خاتمة مستدرك الوسائل - ج ١

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-85-X
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٣٩٤

الألقاب ، دون رجل مجهول الحال ، ليس يعرف قدره ومنزلته الى الآن من كتب الرجال ، إلاّ من جهة استفادة مصداق مّا من التوثيق له ، الخارج مرّة على سبيل الاتّفاق ، دون التعمّد في الإطلاق ، الذي هو بعد التأمّل في الأعماق ، من فم مولانا المجلسي بل قلمه المسامح فيه فحسب.

وكان السبب في مثل صدور هذا الخبط العظيم ، والخلط الجسيم ، من مثل هذا الرجل العليم ، والحبر الحكيم ـ بناء على أنّ الصارم قد ينبو ، والجواد قد يكبو ، بل الفاضل من تعدّ أغلاطه ـ هو ما ورد في الأخبار من أنّ : حبّ الشيء يعمي ويصمّ (١).

فإذن المهمّ كلّ المهمّ ، أن نعطف عنان الهمّة الى صوب كشف هذا الملمّ ، بتذنيب من الكلام هو لجدوى هذه الترجمة متمّ ، ويتوجّه منه النظر الى جواب هذه المغلطة العظمى ، مدّعى ودليلا ، بأربعة وجوه.

ذكر في أوّلها شرح البون البعيد بين الرجلين ، وذكر جملة من اللوازم الباطلة للقول باتّحادهما ، ممّا أخرج الكتاب عن الكتب العلميّة ، وأطال الطعن والتشنيع على السيّد الجليل ، معبّرا عنه في خلال كلماته بالموحّد ، فكأنّه أبدع في الدين ، وزاد أو نقص في شريعة سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وذكر في ثانيها كلام صاحب الرياض ، واحتجّ بما صنعه فيه من ذكره القاضي الأمير حسين ، الخالي عن النّسبة إلى أبيه ، في ترجمة له بالخصوص مختصرة ، عقيب (٢) ترجمة السيّدين المقدّمين بأكمل التفضيل ، من غير إشارة إلى منزله فيه ، أو قابليّة دخوله في زمرة المصنّفين من الأصحاب ، أو نسبة شيء إليه سوى محض النقل لما ذكره أستاذه المعظّم إليه في حقّه ، قال : ويظهر منه كون الرجل في ذلك العصر غير معروف بنسب أو حسب عند أحد من غير الخواصّ ، كأحد من المريدين لهم ، بحيث لم يكن عنده في زمان التصنيف

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٩٠ / ١٤٩.

(٢) كذا والصحيح : قبل. انظر الترجمة في الرياض ٢ : ٣٠ والسيدين فيه صحيفة ٦٢ و ٨٨ و ٩١.

٣٠١

ـ من شدّة خمول اسم الرجل عليه ـ بسمة أبيه. (١).

إلى آخر ما ذكره ممّا يقضي منه العجب ، فكأنّه ظنّ أنّ أحدا لا يطّلع على الرياض فاشتبه الأمر على الناظرين ، فإنّه قال فيه : السيّد القاضي الأمير حسين : فاضل ، عالم ، جليل ، نبيل ، هو من مشايخ إجازة الأستاذ الاستناد ـ أدام الله فيضه ـ الى آخره (٢). أليس كلامه صريحا في كونه عنده من العلماء الأجلاّء؟! أيشترط في عدّ الرجل منهم ذكر أبيه ، أو كونه من المؤلّفين؟ فلو اخرج الرجل ـ للجهل باسم أبيه ، وعدم تأليف له ـ من زمرة العلماء لخرج منهم جمّ غفير من الذين ترجمهم في الكتاب المذكور ، الذي يطعن فيه على معاصره شيخنا الحرّ ـ رحمه‌الله ـ من ذكر بعض الرجال في أمل الآمل ، الموضوع لذكر العلماء مع أنّه ليس منهم.

ففي ترجمة الأمير سيّد حسين المفتي المتقدّم ما لفظه : ولقد أغرب شيخنا المعاصر في أمل الآمل حيث قال : إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الحسن الموسوي العاملي الكركي ، عالم ، فاضل ، جليل القدر ، شيخ الإسلام في طهران ، من المعاصرين ، وهو ابن أخي ميرزا حبيب الله ، أو ابن عمّه ، انتهى.

إذ عدّ مثل هذا الرجل من العلماء ، وإيراده في هذا الرجال المخصوص بالفضلاء يورث الوهن في سائر من أوردها ، ولذلك قد نسبنا إليه كلّ من لا نعرفه ، وانفرد هو بنقله ، سيّما في شأن معاصريه ، كي تكون العهدة عليه. ونظير ذلك بل أغرب منه ، إيراده ـ رحمه‌الله ـ أميرزا حبيب الله المذكور أيضا في هذا الرجال كما سيأتي ، وكذا قوله : السيّد ميرزا عليّ رضا بن ميرزا حبيب الله الموسوي العاملي الكركي ، كان عالما ، فاضلا ، محقّقا ، مدقّقا ، فقيها ، متكلّما ،

__________________

(١) روضات الجنات ٢ : ٣٣١ ـ ٣٣٤.

(٢) رياض العلماء ٢ : ٣٠.

٣٠٢

جليل القدر ، عظيم الشأن ، شيخ الإسلام في أصفهان ، توفّي سنة إحدى وتسعين وألف ، انتهى.

ونحوه قوله : السيّد ميرزا محمد معصوم بن ميرزا محمد مهدي بن ميرزا حبيب الله الموسوي العاملي الكركي ، كان عالما ، فاضلا (١) ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، اعتماد الدولة في أصفهان ، انتهى.

فإنّ عدّ هؤلاء من أجلّة العلماء ، وإدخاله في رجال هؤلاء الكبراء في وقاحة شنعاء ، لا سيّما مع غاية المدح والإطراء ، كما لا يخفى ، انتهى ما في الرياض (٢).

فليتأمّل المنصف في كلامه هذا ، وفيما نسبه إليه في الروضات ، من أنّه ذكر في عداد العلماء النبلاء الأجلاّء ، رجلا مجهولا لا يعرف إلاّ بحمله كتاب فقه الرضا عليه‌السلام من مكّة المعظّمة إلى أصفهان ، وإنّ ما نسبه إليه من العلم ، والفضل ، والجلالة ، والنبالة ، في أصل الترجمة كأنّه افتراء ، مع أنّه احتمل في كلامه أنّ صاحب الرياض لاقاه.

وليت شعري ما الدّاعي لذكره فيه لولا أنّه من العلماء ، وكيف صار حمل الكتاب ـ وإن كان الحامل ثقة ، صالحا ، ورعا ـ مقتضيا للضبط والترجمة ، والتوصيف بالعلم والجلالة؟! لولا معرفته به ، واعتقاده بما وصفه به ، مع كونه في عصره ، مع أنّ جميعهم وصفوه بالقضاوة.

وأنت خبير بأنّ حال القاضي وصفاته غير خفيّة على أهل عصره ، لابتلائهم به ، إمّا : بعلوّ الدرجة في العلم ، والفضل ، والتقوى كما هو الغالب في

__________________

(١) في المصدر زيادة : محققا ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، شيخ الإسلام في أصفهان. انتهى ، ومثله قوله : السيد ميرزا محمّد مهدي بن ميرزا حبيب الله الموسوي العاملي الكركي ، كان عالما فاضلا.

(٢) الرياض ٢ : ٦٣ ، ٦٤.

٣٠٣

قضاة أعصار الصفويّة ، الذين كانوا غير متمكّنين من القضاوة والحكم إلاّ بعد تصديق شيخ الإسلام المعاصر له ، كالمحقّق الكركي ، والسيّد المتقدّم ، والشيخ علي المنشار ، والشيخ البهائي ، والمحقّق السبزواري ، وأضرابهم من أعاظم العلماء ، أو بالجهل ، والحرص ، والحيف ، والطمع ، وغيرها كما هو الغالب في طبقات من بعدهم ، فكيف يصير قاضيا ، ويوصف بالقضاوة ، ولا يعرف علمه ، وجهله ، وعدالته وفسقه؟!.

وأعجب من ذلك نسبة المجلسي الأوّل إلى المسامحة في التوثيق ، في قوله كما تقدّم : إنّ من فضل الله علينا ، إنّه كان السيّد الفاضل ، الثقة ، المحدّث ، القاضي أمير حسين ـ رحمه‌الله ـ الى آخره ، ومثله كلام الثاني في البحار ، فلينصف الناظر.

إنّ حبّ التأييد والحجيّة أعمى وأصمّ السيد المؤيّد بحر العلوم ، أو حبّ عدم الحجيّة أعمى من يتشبّث له بهذه الأمور ، التي هي أوهى من الحشيش ، من إنكار العلم والوثاقة في السيّد بعد أزيد من مائتي سنة ، مع تصريح هؤلاء الأعلام المعاصرين له بهما ، وبالجلالة والنبالة ، مع عدم وجود ما يعارض كلامهم في حقّه ، ولو من جاهل غبيّ في عصره وبعده.

وأغرب منه أيضا إنّه في هذا المقام نقل كلام صاحب الرياض في ترجمة الفاضل السيّد علي خان المدني ، كما ذكرناه سابقا ، وقال في آخره : وهو غريب ، ولم يذكر وجه الغرابة ، ولم يتمكّن من ردّه بتكذيب صاحب الرياض ، أو تسامحه وغفلته ، أو تجهيله ، فإنّه عنده وعند كلّ من وقف على حاله فوق ما يحوم حول الخيال ، من البصيرة والاطّلاع ، والخبرة والمعرفة والضبط ، مع شدّة الوثاقة في النقل ، مع أن في هذا المنقول تكذيب جملة من دعاويه مع قطع النظر عن الحجيّة وعدمها ، كانحصار النسخة فيما أتى به القاضي ، وإنّ المجلسي الأوّل هو مروّجها ، وإنّه لم يكن لها ذكر قبله ، وغير ذلك ممّا مرّ.

قال : وثالثها : إنّ الرجل لو كان بمثابة من الفضل تتطرّق هذه الشبهة

٣٠٤

ساحتها ، لما تطرّق ريب ساحة حجيّة كتابه المأتيّ به ، الموصوف أيضا من لدن تحدّثه عنه ، مع ادّعائه القطع بصدوره ، والمفروض خلافه ، ضرورة كون من تقدّم على هذا الموحّد ، وبعض مشايخه الأجلاّء ، المستفيد غاية جلالة الرجل ومنزلته في العلم والدين من كلام المجلسيّين ، بين شاكّ في الأمر ، وساكت عن الردّ والاعتماد ، ومشير الى فتاواه على سبيل الإرسال ، وعاد إيّاه من جملة الكتب المجهولة المصنّف ، أو منكر على حجيّته أشدّ الإنكار مثل صاحبي الأمل والرياض ، في ذيل ترجمته المذكورة ، تبعا لسائر أفاضل محقّقينا المتقدّمين ، المطّلعين على وجوده بين أظهرنا في الجملة يقينا ، كما استفيد من كلمات من ادّعى بعد ذلك الظفر بنسخ الكتاب الموصوف ، في خزانة مولانا الرضا عليه‌السلام وغيره ، اللازم منه حصول الاطّلاع عليها من جملة من العلماء المتقدّمين والمتأخّرين ، فضلا عن الذين كتبوه ووقفوه ، وأودعوه في تلك المواضع لما هو الظاهر المعتضد بما قيل : كلّ سرّ جاوز الاثنين شاع ، مع عدم ظهور إشارة منهم إليه في شيء من المواضع ، فضلا عن الاعتداد به ، فليتأمّل.

بيان الملازمة : أنّ الكتاب يصير بذلك من مصاديق ما أخبر بقطعيّة صدوره عن المعصوم ، رجل عدل مطّلع على علوم الأخبار ، بصير بدقائق الأمور ، فيصير بمنزلة الخبر الواحد العدل الكذائي المحدّث عن الامام ، المتّفق على حجيّته في هذه الأعصار ، أولا أقلّ من الإجماعات المنقولة عنهم ، المعتبرة أيضا عند سائر اولي البصائر والأبصار ، ويدلّ على وجوب التعبّد به بمحض ذلك ـ أو بعد تعلّق ظنون الأشخاص أيضا بموجبه ـ ما يدلّ على حجيّة أخبار الآحاد ، لعدم فهمهم الفرق بين المقامين من جهة حسيّة المخبر عنه في الأوّل دون غيره ، فليتدبّر.

فظهر من كلّ ذلك أنّ تركهم الاعتداد به كذلك ، بل ترك سائر من تأخّر عن هذا الموحّد المصرّ على حجيّته ليس إلاّ من جهة اعتقادهم عدم كون الرجل بصيرا بشرائط مثل هذه الأخبار ، لعدم ذكر له بمنزلة من منازل الرجال

٣٠٥

في شيء من المواضع ، يظنّ على مطابقة ما يذكر فيه لمتن الواقع ، أو اعتقادهم أنّه لو كان يناقش في وجوه قطعه الناشئة عن قلّة المعرفة بدقائق أنظار المجتهدين حين ادّعائه إيّاه ، أو يقرأ عليه شرائط الرواية ، أو يأنس بكلمات أهل بيت العصمة ، أو يطّلع على قرائن الصدور ، لتزلزل فيه ، أو ردع عنه ، أم تاب منه الى الله تعالى ، كسائر قطعيات العوام الغير المأمونة عن الجهل المركّب التي لا حجيّة فيها لغيرهم بالإجماع ، بخلاف الأوّلين اللذين هما بعد التأمّل في الأطراف يخبران عن الحس واليقين (١).

انتهى كلامه الذي فيه مواقع للنظر والتعجّب ، بل الإغفال والتعمية التي لا ينبغي صدورها من أهل العلم :

أمّا أوّلا : فقوله : ضرورة كون من تقدّم على هذا الموحّد ، الى آخره.

وفيه : إنّ من تقدّم عليه : المجلسيّان ، والفاضل الهندي ، والسيّد المحدّث الجزائري ، والأستاذ الأكبر البهبهاني ، والشيخ يوسف البحراني.

ومن عاصره : السيّد صاحب الرياض ، والمحقّق المولى مهدي النراقي.

ومن تأخّر عنه : المحقّق الكاظمي ، وغيرهم ممّن أشرنا إلى أساميهم الشريفة.

وهم أساطين الشريعة ، ونواميس المذهب والملّة ، ولم يصل إلينا وإليه كلام جملة ممّن تقدّم عليه يستظهر منه الردّ والقبول ، ومع ذلك استقلّهم واستحقرهم ، وجعلهم شرذمة قليلة ، ثمّ في تعبيره عن العلاّمة الطباطبائي بالموحّد مرّة بعد اخرى ما لا يخفى من الركاكة.

وأمّا ثانيا : فقوله : بين شاكّ ، الى قوله : مثل صاحبي الأمل والرياض.

فإنّه لو كان بين من تقدّمه من الأساتيذ من صرّح بالشكّ أو الردّ لذكره ، ولم نعثر الى الآن عليه ولا نقله أحد ، أليس هذه النسبة محض التخرّص

__________________

(١) روضات الجنات ٢ : ٣٣٥ ، ٣٣٦.

٣٠٦

والتخمين؟! وإنّما ذكر صاحبي الأمل والرياض لما وقف عليهما ، أرأيت فقيها متبحّرا يذكرهما في قبال هؤلاء الإعلام؟ مع أنّ صاحب الرياض لم يكن من أهل القوّة والاستنباط ، المحتاج إليهما في أمثال هذه الموارد ، كما صرّح به جمال المحقّقين الخوانساري ، في مجلس الشاه سلطان حسين الصفوي ، في يوم الأحد ، تاسع ذي القعدة ، سنة خمس عشرة بعد المائة والألف ، لما طلب منه السلطان تعيين أحد لإعطاء منصب الشيخ الإسلامي لمّا ردّه هو والسيّد الأجل مير محمد باقر الخواتون آبادي.

فقال المحقّق : هنا جماعة أنت أعرف بأحوالهم ، ليس أحد منهم بمجتهد ، ولا قابل شرعا لإعطاء هذا الشغل ، فمن كان منهم أتقى وأرغب في تحصيل العلم فاختره له.

وبالآخرة صار الأمر مردّدا بين أربعة ، وهم : الشيخ علي المدرّس في مدرسة مريم بيگم ، والميرزا عبد الله أفندي ، والميرزا علي خان ، ومير محمد صالح الخواتون آبادي ، الى أخر ما ذكره الفاضل الخواتون آبادي المعاصر لهم في تأريخه.

مع أنّا نقلنا سابقا كلام صاحب الرياض في ترجمة السيّد علي خان ، وهو ظاهر بل صريح في صحّة النسبة عنده ، وهذا الكلام منه بعد مدّة مديدة عن كلامه في ترجمة القاضي ، فإنّه في ترجمة القاضي ، قال في حقّ أستاذه المجلسي : أدام الله فيضه ، وفي ترجمة السيّد علي خان لمّا ذكره في جملة شرّاح الصحيفة قال : وشرح الأستاذ الاستناد ـ قدس‌سره (١) ـ.

فظهر من ذلك أنّ ما كتبه أوّلا كان قبل عثوره على النسخة المكيّة التي كانت عليها ـ بتصريحه ـ خطوط العلماء وإجازتهم ، وقبل عثوره على إجازة الأمير غياث الدين كما تقدّم ، فلاحظ.

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٣٦٧.

٣٠٧

وأمّا صاحب الأمل ، فهو الذي قال هو في حقّه ، في ترجمة صاحب الدعائم ما لفظه : وأنت تعلم أنّه لو كان لهذه النسبة واقع لذكره سلفنا الصالحون ، وقد ماؤنا الحاذقون بأمثال هذه الشؤون ، ولم يكن يخفى ذلك الى زمان صاحب الأمل ، الذي من فرط صداقته يقول بشيعيّة أبي الفرج الأصفهاني الأموي الخبيث ، الى آخره (١) ، فكيف صار في هذا المقام من المتبحّرين النّقاد؟! الذي يعارض بقوله كلام هؤلاء الإعلام ، مع أنّ نسبة الإنكار بل شدّته إليه افتراء.

أمّا في الأمل ، فعدّ الكتاب من الكتب المجهولة (٢).

وأمّا في الهداية فقال : تتمّة : قد وصل إلينا أيضا كتب كثيرة قد ألّفت ، وجمعت في زمانهم عليهم‌السلام نذكرها هنا ، وهي ثلاثة أقسام ـ الى أن قال ـ : الثاني : ما لم يثبت كونه معتمدا ، ولذلك لم ننقل عنه ، فمن ذلك الفقه الرضوي كتاب الرضا عليه‌السلام ، وغير ذلك. الثالث : ما ثبت عندنا كونه غير معتمد فلذلك لم ننقل عنه ، فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة ، الى آخره (٣).

وظاهر أنّ عدم العلم غير العلم بالعدم ، والإنكار من آثار الثاني لا الأول.

وأمّا ثالثا : فقوله : تبعا لسائر أفاضل محقّقينا المتقدّمين ، الى آخره ، لا يخلو من الجزاف ، سواء أراد من المتقدّمين ما هو المصطلح بين أصحابنا ، وهو من تقدّم على شيخ الطائفة ، ولهذا يعدّون ابن إدريس ومن بعده من المتأخّرين ، أو من تقدّم على المجلسيّين ، أو على بحر العلوم على ما هو الظاهر من كلامه ، وليته أشار الى أسامي بعضهم ، ولو عثر عليه لنقله يقينا لشدّة حرصه على إثبات عدم حجيّة الكتاب من جهة عدم اعتناء الأصحاب به. وأمّا عدم نقل اعتباره عن جملة منهم فلا يدلّ على عدم اعتباره ، لكونه أعمّ منه ،

__________________

(١) روضات الجنات ٨ : ١٤٩.

(٢) أمل الآمل ٢ : ٣٦٤.

(٣) هداية الأمة : مخطوط.

٣٠٨

ومن عدم العثور عليه ، أو ظنّ عدم الحاجة إليه لعكوف الأصحاب على أبواب الكتب الأربعة قديما وحديثا ، وبناهم على عدم الحاجة الى المراجعة إلى غيرها.

وعلى ما ذكره من المقدّمات التخمينيّة تتطرّق الشبهة إلى كثير من مآخذ البحار والوسائل ، كما أشرنا إليه سابقا ، إذ لم ينقل عنها ، ولا اعتمد عليها ، ولا أشار إليها من تقدّم على صاحبيهما ، من أرباب المؤلّفات والتصانيف في الفقه والأحكام.

وأمّا رابعا : فقوله : رجل عدل مطّلع على علوم الأخبار ، بصير بدقائق الأمور ، الى آخره (١)

فإنّا لم نطّلع الى الآن من بين الفقهاء والأصوليّين ، فضلا عن المحدّثين والأخباريّين ، على اختلاف مشاربهم في حجيّة الخبر الواحد من اشترط في الراوي بعد العدالة ، والضبط بالمعنى العدمي ـ لا الوجودي الذي هو من شروط الكمال ـ كونه عالما ، مطّلعا بعلوم الأخبار ، وبصيرا بدقائق الأمور ، حتى على طريقة صاحب المعالم ، الذي اشترط في صحّة الخبر كون الراوي ممّن زكاه عدلان (٢) ، فضلا عمّن اكتفى في التزكية بالظنون ، والأمارات الداخلية والخارجية ، فضلا عمّن لم يشترط في الحجيّة عدالة الراوي ، ولم يقتصر على الصّحيح من الأخبار ، وعمل بالموثّق ، والحسن ، والضعيف المنجبر ، كما عليه الأساطين منهم ، وقريب منهم من اقتصر في الحجيّة على ما اطمأنّ بصدوره بالقرائن الداخليّة والخارجيّة ، وهو الخبر الصحيح على طريقة القدماء ، كما حقّق في محلّه.

وعلى ما ذكره لا تكاد تجد خبرا صحيحا في الكتب الأربعة ، فضلا عن غيرها ، فإنّ الصحيح على ما ذكره هو ما كان تمام رجال سنده مثل زرارة ، ومحمد

__________________

(١) روضات الجنات ٢ : ٣٣٦.

(٢) معالم الدين : ٢٠٤.

٣٠٩

ابن مسلم ، ممّن حاز بعد العدالة والوثاقة ، مقام العلم ، والاطّلاع ، والبصيرة بدقائق الأمور ، وهو غير موجود أو نادر ، بل الغالب في الصحاح وجود واحد أو أكثر في سندها ممّن اقتصروا في ترجمته بذكر التوثيق ، أو أثبتوا وثاقته بالأمارات ، ككونه ممّن روى عنه صفوان ، أو البزنطي ، وغير ذلك ، وليس في كلامهم إشارة إلى إحرازه المقامات المذكورة ، فتخرج هذه الطوائف من الصحاح ـ وهي جلّها ـ عن حدود الصحّة والحجيّة ، وفيه من اللوازم الباطلة ما لا يخفى على أحد من أهل العالم.

وأمّا خامسا : فقوله : فيصير بمنزلة الخبر الواحد العدل الكذائي المحدّث عن الإمام ، المتّفق على حجيّته في هذه الأعصار.

فإنّه صحيح ، غير قوله : الكذائي ، المشير به الى ما اشترطه في الحجيّة ، ممّا هو من خصائصه ، إلاّ أنّهم مختلفون في وجه الحجيّة ، ولا يوجب دخول الخبر المذكور في حدّ الصحيح التزام كلّ طائفة منهم بأخذه.

فمن كان الحجّة عنده الخبر الموثوق بصدوره ، فربّ صحيح لا يعمل به لعدم الاطمئنان بالصدور ، لأمور تبعده ، ولعلّ منه الخبر المذكور بالنظر الى الموهنات السابقة ، وكذا من اقتصر على حصول الظنّ به ، لما ذكر ، ومن المحتمل دخوله في الأخبار الحدسيّة ، بملاحظة بعض مقدّماته عند بعضهم ، فلا تشمله أدلّة الحجيّة.

وكذا من جعل الحجّة ما يحصل به الظنّ بالواقع ، فلعلّه لا يحصل له الظنّ به بعد النظر الى الموهنات المذكورة.

مع أنّ فيمن اعتنى به على أحد الوجهين من كونه من تأليفه أو إملائه غنى عن تخلّف من تخلّف ، بل يمكن جعل ما ذكره اعتراضا عليهم ، من عدم تمسكهم بما هو جامع لما قرروه من الشرائط.

وأمّا سادسا : فقوله : أو لا أقلّ من الإجماعات المنقولة ، الى آخره (١) ، ففيه

__________________

(١) روضات الجنات ٢ : ٣٣٦.

٣١٠

أنّ المحقّق الثابت عند أولي البصائر في هذه الأعصار عدم الحجيّة والاعتبار.

وأمّا سابعا : فقوله : إنّ تركهم الاعتداد به ، الى قوله : عدم كون الرجل بصيرا ، الى آخره (١) ، ففيه مضافا الى ما عرفت ـ من عدم اشتراط أحد في الخبر ما اشترطه ـ أنّه كان جامعا لما قرّره ، لما تقدّم من كلام صاحب الرياض من أنّه كان عالما فاضلا ، جليلا ، فإن أراد ما هو فوق هذا المقام فالمشتكى الى الله تعالى ، وإن خطّأ صاحب الرياض في كلامه ، فلا يمكنه ذلك ، لاعترافه بأنّه المبرّز المقدّم في هذا الفنّ ، مع كونه في عصره.

ثمّ في باقي كلامه من الضعف والوهن ما لا يخفى على النقّاد البصير.

وذكر في الوجه الرابع ما خلاصته : إنّ المجلسي الأوّل الذي هو الباعث على إيقاظ هذه الفتنة النائمة ، كان سبب اعتماده على هذا الكتاب مطابقة فتاوى عليّ بن بابويه في رسالته ، وفتاوى ولده الصدوق في الفقيه ، لما فيه من غير تغيير أو تغيير يسير ، وعليه لا يمكن تنزيله منزلة خبر الواحد العدل المستدلّ على حجيّته بمفهوم آية النبإ ، أو الأخبار المتواترة ، أو عمل الأصحاب ، أو غير ذلك (٢).

قلت : إن المجلسي أخبر عن القاضي المذكور ـ الذي صرّح بأنّه ثقة عدل ـ أنّ هذا الكتاب من الإمام عليه‌السلام ، وبه يدخل في الأخبار الصحاح ، فيشمله ما دلّ على حجيّتها سواء اطمأنّ المجلسي بما أخبره به من جهة نفس إخباره ، أو كان سبب اعتماده عليه القرائن الخارجيّة الدالّة على صحّة صدور متنه ـ كالمطابقة المذكورة ـ لا على واقعيّة مضمونه ، فاسد (٣) إذ لا مدخليّة لاعتقاد الراوي بعد إحراز الشرائط فيه وفي المروي عنه ، بل لو كان المروي عنه كذّابا

__________________

(١) روضات الجنات ٢ : ٣٣٦.

(٢) روضات الجنات ٢ : ٣٣٦.

(٣) كذا ، ولم نهتد الى وجهها ، والصحيح عدمها. وهي موجودة في الأصل الحجري.

٣١١

وضّاعا عند الراوي ، وثقة ثبتا عند غيره ، فروى عنه حديثا فالخبر صحيح ، لا جناح في العمل به فضلا عن مثل المقام ، فلعلّه بملاحظة غرابة الخبر ، أو بعض الموهنات أراد جبر كسره ـ مع اجتماعه للشرائط ـ بما ذكره في المؤيّدات ، والله العالم.

وحاصل ما ذكره في الوجوه الأربعة ، وأتعب نفسه في طول العبارة : أنّ القاضي مير حسين لم يكن من العلماء العارفين بدقائق الأخبار ، وهو الوجه في عدم اعتناء العلماء بما أخبر من أمر الكتاب ، وإنّه لو كان منهم لتلقّوه بالقبول.

وقد عرفت ما في جميع تلك الدعاوي من الضعف ، وما رأينا أحدا فصّل في شمول أدلة حجيّة خبر العادل في أمثال المورد ، بين كون الراوي العادل عالما بصيرا ، وبين غيره ، فإنّ المخبر به فيها إن كان من الأمور الحسيّة ـ كما أشرنا إليه سابقا ، واعترف به في كلامه ـ تشمله الأدلة ، وإن نوقش في ذلك بملاحظة أنّ بعض مقدّماته حدسيّة فلا تشمله ، وإن كان الراوي في أعلى الدرجة من العلم والخبرة.

ثمّ اعلم أنّ من سنن الله التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا ، على ما نطق به كلام أهل العصمة عليهم‌السلام ، وعاضدة الاستقراء والتجربة : إنّ من عيّر مؤمنا بذنب لم يمت حتّى يرتكبه ، وهذا السيّد المعظّم صاحب الروضات مع طول باعه ، وكثرة اطّلاعه ، وتعييره العلاّمة الطباطبائي بما لا مزيد عليه من جهة اعتقاده اتّحاد السيّدين ، بل الثلاثة مع اختلاف الطّبقة ، وقد عرفت أنّ اتّحاد القاضي مع أحدهما غير مناف للطبقة. وما بينه والآخر لا يزيد على ثلاثين سنة.

قد صدر منه في الكتاب المذكور في موارد عديدة أعجب من هذا بمراتب عديدة ، نشير الى بعضها ، والباقي موكول الى تتبّع النّاظر :

منها : قوله في ترجمة المقدّس الأردبيلي : ثمّ إنّ من جملة كراماته التي نقلها صاحب اللؤلؤة ، عن تلميذه السيّد نعمة الله الجزائري ـ رحمه‌الله ـ هو

٣١٢

أنّه ،. الى آخره (١).

وولادة السيّد بعد وفاة المولى المذكور بأزيد من خمسين سنة ، كما يأتي في الفائدة (٢) الآتية.

ومنها : قوله في ترجمة علاّمة عصره الشيخ أبي الحسن ، الشريف العاملي الغروي ، في ضمن ترجمة الآميرزا محمد الأخباري ، المتأخّر ، المقتول بمناسبة جزئيّة ، وفي ذلك من إساءة الأدب بالنسبة الى هذا المولى الجليل ما لا يخفى ، قال : وقد كان من أعاظم فقهائنا المتأخّرين ، وأفاخم نبلائنا المتبحّرين ، سكن ديار العجم طوالا من السنين ، ونكح هناك في بعض حوافد مقدّم المجلسيّين ، ثمّ لمّا هاجر الى النجف الأشرف نكح في بعض بناته والد شيخنا الفقيه المعاصر ، صاحب كتاب جواهر الكلام ، الشيخ محمد حسن بن المرحوم الشيخ باقر ، انتهى (٣).

وعلى ما ذكره : أمّ صاحب الجواهر بنت الشيخ أبي الحسن ، وهو الوجه في تعبيره عن المولى المذكور في الجواهر بالجدّ ، كما في باب الاستخارة (٤) ، والرضاع (٥) ، وغيرهما.

وأنت خبير بما فيه من الوهم المهين ، ولوازمه الباطلة أضعاف ما أوردها على العلاّمة السابق ، فإن وفاة المولى الذي هو من تلامذة المولى المجلسي في سنة ١١٤٠ ، وصاحب الجواهر في سنة ١٢٦٠ ، ولم يستند ما ذكره الى محلّ.

والذي وجدناه في الوقفنامه التي كان عليها خطّ جماعة من العلماء الفقهاء ، كفقيه عصره الشيخ راضي ، وسبط كاشف الغطاء الشيخ مهدي ،

__________________

(١) روضات الجنات ١ : ٨١.

(٢) الثالثة ، وحاصله : ان وفاة المقدس الأردبيلي سنة ٩٩٣ ، وولادة السيد الجزائري سنة ١٠٥٠ ووفاته سنة ١١١٢. ومنشأ هذا توهم عود ضمير تلميذه إلى الأردبيلي بينما هو عائد إلى المجلسي.

(٣) روضات الجنات ٧ : ١٤٢.

(٤) جواهر الكلام ١٢ : ١٧٥.

(٥) جواهر الكلام ٢٩ : ٣١٣.

٣١٣

وغيرهم ، ما صورة محلّ الحاجة منها هكذا :

على ذريّة ملاّ أبو الحسن ، وهم الشيخ أبو طالب ، وأخته فاطمة ، ثمّ لمّا توفّيا رجع الوقف الى ولد أبي طالب المذكور ، وهو الشيخ علي ، والى آمنة بنت فاطمة المذكورة ، ومن بعد وفاة الشيخ علي وآمنة المذكورين ، رجع الوقف المذكور الى ولد الشيخ علي ، وهو الشيخ حسن ، والى الشيخ باقر بن آمنة ، ثمّ لمّا توفّيا رجع الوقف إلى أولاد الشيخ حسن ، وهم الشيخ حسين ، والشيخ محمد ، وحليمة ، وخديجة ، والى ولد الشيخ باقر ، وهو جناب الشيخ المرحوم الشيخ محمد حسن ـ طاب ثراه ـ انتهى موضع الحاجة منها.

والشيخ الطالب المذكور من العلماء المعروفين ، ذكره السيّد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة ، وبالغ في مدحه (١).

ومنها : قوله في ترجمة السيّد عبد الكريم بن طاوس : إنّ من جملة أساتيذه ومشايخه الإماميّة والده ـ الى أن قال ـ والشريف أبي الحسن علي بن محمد بن علي العلوي العمري النسابة ، مؤلّف كتاب « المجدي في أنساب الطالبيّين » (٢) ونسب كلّ ذلك الى الرياض أيضا.

وهذه عثرة لا تنجبر ، فإنّه من معاصريّ السيّد المرتضى ، وقد صرّح في المجدي على ما في الرياض (٣) أنّه دخل على السيّد سنة ٤٢٥ ، فبينه وبين ابن طاوس أزيد من مائتي سنة ، وما نسبه الى الرياض افتراء محض ، فلاحظ.

الى غير ذلك ممّا لا يحصى ، ويأتي بعضه في الفائدة الآتية.

وقد وفينا ـ بحمد الله تعالى ـ بما وعدناه من ذكر ما قيل ، أو يمكن أن يقال من الوجوه والقرائن ، لاعتبار الكتاب المذكور ، والشواهد والموهنات (٤)

__________________

(١) إجازة السيد عبد الله الجزائري الكبرى : ٢٧.

(٢) روضات الجنات ٤ : ٢٢٣.

(٣) انظر : الرياض ٤ : ٢٣١ و ٣ : ١٦٤. والسبب في ذلك هو الاشتباه في عود الضمير في عنه. فلاحظ.

(٤) كذا ، ولعل الصحيح : والموهنات والشواهد.

٣١٤

لعدمه ، فعلى الناظر أن يتأمّل فيها ، وينظر إليها بعين الإنصاف ، ويختار ما أدّاه إليه نظره الثاقب بعد مجانبة الاعتساف ، ولنا على ما ادّعيناه في صدر كلامنا شاهد لا حجّة فيه لغيرنا ، والله على ما نقول وكيل.

بقي التنبيه على أمرين :

الأوّل : فيما ظنّه ، أو احتمله بعض الأصحاب من كونه بعينه رسالة عليّ ابن بابويه الى ولده كما تقدّم ، وليس لهم على ذلك شاهد سوى مطابقة عبارة كثير من مواضع الكتاب لها ، ويوهنه :

أوّلا : ما ذكرناه في الوجه السادس ممّا في « الرضوي » من الكلمات الدّالة على صدورها من المعصوم ، أو العلوي من السادة.

وثانيا : ما في أوّل الخطبة من قوله : يقول عبد الله علي بن موسى الرضا ، واحتمال زيادة كلمة الرضا من النسّاخ لا يعتنى به ، إلاّ بعد ثبوت الاتّحاد المفقود دليله.

وثالثا : بما تقدّم من أنّ النسخة المكيّة كان تأريخ كتابتها سنة مائتين ، والقميّة كتبت في زمان الرضا عليه‌السلام على ما ذكره السيّد ، وهذا أمر محسوس لا سبيل للخطإ فيه إلاّ في الندرة ، ووفاة علي بن بابويه في سنة ثمان ، أو تسع وعشرين وثلاثمائة ، فكيف يحتمل كونه رسالته؟.

ورابعا : ما يوجد في خلال الرسالة على ما في كتب ولده الصدوق من قوله في صدر بعض المطالب : يا بنيّ افعل كذا وكذا ، وليس منه في الرضوي أثر أصلا.

وخامسا : ما فيهما من المخالفة ما لا يتوهّم بينهما الاتّحاد ، ففي المقنع : قال والدي في رسالته إليّ : إذا لبست يا بنيّ ثوبا جديدا ، فقل : الحمد لله الذي كساني من اللباس ما أتجمّل به في الناس ، اللهمّ اجعلها ثياب بركة أسعى فيها بمرضاتك ، وأعمر فيها مساجدك ، فإنّه روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « من فعل ذلك لم يتقمّصه حتى يغفر له » ، وإذا أردت لبس السراويل ،

٣١٥

الى آخره (١).

وفي الرضوي : وإذا لبست ثوبك الجديد ، فقل : الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أواري به عورتي ، وأتجمّل به عند الناس ، اللهمّ اجعله لباس التقوى ، ولباس العافية ، واجعله لباسا أسعى فيها لمرضاتك ، وأعمر فيها مساجدك ، وإذا أردت أن تلبس السراويل ، الى آخره (٢).

وإن شئت الزيادة فعليك بالمراجعة.

وسادسا : إنّ الموجود في كتب الأحاديث والرجال التعبير عن والد الصدوق بقولهم : علي بن الحسين ، أو عليّ بن بابويه ، ولم أجد موضعا عبّر فيه عنه بعلي بن موسى ، كي يقاس عليه الموجود في خطبة الكتاب.

هذا وللسيّد المؤيّد صاحب الرسالة هنا كلام لا بأس بنقله ، بل جعله تاسع الموهنات ، فتنطبق عدد قرائن الاعتبار ، وعدد عدمه ، قال :

إنّ من تتبّع ما حكاه الصدوق عن رسالة أبيه إليه في تضاعيف أبواب الفقه ، وشاهد ما نقله في ذلك الكتاب من عبارات الرسالة ، والتفت الى موافقة أكثر هذه العبارات لعبارات « الفقه الرضوي » حصل له القطع بأنّ هذه الموافقة التامّة لم تقع من باب الاتّفاق ، وحصل له العلم بأنّ الأمر دائر بين أمور خمسة :

أحدها : أن يكون ذلك الكتاب مأخوذا من الرسالة.

وثانيها : أن تكون الرسالة مأخوذة عنه.

وثالثها : أن يكون كلّ منهما مأخوذا من ثالثا.

ورابعها : أن يكون الرضوي مأخوذا ممّا أخذ من الرسالة.

وخامسها : عكسه.

__________________

(١) المقنع : ١٩٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٩٥.

٣١٦

وعلى كلّ من هذه الوجوه يلزم عدم كونه من تأليفه عليه‌السلام.

أمّا على الأوّل ، والثالث ، والرابع فهو من أوضح الواضحات.

وأمّا على الثاني ، فلأنّ سياق كلماته ـ على ما حكى عن رسالته ـ ينادي بأعلى صوتها أنّ ما يذكر فيه من عبارته التي أنشأها ، وأنّه ليس من كلمات غيره ، وهو الذي فهمه منه ولده الصدوق على ما يعطيه سياق نقله عنه في الفقيه. وأيضا نقول : إنّ عليّا إمّا لم يعلم أنّه من تأليف الإمام عليه‌السلام ، وظنّه تأليف غيره أم لا ، وعلى كلّ منهما يلزم محذور.

أمّا على الأوّل ، فلأنّه لا يخفى على ذي فطنة ، بصير بأحوال القدماء الأجلاّء ، خبير بديدن هؤلاء الأعلام ، أنّ جلالة عليّ ، وعلوّ قدره ، وسموّ مرتبته ، ممّا يأبى عن أن يظنّ في حقّه أنّه أخذ رسالته المذكورة من كلمات غير الإمام ، وذكر عبارات ذاك الغير في كتابه ، ونسبها الى نفسه ، وسكت عن بيان أصله ، فإنّ هذا أمر قبيح ، وتدليس شنيع ، وعجز بيّن ، لا ينبغي أن يصدر ممّن شمّ رائحة العلم ، فضلا عن أن يصدر عن علي بن بابويه. وأيضا من البعيد أن يقال : إنّ ذلك الكتاب كان من تأليف الإمام ، وقد خفي على عليّ ، بحيث ظنّه من تأليف غيره ، مع أنّه ـ رحمه‌الله ـ كان أكثر تتبعا ، وأقرب عصرا ، وأشدّ اهتماما في أمثال هذه الأمور.

ومن الواضح أنّ أمثال علي بن بابويه ما كانوا يكتفون بمجرّد سواد على بياض ، وما كانوا يعتمدون على ما لم يثبت لديهم قائله ، أو على كتاب لم يكن لهم طريق معتبر الى مؤلّفه ، كما لا يخفى على من أمعن النظر في تضاعيف فهرست الشيخ ، ورجال النجاشي ، ونظائرهما من كتب الرجال.

وأمّا على الثاني ، فيلزم محذور أشدّ ممّا ذكرنا ، فإنّ الطبع السليم ، والفهم القويم المستقيم ، ممّا يحكم بأنّ هذا الكتاب لو كان حاله معلوما لدى عليّ بن بابويه ، وكان يعلم أنّه من تصنيف الإمام عليه‌السلام لما كان يخفيه عن ولده الصدوق ، الناقد البصير ، ولكان يطلعه على ذلك. وقد عرفت ممّا مرّ أن من

٣١٧

تأمّل في كلمات شيخنا الصدوق ، ولاحظ مؤلّفاته المشهورة ، المتداولة بيننا في هذه الأعصار ، وتأمّل في تضاعيف كتابه الذي عمله لبيان أحوال مولانا الرضا عليه‌السلام وأخباره ، وكذا كتاب فقيهه الذي عمله في الفقه ، وسعى في تهذيبه وتنقيحه ، وجعله حجّة فيما بينه وبين الله ، حصل له العلم بأنّه لم يكن لديه.

وأمّا الخامس : فيظهر حاله ممّا فصّلناه سابقا ، ولا يخفى أنّه من أبعد الوجوه.

وحيث قد وقفت على ما تلوناه عليك ، علمت أنّ ما مرّ ـ من أنّ كون كثير من عباراته عبارات ( رسالة عليّ ، ممّا يؤيّد اعتباره ـ خلاف التحقيق ، وإنّ الأمر منعكس.

قال : وما يتوهّم من أنّ بناء الصدوق على الاعتماد على ) (١) رسالة أبيه ، يشهد بأنّه كان يعلم أنّه أخذها من هذا الكتاب ، ومنه يظهر عذره في عدّه الرسالة في الفقيه من الكتب التي عليها المعوّل ، وإليها المرجع ، فإنّه لم يكن يقلّد أباه حاشاه عن ذلك.

مدفوع ، بأنّه يكفي في اعتماده عليه علمه بأنّ ما يذكره فيه مأخوذ عن أهل بيت العصمة والطهارة ، وإنّه ملخّص من متون الأخبار المعتبرة المعتمدة ، وليس أمرا صادرا عن اجتهاد ، وعن سائر القواعد المستنبطة المعروفة بين أصحابنا المتأخّرين ، كما يشهد به ديدن القدماء.

ولذا ذكر شيخنا الشهيد في الذكرى أنّ الأصحاب كانوا يتمسّكون بما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه عند إعواز النصّ ، لحسن ظنّهم به ، وإنّ فتواه كروايته (٢) ، فإنّ الظاهر أنّ كتاب الشرائع هو الرسالة إلى ولده

__________________

(١) بين القوسين ساقط من المخطوط.

(٢) الذكرى : ٤ السطر الأخير.

٣١٨

كما قال النجاشي (١) ، وهو أضبط من شيخ الطائفة في أمثال هذه الأمور ، فما يظهر من الشيخ في فهرسته (٢) من تغايرهما ، حيث عدّ كلاّ منهما من كتب عليّ ، وعطف أحدهما على الآخر خلاف التحقيق ، انتهى كلامه (٣).

قلت : ولقد أجاد فيما أفاد ، إلاّ أنّ نتيجة ما ذكره من المقدّمات بعد التأمّل التّام عكس المراد.

توضيح ذلك : إنّ ما في الشرائع كما عرفت متون الأخبار المعتبرة عند الأصحاب ، بل أصحّ وأتقن ممّا في مقنع ولده ، الذي صرّح في أوّله بأنّه حذف أسناد ما أودعه فيه ، لوجود كلّه في الأصول الموجودة ، المرويّة عن المشايخ العلماء الثقات ، للاتّفاق المذكور في كلام الشهيد ـ رحمه‌الله ـ فيه دونه ، وقد عرفت ، واعترف هو بمطابقة عباراته المنقولة لعبارة « الرضوي » بحيث لا يمكن جعلها من باب الاتّفاق.

وظاهر أنّ سياقها ينادي بأعلى صوته أنّها صادرة من واحد ، سواء كان منشئها عليّ بن بابويه ، أو صاحب الكتاب ، أو ثالث كان كتابة مأخذا لهما ، فالموجود في « الرضوي » المطابق لما في الشرائع صادر من معدن العصمة ، فهو إمّا من الرضا عليه‌السلام إملاء ، أو تأليفا ، أو ممّن أخذه منه ، أو من إمام آخر. ومن تأمّل في الرضوي لا يكاد يشكّ في أنّه غير مأخوذ من كتاب آخر ، أو مرويّ من شخص آخر ، وإنّ صاحبه أنشأه من غير توسّل بغيره. فإذا لم يكن موضوعا ومختلفا ـ كما اعترف به في مواضع من الرسالة ـ ولا يحتمل كونه من الأئمّة السابقة عليه عليهم‌السلام ، فينحصر كونه له عليه‌السلام واحتمال الانتساب إلى الأئمّة اللاحقة بعيد ، لعدم ذكر منهم عليهم‌السلام فيه ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٦١ / ٦٨٤.

(٢) الفهرست : ٩٣ / ٣٨٢.

(٣) رسالة في تحقيق حال فقه الرضا عليه‌السلام للخوانساري : ٢٧.

٣١٩

وكون تأريخ النسختين في عهده عليه‌السلام.

وأمّا إخفاء عليّ عن ولده ذلك ، بقرينة عدم تعرّض له « للرضوي » في كتبه ، خصوصا العيون ، ففيه بعد النقض بالرسالة الذهبيّة ، التي اعترف هو باعتبارها وصحّتها ، وليس له ذكر في كتبه أصلا ، فهي شبهة بدّ من رفعها على كلّ الوجوه ، ولو قلنا بعدم كونه له عليه‌السلام ، أو لغيره من الأئمّة عليهم‌السلام ، فإنّ عليّا كان يعلم من أيّ كتاب أخذه ، والى أيّ إمام تنتهي هذه العبارات ، التي هي متون ما صدر منه ، التي لا شكّ في وحدة منشئها ، وأنّها لم تكن أخبارا متشتّتة ، وأحاديث متبدّدة ، بأسانيد مختلفة ، وطرق متفرّقة ، من أئمّة متعدّدة عليهم‌السلام ، ألقى عليّ أسانيدها ، وانتظمها في سلك واحد ، خصوصا بملاحظة المطابقة المذكورة ، الظاهرة على هذا الاحتمال السخيف ، في أنّ صاحب الكتاب هو الجامع للشتات قبله.

فنقول كما قال : إنّ عليّا [ إمّا ] أخفى عن ولده مأخذ هذه العبارات الصادرة عن الأئمّة السادات أو لا ، وعلى التقديرين يلزم ما ذكره من المحذورات حرفا بحرف ، فإنّ الصدوق على ما أسّسه من الكلام كان يعلم مأخذ ما في رسالة أبيه إليه ، الذي لا بدّ وأن يكون معتبرا معتمدا عند الأصحاب ، وعليه فلم لم يشر في موضع إليه ، واعتمد في مواضع الحاجة على النقل منها والاتّكال عليها ، فهل هذا إلاّ مجازفة في القول ، وتشبّث بأوهى من الهشيم؟! وأيّ فرق بين كون مأخذ الرسالة « الرضوي » الذي يستوحش منه ، أو غيره الذي لا بدّ وأن يكون من أصول الأصحاب؟ فكيف جاز الإخفاء من الوالد والولد في أحدهما ، ويستبعد في الأخر؟.

الثاني : إنّه على القول بعدم كون له عليه‌السلام ، وعدم كونه من الموضوعات والمجعولات ، وعدم كونه رسالة شرائع عليّ بن بابويه ، وإنّ ما فيه من الأخبار القويّة أو الضعاف القابلة للانجبار ، فجامعه ومولّفه غير معلوم ، وإن علم إجمالا أنّه كان في عصر الأئمّة عليهم‌السلام وزمان الحضور ، لبعض

٣٢٠