بلغة الفقيّة - ج ٤

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٤١

الوصية ، ولا دليل عليه سوى الإلحاق بالهبة ، وهو مع أنه قياس مع الفارق لاختلاف أحكامهما الكاشف عن اختلاف الماهية ، كان مقتضاه كون القبض شرطا للصحة دون اللزوم ، وهو لا يقول به.

وأما الاحتمالان الأخيران المبنيان على عدم اعتبار القبول (١) غير أن أحدهما كون الرد مانعا ، والآخر عدم مانعيته مطلقا ولو كان قبل القبول (فيضعف) الأخير منهما بقيام الإجماع على بطلان الوصية بالرد قبل القبول ، مضافا الى دعوى قيامه على اعتبار القبول فيما إذا كانت الوصية لمعين محصور.

وكذا يضعّف الأول بأنه لا وجه له يكون به مغايرا وقسيما لما تقدم عليه من الأقوال المتقدمة ، لان الموصى به : إما أن لا يخرج بالموت عن حكم مال الميت أو يخرج به عنه : وعلى الثاني : فاما أن يكون تملك الغير له لازما أو متزلزلا ، وحينئذ فالرد إن كان مانعا عن الصحة التأهلية التي هي بمعنى كونه ملكا بالقوة الحاصل بالوصية وموت الموصي ، ففيه :

أنه حينئذ لم يبق ما يوجب خروج الملك من القوة إلى الفعل ، فلا بد من الالتزام : إما بالقبول اللفظي لذلك ، أو الفعلي من الأخذ والتصرف ، وحينئذ فإن كان ناقلا رجع الى القول الأول ، وإن كان كاشفا رجع الى الثاني ، وان خرج بالموت من القوة إلى الفعل : فان كان لازما فلا وجه لمانعية الرد بعد اللزوم ـ كما عرفت ـ وإن كان متزلزلا فلا موجب للزوم إلا أحد الأمرين المتقدمين ، فيرجع حينئذ إلى القول الثالث.

هذا كله في القبول ، وأما الرد : فان وقع من الموصى له في حياة الموصي ، كان له القبول بعده مطلقا ، قبل موت الموصي وبعده ، إذ

__________________

(١) كما أشار إليهما ـ آنفا ـ بقوله : (ولو قيل بعدم اعتبار القبول ففي مانعية الرد وعدمه؟ احتمالان.

٢١

لا تأثير حينئذ للرد إلا إذا كان مسبوقا بالقبول فيبطله خاصة ، وله تجديده بعده مطلقا كما عرفت ، وان وقع بعد موت الموصي وقبل القبول بطلت الوصية ، سواء وقع قبل القبض أم بعده. ولو وقع بعد القبول والقبض معا ، فلا تأثير للرد حينئذ بلا خلاف أجده وان وقع بينهما بعد القبول وقبل القبض ، ففيه الخلاف المتقدم للشيخ.

ثم إن إطلاق كلامهم بعدم تأثير الرد في حياة الموصي في الإيجاب يعطي عدم الفرق بين سبقه بالقبول وعدمه.

ولكن أشكل في (الجواهر) على الأول حيث قال : «ربما استفيد من إطلاق المصنف وغيره عدم الفرق في ذلك بين سبقه بالقبول وعدمه. ولكن يشكل ذلك بما ظاهرهم الإجماع عليه : من كون الوصية عقدا جائزا من الطرفين ، ومقتضاه تسلط الموصى له على فسخه حينئذ ، ولا ريب في اقتضائه بطلان العقد ، إذ هو معنى الفسخ ، كما أن معنى الرد والفسخ واحد ، واحتمال الالتزام بعدم الحكم لهذا الفسخ يقتضي مخالفتها للعقود الجائزة بالنسبة الى ذلك» (١).

قلت : الرد إنما يكون رافعا لحكم الإيجاب المنجز لأن أثره وجودا وعدما موقوف على القبول وعدمه. أما المعلق على شرط فأثره لا يمكن تحققه قبل حصول الشرط ، فرده قبله واقع في غير محله ، بل هو بمثابة الطلاق قبل النكاح المنقول صحته عن أبي حنيفة (٢) وحينئذ فينبغي عدم

__________________

(١) راجع ذلك في أوائل كتاب الوصية في شرح قول المحقق : (فان رد في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته) وأول هذه العبارة في (الجواهر) هكذا : بقي شي‌ء في المقام ، وهو انه ربما ..

(٢) المتفق عليه بين فقهاء المسلمين ـ باستثناء أبي حنيفة وبعض المالكية ـ كما قيل ـ بطلان الطلاق المسبق المعلق على العقد المتأخر ، باعتبار

٢٢

الاعتداد برد الوصية في حال الحياة ـ مطلقا ـ وان قلنا بجواز القبول المعلق فيها على نحو تعليق الإيجاب.

__________________

أنه من شئون العقد ، فلا يقع قبله. ولقد عقد الحر العاملي ـ قدس سره ـ في (الوسائل كتاب الطلاق) بابا خاصا بهذا المعنى ، وهو باب ١٢ من مقدماته بعنوان : أنه يشترط في صحة الطلاق تقدم النكاح ووجوده بالفعل ، فلا يصح الطلاق قبل النكاح وان علقه عليه. واستعرض في ذلك الباب روايات كثيرة عن أهل البيت (ع) صريحة بهذا الخصوص أمثال قول الامام علي ابن الحسين (ع) : «إنما الطلاق بعد النكاح» وقول الامام الصادق (ع) : «لا طلاق إلا بعد نكاح ، ولا عتق الا بعد ملك» وقوله (ع) : «لا يكون طلاق حتى يملك عقدة النكاح» ونحو ذلك المضمون كثير من الروايات المذكورة في نفس الباب وفي نحوه من أبواب النكاح. وفي كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) تأليف عبد الرحمن الجزيري ج ٤ ص ٢٨٠ بعنوان أركان الطلاق قوله : «للطلاق أربعة أركان ، أحدها ـ الزوج ، فلا يقع طلاق الأجنبي الذي لا يملك عقدة النكاح ، لأنك قد عرفت أن الطلاق رفع عقدة النكاح ، فلا تتحقق ماهية الطلاق إلا بعد تحقق العقد ، فلو علق الطلاق على زواج الأجنبية كما لو قال : زينب طالق ان تزوجتها ، ثم تزوجها ، فان طلاقه لا يقع ، لقوله (ص) : «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ، ولا عتق فيما لا يملك ، ولا طلاق فيما لا يملك» رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وحسّنه».

ثم يعلق على ذلك فيقول : «والمالكية والحنفية قالوا : إذا علق طلاق امرأة على زواجها ، فان طلاقه يعتبر ويقع عليه إذا تزوجها ، فلو قال : إن تزوجت فاطمة بنت محمد تكون طالقة ، يقع عليه الطلاق بمجرد العقد ومثل ذلك ما إذا قال : كلما تزوجت امرأة فهي طالق ..».

٢٣

وبالجملة : فالفرق واضح بين فعلية أثر العقد ، وان توقفت الصحة على الشرط المتأخر كالقبض في الوقف والهبة ، وبين تعليقه المدلول عليه بنفسه.

إذا عرفت ذلك ، بقي في المقام مسائل : (المسألة الاولى) : لا يشترط اتصال القبول بالموت ، بل يجوز تأخيره عنه مطلقا بلا خلاف ، فضلا عن اعتبار مقارنته لإيجاب الوصية.

وفي جواز تقديمه في حياة الموصي قبل موته بمعنى الاكتفاء به عن تجديده بعده؟ قولان : الأكثر على الجواز. وقيل بالعدم ، كما عن (المختلف) وغيره ، معللين :

بعدم وقوع القبول في محله بعد أن كان مدلول الإيجاب معلقا على الموت الراجع ـ في الحقيقة ـ إلى كونه تمليكا منجزا عند الموت ، فيكون القبول حينئذ كالقبول قبل الوصية ، وبيع ما سيملك ، والطلاق قبل النكاح وهو حسن ، وإن تجرد الإيجاب عن المعنى الإنشائي وأنه محض إعلام لتحقق التمليك المنجز عند الموت ، فيكون حينئذ من قبيل الواجب المشروط

__________________

ويظهر رأي أبي حنيفة في الجواز مما ذكره الكاساني الحنفي في كتابه (بدائع الصنائع ج ٤ ص ١٨٦٦) باختصار منا : «إن الطلاق لا يخلو : إما أن يكون تنجيزا ، وإما أن يكون تعليقا بشرط ، وإما أن يكون إضافة الى وقت .. الى قوله ـ : ولو قال لأجنبية : أنت طالق إذا تزوجتك قبل أن أتزوجك ـ ثم تزوجها ـ وقع الطلاق ، لأنه أوقع الطلاق بعد التزوج ، ثم أضاف الواقع إلى ما قبل التزوج ، فوقع الطلاق ، ولغت الإضافة وكذلك إذا قال : أنت طالق قبل ان أتزوجك إذا تزوجتك ، فتزوجها يقع الطلاق ، ويلغو قوله : قبل أن أتزوجك ..» إلى آخر العبارة التي يتراءى من خلالها القول بالجواز.

٢٤

كالحج قبل الاستطاعة ، مع أنه ليس كذلك ، بل هو إنشاء للتمليك التقديري بحيث يكون التعليق في المنشأ دون الإنشاء ، فيكون من قبيل الواجب المعلق دون المشروط ، وأن إنشاء الأمر موجود فعلا ، وإن تأخر زمان المنشأ والمأمور به ، وبه يتحقق مدار الإطاعة والعصيان ، وإلا فعند الموت لا أمر ولا إنشاء حتى يتحقق به الامتثال وعدمه ، مضافا الى تشبثه به وحصول ربط ، ولو ضعيف ، بين الموصى له والموصى به بالوصية ، فامتاز عن غيره ، لأنه بها ملك أن يملك ، فصار محلا للقبول ، بخلافه قبل الوصية.

وبأنه لو جاز القبول في حياة الموصي لكان في الرد كذلك تأثير في بطلان الإيجاب ، مع أن الأكثر لا يقولون بتأثير الرد وأن له تجديد القبول بعده في حياة الموصى وبعد موته مع قولهم بتأثير القبول ، وبعبارة أخرى : لو كان القبول مجديا لكان الرد مؤثرا بعد أن كان تواردهما على مدلول الإيجاب وأن معنى الرد ليس الا ضدّ معنى القبول.

وفيه : منع الملازمة بين تأثير القبول بمعنى إغنائه عن القبول بعد الموت وتأثير الرد في بطلان الإيجاب بمعنى الحاجة الى تجديد الوصية. نعم له تأثير في بطلان القبول السابق عليه بحيث يحتاج بعده الى تجديد للقبول ، دون تجديد الإيجاب.

وبأن القبول : إما كاشف أو ناقل ، وهما معا منتفيان هنا ، لمعلومية اشتراط الملك بالموت.

وفيه : ان الخلاف بين كونه كاشفا أو ناقلا إنما يتحقق ، موضوعه في القبول بعد الموت ، وإلا فقبله لا ملك حتى يقع الخلاف في زمان تحققه فموضوع الخلاف في المسألتين مختلف.

وبأن القبول لو كان مقبولا حال الحياة لم يعتبر قبول الوارث ولا رده لو مات الموصى له قبل موت الموصي.

٢٥

وفيه : ان انتقال حق الرد والقبول الى الوارث إنما هو حيث لم يتحقق مطلق القبول من المورث ، لا خصوص القبول الواقع بعد الموت ، الا بناء على عدم تأثير القبول في الحياة ، وهو عين الدعوى ، فاذا لا مانع من جواز القبول قبل موت الموصي.

ويدل على جوازه والاكتفاء به عن تجديده بعد الموت : إطلاق أدلة الوصية ووجوب تنفيذها ، وعدم ورود ما دل على افتقار الوصية إلى القبول ـ هنا ـ : من الإجماع المفقود في المقام ، ومن أنّ الدخول في الملك قهرا ضرر : منفي بما دل على نفيه ، لوقوع القبول منه بالفرض ، ومن اتفاقهم على كون الرد قبل القبول مبطلا للوصية الدال على توقف الملك عليه ، الممنوع تحققه فيما لو كان مسبوقا بالقبول ولو في الحياة ، بل دخوله في ظاهر اتفاقهم على بطلان الرد بعد القبول أظهر. وما قيل من عدم صلاحية القبول المتقدم للوجوه المتقدمة ، قد عرفت ضعفه ، فاذا القول الأول هو الأقوى ، وعليه الأكثر.

(المسألة الثانية) لو أوصى بشي‌ء فقبل بعضه وردّ بعضه ، صح فيما قبله وبطل فيما ردة.

وتنقيح هذه المسألة هو أن يقال ان متعلق الوصية أي الموصى به :

إما أن يكون متعددا في الخارج كأن يقول : أعطو سيفي وفرسي لزيد بعد الوفاة ، أو يكون واحدا شخصيا كأحدهما في المثال. وعلى الثاني : فإما أن يقبل بعضه المعين أو بعضه المشاع المقدر بأحد الكسور التسعة كالنصف والثلث ـ مثلا.

وعلى كل حال : فإما أن نقول بعدم اعتبار المطابقة بين القبول والإيجاب فيما كان التمليك فيه لمحض التبرع ، أو نقول باعتبارها فيه أيضا كسائر العقود ، من غير فرق بين المعاوضات والتمليكات المجانية.

٢٦

فإن قلنا بعدم اعتبار المطابقة بينهما ، صح في خصوص ما قبله مطلقا إلا فيما لا يمكن فيه استقلالية المقبول عن الكل بالكلية على وجه لا يمكن تعلق الملك ابتداء به كقبول يد العبد أو رجله فيما لو قال : (أعطوا عبدي لفلان) وغيرهما من أجزاء البدن ، إلا الرأس ، لشيوع استعماله في إرادة الكل ، وكذا الرقبة. وعدم الصحة فيما لا يقبل الاستقلالية كذلك في أو لعدم المطابقة ، بل لعدم تعلق التمليك به بخصوصه لا ابتداء ولا استدامة.

وان قلنا باعتبارها كسائر العقود لاتحاد المدرك : فان كان الموصى به متعددا في الخارج انحلّ الإيجاب المتعلق بهما إلى إيجابين ، فإن العطف على المعمول بحكم إعادة العامل ، فينحل في المثال الى قوله : أعطوا سيفي ، وأعطوا فرسي لزيد بعد الوفاة ، فبقبول أحدهما تحصل المطابقة بين القبول وإيجابه ، بل ومثله يجري أيضا في عقد المعاوضة ، كما لو قال : بعتك عبدي بمأة وجاريتي بخمسي ، وقبل أحدهما دون الآخر ، فان الأقرب فيه الصحة ، بخلاف ما لو ضمّهما بثمن واحد ، لظهوره في الاجتماع وان لم يكن بنحو الاشتراط.

وإن كان المتعلق واحدا شخصيا» وقبل بعضه المعين ، كما لو قال : أعطوا بساطي ـ مثلا ـ فقال : قبلت هذا الجزء منه ، فإنه يبطل حتى فيما قبله ، لعدم المطابقة بعد فرض اعتبارها ، بل لعل الأقوى حينئذ البطلان حتى لو كان البعض مشاعا أيضا بعد اعتبار المطابقة المنتفية هنا أيضا ، وان استقرب الصحة فيه شيخنا في (الجواهر) وأشكل في البعض المعين.

ولا أرى وجها للفرق بينهما بعد اعتبار المطابقة ، إلا ما عسى أن يقال بالانحلال الى المتعدد في المشاع كالمتعدد في الخارج ، بتقريب : أن الواحد بالعدد المؤلف منه الأعداد يتحد بالمفهوم والحقيقة مع النصفين وثلاثة أثلاث وأربعة أرباع ـ مثلا ـ ولذا لا يمكن زيادة الكسر على مخرجه ، فلو فرض زيادته

٢٧

عليه عبّر عنه بالواحد وتلك الزيادة ، فيقال في ثلاثة أنصاف : واحد ونصف ، وأربعة أثلاث : واحد وثلث ، وهكذا ، فالواحد بلحاظ عين النصفين ، وثلاثة أثلاث : بلحاظ آخر ، وفي مرتبة أخرى ، فإذا قبل كسرا منه فهو مطابق لما تعلق به من أفراد المخرج المنقسم إليها المتعدد بلحاظ آخر. وبالجملة ، فالنصفية منتزعة من الواحد بلحاظ النصفين ، والثلاثية منه بلحاظ ثلاثة أثلاث ، وهكذا ، فمنشأ الانتزاع حينئذ متعدد بتعدد كسورة ، وهو كاف في تحقق المطابقة وتحليل الإنشاء إلى متعدد.

إلا أنه مع ذلك لا يخفى ضعفه ، لأن المطابقة معتبرة بين القبول والإيجاب بحسب ما تعلق به في الخارج من الوحدة والتعدد ، لا بحسب التحليل العقلي في مرتبة وجوده الذهني ، فالأقوى إلحاق قبول البعض المشاع بالبعض المعين في البطلان ، لا ببعض المتعدد في الخارج في الصحة ، بل حتى لو قبل البعض المشاع من كل من المتعدد ، كما لو قال : قبلت نصف كل من العبدين أو ثلثا منهما ، لعدم المطابقة أيضا.

(المسألة الثالثة) اختلف الأصحاب في انتقال حق الرد والقبول إلى ورثة الموصي له لو مات هو قبل القبول ، وعدمه على أقوال : ثالثها : التفضيل بين موته بعد موت الموصي ، وقبله : بصحة الوصية في الثاني ، وبطلانها في الأول ورجوع الموصى به الى ورثة الموصي. ورابعها : التفصيل بين ما لو علم تعلق غرض الموصي بخصوص الموصى له لمزيد علم أو صلاح ـ مثلا ـ وما لم يعلم : ببطلان الوصية في الأول ، وصحتها وانتقال الحق إلى الوارث في الثاني.

والقول الأول وهو الانتقال ـ مطلقا ـ نسبه جدنا في (المصابيح) الى الصدوق في (الفقيه) رواية و (المقنع) و (المقنعة) و (النهاية) و (التهذيب) و (الاستبصار) و (المراسم) و (الكافي) و (الوسيلة)

٢٨

و (السرائر) و (الشرائع) و (الجامع) و (كشف الرموز) و (القواعد) و (التلخيص) و (التبصرة) و (اللمعة) و (الكفاية).

و (الثاني) وهو البطلان مطلقا منسوب إلى جماعة ـ كما في المصابيح ـ حيث قال : «وبه ـ أي البطلان مطلقا ـ قال ابن الجنيد ، واختاره العلامة في الإرشاد ، ونفى عنه البأس في (التذكرة والمختلف) وحكاه في (الشرائع) قولا ، ونسبه في (المسالك) إلى جماعة ، وقوّاه. قال في التذكرة :

«وهو قول أكثر العامة رووه عن علي (ع) : وبه قال الزهري وحماد ابن أبي سلمة وربيعة ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي».

و (الثالث) محكي في (المصابيح) عن جماعة حيث قال بعد ذكره : «حكاه في الدروس عن المحقق ، وفي (التنقيح) : إنه ذهب الى ذلك في بعض فتاواه ، وأسنده في (المسالك) الى بعض الأصحاب ومال اليه بعض الميل.

و (الرابع) يحكي فيه عن الدروس وجواهر الكلمات والروضة وموضع من المسالك ـ بعد ما قوى البطلان ـ (١)

قلت : والأول هو الأقوى ، وعليه المشهور. وحكاية الشهرة عليه مستفيضة ، حكاها في (المصابيح) أيضا عن جماعة حيث قال : «والشهرة مع ظهورها مما حررناه منقولة في كثير من كتب الأصحاب كالتذكرة والمختلف والإيضاح والدروس وغاية المرام والمهذب البارع وجامع المقاصد

__________________

(١) يستعرض الأقوال الأربعة المذكورة تفصيلا كتاب (المصابيح) للسيد بحر العلوم ـ قدس سره ـ الذي لا يزال من نفائس المخطوطات : في كتاب الوصية تحت عنوان (مصباح) : اختلف الأصحاب في أنه إذا مات الموصى له قبل قبول الوصية على أقوال : أحدها ـ صحة الوصية مطلقا وانتقالها الى وارث الموصى له .. إلخ

٢٩

والمسالك ، وفي التنقيح : إنه قول الأكثر ، وفي (الكفاية) : انه الأشهر وفي الشرائع : انه أشهر الروايتين ، وفي النافع : بناء الحكم به على الأشهر وهو محتمل للأشهر فتوى ورواية ولعل مراده الثاني كما صرح به في الشرائع وفي كشف الرموز : ان هذا القول هو الذي انعقد عليه العمل ، وظاهره الإجماع ـ الى أن قال بعد نقله ذلك ـ ولا ريب في أنه هو المذهب» انتهى (١)

ويدل عليه ـ مضافا الى كونه حقا فيدخل في عموم : «ما ترك الميت من حق فهو لوارثه» (٢) ما رواه المحمدون الثلاثة في الكتب الأربعة (٣): «عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب ، فتوفي الموصى له قبل الموصى؟ قال : الوصية لوارث الذي أوصى له ، قال : ومن أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفي

__________________

(١) هذه العبارة بطولها ذكرها سيدنا الجد الأعلى (بحر العلوم) في المصابيح بعد عرض الأقوال الأربعة المذكورة ، وأول العبارة هكذا : «والقول الأول هو المشهور بين الأصحاب ، والشهرة ..».

(٢) بالرغم من كثرة تواجد هذا النص في موسوعاتنا الفقهية واستشهاد فقهائنا العظام به كثيرا في كثير من أبواب الفقه ، كالوصية والمواريث والخيارات ، وتعبيرهم عنه بالنبوي المقبول أو المشهور ، ولكننا لم نألوا جهدا في تطوافنا وفحصنا له على مصدر روائي معتبر من كتب الحديث للفريقين وإنما الذي وجدناه في صحاح العامة : إذا ترك الميت مالا فللوارث ، وبهذا المضمون على أن عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ، والله العالم.

(٣) يقصد بهم : محمد بن الحسن الطوسي صاحب التهذيب والاستبصار ومحمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي ، ومحمد بن علي بن بابويه الصدوق صاحب كتاب «من لا يحضره الفقيه» وهذه الكتب الأربعة هي مركز اعتماد الفقهاء الإمامية كالصحاح السنة بالنسبة إلى فقهاء العامة.

٣٠

الموصي ، فالوصية لوارث الذي أوصى له ، الا أن يرجع في وصيته قبل موته» (١) وهو نص في المطلوب بعد الأولوية فيما لو مات بعده ، والصحيح «عن مثنى قال سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا؟ قال : اطلب له وارثا أو وليا فادفعها اليه ، قلت : فان لم أعلم له وليا؟ قال : اجهد على أن تقدر له على ولي ، فان لم تجده ، وعلم الله فيك الجهد فتصدق بها» (٢) بناء على إرادة كونه مات قبل القبول ولو بقرينة قوله : (ولم يقبضها) حملا للقبض المنفي على القبول الفعلي الحاصل به غالبا في أمثال المقام : من العطايا والهدايا. وخبر الساباطي قال : «سألت أبا جعفر (ع) عن رجل أوصى إلي وأمرني أن أعطى عما له في كل سنة شيئا ، فمات العم؟ فكتب : أعط ورثته» (٣) الشامل بإطلاقه للمقام ، سيّما مع ترك الاستفصال.

وأورد على أول الدليلين في (المسالك) : النقض أولا ـ بعدم إرث القبول في غير الوصية من العقود إجماعا ، وبالحل ـ ثانيا ـ بما يرجع

__________________

(١) في الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٢٠ من أحكام الوصايا ، حديث (١) «محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس ..» وبعد ذكر الحديث يقول صاحب الوسائل : «ورواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد ، ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم مثله».

(٢) في المصدر الآنف الذكر يذكر الحديث عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر. وفي الأخير يقول : ورواه العياشي في تفسيره عن المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله (ع)

(٣) في المصدر الآنف الذكر يذكر الحديث عن الساباطي ، ويذكر في الأخير : أن الصدوق يرويه عن عمرو بن سعيد. والشيخ عن محمد بن يحيى.

٣١

(مرة) إلى إنكار الصغرى : من كون القبول حقا ، إذ ليس كلّ ما يجوز فعله كان حقا (وأخرى) إلى منع الكبرى : من كونه من الحقوق التي تنتقل بالإرث ، إذ رب حق متقوم بمستحقه لا يتعدى الى غيره ، ولعل حق القبول من ذلك ، بل الظاهر إنه كذلك ، حيث أن الإيجاب تمليك للموصى له ، والقبول تملك الوارث ، فلا يتطابقان. وبعبارة أخرى : تملك الوارث إن كان بتمليك الموصي له فالمفروض عدم تملكه فكيف يملك ، وان كان بتمليك الموصي فلم يحصل منه إيجاب يوجب تمليكه (١).

وفيه : أما ثبوت الصغرى ، فلأنه يكفي في ثبوت الحق حصول سبب الملك للمورث بحيث لا يتوقف الملك الا على شرط يحصل من قبله ، وهو الرضا به ، وما يكون كذلك مما يترتب عليه المال بعد عند العقلاء كنفس الأموال في كونه حقا يصدق عليه أنه تركه ، وبه يحصل الفرق بينه وبين القبول في سائر العقود ، فإنه جزء السبب فيها ، وهنا شرط التأثير من الإيجاب على تقدير الموت ـ على ما تقتضيه عمومات الوصية التي هي لغة وعرفا مجرد الإيجاب ـ فالقبول هنا كالقبض ونحوه من الشرائط المتوقفة عليها صحة العقد ، وتسميته مع ذلك عقدا لمجرد افتقاره الى القبول في مقابل الإيجاب الذي لا يفتقر اليه. وهذا القدر من الافتقار كاف في التسمية ، وان اختلفا في كون القبول هنا شرطا في التأثير ، وفي سائر العقود جزء السبب ، وبه اتضح الفرق بين القبولين ، وارتفع النقض بعدم إرثه في سائر العقود.

__________________

(١) راجع ذلك في أول كتاب الوصايا من المسالك للشهيد الثاني في شرح قول المحقق : «ولو مات ـ أي الموصى له ـ قبل القبول قام وارثه مقامه ..» وأول العبارة التي يظهر منها هذا الرد المقتضب هي قوله : وأما الاستدلال بكون القبول حقا للمورث ففيه .. إلخ

٣٢

وأما ثبوت الكبرى ، فلأن الحقوق التي لا تتعدى الى غيره ما كان الموجب لها : إما علة تامة أو كان من قبيل المقتضى ولكن اختص اقتضاؤه به بسبب آخر ، كما تقدم منا بيانه في مسألة الفرق بين الحق والحكم (١) ولا شي‌ء منهما موجود هنا ، والمطابقة حاصلة بعد فرض قيام الوارث مقام المورث فيما هو له.

واحتج من قال بالبطلان مطلقا ـ بعد الأصل ـ بما رواه الشيخ عن أبي بصير ومحمد بن مسلم جميعا : «عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن رجل أوصى لرجل ، فمات الموصى له قبل الموصى؟ قال : ليس بشي‌ء (٢) ومثله ، موثقة منصور بن حازم عنه (ع) (٣).

__________________

(١) راجع ذلك في ضمن الرسالة الأولى من الجزء الأول من هذا الكتاب : طبع النجف الأشرف (ص ١٧ ـ ١٨) في بيان منشأ الاختلاف في المصاديق المشتبهة بين كونها حكما أو حقا.

(٢) وهي صحيحتهما لأن الشيخ رواها بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن شعيب عن أبي بصير ، وعن فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم جميعا : عن أبي عبد الله (ع) ـ على ما في الوسائل : كتاب الوصايا باب ٣٠ من الأحكام ، حديث (٤).

(٣) رواها الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس ابن عامر عن أبان بن عثمان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : قال : «سألته عن رجل أوصى لرجل بوصية : إن حدث به حدث فمات الموصى له قبل الموصي؟ قال : ليس بشي‌ء» المصدر الآنف من الوسائل حديث (٥) ولعل وجه تسميتها بالموثقة لا الصحيحة ، لوجود علي بن فضال في سندها فإنه من الفطحية.

٣٣

والجواب عن الأصل : بالخروج عنه بما تقدم (١) وعن الخبرين : بعدم مقاومتهما لمعارضة المتقدم (٢) الصريح في صحة الوصية وانتقال حق القبول الى الوارث ، مع اعتضاده بالشهرة فتوى ورواية ، ومخالفته لفتوى من كان الرشد في خلافه (٣) ، فليحمل الخبران على التقية. بل وفي العدول عن التصريح في الجواب فيهما إشعار بذلك ، فان قوله (ع) (ليس بشي‌ء) يحتمل قويا : إرادة أن الموت ليس بشي‌ء ينقض الوصية ، كما يعطيه تذكير الضمير المستتر في (ليس).

واحتج من ذهب الى القول الثالث : بالبطلان فيما لو مات قبل موت الموصي : بالأصل ، والخبرين الأخيرين ، وبالصحة فيما لو مات بعده بخبري :

المثنى والساباطي ، بعد تقييد إطلاقهما بالخبرين الأخيرين : حملا للمطلق على المقيد. وبناء هذا القول على طرح حديث محمد بن قيس ، مع كونه نصا على الصحة في صورة التقدم. وبما ذكرناه ظهر لك ضعف هذا القول أيضا.

وأما الرابع : فإن أريد تخصيص البطلان بما إذا اشترط الموصي خصوصية الموصى له دون وارثه ، فهو حسن ، بل الظاهر انتفاء الخلاف في ذلك ـ كما قيل ـ وان أوهمه إطلاق كلام الأكثر ، إذ لا مجال للتسرية إلى الوارث مع التصريح بالاختصاص بالمورث وإن أريد به التخصيص مع اختصاص الداعي إذا دلت القرائن على كون الباعث على الوصية اختصاص الموصى له بمزيد علم أو صلاح ونحو ذلك ، ففيه خروج عن ظاهر النص والفتوى من دون داع ، فإن الدواعي لا يلتفت إليها في

__________________

(١) من أقوائية القول الأول بالانتقال إلى وارث الموصى له.

(٢) وهو خبر محمد بن قيس الآنف الذكر.

(٣) إشارة الى أحد المرجحات السندية الواردة على لسان الأئمة الأطهار (ع) في مقام تعارض الخبرين ، وهي قوله (ع) : «خذ بما خالف العامة فإن الرشد في خلافهم». ومذهب أكثر العامة هو البطلان.

٣٤

مثل ذلك ، فاذا لا مناص عن القول الأول.

هذا ، وليعلم أن خبر مثنى الآمر بالصدقة يحتمل منه (ع) القبول لكونه وارثا ، وله وضع ما يخصه فيما يشاء ، ويحتمل تنزيله على تحقق القبول من الموصى له قبل موته ، وحينئذ ، فالقبض المنتفي قبض تسلم لماله والأمر بالصدقة ـ حينئذ ـ : إما عن نفسه (ع) أو عن مالكه أما هو أو غيره إن كان له وارث في الواقع أخذا منه بالاحتياط ، فيخرج الخبر ـ على الاحتمال الثاني ـ عن كونه دليلا هنا : من انتقال حق القبول للوارث.

بقي هنا شي‌ء وهو ما لو مات الموصى له ولم يخلف وارثا غير الامام (ع) : فعن الشيخين والفاضلين : رجعت الوصية إلى ورثة الموصى. ونسبه في (الدروس) : الى المعظم. وعن ابن إدريس : إنها للإمام (ع) ، لأنه الوارث عند فقد غيره ، وعن (المقنع والجامع) (١) التصدق بها بعد الطلب. وقال جدنا في (المصابيح) بعد حكاية الأقوال ما لفظه :

«وظاهر روايتي : محمد بن قيس ومحمد بن عمر المتقدمتين رجوع الوصية الى الامام (ع) ، ولا ينافيه الأمر بالتصدق بها بعد الطلب في حديث المثنى فان الحق للإمام (ع) ، فله أن يضعه حيث شاء ، وبمثله يحصل التوافق بين قول ابن إدريس وقول الصدوق وابن سعيد ، وهو الأقوى» (٢) قلت : والصواب ما عليه معظم الأصحاب ، لا لعدم انصراف الوارث الى الامام (ع) ـ كما قيل ـ بل لعدم إمكان القبول منه (ع) في زمن

__________________

(١) المقنع للشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفى سنة ٣٨١ ه‍ ـ والجامع لأبي القاسم جعفر بن سعيد المحقق الحلي صاحب الشرائع المتوفى سنة ٦٧٦ ه‍.

(٢) ذكر ذلك في أوائل المصباح الرابع من كتاب الوصية والكتاب لا يزال من نفائس المخطوطات كما أشرنا.

٣٥

الغيبة. ودعوى القبول من الحاكم فاسدة» لعدم الولاية له على إدخال الشي‌ء في ملك الامام (ع) وإن كان له الولاية على قبض ما هو له ، وغير معلوم نظره ـ عجل الله فرجه ـ حتى يتولاه عنه ، بل هو كذلك بالنسبة الى كل غائب أوصي له. نعم على الوصي إذا كان الموصى له غائبا إعلامه فورا ، فإن أخل به عمدا كان مضمونا عليه ، يغرم بدله عند التلف له إن حضر وقبل ، والا فلورثة الموصي. ولا ينافيه أمره بالصدقة في خبر المثنى لكونه في زمن الحضور والحق له ، فله القبول ، ولم يعلم كونه حكما شرعيا مخصصا لأدلة الإرث في المورد حتى يجري ذلك في زمان الغيبة أيضا ، وحصول التوافق ـ بين قول ابن إدريس ومن قال بالتصدق بعد الطلب ـ مبني على أن يكون مذهبه في مصرف ما هو للإمام التصدق به ، مع أن مذهبه في تلك المسألة هو وجوب الوصية به وإيداعه عند من يثق به ولا خصوصية للوصية المنتقلة إليه من بين أمواله في مصرفه بعد أن لم يكن حديث المثنى ظاهرا في إفادة الحكم الشرعي.

بقي هنا فروع : (منها) : هو أنه لا يجبر الوارث كالمورث على القبول بلا خلاف أجده ، وإن أشعر به قوله في الاخبار : «الوصية للوارث» (١) المعلوم منه إرادة عدم بطلانها بموت المورث قبل القبول ، وان كان الموصى به ممن ينعتق عليه ، كما لا يجب شراؤه إجماعا. نعم ، لو كان الموصى به أحد عموديه ولم يستلزم القبول ضررا عليه ، فالأقرب وجوبه عليه ، سيما إذا استلزم عدمه إيذاءه

(ومنها) أن الوارث يتلقى بقبوله المال من الموصي دون الموصى له

__________________

(١) في الوسائل : كتاب الوصايا ، باب ١٥ جواز الوصية للوارث روايات كثيرة بهذا المضمون ، منها حديث رقم (٤) من الباب : «محمد ابن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن العلا عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع) قال : الوصية للوارث لا بأس بها».

٣٦

وان ورث منه حق القبول ، كما يعطيه ظاهر خبر محمد بن قيس ـ المتقدم ـ وهو على تقدير موته قبل موت الموصي واضح. وكذا لو مات بعد موته وقلنا بكون القبول ناقلا ، وأما على القول بكونه كاشفا كشفا حكميا أو حقيقيا (١) فعن الأكثر انتقاله الى المورث ، ثم منه الى الوارث بالإرث. وعليه ، فاللازم نفوذ ديونه ووصاياه فيه ، بخلافه على الأول ، لعدم تملكه في الواقع حتى ينفذ فيه ذلك. ويحتمل قويا ـ ـ ولعله الأقوى بناء على الكشف أيضا ـ كشفه من حين ما يمكن كشف القبول عنه ، وهو حين موت المورث ، فعليه أيضا ينتقل من الموصي إلى الوارث ، فلا تنفذ فيه أيضا وصايا المورث وديونه. وعلى التقديرين ، فالقسمة بين الورثة في صورة التعدد مع قبولهم بحسب قسمة المواريث.

(ومنها) : أنه لو كان الوارث متعددا كاثنين ـ مثلا ـ فلا إشكال في كون الحق غير متقوم بهما بشرط الاجتماع ، بل لكل منهما القبول ، لأنه حق موروث وغير متبعض بنفسه وان تبعض متعلقة. وحينئذ : فإن توافقا في الرد أو القبول فواضح ، وان اختلفا في ذلك صحت الوصية فيمن قبل على النسبة وبطلت فيمن رد.

(ومنها) : أنه لا إشكال في انتقال الوصية إلى الوارث مطلقا ، من غير فرق بين الوارث ووارثه ، لإطلاق الدليل ، ما لم يتقدم عليه بالإرث غيره كما لو انقرضت الطبقة الأولى ، فينتقل حق القبول الى ورثتهم. ولو كان منها أحد كما لو مات الموصى له ، وله ولدان ـ مثلا ـ ومات أحدهما وكان

__________________

(١) للتعرف على المقصود من النقل والكشف بأنواعه في ما يخص الإجازة في العقد الفضولي ليتضح المقصود من العبارة ، يحسن مراجعة تعليقتنا المفصلة في بيان المراد من الإجازة في العقد الفضولي : أنها النقل أم الكشف بأنواعه وثمرات الخلاف : من ص ١٣ ـ ١٨ من الجزء الثالث من هذا الكتاب (البلغة)

٣٧

له ولد ، ففي اشتراك ولد الولد مع عمه في حق القبول ، أو اختصاصه به لأنه الوارث حين الموت؟ وجهان ، مبنيان : على أن انتقال حق القبول الى الوارث هل هو على القاعدة وأنه من التركة كنفس المال والنص فيه موافق لها ، أو على خلاف القاعدة وانما قيل به للنص تعبدا ، فعلى الأول شارك ولد الولد بقبوله الحق الموروث له عمه ، ضرورة أنه حق موروث له قد استوفاه بإعماله له بالقبول ، وعلى الثاني اختصت الوصية بالعم لأنه الوارث حينئذ دون ولد الولد.

(ومنها) لو أوصى بجارية وحملها حيث يملك (١) لزوجها ومات الموصى له قبل القبول ، فقبل الوارث ، انتقل الموصى به من الجارية وحملها اليه بقبوله وكان الولد رقا ان لم يكن ممن ينعتق على الوارث (٢) سواء قلنا بكون القبول ناقلا أو كاشفا من حين موت المورث أو كان موته في حياة الموصى. ولا كذلك لو قلنا به كاشفا من حين موت الموصي فإنه ينعتق على أبيه لانكشاف تملكه له قبل موته. ثم الوارث ان كان واحدا انفرد بالإرث ، وان كان الولد ممن ينعتق عليه ، لتأخر انعتاقه المتوقف على قبول الوارث عن تملك الوارث الحاصل بموت المورث ، وان كان متعددا

__________________

(١) فيما إذا زوج مولى الجارية : جاريته لحر وشرط عليه رقية الحمل في ضمن العقد ، وقبل الزوج الحر ذلك الشرط : فعلى المشهور يصبح الحمل ملكا لصاحب الجارية ، أخذا بعموم «المؤمنون عند شروطهم» ، والأكثر على خلاف ذلك وبطلان الشرط. راجع تفصيل المسألة في نكاح الإماء من الموسوعات الفقهية.

(٢) كما إذا كان الوارث ابنا والحمل أنثى ، إذ تكون حينئذ أخته ، والأخت النسبية من محرمات الرجل التي تنعتق عليه كالعمة والخالة.

٣٨

وكان ممن ينعتق على بعضهم (١) انعتق عليه بقدر نصيبه ودخل معهم في الإرث إن كان قبل القسمة ، ولم يرث ان كان بعدها : على الكشف من حين موت الموصي ، وشارك الوارث في الإرث مطلقا : اتحد أو تعدد ، بل يحجب من تأخر عنه في الطبقة ويختص هو بالإرث دون من كان وارثا عند القبول ، ولا يرث الولد المنعتق على الوارث أمه مطلقا : اتحد الوارث أو تعدد. ومع التعدد : قبل القسمة أو بعدها ، لتأخر مرتبة انعتاقه عن تملك الوارث له ولأمه ولم يملك المورث للجارية حتى يرثها أو يرث منها ولدها. نعم يرثها مطلقا على القول بالكشف من حين موت الموصي ، فتنعتق على ولدها المنعتق على أبيه.

هذا وقد ذهب الشيخ في «المبسوط» مع فرض انعتاق الولد الى عدم إرثه مطلقا ، لاستلزامه الدور حيث قال : «الا ان الولد لا يرث من والده بحال ، لأن صحة الوصية تقف على قبول جميع الورثة لأنه لو أراد بعض الورثة أن يقبل جميع ما قد أوصى به لأبيه لم يكن له ، فلو جعلنا هذا الولد وارثا لم تصح الوصية به إلا بقبوله ، والقبول منه لا يصح قبل حريته ، فكان ذلك يؤدي الى إبطال حريته وحرية الأمة وإبطال الوصية فأسقطنا الإرث حتى حصلت الحرية له ولها» (٢)

__________________

(١) كما إذا كان وارث الزوج الموصى إليه ابنا وبنتا والحمل أنثى فإنها تنعتق على الابن لأنها أخته ، ولا تنعتق على البنت ، إذ لا مانع من ملك الأخت للأخت ، وانما موانع تملك المرأة أي الذين ينعتقون عليها : هم عموداها ، وابنها وبنتها وزوجها فقط.

(٢) يراجع : كتاب الوصايا (ج ٤ ص ٣١ ـ ٣٢) من الطبعة الثانية في المطبعة المرتضوية بطهران سنة ١٣٨٨ ه‍. ومبدأ المسألة قبل هذه العبارة هكذا : «إذا زوج أمته من رجل ثم أوصى له بها ومات الموصي

٣٩

وأجاب في (المسالك) عن لزوم المحذور «بأن المعتبر قبول الوارث في الحال لا في المآل ، وقد حصل بقبول من كان وارثا حينئذ» (١) وفيه : أنه بعد انكشاف تملك المورث من حين موت الموصي وانعتاق الولد على أبيه من حينه بالفرض ، تبين كونه كان وارثا ـ فعلا ـ في الواقع لتعقبه بتحقق القبول من الوارث الكاشف عن تحقق الشرط المقارن ، فلا يجدي حينئذ ما ذكره في رفع محذور الدور.

نعم ، الأحسن أن يجاب عن ذلك بأخصية الدليل من المدعى ، لان

__________________

ولزمت الوصية ، ثم مات الموصى له قبل قبوله ، فان وارثه يقوم مقامه في قبول الوصية ، لأن الوصية من الحقوق المالية ، وذلك يثبت للوارث كما يثبت للموروث مثل الشفعة والقصاص ، وفيها خلاف ـ الى قوله ـ : فمن قال بشرطين (يعني موت الموصي وقبول الموصى له) فالميت لم يملك شيئا لأنه مات قبل القبول ، وإنما ينتقل من الموصي إلى ورثة الموصي له فتصير الجارية رقيقة له والولد مملوكا ـ الى قوله ـ : ومن قال : ينتقل إليه بوفاة الموصي فإنه يتبين بقبول الورثة أن الملك انتقل الى الموصى له بوفاة الموصي فيكون الحكم فيه كما لو قبل الموصى له ذلك قبل وفاته الى قوله : إلا أن ..

(١) في أوائل كتاب الوصايا : في أحكام الموصى له أثناء شرحه لقول المحقق (فرع لو أوصى بجارية وحملها لزوجها وهي حامل منه) وتمام هذه الجملة قوله : «وتحرير البحث يتم بأمرين : أحدهما ـ إثبات أصل الإرث ، ووجهه واضح لان ثبوته معلوم ، وإنما المانع من إرثه الرق ، وقد زال بقبول الوارث حيث يعتق عليه أو على الميت ، لأنه الفرض ، وقد خالف في ذلك الشيخ ، فمنع من إرثه مطلقا لأنه موقوف على قبول الوارث ، فلو فرض كونه وارثا لا اعتبر قبوله في الإرث ، واعتبار قبوله موقوف على كونه وارثا فيدور وأجيب بأن المعتبر ..»

٤٠