خاتمة مستدرك الوسائل - ج ١

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-85-X
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٣٩٤

الى غير ذلك من الزخارف التي برئت ساحة الكتاب المذكور عنها ، وما ألّف إلاّ على طريقة العلماء الإماميّة ، بل هو من أجلّ ما ألّفوا ، وأحسن ما دوّنوا ، من تقديم ما يحتاج إليه الفقه من مسائل الإمامة ، على أبدع نظم وترتيب ، كما لا يخفى على الناظر اللّبيب.

وأمّا رابعا : فلأنّك تجد في كتب الرجال لكثير من الفرق الباطلة ـ كالزيدية التي هم أبعد الفرق عن الإماميّة. والناووسيّة ، والواقفيّة ، والفطحيّة ـ علماء فقهاء ثقات قد أكثروا من التأليف ، والرواية وجمع الأحاديث وتدوينها ، وتلقّوها عنهم أصحابنا بالرواية والقبول ، ولا تجد في جميع الرواة رجلا إسماعيليّا وإن كان ضعيفا ، فضلا عن كونه ثقة ، أو فقيها ، أو مؤلّفا ، ومنه يظهر أنّهم كانوا في أوّل الأمر خارجين عن حدود الشرائع ، وحفظ الأخبار وروايتها وتدوينها ، غير معدودين من الرواة العلماء.

وقد أشار الى ذلك الشيخ المفيد قدس‌سره في الإرشاد ، فقال : ولمّا مات إسماعيل رحمة الله عليه انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه ، وأقام على حياته شرذمة ، لم تكن من خاصّة أبيه ، ولا من الرواة عنه ، وكانوا من الأباعد والأطراف ، انتهى (١).

وقال العالم الجليل عليّ بن يونس العاملي في كتابه الموسوم « بالصراط المستقيم » بعد ذكر جملة من الفرق الباطلة من الشيعة ، ما لفظه : وهذه الاختلافات لا اعتداد بها لشذوذها ، بل أكثرها لا وجود لها ، وفي انقراضها بطلان قولها.

إن قلت هذا لا يتمّ في الإسماعيليّة ، قلت سنبيّن أنّهم خارجون عن الملّة الحقيقيّة بالاعتقادات الرديّة ، ثم ذكر بعضها (٢)

ويمكن إرجاع هذا الوجه إلى سابقه.

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢١٠.

(٢) الصراط المستقيم ٢ : ٢٧٢.

١٤١

وأمّا خامسا : فلما أشار إليه في بعض المواضع ، منها ما ذكره في آخر أدعية التعقيب ما لفظه : وروينا عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّهم أمروا بعد ذلك بالتقرّب لعقب كلّ صلاة فريضة ، والتقرب أن يبسط المصلّي يديه ، إلى أن ذكر الدعاء ، وهو :

اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد رسولك ونبيّك ، وبعليّ ـ وصيّه ـ وليّك ، وبالأئمّة من ولده الطاهرين الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد ، ويسمّي الأئمّة إماما إماما حتى يسمّي إمام عصره عليهم‌السلام ، ثم يقول. إلى آخره (١).

وغير خفيّ على المنصف أنّه لو كان إسماعيليّا لذكر بعده إسماعيل بن جعفر ، ثم محمّد بن إسماعيل ، إلى إمام عصره المنصور بالله ، والمهدي بالله ، ولم يكن له داع إلى الإبهام ، أمّا باطنا فلكونه معتقده ، وأمّا ظاهرا فلموافقته لطريقة خليفة عصره ، وإنّما الإجمال لكونه إماميّا لا يمكنه إظهار إمامة الكاظم ومن بعده عليهم‌السلام ، بل في ذكره الأسامي الشريفة إلى الصادق عليه‌السلام ، وعدم إجماله من أوّل الأمر بعد عليّ عليه‌السلام ، تصريح بذلك لمن له دربة (٢) بمزايا الكلام.

ومنها روايته عن ابن أبي عمير ، عن الجواد عليه‌السلام كما تقدم (٣). وكذا عن حذيفة بن منصور ، عن إسماعيل بن جابر ، عن الرضا عليه‌السلام.

وقال الشيخ المفيد قدس‌سره في الإرشاد بعد ذكر فرق الإسماعيليّة : والمعروف منهم الآن من يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في ولده ، وولد ولده إلى آخر الزمان (٤).

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٧١ باختلاف.

(٢) الدربة : العادة والجرأة ( لسان العرب ١ : ٣٧٤ )

(٣) مرّ التعليق عليهما في صحيفة : ١٣٢.

(٤) الإرشاد ٢ : ٢١٠.

١٤٢

وفيه تأييد لما استظهرناه ، وطبقته تقرب من عصر القاضي ، فإنّ موت القاضي كان في شهر رجب سنة ٣٦٣ ه‍. ق بمصر.

ومنها ما رواه في ذكر العقائق ، وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه نهى عن أربع كنى ـ إلى أن قال ـ وأبي القاسم إذا كان الاسم محمّدا ، نهى عن ذلك سائر الناس ورخّص فيه لعليّ عليه‌السلام ، وقال : « المهديّ من ولدي ، يضاهي اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي » (١).

ومنها مطابقة كثير من متون أخباره لما في الجعفريات ، بحيث تطمئنّ النفس أخذها منها ، وقد عرفت أنّ سند أخبارها ينتهي إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وحاله عند الإسماعيليّة يعرف ممّا تقدّم ، وفي عصرنا هذا يأتون من هذه الطائفة من بلاد الهند إلى زيارة أمير المؤمنين ، وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، وينزلون بغداد ، ويسيرون منه الى كربلاء ولا يمرّون الى بلد الكاظم عليه‌السلام ، بل تواتر عنهم أنّ طاغوتهم حرّم عليهم النظر الى قبّته المباركة من بعيد ، بل حدّثني جماعة أنّهم يسبّونه نعوذ بالله من الخسران.

ومن ذلك كلّه ظهر أنّ ما ذكره صاحب المقابس من النظر فيما ذكره السروي في محلّه ، وأنّ احتمال كونه من الإسماعيليّة بمكان من الوهن (٢).

الرابع : فيما ذكره صاحب المقابس وهو قوله : إلاّ أنّه مع ذلك خالف فيه الأصحاب في جملة من الأحكام المعلومة عندهم ، بل بعض ضروريّات مذهبهم كحلّية المتعة. إلى آخره (٣).

قلت : ما ذكره حقّ ، فقد خالف القوم في جملة من المواضع في فروع الأحكام ، إلاّ أنّه معذور في ذلك من وجوه :

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ : ١٨٨ حديث ٦٨٣.

(٢) مقابس الأنوار : ٦٦.

(٣) مقابس الأنوار : ٦٦.

١٤٣

الأوّل : إنّه لم يخالف في موضع منها إلاّ لما ساقه الدليل ، من ظاهر كتاب أو سنّة ، ولم يتمسّك في موضع بالقياس ، والاستحسان ، والاعتبارات العقليّة ، والمناطات الظنّية ، ولم يبلغ اجتماع الأخبار في عصره الى حدّ يقف عليه كلّ مؤلّف مستنبط ، فيسهل عليه معرفة مشهورها ، وآحادها ، وشواذها ، ونوادرها ، وربّما كان ما تمسّك به أكثر ممّا ذكره واطّلعنا عليه ، وذهب فيما ذهب ممّا لم يصل إلينا.

وقال هو رحمه‌الله بعد مسائل الشكّ واليقين ، في الوضوء والحدث : فهذا هو الثابت ممّا روينا في هذا الباب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن الأئمّة الطاهرين من ذريّته عليهم‌السلام دون ما اختلف فيه عنهم عليهم‌السلام ، وعلى ذلك تجري أبواب كتابنا هذا إن شاء الله لما قصدنا فيه من الاختصار وإلاّ فقد كان ينبغي لنا أن نذكر كلّ ما اختلف الرواة فيه عنهم عليهم‌السلام ، وندلّ على الثابت ممّا اختلفوا بالحجج الواضحة ، والبراهين اللائحة ، وقد ذكرنا ذلك في كتاب غير هذا كثير الأجزاء ، لكن تعظم المئونة فيه ، ويثقل أمره على طالبيه ، وهذا لبابه ومحضه والثابت منه ، ولولا ما وصفناه أيضا من التطويل بلا فائدة ، لذكرنا قول كلّ قائل من العامّة يوافق ما قلنا وذهبنا اليه ، وقول من خالف ذلك والحجّة عليه ، ولكن هذا يكثر ويطول ولا فائدة فيه ، لأنّ الله بحمده قد أظهر أمر أوليائه وأعزّ دينه ، وجعل الأحكام على ما حكموا به وذهبوا اليه ، والدّين على ما عرفوه ودلّوا عليه ، فهم حجج الله على الخلق أجمعين (١) ، انتهى.

وما ذكرنا هو الوجه فيما نسب الى القدماء المقاربين عصره ، ممّا لا ريب في جلالتهم ، من الأقوال النادرة ، حتى من مثل يونس بن عبد الرحمن ، وفضل

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٠٣.

١٤٤

ابن شاذان ، فلا تغفل.

الثاني : إنّه لم تكن الأحكام في تلك الأعصار بين فقهاء أصحابنا منقّحة متميّزة ، يتبيّن لكلّ أحد المجمع عليه منها من غيره ، والمشهور منها عمّا سواه ، وهذا باب لو دخلنا فيه أخرجنا من وضع الكتاب ، ولعلّه غير خفيّ على البصير النقّاد ، ومعه لا طعن على من ساقه الدليل إلى ما خالف فيه أصحابه.

مع أنّ الشيخ المفيد قدس‌سره قال في المقالات : ولم يوحشني من خالف فيه ، إذ بالحجّة لي أتمّ انس ، ولا وحشة من حق (١).

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في بعض رسائله : لا يوجب أن يوحش من المذهب قلّة الذاهب إليه والعاثر عليه ، بل ينبغي أن لا يوحش منه إلاّ ما لا دلالة له تعضده ، ولا حجّة تعمده.

الثالث : إنّه ما خالف في فرع غالبا إلاّ ومعه موافق معروف ، ولولا خوف الإطالة لذكرنا نبذة من ذلك ، نعم في مسألة المتعة لا موافق له ، إلاّ أنّ بعد التأمّل ظهر لي أنّه ذكر ذلك على غير وجه الاعتقاد ، وإن استند للحرمة إلى أخبار رواها تقيّة أو تحبّبا الى أهل بلاده ، فإنّها عندهم من المنكرات العظيمة ، والشاهد على ذلك ، مضافا الى بعد خفاء حلّيتها عند الإماميّة عليه ، أنّه ذكر في كتاب الطلاق في باب إحلال المطلقة ثلاثا ما لفظه : وعنه ـ يعني جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ـ أنّه قال : « من طلّق امرأته ( أي ثلاثا ) (٢) فتزوّجت تزويج متعة ، لم يحلّها ذلك له » (٣).

ولولا جوازها وعدم كونها الزنا المحض ، لم يكن ليوردها في مقام ما اختاره من الأحكام الثابتة عنهم ، بالأثر الصحيح ، وهذا ظاهر والحمد لله.

__________________

(١) المقالات : ١٢٩ ، باب القول في الألم للمصلحة دون العوض ، الظاهر أن الرواية نقلها عن جعفر بن محمد عليه‌السلام كما يظهر من عبارة المصدر.

(٢) لم ترد في المخطوطة ولا في المصدر.

(٣) دعائم الإسلام ٢ : ٢٩٧ / ١١١٩.

١٤٥

ومثله ما ذكره في باب ذكر الحدّ في الزنا ما لفظه : وعن علي صلوات الله عليه : « ولا يكون الإحصان بنكاح متعة » (١) ، ودلالته على ما ادّعيناه أوضح.

الرابع : بعد محل إقامته عن مجمع العلماء والمحدّثين ، والفقهاء الناقدين ، وتعسّر اطّلاعه على زبرهم وتصانيفهم ، وآرائهم وفتاويهم ، لطول المسافة وصعوبة السير ، وقلّة التردّد ، خصوصا بعد تعدّد الخليفة ، فإنّه كان في مصر ، وكانت تحت ملوك الفاطميين ، والأصحاب في أقطار العراق والعجم ، وكانت في تصرّف العباسيّين ، ومن جميع ذلك ظهر عذره في المخالفة في بعض الفروع.

وظهر الجواب عمّا أشار إليه بقوله : ولعدم اشتهاره. إلى آخره ، فإنّه لعدم اطّلاعهم عليه وعدم حاجتهم إليه. فإنّ جلّ الفقهاء من بعد زمان الشيخ ، إلى عصر صاحب البحار والوسائل قدس‌سرهم ، عكفوا على الكتب الأربعة التي عليها تدور رحى الإماميّة ، ولم يتجاوزوا عنها ، ولم يستندوا الى غيرها ، إلاّ المحقّق ، والشهيد ، في مواضع نادرة ، ينقلون عن بعض الأصول التي كانت عندهما ، لا لإعراض منهم عن سائر الكتب وعدم اعتمادهم عليها ، خصوصا مثل العلل ، والأمالي ، وثواب الأعمال ، وغيرها من كتب الصدوق ، وكتاب قرب الإسناد ، والمحاسن ، وغيرهما من الكتب المعتمدة ، التي لا يحتمل ذو مسكة أنّ عدم النقل عنها لوهن في الكتاب ، أو ضعف في صاحبه ، بل هو لما ذكرناه ، أو لعدم العثور عليها.

وأمّا صاحب الوسائل فلم يعلم أنّ عدم نقله عن الدعائم لعدم اعتماده عليه ، بل الظاهر أنّه لعدم عثوره عليه ، فإنّه قال في آخر كتاب الهداية ـ وهو مختصر الوسائل ـ في ذكر الكتب التي لم ينقل عنها : إمّا لقلّة ما فيها من النصوص وعدّ منها جملة ، أو لعدم ثبوت الاعتماد عليه ، وعدّ منها فقه الرضا ، وطبّه عليه‌السلام ، أو ثبوت عدم اعتباره ، وعدّ منها مصباح الشريعة (٢).

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ : ٤٥١ / ١٥٧٧.

(٢) الهداية : مخطوط.

١٤٦

وقال في أمل الآمل : وعندنا أيضا كتب لا نعرف مؤلّفيها ، وعدّ منها عشرة (١) ، وليس لهذا الكتاب ذكر في الموضعين ، ومن البعيد أنّه كان عنده ولم يشر إليه ، لأنّه إن عرف صاحبه ، وأنّه هو القاضي نعمان ـ فقد مدحه في أمله ـ فينبغي ذكره فيما اعتمد عليه ونقل عنه. وإن لم يعرفه فذكره في الكتب المجهولة أولى من ذكر طبّ الرضا عليه‌السلام ، والكشكول الذي ليس فيه حكم فرعيّ أصلا.

ثمّ إنّ ابن شهرآشوب وإنّ صرّح بكونه غير إماميّ ، إلاّ أنّه قال : وكتبه حسان (٢) ، وقد نقل في مناقبه عن كتابه شرح الأخبار (٣) ، الذي هو من نفائس الكتب الدالّة على كثرة فضله ، وطول باعه ، وخلوص ولائه.

وفي السرائر في باب التيمّم : وذهب قوم من أصحابنا إلى المسح (٤) من أصول الأصابع إلى رؤوس الأصابع (٥).

قال في الجواهر : وهو محجوج بجميع ما تقدّم من الأخبار ومحكيّ الإجماع ، بل لعلّه كسابقه لا يقدح في المحصّل منه ، وإن جهل نسبه عندنا ، لكنّه مع عدم اعتبار ذلك في الإجماع عندنا معروف عند ناقله على الظاهر ، وإنّه غير الإمام. إلى آخره (٦).

وظنّي أنّ المراد منه صاحب الدعائم فإنّه مذهبه فيه (٧) ، والله العالم.

ومن الغريب من بعد ذلك كلّه ، ما في روضات الجنات للسيد الفاضل

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ٣٦٤.

(٢) معالم العلماء : ١٢٦ / ٨٥٣.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٦.

(٤) في المصدر هنا زيادة : على اليدين.

(٥) السرائر ١ : ١٣٧.

(٦) جواهر الكلام ٥ : ٢٠٣.

(٧) راجع دعائم الإسلام : ١ : ١٢٠.

١٤٧

المعاصر رحمه‌الله تعالى فإنّه بعد ما نقل في ترجمته ما في أمل الآمل ، ومقدمة البحار ، قال : ولكنّ الظاهر عندي أنّه لم يكن من الإماميّة الحقّة ، وإن كان في كتبه يظهر الميل إلى طريقة أهل البيت عليهم‌السلام ، والرواية من أحاديثهم من جهة مصلحة وقته ، والتقرّب الى السلاطين من أولادهم ، وذلك لما حقّقناه مرارا في ذيل تراجم كثير ممّن كان يتوهّم في حقّهم هذا الأمر ، بمحض ما يشاهد في كلماتهم من المناقب والمثالب ، اللتين يجريهما الله تعالى على ألسنتهم الناطقة ، لطفا منه بالمستضعفين من البريّة.

وأنت تعلم أنّه لو كان لهذه النسبة واقعا ، لذكره سلفنا الصالحون وقد ماؤنا الحاذقون بأمثال هذه الشؤون ، ولم يكن يخفى ذلك إلى زمان صاحب الأمل الذي من فرط صداقته يقول بشيعيّة أبي الفرج الأصبهاني الخبيث ، كما قدّمنا ذلك في ذيل ترجمته ، ثمّ نقل كلام السروي ، وما ذكره العلامة الطباطبائي في رجاله ، وقال بعده : وقد وافق في جميع ما ذكره خاله العلامة المعظم عليه ، من نهاية حسن ظنّه به وبكلامه ، انتهى (١).

وفيه مواضع للنظر :

أمّا أولا : فلأنّ كتاب الدعائم كلّه في فقه الإماميّة ، وفروعها وأحكامها ، مستدلاّ عليها بأخبار أهل البيت عليهم‌السلام ، على أحسن نظم وترتيب ، بل ليس في أيدينا من علماء تلك الأعصار ما يشبهه في الوضع والتنقيح ، مفتتحا بمسائل في الإمامة وشروطها ، وفضائل الأئمّة عليهم‌السلام ووصاياهم ، وشرح عدم جواز أخذ الأحكام الدينيّة عن غيرهم ، كسائر كتب أصحابنا في هذا الباب ، وما ذكره من إظهار الميل في كتبه إنّما هو في مثل كتاب الراغب الأصبهاني وأضرابه ، ممّن يظهر من بعض كلماتهم واسلوبهم ميلهم الى التشيّع ، وأين هذا من كتاب بني أساسه على التشيّع ، وعلى ما ذكره يفتح باب عظيم

__________________

(١) روضات الجنات ٨ : ١٤٩.

١٤٨

للطعن على كثير من العلماء ، الذين كانوا في عصر السلاطين الفاطميّة ( في مصر ) ، كالعلامة الكراجكي ، أو الصفويّة وغيرها.

وظنّي أنّه رحمه‌الله لم يقف على الدعائم ، ولا على شرح الأخبار ، فصدر منه ما صدر ، وقاس على ما ليس له أساس.

وأمّا ثانيا : فلأنّ سبب عدم ذكرهم له لا ينحصر فيما ذكره ، بل لوجوه أشرنا إليها ، مع أنّهم قد أهملوا جمّا من الأعلام ، أرباب التصانيف الرائقة ، والمؤلّفات الرشيقة ، كجعفر بن أحمد القمي رحمه‌الله ( المتقدّم ذكره ) (١) وفرات ابن إبراهيم الكوفي صاحب التفسير ، ومحمّد بن عليّ بن إبراهيم صاحب العلل ، والحسن بن عليّ بن شعبة صاحب تحف العقول ، والسيد عليّ بن الحسين بن باقي صاحب اختيار المصباح ، والحسن بن أبي الحسن الديلمي صاحب إرشاد القلوب ، وغرر الأخبار ، وغيرها ، وسبط الطبرسي صاحب مشكاة الأنوار ، وغيرهم ممّن تقدّم عنهم أو تأخّر ، وقد وقف على كتبهم وحالاتهم المتبحّرون من المتأخّرين ، ولا يوجب سقوط قلم السلف عن ذكر أساميهم الشريفة للغفلة ، أو لعدم الاطّلاع ، أو للعجلة طعنا فيهم.

وأمّا ثالثا : فلأنّ القاضي قد ذكره في مجالسه (٢) قبل صاحب الأمل.

وفي الرياض ، في ترجمة ـ معين الدين المصري ـ سالم بن بدران : وعندنا رسالة في الفرائض من مؤلّفات الشيخ معين الدين المصري هذا ، قال : وهو ينقل مرارا من كتب القاضي نعمان المصري ، مؤلّف كتاب دعائم الإسلام ، وغيره فتدبّر (٣).

وأمّا رابعا : فلما في رسالة شريفة ، في فهرست كتب الشيخ الفقيه أبي

__________________

(١) لم ترد في المخطوطة.

(٢) مجالس المؤمنين ١ : ٥٣٨.

(٣) رياض العلماء ٢ : ٤١١.

١٤٩

الفتح محمد بن عثمان بن علي الكراجكي ، عملها بعض معاصريه ، فإنّ فيها ما لفظه : مختصر كتاب الدعائم للقاضي النّعمان ، عمله وهو من جملة فقهاء الحضرة ، كتاب الاختيار من الأخبار ، وهو اختصار كتاب الأخبار للقاضي النعمان ، يجري مجرى اختصار الدعائم ، والظاهر أنّ المراد منه شرح الأخبار الآتي ، وفيه من الدلالة على جلالة قدره ما لا يخفى ، ولم أعرف صاحب الفهرست ، إلاّ أنّ في موضع منه هكذا : كتاب غاية الإنصاف في مسائل الخلاف ، يتضمّن النقض على أبي الصلاح الحلبي ـ رحمه‌الله ـ في مسائل خلف بينه وبين المرتضى رضي‌الله‌عنه ، نصر فيها رأي المرتضى ، ونصر والدي رحمه‌الله.

وفي موضع آخر : جواب رسالة الحازميّة في إبطال العدد وتثبيت الرؤية ، وهي الردّ على أبي الحسن بن أبي حازم المصري ، تلميذ شيخي رحمة الله عليه عقيب انتقالي من العدد ، أربعون ورقة ، ومن ذلك يظهر أنّه ووالده من فقهاء عصرهما ، ولعلّي أقف على مؤلّفه ان شاء الله تعالى.

وأمّا خامسا : فقوله في حقّ صاحب الأمل : إنّه من فرط صداقته .... إلى آخره ، فإنّه من غرائب الكلام ، فإنّ أبا الفرج ما ترجمه أحد من الفريقين إلاّ وصرّح بتشيّعه ، وإنّه كان زيديّا ، والزيدية من فرق الشيعة ، كما صرّح به كل من تعرّض لذكر المذاهب في كتاب الوقف ، بل الفقهاء وغيره.

وذكره النجاشي (١) ، والعلامة في الخلاصة (٢) ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء (٣) ، وتبعهم صاحب الأمل في ذكره في سلك الرّواة والعلماء ، ولم يزد في

__________________

(١) لم نعثر في رجال النجاشي المطبوع على ترجمة لأبي الفرج الأصفهاني مستقلة وانما ذكره في ترجمة علي بن إبراهيم بن محمد الجواني : ٢٦٣ / ٦٨٧.

(٢) خلاصة الأقوال : ٢٦٧.

(٣) معالم العلماء : ١٤١ / ٩٨٦.

١٥٠

مقام تعيين مذهبه إلاّ أن قال : وكان شيعيّا (١) ، تبعا للعلاّمة قدس‌سره في الخلاصة.

فأيّ صداقة فيما فعله ، وإنّما الصداقة فيما فعله هو رحمه‌الله في كتابه ، فقال ما لفظه : باب ما أوّله الطاء والظاء من أسماء فقهاء أصحابنا الأمجاد ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ السيّد طالب بن علي. إلى آخره (٢) ثم قال : الشيخ أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني ، كان من أهل اليمن ، ومن أبناء الفرس ، وأحد الأعلام التابعين ، سمع من ابن عبّاس ، وأبي هريرة ، وروى عنه مجاهد ، وعمرو بن دينار ، وهو في طبقة مالك بن دينار ، والمنسلكين على طريقته ، ثم نقل شرح حاله ومدائحه من كتاب تلخيص الآثار ، ومن تاريخ ابن خلّكان ، وذكر بعده حكاية ملاقاته للسجاد عليه‌السلام في المسجد الحرام ، في الحجر وتحت الميزاب (٣) ، ولم ينقل من أحد من العلماء في حقّه شيئا ، ولم يذكر قرينة ولو ضعيفة تدلّ على ميلة إلى التشيّع ، فضلا عن الإماميّة ، فضلا عن كونه من فقهاء أصحابنا الأمجاد ، وهذا منه مما لا ينقضي تعجّبه ، فإنّ الرجل من فقهاء العامّة ومتصوّفيهم ، لم يشكّ فيه أحد ، ولم يذكره أحد من علماء الرجال في كتبهم الرجاليّة ، ولم يسندوا إليه خبرا في مجاميعهم في الأحاديث ، أصولا وفروعا ، وكان من التابعين المعروفين ، القاطنين في أرض الحجاز ، معاصرا للسجّاد والباقر عليهما‌السلام.

نعم عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب السجّاد عليه‌السلام (٤) ، ولعلّه للحكاية المتقدّمة ، وإلاّ فليس في الكتب الأربعة خبر واحد أسند إليه ، مع أنّه

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ١٨١ / ٥٤٨.

(٢) روضات الجنات ٤ : ١٣٨ / ٣٦٢.

(٣) روضات الجنات ٤ : ١٤٢.

(٤) رجال الطوسي : ٩٤ / ٣.

١٥١

من الفقهاء الذين يذكرون أقواله في كتب الفروع ، مع أنّ ما ذكره في ترجمته كاف في الدلالة على تسنّنه ، فإنّ من كان شيخه أبا هريرة ، وراويه مجاهد وعمرو ابن دينار ، لحريّ بأن يعدّ من كلاب أصحاب النّار ، بل في حكاية ملاقاته مع السجّاد عليه‌السلام التي أوردها ـ وأورثت في قلبه حسن الظنّ به ـ ما يشعر بانحرافه ، ففي أحدها عن طاوس ، قال : كنت في الحجر ليلة إذ دخل عليّ ابن الحسين صلوات الله عليهما ، فقلت : رجل من أهل بيت النبوّة ولأسمعنّ دعاءه ... الخبر.

وأنت خبير بأنّ قوله : رجل من أهل بيت النبوّة كلام من لم يعرفه عليه‌السلام إلاّ بالسيادة ، وشطر من العلم والزهادة ، ولو عرفه عليه‌السلام بالولاية والإمامة ، مع ما يعتقدون في حقّه من الفقه والنّسك ، لعبّر عنه لا محالة بقوله : سيّدي ومولاي ، وما أشبه ، أرأيت أحدا من أجلاّء أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام يعبّر عن واحد منهم بهذا التّعبير السّخيف.

وفي حكاية أخرى عنه ، قال : رأيت رجلا في المسجد الحرام تحت الميزاب ، وهو يدعو ويبكي ، فجئته وقد فرغ من الصلاة ، فإذا هو عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، فقلت له : يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا وكذا ، ولك ثلاثة أرجو أن يؤمنك من الخوف : أحدها أنّك ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثاني شفاعة جدّك ، والثالث رحمة الله ، فقال : يا طاوس. وأجابه بما هو معروف ، وهذا في الدلالة كسابقه ، فإنّ من كان يعتقد فيهم عليهم‌السلام أدنى ما يجب اعتقاده في الإيمان ، فكيف بمثله من أهل الفضل والعرفان ، لا يشافهه بهذا الكلام وإن كان صادقا فيه.

وذكر الشيخ ورّام ابن أبي فراس قدس‌سره في تنبيه الخاطر : أنّه دخل على جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، فقال له : « أنت طاوس » قال : نعم ، فقال عليه‌السلام : « طاوس طير مشوم ، ما نزل بساحة قوم إلاّ آذنهم

١٥٢

بالرحيل ». ولا يخفى ما فيه من الإشارة إلى نكارته وخباثته (١).

وقريب منه ما رواه الراوندي في قصص الأنبياء ، بإسناده عن ابن بابويه قدس‌سره ، عن محمد بن ماجيلويه ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن ابن أورمة ، عن عمر بن عثمان ، عن العبقري ( عن أسباط ) (٢) عن رجل حدّثه عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : أنّ طاووسا قال في المسجد الحرام : أوّل دم وقع على الأرض دم هابيل حين قتله قابيل ، وهو يومئذ قتل ربع الناس ، قال له عليّ زين العابدين عليه‌السلام : « ليس كما قلت ، إنّ أوّل دم وقع على الأرض دم حوّاء حين حاضت ، يومئذ قتل سدس الناس ، كان يومئذ آدم ، وحوّا ، وهابيل ، وقابيل ، واختاه ». الخبر (٣).

وفي البحار عن اعلام الدين للديلمي : روي أنّ طاوس اليماني دخل على جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، وكان يعلم أنّه يقول بالقدر ، فقال له : « يا طاوس من أقبل للعذر من الله ممّن اعتذر ، وهو صادق في اعتذاره » فقال : لا أحد أقبل للعذر منه ، فقال له : « من أصدق ممّن قال لا أقدر وهو لا يقدر » فقال طاوس : لا أجد أصدق منه ، فقال الصادق عليه‌السلام له : « يا طاوس فما بال من هو أقبل للعذر ، لا يقبل عذر من قال لا أقدر وهو لا يقدر » ، فقام طاوس وهو يقول : ليس بيني وبين الحقّ عداوة ، الله أعلم حيث يجعل رسالته ، فقد قبلت نصيحتك (٤).

وفيهما من الدلالة ـ على أنّه بمراحل عمّا نسبه إليه ـ ما لا يخفى.

وفي منتخب بصائر سعد بن عبد الله للحسن بن سليمان الحليّ : عن

__________________

(١) مجموعة ورام ١ : ١٥.

(٢) لم يرد في المخطوطة.

(٣) قصص الأنبياء للراوندي : ٥٩ / ٣٦.

(٤) بحار الأنوار ٥ : ٥٨ حديث ١٠٥ ، اعلام الدين : ٣١٧.

١٥٣

محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن محمد بن مسلم ، قال : دخلت أنا وأبو جعفر عليه‌السلام مسجد الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا طاوس اليماني يقول لأصحابه : أتدرون متى قتل نصف الناس ، فسمع أبو جعفر عليه‌السلام قوله : نصف الناس ، فقال : « إنما هو ربع الناس ، إنّما هو آدم وحوّا وقابيل وهابيل » ، قال : صدقت يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. الخبر (١).

ورواه الراوندي في القصص : بإسناده عن الصدوق ، عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن عليّ بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : كان أبو جعفر الباقر عليه‌السلام جالسا في الحرم ، وحوله عصابة من أوليائه إذ أقبل طاوس اليماني في جماعة ، فقال : من صاحب الحلقة ، قيل : محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : إيّاه أردت ، فوقف بحياله ، وسلّم وجلس ، ثم قال : أتاذن لي في السؤال ، فقال الباقر عليه‌السلام : « قد آذنّاك فاسأل » قال : أخبرني بيوم هلك ثلث الناس ، فقال : « وهمت يا شيخ أردت أن تقول ربع الناس ، وذلك يوم قتل هابيل كانوا أربعة : هابيل ، وقابيل ، وآدم ، وحوّا ، فهلك ربعهم » قال : أصبت ، ووهمت. الخبر (٢).

هذا ، ومن راجع الكتب الفقهيّة ، وعدّهم قوله في قبال أقوال أصحابنا مع المخالفة ، ومع الموافقة إدخالهم إيّاه فيمن وافقنا من فقهاء العامّة ، لا يكاد يحتاج الى التجشّم في إبداء الامارة على انحرافه ، وكأنّ الفاضل المذكور لم يكن له عهد بها.

__________________

(١) منتخب البصائر : ٦٠.

(٢) قصص الأنبياء للراوندي : ٦٦ / ٤٧.

١٥٤

ولنشر الى بعض المواضع ، وباقيها موكول على همّة المراجع :

فمنها ما في المعتبر : وآخر وقت فضيلة الظهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله ، ثمّ يمتد وقت الإجزاء حتى يبقى للغروب قدر أربع ركعات ، فيخلص الوقت للعصر ، وبهذا قال علم الهدى قدس‌سره ، وابن الجنيد قدس‌سره ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، إلى أن قال في ردّ أبي حنيفة ـ القائل بأنّ آخر وقته إذا صار ظلّ الشخص مثليه ـ : ولأنّ الحائض تؤدّي الظهر والعصر إذا طهرت قبل أن تغرب الشمس ، ذهب إليه طاوس ، ومجاهد ، والنخعي ، والزهري ، وربيعة ، ومالك ، واللّيث ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل ، ورواه الأثرم ، وابن المنذر. إلى آخره (١).

ومنها ما في التذكرة في مسألة آخر العشاء : وقال مالك : يمتدّ وقتها إلى طلوع الفجر ، وبه قال عطاء ، وطاوس ، كما يقول في الظهر والعصر (٢).

وفيها أيضا : لو وجد الماء بعد فراغه من الصلاة لم يعد ، وهو قول عامّة العلماء ـ الى أن قال ـ وقال طاوس : يعيد ما صلّى بالتيمّم فإنّه بدل ، فإذا وجد الأصل انتقض حكم البدل ، كالحاكم إذا حكم بالقياس ، ثمّ وجد النصّ بخلافه ، وهو خطأ (٣).

وفي المعتبر : واتّفق العلماء على أنّ ميقات أهل العراق العقيق ، لكن اختلفوا في وجه ثبوته ، فقال الأصحاب : ثبت نصّا ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وقال طاوس وابن سيرين : ثبت قياسا ، لما روي عن ابن عمر قال : لمّا فتح المصران (٤) أتوا عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين إنّ رسول الله صلّى الله

__________________

(١) المعتبر : ١٣٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣١٢ مسألة ٣١.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢١٢ ـ ٢١٣ مسألة ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٤) في هامش المخطوطة والحجرية : يعني الكوفة والبصرة.

١٥٥

عليه وآله حدّ لأهل نجد قرن المنازل ، وإنّا إذا أردنا قرن المنازل شقّ علينا ، قال : فانظروا حذوها فحدّ لهم ذات عرق ، لنا ما رووه عن ابن عبّاس ـ الى أن قال ـ ومن طريق الأصحاب روايات. إلى آخره (١).

وفيه : لو ائتمّ المسافر بالمقيم لم يتمّ ، واقتصر على فرضه وسلّم منفردا ، واتّفق الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد على وجوب المتابعة ، سواء أدركه في آخر الصلاة أو أوّلها ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تخلفوا عن أئمّتكم » وقال الشعبي وطاوس : له القصر. إلى آخره (٢) وفي هذا القدر كفاية للناظر البصير.

وقال النقّاد الخبير الآميرزا عبد الله الأصفهاني في الصحيفة الثالثة : روى ابن شهرآشوب في مناقبه ، عن طاوس اليماني ، الفقيه من العامّة ، أنّه قال : رأيت عليّ بن الحسين عليهما‌السلام (٣) الخبر.

ثمّ إنّه رحمه‌الله عكس الأمر في ترجمة القطب الرازي ، فجعله من علماء العامّة (٤) ، خلافا لكلّ من تعرّض لحاله ، وشرح ذلك يأتي ان شاء الله تعالى.

وأمّا سادسا : فقوله في حقّ العلاّمة الطباطبائي : إنّه وافق خاله ـ يعني العلامة المجلسي قدس‌سرهما ـ لحسن ظنّه به. فإنّه أجلّ قدرا ، وأعظم شأنا ، وأرفع مقاما من أن يظنّ في حقّه ذلك ، كما لا يخفى على من وقف على حاله.

هذا وقال الفاضل الآميرزا عبد الله قدس‌سره في رياض العلماء في ترجمته : واعلم أنّ من مؤلّفات القاضي نعمان هذا كتاب مختصر الآثار ، وقد رأيت في

__________________

(١) المعتبر : ٣٤٢.

(٢) المعتبر : ٢٥٥.

(٣) الصحيفة السجادية الثالثة : ١٩١.

(٤) روضات الجنّات ٦ : ٣٨ / ٥٥٩.

١٥٦

خطّة لار مجموعة عتيقة ، مشتملة على نسخة صحيفة ابن أشناس البزاز ، وفي تلك المجموعة أدعية كثيرة ، منقولة من كتاب مختصر الآثار المذكور ، وعندنا نسخة من تلك الأدعية ، ويظهر من مطاويها أنّ ذلك الكتاب أيضا على نهج كتاب دعائم الإسلام ، وإنّه أيضا في ذكر أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ، وفقههم إلى آخر أبواب الفقه.

وقد تعرّض الكاتب أيضا في تلك الأدعية لاختلاف النسخ ، التي كانت بين ما وقع في كتاب دعائم الإسلام ، وفي كتاب مختصر الآثار المذكور.

ثمّ إنّ عندنا نسخة عتيقة جدّا من النصف الأخير من كتاب دعائم الإسلام له ، وعلى حواشيها فوائد جليلة كثيرة ، من كتاب مختصر الآثار له أيضا.

واعلم أنّ أصل كتاب الآثار النبويّة للقاضي النعمان المذكور أيضا في الفقه ، ثمّ اختصر منه كتاب مختصر الآثار.

ثمّ نقل كلام ابن خلّكان ، وما ذكره أستاذه في أوّل البحار ، ثمّ تأمّل في كونه من الاثني عشريّة لعدم الدليل عليه ، قال : من أين علم أنّه كان من أصحابنا ، وأنّه اتّقى الخلفاء الإسماعيليّة؟ فهل هذا إلاّ مجرّد دعوى واحتمال. إذ ما الدليل على أنّه لم يكن إسماعيليّا حقيقة من بين مذاهب الإمامية؟ فتأمّل ، انتهى (١).

وقد عرفت بحمد الله القرائن على كونه اثنا عشريّا ، والدليل على أنّه لم يكن إسماعيليّا.

تنبيه : ولا بدّ من ذكر ما صدّر به الكتاب ، ليعرف أنّه ما أخرج فيه إلاّ الخبر الثابت الصحيح ، عن الأئمة الأطياب عليهم‌السلام قال : فإنّه لمّا كثرت الدعاوي والآراء ، واختلفت المذاهب والأهواء ، واخترعت الأقاويل اختراعا ،

__________________

(١) رياض العلماء ٥ : ٢٧٥.

١٥٧

وصارت الأمة شيعا ، وافترقوا افتراقا ، ودرس أكثر السنن وانقطع ، ونجم حادث البدع فارتفع ، واتّخذت كلّ فرقة من فرق الضلال رئيسا لها من الجهّال ، فاستحلّت بقوله الحرام ، وحرّمت به الحلال ، تقليدا له واتّباعا لأمره ، بغير برهان من كتاب ولا سنّة ، ولا بإجماع جاء من الأمّة ، فذكرنا عند ذلك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لتسلكنّ سبيل الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه ، فكانت الأمّة ـ إلاّ من عصمه الله منها بطاعته ، وطاعة رسوله وأوليائه ، الذين افترض الله طاعتهم ـ في ذلك كمن حكى الله عزّ وجلّ نبأه من الأمم السالفة ، بقوله جلّ وعزّ : ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) (١).

وروينا عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، أنّه تلا هذه الآية فقال : « والله ما صاموا لهم ، ولا صلّوا إليهم ، ولكنّهم أحلّوا لهم حراما فاستحلّوه ، وحرّموا عليهم حلالا فحرّموه ».

وروينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « إذا ظهرت البدع في أمّتي ، فليظهر العالم علمه ، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله ».

وقد رأينا وبالله التوفيق عند ظهور ما ذكرناه ، أن نبسط كتابا جامعا مختصرا ، يسهل حفظه ، ويقرب مأخذه ، ويغني ما فيه من جمل الأقاويل ، عن الإسهاب والتطويل ، نقتصر فيه على الثابت الصحيح ، ممّا رويناه عن الأئمّة من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين ، من جملة ما اختلف فيه الرّواة عنهم ، في دعائم الإسلام ، وذكر الحلال والحرام ، والقضايا والأحكام.

فقد روينا عن أبي جعفر محمد بن عليّ عليهما‌السلام ، أنّه قال : « بني الإسلام على سبع دعائم : الولاية وهي أفضلها ، وبها وبالوليّ يوصل إلى

__________________

(١) التوبة ٩ : ٣١.

١٥٨

معرفتها ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم [ والحج ] (١) والجهاد (٢). إلى آخره.

وقال الچلبي في كشف الظنون : دعائم الإسلام : وفي سنة ست عشرة وأربعمائة أمر الظاهر ، فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكيّين ، وأمر الدعاة الوعّاظ أن يعظوا من كتاب دعائم الإسلام ، وجعل لمن حفظه مالا ، انتهى (٣).

فانظر إلى شدّة تعصّبه ، حيث لم يذكر اسم مؤلّفه ومذهبه ، مع طول باعه وبنائه عليه ، وعلى ذكر تأريخ وفاته.

__________________

(١) ما بين معقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ١ ـ ٢.

(٣) كشف الظنون ١ : ٧٥٥.

١٥٩

٢٦ ـ كتاب شرح الأخبار :

للقاضي النعمان المذكور أيضا ، وهو مقصور في الفضائل والمناقب ، وشطر من المثالب ، مشتمل على سبعة (١) أجزاء ، ينبئ عن كثرة اطّلاعه ، وطول باعه ، وفضله وكماله.

عثرنا بحمد الله تعالى على نسخة عتيقة منه ، إلاّ أنّه ناقص من أوّله وآخره ، أظنّه أوراقا يسيرة ، قال في آخر الجزء السادس : فهذه نكت قد ذكرناها كما شرطنا مختصرا ، من مثالب معاوية وبني أميّة ، وقد ذكرنا تمام القول في ذلك في كتاب المناقب والمثالب ، فمن أراد استقصاء ذلك نظر فيه ، انتهى.

وفي آخره تمّ الجزء السادس من كتاب شرح الأخبار ، تأليف سيّدنا القاضي الأجلّ الأوحد الأفضل ، النعمان بن محمد قدّس الله روحه والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمد خير بريّته ، وعلى الأئمّة الطاهرين أبرار عترته ، وسلّم تسليما.

ونقل ابن خلّكان ، عن ابن زولاق في كتاب أخبار [ قضاة ] (٢) مصر ، في ترجمته : أنّه ألّف لأهل البيت عليهم‌السلام ، من الكتب آلاف أوراق ،

__________________

(١) قوله : كتاب شرح الأخبار. مشتمل على سبعة أجزاء ، اما ان تكون نسخته ناقصة كثيرا لا يسيرا كما قال أو ان يكون تقسيم الأجزاء فيها يختلف ، إذ ان الكتاب يحتوي على ١٦ جزء كما صرح بذلك في فهرس مجذوع ٦٩ ـ ٧٣ ، انظر مقدمة شرح الأخبار ـ طبع جامعة المدرسين : ٧٢ ، وذكر فهرست موجز للأجزاء الستة عشر.

وقد خرج القسم الأول منه وهو يحتوي بين دفتيه على أربعة أجزاء من أصل الكتاب ، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين ، وطبع منه أيضا منفصلا الجزء الثالث عشر ـ في من قتل مع الحسين عليه‌السلام من أهل بيته ـ تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي.

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

١٦٠