خاتمة مستدرك الوسائل - ج ١

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-85-X
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٣٩٤

٣٣ ـ كتاب لبّ اللباب أو اللباب :

للشيخ الفقيه ، المحدّث النبيه ، سعيد بن هبة الله ، المدعو بالقطب الراوندي صاحب الخرائج ، وشارح النهج ، اختصره من كتاب فصول نور الدين عبد الوهاب الشعراني العامي ، لخصه وألقى ما فيه من الزخارف والأباطيل. وقد رأيت المجلّد الثاني من الفصول في المشهد الرضوي عليه‌السلام يقرب من تمام كتاب اللّباب ، وهذا كتاب حسن كثير الفوائد ، مشتمل على مائة وخمسة وخمسين مجلسا ، في تفسير مثلها من الآيات على ترتيب القرآن.

وفي الرياض : وله كتاب تلخيص فصول عبد الوهاب في تفسير الآيات والروايات ، مع ضمّ الفوائد والأخبار من طرق الإماميّة ، قد رأيته في بلدة أردبيل ، وهو كتاب حسن ، انتهى (١).

وهو داخل في فهرست البحار ، قال قدس‌سره : وكتاب اللّباب المشتمل على بعض الفوائد (٢). لكنّه رحمه‌الله غفل عنه فلم ينقل عنه في البحار ، والظاهر أنّه لم يكن عنده وقت تأليفه ، كما يظهر من المكتوب الذي أرسله إليه بعض تلامذته ، وأدرجه في آخر إجازات البحار ، في استدراك ما فاته من الكتب الموجودة وغير ذلك ، ثمّ استدرك رحمه‌الله بعضا وترك بعضا. وفي المكتوب : وشرحا النهج للراونديّين قد نقلتم عنهما في كتاب الفتن وغيره ، من كتب البحار ، وكتاب اللّباب للأوّل عند الأمير زين العابدين بن سيّد المبتدعين عبد الحسيب ، حشره الله مع جدّه القمقام يوم الدين (٣). إلى آخره.

وبالجملة فاعتبار الكتاب يعرف من اعتبار مؤلّفه ، الذي هو في المقام فوق ما يصفه مثلي بالقلم ، أو اللّسان.

__________________

(١) رياض العلماء ٢ : ٤٢١.

(٢) بحار الأنوار ١ : ٣١.

(٣) بحار الأنوار ١١٠ : ١٦٨.

١٨١

٣٤ ـ كتاب الدعوات :

له أيضا سمّاه سلوة الحزين ، قال في البحار : وجدنا منه نسخة عتيقة ، وفيه دعوات موجزة شريفة ، مأخوذة من الأصول المعتبرة ، على أنّ الأمر في سند الدعاء هيّن (١) ، انتهى.

قلت : ليس هو مقصورا على الأدعية ، بل فيه ممّا يتعلّق بحالتي الصحّة والمرض ، وآداب الاحتضار ، وما يتعلّق بما بعد الموت ، وفوائد كثيرة ، ونوادر عزيزة.

وممّا يجب التنبيه عليه في هذا المقام ، انّني كنت معتقدا في سالف الزمان ، أنّ هذا الكتاب من تأليف السيّد فضل الله الراوندي المتقدّم ذكره ، ونسبته إليه في كلّ مقام نقلت منه فيما برز منّي ، كدار السلام ، والنجم الثاقب وغيرهما ، وقد ظهر لي من بعد ذلك أنّه للقطب الراوندي وهذا اشتباه لا يترتّب عليه أثر ، ولا يضعّف به خبر ، لأنّ كلاهما من أجلّة المشايخ وأساتيذ العصر ، إلاّ أنّه يوجد في النفس بعد التنبيه انكسار لا بدّ من جبره ، ولا جابر إلاّ الالتفات الى ما وقع لمولانا العلامة المجلسي رحمه‌الله في هذا المقام من الاشتباه ، واختلاط كتب هذين العالمين الراونديّين عليه ، ونسبته تأليف أحدهما إلى الآخر.

ولحسن الظنّ به اعتمدنا عليه ولم نراجع المأخذ ، فوقعنا فيما وقعنا مع إنّه رحمه‌الله جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب. فقال في الفصل الأوّل : وكتاب الخرائج والجرائح ، للشيخ الإمام قطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي ، وكتاب قصص الأنبياء له أيضا ، على ما يظهر من أسانيد الكتاب واشتهر أيضا ، ولا يبعد أن يكون تأليف فضل الله بن عليّ بن عبيد الله الحسني الراوندي ، كما يظهر من بعض أسانيد السيّد ابن طاوس قدس‌سره.

__________________

(١) بحار الأنوار ١ : ٣١.

١٨٢

وقد صرّح بكونه منه في رسالة النجوم ، وكتاب فلاح السائل ، والأمر فيه هيّن لكونه مقصورا على القصص ، وأخباره جلّها مأخوذة من كتب الصدوق. وكتاب فقه القرآن للأوّل أيضا. وكتاب ضوء الشهاب ، شرح شهاب الأخبار للثاني فضل الله ـ رحمه‌الله ـ وكتاب الدعوات ، وكتاب اللّباب ، وكتاب شرح نهج البلاغة ، وكتاب أسباب النزول له أيضا ، انتهى (١).

وظاهر العبارة بل صريحها أنّ الكتب الأربعة الأخيرة للسيّد الراوندي لا لقطبها ، إذ عود ضمير « له » إليه مستهجن جدّا ، إذ لا وجه لتوسيط ذكر كتاب ضوء الشهاب الذي هو من مؤلّفات السيد.

وقد تفطّن صاحب الرياض الى هذا الاشتباه ، وأشار إليه في ترجمتهما ، وصرّح هو وغيره بأنّ الكتب الأربعة للقطب لا له (٢).

والعجب أنّ العلاّمة المذكور قال في الفصل الثاني في شرح حال الكتب المذكورة : وكتاب ضوء الشهاب كتاب شريف ، مشتمل على فوائد جمّة ، خلت عنها كتب الخاصّة والعامّة ، وكتاب اللّباب المشتمل على بعض الفوائد ، وشرح النهج مشهور معروف ، رجع إليه أكثر الشرّاح ، وكتاب أسباب النزول فيه فوائد ، انتهى (٣).

وفيه أيضا تأكيد لما ذكرنا ، مع أنّ شرح النهج المتداول غير خفيّ أنّه للقطب ، فراجع.

__________________

(١) بحار الأنوار ١ : ١٢.

(٢) رياض العلماء ٢ : ٤٢٩ ، و ٤ : ٣٦٥.

(٣) بحار الأنوار ١ : ٣١.

١٨٣

٣٥ ـ كتاب فقه القرآن :

وهو بعينه كتاب آيات الأحكام له أيضا ، وهو من نفائس الكتب النافعة الجامعة ، الكاشفة عن جلالة قدر مؤلّفها ، وعلوّ مقامه في العلوم الدينيّة ، وقد عثرنا ـ بحمد الله تعالى ـ على نسخة عتيقة منه ، كتب في آخره : كتبه سعيد بن هبة الله بن الحسن ، في محرّم سنة اثنتين وستّين وخمسمائة ، حامدا لربّه ، ومصلّيا على محمّد وآله ـ إلى هنا كلام المصنّف رحمه‌الله ـ وتمّ الكتاب على يد العبد الفقير الى الله تعالى ، الحسن بن الحسين بن الحسن ( السدّ السوي ) (١) ناقلا عن خطّ المصنّف إلاّ قليلا ، أواسط صفر ، ختم بالخير والظفر ، شهور سنة أربعين وسبعمائة هجريّة ، بمدينة قاشان. إلى آخره.

قال في الرياض : ثمّ إنّ القطب الراوندي قدس‌سره هو أوّل من شرح نهج البلاغة ، وأوّل من ألّف تفسير آيات الأحكام ، فلاحظ (٢).

قلت : أمّا الثاني فالظاهر أنّه كما ذكره ، وأمّا النهج فأوّل من شرحه أبو الحسن البيهقي (٣) وهو حجّة الدين ، فريد خراسان ، أبو الحسن بن أبي القاسم زيد ـ صاحب لباب الألباب ، وحدائق الحدائق ، وغيرها ـ ابن محمد ابن عليّ البيهقي ، من أولاد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين.

قال في أوّل شرحه : قرأت كتاب نهج البلاغة على الإمام الزاهد الحسن ابن يعقوب بن أحمد القاري ، وهو وأبوه في فلك الأدب قمران ، وفي حدائق

__________________

(١) هكذا في الحجرية ، وفي المخطوطة غير مقروءة وقد علم فيهما عليها ب : كذا.

(٢) رياض العلماء ٢ : ٤٢١.

(٣) فيه تأمل ، إذ الظاهر ان أول من شرحه هو علي بن الناصر ـ المعاصر للسيد الرضي ـ وهو من أخصر وأتقن الشروح ، سماه أعلام نهج البلاغة ، راجع الذريعة ٢ : ٢٤٠.

١٨٤

الورع ثمران ، في شهور سنة ستّ عشرة وخمسمائة ، وخطّه شاهد لي بذلك ـ إلى أن قال ـ ولم يشرح قبلي من كان من الفضلاء السابقين هذا الكتاب بسبب موانع (١). إلى آخره.

__________________

(١) معارج نهج البلاغة : ٢ ـ ٤.

١٨٥

٣٦ ـ كتاب التمحيص :

قال في البحار : هو لبعض قدماء أصحابنا ، ويظهر من القرائن الجليّة أنّه من مؤلّفات الثقة الجليل أبي عليّ محمد بن همام (١).

وقال في موضع آخر : وكتاب التمحيص ، ومتانته تدلّ على فضل مؤلّفه ، وإن كان مؤلّفه أبا عليّ كما هو الظاهر ، ففضله وتوثيقه مشهوران (٢).

قلت : ولم يشر إلى القرائن ، والذي يظهر منها من الكتاب ، قوله في أوّل الكتاب بعد الديباجة ، باب سرعة البلاء إلى المؤمنين : حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همام ، قال : حدّثني عبد الله بن جعفر (٣). إلى آخره ، وهذا هو المرسوم في غالب كتب المحدّثين من القدماء ، أنّ الرواة عنهم من تلاميذهم يخبرون عن روايتهم عنه في صدر كتبهم ، فراجع الكافي ، وكتب الصدوق ، وغيرها ، تجدها على ما وصفناه.

وبهذا يظنّ أنّ التمحيص له ، ولكنّ الشيخ الجليل النبيل ، الشيخ إبراهيم القطيفي ، قال في خاتمة كتاب الفرقة الناجية ، الحديث الأول : ما رواه الشيخ العالم ، الفاضل العامل ، الفقيه النبيه ، أبو محمد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني قدّس الله روحه الزكيّة في كتابه المسمّى بالتمحيص ، ثمّ أخرج منه خمسة أحاديث ، وهو صاحب كتاب تحف العقول المتداول المعروف.

وفي الرياض : وأمّا قول الأستاذ الاستناد بأنّ كتاب التمحيص من مؤلّفات غيره ـ أي غير الحسن المذكور ـ فهو عندي محلّ تأمّل ، لأنّ الشيخ

__________________

(١) بحار الأنوار ١ : ١٧.

(٢) بحار الأنوار ١ : ٣٤.

(٣) التمحيص : ٣٠.

١٨٦

إبراهيم أقرب وأعرف ، مع أنّ عدم ذكر كتاب التمحيص في جملة مؤلّفاته ، التي أوردها أصحاب الرجال في كتبهم مع قربهم إليه ، يدلّ على أنّه ليس منه ، فتأمّل (١).

ووافقهما على ذلك الشيخ الجليل في أمل الآمل ، إلاّ أنّه نسبه إلى القاضي في المجالس (٢) ، وفيه سهو ظاهر ، فإنّ القاضي نقل في ترجمة القطيفي (٣) ما أخرجه من كتاب التمحيص بعبارته (٤) ، ولا يظهر منه اختياره ما اختاره من النسبة.

ثمّ إنّي إلى الآن ما تحقّقت طبقة صاحب تحف العقول (٥) ، حتّى استظهر منها ملاءمتها للرواية عن أبي عليّ محمد بن همام وعدمها.

والقطيفي من العلماء المتبحّرين ، إلاّ أنّه لم يعلم أعرفيّته في هذه الأمور من العلامة المجلسي رحمه‌الله ، وهو في طبقة المحقّق الكركي ، وهذا المقدار من التقدّم غير نافع في المقام.

نعم ما ذكره صاحب الرياض أخيرا يورث الشك في النسبة ، إلا أنّه يرتفع بملاحظة ما ذكرنا.

ومع الغضّ عنه فالكتاب مردّد بين العالمين الجليلين الثقتين ، فلا يضرّ الترديد في اعتباره ، والاعتماد عليه.

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ٢٤٥.

(٢) أمل الآمل ٢ : ٧٤ / ١٩٨.

(٣) بل في ترجمة أبو بكر الحضرمي.

(٤) مجالس المؤمنين ١ : ٣٨٣.

(٥) ذكر الشيخ آغا بزرگ الطهراني في طبقات اعلام الشيعة القرن الرابع : ٩٣ ان الحسن بن علي ابن شعبة صاحب تحف العقول معاصر للصدوق المتوفى سنة ٣٨١ ، ويروي عن أبي علي محمد ابن همام بن سهيل الإسكافي المتوفى سنة ٣٣٦ ، ويروي عنه المفيد المتوفى سنة ٤١٣ كما ذكره حسين ابن علي بن صادق البحراني في رسالته في الأخلاق ، ولعل كتاب التمحيص للحسن بن علي بن شعبة البحراني كما استظهره إبراهيم القطيفي والحر وصاحب الرياض ، والاحتمال الآخر للمجلسي.

١٨٧

٣٧ ـ كتاب الهداية :

هو للصدوق قدس‌سره ، صرّح به النجاشي (١) وغيره (٢).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٩٠ / ١٠٤٩.

(٢) بحار الأنوار : ١ / ٦ وروضات الجنات ٦ : ١٣٦.

١٨٨

٣٨ ـ كتاب المقنع :

له أيضا ، وهو داخل في فهرست مآخذ الوسائل (١) ، إلاّ أنّ المؤلّف رحمه‌الله لم ينقل منه إلاّ ما صرح فيه بالرواية ، وترك باقيه لزعمه انّه من كلامه ، والحقّ إنّ ما فيه عين متون الأخبار الصحيحة ، بالمعنى الأخصّ الذي عليه المتأخّرون ، لا لما اشتهر من أنّ فتاوى القدماء في كتبهم متون الأخبار ، وإن كان حقّا ، ولذا كانوا يرجعون إلى شرائع أبيه ـ وهو رسالته إليه ـ عند اعوزاز النصوص ، بل لأمرين آخرين :

الأوّل : تصريحه بذلك في أوّل الكتاب ، قال رحمه‌الله بعد الخطبة : قال محمد بن عليّ : ثمّ إنّي صنّفت كتابي هذا ، وسمّيته كتاب المقنع لقنوع من يقرؤه بما فيه ، وحذفت الإسناد منه لئلاّ يثقل حمله ، ولا يصعب حفظه ، ولا يملّه قارئه ، إذ كان ما أبيّنه فيه في الكتب الأصوليّة موجودا ، مبيّنا عن المشايخ العلماء ، الفقهاء الثقات رحمهم‌الله أرجو بذلك ثواب الله ، وأبتغي به مرضاته ، وأطلب الأجر عنده (٢) ، وهذه العبارة كما ترى متضمّنة لمطالب :

الأوّل : إنّ ما في الكتاب خبر كلّه ، إلاّ ما يشير إليه.

الثاني : إنّ ما فيه من الأخبار مسند كلّه ، وعدم ذكر السند فيه للاختصار ، لا لكونها من المراسيل.

الثالث : إنّ ما فيه من الأخبار مأخوذ من أصول الأصحاب ، التي هي مرجعهم ، وعليها معوّلهم ، وإليها مستندهم ، وفيها مباني فتاويهم.

الرابع : إنّ أرباب تلك الأصول ورجال طرقه إليها ، من ثقات العلماء ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣٠ : ١٥٤ / ١٧ ، في ذكر الكتب المعتمدة.

(٢) المقنع : ٢.

١٨٩

وبذلك فاق قدره عن كتابه الفقيه ، الذي عدّ من مآخذه كتاب نوادر الحكمة ، وكتب المحاسن ، وفيهما من ضعاف الأخبار بزعمه وزعم المتأخّرين ما لا يحصى ، فإذا لا فرق فيما أدرجه فيه بين أن يقول : روي عن فلان وما أشبهه ، أو يذكر حكم المسألة من غير استناد في الاعتبار والتعويل عليه.

الثاني : ما يظهر من مواضع من الكتاب أنّ ما يذكره متن الحديث.

ففي أحكام البئر : وإن وقعت في البئر فأرة ، أو غيرها من الدواب فماتت ، فعجن من مائها ، فلا بأس بأكل ذلك الخبز إذا أصابته النار ، وفي حديث آخر : أكلت النار ما فيه (١). فلو لا أنّ الكلام الأوّل متن الخبر ، لما كان لقوله : وفي حديث آخر محلّ.

ومثله في غسل الجنابة : وإن اغتسلت من الجنابة ووجدت بللا ، فإن كنت بلت قبل الغسل فلا تعد الغسل ، وإن كنت لم تبل قبل الغسل فأعد الغسل وفي حديث آخر : إن لم تكن بلت فتوضّأ (٢).

ومثله في الخلل : وإن لم تدر اثنتين صلّيت أو خمسا ، أو زدت أو نقصت ، فتشهّد وسلّم ، وصلّ ركعتين وأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ، ولا قراءة (٣).

ومثله في آخر الباب ، وفي باب الصوم : اعلم أنّ الصوم على أربعين وجها ، وساق الخبر المرويّ عن الزهري ، عن السجاد عليه‌السلام ـ الى أن قال ـ قال الزهري : وكيف يجزي صوم تطوّع عن صوم فريضة (٤) ، مع أنّه ما تعرّض للراوي ، ولا المروي عنه في صدر الخبر.

__________________

(١) المقنع : ١٠.

(٢) المقنع : ١٣.

(٣) المقنع : ٣١.

(٤) المقنع : ٥٥ ـ ٥٧.

١٩٠

وفي كتاب النكاح : وإذا تزوّج الرجل المرأة فزنى قبل أن يدخل بها ، لم تحلّ له لأنّه زان ، ويفرّق بينهما ، ويعطيها نصف الصداق ، وفي حديث آخر : يجلد الحدّ ، ويحلق رأسه. إلى آخره (١).

وفيه : ولا تحلّ القابلة للمولود ولا ابنتها ، وهي كبعض أمّهاته ، وفي حديث آخر : إن قبّلت ومرّت فالقوابل أكثر من ذلك ، وإن قبّلت وربّت حرمت عليه (٢).

وهذا المقدار يكفي لإثبات ما أردناه ، ومن هنا ظهر وجه نقل المجلسي رحمه‌الله ما فيه كنقله عن سائر كتب الأخبار ، لكنّه رحمه‌الله فعل بكتاب الهداية ما فعل به ، لظنّه أنّه أيضا مثله ، والظاهر أنّه كذلك ، ولكنّا ما اعتمدنا عليه ، لعدم ما يدلّ على اعتباره ، فاقتصرنا في النقل عنه بما أسنده إلى المعصوم عليه‌السلام.

__________________

(١) المقنع : ١٠٩.

(٢) المقنع : ١٠٩.

١٩١

٣٩ ـ كتاب نزهة الناظر وتنبيه الخاطر :

في كلمات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام. للشيخ الأجلّ الشريف أبي يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري الطالبي (١) ، تلميذ الشيخ المفيد قدس‌سره ، والجالس مجلسه ، وهو متكلّم فقيه ، قائم بالأمرين جميعا ، قاله النجاشي (٢) ، والعلاّمة (٣).

وقال الأوّل في ترجمة السيّد المرتضى : تولّيت غسله ومعي الشريف أبي يعلى محمد بن الحسن الجعفري ، وسلاّر بن عبد العزيز (٤).

وهذا كتاب لطيف ، صغير الحجم ، عظيم القدر ، أسقط أسانيد جميع ما فيه ، إلاّ خبرا واحدا ذكره في آخر الكتاب ، وهو الخبر المعروف في ذكر جماعة زهّاد ثلاثين ، كانوا عند المستجار ، وشاهدوا الصّاحب عليه‌السلام من غير أن يعرفوه ، وعلّمهم بعض الدعوات ، فقال : لمع ممّا روي عن مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام : أخبرني الشيخ أبو القاسم عليّ بن محمد بن محمد المفيد

__________________

(١) لم نجد من صرح بأن الكتاب له ، حتى ان النجاشي المعاصر له لم يصرح بأن كتاب النزهة من مصنفاته.

هذا ، والاعتقاد إن مؤلفه هو الحسين بن الحسن بن نصر الحلواني المعاصر لأبي يعلى الجعفري كما هو مصرح به في صحيفة : ٧٦ من الكتاب إذ قال : قال الحسين بن محمد بن الحسن لما انتهى إلى هذا الفصل من كتابه.

كما وانه يروي عن أبي يعلى الجعفري في ذات الكتاب في صحيفة : ٤٧.

وقد نسب ابن شهرآشوب في معالمه ٤٢ / ٢٧٣ الكتاب إليه حيث قال : الحسين بن محمد بن الحسن له كتاب نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ، فلاحظ.

(٢) رجال النجاشي : ٤٠٤ / ١٠٧٠.

(٣) رجال العلامة : ١٦٤ / ١٧٩.

(٤) رجال النجاشي : ٢٧١ / ٧٠٨.

١٩٢

رضي‌الله‌عنه قال : حدّث أبو محمد هارون بن موسى (١). إلى آخره. وما رأينا ترجمة وذكرا لولد المفيد هذا (٢) ، إلاّ في هذا المقام.

__________________

(١) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : ٧٤.

(٢) نقول : ان الشيخ في فهرسته : ١٥٨ / ٧٠٦ في ترجمته للشيخ المفيد عند ذكر مصنفاته قال : ورسالة في الفقه إلى ولده لم يتمها.

كما وان الحسين بن محمد الحلواني في كتابه الآخر الموسوم بنهج النجاة في فضائل أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ذريته صلوات الله عليهم أجمعين روى عنه بقوله : حدثنا أبو القاسم بن المفيد ، أنظر كتاب اليقين في إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ١٤٠ فإنه نقل ذلك عن النهج. وعليه فللمفيد ولد يكنى أبا القاسم وان لم يذكره علماء الرجال ، فلاحظ.

١٩٣

٤٠ ـ كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة :

المنسوب إلى أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، على ما صرّح به جماعة من العلماء الأعلام ، أوّلهم فيما أعلم السيّد الأجلّ رضيّ الدين عليّ بن طاوس ، في الفصل السابع من الباب السادس ، من كتاب أمان الأخطار قال : ويصحب ـ أي المسافر ـ معه كتاب الإهليلجة ، وهو كتاب مناظرة مولانا الصادق عليه‌السلام للهندي ، في معرفة الله جلّ جلاله ، بطرق غريبة عجيبة ضروريّة ، حتى أقرّ الهندي بالإلهيّة والوحدانيّة ، ويصحب معه كتاب مفضّل ابن عمر ، الذي رواه عن الصادق عليه‌السلام ، في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء العالم السفلي ، وإظهار إسراره ، فإنّه عجيب في معناه ، ويصحب معه كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة ، عن الصادق عليه‌السلام ، فإنّه كتاب لطيف شريف ، في التعريف بالتسليك الى الله جلّ جلاله ، والإقبال عليه ، والظفر بالأسرار التي اشتملت عليه ، فإنّ هذه الثلاثة كتب تكون مقدار مجلّد واحد ، وهي كثيرة الفوائد (١).

والفاضل المتبحّر الشيخ إبراهيم الكفعمي قدس‌سره ـ صاحب الجنّة ـ في كتاب مجموع الغرائب ، قال : ومن كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة : قال الصادق عليه‌السلام : « إعراب القلوب أربعة. » إلى آخره. وقال الصادق عليه‌السلام : « سمّي المستراح مستراحا. » إلى آخره. وقال الصادق عليه‌السلام : « السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم‌السلام. » إلى آخره ، ثمّ نقل شيئا من فضل الحلم والتقوى (٢).

وشيخ الفقهاء الشهيد الثاني قدس الله روحه ، فإنّه اعتمد عليه غاية الاعتماد ، ونسب ما فيه إلى الصادق عليه‌السلام من غير تردّد وارتياب ، فقال

__________________

(١) الأمان : ٩١ ـ ٩٢.

(٢) مجموع الغرائب : ٤٩.

١٩٤

في كشف الريبة ، في مقام ذكر علاج الغيبة ما لفظه : جملة ما ذكروه من الأسباب الباعثة على الغيبة عشرة أشياء ، قد نبّه الصادق عليه‌السلام عليها بقوله : « أصل الغيبة عشرة » وذكر ما فيه ، ثم قال : ونحن نشير إليها مفصّلة ، ثمّ شرح الأصول العشرة المذكورة ، ثمّ شرع في ذكر علاجها (١).

وقال رحمه‌الله في منية المريد : وقال الصادق عليه‌السلام : « المراء داء دويّ ، وليس في الإنسان خصلة شرّ منه » إلى آخر ما في المصباح. وقال في آخره : هذا كلّه من كلام الصادق عليه‌السلام (٢).

وقال رحمه‌الله في مسكّن الفؤاد : فصل ، قال الصادق عليه‌السلام : « البلاء زين المؤمن ، وكرامة لمن عقل » إلى آخر ما في الباب التسعين من الكتاب. وقال في آخر الفصل : وهذا الفصل كلّه من كلام الصادق عليه‌السلام (٣) ، ثمّ قال : فصل ، قال الصادق عليه‌السلام : « الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور » إلى آخر ما في الباب الذي بعده ، ولم يذكر في هذا الفصل أيضا من غيره (٤).

وفي كتاب أسرار الصلاة أخرج منه جميع ما له تعلّق بالصلاة ، من مقدّماتها ، وآدابها ، وأفعالها إلى التسليم ، مبتدئا في جميع المواضع بقوله : قال الصادق عليه‌السلام ، من دون أن يذكر اسم الكتاب ، ودأبه في نقل سائر الأخبار أن يقول : روى فلان ، أو عن فلان ، وبذلك يظهر ما أشرنا إليه من شدّة اعتماده ، لأنّه رحمه‌الله تعالى قال في شرح درايته : وإذا نقل من نسخة موثوق بها في الصحّة ، بأن قابلها هو ، أو ثقة ، على وجه وثق به ، لمصنف من

__________________

(١) كشف الريبة : ٦٩ ، ومصباح الشريعة : ٢٧٧.

(٢) منية المريد ٦٩ ، مصباح الشريعة : ٢٦٧.

(٣) مسكن الفؤاد : ٥٢ ـ ٥٣ ، ومصباح الشريعة : ٤٨٦.

(٤) مسكن الفؤاد : ٥٣ ، ومصباح الشريعة : ٤٩٨.

١٩٥

العلماء ، قال فيه ـ أي في نقله من تلك النسخة : ـ قال فلان ـ يعني ذلك المصنّف ـ وألا يثق بالنسخة ، قال : بلغني عن فلان أنّه ذكر كذا وكذا ، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه ذلك من العبارات.

وقد تسامح أكثر الناس في هذا الزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك ، من غير تجوّز وتثبّت ، فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنّف معيّن ، وينقل منه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا : قال فلان كذا ، وذكر فلان كذا. وليس بجيّد ، بل الصواب ما فصّلناه (١). وهذا الكلام منه رحمه‌الله وإن كان في مقام علم انتساب النسخة إلى المؤلّف ، ولم يطمئن بصحّة ما فيها ، ولكنّه يدلّ فيما لم يعلم أصل النسبة بطريق أولى.

وقال المحقّق الداماد قدس‌سره في الرواشح ، في ردّ من استدلّ على حجّيّة المراسيل مطلقا : بأنّه لو لم يكن الوسط الساقط عدلا عند المرسل ، لما ساغ له إسناد الحديث إلى المعصوم سلام الله عليه ، وكان جزمه بالإسناد الموهم لسماعة إيّاه من عدل تدليسا في الرواية ، وهو بعيد من أئمّة النقل ، قال : وإنّما يتمّ إذا كان الإرسال بالإسقاط رأسا والإسناد جزما ، كما لو قال المرسل : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو قال الإمام عليه‌السلام ذلك ، وذلك مثل قول الصدوق ، عروة الإسلام رضي‌الله‌عنه في الفقيه ، قال عليه‌السلام : « الماء يطهّر ولا يطهّر (٢) » إذ مفاده الجزم ، أو الظنّ بصدور الحديث عن المعصوم ، فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنّه ، وإلاّ كان الحكم الجازم بالإسناد هادما لجلالته وعدالته ، بخلاف ما لو التزم العنعنة وأبهم الواسطة ، كقوله : عن رجل ، أو عن صاحب لي ، أو عن بعض أصحابه مثلا ، انتهى (٣).

__________________

(١) الدراية : ١٠٩.

(٢) الفقيه : ١ : ٦ / ٢.

(٣) الرواشح السماوية : ١٧٤.

١٩٦

ومن هنا قيل : إنّ هذا الصنف من مراسيل الفقيه ، إن لم يكن أقوى ممّا عرف إسناده ، فلا يقصر عنه.

وبالجملة فهو ـ رحمه‌الله ـ أحقّ بأن يعمل بما قرّره ، ومن سبر مؤلّفاته عرف شدّة إتقانه وضبطه في نقل الأخبار والآثار ، ورعاية القوانين المودعة في كتب الدراية.

والسيّد الجليل ، العالم المتبحّر النبيل ، السيد حسين القزويني ، قال في المبحث الخامس من كتاب جامع الشرائع ، في بيان الاعتماد على مؤلّفي الكتب المنتزعة منها ، قال : ومصباح الشريعة المنسوب إليه ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ بشهادة الشارح الفاضل ـ يعني الشهيد الثاني رحمه‌الله ـ والسيد ابن طاوس ، والفاضل العارف مولانا محسن القاساني ، وغيرهم ، فلا وجه لتشكيك بعض المتأخّرين بعد ذلك ، انتهى.

وقال العلاّمة المجلسي في البحار : وكتاب مصباح الشريعة فيه بعض ما يريب اللّبيب الماهر ، وأسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة عليهم‌السلام وآثارهم ، وروى الشيخ في مجالسه بعض أخباره هكذا : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضّل الشيباني ، بإسناده عن شقيق البلخي ، عمّن أخبره من أهل العلم.

وهذا يدلّ على أنّه كان عند الشيخ ـ رحمه‌الله ـ وفي عصره ، وكان يأخذ منه ، ولكنّ لا يثق به كلّ الوثوق ، ولم يثبت عنده كونه مرويّا عن الصادق عليه‌السلام ، وإنّ سنده ينتهي إلى الصوفيّة ، ولذا اشتمل على كثير من اصطلاحاتهم ، وعلى الرواية من مشايخهم ، ومن يعتمدون عليه في رواياتهم ، والله يعلم ، انتهى (١).

قلت : أمّا مغايرة الأسلوب فغير مضرّ ، وسنشير ان شاء الله إلى وجهه.

وأمّا قوله : وروى الشيخ بعض أخباره. إلى آخره ، ثمّ فرّع عليه

__________________

(١) بحار الأنوار ١ : ٣٢.

١٩٧

وجود الكتاب عنده ، وعدم اعتماده عليه ، فهو في غاية الغرابة سيّما من مثله ، إذ ليس فيه إلاّ حديث واحد غير مأخوذ عن هذا الكتاب يقينا ، ونحن نذكر الخبرين حتّى يتبيّن للناظر صدق ما ادّعيناه.

ففي الباب الثامن والسبعين من المصباح وهو في تبجيل الإخوان ، بعد التصدير بكلام الصادق عليه‌السلام ، على ما هو رسم الكتاب وظهور اختتام كلامه عليه‌السلام : قيل لعيسى بن مريم عليه‌السلام : كيف أصبحت؟ قال : « لا أملك نفع ما أرجوه ، ولا أستطيع دفع ما أحذره ، مأمورا بالطاعة ، منهيّا عن المعصية ، فلا أرى فقيرا أفقر منّي ».

وقيل لأويس القرني : كيف أصبحت؟ قال : كيف يصبح رجل إذا أصبح لا يدري أيمسي وإذا أمسى لا يدري أيصبح؟!

قال أبوذر ـ رضي‌الله‌عنه ـ : أصبحت أشكر ربي ، وأشكو نفسي.

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أصبح وهمّته غير الله فقد أصبح من الخاسرين المعتدين » انتهى (١).

وفي مجالس الشيخ ، في مجلس يوم الجمعة ، الثاني من رجب سنة ٤٥٧ : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضّل ، قال : حدّثنا غياث بن مصعب بن عبدة أبو العباس الخجندي الرياطي ، قال : حدّثنا محمد بن حمّاد الشّاسي (٢) ، عن حاتم الأصمّ ، عن شقيق بن إبراهيم البلخي ، عمّن أخبره من أهل العلم ، قال : قيل لعيسى بن مريم عليه‌السلام : كيف أصبحت يا روح الله؟ قال : « أصبحت وربّي تبارك وتعالى من فوقي ، والنار أمامي ، والموت في طلبي ، لا أملك ما أرجو ، ولا أطيق دفع ما أكره ، فأيّ فقير أفقر منّي؟! ».

وقيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أصبحت؟ قال : « بخير من

__________________

(١) مصباح الشريعة : ٤٢٩.

(٢) في المصدر : الشاشي.

١٩٨

رجل لم يصبح صائما ، ولم يعد مريضا ، ولم يشهد جنازة ».

قال : وقال جابر بن عبد الله الأنصاري : لقيت عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ذات يوم صباحا ، فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال : « بنعمة من الله ، وفضل من رجل لم يزر أخا ، ولم يدخل على مؤمن سرورا » قلت : وما ذلك السرور؟ قال : « يفرّج عنه كربا ، أو يقضي عنه دينا ، أو يكشف عنه فاقة ».

قال جابر : ولقيت عليّا عليه‌السلام يوما ، فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال : « أصبحنا وبنا من نعم الله وفضله ما لا نحصيه مع كثير ما نحصيه ، فما ندري أيّ نعمة نشكر ، أجميل ما ينشر ، أم قبيح ما يستر؟ ».

وقيل لأبي ذر ـ رضي‌الله‌عنه ـ : كيف أصبحت يا صاحب رسول الله؟ قال : أصبحت بين نعمتين ، بين ذنب مستور ، وثناء من اغترّ به فهو مغرور.

وقيل للربيع بن خيثم : كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال : أصبحت في أجل منقوص ، وعمل محفوظ ، والموت في رقابنا ، والنار من ورائنا ، ثمّ لا ندري ما يفعل بنا.

وقيل لأويس بن عامر القرني : كيف أصبحت يا أبا عامر؟ قال : ما ظنّكم بمن يرحل الى الآخرة كل يوم مرحلة ، لا يدري إذا انقضى سفره ، أعلى جنّة يرد أم على نار؟! قال : وقال عبد الله بن جعفر الطيّار : دخلت على عمّي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام صباحا ، وكان مريضا ، فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال : « يا بنيّ كيف أصبح من يفنى ببقائه ، ويسقم بدوائه ، ويؤتي من مأمنه ».

وقيل لعليّ بن الحسين عليهما‌السلام : كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال : « أصبحت مطلوبا بثمان : الله تعالى يطلبني الفرائض ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة ، والعيال بالقوت ، والنفس بالشهوة ، والشيطان باتّباعه ،

١٩٩

والحافظان بصدق العمل ، وملك الموت بالروح ، والقبر بالجسد ، فأنا بين هذه الخصال مطلوب ».

وقيل لابنه محمد بن عليّ عليهما‌السلام : كيف أصبحت؟ قال : « أصبحنا غرقى في النعمة ، موفورين بالذنوب ، يتحبّب إلينا إلهنا بالنعم ، ونتمقّت إليه بالمعاصي ، ونحن نفتقر إليه ، وهو غنيّ عنّا ».

وقيل لبكر بن عبد الله المزني : كيف أصبحت؟ قال : أصبحت قريبا أجلي ، بعيدا أملي ، سيّئا عملي ، ولو كان لذنوبي ريح ما جالستموني.

قال : وقيل لرجل من المعمّرين : كيف أصبحت؟ قال :

أصبحت لا رجلا يغدو لحاجته

و لا قعيدة بيت تحسن العملا

وقيل لأبي الرجاء العطاردي ، وقد بلغ عشرين ومائة سنة : كيف أصبحت؟ قال :

أصبحت لا يحمل بعضي بعضا

كأنّما كان شبابي قرضا(١)

وأنت خبير بما بين الخبرين من الطول والاختصار ، ولو كان ما في الأوّل أطول لأمكن احتمال أن يكون الثاني مختصرا منه ، وأمّا العكس فغير متصوّر ، مع أنّ في المقدار المتّفق منهما من الاختلاف ما لا يحتمل أن يكون أحدهما مأخوذا من الآخر.

ثمّ من أين علم أنّ الشيخ أخرج الخبر عنه؟ فلعلّه أخرجه من كتب بعض من ذكر في رجال السند كحاتم الأصمّ ، وشقيق البلخي ، وغيرهما ، والتعبير عنه عليه‌السلام بقوله : عمّن أخبره من أهل العلم منه كما هو الظاهر لا من الشيخ ، بل هذا غير معهود منه ومن غيره من المصنّفين ، فإنّهم إذا أخرجوا خبرا من كتاب ، ما كانوا ليغيّروا بعض ما في سنده أو متنه ، إلاّ ان يقع منهم

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ٢ : ٢٥٣.

٢٠٠