سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

يكون مجتهداً ، فمن المعلوم أنّ المجتهد يصيب ويخطئ ، وحتّى يبرّروا قولهم هذا استندوا إلى نصوص لا يمكن لكلّ عاقل منصف أنْ يقبل بها ، ولكنّ أهل السنّة اعتقدوا بتلك النصوص وضربوا بكلّ تلك الآيات التي تؤكّد عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرض الحائط.

٤١

اعتقاد أهل السنّة في عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عزيزي القارئ أقدّم بين يديك صوراً ممّا يعتقده أهل السنّة بشان عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال كتبهم وصحاحهم ، لنرى بصورة جليّة حقيقة موقفهم بهذا الشأن ، ومن خلال ما يعتبرونه أصحّ الكتب بعد كتاب الله ، وأحبّ أنْ ألفت نظر قارئي العزيز أنّ كلّ ما ستقرأه من أحاديث تطعن في عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستلاحظ فيه وبشكل واضح لا أظنّه يخفى عليك ، أنّ مقابل الطعن في عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون بمقابله وفي نفس النصّ فضيلة يصطنعونها لأبي بكر وعمر وعثمان ، على حساب منزلة النبوّة والرسالة ، وإذا لم تكن في الحديث فضيلة فإنّ سبب وضع الحديث يكون تبريراً لفعل فاضح قد فعله بعض أولئك ، ولذلك من أجل تبرير فعل ذلك الصحابي يتّهمون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفعله أوّلاً ، حتّى يبرّر الفعل لفاعله الأصلي.

والآن أقدّم بين يديك جملة من الأحاديث ، أعتبرها مختصرة وما تركته هو أكثر بكثير ممّا في هذا البحث ، وحاولت أنْ أكتفي فقط بما يعتبر عند أهل السنّة من الصحاح.

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعرف أنّه نبيّ :

روى البخاري في صحيحه ، عن عائشة قالت : « ... حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه ، فقال : اقرأ ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنا بقارئ فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد ، ثُمّ أرسلني فقال : اقرأ ( ... ثلاثا ) فرجع بها ترجف

٤٢

بوادره حتّى دخل على خديجة فقال : زمّلوني ، زمّلوني ، فزمّلوه حتّى ذهب عنه الروع فقال : يا خدجة ، ما لي؟ ... ثُمّ انطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، وهو ابن عمّ خديجة أخو أبيها ، وكان امرءاً تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، فيكتب بالعربيّة من الإنجيل ما شاء الله أنْ يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، فقالت له خديجة : أي ابن عمّ ، اسمع من ابن أخيك ، فقال ورقة : ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعا أكون حيّا حين يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أو مخرجي هم؟ ... » (١).

فهل يعقل أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يعلم بأنّ ما أنزل عليه كان النبوّة ، وأنّ ورقة بن نوفل ـ النصراني ـ هو الذي أعلمه بذلك ، وأنّه أعلم منه؟؟ وهل يعقل أنْ يرسل الله سبحانه وتعالى رسولاً لا يعرف الوحي من غير الوحي.

روى مسلم في صحيحه ، حدّثني أحمد بن عمرو بن عبد اخ بن عمرو بن سراح ، أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : حدّثني عروة ابن الزبير أنْ عائشة زوجة النبيّ صلّى الله عليه وسلم أخبرته أنّها قالت : « ثُمّ كان أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثُمّ حببّ إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه وهو التعبّد الليالي أولات العدد قبل أنْ يرجع إلى أهله ويتزود لذلك ، ثُمّ يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ ، قال : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد ، ثُمّ أرسلني فقال : اقرأ.

قال : قلت : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطّني الثانية حتّى بلغ منّي الجهد ، ثُمّ

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ٦٧ ـ ٦٨ ، واُنظره في البخاري أيضاً في ١ : ٣ ، ٦ : ٨٨.

٤٣

أرسلني فقال : اقرأ.

فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطّني الثالثة حتّى بلغ منّي الجهد ، ثُمّ أرسلني فقال : اقرأ باسم ربّك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربّك الأكرم ، الذي علّم بالقلم ، علّم الإنسان ما لم يعلم ، فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ترجف بوادره حتّى دخل على خديجة فقال : زمّلوني زمّلوني فزمّلوه حتّى ذهب عنه الروع ثُمّ قال لخديجة : أي خديجة مالي ، وأخبرها الخبر.

قال : لقد خشيت على نفسي.

قالت له خديجة : كلا ، ابشر فوالله لا يخزيك الله أبداً ، والله إنّك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحقّ ، فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها وكان امرءاً تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أنْ يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمى ، فقالت له خديجة : أي عمّ اسمع من ابن أخيك.

قال ورقة بن نوفل : يا ابن أخي ماذا ترى ، فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبر ما رآه. فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى عليه‌السلام ياليتني فيها جذعاً ، يا ليتني أكون حيّاً حين يخرجك قومك.

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم.

قال ورقة : نعم ، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزّراً » (١).

يتبيّن من تلك الروايات بحسب ما يدّعي أهل السنّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٩٧ ـ ٩٨.

٤٤

شاكّا ومتردّداً في نبوّته ، حتّى بعد نزول الوحي والقرآن عليه ، وهبوط جبريل إليه ، وكان لا يعرف ما الذي يجري معه ، وأظنّ أنّ واضعي مثل هذه الأحاديث المفتراة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادوا بذلك تثبيت ما كان أهل الجاهليّة يعتقدونه بعد نزول الوحي من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاهن أو شاعر ، مع أنّه كان يكره الكهّان والشعراء ، ولكنّ ورقة بن نوفل ساعده حتّى أذهب عنه ما كان فيه من الخوف والروع ، وأخبره بأنّ ما جاءه هو الوحي والرسالة ثُمّ انّه لمّا توفى ورقة بن نوفل حزن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيراً وانقطع عنه الوحي فأراد الانتحار.

فعلى هذا كيف يعقل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعلم أنّه نبي ورسول حتّى بعد نزول الوحي عليه ، في حين أنّ الكهنة والرهبان كانوا على علم برسالته منذ أمد بعيد.

وهل يعقل أنْ يبعث الله نبيّاً وليس للرسول خبر عن هذه الرسالة الملقاة على عاتقه؟ حتّى أنّه لا يستطيع أنْ يميّز بين الوحي الإلهي والوسواس.

إنّ جواب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبرائيل الأمين لما قال له : أقرأ ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أنا بقارئ ، يفهم منه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلم ولم يفهم مقصود جبرائيل ، لأنّ جبرائيل كان يقصد من قوله : اقرأ ، أي رتّل وكرّر ما أتلوه عليك ، ولكنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهم عكس هذا القول ، وأنّ مقصد جبرائيل هو أنْ يقرأ ما كان مكتوباً على اللوح ، وعلم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قصده الملك في المرّة الثالثة لمّا كرّر جبرائيل قوله وأنهى ما كان فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المعضل والترديد.

ولكن يتبادر سؤال : هل أنّ جبرائيل كان ضعيف البيان والأداء ، بحيث لا يستطيع أنْ يؤدّي الرسالة حقّ الأداء؟ أو أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قاصر الفهم ولم يعلم المقصود؟ هل هذا ما أراده رواة تلك الأحاديث ، وهو الطعن في علم ومعرفة وعصمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي وردت فيه عشرات الأحاديث أنّه كان نبيّا وآدم بين الماء والطين كما سيتبين لك من خلال البحث.

٤٥

ورد في الحديث أنّ سيّدنا جبرائيل عليه‌السلام أخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث مرات يهزّه بشدّة ، حتّى أحس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوجع ، وهذه الأخذة والهزّة كما أشار إليها علماء أهل السنّة لم تفعل بأحد من الأنبياء عليهم‌السلام ، ولم ينقل عن أحدهم أنّه جرى له عند ابتداء الوحي إليه مثله.

وهل كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاقداً لتلك القوة التي كانت عند سيّدنا موسى عليه‌السلام لما لطم ملك الموت فأعماه وفقأ عينه كما ذكر البخاري في صحيحه؟

روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة قال : « أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما‌السلام فلمّا جاءه صكّه ، فرجع إلى ربّه ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : ارجع إليه ، فقل له : يضع يده على متن ثور ، فله بما غطت يده بكلّ شعرة سنة » (١).

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أنْ ينتحر :

وكذلك روى البخاري إكمالاً لتلك الرواية السابقة عن عائشة بما هو أغرب من ذلك ، وبما تقشعر له الأبدان ، يقول البخاري عن عائشة في باب تعبير الرؤيا .. ، ثُمّ لم ينشب ورقة أنْ توفي وفتر الوحي فترة حتّى حزن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبل ، فكلّما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل فقال : يا محمّد ، إنّك رسول الله حقّاً ، فيسكن لذلك جأشه وتقرّ نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك » (٢).

جعلو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحفظ آيات القرآن :

وهل يمكن لمسلم أنْ يصدّق بأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يحفظ القرآن

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٣٠.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٦٨ ، صحيح مسلم ١ : ٩٧ ، باب بدء الوحي إلى رسول الله.

٤٦

بكامله؟ مع أنّ الله سبحانه وتعالى أنزل في القرآن الكريم في سورة الأعلى : ( سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى ) (١) ويقول سبحانه في الحجر : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢) ، فهل يعقل أنْ لا يؤتمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الوحي الذي أنزله الله إليه وائتمنه الله عليه؟ هل يعقل أنْ لا يهتمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أنزل الله عليه من الآيات والذكر الحكيم؟ للأسف الشديد فأهل السنّة يقبلون ذلك ويرضون به ، فاُنظر لما سأقدمه لك من أحاديث صحيحة عندهم ، بل من أصحّ الكتب عندهم.

روى البخاري بالإسناد إلى عائشة قالت : سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً يقرأ في المسجد ، فقال : رحمه‌الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهنّ من سورة كذا وكذا ، هذه الرواية كرّرها البخاري في صحيحه في أكثر من موقع نكتفي بذكر هذه الرواية من عنده (٣).

وروى مسلم في صحيحه بالإسناد إلى عائشة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : سمع رجلاً يقرأ من الليل. فقال : « يرحمه الله. لقد أذكرني كذا وكذا آية ، كنت أسقطتها من سورة كذ وكذا » (٤).

وروى أبو داود في سننه حدّثنا محمّد بن العلاء وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قالا : أخبرنا مروان بن معاوية ، عن يحيى الكاهلي ، عن المسور بن يزيد المالكي : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ قال يحيى : وربما قال : شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ـ يقرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه ، فقال له رجل : يا رسول الله ، تركت آية كذا وكذا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :

__________________

(١) الاعلى : ٦.

(٢) الحجر : ٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٥٢ ، ٦ : ١١٠ ، ٧ : ١٥٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ١٩٠.

٤٧

« هلا أذكرتنيها » (١).

وفي مسند أحمد : حدّثنا عبد الله قال : حدّثني سريج بن يونس قال : حدّثنا مروان بن معاوية ، عن يحيى بن كثير الكاهلي ، عن مسور بن يزيد الأسدي قال صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وترك آية ، فقال له رجل : يا رسول الله ، تركت آية كذا وكذا ، قال : « فهلاّ ذكرتنيها » (٢).

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسهو ولا يهتم بالصلاة :

وأمّا بالنسبة لما يزعمونه في جواز سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد روي البخاري في صحيحه بالإسناد إلى جابر بن عبد الله أنّه قال : « إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاءه عمر بن الخطّاب يوم الخندق فقال : يا رسول الله ، والله ما كدت أنْ أصلّي حتّى كادت الشمس تغرب وذلك بعدما أفطر الصائم ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله ما صلّيتها ، فنزل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بطحان وأنا معه ، فتوضّأ ثُمّ صلّى العصر بعدما غربت الشمس ، ثُمّ صلّى بعدها المغرب » (٣).

وقد تكررت هذه الرواية في صحيح البخاري أكثر من مرة (٤).

وروى مسلم في صحيحه ، وحدّثني أبو غسّان المسمعي ومحمّد بن المثنّى عن معاذ بن هشام ، قال أبو غسان : حدّثنا معاذ بن هشام ، حدّثني أبي عن يحيى ابن أبي كثير. قال : حدّثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله ، أنّ عمر ابن الخطّاب ، يوم الخندق ، جعل يسبّ كفّار قريش ، وقال : يا رسول الله! والله! ما كدت أنْ أصلّي العصر حتّى كادت أنْ تغرب الشمس. فقال رسول الله صلّى الله

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٠٦.

(٢) مسند أحمد ٤ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٧.

(٤) اُنظر : المصدر نفسه ١ : ١٤٧.

٤٨

عليه وسلّم : « فوالله! إنْ صلّيتها » فنزلنا إلى بطحان. فتوضّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وتوضّأنا ، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العصر بعد ما غربت الشمس ، ثُمّ صلّى بعدها المغرب » (١).

وروى البخاري في صحيحه ، حدّثنا مسدّد قال : حدّثني يحيى بن سعيد قال : حدّثنا عوف قال : حدّثنا أبو رجاء ، عن عمران قال : كنّا في سفر مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وأنا أسرينا ، حتّى كنّا في آخر الليل وقعنا وقعة ، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها ، فما أيقظنا إلا حرّ الشمس ، وكان أوّل من استيقظ فلان ثُمّ فلان ثُمّ فلان يسميّهم أبو رجاء ، فنسي عوف ثُمّ عمر بن الخطّاب الرابع ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى الله عليه وسلّم إذا نام لم يوقظ حتّى يكون هو يستيقظ ، لأنّا لا ندري ما يحدث له في نومه ، فلمّا استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس ، وكان رجلا جليداً ، فكبّر ورفع صوته بالتكبير ، فما زال يكبّر ويرفع صوته بالتكبير ، حتّى استيقظ بصوته النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فلمّا استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم ، قال : « لا ضير أو لا يضير ، ارتحلوا ... » (٢).

وروى مسلم في صحيحه ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا النضر بن شميل ، حدّثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، عن أبي رجاء العطاردي ، عن عمران بن الحصين ، قال : كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فسرينا ليلة حتّى إذا كان من آخر الليل ، قبيل الصبح ، وقعنا تلك الوقعة التي لا وقعة عند المسافر أحلى منها ، فما أيقظنا إلا حرّ الشمس وساق الحديث بنحو حديث سلم بن زرين وزاد ونقص. وقال في الحديث : فلمّا استيقظ عمر بن الخطّاب ورأى ما أصاب الناس ، وكان أجوف جليداً. فكبّر ورفع صوته بالتكبير ،

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١١٣.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٨٨.

٤٩

حتّى استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لشدّة صوته بالتكبير ، فلمّا استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شكوا إليه الذي أصابهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « لا ضير ، ارتحلوا » (١).

وعن أبي هريرة قال : « أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف قياماً ، فخرج إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا قام في مصلاه ذكر أنّه جنب ، فقال لنا : مكانكم ، ثُمّ رجع فاغتسل ، ثُمّ خرج إلينا ورأسه يقطر ، فكبّر فصلينا معه » (٢).

وفي صحيحي البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة أيضاً « صلّى بنا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر ركعتين ثُمّ سلّم ، ثُمّ قام إلى خشبة في مقدم المسجد ، ووضع يده عليها وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر ، فهابا أنْ يكلّماه ، وخرج سرعان الناس ، فقالوا : قصرت الصلاة؟ وفي القوم رجل كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوه ذا اليدين ، فقال : يا نبي الله ، أنسيت أم قصرت؟ فقال : لم أنس ولم تقصر ، قالوا : بل نسيت يا رسول الله ، قال : صدق ذو اليدين » (٣).

اّن ، النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينسى ويسهو حسب ادّعاء أبي هريرة في الأحاديث السابقة ، بينما نجد في الروايات عن أبي هريرة أنّه لا ينسى ، وإليك هذه الرواية في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة قال : قلت : « يا رسول الله ، إنّي أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه؟ قال : « أبسط رداءك « فبسطته ، قال : فغرف بيديه ، ثُمّ قال » ضمّه « فضممته ، فما نسيت شيئاً بعده » (٤).

والسؤال المهم هنا الذي يطرح نفسه : إذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده القدرة

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٤١ ـ ١٤٢.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٧٢.

(٣) صحيح البخاري ٧ : ٨٥ ، واُنظره باختلاف يسير في صحيح البخاري ٢ : ٦٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٣٨.

٥٠

على أنْ يجعل شخصاً مثل أبي هريرة لا ينسى شيئاً ، فكيف جعلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستطيع أنْ يستخدم تلك القدرة لنفسه.

جعلوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن ويؤذي المؤمنين :

إنّ القرآن الكريم وصف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه على خلق عظيم ، ولكنّ البخاري ومسلم أخرجا في كتابيهما أحاديث منافية تماماً للقرآن ، ونقلا أحاديث حول أخلاق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عكس ما يصفه القرآن ، والسبب في وضع هذه الأحاديث والتي تطعن في عصمة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو أنّه كان وبأمر من ربّه قد لعن العديد من الصحابة المنافقين من أمثال مروان ابن الحكم وأبيه وبني أميّة ، فحتّى تتحوّل اللعنات إلى فضائل ومناقب وضعوا مثل تلك الأحاديث وطعنوا في عصمته وأخلاقه.

روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه : أنّه سمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول : « اللّهم فأيّما مؤمن سببته ، فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة » (١).

وروى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت : دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلان ، فكلماه بشيء لا أدري ما هو ، فأغضباه فلعنهما وسبهما فلمّا خرجا قلت : يا رسول الله ، من أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان قال : « وما ذاك »؟ قالت : قلت لعنتهما وسببتهما. قال : « أو ما علمت ما شارطت عليه ربّي ، قلت : اللّهم إنّما أنا بشر ، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً » (٢).

وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « اللّهم! إنّما أنا بشر ، فأيّما رجل من المسلمين سببته ، أو لعنته ، أو

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ١٥٧.

(٢) صحيح مسلم ٨ : ٢٤ ، ٢٥.

٥١

جلدته ، فاجعلها له زكاة ورحمة » (١).

وروى مسلم في صحيحه عن سالم ، مولى النصريين قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « اللّهم! إنّما محمّد بشر ، يغضب كما يغضب البشر. وإنّي قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه فأيّما مؤمن آذيته ، أو سببته ، أو جلدته فاجعلها له كفّارة ، وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة » (٢).

وفي الصحيحين عن عائشة قالت : « لددنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه فأشار أنْ لا تلدوني ، فقلنا كراهية المريض للدواء ، فلمّا أفاق قال : لا يبقى أحد منكم إلا لد ، غير العبّاس ، فإنّه لم يشهد » (٣).

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يهتمّ بالجيش ولا بالصلاة :

روى البخاري في صحيحه عن عائشة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت : خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره ، حتّى إذا كنّا بالبيداء ، أو بذات الجيش ، انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق ، فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم والناس ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ، فجاء أبو بكر ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : حبست رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس ، ليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ، فقالت عائشة : فعاتبني أبو بكر ، وقال ما شاء الله أنْ يقول ، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرّك إلا مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي ، فقام رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ : ٢٥.

(٢) صحيح مسلم ٨ : ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٤٣ ، ٧ : ١٧ ، ٨ : ٤٠ ، ٤٢ ، صحيح مسلم ٧ : ٢٤ ، واللفظ للثاني.

٥٢

وسلّم حين أصبح على غير ماء ، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا ، فقال أسيّد بن الحضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ، قال : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فأصبنا العقد تحته (١).

وروى البخاري في صحيحه أيضاً عن عائشة : أنّها استعارت من أسماء قلادة فهلكت ، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً فوجدها ، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء ، فصلّوا ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فأنزل الله آية التيمّم ، فقال أسيد بن حضير لعائشة : جزاك الله خيراً ، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه ، إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيراً (٢).

وروى مسلم في صحيحه عن عائشة : أنّها قالت : خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره ، حتّى إذا كنّا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي. فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التماسه. وأقام الناس معه. وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء. فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبالناس معه ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال : حبست رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، قالت : فعاتبني أبو بكر ، وقال ما شاء الله أنْ يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي ، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على غير ماء. فأنزل الله آية التيمم فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر ، فقالت عائشة : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٨٦.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٨٦ ـ ٨٧.

(٣) صحيح مسلم ١ : ١٩٢.

٥٣

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستتر من البراز والبول :

روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة قال : اتّبعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخرج لحاجته ، فكان لا يلتفت ، فدنوت منه ، فقال : « أبغني حجارا أستنفض بها أو نحوه ولا تأتني بعظم ، ولا روث ». فأتيته بأحجار بطرف ثيابي ، فوضعتها إلى جنبه ، وأعرضت عنه ، فلمّا قضى اتبعه بهنّ (١).

روى البخاري في صحيحه ، عن عطاء بن أبي ميمونة : سمع أنس بن مالك يقول : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخل الخلاء. فأحمل أنا وغلام إداوة من ماء وعنزة. يستنجي بالماء (٢).

روى البخاري في صحيحه عن حذيفة قال : رأيتني أنا والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم نتماشى ، فأتى سباطة قوم خلف حائط ، فقام كما يقوم أحدكم ، فبال ، فانتبذت منه ، فأشار إلي فجئته ، فقمت عند عقبه حتّى فرغ (٣).

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينسى أنّه جنب :

روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة قال : أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف قياماً ، فخرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلمّا قام في مصلاه ، ذكر أنّه جنب ، فقال لنا : « مكانكم » ثُمّ رجع فاغتسل ، ثُمّ خرج إلينا ورأسه يقطر ، فكبّر فصلّينا معه (٤).

وروى مسلم في صحيحه ، عبد الرحمن بن عوف ، سمع أبا هريرة يقول : أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف. قبل أنْ يخرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٤٧.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٤٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٦٢.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٧٢.

٥٤

وسلّم. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حتّى إذا قام في مصلاّه قبل أنْ يكبّر ، ذكر فانصرف. وقال لنا : « مكانكم » فلم نزل قياماً ننتظره حتّى خرج إلينا ، وقد اغتسل ينطف رأسه ماء ، فكبّر فصلّى بنا (١).

وأظنّ أنّه لا يمكن لأيّ إنسان عادي وليس بمعصوم قد جامع زوجته في الليل ويطلع عليه الفجر وقد نسي أنّه جنب ، فما بالك بسيّد الكونين النبيّ المعصوم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأظنّ أنّ واضعي مثل هذا الحديث ما وضعوه إلا لتبرير وجود العديد من الصحابة الذين كانوا يمكثون أغلب نهارهم على جنابتهم من الليل.

فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال : لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا جنب ، فأخذ بيدي ، فمشيت معه حتّى قعد ، فانسللت ، فأتيت الرحل ، فاغتسلت ثُمّ جئت وهو قاعد ، فقال : « أين كنت يا أبا هريرة ». فقلت له ، فقال : « سبحان الله يا أبا هريرة إنّ المؤمن لا ينجس » (٢).

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسحوراً :

قال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء : ( نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ) (٣) ، بالرغم من وجود هذه الآية في القرآن الكريم ، إلا أنّ الأمر يصل بهم وعلى حدّ زعمهم إلى أنْ يتمكّن أحد اليهود من أنْ يسحر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيتهيأ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه فعل السي وما فعله ، وسؤاله لعائشة عن نزول الوحي عليه أم لم ينزل ، وهل أتى أهله أم لم يأتي!!

روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : « مكث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا وكذا

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠١.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٧٥.

(٣) الإسراء : ٤٧.

٥٥

يخيّل إليه أنّه يأتي أهله ولا يأتي ، قالت عائشة : فقال لي ذات يوم : يا عائشة ، إنّ الله تعالى أفتاني في أمر استفتيته فيه : أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي ، والآخر عند رأسي ، فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي : ما بال الرجل؟ قال : مطبوب ، يعني مسحوراً. قال : ومن طبّه؟ قال : لبيد بن أعصم » (١).

وروى البخاري في صحيحه أيضاً عن عائشة أيضاً أنّها قالت : « سحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أنّه يخيّل إليه أنّه فعل الشي وما فعله ، حتّى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه ، ثُمّ قال : أشعرت يا عائشة أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه » (٢).

وروى مسلم في صحيحه ، حدّثنا أبو كريب ، حدّثنا ابن نمير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : سحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهودي بني زريق يقال له : لبيد بن الأعصم. قالت : حتّى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخيّل إليه أنّه يفعل الشيء ، وما يفعله ، حتّى إذا كان ذات يوم ، أو ذات ليلة ، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثُمّ دعا ، ثُمّ دعا ، ثُمّ قال : « يا عائشة! أشعرت أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه » (٣).

جعلوا النبيّ شهواني :

فقد أخرج البخاري في صحيحه ، بالرواية عن أبي هشام قال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا كان في مرضه ، جعل يدور في نساءه ويقول : أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ حرصاً على بيت عائشة. قالت عائشة : فلمّا كان يومي سكن » (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ٨٨.

(٢) صحيح البخاري ٧ : ٣٠.

(٣) صحيح مسلم ٧ : ١٤.

(٤) صحيح البخاري ٤ : ٢٢٠ ـ ٢٢١.

٥٦

وروى البخاري في صحيحه أيضاً ، عن عائشة قالت : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نساءه ، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه ، وكان يقسّم لكلّ امرأة منهن يومها وليلتها ، غير أنّ سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١). ومما يفهم أيضاً من الروايتين أعلاه ، أنْ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقسم لكل من نساءه يومها وليلتها ، إلا أنْ الرواية التالية تتعارض معها.

فعن أنس بن مالك قال : « كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهنّ إحدى عشرة ، قال : قلت لأنس أو كان يطيقه؟ قال : كنّا نتحدّث أنّه أعطى قوة ثلاثين » (٢).

روى الحافظ العراقي : « كان يقسّم بين نساءه ، فقصد أنْ يطلّق سودة بنت زمعة لمّا كبرت ، فوهبت ليلتها لعائشة ، وسألته أنْ يقرّها على الزوجيّة حتّى تحشر في زمرة نساءه ، فتركها ، وكان لا يقسّم لها ، ويقسّم لعائشة ليلتين ولسائر أزواجه ليلة ليلة ».

رواه أبو داود من حديث عائشة : قالت سودة حين أسنّت وفرقت أنْ يفارقها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا رسول الله ، يومي لعائشة ... الحديث ، وللطبراني : فأراد أنْ يفارقها ، وهو عند البخاري بلفظ : لمّا كبرت سودة وهبت يومها لعائشة وكان يقسم لها بيوم سودة (٣).

وروى البخاري في صحيحه ، حدّثنا سليمان بن حرب قال : عن شعبة عن الحكم ، عن إبراهيم عن الأسود ، عن عائشة قالت : كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٣٥ ، ١٦٥.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٧١ ، مسند أحمد ٣ : ٢٩١.

(٣) اُنظر : المغني عن حمل الأسفار للعراقي ١ : ٤٠٠ ، إحياء علوم الدين للغزالي ٢ : ٤٩.

٥٧

يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه » (١).

وروى مسلم في صحيحه ، عن عائشة. ( ح ) وحدّثنا شجاع بن مخلّد ، حدّثنا يحيى بن أبي زائدة ، حدّثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، ولكنّه أملككم لإربه (٢).

وروى أبو داود في سننه ، حدّثنا مسدد ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود وعلقمة ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملك لإربه (٣).

وروى البخاري في صحيحه حدّثنا محمّد بن يوسف ، حدّثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يباشرني وأنا حائض ، وكان يخرج رأسه من المسجد ، وهو معتكف ، فأغسله وأنا حائض (٤).

وروى البخاري في صحيحه أيضاً ، حدّثنا إسماعيل بن خليل قال : أخبرنا عليّ بن مسهر قال : أخبرنا أبو إسحاق ، هو الشيباني ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضاً ، فأراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنْ يباشرها ، أمرها أنْ تتّزر في فور حيضتها ، ثُمّ يباشرها. قالت : وأيّكم يملك إربه ، كما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يملك إربه (٥).

وروى مسلم في صحيحه ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٢٣٣.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٥٣٣.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٢٥٦.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٧٨.

٥٨

وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق : أخبرنا ، وقال الآخران : حدّثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود عن عائشة قالت : كانت إحدانا ، إذا كانت حائضاً ، أمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتأتزر بإزار ، ثُمّ يباشرها (١).

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينظر إلى النساء بشهوة ويخالف أحكام النظر :

روى البخاري في صحيحه ، حدّثنا عبد الرحمن المبارك ، حدّثنا عبد الوارث ، حدّثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك قال : أبصر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نساء وصبياناً مقبلين من عرس ، فقام ممتناً فقال : « اللّهم أنتم من أحبّ الناس إلي » (٢).

روى مسلم في صحيحه ، حدّثنا عمرو بن عليّ ، حدّثنا عبد الأعلى ، حدّثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى امرأة ، فأتى امرأته زينب ، وهي تمعس منيئة لها ، فقضى حاجته ، ثُمّ خرج إلى أصحابه فقال : « إنّ المراة تقبل في صورة شيطان ، وتدبر في صورة شيطان ، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله ، فإنّ ذلك يرد ما في نفسه » (٣).

وروى مسلم في صحيحه أيضاً ، حدّثنا زهير بن حرب ، حدّثنا عبد الصمد ابن عبد الوارث ، حدّثنا حرب بن أبي العالية ، حدّثنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى امرأة ، فذكر بمثله غير أنّه قال فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة ولم يذكر : تدبر في صورة شيطان.

وفي لفظ : إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه ، فليعمد إلى امرأته

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ١٦٦.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ١٤٤.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٢٩.

٥٩

فليواقعها فإنّ ذلك يردّ ما في نفسه (١).

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه في باب : ما قالوا في الرجل يرى المرأة فتعجبه ، من قال يجامع أهله ، حدّثنا أبو بكر قال : نا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن حبيب قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلقي امرأة فأعجبته ، فرجع إلى أمّ سلمة وعندها نسوة يدفن طيبا ، قال : فعرفن ما في وجهه ، فأخلينه ، فقضى حاجته فخرج فقال : « من رأى منكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فليواقعها ، فإنّ ما معها مثل الذي معها » (٢).

وروى في كشف الخفاء ، في باب من رأى منكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فليواقعها فإنّ معها مثل الذي معها ، رواه ابن أبي شيبة ، عن عبد الله بن حبيب بلفظ : قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلقي امرأة فأعجبته فخرج إلى أمّ سلمة وعندها نسوة يدفن طيبا فعرفن في وجهه ، ما طلب عليه‌السلام ، فقضى حاجته ، فخرج ، فقال : من رأى وذكره ، ورواه مسلم والترمذي عن جابر : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى امرأة فأعجبته فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج فقال : « إنّ المرأة إذا أقبلت في صورة شيطان فإن رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإنّ ذلك يردّ ما في نفسه » (٣).

جعلوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يختلي بالأجنبيّة :

روى البخاري في صحيحه ، حدّثنا عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أنّه سمعه يقول : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخل على أمّ حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت أمّ حرام

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٣٠.

(٢) المصنّف لابن أبي شيبة ٣ : ٤٠٧.

(٣) كشف الخفاء ٢ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

٦٠