خاتمة مستدرك الوسائل - ج ١

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]

خاتمة مستدرك الوسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-85-X
ISBN الدورة:
964-5503-84-1

الصفحات: ٣٩٤

سهو فيهما.

ثمّ إنّ الذي يستظهر من العلماء من التأمّل في الكتاب ، أنّ ما نسب إليه هو ما صدّر به الأبواب بقوله : قال الصادق عليه‌السلام ، وما فيه من الرواية ونقل الآثار من الجامع الذي كان يملى عليه ، فلو أغمضنا من جميع ما ذكرنا ، فالذي أخرجه الشيخ من كلام الجامع ، والتعبير « عنه » بما عبّره ، لا يدلّ على عدم الوثوق الذي استظهره ، ولكنّ الظاهر من الشهيد في مسكّن الفؤاد بل صريحه ، كون كلّه منه عليه‌السلام ، فلاحظ.

وقال الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي ، في آخر مقدّمة كتاب درر اللآلي العماديّة ما لفظه : وسأختم هذه المقدّمة بذكر أحاديث تتعلّق ببعض حقائق الدين ، وشيء من حقائق العبادات ، أكثر اسنادها عن الصادق الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، محذوفة الأسانيد كما رؤيتها.

واعلم أنّي قد التزمت في هذه الأحاديث المرويّة في هذه الخاتمة ـ وفي جميع الأحاديث الواردة في الأقسام الثلاثة الآتية بعدها ـ أن أذكر بعض ما يتعلّق بها من الأحكام الشرعيّة ، وما استدلّ بها عليه ، وكيفيّة الاستدلال بها عليها ، وبعض الفروع المأخوذة منها على سبيل الاختصار ، ممّا نقلته عن مشايخنا السابقين ، وعلمائنا الماضين ـ قدّس الله أرواحهم ـ ليكون الكتاب المشتمل على هذه الأحاديث المتعلّقة بالأحكام الفقهيّة تامّ النفع ، مغنيا عن مطالعة غيره من الكتب ، والله الموفّق.

قال الصادق عليه‌السلام : « بحر المعرفة يدور على ثلاثة : الخوف ، والرجاء ، والمحبة. إلى آخره » (١).

ثمّ نقل كثيرا من مطالب هذا الكتاب ، وفي جملة من المواضع ينقل كلامه عليه‌السلام بقوله : قال الصادق عليه‌السلام ، ثمّ يشرحه بقوله : قال العارف

__________________

(١) درر اللآلي ١ : ٣٩ ، ومصباح الشريعة : ٨.

٢٠١

كذا ، ولم أتحقّق أنّ المراد منه نفسه ، أو شرح هذا الكتاب أحد قبله ، وهذه المقدّمة طويلة نافعة ، جامعة لفوائد شريفة.

وفي رياض العلماء ، في ذكر الكتب المجهولة : فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة في الأخبار والمواعظ ، كتاب معروف متداول ، وقد ينسب إلى هشام ابن الحكم (١) على ما رأيت بخطّ بعض الأفاضل ، وهو خطأ. أمّا أوّلا : فلأنّه قد اشتمل على الرواية عن جماعة ، هم متأخّرون عن هشام. وأمّا ثانيا : فلأنّه يحتوي على مضامين تنادي على أنّه ليس من مؤلّفاته ، بل هو من مؤلّفات بعض الصوفيّة كما لا يخفى. لكن وصى به ابن طاوس ، انتهى (٢).

وقال شيخنا الحرّ رحمه‌الله في آخر كتاب الهداية : تتمّة ، قد وصل إلينا أيضا كتب كثيرة ، قد ألّفت وجمعت في زمانهم عليهم‌السلام ، نذكرها هاهنا ، وهي ثلاثة أقسام ـ إلى أن قال رحمه‌الله ـ الثالث : ما ثبت عندنا كونه غير معتمد ، فلذا لم ننقل منه ، فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى الصادق عليه‌السلام ، فانّ سنده لم يثبت ، وفيه أشياء منكرة مخالفة للمتواترات ، وربّما نسب تأليفه إلى الشيخ زين الدين ، وهذه النسبة باطلة لأنّه مذكور في أمان الأخطار لابن طاوس قدس‌سره (٣). انتهى.

قلت : للصوفيّة مقصدان ، أحدهما مقدّمة الأخرى :

الأوّل : تهذيب النفس ، وتصفيتها عن الكدورات والظلمات ، وتخليتها عن الرذائل والصفات القبيحة ، وحفظها عمّا يظلمها ويفرّقها ويقسّيها ، وتحليتها

__________________

(١) نسخة بدل : سالم.

(٢) رياض العلماء ٦ : ٤٥. ولعلّه أراد به وصيّة ابن طاوس المتقدمة في أول التعريف بكتاب مصباح الشريعة فلاحظ.

(٣) هداية الأمة : مخطوط. الأمان : ٩١ ـ ٩٢.

٢٠٢

بالأوصاف الجميلة ، والكمالات المعنويّة ، وهذا يحتاج إلى معرفة النفس والقلب إجمالا ، ومعرفة الصفات الحسنة والقبيحة ، ومبادئها وآثارها ، وما به يتوسّل الى التطهير والتزكية ، والتنوير والتحلية.

وهذا مقصد عظيم يشاركهم أهل الشرع ، وكافة العلماء على اختلاف مشاربهم وآرائهم ، وكيف لا يشاركون فيما وضعت العبادات والآداب لأجله ، وبعث الأنبياء لإكماله!

وكفى بما في الكتاب المجيد من الاهتمام بأمر القلب وتهذيبه ، بما وصفه به من الرين والطبع ، والغشاوة ، والكبر ، والضيق ، والتحجر ، وإرادة العلوّ ، والصرف ، والزيغ ، والمرض ، والقسوة ، والظلمة ، والغلف ، والقفل ، والجهل ، والعمى ، والموت ، وأمثالها.

ومدحه الذين اتّصفوا بما يضادّها من الخشوع ، واللّين ، والرقّة ، والعلم ، والهداية ، والسلامة ، والاطمئنان ، والربط ، والحياة ، والمحبّة ، والصبر ، والرضا ، والتوكّل ، والتقوى ، واليقين ، وأمثالها شاهدا في المقام.

وللقوم في هذا المقصد العظيم كتب ومؤلّفات فيها مطالب حسنة نافعة ، وإن أدرجوا فيها من الأكاذيب والبدع خصوصا بعض الرياضات المحرّمة ما لا يحصى ، ومن هنا فارقوا أهل الشرع المتمسكين بالكتاب والسنّة ، والمتشبّثين بأذيال سادات الأمّة ، فحصول هذا المقصد عندهم منحصر بالعمل ، بتمام ما قرّروه لهم ، والاجتناب عمّا نهوا عنه ، دون ما أبدعوه في هذا المقام من الرياضات ، ومتابعة الشيخ والمرشد على النحو الذي عندهم ، وهذا هو مراد الشهيد قدس‌سره في الدروس ، في بحث المكاسب ، حيث قال : وتحرم الكهانة ـ إلى أن قال ـ وتصفية النفس ، أي بالطرق الغير الشرعيّة (١).

الثاني : ما يدعون من نتيجة تهذيب النفس ، وثمرة الرياضات من المعرفة

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٦٣ ـ ١٦٤.

٢٠٣

وفوقها ، من الوصول والاتّحاد والفناء ، ومقامات لم يدّعيها نبيّ من الأنبياء ووصيّ من الأوصياء ، فكيف بأتباعهم من أهل العلم والتقى! مع ما فيها ممّا لا يليق نسبته الى مقدّس حضرته جلّ وعلا ، ويجب تنزيهه عنه سبحانه وتعالى عمّا يقوله الظالمون.

وأمّا المقصد الثاني فحاشا أهل الشرع والدين ، فضلا عن العلماء الراسخين ، أن يميلوا إليه أو يأملونه ، أو يتفوّهون به ، وأغلب ما ورد في ذمّ الجماعة ناظر الى هذه الدعوى ومدّعيها.

وأمّا الأوّل فقد عرفت مشاركتهم فيه ، وإن فارقوا القوم في بعض الطرق ، وحيث إنّهم بلغوا الغاية فيما القوة في هذا المقام ، والحكمة ضالّة المؤمن حيث وجدها أخذها ، ترى مشايخنا العظام ، والفقهاء الكرام كثيرا ما يراجعون إليه ، وينقلون عنه ، ويشهدون بحقّيته ، ويأمرون بالأخذ به ، فصار ذلك سببا للطعن عليهم ، ونسبتهم إلى الصوفيّة ، أو ميلهم الى المتصوّفة ، ظنّا منهم الملازمة بين المقصدين ، وإنّ من يحضّ على تهذيب النفس ، وتطهير القلب ، ويستشهد في بعض المقامات ، أو تفسير بعض الآيات بكلمات بعضهم ، ممّا يؤيّده أخبار كثيرة ، فهو منهم ومعهم في جميع دعاويهم.

وهذا من قصور الباع ، وجمود النظر ، وقلّة التدبّر في مزايا الكتاب والسنّة.

وآل أمرهم الى أن نسبوا مثل الشيخ الجليل ، ترجمان المفسّرين أبي الفتوح الرازي ، وصاحب الكرامات علي بن طاوس ، وشيخ الفقهاء الشهيد الثاني ـ قدّس الله أرواحهم ـ إلى الميل الى التصوّف كما رأيناه ، وهذه رزيّة جليلة ، ومصيبة عظيمة لا بدّ من الاسترجاع عندها.

نعم يمكن أن يقال لهم تأدّبا لا إيرادا ، إنّ فيما ورد عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم غنى ومندوحة عن الرجوع الى زبرهم وملفّقاتهم ومواعظهم ، فإنّك إن غمرت في تيّار بحار الأخبار ، لا تجد حقّا صدر منهم إلاّ

٢٠٤

وفيها ما يشير إليه ، بل رأينا كثيرا من الكلمات التي تنسب إليهم ، هي ممّا سرقوها من معادن الحكمة ، ونسبوها إلى أنفسهم ، أو مشايخهم.

قال تلميذ المفيد قدس‌سره ، أبو يعلى الجعفري ، في أول كتاب النزهة (١) : إنّ عبد الملك بن مروان كتب الى الحجّاج : إذا سمعت كلمة حكمة فاعزها الى أمير المؤمنين ـ يعني نفسه ـ فإنّه أحقّ بها ، وأولى من قائلها (٢) ، انتهى.

ولولا خوف الإطالة لذكرت شطرا من هذا الباب ، بل قد ورد النهي عن الاستعانة بهم. فروى سبط الطبرسي في مشكاة الأنوار ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال لجابر : « يا جابر ولا تستعن بعدوّ لنا [ في ] حاجة ، ولا تستطعمه ، ولا تسأله شربة ، أما إنّه ليخلّد في النار ، فيمرّ به المؤمن ، فيقول : يا مؤمن ألست فعلت بك كذا وكذا؟ فيستحيي منه ، فيستنقذه من النار » (٣).

الحجّة : هذا حال طعام الأجساد ، فكيف بقوت الأرواح؟.

إذا عرفت ذلك فلنرجع الى ما في كلمات هؤلاء المشايخ العظام فنقول :

أمّا أوّلا : فما في البحار ، والرياض ، من أنّه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة عليهم‌السلام ، وأنّه على أسلوب الصوفيّة ، ومشتمل على مصطلحاتهم (٤). ففيه : إنّ كلماتهم عليهم‌السلام وعباراتهم عليهم‌السلام في كشف المطالب المتعلّقة بالمعارف والأخلاق ، مختلفة بحسب الألفاظ والتأدية ، وإن لم تختلف بحسب المعنى والحقيقة ، وهذا ظاهر لمن أجال الطرف في أكناف كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وسائر الأئمّة عليهم‌السلام في هذه المقامات ، وليس لمن

__________________

(١) تقدم في صحيفة (١٩٢) كلام حول مؤلف الكتاب فراجع.

(٢) لم نعثر على هذا الكلام في النسخة المطبوعة من النزهة.

(٣) مشكاة الأنوار : ٩٩.

(٤) بحار الأنوار ١ : ٣٢ ، ورياض العلماء ٦ : ٤٥.

٢٠٥

تقدّم الصادق عليه‌السلام من الصوفيّة ، كطاوس اليماني ، ومالك بن دينار ، وثابت البناني ، وأيّوب السجستاني ، وحبيب الفارسي ، وصالح المري ، وأمثالهم ، كتاب يعرف منه أنّ المصباح على أسلوبه ، ومن الجائز أن يكون الأمر بالعكس ، فيكون الذين عاصروه عليه‌السلام منهم ، أو تأخّروا عنه ، سلكوا سبيله عليه‌السلام في هذا المقصد ، وأخذوا ضغثا من كلماته الحقّة ، ومزجوها بضغث من أباطيلهم ، كما هو طريقة كلّ مبدع مضلّ ، ويؤيّده اتّصال جماعة منهم إليه ، والى الأئمّة من ولده ، كشقيق البلخي ، ومعروف الكرخي ، وأبي يزيد البسطامي طيفور السقّاء ، كما يظهر من تراجمهم في كتب الفريقين ، فيكون ما الّف بعده على أسلوبه ووتيرته.

ثم نقول : ليس في هذا الكتاب من عناوين أبوابه شيء لا يوجد في كثير من الأخبار مثله ، سوى عناوين ثلاثة أبواب من أوّل الكتاب ، ولكن ما شرحه وفصّله فيها كلّها ممّا عليه الكتاب والسنّة ، مع أنّه يوجد في جملة من ادعيتهم ، ومناجاتهم ، وخطبهم عليهم‌السلام من العبارات الخاصة ، والكلمات المختصّة ، ما لا يوجد في سائر كلماتهم ، فارجع البصر إلى المناجاة الإنجيليّة الكبرى والوسطى ، وآخر دعاء كميل ، والمناجاة الخمسة عشر ، التي عدّها صاحب الوسائل في الصحيفة الثانية من أدعية السجاد عليه‌السلام ، ونسبها إليه من غير تردد ، مع أنّه لا يوجد لها سند ، ولم يحتو عليها كتاب معتمد ، وليس في تمام المصباح ما يوجد فيها من الألفاظ الدائرة في ألسنة القوم.

ثمّ نقول : إنّك بعد التأمّل في ملفّقات القوم في هذا الباب ، تجد المصباح خاليا عن مصطلحاتهم الخاصّة ، التي عليها تدور رحى تمويهاتهم ، كلفظ العشق ، والخمر ، والسكر ، والصحو ، والمحو ، والفناء ، والوصل ، والقطب ، والشيخ ، والطرب ، والسماع ، والجذبة ، والإنيّة ، والوجد ، والمشاهدة ، وغير ذلك ممّا ليس فيه شيء منه.

ثمّ نقول : وفي كتبهم أيضا أخبار معروفة متداولة ، لا توجد فيه.

٢٠٦

وأمّا ثانيا : فما في الأوّل من أنّه يروي فيه عن مشايخهم ـ أي الصوفيّة ـ ففيه ، بعد تسليم كون ما فيه من الرواية والحكاية ، من تتمّة كلام الصادق عليه‌السلام ـ كما يظهر من الشهيد رحمه‌الله في مسكّن الفؤاد ـ لا لمن كان يملي عليه فيجمعه ، ويردفه بها ، أنّ تمام ما فيه من حكاية أقوالهم ، والاستشهاد بكلامهم ، لا يزيد على ستّة عشر موضعا (١) ، خمسة منها عن الربيع بن خثيم ، وحكايتان عن أويس القرني ، وهرم بن حيّان ، وهؤلاء الثلاثة من الزهّاد الثمانية الذين كانوا مع أمير المؤمنين عليه‌السلام.

روى الكشيّ ، عن عليّ بن محمد بن قتيبة ، قال : سئل أبو محمد الفضل ابن شاذان عن الزهّاد الثمانية ، فقال : الربيع بن خثيم ، وهرم بن حيّان ، وأويس القرني ، وعامر بن عبد قيس ، وكانوا مع عليّ عليه‌السلام ومن أصحابه ، وكانوا زهّادا أتقياء ـ إلى أن قال ـ وأويس القرني مفضّل عليهم كلهم (٢).

وثلاثة عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه ، وحكاية عن عبد الله بن مسعود ، واخرى عن أبيّ بن كعب ، وحالهم غير خفيّ ، وحكاية عن وهب بن منبه ، واخرى عن زيد ابن ثابت ، واخرى عن سفيان بن عيينة في ذمّ القرّاء ، والفتيا لمن ليس من أهلها.

فإن كان المراد من قول المجلسي رحمه‌الله أنّه اشتمل على الرواية من مشايخهم ، ومن يعتمدون عليه في رواياتهم ، ما حكاه عن زيد بن ثابت ، وسفيان في المقامين.

فلعمري إنّه طعن في غير محلّ ، فإنّ الاستشهاد بكلامهما في المقامين ، كالاستشهاد بمدائح الأعداء في إثبات فضائل الخلفاء عليهم‌السلام ، فإنّهما من رؤساء القرّاء ، وأرباب الفتيا.

__________________

(١) مصباح الشريعة : على التوالي ١٠٦ ، ١٧٥ ، ٤٤٥ ، ٥٠٧ ، ٤٣١ ، ٤٨٠ ، ١٨١ ، ٤٣٢ ، ٤٦٢ ، ٢٤٤ ، ٤٦٤ ، ١٨٠ ، ٤٩٧ ، ٣٧٣ ، ٣٥٤.

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٣١٣ / ١٥٤.

٢٠٧

وأمّا الذين سبق ذكرهم غير وهب ، فقد سبقت لهم من الله ، ورسوله ، ووصيّه صلوات الله عليهما وآلهما الحسنى ، وإن كان في ضعف معرفة الربيع كلام ، لا يضرّ في المقام ، وفي غير واحد من أخبارهم عليهم‌السلام الاستشهاد بكلمات سلمان وحكمه ونصائح أبي ذرّ وموعظته ، فلاحظ.

وأمّا ثالثا : فما في الرياض من أنّه قد اشتمل على الرواية عن جماعة هم متأخّرون عن هشام (١) ، قد ظهر بما ذكرنا ضعفه وبطلانه ، فإنّ الذين عددناهم غير سفيان متقدّمون على هشام بطبقات ، وأمّا هو ففي طبقته ، وهذا منه رحمه‌الله مع طول باعه عجيب.

وأمّا رابعا : فما في الهداية من أنّ سنده لم يثبت ، ففيه إنّ المراد من السند إن كان هو المعنى المصطلح ، والمراد من الثبوت هو أحد الأقسام الثلاثة منه ، من الصحيح أو الحسن أو الموثّق ، ففيه مع أنّه غير معترف به ، وخارج من طريقته إنّه لم يدعه أحد ، ولا حاجة إليه خصوصا على مسلكه.

وإن كان المراد مطلق الاطمئنان بثبوته ، والوثوق بصدوره ففيه إنّه يكفي شهادة هؤلاء المشايخ العظام ، الذين أشرنا إليهم في الوثوق به ، وقد اكتفى هو بأقلّ من ذلك في إثبات اعتبار تمام ما اعتمد عليه من الكتب ، ونقل عنه.

هذا كتاب تحف العقول ، للحسن بن عليّ بن شعبة ، قد اكتفى بمدحه ومدح الكتاب ، ونسبته إليه في الأمل (٢) بما في مجالس المؤمنين (٣) ، وليس له ولا لكتابة ذكر في مؤلّفات أصحابنا قبله ، إلاّ ما نقلناه عن الشيخ إبراهيم القطيفي في رسالته ، في الفرقة الناجية ، وقد أكثر من النقل عن التحف في الوسائل.

ومثله في عدم الذكر والجهالة الحسن بن أبي الحسن الديلمي وكتبه ، سيّما

__________________

(١) رياض العلماء ٦ : ٤٥.

(٢) أمل الأمل ٢ : ٧٤.

(٣) مجالس المؤمنين ١ : ٣٨٣.

٢٠٨

إرشاد القلوب ، الذي قد أكثر من النقل عنه ، وعدّه من الكتب المعتمدة ، التي نقل منها ، وشهد بصحّتها مؤلّفوها ، وليس له أيضا ذكر فيما وصل إليه وإلينا من مؤلّفات أصحابنا ، سوى ما نقله عنه الشيخ ابن فهد في عدّة الداعي ، في بعض المواضع ، بعنوان الحسن بن أبي الحسن الديلمي (١) ، فمن أين عرفه ، وعرف وثاقته ، وعرف نسبة الكتاب إليه وشهادته بصحّته؟ فهل هذا إلاّ تهافت في المذاق ، وتناقض في المسلك! وإن كانت المسامحة فيهما لعدم اشتمالهما على فروع الأحكام ، واقتصارهما غالبا على ما يتعلّق بالأخلاق والفضائل والمواعظ ، فهلاّ كانت شهادة هؤلاء الأجلّة على صحّة المصباح ، كافية في عدّه ثالثا لهما! فإنّه أيضا مثلهما. وكذا الكلام في صحّة نسبة كتاب الاختصاص الى المفيد رحمه‌الله ، وقد تسامح فيه بما لا يخفى على الناقد البصير.

وأمّا خامسا : فما في الهداية أيضا ، إنّ فيه أشياء منكرة ، مخالفة للمتواترات قلت : ليته رحمه‌الله أشار الى بعضها ، فإنّا لم نجد فيه ما يخالف المشهور ، فضلا عن المتواتر ، نعم فيه باب في معرفة الصحابة (٢) ، وذكر فيه ما

__________________

(١) عدة الداعي : ٢٣٧ و ٢٤١ و ٢٦٩ و.

(٢) جاء في هامش النسخة الحجرية من المستدرك ص ٣٣٢ ما نصه : « الباب في معرفة الصحابة ، قال الصادق عليه‌السلام : لا تدع اليقين بالشك ، والمكشوف بالخفي ، ولا تحكم على ما لم تره بما تروى عنه ، قد عظم الله عز وجلّ أمر الغيبة ، وسوء الظن بإخوانك من المؤمنين ، فكيف بالجرأة على إطلاق قول ، واعتقاد ، وزور ، وبهتان ، في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الله عز وجلّ : إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ وما دمت تجد الى تحسين القول والفعل في غيبتك وحضرتك سبيلا ، فلا تتخذ غيره ، قال الله تعالى : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً واعلم إنّ الله تبارك وتعالى اختار لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أصحابه طائفة أكرمهم بأجل الكرامة ، وحلاهم بحلية التأييد والنصر والاستقامة ، لصحبته على المحبوب والمكروه ، وأنطق لسان نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفضائلهم ومناقبهم وكراماتهم ، واعتقد محبتهم ، وذكر فضلهم. وأحذر مجالسة أهل البدع ، فإنها تنبت في القلب كفرا وضلالا مبينا ، وإن اشتبه عليك فضيلة بعضهم فكلهم إلى عالم الغيب ، وقل : اللهم إني محب لمن أحببته أنت ورسولك ، ومبغض لمن أبغضت أنت ورسولك ، لم يكلفك فوق ذلك » انتهى. وفي قوله : من أصحابه طائفة. الى آخره ، تصريح بما تقوله الإمامية فتأمل. ( منه قده )

٢٠٩

يوهم أنّ الأصل فيهم الحسن ، والفضل ، والعدالة ، على طريقة أهل السنّة.

فأوّل ما يقال : إنّ هذا الباب من دسيس بعضهم في هذا الكتاب ، ويشهد له أنّه بني على مائة باب على ما يظهر من النسخ ، وما لها من الفهرست ، والباب السبعون الذي يوجد فيها أنّه في معرفة الصحابة ، هو في الفهرست في حرمة المؤمنين ، وعليه يتم الأبواب ، وليس في الفهرست عنوان لمعرفة الصحابة ، وفي النسخة جعل الباب السبعين في معرفة الصحابة ، والحادي بعده في حرمة المؤمنين ، والثاني والسبعين في برّ الوالدين ، ثمّ كرّر وقال : الباب الثاني والسبعون في الموعظة ، فإن جعلناه من غلط النسّاخ يزيد باب على المائة ، وهو خلاف ما في الفهرست والنسخ ، وإلاّ فهو أيضا من تدليس المدسّس ويكشف عن أنّ الباب المذكور خارج عن الأصل ، لاحق به ، فلاحظ.

ولو سلّمنا كونه من أبوابه ، فمن المحتمل أنّه عليه‌السلام لمّا كان في مقام تهذيب الأخلاق ، ونشر الآداب والسنن ، وشرح حقيقتها وحكمتها ، وقد شاع في عصره عليه‌السلام من صوفيّتهم ، الذين أضلّوا الناس بمموهات كلماتهم ، ألحقه في هذا المقام ، وإن أرادوا بها جلب العوام ، وكانوا يفتخرون بهم ، ويعجبون من كلماتهم ، وينقلونها في محافلهم وناديهم ، ويذكرونها في زبرهم ومؤلّفاتهم ، بل كان خلفاء عصرهم يشيّدون أركانهم إطفاء لهذا النور ، الذي كان من الله جلّ جلاله في أهل بيت نبيّهم ، وصرف القلوب التي كانت تهوى وتحنّ إليهم ، بما شاهدوا من المقامات العالية من صفات قلوبهم عنهم عليهم‌السلام ، أراد صلوات الله عليه أن يريهم أنّهم حيث ما كانوا ، وأينما بلغوا بفهمهم القاصر ، وفكرهم الفاتر ، فهم دون رتبته ومقامه ، ومحتاجون الى

٢١٠

التوسّل بكلامه ، والتمسّك بمرامه ، فذكر في مقام حال الصحابة ما يصير سببا لاستئناسهم وألفتهم ، ورغبتهم في النظر إليه والتدبّر فيه ، الموجب لولوج علوّ شأنه عليه‌السلام وعظم مقامه في صدورهم وقلوبهم ، ويهوّن عليهم مقام البصري ، واليماني ، ويصغر في أعينهم البلخي ، والبناني.

ثمّ نقول بعد ذلك : إنّ ما فيه في مدح الصحابة دون ما في الصحيفة الكاملة ، من الصلاة على أتباع الرسل ، قال عليه‌السلام : « اللهم وأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خاصّة الذين أحسنوا الصحابة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة ، وكانفوه (١) ، وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا الى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته ، وفارقوا ( الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا ) (٢) الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبّته ، يرجون تجارة لن تبور في مودّته ، والذين هجرتهم العشائر وتعلّقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات ، إذ سكنوا في ظلّ قرابته ، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك ، وبما حاشوا (٣) الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم ، وخروجهم من سعة المعاش الى ضيقه ، ومن كثّرت في إعزاز دينك من مظلومهم (٤).

بل مدحهم أمير المؤمنين عليه‌السلام بما فوق ذلك ، ففي حديث أبي أراكة ، الذي رواه جماعة من المشايخ بطرق متعدّدة ، ومتون مختلفة ، بالزيادة والنقيصة ، وهو على لفظ السيّد في النهج : « لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله

__________________

(١) كانفوه : عاونوه ، والمكانفة : المعاونة. ( لسان العرب ٩ : ٣٠٨.

(٢) لم ترد في المخطوطة.

(٣) حاشوا الخلق عليك : أي جمعوا الخلق على طاعتك. ( لسان العرب ٦ : ٢٠٩ )

(٤) الصحيفة السجادية الكاملة : الدعاء الرابع.

٢١١

عليه وآله ، فما أرى أحدا يشبههم ، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا ، قد باتوا سجّدا وقياما ، يراوحون بين جباههم وخدودهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم ، كأنّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم ، مادوا كما تميد الشجر يوم الريح العاصف ، خوفا من العقاب ، ورجاء للثواب » (١).

والتحقيق : أن يقال في أمثال هذه الأخبار : إنّ أصحابه صلّى الله عليه وكانوا على هذه الصفات ، فمن كان ممّن لقيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاويا لها كان من أصحابه ، ومن فقدها كان في زمرة المنافقين ، خارجا عن اسم الصحابة ، كما يشهد لذلك قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) (٢) الآية ، على ما حقّق في محلّه.

وما في المصباح أيضا إيماء إلى ذلك حيث قال : واعلم أنّ الله تعالى اختار لنبيّه من أصحابه طائفة أكرمهم بأجلّ الكرامة ، إلى آخر ما ذكره ، فلاحظ (٣).

أو يقال : إنّ هذه المدائح للذين كانوا في عصره ، لا لمن بقي بعده وأحدث ، ولعلّ الأصل فيهم الصحّة والسلامة ، إلاّ من عرف بالنفاق والخيانة.

ففي الخصال : بالسند الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ألف رجل ، ثمانية آلاف رجل من المدينة ، وألفان من مكة ، وألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري ، ولا مرجئ ، ولا حروري ، ولا معتزلي ، ولا صاحب رأي ، كانوا يبكون اللّيل والنهار ، ويقولون : اقبض أرواحنا قبل أن نأكل خبز الخمير (٤). ولعلّ فيه

__________________

(١) نهج البلاغة ١ : ١٩٠ / ٩٣.

(٢) الفتح ٤٨ : ٢٩.

(٣) مصباح الشريعة : ٣٨٨.

(٤) الخصال : ٦٤٠.

٢١٢

إشارة ، أو دلالة على الاحتمال الأوّل.

وفي دعائم الإسلام : عن عليّ بن الحسين ، ومحمد بن عليّ عليهم‌السلام أنّهما ذكرا وصيّة عليّ عليه‌السلام عند وفاته وفيها : « وأوصيكم بأصحاب محمد الذين لم يحدثوا حدثا ، ولم يؤوا محدثا ، ولم يمنعوا حقّا ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوصانا بهم ، ولعن المحدث منهم ، ومن غيرهم » (١).

هذا وفي رجال النجاشي : محمد بن ميمون ، أبو نصر الزعفراني ، عاميّ ، غير أنّه روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام نسخة ، روى ذلك عبد الله بن أحمد ابن يعقوب بن البواب المقرئ ، قال : حدّثنا محمد بن الحسين بن الحفص الخثعمي ، قال : حدّثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدّثنا محمد بن ميمون ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٢).

وفيه : الفضيل بن عياض ، بصري ، ثقة ، عاميّ ، روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام نسخة ، أخبرنا علي بن أحمد ، عن محمد بن الحسين ، عن سعد ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، قال : حدّثنا سليمان بن داود ، عن فضيل ، بكتابه (٣).

وفيه : عبد الله بن أبي أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، حليف بني تيم بن مرّة ، أبو أويس له نسخة عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان ، قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن عبيد الله ، قال : حدّثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الكسائي الرازي ، قال : حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس ، قال : حدّثني أبي أبو أويس ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، بكتابه (٤).

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ : ٣٥٠.

(٢) رجال النجاشي : ٣٥٥ / ٩٥٠.

(٣) رجال النجاشي : ٣١٠ / ٨٤٧.

(٤) رجال النجاشي : ٢٢٤ / ٥٨٦.

٢١٣

وفيه : سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي ، كان جدّه أبو عمران عاملا من عمّال خالد القسري ، له نسخة عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، أخبرنا أحمد بن عليّ ، قال : حدّثنا محمد بن الحسن ، قال : حدّثنا الحميري.

وأخبرنا أحمد بن عليّ بن العباس ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، قال : حدّثنا الحميري ، قال : حدّثنا محمد بن أبي عبد الرحمن ، عنه (١).

وفيه : إبراهيم بن رجاء الشيباني أبو إسحاق ، المعروف بابن أبي هراسة ـ وهراسة امّه ـ عامّي روى عن الحسين بن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، وعبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ عليه‌السلام ، وجعفر بن محمد عليهما‌السلام ، وله عن جعفر عليه‌السلام نسخة ، أخبرنا عليّ بن أحمد ، عن محمد ابن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفّار ، عن هارون بن مسلم ، عن إبراهيم (٢).

وفي فهرست الشيخ : جعفر بن بشير البجلي ثقة جليل القدر ـ إلى أن قال ـ وله كتاب ينسب الى جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، رواية عليّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام (٣).

فهذه ستّة نسخ منسوبة إلى الصادق عليه‌السلام ، غير الرسالة الأهوازيّة ، والرسالة إلى أصحابه ، المرويّة في أول روضة الكافي (٤) ، فمن الجائز أن تكون إحداها المصباح ، خصوصا ما نسب الى الفضيل بن عيّاض ، وهو من مشاهير الصوفيّة ، وزهّادهم حقيقة ، كما يظهر من توثيق النجاشي ، ومدحه الشيخ بالزهد (٥).

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٩٠ / ٥٠٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٣ / ٣٤.

(٣) الفهرست : ٤٣ / ١٣١.

(٤) الكافي ٨ : ٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣١٠ / ٨٤٧ ، رجال الشيخ : ٢٧١ / ١٨.

٢١٤

وفي أمالي الصدوق قدس‌سره : بإسناده عن الفضيل بن عيّاض ، قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أشياء من المكاسب ، فنهاني عنها ، وقال : « يا فضيل والله لضرر هؤلاء على هذه الأمّة أشدّ من ضرر الترك والديلم » ، وسألته عن الورع من الناس ، قال : « الذي يتورّع عن محارم الله ، ويتجنّب هؤلاء ، وإذا لم يتّق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه ، وإذا رأى منكرا فلم ينكره وهو يقدر عليه ، فقد أحبّ أن يعصى الله [ ومن أحب أن يعصى الله ] فقد بارز الله بالعداوة ، ومن أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصى الله ، إنّ الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين ، فقال : ( فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (١) » (٢).

وقال الأستاذ الأكبر في التعليقة : وفي هذه الرواية ربّما يكون إشعار بأنّ فضيلا ليس عاميّا ، فتأمل. ثم ذكر خبرا من العيون فيه إشعار بعاميّته (٣).

وقد أخرج الكليني قدس‌سره عنه خبرا ، في باب الحسد (٤) ، وآخر في آخر باب الإيمان والكفر (٥) ، وآخر في باب الكفالة والحوالة (٦).

وبالجملة فلا أستبعد أن يكون المصباح هو النسخة التي رواها الفضيل ، وهو على مذاقه ومسلكه ، والذي اعتقده أنّه جمعه من ملتقطات كلماته عليه‌السلام ، في مجالس وعظه ونصيحته ، ولو فرض فيه شيء يخالف مضمونه بعض

__________________

(١) الأنعام ٦ آية ٤٥.

(٢) لم نقف على هذا الحديث في النسخ المطبوعة من الأمالي. ورواه الشيخ الكليني في الكافي ٥ : ١٠٨ حديث ١١.

(٣) تعليقة الوحيد على منهج المقال : ٢٦١ ، وانظر عيون أخبار الرضا ١ : ٨١ قطعة من حديث ٩.

(٤) الكافي ٢ : ٢٣٢ حديث ٧.

(٥) الكافي ٢ : ٣٣٤ حديث ٢.

(٦) لم نعثر على حديث للفضيل في الباب المذكور. وإنّما في الباب الذي يليه وهو باب « عمل السلطان وجوائزهم » الكافي ٥ : ١٠٨ حديث ١١.

٢١٥

ما في غيره ، وتعذّر تأويله فهو منه على حسب مذهبه ، لا من فريته وكذبه ، فإنّه ينافي وثاقته.

وقد أطنبنا الكلام في شرح حال المصباح مع قلّة ما فيه من الأحكام ، حرصا على نشر المآثر الجعفريّة ، والآداب الصادقيّة ، وحفظا لابن طاوس ، والشهيد ، والكفعمي ـ رحمهم‌الله تعالى ـ عن نسبة الوهم والاشتباه إليهم ، والله العاصم.

٢١٦

٤١ ـ صحيفة الرضا عليه‌السلام :

ويعبّر عنه أيضا بمسند الرضا عليه‌السلام ، كما في مجمع البيان (١) ، وبالرضويات كما في كشف الغمة (٢) ، وهو من الكتب المعروفة المعتمدة ، الذي لا يدانيه في الاعتبار والاعتماد كتاب صنّف قبله ، أو بعده ، وهو داخل في فهرست كتاب الوسائل ، إلاّ أنّ له نسخا متعدّدة ، وأسانيد مختلفة ، ويزيد متن بعضها على بعض ، واقتصر صاحب الوسائل على نسخة الشيخ الطبرسي قدس‌سره وروايته ، وكأنّه لم يلتفت إلى اختلافها ، أو لم يعثر على باقيها ، وقد عثرنا على بعضها ، وأخرجنا منها ما ليس في نسخة الطبرسي ، فرأيت إن أشير إلى الاختلاف ، وأذكر الطرق ، فربما وقف الناظر على خبر نقلته ، أو نقل منها ، ولا يوجد في النسخة المعروفة ، فلا يبادر إلى التخطئة.

وقد جمعها الفاضل الآميرزا عبد الله في رياض العلماء ، ونحن نسوقها بألفاظه قال :

فمن ذلك ما رأيته في بلدة أردبيل ، في نسخة من هذه الصحيفة ، وكان صدر سندها هكذا :

قال الشيخ الإمام الأجلّ العالم نور الملّة والدين ، ظهير الإسلام والمسلمين ، أبو أحمد أناليك العادل المروزي : قرأ علينا الشيخ القاضي الإمام الأجلّ الأعزّ الأمجد الأزهد ، مفتي الشرق والغرب ، بقيّة السلف ، أستاذ الخلف ، صفيّ الملّة والدين ، ضياء الإسلام والمسلمين ، وارث الأنبياء والمرسلين أبو بكر محمود بن عليّ بن محمد السرخسي ، في المسجد الصلاحي بشاذياخ

__________________

(١) مجمع البيان : لم نعثر عليه فيه.

(٢) كشف الغمة ١ : ٨٩.

٢١٧

نيسابور ـ عمّرها الله ـ غداة يوم الخميس ، الرابع من ربيع الأوّل من شهور سنة عشر وستمائة ، قال : أخبرنا الشيخ الإمام الأجلّ السيد الزاهد ، ضياء الدين حجة الله على خلقه ، أبو محمد الفضل بن محمد بن إبراهيم الحسيني ـ تغمّده الله بغفرانه ، وأسكنه أعلى جنانه ـ في شهور سنة سبع وأربعين وخمسمائة ، قراءة عليه ، قال : أخبرنا أبو المحاسن أحمد بن عبد الرحمن اللبيدي ، قال : أخبرنا أبو لبيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن لبيد ، قال : حدّثنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ـ رضي‌الله‌عنه ـ سنة خمس وأربعمائة ، بنيسابور في داره ، قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد ـ حافد العباس بن حمزة ـ سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ، قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله. بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدّثني أبي في سنة ستين ومائتين ، قال : حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، إمام المتّقين ، وقدوة أسباط سيّد المرسلين ، ممّا أورده في مؤلّفه المعنون بصحيفة أهل البيت عليهم‌السلام ، سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال. إلى آخره.

وبسند آخر : وبعد فيقول الفقير إلى الله تعالى الكريم الغنيّ ، طاهر بن محمد الراونبزي ـ غفر له ولوالديه وأحسن في الدارين إليهما واليه ـ : أخبرني بالصحيفة المباركة الميمونة ، الموسومة بصحيفة الرضا عليه‌السلام ـ إجازة بإجازته العامّة ـ شيخي ومخدومي ، قدوة أرباب الهدى ، أسوة أصحاب التقى ، بقيّة كرام الأولياء ، قطب دوائر المحقّقين ، الشيخ سعد الحقّ والملّة والدين ، يوسف بن الشيخ الكبير ، والبدر المنير ، خلف الأقطاب ، الشيخ فخر الحقّ والملّة والدين ، عبد الواحد الحموي ـ قدس‌سرهما ، وأكثر برّهما ـ قال : أخبرني إجازة شيخي ومخدومي ، وعمّي وأستاذي ، ومن عليه في أمور الدنيا اعتمادي ، الشيخ غياث الحقّ والدين ، هبة الله الحموي ـ تغمّده الله بغفرانه ، بالإجازة العامّة ـ عن سيّده وجدّه ، شيخ الإسلام والمسلمين ، سلطان المحدّثين ، الشيخ

٢١٨

صدر الحقّ والملّة والدين ، إبراهيم الحموي ـ قدس‌سره ـ قال : أخبرني الشيخ السند ، شرف الدين أبو الفضل أحمد بن هبة الله الدمشقي قراءة بها وأنا أسمع ، يوم الأربعاء ، الحادي عشر من ربيع الأوّل ، سنة خمس وتسعين وستمائة ، بالخانقاه الشّمياطي ، قيل له : أخبرك الشيخ أبو روح عبد العزيز بن محمد الهروي ، بروايته عن الشيخ أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي إجازة ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد السكاكي ، قال : أخبرني الإمام أبو القاسم حبيب ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري الحفيد ، قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدّثني أبي سنة ستين ومائتين ، قال : حدّثني الإمام علي بن موسى عليهما‌السلام سنة أربع وتسعين ومائة قال : حدّثني أبي. إلى آخره.

وبسند آخر : حدّث القاضي مرشد الأزكياء ، أبو منصور عبد الرحيم بن أبي سعيد المظفّر بن عبد الرحيم الحمدوني ، قال : حدّثني القاضي الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني قراءة عليه ، قال : أخبرنا الشيخ العالم أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن محمد العريضي النيسابوري ـ بالريّ قدم حاجّا ـ قال : أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسّر (١) ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد ـ حفدة العباس ابن حمزة ، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ـ قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد ابن عامر الطائي بالبصرة ، قال : حدّثني أبي سنة ستّين ومائتين ، قال : حدّثني علي ابن موسى الرضا عليهما‌السلام سنة أربع وتسعين ومائة.

وبسند آخر : أخبرني الشيخ الفقيه أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب الفزاري (٢) ـ المعروف بخابوسة ، سنة سبع وعشرين وخمسمائة ـ قال : أخبرني

__________________

(١) في نسخة : المفتي.

(٢) نسخة بدل : الفزري.

٢١٩

القاضي الزكيّ الكبير ، أبو الفضل عبد الجبّار بن الحسين بن محمد الزبربري ، قال : أخبرنا الشيخ الجليل عليّ بن أحمد بن عليّ بن أميرك الطريقي ، قال : أخبرنا الشريف أبو عليّ الحسن بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد الله ابن موسى (١) بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ـ نزله في المسجد الحرام ، في قبّة الشراب ، يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي الحجّة ، سنة أربع وتسعين وثلاثمائة ـ قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله بن حمدونة ، أبو نصر البغدادي ـ بمرو الرود ـ قال : أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ـ بالبصرة ـ قال : حدّثني أبي ـ سنة ستّين ومائتين ـ قال : حدّثني أبو الحسن عليّ ابن موسى الرضا عليهما‌السلام ، قال : حدّثني أبي. إلى آخره.

وبسند آخر : قال الشيخ الإمام الأجلّ العالم ، عماد الدين ، جمال الإسلام ، أبو المعالي ، محمد بن محمد بن الحسين المرزباني القمي ـ مدّ الله في عمره ـ : أخبرني بهذه الصحيفة ـ من أوّلها إلى آخرها ، وبالزيادة في آخرها ـ الشيخ الإمام نجم الدين ، شيخ الإسلام ، أبو المعالي ، الحسن بن عبد الله بن أحمد البزّاز ، قال : أخبرني بها الشيخ الإمام ركن الدين ، علي بن الحسن بن العباس الصندلي ، قال : أخبرني أبو القاسم يعقوب بن أحمد ، قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد ـ حفدة العباس بن حمزة ـ قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ـ بالبصرة ـ قال : حدّثني أبي ـ في سنة ستّين ومائتين ـ قال : حدّثني عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ـ سنة أربع وتسعين ومائة ـ قال : حدّثني. إلى آخره.

وبسند آخر : أخبرنا الشيخ الفاضل ، العالم الكامل ، قطب السالكين ، مؤيّد الإسلام والمسلمين ، عبد العلي بن عبد الحميد (٢) بن محمد السبزواري ،

__________________

(١) جاء في حاشية المخطوطة والحجرية : كذا والظاهر انه هنا سقط بعض الأسامي.

(٢) هامش الحجرية نسخة بدل : عبد المجيد.

٢٢٠