سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

شددنا عليه فقتلناه ، فإنْ نجونا ، شفينا أنفسنا ، وأدركنا ثأرنا ، وإنْ قتلنا ، فما عند الله خير من الدنيا وزبرج أهلها. قال : ويحك ، لو كان غير عليّ كان أهون عليّ ، قد عرفت بلاءه في الإسلام ، وسابقته مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وما أجدني أشرح لقتله. قال : أما تعلم أنّه قتل أهل النهروان العبّاد المصلّين؟ قال : بلى ، قال : نقتله بما قتل من إخواننا ، فأجابه ، فجاءوا حتّى دخلوا على قطام ، وهي في المسجد الأعظم معتكفة فيه ، فقالوا لها : قد اجتمع رأينا على قتل عليّ. قالت : فإذا أردتم ذلك فأتوني ، فجاء فقال : هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبيّ ، أنْ يقتل كلّ واحد منّا صاحبه ، فدعت لهم بالحرير فعصّبتهم ، وأخذوا أسيافهم ، وجلسوا مقابل السدّة التي يخرج منها عليّ ، فخرج [ عليّ رضي‌الله‌عنه ] لصلاة الغداة ، فجعل يقول : « الصلاة الصلاة » فشدّ عليه شبيب فضربه بالسيف ، فوقع السيف بعضادي الباب ، أو بالطاق ، فشدّ عليه ابن ملجم فضربه [ بالسيف ] على قرنه وهرب وردان حتّى دخل منزله ، ودخل عليه رجل من بني أسيد وهو ينزع السيف والحديد عن صدره ، فقال : ما هذا السيف والحديد؟ فأخبره بما كان ، فذهب إلى منزله ، فجاء بسيفه ، فضربه حتّى قتله ، وخرج شبيب نحو أبواب كندة ، فشدّ عليه الناس إلا أنّ رجلاً يقال له : عويمر ، ضرب رجله بالسيف فصرعه ، وجثم عليه الحضرمي ، فلمّا رأى الناس قد أقبلوا في طلبه ، وسيف شبيب في يده ، خشي على نفسه ، فتركه فنجا بنفسه ، ونجا شبيب في غمار الناس. وخرج ابن ملجم ، فشدّ عليه رجل من همذان يكنى : أبا أدما ، فضرب رجله فصرعه ، وتأخّر عليّ ، ودفع في ظهر جعدة بن هبيرة ابن أبي وهب ، فصلّى بالناس الغداة ، وشدّ عليه الناس من كلّ جانب.

وذكروا أنّ محمّد بن حنيف قال : والله إنّي لأصلّي تلك الليلة [ التي ضرب فيها عليّ ] في المسجد الأعظم قريباً من السدّة في رجال كثيرة من أهل المصر ، ما فيها إلاّ قيام وركوع وسجود ما يسأمون من أول الليل إلى آخره ، إذ خرج عليّ لصلاة الغداة ، وجعل ينادي : « أيّها الناس ، الصلاة الصلاة » ، فما أدري أتكلّم بهذه

٣٦١

الكلمات ، أو نظرت إلى بريق السيف وسمعت : الحكم لله ، لا لك يا عليّ ، ولا لأصحابك. فرأيت سيفاً ورأيت ناساً ، وسمعت عليّاً يقول : « لا يفوتكم الرجل ». وشدّ عليه الناس من كلّ جانب. فلم أبرح حتّى أُخذ ابن ملجم فأدخل على عليّ ، فدخلت فيمن دخل من الناس ، فسمعت عليّاً يقول : « النفس بالنفس ، إنْ هلكت فاقتلوه كما قتلني ، وإنْ بقيت ، رأيت فيه رأيي ». وما أدخل ابن ملجم على عليّ قال له : « يا عدوّ الله ، ألم أحسن إليك؟ ألم أفعل بك؟ قال : بلى ، قال : ( فما حملك على هذا )؟ قال : شحذته أربعين صباحاً ، فسألت الله أنْ يقتل به شرّ خلقه ، قال له عليّ ( ما أراك إلا مقتولاً به ، وما أراك إلا من شرّ خلق الله عزّ وجلّ ). وكان ابن ملجم مكتوفاً بين يدي الحسن ، إذ نادته أمّ كلثوم بنت عليّ ، وهي تبكي : ( يا عدو الله ، [ إنّه ] لا بأس على أبي ، والله عزّ وجلّ مخزيك ). قال : فعلامَ تبكين ، والله لقد اشتريته بألف ، وسممته بألف ، ولو كانت هذه الضربة لجميع أهل مصر ، ما بقي منهم أحد ساعة ، وهذا أبوك باقياً حتّى الآن. فقال عليّ للحسن : ( إنْ بقيت ، رأيت فيه رأيي ، ولئن هلكت من ضربتي هذه ، فاضربه ضربة ، ولا تمثّل به ، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن المثلة ، ولو بالكلب العقور ) (١).

وقبل أنْ نختم البحث ، نذكر على سبيل المقارنة مع الأمم السابقة أنّ الأمّة الإسلاميّة أيضاً قد اتّبعت سنن السابقين في قتل أوصياء أنبيائهم ، فها هم قد قتلوا وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قيل فيه ما فيه من الفضائل والمناقب ، فكان أوّل مظلوم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث غصب حقّه ، وهُتكت حرمته ، ولم يعرفوه حقّ معرفته ، حتّى ضاق صدره من الدنيا وما فيها ، وكان عليه‌السلام يخبر مراراً عن استشهاده بيد أشقى الأوّلين والآخرين ابن ملجم ، وكان يقول وهو يمسح لحيته الشريفة : « ما يحبس أشقاها ، أنْ يخضّبها من فوقها بدم » (٢).

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١٣٩ ـ ١٤٢ ، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١ : ٩٧ ـ ١٠٠.

(٢) الإرشاد ١ : ١٣ ، واُنظر نحوه في المعجم الكبير ١ : ١٠٥ ، كنز العمّال ١٣ : ١٨٧.

٣٦٢

ويروي أهل السنّة أنّ الإمام بعد أنْ قال ذلك لابن ملجم تمثل بالبيتين :

اشدد حيازيمك للموت

فإن الموت أتيك

ولا تجزع من الموت

إذا حلّ بواديك (١)

ثمّ ذهب للصلاة إلى مسجد الكوفة ، فكان في الركعة الأولى بعد أنْ رفع رأسه من السجود ، إذ ضربه اللعين ابن ملجم على أمّ رأسه. فسقط على المحراب وهو يقول : « فزت ورب الكعبة » (٢).

ولمّا كان في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان ، فاضت روحه المقدّسة إلى رياض القدس والجنان ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

__________________

(١) اُنظر المعجم الكبير ١ : ١٠٥ ، شرح نهج البلاغة ٦ : ١١٤.

(٢) تاريخ دمشق ٤٢ : ٥٦١.

٣٦٣

اغتيال الإمام الحسن عليه‌السلام

روى البخاري في صحيحه بسنده عن عدىّ قال : سمعت البرّاء رضي‌الله‌عنه قال : رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، والحسن بن عليّ على عاتقه ، يقول : « اللهمّ إنّي أُحبُّه فأحبَّه » (١).

قال في الدرّ المنثور : أخرج أحمد ، وأبو يعلى ، وابن حبّان ، والطبراني ، والحاكم ، والضياء ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة إلاّ ابني الخالة ، عيسى ابن مريم ، ويحيى ابن زكريّا » (٢).

روى السيوطيّ في الجامع الصغير ، قال رسول الله : « أتاني ملك ، فسلّم عليّ ، نزل من السماء ، لم ينزل قبلها ، فبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة » (٣).

قال المناوي : رواه بمعناه الحاكم وقال : صحيح ، وأقرّه الذهبي (٤).

قال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال : أرسل الحجّاج إلى يحيى بن يعمر فقال : بلغني أنّك تزعم أنّ الحسن

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، صحيح مسلم ٧ : ١٣٠.

(٢) الدرّ المنثور ٤ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(٣) الجامع الصغير ١ : ٢٠.

(٤) فيض القدير ١ : ١٣٨.

٣٦٤

والحسين من ذريّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، تجده في كتاب الله ، وقد قرأته من أوّله إلى آخره ، فلم أجده. قال : ألست تقرأ سورة الأنعام : ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ) (١) ، ( وَيَحْيَى وَعِيسَى ) (٢) ، قال : أليس عيسى من ذريّة إبراهيم وليس له أب؟ قال : صدقت (٣).

قال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج ابن أبي حاتم ، عن فرقد السبخي قال : « أوحى الله إلى عيسى ابن مريم عليه‌السلام في الإنجيل : « يا عيسى ، جد في أمري ولا تهزل ، واسمع قولي ، وأطع أمري. يا ابن البكر البتول ، إنّي خلقتك من غير فحل ، وجعلتك وأمّك آية للعالمين ، فإيّاي فاعبد ، وعليّ فتوكّل ، وخذ الكتاب بقوّة ». قال عيسى عليه‌السلام : أي ربّ ، أىّ كتاب آخذ بقوّة؟ قال : « خذ كتاب الإنجيل بقوّة ، ففسّره لأهل السريانيّة ، وأخبرهم أنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا الحيّ القيّوم ، البديع الدائم ، الذي لا زوال له ، فآمنوا بالله ورسوله النبيّ الأميّ الذي يكون في آخر الزمان ، فصدّقوه واتّبعوه ، صاحب الجمل والمدرعة ، والهراوة والتاج ، الأنجل العين ، المقرون الحاجبين ، صاحب الكساء الذي إنّما نسله من المباركة ، يعني خديجة ، يا عيسى ، لها بيت من لؤلؤ من قصب موصل بالذهب ، لا يسمع فيه أذى ولا نصب ، لها ابنة ، يعني فاطمة ، ولها ابنان ، فيستشهدان ، يعني الحسن والحسين ، طوبى لمن سمع كلامه وأدرك زمانه ، وشهد أيّامه. قال عيسى عليه‌السلام : يا ربّ وما طوبى؟ قال : شجرة في الجنّة ، أنا غرستها بيدي وأسكنتها ملائكتي ، أصلها من رضوان ، وماؤها من تسنيم » (٤).

قال السيوطي في الدرّ المنثور ، أخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، ومسلم ، وابن

__________________

(١) الأنعام : ٨٤.

(٢) الأنعام : ٨٥.

(٣) الدرّ المنثور ٣ : ٢٨.

(٤) المصدر نفسه ٤ : ٥٩ ـ ٦٠.

٣٦٥

جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : « خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غداة ، وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما ، فأدخلهما معه ، ثمّ جاء عليّ ، فأدخله معه ، ثمّ قال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) (٢).

وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس ، في قوله : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) (٣) ، « قال عليّ وفاطمة » ، ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ) (٤) ، قال : « النبيّ صلّى الله عليه وسلّم » ، ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ) (٥) ، « قال الحسن والحسين » (٦).

وأخرج ابن مردويه ، عن أنس بن مالك في قوله : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) ، قال : « عليّ وفاطمة » ، ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ) ، « قال الحسن والحسين » (٧).

قال السيوطي في تفسير الجلالين « فمن حاجك » جادلك في النصارى (فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) بأمره ( فَقُلْ ) لهم ( تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) فنجمعهم ( ثُمَّ نَبْتَهِلْ ) نتضرع في الدعاء ( فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٨) ، بأنْ نقول : اللهمّ العن الكاذب في شأن عيسى ، وقد دعا صلّى الله عليه وسلّم وفد نجران ; لذلك لمّا حاجّوه به فقالوا : حتّى ننظر في أمرنا ، ثمّ نأتيك : فقال ذو رأيهم : لقد عرفتم نبوّته ، وأنّه ما باهل قوم نبيّاً إلاّ

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) الدرّ المنثور ٥ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٣ ـ ٥) الرحمن : ١٩ ـ (٢٠) ٢٢.

(٦) الدرّ المنثور ٦ : ١٤٢.

(٧) المصدر نفسه ٦ : ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٨) آل عمران : ٦١.

٣٦٦

هلكوا ، فوادعوا الرجل ، وانصرفوا ، فأتوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعليّ وقال لهم : « إذا دعوت فأمّنوا » فأبوا أنْ يلاعنوا ، وصالحوه على الجزية. رواه أبو نُعيم ، وعن ابن عبّاس قال : لو خرج الذين يباهلون ، لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلا ، وروي : لو خرجوا لاحترقوا (١).

روى السيوطي في الجامع الصغير قال : قال رسول الله : « أحبّ أهل بيتي إليّ ، الحسن والحسين » (٢).

أخرج الترمذي بسنده عن يعلى بن مرّة قال : قال رسول الله : « حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسينا حسين سبط من الأسباط » (٣).

روى السيوطي في الجامع الصغير قال : قال رسول الله : « الحسن والحسين شنّفا العرش ، وليسا بمعلقين » (٤) [ الشنف : هو القرط المعلق بالإذن ].

روى السيوطي في الجامع الصغير قال : قال رسول الله : « من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني » (٥).

روى الحاكم في المستدرك ، عن عبد الرحمن بن أبي زياد : أنّه سمع عبد الله ابن الحارث بن نوفل يقول : حدّثنا أبو سعيد الخدري ، رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، دخل على فاطمة رضي الله تعالى عنها ، فقال : « إنّي وإيّاك وهذا النائم ، يعني : عليّاً وهما يعني : الحسن والحسين ، لفي مكان واحد يوم القيامة. هذا حديث صحيح الإسناد (٦).

__________________

(١) تفسير الجلالين : ٧٤.

(٢) الجامع الصغير ١ : ٣٧.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٣٢٤ ، وقال : هذا حديث حسن.

(٤) الجامع الصغير ١ : ٥٩٠.

(٥) المصدر نفسه ٢ : ٥٥٤ ، أخرجه ابن ماجة في السنن ١ : ٥١ ، وغيره.

(٦) المستدرك ٣ : ١٣٧.

٣٦٧

روى الحاكم في المستدرك ، عن جابر رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « لكلّ بنيّ أم عصبة ينتمون إليهم ، إلا ابنتي فاطمة ، فأنا وليّهما وعصبتهما » هذا حديث صحيح الإسناد (١).

روى الحاكم في المستدرك ، عن سلمان رضي الله تعالى عنه ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « الحسن والحسين ابناي ، من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار ». هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (٢).

روى الحاكم في المستدرك ، عن أبي هريرة ، رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ومعه الحسن والحسين ، هذا على عاتقه ، وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرّة ، وهذا مرّة ، حتّى انتهى إلينا ، فقال له رجل : يا رسول الله ، إنّك تحبّهما؟ فقال : « نعم ، من أحبّهما فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ». هذا حديث صحيح الإسناد (٣).

روى الطبراني في الكبير ، من طريق أبي أيّوب قال : دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والحسن والحسين يلعبان بين يديه وفي حجره ، فقلت : يا رسول الله ، أتحبّهما؟ قال : « وكيف لا أحبّهما ، وهما ريحانتاي من الدنيا ، أشمّهما » (٤).

روي الترمذي عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أي أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال : « الحسن والحسين » ، وكان يقول لفاطمة : « ادعي

__________________

(١) المستدرك ٣ : ١٦٤.

(٢) المستدرك ٣ : ١٦٦.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٦.

(٤) المعجم الكبير ٤ : ١٥٦.

٣٦٨

لي ابنيّ ، فيشمهما ، ويضمهما إليه » (١).

روى ابن ماجة في سننه ، عن أبي هريرة ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال للحسن : « اللهمّ إنّي أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه » قال : وضمّه إلى صدره (٢).

روى في كنز العمّال ، عن أبي ذر قال : وهل تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان آخى بين الحسن والحسين ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « يا حسن ، مرّتين » ، فقالت فاطمة : يا رسول الله إنّ الحسين لأصغر منه ، وأضعف ركناً منه ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « ألا ترضين أنْ أقول أنا : « هيِّ هَيِّ : بالفتح وتشديد الياء المكسورة اسم فعل للأمر بمعنى أسرع فيما أنت فيه « يا حسن ، ويقول جبريل : هَيِّ يا حسين ، فهل لخلق مثل هذه المنزلة نحن صابرون ، ليقضي الله أمراً كان مفعولا » (٣).

الإمام الحسن عليه‌السلام بويع له بعد مقتل واستشهاد الإمام عليّ عليه‌السلام ، بويع له خليفة للمسلمين ، إلا أنّ معاوية بن أبي سفيان لم يهدأ له بال ، فقام هو ومن معه من المنافقين ، وبالرغم من كلّ تلك النصوص في الإمام الحسن ، بإثارة القلاقل والفتن للإمام الحسن ، حتّى لا يستتبّ الأمر له ، ولأهل البيت عليهم‌السلام.

لقد ثارت وانقلبت الأمّة ضدّ إمامها الذي قال عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصى بأنّه إمام ، فقد ورد أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للحسين عليه‌السلام : « أنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام وأنت حجّة ، أخو حجّة ، أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم المهدي » (٤).

فهو عليه‌السلام الإمام الذي بايعه ورضيه المسلمون ، فالواجب يفرض عليهم

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ٣٢٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥١.

(٣) كنز العمّال ٥ : ٧٢٤.

(٤) ينابيع المودّة ٢ : ٤٤ ، ٣ : ٢٩١ ، ٣٩٤.

٣٦٩

الطاعة لإمامهم والوفاء ببيعته ، إلا أنّ معاوية ومن معه خرجوا على إمام زمانهم ، وحاصروه وتمرّدوا عليه ، ونبذوا بيعتهم له ، ممّا أدّى إلى أنْ يعقد الإمام الحسن عليه‌السلام مع معاوية اتّفاقاً على أنْ يتنازل له عن الحكم ، مقابل أنْ تعود الخلافة بعد معاوية للإمام الحسن ، أو للإمام الحسين عليهما الصلاة والسلام.

وبعد أنْ تمّ لمعاوية ما أراد ، وانتزع الحكم من أهل البيت عليهم‌السلام ، ورضي المسلمون الخروج على إمام زمانهم ، أطلق معاوية اسم عام الجماعة على تلك السنة ، التي حقّق فيها مآربه ضدّ أهل البيت عليهم‌السلام ، ولذلك لا زال في زماننا هذا يطلق لقب أهل السنّة والجماعة على أتباع معاوية ومنْ لفّ لفيفه ، فإضافة السنّة إليهم ، معناه أنّهم أهل سنّة سبّ وشتم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، والجماعة نسبة إلى انتزاع الحكم من الإمام الحسن ومن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، ولذلك هم أهل السنّة والجماعة.

ثمّ إنّه بعد ذلك وحتّى لا يفي معاوية بشروط الاتّفاقيّة التي وقّعها مع الإمام الحسن عليه‌السلام ، قام معاوية بن أبي سفيان بعدّة محاولات لاغتيال الإمام الحسن عليه‌السلام ، والتخلّص منه عن طريق دسّ السمّ له ، إلا أنّه لم يفلح في ذلك.

ولكن معاوية بن أبي سفيان عندما كبر ابنه يزيد ، وأراد أنْ يجعل له ولاية العهد ، قرّر تصفية الإمام الحسن عليه‌السلام ، الإمام الثاني ، ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وريحانته ، وسبطه ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، فقام معاوية وبأمره ورضاه ورعايته ، بدسّ السمّ للإمام وقتله ، وبذلك اغتيل الإمام الحسن عليه‌السلام ، وتمّ لمعاوية ما أراد.

جاء في البدء والتاريخ : أنّ معاوية دسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس بأنْ تسمّ الحسن ، ويزوّجها يزيد ، فسمّته ، وقتلته ، فقال لها معاوية : إنّ يزيد منا بمكان ، وكيف يصلح من لا يصلح لابن رسول الله ، وعوضها منه مائة ألف درهم ، وفي أيّام معاوية ماتت عائشة رضي‌الله‌عنها ، وأمّ سلمة ، وأبو هريرة ، وسعد بن

٣٧٠

أبي وقّاص ، وعبد الله بن عمر ، وأبو أيّوب الأنصاري ، بالقسطنطينيّة ، وكان معاوية قد أذكى العيون على شيعة عليّ عليه‌السلام ، يقتّلهم أينما أصابهم ، فقتل حجر بن عديّ ، وعمرو بن الحمق في جملة من قتل (١).

جاء في الاستيعاب لابن عبد البرّ : وقال قتادة ، وأبو بكر بن حفص : سُمّ الحسن بن عليّ سمّته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ ، وقالت طائفة : كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها من ذلك ، وكان لها ضرائر ، والله أعلم (٢).

ذكر أبو زيد عمر بن شبّة ، وأبو بكر بن أبي خيثمة قالا : حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : حدّثنا أبو هلال ، عن قتادة قال : دخل الحسين على الحسن فقال : « يا أخي ، إنّي سقيت السمّ ثلاث مراراً ، لم أسقَ مثل هذه المرّة ، إنّي لأضع كبدي » فقال الحسين : « من سقاك يا أخي » قال : « ما سؤالك عن هذا أتريد أنْ تقاتلهم أكلهم إلى الله » (٣).

وبسنده عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال : كنّا عند الحسن بن عليّ ، فدخل المخرج ثمّ خرج فقال : « لقد سقيت السمّ مراراً ، وما سقيته مثل هذه المرّة ، لقد لفظت طائفة من كبدي ، فرأيتني أقلّبها بعود معي ». فقال له الحسين : « يا أخي ، من سقاك » قال : « وما تريد إليه ، أتريد أنْ تقتله » قال : « نعم » قال : « لئن كان الذي أظنّ ، فالله أشدّ نقمة ، ولئن كان غيره ، ما أحبّ أنْ تقتل بي بريئاً » (٤).

ورى الحاكم في مستدركه ، عن قتادة بن دعامة السدوسي قال : سمّت ابنة الأشعث بن قيس ، الحسن بن عليّ ، وكانت تحته ، ورُشيت على ذلك مالاً (٥).

__________________

(١) البدء والتاريخ ٢ : ٢٣٨.

(٢ ـ ٣) الاستيعاب ١ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

(٤) المصدر نفسه ١ : ٣٩٠.

(٥) المستدرك ٣ : ١٧٦.

٣٧١

روى الحاكم في مستدركه ، عن عمير بن إسحاق ، إنّ الحسن بن علي قال : « لقد بلّت طائفة من كبدي ، ولقد سقيت السم مراراً ، فما سقيت مثل هذا ».

روى ابن أبي شيبة في مصنّفه ، حدّثنا أبو أسامة ، عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال : دخلت أنا ورجل على الحسن بن عليّ نعوده ، فجعل يقول لذلك الرجل : « سلني قبل أنْ لا تسألني » قال : ما أريد أنْ أسألك شيئاً يعافيك الله. قال : فقام ، فدخل الكنيف ، ثمّ خرج إلينا ، ثمّ قال : « ما خرجت إليكم حتّى لفظت طائفة من كبدي ، أقلّبها بهذا العود ، ولقد سقيت السمّ مراراً ، ما شيء أشدّ من هذه المرّة ، قال : فغدونا عليه من الغد ، فإذا هو في السوق. قال : وجاء الحسين وجلس عند رأسه فقال : « يا أخي ، من صاحبك « قال : « تريد قتله « قال : « نعم « قال : « لئن كان الذي أظنّ ، لله أشدّ نقمة ، وإنْ كان بريئاً ، فما أحبّ أنْ يقتل بريء » (١).

وجاء في صفوة الصفوة ، وعن رقبة بن مصقلة قال : لمّا نزل بالحسن بن عليّ الموت قال : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار ، فأخرج. فقال : « اللهمّ إنّي أحتسب نفسي عندك ، فإنّي لم أصب بمثلها غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم » (٢).

وبعد أنْ قتل الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ، وأحضره الإمام الحسين وشيعة أهل البيت إلى زيارة قبر جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خرجت عائشة تصرخ فيهم وتقول : لا تدفنوا في منزلي من لا أحبّ ، روى في سير أعلام النبلاء أنّ عائشة قالت : لا يكون لهم رابع أبداً ، وإنّه لبيتي ، أعطانيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حياته (٣).

روى الذهبي في سير أعلام النبلاء ، عن أبي عوانة ، عن حصين ، عن أبي

__________________

(١) المصنف ٨ : ٦٣١.

(٢) صفوة الصفوة ١ : ٧٦٢.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٧٦.

٣٧٢

حازم قال : لمّا حضر الحسن ، قال للحسين : ادفني عند أبي ، يعني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، إلاّ أنْ تخافوا الدماء ، فادفنّي في مقابر المسلمين ، فلمّا قبض ، تسلّح الحسين وجمع موإليه ، فقال له أبو هريرة : أنشدك الله ووصيّة أخيك ، فإنّ القوم لن يدعوك حتّى يكون بينكم دماء ، فدفنه بالبقيع ، فقال أبو هريرة : أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه ، فمنع ، أكانوا قد ظلموه؟ فقالوا : نعم. قال : فهذا ابن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قد جيء ليدفن مع أبيه. وعن رجل ، قال : قال أبو هريرة مرّة يوم دفن الحسن : قاتل الله مروان ، قال : والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وقد دفن عثمان بالبقيع (١).

روى الذهبي في سير أعلام النبلاء ، عن الواقدي ، حدّثنا عبيد الله بن مرداس ، عن أبيه ، عن الحسن بن محمّد ابن الحنفيّة قال : جعل الحسن يوعز للحسين : يا أخي ، إيّاك أنْ تسفك دماً ، فإنّ الناس سراع إلى الفتنة. فلمّا توفي ، ارتجّت المدينة صياحاً ، فلا تلقى إلا باكياً ، وأبرد مروان إلى معاوية بخبره ، وأنّهم يريدون دفنه مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ولا يصلون إلى ذلك أبدا وأنا حي ، فانتهى حسين إلى قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : احفروا ، فنكب عنه سعيد ابن العاص ، يعني أمير المدينة ، فاعتزل ، وصاح مروان في بني أميّة ، ولبسوا السلاح ، فقال له حسين : يا ابن الزرقاء ، مالك ولهذا! أوال أنت؟ فقال : لا تخلص إلى هذا وأنا حي ، فصاح الحسين بحلف الفضول ، فاجتمعت هاشم ، وتيم ، وزهرة ، وأسد في السلاح ، وعقد مروان لواء ، وكانت بينهم مراماة. وجعل عبد الله بن جعفر يلحّ على الحسين ويقول : يا ابن عمّ ، ألم تسمع إلى عهد أخيك ، أذكّرك الله أنْ تسفك الدماء ; وهو يأبى : قال الحسن بن محمّد : فسمعت أبي يقول لقد رأيتني

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

٣٧٣

يومئذ ، وإنّي لأريد أنْ أضرب عنق مروان ، ما حال بيني وبين ذلك إلا أنّ مستوجباُ لذلك. ثمّ رفقت بأخي ، وذكّرته وصيّة الحسن ، فأطاعني (١).

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : قال جويرية بن أسماء : لمّا أخرجوا جنازة الحسن ، حمل مروان سريره ، فقال الحسين : تحمل سريره : أما والله لقد كنت تجرّعه الغيظ. قال : كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال (٢).

فتوجّه به الإمام الحسين عليه‌السلام إلى البقيع ، حيث دفن هناك شهيداً مقتولاً مظلوماً من معاوية وأعوانه.

صلى الله عليك يا سيدي الإمام الحسن ، أيها الشهيد المظلوم ، وعلى

آبائك الطيّبين الطاهرين ، وسلّم تسليما كثيرا

__________________

(١ ـ ٢) سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٧٦.

٣٧٤

إغتيال الإمام الحسين

والأئمّة من ولده ، عليهم الصلاة والسلام

الإمام الحسين أبو عبد الله ، سيّد الشهداء ، ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثالث الأئمّة من أهل بيت النبوّة والرحمة والنجاة ، الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العشرات من الروايات ، حتّى ينبّه المسلمين إلى كبر فضل مقامه ، وإلى إمامته ، وأنّ من أحبّه فقد أحبّ الله.

روى الترمذي عن النبيّ أنّه قال : « حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسينا ، حسين سبط من الأسباط » (١).

روى الحاكم في المستدرك ، عن يعلى العامري : أنّه خرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، إلى طعام دعوا له. قال : فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إمام القوم ، وحسين مع الغلمان يلعب ، فأراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنْ يأخذه ، فطفق الصبيّ يفرّ ها هنا مرّة ، وها هنا مرّة ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضاحكه ، حتّى أخذه. قال : فوضع إحدى يديه تحت قفاه ، والأخرى تحت ذقنه ; فوضع فاه على فيه يقبّله ، فقال : « حسين منّي ، وأنا من حسين ، أحبّ

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ٣٢٤ ، مسند أحمد ٤ : ١٧٢ ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير ١ : ٥٧٥ ، بلفظ « حسين مني وأنا منه ، أحبّ الله من أحبّ حسينا ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ».

٣٧٥

الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط » (١).

عاش الإمام الحسين حياة الإسلام الأولى ، وعاصر ما لحق من ظلم على أهل البيت من عصور الخلافة الأولى ، فقد رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهد أحداث وظلم عصور الخلفاء المؤلمة والمظلمة ، وعاش وشاهد مظلومية جدّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومظلوميّة فاطمة الزهراء ، وما حصل مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وكيف عاش مظلوماً إلى أنْ قتل شهيداً في محرابه ، وأيضاً عاش الإمام الحسين عليه‌السلام مظلوميّة أخيه الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ، حتّى قتل شهيداً مظلوماً بالسمّ من قبل معاوية بن أبي سفيان وأعوانه.

لقد عاش الإمام الحسين عليه‌السلام ذلك كلّه ، وعاصره ، وشاهد انحدار الأمّة ، وابتعادها عن دين الله ، حتّى أصبح الدين لا وجود له في حياة المسلمين ، فنهض عليه الصلاة والسلام لإصلاح أمّة جدّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى وصل إلى كربلاء فقام الأمويون بقيادة يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد بن أبي وقّاص بمحاصرته ، هو وأهل بيته وأصحابه ، وقطعوا عنهم الماء ، وقتلوا أبناء الحسين وأهل بيته وأصحابه ، وبقي عليه‌السلام وحيداً ، فانفردوا به وقتلوه ، وقطعوا رأسه الشريف وحملوه على الرماح ، حتّى يقدّم بين يدي يزيد ، وسَبوا نساءه ، ومعهم السيّدة زينب عليها‌السلام عقيلة بني هاشم.

لقد قتلوا ابن نبيّهم وإمامهم دون خوف أو تردّد مع إصرار منهم على ذلك ، ومهما تحدثت في هذا المقام ، فإنّني لن أفي الإمام الحسين جدّي وسيّدي ومولاي حقّه ، ولذلك فإنّني أترك للقارئ العزيز قراءة الأحدث التي جرت في كربلاء وأهوالها وشناعتها ، أترك ذلك لمراجعته من مصادره المتخصّصة في ذكر مقتل واغتيال الحسين عليه‌السلام ، من كتب أهل البيت ومصادرهم ، ولكنّني في هذا

__________________

(١) المستدرك ٣ : ١٧٧.

٣٧٦

المقام ، وحسب ما تقتضيه الغاية من هذا الكتاب ، فإنّني سأتعرّض لبعض ما ذكر عن الإمام الحسين عليه‌السلام ، وحادثة الطف من كتب أهل السنّة.

فقد نوهّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسمه كثيراً ، وذكرت لك العديد من الروايات في بحث اغتيال الإمام الحسن عليه‌السلام ، ولكنّني في هذا المقام ، أضيف الروايات المتعلّقة بالإمام الحسين عليه‌السلام ، فقد بكى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما أخبره جبريل عليه‌السلام بأنّ أمّته ستقتله من بعده بأرض كربلاء ، في يوم كرب وبلاء على الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه ، وكذلك أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمّ سلمة رضي‌الله‌عنها ، والمسلمين ، أنّ المسلمين سيقتلون الحسين ، وسيغدرون به ، وأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمّ سلمة ، أنّها إذا رأت التراب الذي أعطاه الملك لرسول الله ، وأحضره إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخبّأه عندها ، إذا تحول إلى دم ، فإنّ ذلك يعني اغتيال واستشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام.

روى الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أنس قال : استأذن ملك القطر على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « يا أمّ سلمة ، احفظي علينا الباب ، فجاء الحسين فاقتحم وجعل يتوثب على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ورسول الله يقبّله. فقال الملك : أتحبّه قال : نعم. قال : إنّ أمتّك ستقتله ، إنْ شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه. قال : نعم. فجاءه بسهلة أو تراب أحمر. قال ثابت : كنّا نقول إنّها كربلاء (١).

وفي مجمع الزوائد ، عن أنس بن مالك ، أنّ ملك القطر استأذن [ ربّه ] أنْ يأتي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فأذن له ، فقال لأمّ سلمة : املكي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد. قال وجاء الحسين بن عليّ ليدخل ، فمنعته ، فوثب فدخل ، فجعل يقعد على ظهر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وعلى منكبه وعلى عاتقه ، قال : فقال الملك للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم : أتحبّه؟ قال : « نعم ». قال : إنّ أمّتك ستقتله ، وإنْ شئت

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٨٨.

٣٧٧

أريتك المكان الذي يقتل به. فضرب بيده ، فجاء بطينة حمراء ، فأخذتها أمّ سلمة ، فصرّتها في خمارها. قال ثابت : بلغنا أنّها كربلاء. رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني (١).

أخرج الطبراني وعنه في مجمع الزوائد ـ واللفظ له ـ ، عن عائشة قالت : دخل الحسين بن عليّ رضي‌الله‌عنهما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وهو يوحى إليه ، فنزا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وهو منكبٌّ وهو على ظهره ، قال جبريل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أتحبّه يا محمّد؟ قال : « يا جبريل ، ومالي لا أحبّ ابني »! قال : فإنّ أمّتك ستقتله من بعدك ، فمدّ جبريل عليه‌السلام يده فأتاه بتربة بيضاء ، فقال : في هذه الأرض يقتل ابنك هذا ، واسمها الطف ، فلمّا ذهب جبريل من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والتزمه في يده يبكي ، فقال : « يا عائشة ، إنّ جبريل أخبرني أنّ ابني حسين مقتول في أرض الطفّ ، وأنّ أمّتي ستفتن بعدي ». ثمّ خرج إلى أصحابه ، فيهم عليّ وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمّار وأبو ذر رضي‌الله‌عنهم ، وهو يبكي. فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : « أخبرني جبريل عليه‌السلام ، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أنّ فيها مضجعه » (٢).

وفي مجمع الزوائد ، عن أبي الطفيل قال : استأذن ملك القطر أنْ يسلّم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيت أمّ سلمة فقال : لا يدخل علينا أحد. فجاء الحسين بن عليّ رض الله عنهما ، فدخل ، فقالت أمّ سلمة : هو الحسين ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « دعيه ». فجعل يعلو رقبة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ويعبث به ، والملك ينظر ، فقال الملك : أتحبّه يا محمّد؟ قال : « أي والله ، إنّي لأحبّه ». قال :

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١٨٧.

(٢) المعجم الكبير ٣ : ١٠٧ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٨٧ ـ ١٨٨.

٣٧٨

أمّا إنّ أمّتك ستقتله ، وإنْ شئت أريتك المكان. فقال بيده ، فتناول كفّاً من تراب ، فأخذت أمّ سلمة التراب ، فصرّته في خمارها ، فكانوا يرون أنّ ذلك التراب من كربلاء. رواه الطبراني وإسناده حسن (١).

روى في مجمع الزوائد ، عن ابن عبّاس قال : كان الحسين جالساً في حجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقال جبريل صلّى الله عليه وسلّم : أتحبّه؟ فقال : « وكيف لا أحبّه ، وهو ثمرة فؤادي »؟ فقال : أما إنّ أمّتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة ، فإذا تربة حمراء (٢).

وفي كنز العمّال ، عن شيبان بن محزم قال : إنّي لمع عليّ ، إذ أتى كربلاء فقال : « يقتل في هذا الموضع شهداء ، ليس مثلهم شهداء ، إلا شهداء بدر » (٣).

وفي كنز العمّال عن محمّد بن عمرو بن حسين قال : كنّا مع الحسين بنهر كربلاء ، فنظر إلى شمرذي الجوشن فقال : « صدق الله ورسوله! قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : كأنّي أنظر إلى كلب أبقع ، يلغ في دماء أهل بيتي »! وكان شمراً أبرص (٤).

روى في مجمع الزوائد ، عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب قال : لمّا أحيط بالحسين بن عليّ قال : « ما اسم هذه الأرض »؟ قيل : كربلاء ، قال : « صدق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : إنّها أرض كرب وبلاء ». رواه الطبراني (٥).

روى ابن كثير في البداية والنهاية ، عن أمّ الفضل بنت الحارث ، أنّها دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت : يا رسول الله ، إنّي رأيت حلماً منكراً

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١٩٠.

(٢) مجمع الزوائد ٩ : ١٩١ ـ ١٩٢.

(٣) كنز العمّال ١٣ : ٦٥٥.

(٤) كنز العمّال ١٣ : ٦٧٢.

(٥) مجمع الزوائد ٩ : ١٩٢.

٣٧٩

الليّلة. قال : « وما هو »؟ قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطّعت ووضعت في حجري. قال : « رأيت خيراً ، تلك فاطمة ، إنْ شاء الله تلد غلاماً ، فيكون في حجرك » فولدت فاطمة الحسين ، فكان في حجري كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة ، فإذا عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تهريقان الدّموع ، قالت : قلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمّي ، مالك؟ قال : « أتاني جبريل عليه‌السلام ، فأخبرني أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا ». فقلت : هذا؟ قال : « نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » (١).

روى في بغية الطلب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : أوحى الله تعالى إلى محمّد ، إنّي قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا (٢).

ورى في بغية الطلب ، عن عبد الله بن سعد بن أبي هند ، عن عائشة ، وأمّ سلمة ، أنّ النبيّ دخل عليهما وهو يبكي ، قالتا : فسألناه عن ذلك ، فقال : « إنّ جبريل أخبرني أنّ ابني الحسين يقتل وبيده تربة حمراء ، فقال : هذه تربة تلك الأرض » (٣).

روى في بغية الطلب ، عن أمّ سلمة قالت : دخل عليّ النبيّ فقال لي : احفظي الباب ، لا يدخل عليّ أحد ، فسمعت نحيبه فدخلت ، فإذا الحسين بين يديه ، فقلت : والله يا رسول الله ، ما رأيته حين دخل ، فقال : إنّ جبريل كان عندي آنفاً ، فقال لي : يا محمّد ، أتحبّه؟ فقلت : « يا جبريل ، أما من حبّ الدنيا فنعم » قال : فإنّ أمّتك ستقتله بعدك ، تريد أريك تربته يا محمّد ، فدفع إليّ هذا التراب ، قالت أمّ سلمة :

__________________

(١) البداية والنهاية ٦ : ٢٥٨.

(٢) بغية الطلب في تاريخ حلب ٦ : ٢٥٧.

(٣) المصدر نفسه.

٣٨٠