سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

١
٢

٣
٤

دليل الكتاب

مقدّمة المركز.................................................................... ٧

الإهداء......................................................................... ٩

المقدّمة........................................................................ ١١

المقارنة بين الأمم وإعادة دراسة التاريخ........................................... ١٨

عصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم............................................................ ٣٠

اعتقاد أهل السنّة في عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.......................................... ٤٢

وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية البلاغ ، وآية الولاية ، وآية كمال الدين وتمام النعمة ، وحديث الغدير والولاية         ٩٨

حديث الثقلين............................................................... ١٢٨

حديث المنزلة................................................................ ١٣٣

الشيعة والتشيّع............................................................... ١٥٤

حقيقة الصحابة.............................................................. ١٦٤

اغتيال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله........................................................ ٢٢٥

اغتيال فاطمة الزهراء بنت رسول الله سلام الله عليها............................. ٢٧٦

اغتيال وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم................................................. ٣٢٩

أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام........................................................ ٣٢٩

اغتيال الإمام الحسن عليه‌السلام..................................................... ٣٦٤

إغتيال الإمام الحسين والأئمّة من ولده ، عليهم الصلاة والسلام.................... ٣٧٥

الإمام الرابع.................................................................. ٤٢٠

٥

الإمام الخامس................................................................ ٤٢١

الإمام السادس............................................................... ٤٢٢

الإمام السابع................................................................. ٤٢٤

الإمام الثامن................................................................. ٤٢٥

الإمام التاسع................................................................. ٤٢٦

الإمام العاشر................................................................. ٤٢٧

الإمام الحادي عشر........................................................... ٤٢٨

اغتيال السنّة النبوية........................................................... ٤٣١

أبو بكر والسنّة النبويّة........................................................ ٤٤٦

عمر والسنّة النبويّة........................................................... ٤٥٠

عثمان بن عفان والسنّة........................................................ ٤٦٢

عصر الإمام عليّ عليه‌السلام........................................................ ٤٦٩

أسباب حرق السنّة ، ومنع تدوينها في عصر أبي بكر وعمر وعثمان................ ٤٦٩

قوانين اعتماد الحديث عند أهل السنّة........................................... ٤٩٣

ذكر الروايات المتعلّقة بالنسائي................................................. ٤٩٤

الانقلاب والتغيير بعد رسول الله................................................ ٥٢٠

التجسيم ورؤية الله تعالى...................................................... ٥٥٤

مصادر الكتاب............................................................... ٥٨٢

٦

مقدّمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على خاتم

المرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم ، استناد الأُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الأصيلة ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحدّيات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة.

وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل ، نلحظ أنّ المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة عليهم‌السلام بأبهى صورها وأجلى مصاديقها.

هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحول الله تعالى.

ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي أُسس

٧

لأجل نصرة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وتعالميه الرفيعة.

ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت عليهم‌السلام على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي مَنّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم ـ إلى مطبوعات توزّع في شتى أرجاء العالم.

وهذا المؤلّف ـ « سبيل المستبصرين إلى الصراط المستقيم » ـ الذي يصدر ضمن « سلسلة الرحلة إلى الثقلين » مصداق حيّ وأثر عملي بارز يؤكّد صحة هذا المدّعى.

على أنّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكلّ معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والأساليب ، مضافاً إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين وتدوينها في « موسوعة من حياة المستبصرين » التي طبع منها عدّة مجلّدات لحدّ الآن ، والباقي تحت الطبع وقيد المراجعة والتأليف ، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يتقبّل هذا القليل بوافر لطفه وعنايته.

ختاماً نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب من أعضاء مركز الأبحاث العقائدية ، ونخصّ بالذكر الأخ الكريم الشيخ حكمت الرحمة ، الذي قام بمراجعته واستخراج كافة مصادره ، فلله درّهم وعليه أجرهم.

محمّد الحسّون

مركز الأبحاث العقائدية

٢٨ صفر١٤٢٩ هـ

الصفحة على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

٨

الإهداء

أهدي هذا العمل المتواضع إلى صاحب الدعوة المحمّدية رسولنا الأكرم سيّدنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وإلى سيّدتي ومولاتي سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

وإلى أئمّتي الاثنى عشر المعصومين عليهم‌السلام.

وأقدّمهم وسيّدتي إلى الله جلّ وعلا ، راجياً منه سبحانه وتعالى ، ومتوسلاً بهم إليه أنْ يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأنْ يتقبّله منّي عنواناً على محبّتي لأئمّتي وشهادة لموالاتي وحبّي وطاعتي لهم جميعاً ، إنّه سميع مجيب.

صلاح الدين الحسيني

٩
١٠

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على هدايته لسبيل النجاة والصراط المستقيم والعروة الوثقى ، حمد الشاكرين المخبتين المعترفين بنعمته ، يا ربّ لك الحمد ولك الشكر كما ينبغي لجلال وجهك الكريم وعظيم سلطانك ، لك الحمد كما أثنيت على نفسك لا أحصى ثناءً عليك.

الحمد لله الذي هدانا وما كنّا لنهتدي لو لا أنْ هدانا الله ، وأصلّي وأسلّم على المبعوث رحمة للعالمين سيّدنا محمّد وعلى الأئمّة الأطهار من أهل بيته المعصومين الطاهرين ، صلاة وسلاماً لا تنقطع ولا تبيد إلى يوم الدين.

بعد أن هدانا الله لهذه النعمة العظيمة ، نعمة معرفة طريق الحقّ وسبيل المستبصرين ، ومنّ علينا وتكرّم بمعرفة أئمّتنا سلام الله تعالى عليهم ، رأيت من واجبي الشرعي أن أسجّل لأخواني المؤمنين بعض الخطوط العريضة ، والتي كان لها الدور الكبير والأثر الفعّال في الوصول إلى الحقيقة المغيّبة عن واقعنا ومجتمعنا وسلوكنا ، وهي حقيقة أهل البيت عليهم‌السلام ، ووجوب اتّباعهم والاقتداء بهديهم وركوب سفينتهم سفينة النجاة ، والتي منّ الله بها على الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى

١١

يخلّصوهم من الضلال ، ويسلكوا بهم سبيل الهداية والرشاد ، الموصلة إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رضا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

تلك الخطوط العريضة والتي كانت نتيجة تساؤلات لطالما شغلت تفكيري ، وجوانب عديدة من حياتي ، ولم أجد لها الإجابة الوافية الشافية المقنعة عند علمائنا ومذاهبنا الإسلامية المختلفة ، فظللت ولفترة طويلة دائم البحث والتنقّل في مختلف الآراء والمذاهب ، أنشد ضالّتي ، حتّى استقرّ بي الأمر عند أهل البيت وأتباعهم شيعة أهل البيت عليهم‌السلام.

لقد كنّا دائماً منذ صغرنا نصطدم بكثير من الحقائق ، والتي حصلت في عصر نبيّنا الأكرم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي عصور الخلافة الأولى ، ونحتاج إلى أجوبة مقنعة ، ولكن كانت تبرّر من العلماء بمبرّرات أظنّها ليست مقنعة لهم ، وكنّا نتخيّل تاريخنا خال من التناقضات ، وكنّا نسمع عن تجاوزات الكثير من الخلفاء الأمويين والعباسيين ، ونقرأ الكثير عن سهرات المجون والفسق ، وكلّ ذلك كنّا نجد له تبريراً عند علمائنا ، صحيح أنّ التبرير غير مقنع ومخالف للواقع ، لكنّ المهم أنّ التبريرات كانت جاهزة.

وبعد الرجوع والتدقيق في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعصر الخلافة الأولى والثانية والثالثة ، اصطدمت بكثير من الحقائق ، والتي كنّا إذا سألنا عنها أحداً من العلماء ، لا نجد جواباً إلا الصدّ والوجوه المكفهرّة ، وربّما الاتّهامات الباطلة والقدح والذم.

لقد نشأتُ وترعرعت في بيئة دينيّة محافظة ، فقد كان والدنا شديد الحرص على أن نكون من الملتزمين بالدين الإسلامي وتعاليمه ، هذه النشأة والتربية جعلتني دائم البحث والتقصّي عن الأمور الدينية من أجل الالتزام بها ، ونوال رضوان الله سبحانه وتعالى ورضا الوالدين.

١٢

ولقد لفت نظري كثيراً الحديث النبويّ الذي يقول : تفترق أمّتي على ثلاثة وسبعين فرقة كلّها في النار إلا واحدة (١) ، وهذا الحديث في اعتقادي أنّه يوجب على المسلمين جميعاً ، البحث والنظر من أجل أن يكونوا في صفّ الفرقة الناجية ومعها.

ومن القضايا التاريخية والتي تلفت النظر حقيقة تغييب أهل البيت عليهم‌السلام وفضائلهم ، مع أنّ القرآن الكريم والسنّة النبويّة أكدّا على فضلهم ووجوب اتّباعهم وطاعتهم ، فلماذا لم تتبعهم الأمّة ، بل تركتهم ولم تطع الله ورسوله في شأنهم ، بل وعلى مرّ التاريخ ، كانت توضع المبرّرات لتأويل النصوص وصرفها عن معناها أو تضعيفها ، ولا زال هذا الأمر هو الشغل الشاغل لعلماء أهل السنّة ، فدائماً تراهم يؤوّلون النصوص المتعلّقة بولاية أهل البيت أو تضعيفها ، وكأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما تحدّث بتلك الآلاف المؤلّفة من الأحاديث التي تأمر باتّباع أهل البيت عليهم‌السلام ، يظهرونه وكأنّه يتحدّث للتسلية وليس للتشريع.

ومن القضايا التي كان لها الأثر الكبير في البحث هي مواقف الصحابة الكثيرة والعديدة ، والتي لا يجد الإنسان المنصف إلا تفسيراً واحداً لها ، وهو عدم الصدق والإخلاص في متابعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

لماذا قاموا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعاداة أهل البيت عليهم‌السلام ، وأظهروا البغض لهم ، واعتدوا على السيّدة الزهراء عليها‌السلام وهجموا على بيتها ، وأسقطوا جنينها؟

لماذا توفّيت السيّدة الزهراء عليها‌السلام ، وهي غاضبة على أبي بكر وعمر مع أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (٢).

__________________

(١) أنظر : الحديث بالفاظه المختلفة في مسند أحمد ٣ : ١٢ ، ٤ : ١٠٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٩٠ ، سنن الترمذي ٤ : ١٣٤.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٤ ، المعجم الكبير ١ : ١٠٨.

١٣

لماذا قتل الإمام عليّ عليه‌السلام ، ولماذا قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، ولماذا قتل جميع الأئمّة عليهم‌السلام من قبل المسلمين والسلطة الحاكمة؟ ولماذا عندما بويع لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قام معاوية بن أبي سفيان بالخروج عليه وقتاله؟ لماذا خرجت السيّدة عائشة أمّ المؤمنين لقتال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب مع أنّ الله أمرها بأنّ تقرّ في بيتها ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حذّرها كثيراً من ذلك؟

وأيضاً من القضايا التي لا يمكن السكوت عليها ، بل كانت دائماً محلّ تساؤل عندي ، مواقف الصحابة في أحد وحنين ، وكذلك في معركة الخندق عندما دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمبارزة عمرو بن ودّ العامري ، على أن يضمن له الجنّة ، فلم يقم لا أبو بكر ولا عمر ، ولكن قام أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام.

وأيضاً لماذا هرب عمر بن الخطاب وغيره في حنين ، وترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أمّا القضيّة الأخطر والتي صدمتني ولم أجد لها جواباً عند العلماء سوى التبريرات التي لا تقنع أي إنسان ، هي قضيّة رزيّة الخميس ، عندما دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، فمنعه عمر بن الخطّاب من ذلك ، واتّهمه بالهجر والهذيان وقال : حسبنا كتاب الله (١).

لماذا قام أبو بكر بحرق سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك عمر قام بحرقها أيضاً ، ومنعا من التحديث بها وتدوينها ممّا أدّى إلى ضياعها.

لماذا لم يؤمن عمر بن الخطاب برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم صلح الحديبية مع أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : إنّي رسول الله ولن يضيّعني (٢) ، ولكنّ عمر بن الخطّاب لم يقنع ، وظلّ يخذّل المسلمين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) اُنظر : صحيح البخاري ٥ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، ٧ : ٩ ، صحيح مسلم ٥ : ٧٦.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٤٥ ، صحيح مسلم ٥ : ١٧٥.

١٤

مواقف عجيبة وعديدة ، المئات منها يصطدم بها الباحث المسلم دون أن يجد لها جوابا.

ثُمّ إنّ هناك العشرات من الأحاديث موجودة في كتب الصحاح والسنن عند أهل السنّة لا نجد لها تفسيراً ، فهل كان كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبثاً أو غير مفهوم ، وهل تحدّث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما لا يمكن أنْ يفهم ، حاشا رسول الله ذلك.

مثلاً : لماذا يركّز المسلمون على حديث العشرة المبشّرين بالجنّة ، مع أنّه كان موجوداً في ذلك الوقت ، السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام سيّدة نساء أهل الجنّة ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وكذلك سلمان وأبو ذر والمقداد وبلال وعمّار ، وغيرهم ممّن بشّرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنّة ، لماذا ركّز أهل السنّة على العشرة وتركوا الباقي؟

ما هو تفسير حديث الأئمّة بعدي اثنى عشر ، من هم أولئك الأئمّة ، ما هو جواب هذا اللغز الغامض عند أهل السنّة؟ لم أجد الجواب إلا عند أهل البيت عليهم‌السلام وأتباعهم.

لماذا قام المسلمون في خلافة معاوية بن أبي سفيان بسبّ وشتم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على المنبر لأكثر من ثمانين عاماً ، وسكتوا حتّى عن تبرير ذلك الأمر ، مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من سبّ علياً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله (١).

أين قبر السيّدة الزهراء؟ لماذا لم ترد أنْ يعرف المسلمون مكان دفنها؟ هل في ذلك حجّة على المسلمين من أجل معرفة مظلوميّتها؟

كلّ هذه الأسئلة كانت محلّ تساؤل وحيرة عندي وعند الكثير من

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢١.

١٥

المؤمنين ، بقيت ولفترة طويلة دون إجابة شافية إلى أنْ منّ الله عليّ بالهداية والولاية ومعرفة الصراط المستقيم ، أهل البيت عليهم‌السلام ، سفينة النجاة والعروة الوثقى.

وقد كنت أطالع العديد من الكتب الفقهيّة والتي تذكر الأحكام في المذاهب الإسلاميّة كلّها ، ولكن لم أكن قد اطّلعت على تفاصيل أكثر بما يتعلّق بالإماميّة الجعفرية.

وكان الأمر بين أخذ وردّ ، إلى أنْ منّ الله عليّ برؤية مناميّة رأيت فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرني بزيارة الإمام الحسين ، وكانت الرؤيا في صباح اليوم الأوّل من محرّم ، وبعد أنْ استيقظت أخذت في البحث في شبكات الإنترنيت عن كلّ شيء يتعلّق بعاشوراء وزيارة الإمام الحسين عليه‌السلام فصدمت ولم أستطع الوقوف على قدمي ، والسبب أنّني اكتشفت أنّنا كنّا نعتبر يوم عاشوراء يوم عيد نفرح به وندخل فيه السرور على عوائلنا ، وإذا به يوم حزن شديد ، ويوم مصيبة عظيمة ، مصيبة الحسين عليه‌السلام ، وللأسف الشديد لا نعرف شيئاً عن مظلوميّات أهل البيت عليهم‌السلام ، وأخذنا بما رسمه لنا الحجّاج بن يوسف ، حيث اعتبر يوم عاشوراء ـ يوم مقتل واستشهاد الإمام الحسين وأبنائه وأصحابه ـ اعتبره يوم فرح وسرور ، بغضاً وحقداً على أهل البيت وأئمّتهم ، وطاعة لأسياده من بني أميّة ومن بني الحكم وغيرهم ، كانت هذه القضيّة نقطة تحوّل كبيرة في حياتي ، وأهم شيء قرّرته هو أنّه لابد من أنْ أقوم بالبحث والتقصّي بنفسي ، ولا أسأل أولئك العلماء الذين أخذوا جهالة من جهّال ، أو هم كمثل الحمار يحمل أسفاراً ، فلابدّ أنْ أقوم بذلك بنفسي حتّى أبرّئ ذمّتي أمام الله سبحانه وتعالى.

ثُمّ إنّني وبحكم وجودي في فلسطين ، شاهدت وعايشت تصرّفات اليهود وأفعالهم وسلوكياتهم التي لا تخفى على أحد. تذكّرت حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما يقول : لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتّى لو دخلوا

١٦

جحر ضبّ تبعتوهم (١). فظهر لي أنّه لابدّ من المقارنة التاريخية بين المسلمين وبين الأمم الأخرى ، وبما أنّ الأمّة سوف تتّبعهم فلابدّ وأنْ يكون هناك تشابه كبير جدّاً في الأفعال والسلوكيّات فقررت الدخول في هذا المجال ولو بشكل بسيط على أنْ أقدّم للقارئ العزيز مقارنات بين المسلمين وبين الأمم الأخرى ، وفي نفس الوقت أحافظ على توجيه القارئ العزيز خوفاً من الصدمة ، إلى سفينة أهل البيت عليهم‌السلام ، وإلى الفرقة الناجية أتباعهم وشيعتهم ، مع ذكر كلّ ما يمكن أن يكون محلّ تساؤل عند أيّ إنسان مستبصر يريد سلوك سبيل المستبصرين.

وإنّني أدعو القارئ العزيز أنْ يقرأ جميع المواضيع المحتوي عليها هذا الكتاب بدقّة وتأنّي ، وأنْ يوسّع صدره قليلاً ، وأنْ يتحلّى بالصبر والتروّي حتّى ينتهي من قراءته ، وأسأل الله الهداية للمسلمين ، وأن يرحمنا برحمته الواسعة ، وأنْ يسدّد خطانا نحو الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً.

وإنّني في هذا المقام أناشد المسلمين جميعاً أنْ يتّقوا الله ، وأنْ يتفكّروا في آخرتهم قبل أن يفوت الأوان ، فالعمر قصير ، وإنّنا غداً سوف نُسأل أمام الله ماذا قدّمنا لآخرتنا ، جعلنا الله وإيّاكم من الموفين بعهدهم اذا عاهدوا ، ومن المخلصين لله ولرسوله وأهل بيته ، الموالين لهم والمعادين لأعدائهم إنّه سميع مجيب.

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٥١.

١٧

المقارنة بين الأمم وإعادة دراسة التاريخ

تعتبر دراسة التاريخ لأيّ أمّة من الأمم ، مصدر إلهام وتأثير قويّ في سلوك وحياة الأجيال ، والتي هي دائمة التطلّع إلى عزّة وأمجاد أسلافها.

ولذلك ، فإنّ الأمم تستلهم من تاريخها كلّ أنواع العزّة والفخار ، محاولة في ذلك إثبات وجودها ، وحتّى تستخلص العبر والمواعظ من أجل مواجهة ما قد يصادفها من محن أو إحن أثناء سيرها في هذه الحياة ، وأيضاً حتّى تستفيد من خبرات السابقين.

والأمّة الإسلاميّة هي كغيرها من الأمم ، لها تاريخ عريق ، ووجود ظاهر لا ينكر ، وأمجاد ومفاخر تردّدها الأجيال ، وأسلاف تباهي بانجازاتهم الأمم.

ولكنّ المختلف في تاريخنا الإسلامي ، وتاريخ المسلمين هو أنّنا محكومين بضوابط وقوانين وأحكام فرضها علينا ربّ العالمين ، تحتّم علينا في كلّ عصر وجيل أنْ نعيد النظر في تاريخنا وإعادة دراسته من جديد.

فنحن لسنا كأيّ أمّة من الأمم تأخذ تاريخها بايجابيّاته وسلبيّاته وتحمله بكلّ ما فيه وتتّخذه مصدراً أساسيّاً لسلوكها ، وتقلّده تقليداً أعمى دون بحث أو تدبّر ، بل لابدّ وأنْ يعرض تاريخنا على الضوابط والقوانين والأحكام ، ولابدّ أنْ توضع الموازين بالقسط حتّى يتبيّن الغث من السمين ، فما وافق أوامر الله ورسوله يُتّخذ قدوة للتطبيق وقاعدة للسلوك ، وما خالف الحقّ يجب أنْ ينتقد بكلّ نزاهة

١٨

وصدق ولا يُتّخذ قاعدة للسلوك ، بل يكون موعظة لاستخلاص العبر.

وذلك لأنّ الشارع المقدّس قد ذمّ التقليد في الجوانب السلبيّة من التاريخ ، وذمّ التقليد في الأمور التي يجب إعمال العقل فيها ، وعلى ذلك ، فإنّه يجب على المسلمين الخوف من الله سبحانه وتعالى ، والخوف من عقابه الشديد الذي توعد به أولئك المقلّدين الذين يقلّدون كلّ ما وجدوه عند أسلافهم تقليداً أعمى من غير إدراك منهم لما يرضى الله سبحانه أو يوجب عقابه وسخطه.

قال تعالى في سورة البقرة : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) (١).

قال تعالى في سورة الزخرف : (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَة مِّن نَّذِير إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) (٢).

قال تعالى في سورة الأحزاب : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ) (٣).

لأجل ذلك كان لابدّ من إعادة دراسة التاريخ ، وكتابته من جديد ، بل ولابدّ أيضاً من مقارنته مع تاريخ الأمم الأخرى ، وخصوصاً مقارنته مع تاريخ اليهود والنصارى ، لأنّ الشارع المقدّس قد ذمّ أيضاً ـ على لسان رسولنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العديد من الأحاديث الصحيحة ـ ذمّ تقليد الأمم الأخرى واتّباعهم « طبعاً في الجانب المذموم من الله سبحانه وتعالى ».

__________________

(١) البقرة : ١٧٠.

(٢) الزخرف : ٢١ ـ ٢٣.

(٣) الأحزاب : ٦٦ ـ ٦٧.

١٩

روى البخاري في صحيحه : عن أبي سعد رضي‌الله‌عنه : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لتتبعنّ سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتّى لو سلكوا جحر ضبّ لسلكتموه ». قلنا : « يا رسول الله ، اليهود والنصارى »؟ قال « فمن »؟ (١).

وروى مسلم في صحيحه ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لتتبعنّ سنن الذين من قبلكم. شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتّى لودخلوا في جحر ضبّ لا تبعتموهم » ، قلنا : « يا رسول الله اليهود والنصارى »؟ قال « فمن »؟ (٢)

وروى ابن كثير في تفسيره : وفي الحديث الصحيح : « لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة » قالوا : « اليهود والنصارى »؟ قال : « فمن الناس إلا هؤلاء »؟ (٣)

أخرج أحمد ، عن عبد الله بن ثابت قال : « جاء عمر إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله ، إنّي مررت بأخ لي من قريظة ، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ فتغيّر وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... (٤)

وعن جابر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا ، إنكم إمّا أنْ تصدّقوا بباطل ، وإمّا أن تكذّبوا بحقّ ، وإنّه والله لو كان موسى حيّاً بين أظهركم ما حلّ له إلا أنْ يتبعني » ( رواه الحافظ أبو يعلى ) (٥) ، وفي بعض الأحاديث : « لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعها إلا اتّباعي » (٦).

هذه الأحاديث تؤكّد على أنّ الأمّة الإسلاميّة منذ بداية عصرها وحتّى في

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٤٤.

(٢) صحيح مسلم ٨ : ٥٧.

(٣) تفسير ابن كثير ٢ : ٣٦٤.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٤٧٠ ، ٤ : ٢٦٥.

(٥) مسند أبي يعلى ٤ : ١٠٢.

(٦) اُنظر : تفسير ابن كثير ١ : ٣٨٦.

٢٠