٢).

(٣) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٣).

(٤) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٤).

٢٤٤

أهل الجارية ، كيف يصنع؟ قال : ليس لهم ذلك يقوّمان قيمة عدل ثم يعطى مالهم على قدر القيمة ، قلت : أرأيت لو أنهما اشتريا ثم أعتقا ثم ورثاه من بعد : من كان يرثهما؟ قال : يرثهما موالي أبيهما لأنهما اشتريا من مال الأب» (١).

(ومنها) : رواية إسحاق بن عمار «قال مات مولى لأمير المؤمنين (ع) فقال : انظروا : هل تجدون له وارثا؟ فقيل له ابنتين باليمامة مملوكتين ، فاشتراهما من مال الميت ثم دفع إليهما بقية الميراث» (٢).

(ومنها) : رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : «قال قضى أمير المؤمنين (ع) في الرجل يموت وله أم مملوكة وله مال : أن تشترى أمه من ماله ثم يدفع إليها بقية المال إذا لم يكن له ذووا قرابة لهم سهم في الكتاب» (٣).

(ومنها) : رواية دعائم الإسلام : «إذا مات الميت ولم يدع وارثا وله وارث مملوك يشترى من تركته فيعتق ويعطى باقي التركة»

(ومنها) : رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) في رجل مات وترك ابنا مملوكا ولم يترك وارثا غيره ، فترك مالا فقال : يشترى الابن ويعتق ويورّث ما بقي من المال (٤).

وإطلاق أكثرها ، وان كان يعطي الفك مع وجود القرابة أيضا إلا أنه مقيّد ـ بعد الإجماع ـ بما دل على أن الإرث للحرّ ، وان كان بعيدا ، دون المملوك وان كان أقرب.

__________________

(١) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٥) تسلسل (٣٢٤٥٥).

(٢) المصدر الآنف من الوسائل ، حديث (٨).

(٣) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٦).

(٤) المصدر الآنف من الوسائل ، حديث (١٠) تسلسل (٣٢٤٦٠)

٢٤٥

وبرواية عبد الله بن سنان المتقدّمة المعلّق فيها الحكم على فقد ذي القرابة ، بل في غيرها على فقد الوارث الشامل للضامن أيضا ، فلا كلام في توقف الفك على فقد القرابة وان بعد ، كما لا كلام في وجوبه لو انحصر الوارث بالإمام (ع) ، وإلا لم يكن مورد لوجوب افك ، لوجود الامام (ع) في كل زمان ، وانما الكلام في اختصاص الحكم بفقد القرابة خاصة كما لعلّه يعطيه ظاهر خبر ابن سنان المعلق فيه الحكم عليه ، الشامل بإطلاقه لوجود وارث غيره ، وعدم الوارث أصلا أو فقد مطلق الوارث حتى الضامن كما يعطيه عموم ما دل على إرثه الذي بينه وبين ما هنا تعارض العموم من وجه ، المرجح بإطلاق الأصحاب تعليق الحكم على عدم الوارث عدا الامام (ع) بل صرح بعضهم منهم جدّنا في (الرياض) بفقد الوارث حتى الضامن.

وبمرسل (الدعائم) المنجبر بما عرفت ، المعلق فيه الحكم على عدم الوارث الشامل بإطلاقه للضامن أيضا.

وحمله على ارادة الغالب منه ـ وهو القرابة ـ ليس بأولى من تنزيل التقييد بالقرابة في خبر ابن سنان على الغالب ، بل الثاني هو الأولى في كل ما كان من هذا القبيل : من تعليق الحكم على المطلق في خبر ، وفي آخر : على أفراده الشائعة الدائر أمره بين تنزيل المطلق على الغالب أو المقيد عليه مع بقاء المطلق على إطلاقه ، والثاني هو المتعين ، سيما لو كان الانصراف منبعثا عن غلبة الوجود دون الاستعمال لان مرجع الاختصاص في المعلق على الخاص ليس إلا من جهة الاختصاص بالذكر ، بخلاف صدق المطلق على أفراده الذي هو من دلالة اللفظ عليه ، فنسبة غير مورد الخاص إليه كنسبة الأصل إلى الدليل التي مرجعها في الحقيقة الى عدم التعارض ، ففي المقام ينزل التقييد بفقد القرابة على الغالب : من عدم الوارث غيره ، لا تنزيل

٢٤٦

الوارث على خصوص القرابة.

فإذا ما عليه المشهور من تعليق الفك على فقد الوارث مطلقا عدا الامام (ع) : هو الأقوى.

هذا وهل يختص الفك بالأبوين ـ كما هو ظاهر المرتضى والديلمي ، أو الأم وحدها ـ كما عن ظاهر الصدوقين ـ أو هما مع الأولاد للصلب ـ كما في السرائر ، وهو المحكي عن المفيد والمحقق والآبي وظاهر الطوسي ، وفي الروضة : إنه موضع وفاق ، بل في السرائر : دعوى الإجماع عليه ، وان نسبه مع ذلك الى الأكثر ، أو مطلق الأقارب كما اختاره في (المصابيح) وحكاه عن الشيخ وأبي علي والشاميين الخمسة ، والقطبين الراوندي والكيدري ، والمحقق الطوسي والعلامة ونجيب الدين وفخر المحققين والسيوري وأبي العباس والصيمري ، وفي الروضة نسبته إلى الأكثر ، بل في (الخلاف) الإجماع على فك المستحق الظاهر في مطلق الوارث؟ أقوال : والكل منصوص وان كان في سند بعض النصوص ضعف ، ولذا وقع الخلاف في القدر الخارج عما اقتضته قاعدة حرمان الرقيق من الإرث ، والأقرب وجوب فك الأقارب مطلقا لورود النص بفك بعضها كالأخ والأخت مع دعوى الاتفاق على عدم الفرق بين الأقارب ، فيتم في غير المنصوص منهم بالإجماع المركب ، مضافا الى المرسلة في (الوسيلة) في الجد والجدة والأخ والأخت وجميع ذوي الأرحام المنجبر ـ كغيرها ـ بما عرفت ، والى مرسل (الدعائم) المنجبر الناص بشراء المملوك والوارث الشامل لمطلق الأقارب بل مطلق الوارث.

وأما الزوج والزوجة ، ففي فكهما وعدمه قولان : والأول محكي في (المصابيح) عن صريح النهاية والإرشاد والمسالك وظاهر المبسوط والإيجاز وغيرهما ، بل ظاهر إجماع (الخلاف) وإطلاق مرسل (الدعائم)

٢٤٧

الشمول لهما ، مضافا الى خصوص الصحيح : «كان علي (ع) إذا مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثم ورثها» لظهور التكرر المستفاد من قوله (وكان علي) مع قوله (ثم ورثها) في كون فكها وتوريثها البقية حكما إلهيا لا تبرعيا ، كما احتمل ، واحتمال تصحيف الأم بالامرأة لا يلتفت اليه ، فاذا ثبت في الزوجة ثبت في الزوج بالأولوية ، مع دعوى الاتفاق على عدم الفرق بينهما ، الا أنه يشكل ذلك بناء على عدم الردّ على الزوجة ، إذ لا تريد شراء المملوكة على الحرة ، إلا أن يدفع بالجمود على النص في المورد مع التسري إلى الزوج بالإجماع المركب والثاني محكي في (المصابيح) عن الديلمي والحلي وابني سعيد والآبي وأبي العباس وظاهر المقنعة والأحمدي والجواهر والوسيلة والقواعد والتلخيص والتنقيح ، وعن المقتصر نسبته إلى الأكثر.

فروع (الأول) : لو امتنع المالك عن البيع ، أجبر عليه ، فان امتنع ـ مع ذلك ـ تولى بيعه الحاكم ، لأنه ولي الممتنع ، ولا يجب ـ بل لا يجوز ـ بذل الزائد على القيمة لو توقف رضآؤه عليه ، لقوله (ع) في رواية عبد الله بن طلحة المتقدمة : «يقوّمان قيمة عدل» الدالة على عدم تسلطه على طلب الزيادة وان رضي به ، لعدم كونه مالكا قبل الشراء حتى يجدي رضاه ، ولو كان له وصى ، فالأوجه : أنه هو الذي يتولى الشراء ، لان المال قبله بحكم مال الميت كالثلث الذي تنفذ فيه وصيته ، وان اختص صرفه بالشراء اللهم إلا أن يدعى المنع عن كونه مما له الايصاء به ، ولا أقل من الشك فيه فتأمل. وليس له قهره عليه لو امتنع لأنه وظيفة الحاكم

(الثاني) لو ساوي المال قيمة المملوك وجب شراؤه ، وان لم يفضل منه شي‌ء يرثه : بلا خلاف أجده ، بل الإجماع محكي عليه ، وان تضمنت

٢٤٨

النصوص للزيادة ، لأنها في مقام بيان كون الفاضل له بالإرث إن كان لا أن نصيبه من التركة مقدار ثمنه.

(الثالث) لا يجبر المالك على المعاوضة بعين التركة كالسيف والفرس ـ مثلا ـ مع تعذّر القيمة ولو ببيعها ودفع ثمنها ثمنا للمملوك ، فيكون للإمام (ع) ، قصرا للحكم فيما خالف الأصل من وجوه على المتيقن ، وهو الشراء بالقيمة الظاهرة في النقود ، دون الأعيان. نعم مع إمكان التوصل إليها ببيع العين وجب مقدمة ، لأن المقدور بالواسطة مقدور ، كما تجب المعاوضة بها مع تعذر القيمة لو رضي المالك بها ، بل وهو كذلك ، وإن زادت قيمتها عن قيمة المملوك وأبى المالك إلا المعاوضة بها تماما ، وان قلنا بعدم وجوب بذل الزائد على الثمن ، لوجوب البيع بالقيمة عليه هناك دون المقام.

(الرابع) : لو قصرت التركة عن القيمة ففي وجوب الشراء والسعي للباقي مطلقا أو فيما اتفق على فكه أو العدم مطلقا؟ أقوال :

والأول محكي عن الشيخ. وابن الجنيد نقله عن بعض الأصحاب ، وعن (الجواهر) : نفي البأس عن العمل به ، وفي (المختلف) : ليس بعيدا عن الصواب ، وعن المسالك : إنه قول متجه.

ونظرهم إلى أن عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأمور المطلوبة شرعا ، فيساويه في الحكم.

وفيه : انه ان أرادوا من مساواة حكمهما بعد الحرية فمسلم ، ولكن لا يستلزم وجوب تحرير الجزء عند تعذر الكل ، وان أرادوا ما يعم ذلك فهو قياس أو مصادرة ، والاستناد فيه الى عموم «ما لا يدرك» و «عدم سقوط الميسور» و «إذا أمرتكم بأمر» فمع منع شموله للمقام معارض بما دل على نفي الضرر ، لاستلزامه تشطير المملوك المرجح عليه بوجوه عديدة

٢٤٩

والثاني هو متجه (الروضة) وغيرها ، ولم أر له وجها لعدم الفرق بين ما اتفق على فكه وبين غيره بعد اشتراكهما في وجوبه للدليل ، سواء كان الاتفاق أو غيره.

والثالث ـ وهو الأقوى ـ اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن : هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في (المصابيح) : دعوى الإجماع عليه ونسبة الخلاف الى الانقراض والشذوذ ، وعليه فالتركة للإمام (ع).

(الخامس) لو تعدّد المملوك ولم تف التركة إلا بقيمة واحد لا بعينه ، فالأقرب وجوب شراء من تعيّنه القرعة ، لوجود المقتضي للإرث من القرابة وإمكان زوال المانع ولو في البعض. وقول بالعدم ـ كما هو المشهور ـ للأصل وكون الوارث هو المجموع ، فهو كالواحد الذي لا يجب شراء بعضه لو قصر المال عن كله ، والأول مقطوع بما عرفت ، والثاني قياس لا نقول به. ولو وفي نصيب واحد بقيمته : إما لزيادة النصيب أو لقلّة القيمة ، فالأقرب تعيين شرائه وتوريثه الباقي ، لوجود المقتضي وإمكان زوال المانع بالنسبة اليه ، ويحتمل التعيين بالقرعة أيضا ، لعدم النصيب له قبل الشراء حتى يتعين به ، ولذا لو وفي المال بقيمة الكل وجب شراء الجميع بالإجماع المحكي ، وان اختلفا في النصيب أو القيمة ، وقول بالعدم وأن الميراث للإمام لكون الوارث هو المجموع ، فهو كالواحد الذي لا يتحرّر بعضه لو قصر المال عن قيمة كله. ويضعفان بما عرفت.

(السادس) هل يجب العتق بعد الشراء أم يكتفى به عنه في حصول الانعتاق؟ وجهان ، بل قولان : ولعل الأقرب هو الثاني ، بناء على أن البيع في أمثال المقام كشراء أحد العمودين ، والعبد المشترى من مال الزكاة مفاده الانعتاق لا التملك ولو آنا ما ثم العتق بعده ، وذكر العتق بعد الشراء ـ ولو بالعطف بثم في بعض الأخبار ـ كناية عن زوال الرقية ،

٢٥٠

ويشهد له خلو بعضها عنه ، وان أمكن القول به بدعوى أن الخلو عنه غايته الإطلاق فيقيد بما نص عليه ، ولتحقيق ذلك مقام آخر.

(الثالث من الموانع) : القتل ، والعمد منه بغير حق مانع عن الإرث بالإجماع ـ المحصل والمنقول ـ مستفيضا ، وللنصوص المستفيضة الدالة عليه بالعموم والخصوص.

فمن الأول : صحيحة هشام : «لا ميراث للقاتل» (١) ورواية أبي بصير قال : «لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه» (٢) ورواية القاسم ابن سليمان قال : «سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل قتل أمه أيرثها؟ قال سمعت أبي (ع) يقول : أيما رجل ذو رحم قتل قريبه لم يرثه» (٣) وصحيحة الحذاء : «في رجل قتل أمه؟ قال : لا يرثها» (٤) وصحيحة الحلبي : «عن الرجل يقتل ابنه : أيقتل به؟ قال : لا ولا يرث أحدهما الآخر» (٥) وحسنته «إذا قتل الرجل أباه قتل به وان قتله أبوه لم يقتل به ولم يرثه» (٦).

__________________

(١) الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث ، باب ٧ : إن القاتل ظلما لا يرث المقتول ، حديث (١) عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص).

(٢) المصدر الآنف من الوسائل ، حديث (٥) عن أبي عبد الله (ع).

(٣) المصدر الآنف من الوسائل ، حديث (٦).

(٤) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٢) والحذاء هو أبو عبيدة وتكملة الرواية : ـ كما في الكافي ـ : «ويقتل به صاغرا ، ولا أظن قتله بها كفارة لذنبه»

(٥) المصدر الآنف من الوسائل حديث ، (٧) آخر الباب وهي عن أبي عبد الله (ع).

(٦) نفس المصدر من الوسائل. حديث (٤).

٢٥١

مؤيدا بالحكمة الظاهرة ، وهي عصمة الدماء من معاجلة الورثة ، وعقوبة القاتل بحرمانه من الإرث ومقابلته بنقيض مطلوبه.

ومن الثاني صحيحة ابن سنان : «عن رجل قتل أمه أيرثها؟

قال : إن كان خطأ يرثها وإن كان عمدا لم يرثها» (١) وصحيحة محمد بن قيس قال : «قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل قتل امه قال ان كان خطأ فإن له ميراثه وان كان قتلها متعمدا فلا يرثها» (٢).

وما كان منه بحق لم يمنع عن الإرث وان جاز تركه كالقصاص :

للإجماع ، ورواية حفص بن غياث : «عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية ، والأخرى عادلة : اقتتلوا فقتل رجل من العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه ، وهو من أهل البغي وهو وارثه أيرثه؟ قال : نعم لأنه قتله بحق» (٣).

وأما الخطاء ففي المنع عنه مطلقا ، أو عدمه كذلك ، أو التفصيل ، فيمنع عن الدية دون غيرها من التركة؟ أقوال :

والأول منسوب الى الفضل والعماني وظاهر الكليني ، ونظرهم الى عموم منع القاتل ، وخصوص الخبر : «لا يرث الرجل الرجل إذا قتله وان كان خطأ» (٤) والمرسل : من قتل أخاه عمدا أو خطأ لم يرثه.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الفرائض ، باب ٩ من أبواب الموانع إن القاتل خطأ لا يمنع من الميراث ، حديث (٢) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع)

(٢) المصدر الآنف من الوسائل ـ كتابا وبابا ـ حديث (١) عن أبي جعفر (ع) بهذا المضمون.

(٣) الوسائل : كتاب الفرائض ، باب ١٣ من أبواب الموانع وحديث تسلسل (٣٢٤٣٠) قال : سألت جعفر بن محمد عن طائفتين ..

(٤) الباب التاسع من كتاب الفرائض من الوسائل ، حديث (٤)

٢٥٢

ويضعف الأول (١) بلزوم التخصيص بالنصوص المقيدة بالعمد.

والثاني بضعف (٢) الخبرين وانتفاء الجائر ، بل مخالفة القول به للمشهور ـ عندنا ـ وموافقته للمشهور عند غيرنا ، فالمتجه طرحهما أو الحمل على التقية ، سيما مع معارضتهما للنصوص الدالة على الإرث مطلقا (٣) والمفصلة بين الدية وغيرها من التركة (٤).

(والثاني) منسوب إلى (الشرائع) و (النافع) و (جامع المقاصد) والتلخيص وغيرها ، بل في (الشرائع) و (التحرير) إنه الأشهر ، لما تقدم : من الصحيحتين المفصلتين بين العمد والخطاء ، مؤيدا بعمومات الإرث (٥) وانتفاء حكمة المنع.

ويضعف بأن إطلاق إرث القاتل خطأ مقيد بما دل على حرمانه من الدية خاصة كالنبوي : «ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ويرث الرجل من مالها وديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا فلا يرث من ماله ومن ديته وان قتل خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته» (٦) والصحيح :

__________________

بإسناده عن العلا بن الفضيل عن أبي عبد الله (ع) ..

(١) وهو عموم المنع من الإرث كالنبوي القائل : «لا ميراث للقاتل».

(٢) أي الاستدلال بخصوص الخبر والمرسل الآنفي الذكر.

(٣) وقد عقد لها في الوسائل : كتاب الفرائض بابا مستقلا وهو الباب التاسع من أبواب المنع بعنوان أن القاتل خطأ لا يمنع من الميراث.

(٤) يراجع من المصدر الآنف من الوسائل : بابي العاشر والحادي عشر.

(٥) من الآيات والروايات ، خرج منه المتعمد الظالم ، وبقي الباقي تحت العموم.

(٦) في الباب الثامن والتاسع من كتاب الفرائض من الوسائل :

٢٥٣

«في امرأة شربت دواء وهي حامل ولم يعلم بذلك زوجها ، فألقت ولدها؟ قال فقال : إن كان له عظم وثبت عليه اللحم عليه دية تسلمها إلى أبيه وان كان حين طرحته علقة أو مضغة فإن عليها أربعين دينارا أو غرة تؤديها إلى أبيه ، قلت : فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟ قال : لا لأنها قتلته» (١) الظاهر في الخطأ أو الشامل له وللعمد مؤيدا ببعد استحقاقه ما ثبت عليه أو على العاقلة بجنايته من غرامة الدية ـ كلا أو بعضا ـ كيف وهو مما يلزم من ثبوته سقوطه وان اختلف السبب بل لعله بحكم الطل المنفي في دم المسلم ان لم يكن منه.

هذا مع تقييد الدية بالمسلمة في قوله تعالى «فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ» اللهم إلا أن ينزل القيد على الغالب كتقييد الربائب بالحجور.

فيما ذكرنا ظهر لك أن القول الثالث ـ وهو التفصيل بين الدية وغيرها بالحرمان من الأول ، والإرث من الثاني ـ هو الأقوى ، كما هو المنسوب إلى المشايخ الأربعة والحلبيين والطوسيين والقاضي والحلي والكيدري والعلامة وولده والشهيدين وأبي العباس والصيمري وغيرهم بل في (الدروس) وعن تلخيص (الخلاف) : إنه المشهور ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية والسرائر الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا الى النبوي المتقدم.

وأما الخطأ الشبيه بالعمد فالأظهر أن حكمه حكم المحض في الإرث مطلقا أو على التفصيل ، وفاقا لما عن صريح الديلمي والعلامة في (المختلف)

__________________

روايات كثيرة بهذا المضمون ولم نعثر على نبوي بهذا النص المذكور.

(١) صحيح علي بن رئاب عن أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر (ع) عن امرأة شربت دواء .. كما في الوسائل : كتاب الفرائض ، باب ٨ من أبواب موانع الإرث حديث (١).

والغرة ـ بالضم ـ : العبد والأمة ـ كما عن كتب اللغة.

٢٥٤

و (التحرير) وابن فهد والمقداد في (غاية التنقيح) بل عن الصيمري الميل إليه في كتابيه. وعن أبي العباس حكايته عن الطوسي وشارح النصيرية عنه ، وعن كثير من المتأخرين ، وهو ظاهر الشرائع ، وغيره ، بل المعظم حيث قابلوا العمد بالخطاء ، الظاهر في إرادة ما يشمل شبيه العمد ، لبعد إهمالهم حكم شبيه العمد ، مع كثرة وقوعه ومسيس الحاجة إليه ، فليس هو إلا لكون المراد بالخطإ الذي ذكروا حكمه ما يشمله ، خصوصا مع وقوع ذلك منهم في مقام الاستقصاء ، وعليه جدنا في (المصابيح).

خلافا للمحكي فيها عن الفضل والقديمين والعلامة في القواعد ووالده وولده والشهيدين وابن القطّان وشارح النصيرية : من أنه كالعمد.

واستدل له بعموم حجب القاتل ، والجمع بين الصحيحين والخبرين المتقدمين بحمل الأخيرين على الشبيه بالعمد.

ويضعف الأول بتخصيص العموم بما دل على عدم مانعية قتل الخطأ عن الإرث مطلقا أو من غير الدية الذي قد عرفت شموله لشبه العمد.

والثاني بأنه جمع حسن لو كان له شاهد ، ولا شاهد عليه.

ولا يلحق المسبب بالقاتل في المنع وان اقتضته الحكمة ، إلا إذا كان السبب أقوى من المباشر بحيث يستند القتل اليه عرفا.

ولعل منه تسبيب شاهد الزور لحكم الحاكم بالقتل ، وداسّ السمّ في طعام الضعيف ، وان كان المباشر غيرهما.

ولو اشترك اثنان في القتل منعا عن الإرث لاستناد القتل إليهما ، أو الى كل منهما.

ولو كان أحدهما وارثا دون الآخر ، وكان القتل مستندا الى مجموعهما بحيث لا تأثير لفعل أحدهما لو انفرد ، فقد يتوهم عدم المنع عن الإرث ، لأن القتل قائم بهما معا ، فلا يتصف به خصوص الوارث حتى يمنع عن

٢٥٥

إرثه ، إلا أنه توهم فاسد ، لاستناد القتل الى كل واحد منهما لا بنحو الاستقلال ، والمنفي انما هو انفراده بالقتل دون اتصافه به الذي يكفي ذلك في المانعية عن الإرث ، ولذا يفرق في الأدلة بين الواحد والمتعدد ، ويشهد له ـ بل يدل عليه ـ جواز قتلهما وان ضمن دية الواحد لوارثيهما بالتوزيع إذا كانا رجلين ، وإذا كانا امرأتين فلا ضمان للدية ، وليس ذلك إلا لصدق القاتل على كل منهما ، وان لم يكن بنحو الاستقلال.

(مسائل : الأولى) يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة بلا خلاف أجده ، بل الإجماع مستفيضا محكي عليه ، وللنصوص المستفيضة نعم يرثان من الدية لو صولح عليه بها كما يأتي ، وعدا كلالة الأم ـ على الأظهر ـ كما ستعرف.

(الثانية) لو لم يكن للمقتول وارث سوى الامام جاز له القود أو أخذ الدية ، وليس له العفو ، للنصوص المصرحة بذلك ، وان اشتملت على ما لا نقول به : من التعليل بكونه حقا للمسلمين.

خلافا للحلي فأجاز له العفو كغيره من الورّاث ، بل هو أولى منهم بالعفو وهو الاجتهاد في مقابل النص المعمول به ، مع إمكان منع الأولوية لقيامه (ع) بالرئاسة العامة الموجبة لرعاية مصالحهم ، التي منها المحافظة على حقن الدماء وإبقاء الحياة المخل به تسويغ العفو له (ع) ، لأنه لو جاز له لما انفك عنه ـ غالبا ـ لرجحانه ، وهو الفارق بينه وبين غيره في تسويغ العفو وعدمه ، مع أنه لو سلّم ، فالأولوية ظنية لا تعويل عليها

(الثالثة) : الدية بحكم مال الميت وان تجدد المال بعد الموت ، لتقدم السبب المفضي إليه قبله ، فتكون للوارث «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» من غير فرق بين ما وجب بالأصل كدية الخطاء وقتل الوالد ولده ، ولو عمدا ، أو بالعارض كالقصاص إذا صولح عليه بالمال ، فإنه

٢٥٦

يرثه الوارث ، وإن كان لا يرث القصاص كالزوج والزوجة ، للإجماع المحكي مستفيضا المعتضد بدعوى غير واحد الوفاق عليه ، والنصوص الدالة عليه عموما وخصوصا التي لولاها لأمكن أن يقال : إن الدية عوض حق القصاص الذي هو لغيرهما ، فلا وجه لإرثهما من عوض ما ليس للميت ولا لهما ، سيما لو قلنا بأنها عوض دم القاتل دون المقتول وان كان التعبير بالدية دون الفداء ظاهرا في الثاني.

نعم بناء على كون الحق للميت ، لأنه بدل نفسه التالفة وان كان استيفاؤه للوارث ـ كما في الجواهر ـ اتجه إرثهما من الدية ، لكونها حينئذ من التركة. لكنه خلاف الظاهر ، إذ لو كان حقا للميت لما سقط بالعفو عنه ، لأنه من إسقاط حق الغير ، والمفروض جواز إسقاطه بالعفو اتفاقا فليس الوجه في توريثهما إلا التعبد بالدليل الذي قد عرفته.

وبالجملة فالدية يرثها من يرث المال مطلقا عدا كلالة الأم ـ على الأقوى ـ للنصوص المستفيضة التي (منها) صحيحة ابن سنان قال :

«قضى أمير المؤمنين (ع) : أن الدية يرثها الورثة إلا الأخوة والأخوات من الأم فإنهم لا يرثون من الدية شيئا» (٢) وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال قال : «الدية يرثها الورثة على فرائض المواريث إلا الأخوة من الأم فإنهم لا يرثون من الدية شيئا» (١) وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) «قال قضى أمير المؤمنين (ع) في دية المقتول أنه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دين

__________________

(١) الوسائل : كتاب الفرائض ، باب ١٠ حديث (٢) هكذا «..

عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله (ع) : قضى ..».

(٢) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٤).

٢٥٧

إلا الأخوة والأخوات من الأم ، فإنهم لا يرثون من ديته» (١) وضعيفة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال : «لا يرث الاخوة من الأم من الدية شيئا» (٢). ومثلها ضعيفة أبي العباس (١) المنجبرتين بنسبة الفتوى به الى الأكثر ، بل عن (الخلاف) دعوى الإجماع عليه ، مع أن في الصحاح المتقدمة كفاية في تخصيص عمومات الإرث ، فإذا ثبت عدم إرثهم من الدية ثبت عدم إرثهم من القصاص ، لأنه لو كان له حق القصاص لجاز له أخذ الدية بدلا عنه بالإجماع والنصوص فإن إرث القصاص مستلزم لإرث الدية ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.

وان كانت الملازمة بدعوى : أن الحق للميت ، وان كان الاستيفاء للوارث ـ والمعاوضة انما هي عن حق الميت لا عن حق الوارث حتى تثبت الملازمة ـ قد عرفت ضعفه كضعف دعوى انصراف الدية في الأخبار المانعة عن إرث كلالة الأم الى ما وجب بالأصل كالخطإ ونحوه ، فيبقى إرث القصاص ودية العمد تحت عموم أدلة المواريث : مؤيدا ما ذكرناه بما عن موضع من (السرائر) : ان كلالة الأم لا ترث الدية ولا القصاص ولا القود بلا خلاف.

هذا وأما قولهم : إن الدية التي تثبت صلحا في القصاص يرثها من يرث المال فهو مسوق لبيان كونها موروثة لتقدم سببه قبل الموت لا يختص به الميت كما يختص به ما وقع مسببه بعده كالمثلة ، فإنها تصرف في مصالحه خاصة.

__________________

(١) المصدر الآنف من الوسائل حديث (١).

(٢) المصدر الآنف من الوسائل ، حديث (٥).

(٣) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٦) «.. عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته هل للاخوة من الأم من الدية شي‌ء؟ قال : لا».

٢٥٨

(بقي شي‌ء)

وهو أن حرمان الكلالة من إرث الدية : هل يختص بالأخوة والأخوات ـ كما عن بعض ـ قصرا على مورد النص في تخصيص العمومات ، أو يعم مطلق من يتقرب بالأم إلى الميت بالأولوية ، وذكر المنصوص من باب المثال ـ كما عن غير واحد من الأصحاب ـ؟ قولان : أظهرهما الثاني.

(الرابعة) يلحق بموانع الإرث أمور :

(الأول) اللعان وهو مانع عن ترتب الأثر عن لحوق الولد على المقتضي له وهو الفراش ، وبهذا اللحاظ اعتبرت فيه المانعية ، ومن حيث استلزامه نفي السبب المقتضي لترتب الإرث عليه كان ملحقا بالموانع ، لا منها فلا توارث بين الوالد وولد الملاعنة.

نعم لو اعترف به ورثه الابن ولم يرث هو ابنه ، للإجماع ـ بقسميه ـ والنصوص المعتبرة ، نحو صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) «.. فان ادعاه أبوه لحق به وان مات ورثه الابن ولم يرثه الأب» (١) وآخر :

عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) ، وفيه : «فقلت : إذا أقربه الأب هل يرث الأب؟ قال : نعم ولا يرث الأب الابن» (٢) وآخر أيضا عن أبي عبد الله (ع) ، وفيه : «قلت : يرد اليه الولد إذا أقربه قال لا ولا كرامة ولا يرث الابن ويرثه الابن» (٣) المحمول نفي اللحوق

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الفرائض الباب الثاني من أبواب ميراث ولد الملاعنة ، حديث (١).

(٢) المصدر الآنف الذكر من الوسائل حديث (٢).

(٣) المصدر الآنف من الوسائل حديث (٤) عن زرارة عن أبي عبد الله (ع).

٢٥٩

فيه على ما يوجب التوارث من الجانبين ، مضافا الى عموم دليل الإقرار (١) كما تمسك به جماعة.

(وأما المناقشة) فيه بأن الإقرار إنما ينفذ فيما هو عليه كوجوب النفقة ونحوها. وأما بالنسبة إلى الإرث الذي لا يتحقق إلا بعد الموت فهو إقرار في حق الغير وهو الوارث غيره لولا الاعتراف. نعم لو كان الإقرار يثبت به عنوان الولد لتترتب عليه أحكامه مطلقا ، وتحققه مستلزم لتحقق عنوان الولد ، الموجب حينئذ للتوارث المعلوم عدمه بالنص والإجماع.

(ففيها) مع أن الإقرار ينفذ بالنسبة الى ما يترتب عليه من الأثر ، وإن تأخر في الزمان ، فلا يصير بالإقرار ملكا للغير حتى يكون الإقرار به إقرارا في حق الغير ـ يدفعها أن الإقرار يثبت لحوق الولد به ، لأنه تولد على فراشه ، فهو ولده شرعا ، وان لم يكن معلوما تكونه من مائه الذي هو معنى الولد لغة ، والولد الشرعي هو الموضوع لغالب الأحكام الشرعية ، ويختلف باختلاف ما أخذ موضوعا للحكم ، لأنه موضوع جعلي يتبع الجعل ، كنفس الأحكام المجعولة القابلة للتفكيك بينها ، والملازمة بين عنوان صدق الولد وصدق الوالد ، إنما هي في الولد التكويني ، دون الشرعي.

ومنه يظهر وجه الفرق فيما لو وقف بعد اللعان على أولاده : بين ما لو اعترف به قبل الوقف أو بعده ، فيشاركهم فيه على الأول لصدق الولد عليه شرعا قبل الوقف بالاعتراف ، دون الثاني لاختصاص الوقف بهم وتملكهم إياه من حين الوقف قبل اللحوق بالاعتراف وان ثبت الحكم الخاص من الإرث بالاعتراف للدليل ، فيكون الإقرار بعد الوقف إقرارا في حق الغير ، ولو وقف كذلك قبل اللعان خرج منهم ولد الملاعنة باللعان

__________________

(١) وهو قوله (ع) : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» كما هو المذكور في بابه من كتب الأخبار.

٢٦٠