بلغة الفقيّة - ج ٤

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤١

في صحيح أبي بكر الحضرمي على ما رواه المشايخ الثلاثة ، ففي (الكافي) بإسناده عن أبي بكر : «عن أبي عبد الله (ع) قال إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام : بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة ، ولا يرثها ان ماتت وهو مرتد عن الإسلام» (١) وفي (التهذيب) رواه هكذا قال : «ان ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا وتعتد منه كما تعتد المطلقة ، فإن رجع الى الإسلام وتاب قبل أن تتزوج فهو خاطب ولا عدّة عليها منه له وانما عليها العدة لغيره ، فان قتل أو مات قبل انقضاء العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها وهي ترثه في العدة ولا يرثها ان ماتت وهو مرتد عن الإسلام (٢) وفي (الفقيه) مثله.

وهو صريح في بينونة الزوجة ، وأنها تعتدّ منه عدّة المطلقة ، وفي قبول توبته ان تاب وكون الإرث منه بعد الموت لا من حين الارتداد ، ولذلك تحمل على خصوص الملّي.

نعم يبقى الكلام في وجه الشبه بالمطلقة ثلاثا في طريقي الشيخ والصدوق وفي أن مفادها ـ عليهما ـ عدم الأولوية لقوله فيها : «فهو خاطب» فان حمل على ما بعد العدة ، فلا معنى للتفصيل فيها بين العدة له أو لغيره ، وان كان في العدة فلا معنى لكونه خاطبا مع فرض كونه أولى وأحق بها من غيره.

فنقول : وجه الشبه اشتراكهما في إمكان التزويج وتوقفه على شرط ، وان اختلف فهو هنا الرجوع الى الإسلام ، وهناك أن تنكح زوجا غيره

__________________

(١) راجع منه كتاب المواريث ، باب ميراث المرتد عن الإسلام حديث (٣).

(٢) كتاب الفرائض والمواريث باب ٤٠ ميراث المرتد حديث (١).

٢٢١

لا كالمطلقة تسعا التي تحرم مؤبدا ، ولا كالرجعية التي لا يتوقف حلّها على شرط ، وأما قوله (فهو خاطب) مع ذكر التفصيل في العدة ، فهما حكمان مرتبان على إسلامه قبل تزويجها ، لأنه إما أن يكون إسلامه بعد خروجها عن العدة فيكون حينئذ خاطبا من الخطّاب ، وأما أن يكون فيها فلا تعتد منه ، وإنما العدة عليها لغيره ، فذكر حكم كل من الفردين المندرجين في إطلاق قوله : (فان رجع الى الإسلام وتاب قبل أن تتزوج).

(المسألة الثالثة) لو أسلم الكافر على ميراث قبل القسمة حاز المال كله ، إن انفرد ، وإلا فما يستحقه منه : إجماعا ـ بقسميه ـ وللمعتبرة المستفيضة التي منها ما رواه (الكليني) بإسناده عن أبي بصير : «قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل مسلم مات وله أم نصرانية وله زوجة وولد مسلمون؟ فقال : إن أسلمت أمّه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس ، قلت : فان لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب من المسلمين وأمه نصرانية وله قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين : لمن يكون ميراثه؟ قال : إن أسلمت أمّه فان جميع ميراثه لها ، وإن لم تسلم أمه ، وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب فان ميراثه له ، فان لم يسلم أحد من قرابته فان ميراثه للإمام» (١) ورواه الصدوق والشيخ أيضا بإسنادهما عن الحسن بن محبوب مثله. وبإسناده عن عبد الله ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال : «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه ، وان أسلم وقد قسم فلا ميراث له» (٢) وبإسناده عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال : «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له ، ومن أسلم بعد ما قسم فلا ميراث له ، ومن أعتق

__________________

(١) الكافي ، كتاب المواريث ، باب آخر في ميراث أهل الملل ، حديث (٢).

(٢) المصدر الآنف للكافي ، حديث (٣ و ٤).

٢٢٢

على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له ، ومن أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له ، وقال في المرأة إذا أسلمت قبل أن يقسم الميراث فلها الميراث» (١) ورواهما الشيخ أيضا.

ومقتضاهما الانتقال إليه بالإرث من حين الموت ، فيكون الكفر المانع هو المستمر إلى القسمة دون غير المستمر ، فيكشف إسلامه قبلها عن تملكه من حين الموت كشفا حقيقيا ، لانكشاف فقد المانع حقيقة ، وليس هو من الشرط المتأخر كالإجازة في الفضولي حتى يكون الكشف حكميا ، أو من حين الإسلام ، وحينئذ فالنماء المتجدد بين الموت والإسلام يتبع العين في الانتقال اليه.

فمن الغريب ما في (الكشف) (والكفاية) ومحكي (الكنز) و (الإيضاح) : من التوقف فيه مما ذكر ومن حجب الكافر عن الأصل قبل أن يسلم ، فيملكه الورثة ملكا متزلزلا مستتبعا للنماء ، فلا يخرج عنهم بخروج الأصل وعدم جريان ملك المورث عليه ، فلا يكون ميراثا.

وأنت خبير بما فيه ، لما ذكرنا ، ولعدم حجب الكافر في الواقع بالفرض ، ولأن توريث المسلم يقتضي الانتقال اليه بموت المورّث فلو صار الى الورثة لزم انتقاله اليه من الوارث الحي ، وليس من الإرث في شي‌ء ، بل تجري تبعية النماء للعين في الانتقال حتى على ما احتمل من بقاء التركة قبل الإسلام والقسمة على حكم مال الميت الى أن يتحقق أحدهما ، لعدم الفرق في ذلك بين الانتقال من حين الموت أو من حين الإسلام قبل القسمة أما لو أسلم بعد القسمة فلا شي‌ء له إجماعا ، ولعموم الأدلة وخصوص النصوص المتقدمة.

ويلحق به الإسلام المقارن للقسمة في عدم الإرث ، لعموم ما دل على

__________________

(١) المصدر الآنف للكافي ، حديث (٣ و ٤).

٢٢٣

مانعية الكفر بعد تعارض مفهومي النصوص المصرحة بهما في صورة الاقتران والمتيقن خروجه منه هو الإسلام قبلها ، فيبقى الباقي مندرجا في العموم لأن الشبهة مفهومية ، والعموم محكّم فيها ، وليس المرجع ـ بعد تعارض المفهومين ـ عمومات المواريث حتى يقال : خرج منها الإسلام بعد القسمة فيبقى الباقي مندرجا فيها ، لتخصيصها قطعا بما دل على عدم إرث الكافر الشامل بعمومه أو إطلاقه لمن لم يسلم أو أسلم بعد موت المورث مطلقا خرج منه من أسلم قبل القسمة ، فيبقى الباقي تحت عموم الخاص.

وبعبارة أخرى : الخاص بعمومه بالنسبة الى أفراده المندرجة فيه ـ وان خرج بعضها ـ أخص مطلقا من العام ، وحينئذ فالمرجع في الأفراد المشكوكة منه هو عموم الخاص ، دون العام المخصص.

بقي هنا فروع

(الفرع الأول) لو تحقق الإسلام والقسمة وشك في السابق منهما : فان علم تأريخ أحدهما فواضح ، لأصالة تأخر المجهول عنه ، وأما ان جهل تأريخهما فلا يتمسك بعموم ما دل على مانعية الكفر ، لأن الشبهة حينئذ مصداقية ، وليس الشك في المراد ليتمسك بالعموم ، بل يرجع فيه الى عموم أدلة المواريث ، وان كانت الشبهة بالنسبة إليه أيضا مصداقية للشك في كونه مصداقا للخاص وعدمه ، إلا أن مرجع الشك حينئذ إلى مانعية الكفر وعدمها بعد انقسام الكفر الى ما هو مانع وما ليس بمانع ، والشك في مانعية الموجود كالشك في وجود المانع في كون الأصل عدمه ، بناء على كونه من الأصول العقلائية ، فيرجع الى عموم مقتضى الإرث حتى يتحقق المانع ، وأما بناء على أن مرجع أصل العدم الى استصحابه ، فيشكل جريانه في الأول ، لأنه لم يكن عدم مانعيته معلوما حتى يستصحب ، ولا يجدي استصحاب الحكم الظاهري من حرمانه للكفر المستصحب ظاهرا عند طروّ

٢٢٤

الحادثين : من الإسلام والقسمة المجهول تأريخهما ، لأن مرجع الشك فيه الى الشك في أصل الحرمان وموجبه ، دون بقائه حتى يستصحب نعم يتمشى ذلك على القول بانتقال التركة إلى الورثة المسلمين ملكا متزلزلا ، إلا أنه قد عرفت ضعفه.

هذا بناء على مانعية الكفر ، وأما بناء على شرطية الإسلام للإرث فيشكل التمسك بعموم المقتضى ، للشك في وجوده الناشي من الشك في وجود جزئه الصوري وهو الشرط ، فيحكم بصحة القسمة لعدم إحراز بطلانها حينئذ ، مضافا الى أصالة الصحة بالنسبة إليها ، مع احتمال معارضة الشك في الشرط بمثله في المقتسمين لأن إرثهم أيضا مشروط بعدم سبق إسلام الوارث الذي لا يمكن إحرازه بالأصل ، لتعارض أصالة التأخر فيهما ، والشك في الشرط شك في المشروط.

إلا أن الأقوى هو مانعية الكفر لا شرطية الإسلام ، فظهر مما ذكرنا أن الأقرب هو منع المتجدد إسلامه في خصوص صورة العلم بتأريخ القسمة وجهل تأريخ الإسلام ، وتوريثه فيما عدا ذلك مطلقا ، وان جهل تأريخهما.

هذا حكم المسألة من حيث هي. ومنه يعلم الحكم في صورة التنازع كما لو أنكر الوارث المتجدد القسمة ، فالقول قوله مع يمينه اتفاقا ، وكما لو ادعى تأخر القسمة مع تعين زمان الإسلام أو مع جهل تأريخهما فالقول قوله أيضا مع يمينه ، خلافا للدروس وكشف اللثام ومصابيح جدي العلامة في الثاني.

وعلله في الدروس بأصالة عدم الإرث إلا مع تعين السبب.

وفيه : ان ما ذكره من العلة مشترك الورود بين الوارث المتجدد والورثة المسلمين لتوقف إرثهم أيضا على استمرار كفره إلى القسمة أو عدم إسلامه قبلها غير المعلوم ذلك بعد تساقط الأصل من الجانبين بالتعارض.

٢٢٥

وخلافا للقواعد فيهما حيث قال : «ولو ادعى الإسلام قبل القسمة فالقول قول الورثة مع اليمين ، وإطلاقه يشمل حتى ما لو كان زمان الإسلام معلوما ، فضلا عما لو جهل تأريخهما.

وعلله في (الكشف) بأصالة عدم الإرث إلا مع تعيين السبب وارتفاع المانع بعد تيقن حصوله واستقرار ملك الورثة ، وعدم جواز الاستنقاذ من أيديهم.

وأنت خبير بما فيه. أما الأول ، فلما عرفت من كون العلة مشتركة الورود ، وأما الثاني فيما عرفت : من عدم تيقن حصول المانع للشك في مانعيته المسبب عن الشك في استمراره المنكشف على تقدير عدمه عدم مانعيته ، وأما الثالث فهو حسن بناء على القول بانتقال التركة إلى الورثة متزلزلا حين الموت دون القولين الأخيرين. وأما لو أنكر الورثة إسلامه أو ادعوا اقترانه بالقسمة أو تأخره عنها مع تعين زمانها فالقول قولهم مع يمينهم لأصالة عدم الحادث أو تأخره.

هذا ، وبعد تحرير المسألة استقربت القول بملك غير الكافر من الورثة ملكا متزلزلا بتقريب : ان المستفاد مما دل على حجب الكافر بالمسلم وعلى إرثه لو أسلم قبل القسمة : هو مانعية الكفر عن الملك الفعلي بالإرث وعدم مانعيته عن أهلية التملك به ، والمستمر منه الى القسمة موجب لسقوطه عن الأهلية أيضا ، فالملكية التأهلية حاصلة من حين الموت ومستمرة إلى القسمة والفعلية منتفية بالكفر من حين الموت إلى الإسلام قبل القسمة في جميع آنائه لعدم إرث الكافر من مسلم أو مع مسلم ، ومقتضاه انتقال جميع التركة أو ما يخصه منها الى غيره من الورثة متزلزلا ما دامت الملكية التأهلية باقية ، وهي كافية في صدق الإرث عند تحقق الملك الفعلي بتحقق شرطه وهو الإسلام قبل القسمة. وعليه ، فلو اختلفا في مجهولي التأريخ ، فالقول

٢٢٦

قول الورثة مع يمينهم ، لحصول الحجب واقعا بوجود المانع عن الملك كذلك مع الشك في زواله ، مضافا الى استصحاب كلي الملك للورثة ، وكيف كان ، فلو صدقه أحد الورثة نفذ في نصيبه ، وان كان عدلا وشهد معه ثقة آخر ثبت تمام حقه لقيام البينة عليه ، وان انفرد : ففي إثبات حقه باليمين مع الشاهد نظر : من كون المشهود به تقدم الإسلام ، ومن أن المقصود هو المال وكذا الشاهد والمرأتان.

(الفرع الثاني) لو أسلم على ميراث انقسم بعضه ، ففي حرمانه مطلقا لصدق الإسلام بعد القسمة ، ولو في الجملة ، أو إرثه من الجميع كما في (الإرشاد) ذكره في مانعية الرق ، ومحتمل التحرير والقواعد لأن الميراث هو المجموع ولم يقسم ، أو تبعيض الإرث لتبعيض القسمة؟

وجوه : أوجهها الأخير ، لأن الميراث جنس يصدق على الكل والبعض ، فيصدق في المقسوم أنه أسلم بعد القسمة ، وفي المشاع أنه أسلم قبلها ، ويعطى لكل حكمه.

(الفرع الثالث) لو قسم الميراث بين صنفين من الورثة ، وأسلم الكافر من أحدهما قبل قسمة المال بين أفراد صنفه ، ففي إرثه لصدق الإسلام قبل قسمة من يزاحم به وان اقتسم الصنف الآخر ، وعدمه لصدق الإسلام بعد قسمة التركة ولو بين صنفين؟ وجهان : والأقرب الأول لظهور اعتبار القسمة وعدمها في ميراث يرثه أو يرث بعضه دون ما لا نصيب له فيه على كل تقدير ، كما لو أسلم مع الاخوة للأب والاخوة للام أخ بعد اقتسامهم المال أثلاثا وقبل اقتسام الثلث والثلثين : فان كان للأبوين اختص بالثلثين لحجب كلالة الأب بكلالة الأبوين وصدق إسلامه قبل القسمة بينهم ، وإلا شارك فيهما إن كان للأب ، أو في الثلث إن كان للأم. وكما لو أسلم مع الأعمام والأخوال عم أو خال فإنه يختص بحصة

٢٢٧

فريقه على تقدير حجبهم به ـ كما عرفت ـ ويشارك على تقدير عدمه. وكما لو أسلم مع الأبوين والأولاد ولد شارك الأولاد ، وان وقعت القسمة بينهم وبين الأبوين ، لأنه لا يزاحم الأبوين فيما يخصهما من الثلث ، وإنما المزاحمة مع الاخوة ، ولا يلزم من توريثه في مثل ذلك انتقاض القسمة. أما لو استلزم ذلك فحكمه حكم ما لو أسلم بعد القسمة في أنه لا يرث كما لو خلف ثلاثة بنين أحدهم كافر وبنتين مسلمتين ، فاذا قسموا التركة قسموها أثلاثا :

للولدين الثلثان وللبنتين الثلث. ثم إن أسلم الابن الكافر قبل قسمة الذكور فيما بينهم وورثناه لزم كون القسمة أرباعا ، فان توريث المتجدد بعد القسمة بين الذكور والإناث يوجب انتقاضها ، لوجوب استرجاع ما به التفاوت بين الثلث والربع من الإناث ، فالضابط : أنه كلما استلزم توريث متجدد الإسلام إبطال القسمة كان حكمه حكم الإسلام بعدها في عدم التوريث.

(الفرع الرابع) لو أسلم بعد قسمة الورثة الأعيان بالقيم ، لم يرث لحصول ما هو المناط في قسمة الأعيان من تمييز الحقوق ، وكذا لو انتقل نصيب أحد الوارثين الى الآخر أو غيره بإرث أو بيع أو غيرهما ـ كما عن جماعة ـ إذ لا اشتراك حينئذ بين الورثة خلافا لمحكي (الإيضاح) لانتفاء القسمة التي هي مدار الحرمان في النصوص. ويضعف بوجود ما هو مناطها : من عدم الاشتراك والإشاعة ، وكذا بل أولى منه : ما لو باعوا التركة مشاعا وأسلم قبل قسمة أثمانها ، ضرورة عدم كون الأثمان تركة حتى يكون الإسلام قبل قسمتها إسلاما قبل قسمة التركة.

(الفرع الخامس) لو خلف ما لا يقبل القسمة بنفسه ـ كالجوهرة والحمام ونحوها ـ ففي توريث المتجدد ، وعدمه نظر : من بقاء الإشاعة التي هي مدار توريث المتجدد قبل القسمة ، ومن أن الظاهر من القسمة المعلق على عدمها قبل الإسلام الحرمان عدم القسمة عمّا من شأنه قبولها ،

٢٢٨

لظهور العدم هنا في إرادة عدم الملكة دون عدم السلب. والأول هو الأقرب للاشتراك مع إمكان الاختصاص به ، ولو بالتراضي عليه ، إذ المقصود من القسمة تمييز الحقوق المتعلقة بأعيان التركة وإفرازها من غير فرق بين ما يقبل بنفسه القسمة وغيره ، فإن القسمة في كل شي‌ء بحسبه ، فيكون أيضا محققا لصدق القبلية أو البعدية.

ومنه يظهر ضعف ما في (مفتاح الكرامة) : من النقض بالوارث الواحد حيث قال : «ووجه الإرث هو الدخول في عموم الإسلام قبل القسمة ، وقد علمت ما فيه مضافا الى أنه لو أبقى على عمومه وأريد بعدم القسمة ، عدم السلب لجرى فيما إذا كان الوارث واحدا فإنه يصدق فيه أنه أسلم قبل القسمة» انتهى ، لوضوح الفرق بين المشاع وان لم ينقسم بنفسه وبين ما لا اشتراك فيه لاتحاد المالك في صدق القسمة وعدمه.

(الفرع السادس) لو كان الوارث واحدا غير الامام وأحد الزوجين فلا إرث لمن أسلم ، لعدم صدق القسمة مع وحدة المالك فينتقل اليه المال من حين الموت ويملكه مستقرا ، وللإجماع المحكي عن السرائر والتنقيح وظاهر (النكت) وظاهر (المصابيح) دعواه أيضا ، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد ، فورثه مع بقاء عين التركة في يد الأول ، وهو شاذ ـ كما في المصابيح ـ ولو كان الواحد هو الإمام ، ففي كونه له مطلقا ، أو لمن أسلم كذلك أوله قبل النقل الى بيت المال وللإمام بعده؟ أقوال : وسطها أوسطها.

ويدل عليه الصحيح المتقدم عن أبي بصير في مسألة من أسلم قبل القسمة ، فإن قوله فيه «فان لم يسلم أحد من قرابته فان ميراثه للإمام» صريح في أنه متى أسلم كان أولى من الامام ، كما أن إطلاقه يعم الإسلام قبل النقل وبعده.

٢٢٩

وما رواه أبو ولاد في الصحيح والحسن انه : «سأل الصادق (ع) عن رجل مسلم قتل مسلما عمدا فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين ، وله أولياء من أهل الذمة من قرابته؟ فقال : على الامام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام ، فمن أسلم منهم فهو وليه ، يدفع القاتل اليه : ان شاء قتله ، وإن شاء عفا عنه وان شاء أخذ الدية ، فان لم يسلم أحد كان الامام ولي أمره : فإن شاء قتله وإن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين ، لأن جناية المقتول كانت على الامام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين قال قلت : فان عفا عنه الامام؟ فقال انما هو حق جميع المسلمين ، وانما على الامام أن يقتل أو يأخذ الدية ، وليس له أن يعفو» (١) وبذلك يضعف ما استدل به للأول : من أنه كالوارث المنفرد في عدم تأثير الإسلام في استحقاق الإرث ، لأنه ـ مع كونه اجتهادا في مقابل النص الذي أفتى بمضمونه كثير من الأصحاب ـ كما عن فخر المحققين ـ والمشهور ـ كما في الكفاية ـ لا دليل على المقيس عليه ، وهو الوارث المنفرد غيره ، إلا الإجماع المفقود في المقام.

كما يضعف به الأخير أيضا مع عدم نص عليه : من التفصيل بين النقل وعدمه ـ كما قيل ـ ويحتمل أن يكون مراد المفصل من النقل تصرف الامام ، والتعبير بالنقل كناية عنه لأنه أظهر أفراده ، فيكون هو المناط وان لم ينقل ، أو إرادته بخصوصه فلا يجدي تصرفه إن كان قبله ، وعلى التقديرين ، فلا دليل عليه حتى تخصص به الاخبار المتقدمة ، وان ذهب إليه جماعة ، لكن المستفاد من الصحيح الثاني تعليق إرث الامام على امتناع الوارث عن الإسلام بعد عرضه عليه. والظاهر هو ذلك مطلقا

__________________

(١) الوسائل : كتاب القصاص ، باب ٦٠ إن المسلم إذا قتله مسلم وليس له ولي إلا الذمي ، حديث (١).

٢٣٠

فيكون ملك الامام له متزلزلا ، ويستقر بالامتناع عن الإسلام بعد عرضه عليه وهو كذلك في غير مورد القتل أيضا ، وان اختص الصحيح به ، ويوافقه الاعتبار ، إذ لولاه لوجب الانتظار الى أن يسلم ولو بعد الامتناع أو يموت هو وينقرض غيره من طبقات الوارث ، وهو موجب لتعطيل الحق بل قد يؤول إلى تضييع المال.

ثم ان ظاهره ـ وان أعطى كون المال للمسلمين فيكونون هم الورثة دون شخص الامام (ع) ، وعليه فلا يكون له إلا ولاية التصرف وهو مستلزم لصرفه في المصالح العامة كالأراضي المفتوحة عنوة إلا أنه خلاف المذهب لان الوارث ـ عندنا ـ هو الامام من حيث الإمامة دون المسلمين ، وأنه من الأنفال ـ كما ستعرف ذلك في ولاء الإمامة ـ فليحمل هو وأمثاله على التقية.

(الثاني من الموانع) : الرق فالرقيق لا يرث ولا يورث منه ، وان قلنا بملكه للانتقال الى مالكه بالملك ، لا بالموت حتى يكون بالإرث ، للإجماع ـ بقسميه ـ والنصوص المستفيضة (١) من غير فرق بين القن والمتشبث بالحرية كالمدبّر وأم الولد والمكاتب ، وان كان مطلقا ما لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة. والمبعض ـ وهو الذي تحرر بعضه ـ يملك بقدر نصيبه من الحرية ، فيكون لوارثه الحر ، ويرث من غيره بقدر حريّته بتقديره حرا كاملا ، ويعطى بنسبة ما فيه من الحرية مما يرثه على تقدير الكمال ، ويختص الباقي بغيره ، وإن تأخر عنه ، لا يحجبه عن الإرث ـ كما في الخبر ـ (٢).

__________________

(١) ولقد عقد لها في الوسائل : كتاب الفرائض والمواريث باب خاص يحتوي الروايات الواردة بهذا المضمون برقم (باب ١٦).

(٢) إشارة إلى روايات ظاهرة بهذا المضمون ، احتواها باب ١٩ من أبواب كتاب الفرائض والمواريث من الوسائل.

٢٣١

ولو تعدد واتّحدت النسبة ، ففي (مصابيح) جدي العلامة «اقتسموا ما يستحقونه على الانفراد بالسوية ، وإلا اشتركوا فيما يستحقه الأكثر حرية لو انفرد بنسبة الحرية ، فلو خلّف مع ابن نصفه حر ابنا حرا فللمبعض الربع وللحر ثلاثة أرباع ، أو أخا حرا ، فالمال بينهما نصفان أو أخا نصفه حرّ وعما حرا فللابن النصف وللأخ الربّع والباقي للعم ، ولو خلف ابنين نصفهما حرّ فالنصف بينهما نصفين. ولو كان ثلثا أحدهما وثلث الآخر حرا فالثلثان بينهما أثلاثا. ولا فرق في ذلك بين الوارث بالفرض والقرابة فلو كان ذو الفرض نصفه حرّ فله النصف مما يرثه بالفرض والرد بفرض الحرية ، وقطع العلامة بان له نصف الفرض خاصة. واحتمل حجب المبعّض لمن تأخر عنه في الدرجة ، وتكميل الحرّية في المبعضين المتساويين فيهما ، وإرثهما بتنزيل الأحوال ، والكل ضعيف» (١) انتهى.

وما اختاره ـ قدس سره ـ : من عدم حجب المبعّض للمتأخر عنه ، وعدم التكميل هو الأقرب ، وان كان لنا في كيفية تقسيمه في صورة الاختلاف في نسبة الحرّية تأمل ـ كما ستعرف.

وبالجملة فالضابط في التقسيم ـ بناء على ما ذكره ـ هو : أنه : إن تساووا في النسبة قسم ما يكون له على تقدير الانفراد بينهم بالسوية ، وإلا اشتركوا فيما يستحقه الأكثر حرية لو انفرد بنسبة الحرية ان لم يكن أحدهم حرا كلّه ، وإلا ورثوا على أقلهم حرّية ، واختص الكامل بما يزيد عليهم في الحرية.

هذا ولا بأس بالتعرض الى ما احتمله العلامة في (القواعد) بأمثلتها

__________________

(١) راجع ذلك في كتاب المواريث بعنوان (مصباح : الرق يمنع الإرث).

٢٣٢

مع زيادة توضيح تشريحا للذهن ، فنقول :

قال في (القواعد) (١) فروع : الأول ان كان المعتق بعضه ذا فرض أعطي بقدر ما فيه من الحرية من فرضه ..».

أقول : لعل نظره في اختصاص إرثه بالفرض دون الرد الى أن الرد خلاف الأصل ، والمتيقن منه هو الرد على الحرّ التام دون المبعض. وفيه إمكان معارضته بالمثل بدعوى اختصاص الإرث بالفرض بغير المبعض ، فيبقى هو مندرجا في عمومات الإرث بالقرابة بعد أن كان كل من الفرض والرد مستفادا من أدلة المواريث وإمكان دعوى الانصراف في كل منهما قوله ـ رحمه الله ـ : «ولو تعدد من يرث بالقرابة كابنين نصفهما حرّ ، احتمل أن تكمل الحرّية فيهما بأن تضم الحرية من أحدهما الى ما في الآخر منها ..»

أقول : مبني الاحتمالات هو أن المبعض على تقدير انفراده : هل يمنع المتأخّر عنه عن إرثه أولا؟ وعلى الثاني ، فمع التعدد : هل لا يمنع مطلقا حتى لو تلفق من المجموع قدر حرّية واحد بالتمام بناء على اشتراط الحجب بالكامل في الحرية دون التكميل بها ، أو يكفي الكمال ، ولو بالتلفيق مع التساوي في الدرجة أو مطلقا؟ أما الأول ، فلا إشكال في عدم منع غيره عما يزيد على إرثه بنسبة الحرية لعدم مزاحمته له فيه بعد حرمانه منه بالرقية. وأما الثاني ، ففيه وجهان : ظاهر (القواعد) وخيرة (الإيضاح) على ما حكى عنه : هو الثاني لأن نصفي الشي‌ء ـ مثلا ـ شي‌ء كامل ، ولا مدخل للصورة بعد تحقّق الكمال بالتلفيق ، فاذا كمل حرّ تام كابنين منصفين أو ثلاثة قد تحرّر من كل الثلث ، أو من أحدهم النصف ومن كل من الآخرين الربع وهكذا ، ورثوا المال كلّه ، فان جاء معهم أخ

__________________

(١) راجع ذلك في كتاب الفرائض منه ضمن الفصل الثاني في موانع الإرث ، المطلب الثالث في الرق (فروع ـ) طبع إيران حجري.

٢٣٣

لم يرث شيئا ومنعوه كما يمنعه الحر التام المتحد ، ثم يقسم فيما بينهم على حسب الحرية فللمنصف النصف ، ولذي الثلث الثلث ولذي الربع الربع وهكذا ، والأقرب هو الأول ، لأنه ـ على القول بكفاية التلفيق ـ لم يظهر للرق أثر ، سيما مع التساوي في النسبة ، ويوجب تخصيص ما دل على مانعية الرق من غير دليل ، وحجب البعيد بالقريب إنما هو بسبب إرثه (ودعوى) إرث المجموع للجميع (مصادرة) محضة ، ففي المثال للابنين المنصفين نصف المال يشتركان فيه بالمناصفة والنصف الآخر لمن تأخر ، وللثلاثة المثلثة الثلث يشتركون فيه بالسوية أثلاثا ، والثلثان لمن تأخر عنهم ، وفي الأخير يشتركون في النصف : للمنصف نصفه ، ولكل واحد من الآخرين ربعه ، وهو ثمن المال ، والنصف الآخر ـ وهو أربعة أثمان ـ لغيرهم.

اللهم إلا أن يقال بظهور تأثير الرقية على التكميل أيضا مطلقا ، سواء اختلفا في قدر الحرّية أم تساويا فيه ، أما على الأول ، فباختلاف كمية الإرث على نسبة الحرية فيهما ، وأما على الثاني ، فالمال وإن كان بينهما بالمناصفة على التكميل أيضا كالحرين الكاملين فلا يظهر حينئذ أثر في كمية الإرث ، إلا أن الفرق بينهما في السبب الموجب له ، ضرورة أن في الحرية التامة اقتضاء لاستحقاق جميع المال ، ولذا يحوزه على تقدير انفراده ، وحيث كانت العلة موجودة في الآخر أيضا أوجب ذلك الاشتراك في المعلول.

والتنصيف بينهما إنما هو بسبب المزاحمة لا لقصور الاقتضاء عن الكل واختصاصه بالنصف ، بخلاف المبعّض فإنه لا اقتضاء فيه للإرث على أزيد من قدر الحرية ، ولذا لا يرث أزيد من النصف حتى لو انفرد : إما لعدم الشرط وهو الحرية أو لوجود المانع وهو الرقية ، فالتنصيف في المبعّضين المنصفين إنما هو بحسب الاقتضاء لا بسبب المزاحمة ، فالقول بالتكميل قريب وإن كان القول بالعدم لعله الأقرب.

٢٣٤

لكن ان قلنا به فإنما نقول به مع اتحاد الطبقة. وأما مع اختلافها كالابن المنصّف مع أخ كذلك فلا يتجه التكميل ، لأن الشي‌ء لا يكمل بما يسقطه ، ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه ـ كما في القواعد ـ خلافا لولده في (الإيضاح) فاختار التكميل فيه أيضا ، معللا باشتراكهما في كونهما أقرب من العم وأولى منه ، ثم قال «وقوله : لا يكمل بما يسقطه ممنوع فإنه إنما يسقطه لو كان كله حرا أما على تقدير رقية البعض فلا يسقطه بالكلية ، لأنا نبحث على ذلك التقدير» (١) انتهى فتأمل.

قوله ـ رحمه الله ـ : «ويحتمل أن يكون لكل واحد ثلاثة أثمان المال ..» (٢)

أقول : وهذا هو الاحتمال الثالث في الولدين المنصفين ، وهو احتمال التنزيل على الأحوال في طريق معرفة قدر إرث كل منهما قياسا على إرث الذكر والخنثى : فعن المشهور ، يفرض الخنثى (تارة) ذكرا فالمال على التنصيف بينهما (وأخرى) أنثى ، فيكون على التثليث ومخرج النصف اثنان يضرب في مخرج الثلث ثلاثة لمكان التباين ، فالفريضة من ستة :

للذكر نصفه ثلاثة على الأول ، وأربعة على الثاني ، فله على التقديرين سبع ، وللخنثى كذلك خمس : يعطى لكل منهما نصف ماله على الاحتمالين فيضرب الاثنان في الست تحصيلا للعدد الصحيح للقسمة ، فالمرتفع اثنا عشر فللذكر منها على تقدير ستة ، وعلى تقدير آخر : ثمانية ، فالمجموع

__________________

(١) قال فخر المحققين في إيضاحه في التعليقة على هذا الفرع من كلام القواعد : «أقول : ويحتمل التكميل لاشتراكهما في كونها أقرب من العم وأولى منه ..» ويختم كلامه بقوله : «والأصح عندي التكميل هنا».

(٢) المصدر الآنف من القواعد بحرف (ب) : ابن نصفه حر وآخر كذلك.

٢٣٥

أربعة عشر ، يعطى نصفه ـ وهو سبعة ـ وللأخرى منها على تقدير ستة وعلى تقدير أربعة ، فالمجموع على التقديرين عشرة ، يعطى لها نصفها ـ وهو خمسة. وعلى هذا التنزيل : ففي المقام : الأحوال التي يمكن أن يكون عليها أربعة ، وهي : حرّان ، رقان ، الأكبر حر والأصغر رق والعكس ، وكان الحاصل لكل منهما في الأحوال الأربعة : مال ونصف ، لاحتمال اختصاص الحرية التامة به ، فالمال كله له ، واحتمال حرية نصفه فنصفه له ، ولا شي‌ء له على الرقية التامة ، وحيث لم يكن في الواقع إلا واحد منها ناسب أن يحكم له بربع ذلك الحاصل تنزيلا له على الأحوال الأربعة ، وقد علمت أنه مال ونصف ، فالمال ثمانية أثمان ، والنصف أربعة أثمان ، فالمجموع اثنا عشر ثمنا : ربعها ثلاثة أثمان ، فأقل عدد يخرج منه ثلاثة أثمان انما هو ثمانية ، فكانت الفريضة من ثمانية ، فلكل واحد منهما ثلاثة أثمان منها ، فيبقى ثمنان للبعيد.

ويضعف بوضوح الفرق بين المقام وما يجري فيه التنزيل على الأحوال لأنه يعتبر في مجراه الجهل بالحال فينزل على اختلاف الأحوال ، والمقام معلوم الحال ، فكيف يقاس معلوم الحال بمجهوله؟.

قوله ـ رحمه الله ـ : «ولو كان معهما ابن ثالث ثلثه حر إلخ ..» (١)

أقول : على القول بالتكميل يقسم المال كله بينهم على ثمانية ، لأن النصف ثلاثة أسداس ، والنصف الآخر كذلك ، والثلث سدسان ، فالمجموع ثمانية أجزاء فالقسمة من ثمانية ، لأنها أقل عدد يخرج منه الثمن فلكل من المنصفين ثلاثة ، وللمثلث اثنان. أو نقول مجموع الحرية : الحرية وثلث.

وذلك في تقدير أربعة أثلاث ، فيقسم ما تساووا ـ وهو الحرية ـ بالتسوية لكل واحد ثلث ، ويبقى ثلث آخر يقسم بين الاثنين بالسوية ، وليس

__________________

(١) المصدر الآنف من القواعد بنفس عنوان (ب).

٢٣٦

له نصف صحيح فنضرب اثنين في أربعة لأن أصلها أربعة أثلاث ، فالمرتفع ثمانية ، ومرجع ذلك الى تحقق العول فيهم بجزئين على الستة لأن المجموع حرّ تام وثلث ، فتعول القسمة إلى ثمانية.

قوله ـ رحمه الله ـ : «وعلى الثاني يقسم النصف على ثمانية» (١) أقول : وجهه يعرف مما تقدم في الأول ، غير أنه ـ هنا ـ يجري ذلك في النصف لعدم التكميل وحرمانهم من النصف بالرقية واشتراكهم في النصف بالحرية ، فتوريثهم النصف على نسبة ما فيهم من الحرية ، وذلك ثمانية ـ على ما تقدم ـ وان كان لي فيه تأمل ـ كما ستعرف.

قوله ـ رحمه الله ـ : «ويحتمل قسمة الثلث أثلاثا والسدس بين صاحبي النصف نصفين» (٢).

أقول : هذا احتمال ثان في التقسيم على الاحتمال الثاني ، ونظره الى تساوي الثلاثة في حرية الثلث ، فيبقى السدس الزائد على الثلث في من نصفه حرّ ، فيقسم بينهما خاصة بالسوية ، فتصح القسمة من ستة وثلاثين لأنه أقل عدد يكون له نصف ولنصفه ثلثان ينقسمان على ثلاثة وثلث ينقسم على اثنين ، فيقسم على ثلثها وهو اثنا عشر أثلاثا بين الثلاثة ، لاشتراكهم في حرية الثلث ، فيكون لكل واحد منهم أربعة ، ويقسم سدسها ـ وهو ستة ـ بين المنصّفين خاصة بالسوية ، لاختصاصهما بزيادة الحرية مقدار ما به التفاوت بين الثلث والنصف ، وهو السدس ، فيكون لكل من المنصفين سبعة ، ولذي الثلث أربعة ، فالمجموع ثمانية عشر : نصف الفريضة ، ويعطى النصف الباقي للبعيد لحرمانهم منه بالرقية.

__________________

(١) المصدر الآنف ، والجملة شق ثان لقوله : (فعلى الأول يقسم المال بينهم على ثمانية).

(٢) نفس المصدر ، بعد الجملة الانفة بلا فصل.

٢٣٧

وأنت خبير بما في الاحتمالين : من الاختلاف في القسمة ، ضرورة أنه على الأول : لذي الثلث اثنان من ثمانية لكون القسمة من ستة عشر ، وعلى الثاني له أربعة من ثمانية عشر ، لكونها من ستة وثلاثين ، فله حينئذ اثنان من تسعة لا من ثمانية.

والأصح عندي هو الاحتمال الثاني إذ حق القسمة يقتضي ذلك ، لأنه ليس لذي الثلث سدسان من الستة حتى يضاف إليها ، بل له دون ذلك لاشتراك أخويه معه فيه. وان كان مخرج الثلث من الستة من حيث هو اثنان ، بل لذي الثلث في المقام تسعان : اثنان من تسعة ، لأن له الثلث من ثلث الأصل ، فيضرب مخرج كل منهما في مخرج الآخر ، وهو الثلاثة فالمرتفع تسعة ، هي نصف أصله بالفرض ، فيقسم ثلثاها بينهم بالسوية ، لكل اثنان ، والزائد بين المنصّفين بالسوية ، فلكل منهما ثلاثة ونصف ولذي الثلث اثنان ، فيضرب الاثنان ـ مخرج النصف ـ في التسعة تحصيلا للعدد الصحيح ، فالمرتفع ثمانية عشر ، نصف الفريضة التي هي ستة وثلاثون كما تقدم ، لكل من المنصّفين سبعة ، ولذي الثلث أربعة ، فلا عول في المقام حتى تبتنى عليه القسمة.

قوله : «وعلى تنزيل الأحوال يحتمل أن يكون لكل واحد ممن نصفه حر سدس المال وثمنه ، ولمن ثلثه حرّ ثلثا ذلك ، وهو تسع المال ونصف سدسه» (١).

أقول : مراده ان في المثال احتمالا آخر غير الاحتمالين الأولين مبنيا على تنزيل الأحوال ، وليس المقصود أن فيه احتمالين ، غير أنه تعرض لأحدهما ولم يتعرض للآخر ـ كما فهمه السيد العميدي في (الكنز) حيث قال ـ بعد ذكر عبارة مصنفه ما لفظه : «ولم يذكر احتمالا آخر والحق أن يقال

__________________

(١) نفس المصدر الآنف بعد الجملة الآنفة بلا فصل

٢٣٨

على تنزيل الأحوال لا وجه لغير هذا الاحتمال فيكون متعينا» (١) انتهى.

ولعل استظهاره من تقديم الظرف على العامل ، ولو تأخر لكان ظاهرا فيما ذكرناه ، وعلى كل حال فوجهه : هو أن الأحوال ـ على اختلافها في المثال ـ ثمانية : إما أحرار أو عبيد أو حرّ ورقان ، والحرّ إما هو الأكبر أو الأوسط أو الأصغر ، أو رق وحرّان ، والرق أيضا دائر بين الثلاثة فالمجموع ثمانية ، والمال يقسم أثلاثا على الأول ، ولا شي‌ء لهم على الثاني وكله للحر في الثالث بفروضه الثلاثة ، وعلى النصف : للحرّين في الرابع بفروضه الثلاثة أيضا ، فالحاصل لكل واحد على الأحوال مالان وثلث. ولما لم يكن في الواقع الا واحد منها ناسب أن يكون له ثمن ذلك لو كانوا متساوين في الحرية. وحيث كانوا مختلفين ، فللأكثر منهم حرية : ثمن المجموع ، وهو سدس المال وثمنه ، ولذي الثلث : ثلثا ذلك ، ضرورة أن الثلث ثلثا النصف ، ولو أعطينا كلا منهم ثمن المجموع لزم تسويتهم مع فرض اختلافهم في الحرية ، وهو باطل بالضرورة ، فنطلب عددا له ثمن وسدس ، ولهما ثلث ، وأقل عدد له ثمن وسدس (أربعة وعشرون) الحاصل من ضرب نصف أحدهما في الآخر ، للتوافق في النصف ، وحيث احتجنا أن يكون لهما ثلث ضربنا الثلاثة ـ وهي مخرج الثلث ـ في الأربعة والعشرين ، فالمرتفع اثنان وسبعون لكل من المنصفين ، ثمن ذلك تسعة ، وسدسه اثنا عشر فالمجموع أحد وعشرون ، وللآخر مثله ، ولذي الثلث ثلثاها ، وهو أربعة عشر ، فمجموع استحقاقهم ستة وخمسون ، والباقي

__________________

(١) كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد للسيد عميد الدين عبد المطلب ابن مجد الدين أبي الفوارس محمد بن محمد بن علي الأعرجي ابن أخت العلامة الحلي (ولد سنة ٦٨١ وتوفي سنة ٧٥٤) والكتاب لا يزال من نفائس المخطوطات.

٢٣٩

وهو ستة عشر للبعيد.

قوله : «الثالث ابن حرّ وآخر نصفه حر» إلخ (١).

أقول على القول بالتكميل يقسم المال بينهما أثلاثا : للمنصف الثلث وللحر الثلثان ، لان الثلث نصف الثلثين وقدر الحرية في المنصف نصف قدرها في الكامل. وعلى القول بعدمه يقسم بينهما أرباعا ، لأن قضيّة عدم التكميل توزيع ما اشتركا فيه بينهما بالسوية ، واختصاص الكامل بالزائد ، فيقسم النصف بينهما نصفين لاشتراكهما فيه في الحرية ، فيكون له الربع وللآخر ثلاثة أرباع. وعلى تنزيل الأحوال مثله ، لان للحر المال كله في حال رقية الآخر بتمامه ، ونصفه في حال حريته لاشتراك الحرّين فيه بالسوية ، فله نصفهما وهو ثلاثة أرباع وللآخر نصفه في حال حريته وليس له شي‌ء في حال رقيته ، فليس له في الحالين إلا النصف ، وهو الربع قوله : «الرابع ابن ثلثاه حرّ وآخر ثلثه حر» إلخ (٢).

أقول : على التكميل المال بينهما أثلاثا : لذي الثلثين الثلثان ، ولذي الثلث الثلث ، تقسيما للمال بينهما على نسبة الحرية. وعلى القول بعدمه يقسّم الثلثان لحرمانهما من الثلث بالرقية بينهما أثلاثا بناء على ما تقدّم في كلام جدّنا : من تقسيم الأكثر بينهما على نسبة الحرّية مع الاختلاف في قدرها الذي قد عرفت ما فيه ، وأن الأقوى فيه تقسيم الثلث بينهما بالسوية لاشتراكهما فيه بالحرية ، ويضاف لذي الثلثين ثلث آخر ، فيكون له النصف ولذي الثلث السدس ، والثلث الباقي لمن تأخر ، فالفريضة على الأول :

من تسعة ، لأنه أقل عدد يكون له ثلث ولثلثيه ثلث ، فالثلثان منها وهما ستة يقسم بينهما أثلاثا ، فلذي الثلث تسعان ، ولذي الثلثين أربعة أتساع

__________________

(١) نفس المصدر الآنف من القواعد بعنوان (ج).

(٢) المصدر الآنف من القواعد بعنوان (د).

٢٤٠