سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ، بفتح الله عليك ونصره ، ورد علينا الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وثمانية عشر من أهل بيته ، وستّون رجلاً من شيعته ، فسرنا إليهم ، فسألناهم أنْ يستسلموا ، وينزلوا على حكم الأمير ، عبيد الله بن زياد ، أو القتال ، فاختاروا القتال.

فغدونا إليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كلّ ناحية ، حتّى أخذت السيوف مأخذها من هام القوم ، فجعلوا يهربون إلى غير مهرب ولا وزر ، ويلوذون منّا بالآكام والحفر ، لو اذاً كما لاذ الحمام من صقر. فوالله ما كانوا إلا جزر جزور ، أو نومة قائل ، حتّى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجرّدة ، وثيابهم مزمّلة ، وخدودهم معفّرة ، تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح وازرهم العقبان والرخم.

ولمّا وضع رأس الحسين ، بين يدي يزيد قال : أما والله ، لو أنّي صاحبك ، ما قتلتك ، ثمّ أنشد قول الحسين بن الحمام المري الشاعر :

يفلقن هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

قال أبو مخنف : فحدّثني أبو جعفر العبسي قال : وقام يحيى بن الحكم ، أخو مروان بن الحكم ، فقال :

لهام بجنب الطف أدنى قرابةً

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سميّة أضحى نسلها عدد الحصى

وليس لآل المصطفى اليوم من نسل

قال : فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم وقال له : اسكت.

وقال محمّد بن حميد الرازيّ : حدّثنا محمّد بن يحيى الأحمري ، ثنا ليث ، عن مجاهد قال : لما جيء برأس الحسين ، فوضع بين يدي يزيد ، تمثّل بهذه الأبيات :

٤٠١

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج في وقع الأسل

فأهلّوا واستهلوا فرحاً

ثمّ قالوا لي هنيّاً لا تسل

حين حكت بفناء بركها

واستحرّ القتل في عبد الأسل

قد قتلنا الضعف من أشرافكم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

قال مجاهد : نافق فيها ، والله ثمّ والله ، ما بقي في جيشه أحد ، إلا تركه أي : ذمّه وعابه.

وقال أبو مخنف : عن أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الله اليماني ، عن القاسم بن بخيت ، قال : لمّا وضع رأس الحسين ، بين يَدَي يزيد بن معاوية ، جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره ، ثمّ قال : إنّ هذا وإيّانا ، كما قال الحصين ابن الحمام المري :

يفلقن هاماً من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له أبو برزة الأسلمي : أما والله ، لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً ، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرشفه ، ثمّ قال : إلا إنّ هذا سيجيء يوم القيامة ، وشفيعه محمّد ، وتجيء وشفيعك ابن زياد.

ثمّ قام فولّى.

وقد رواه ابن أبي الدنيا ، عن أبي الوليد ، عن خالد بن يزيد بن أسد ، عن عمّار الدهني ، عن جعفر.

قال : لمّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد ، وعنده أبو برزة ، وجعل ينكت بالقضيب فقال له : ارفع قضيبك ، فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلثمه.

قال ابن أبي الدنيا : وحدّثني مسلمة بن شبيب ، عن الحميدي ، عن سفيان ، سمعت سالم بن أبي حفصة قال : قال الحسن : لمّا جيء برأس الحسين ، جعل يزيد

٤٠٢

يطعن بالقضيب.

قال سفيان : وأخبرت أنّ الحسن كان ينشد على إثر هذا :

سميّة أضحى نسلها عدد الحصى

وليس لآل المصطفى اليوم من نسل

وأمّا بقيّة أهله ، ونسائه ، فإنّ عمر بن سعد ، وكلّ بهم من يحرسهم ويكلؤهم ، ثمّ أركبوهم على الرواحل في الهوادج ، فلمّا مروا بمكان المعركة ، ورأوا الحسين وأصحابه ، مطرّحين هنالك ، بكته النساء ، وصرخن ، وندبت زينب أخاها الحسين وأهلها. فقالت وهي تبكي :

يا محمّداه ، يا محمّداه ، صلّى عليك الله ، ومليك السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، يا محمّداه ، وبناتك سبايا ، وذريّتك مقتّلة ، تسفي عليها الصبا.

قال : فأبكت والله كلّ عدو وصديق.

قال قرّة بن قيس : لمّا مرت النسوة بالقتلى ، صحن ولطمنَ خدودهن ...

ثمّ قال : ثمّ ساروا بهم من كربلاء ، حتّى دخلوا الكوفة.

قال : دخلت زينب ابنة فاطمة ، في أرذل ثيابها ، قد تنكّرت ، وحفّت بها إماؤها ، فلمّا دخلت على عبيد الله بن زياد ، قال : من هذه؟

فلم تكلّمه.

فقال بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة.

فقال : الحمد لله الذي فضحكم ، وقتلكم ، وكذّب أحدوثتكم.

فقالت : بل الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد ، وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول ، وإنّما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر.

٤٠٣

قال : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتكم؟

فقالت : كتب عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فيحاجونك إلى الله.

فغضب ابن زياد واستشاط.

فقال له عمرو بن حريث : أصلح الله الأمير! إنّما هي امرأة ، وهل يؤاخذ المرأة بشيء من منطقها؟ إنّها لا تؤاخذ بما تقول ، ولا تلام على خطل ...

قال أبو مخنف : وأمّا سليمان بن أبي راشد ، فحدّثني عن حميد بن مسلم قال : إنّي لقائم عند ابن زياد ، حين عرض عليه عليّ بن الحسين ، فقال له : ما اسمك؟

قال : أنا عليّ بن الحسين.

قال : أولم يقتل الله عليّ بن الحسين؟

فسكت.

فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلم؟

قال : كان لي أخ يقال له : عليّ أيضاً ، قتله الناس.

قال : إنّ الله قتله.

فسكت.

فقال : مالك لا تتكلم؟

فقال : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (١) ، ( وَمَا كَانَ لِنَفْس أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ

__________________

(١) الزمر : ٤٢.

٤٠٤

بِإِذْنِ الله ) (١).

قال : أنت والله منهم ، ويحك!! ... [ ثمّ أمر بقتله ].

فقال عليّ بن الحسين : من يوكلّ بهذه النسوة؟

وتعلّقت به زينب ، عمّته فقالت : يا ابن زياد ، حسبك منّا ما فعلت بنا ، أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منّا أحداً؟

قال : واعتنقته وقالت : أسألك بالله إنْ كنت مؤمناً ، إنْ قتلته لمّا قتلتني معه.

وناداه عليّ فقال : يا ابن زياد!! إنْ كان بينك وبينهنّ قرابة ، فابعث معهنّ رجلاً تقيّاً يصحبهنّ بصحبة الإسلام.

قال : فنظر إليهنّ ساعة ، ثمّ نظر إلى القوم فقال : عجباً للرحم!! والله ، إنّي لأظنّ أنّها ودّت لو أنّي قتلته أنْ أقتلها معه ، دعوا الغلام ، انطلق مع نسائك.

قال : ثمّ إنّ ابن زياد ، أمر بنساء الحسين وصبيانه وبناته ، فجهزن إلى يزيد ، وأمر بعليّ بن الحسين ، فغلّ بغلّ إلى عنقه ، وأرسلهم مع محقر بن ثعلبة العائذي ـ من عائذة قريش ـ ومع شمر بن ذي الجوشن قبّحه الله.

فلمّا بلغوا باب يزيد بن معاوية ، رفع محقر بن ثعلبة صوته فقال : هذا محقر ابن ثعلبة ، أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة.

فأجابه يزيد بن معاوية : ما ولدت أمّ محقر شرّ وألأم.

فلمّا دخلت الرؤوس ، والنساء على يزيد ، دعا أشراف الشام ، فأجلسهم حوله ، ثمّ دعا بعليّ بن الحسين ، وصبيان الحسين ونسائه ، فأدخلن عليه ، والناس ينظرون.

__________________

(١) آل عمران : ١٤٥.

٤٠٥

فقال لعليّ بن الحسين : يا عليّ ، أبوك قطع رحمي ، وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت.

فقال عليّ : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَة فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَاب ) (١).

فقال يزيد لابنه خالد : أجبه.

قال : ما درى خالد ما يردّ عليه.

فقال له يزيد : قل : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير ) (٢).

فسكت عنه ساعة ، ثمّ دعا بالنساء والصبيان فرأى هيئة قبيحة.

فقال : قبّح الله ابن مرجانة ، لو كانت بينهم وبينه قرابة ورحم ، ما فعل هذا بهم ، ولا بعث بكم هكذا.

وروى أبو مخنف : عن الحارث بن كعب ، عن فاطمة بنت عليّ قالت : لمّا أجلسنا بين يدي يزيد ، رقّ لنا ، وأمر لنا بشيء ، وألطفنا ، ثمّ إنّ رجلاً من أهل الشام ، أحمر ، قام إلى يزيد فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه ـ يعنيني ـ وكنت جارية وضيئة ، فارتعدت فزعة من قوله ، وظننت أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب أختي زينت ـ وكانت أكبر منّي وأعقل ، وكانت تعلم أنْ ذلك لا يجوز.

فقالت لذلك الرجل : كذبت والله ، ولؤمت ، وما ذلك لك وله.

فغضب يزيد ، فقال لها : كذبت! والله ، إنّ لي ، ولو شئت أنْ أفعله لفعلت.

قالت : كلا! والله ، ما جعل الله ذلك لك ، إلا أنْ تخرج من ملّتنا ، وتدين بغير

__________________

(١) الحديد : ٢٢.

(٢) الشورى : ٣٠.

٤٠٦

ديننا.

قالت : فغضب يزيد واستطار.

ثمّ قال : إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك.

فقالت زينب : بدين الله ، ودين أبي ، ودين أخي وجدّي ، اهتديت أنت وأبوك وجدّك.

قال : كذبت يا عدوّة الله.

قالت : أنت أمير ، مسلّط ، تشتم ظالماً ، وتقهر بسلطانك.

قالت : فوالله ، لكأنّه استحى فسكت ، ثمّ قام ذلك الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه.

فقال له يزيد : أعزب ، وهب الله لك حتفاً قاضياً.

ثمّ أمر يزيد النعمان بن بشير أنْ يبعث معهم إلى المدينة رجلاً أميناً ، معه رجال وخيل ، ويكون عليّ بن الحسين معهنّ.

ثمّ أنزل النساء عند حريمه في دار الخلافة ، فاستقبلهنّ نساء آل معاوية ، يبكين وينحن على الحسين ، ثمّ أقمن المناحة ثلاثة أيام ...

فقالت فاطمة بنت عليّ : قلت لأختي زينب : إنّ هذا الرجل الذي أرسل معنا ، قد أحسن صحبتنا فهل لك أنْ نصله؟

فقالت : والله ما معنا شيء نصله به إلا حلينا.

قالت : وقلت لها : نعطيه حلينا.

قالت : فأخذت سواري ودملجي ، وأخذت أختي سوارها ودملجها ، وبعثنا به إليه ، واعتذرنا إليه وقلنا : هذا جزاؤك بحسن صحبتك لنا.

٤٠٧

فقال : لو كان الذي صنعت معكم ، إنّما هو للدنيا ، كان في هذا الذي أرسلتموه ما يرضيني وزيادة ، ولكن والله ، ما فعلت ذلك ، إلا لله تعالى ، ولقرابتكم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقيل : إنّ يزيد ، لمّا رأى رأس الحسين قال : أتدرون من أين أتى ابن فاطمة؟

وما الحامل له على ما فعل؟

وما الذي أوقعه فيما وقع فيه؟

قالوا : لا!

قال : يزعم أنّ أباه خير من أبي ، وأمّه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير من أمّي وجدّه رسول الله خير من جدّي ، وأنّه خير منّي ، وأحقّ بهذا الأمر منّي.

فأمّا قوله : أبوه خير من أبي ، فقد حاجّ أبي أباه إلى الله عزّ وجلّ ، وعلم الناس أيّهما حكم له.

وأمّا قوله : أمّه خير من أمّي ، فلعمري أنّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير من أمّي.

وأمّا قوله : جدّه رسول الله خير من جدّي ، فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ، يرى أنّ لرسول الله فينا عدلاً ولا نداً ، ولكنّه إنّما أتى من قلّة فقهه ، لم يقرأ : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء ) (١).

__________________

(١) آل عمران : ٢٦.

٤٠٨

وقوله تعالى : ( وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء ) (١) ...

وقال هشام ، عن أبي مخنف : حدّثني أبو حمزة الثمالي ، عن عبد الله الثمالي ، عن القاسم بن نجيب ، قال : لمّا أقبل وفد الكوفة برأس الحسين ، دخلوا به مسجد دمشق ، فقال لهم مروان بن الحكم : كيف صنعتم؟

قالوا : ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلاً ، فأتينا والله على آخرهم ، وهذه الرؤوس والسبايا ...

قال : ولمّا بلغ أهل المدينة مقتل الحسين ، بكى عليه نساء بني هاشم ، ونحن عليه.

وروي : أنّ يزيد استشار الناس في أمرهم ، فقال رجل ممّن قبّحهم الله : يا أمير المؤمنين ، لا يتخذنّ من كلب سوء جرواً ، اقتل عليّ بن الحسين ، حتّى لا يبقى من ذريّة الحسين أحد.

فسكت يزيد.

فقال النعمان بن بشير : يا أمير المؤمنين ، اعمل معهم كما كان يعمل معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لو رآهم على هذه الحال ...

ثمّ كتب ابن زياد إلى عمرو بن سعيد ، أمير الحرمين ، يبشّره بمقتل الحسين ، فأمر منادياً ، فنادى بذلك.

فلمّا سمع نساء بني هاشم ارتفعت أصواتهنّ بالبكاء والنوح.

وقال عبد الملك بن عمير : دخلتُ على عبيد الله بن زياد ، وإذا رأس الحسين بن عليّ بين يديه على ترس ، فوالله ما لبث إلا قليلاً حتّى دخلت على المختار بن أبي عبيد ، وإذا رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار على ترس ،

__________________

(١) البقرة : ٢٤٧.

٤٠٩

ووالله ما لبثت إلا قليلاً حتّى دخلت على عبد الملك بن مروان ، وإذا رأس مصعب ابن الزبير على ترس بين يديه (١).

روى الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أحمد بن محمّد بن يحيى بن حمزة : حدّثني أبي ، عن أبيه ، قال : أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي ، قال : رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهنّ ، يقال لها : ريّا ; حاضنة يزيد ، يقال : بلغت مائة سنة ، قالت : دخل رجل على يزيد ، فقال أبشر ، فقد أمكنك الله من الحسين. وجيء برأسه ، قال : فوضع في طست ، فأمر الغلام ، فكشف ، فحين رآه خمر وجهه ، كأنه شمّ منه. فقلت لها : أقرع ثناياه بقضيب؟ قالت : إي والله. ثمّ قال حمزة : وقد حدّثني بعض أهلنا : أنّه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام (٢).

وعلى ذلك ، فباغتيال واستشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام ، تكون الأمّة قد اغتالت أصحاب الكساء واحداً بعد واحد ، وآذت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه ، وفي عترته ، دون رحمة أو شفقة ، ولا احترام أو تقدير له ، فلقد جازوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبغض والحقد والضغينة ، ولم يرقبوا إلاً ولا ذمّة في عترة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث : « اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي » (٣) ، وقال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٤).

لقد اغتالوا أصحاب الكساء الذين توسّل بهم آدم عليه‌السلام إلى الله ليغفر له ، فغفر له.

قال السيوطيّ في الدرّ المنثور : وأخرج ابن عدي ، وابن عساكر ، عن أنس

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ : ٢٠٢ ـ ٢١٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١٩.

(٣) الجامع الصغير ١ : ١٥٨ ، كنز العمّال ١٢ : ٩٣ ، عن الفردوس.

(٤) الأحزاب : ٥٧.

٤١٠

رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله : « لمّا عرج بي ، رأيت على ساق العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، أيدته بعليّ » (١).

ومن روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الصدوق وعنه العلاّمة المجلسي ، من حديث أبي عبد الله عليه‌السلام : « فلمّا أسكن الله عزّ وجلّ آدم وزوجته الجنّة قال لهما : ( وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ ) يعني شجرة الحنطة ( فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٢) ، فنظرا إلى منزلة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من بعدهم ، فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة فقالا : يا ربّنا ، لمن هذه المنزلة؟ فقال الله جلّ جلاله : ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي ، فرفعا رؤوسهما ، فوجدا اسم محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة بعدهم صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبّار جلّ جلاله. فقالا : يا ربّنا ، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك ، وما أحبّهم إليك ، وما أشرفهم لديك؟! فقال الله جلّ جلاله : لولاهم ما خلقتكما » (٣).

وهم عليهم الصلاة والسلام ، الأسماء الذين علّمهم الله لآدم عليه‌السلام عندما قال في الآية الشريفة في سورة البقرة : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) (٤).

وإذا نظرت إلى أسماء الإشارة والضمائر في الآيات الشريفة ، فإنّها تدلّ على العاقل : الأسماء ، كلّها ، وعرضهم ، هؤلاء ، بأسمائهم ، تستنتج بأنّ معنى

__________________

(١) الدرّ المنثور ٤ : ١٥٣.

(٢) البقرة : ٣٥.

(٣) معاني الأخبار : ١٠٩ ، بحار الأنوار ١١ : ١٧٣.

(٤) البقرة : ٣١ ـ ٣٣.

٤١١

الأسماء هو أشخاص معيّنون عقلاء ، وبحسب الروايات عند الشيعة والسنّة تتأكّد بأنّ المعنيين في الآيات هم أهل الكساء عليهم‌السلام.

وممّا جاء في تفسير الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، هي دعاؤه وتوسله إلى الله تعالى بالخمسة أهل الكساء ، محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، إلا ما تاب عليه ، فاستجاب الله دعاءه وتاب عليه.

جاء هذا مرويّاً بوضوح في روايات من طرق الفريقين الشيعة وأهل السنّة ، وإليك بعض روايات أهل السنّة في ذلك.

وروى ابن المغازلي الشافعي في المناقب ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله ابن عبّاس قال سئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقى آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : « سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلا ، تبت عليّ ، فتاب عليه وغفر له » (١).

وفي الدرّ المنثور : أخرج ابن النجار ، عن ابن عبّاس قال : سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : سأل بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة ، والحسن والحسين ، إلا تبت عليّ ، فتاب عليه (٢).

وفيه أيضاً : أخرج الديلمي في مسند الفردوس ، بسند رواه عن عليّ قال : « سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قول الله : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ ) (٣) ، فقال : إنّ الله أهبط آدم بالهند ...

إلى أنْ قال : ومكث آدم باكياً على خطيئته حتّى بعث إليه جبرئيل ، وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم

__________________

(١) مناقب الإمام عليّ : ١٠٤ : ١٠٥.

(٢) الدرّ المنثور ١ : ٦٠ ـ ٦١.

(٣) البقرة : ٣٨.

٤١٢

أزوّجك حواء أمتي؟ قال : بلى ، قال : فما هذا البكاء؟ قال : وما يمنعني من البكاء ، وقد أخرجت من جوار الرحمن؟ قال : فعليك بهذه الكلمات ، فإنّ الله قابل توبتك ، وغافر ذنبك قل : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد ، سبحانك لا إله إلا أنت ، عملت سوءاً وظلمت نفسي ، فاغفر لي ، إنّك أنت الغفور الرحيم ، اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد ، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي ، فتب عليّ ، إنّك التواب الرحيم ، فهؤلاء الكلمات التي تلقّى آدم (١) المراد من لفظة ـ هؤلاء ـ أي محمّد وآله.

وروى الشيخ الحنفي في ( ينابيع المودّة ) نقلاً عن ( المناقب ) عن المفضّل ، قال : سألت جعفر الصادق عن قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات ) (٢) ، قال : هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، وهو أنّه قال : يا ربّ ، أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ ، فتاب الله عليه ، إنّه هو التواب الرحيم. فقلت له : يا ابن رسول ، فما يعني بقوله : ( فَأَتَمَّهُنَّ ) ، قال : يعني أتمهنّ إلى القائم المهدي اثنا عشر إماماً ، تسعة من ولد الحسين عليه‌السلام (٣).

هؤلاء هم اصحاب الكساء الذين توسل بهم نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام ، وكتب أسماءهم على سفينته ، وحملهم معه ، ولقد اكتشف في أيّامنا هذه ، قطعة من الخشب من بقايا سفينة نوح عليه‌السلام ، محفور عليها أسماء أصحاب الكساء محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وقد تمّ اكتشاف هذا الأمر من خلال اكتشاف الحكومة السوفيتية لآثار سفينة نوح ، وتوسّله إلى الله بمحمّد وأهل بيته ، وقد شاء الله بقوته وحكمته أنْ يظهر هذه البشائر ، ويحقّقها لعباده باكتشاف جديد في قرننا هذا ، اكتشفته الحكومة السوفيتية ، وأعلنته بعض مجلاتهم ومجلات

__________________

(١) الدرّ المنثور ١ : ٦٠.

(٢) البقرة : ١٢٤.

(٣) الدرّ المنثور ١ : ٢٩٠.

٤١٣

وصحف بعض الدول الأخرى ، من توسّل نوح شيخ المرسلين ـ أثناء غرق قومه المكذبين ونجاة سفينته ـ بأهل البيت وأنْ يساعده لأجلهم ولأجل اسمائهم المباركة ، فيوجهه تعالى نحو الطريق المستقيم.

ننقله بالنص عن مجلة ( البذرة ) النجفية ، العددان : الثاني والثالث ، شوال وذي القعدة ، سنة ١٣٨٥ ، للسنة الأولى ص٧٨ ـ ٨١ تحت عنوان : ( أسماء مباركة توسّل بها نوح ) مترجم عن الأوردية.

في تموز عام ١٩٥١ حينما كان جماعة من العلماء السوفيت المختصين بالآثار القديمة ، ينقّبون في منطقة بوادي قاف ، عثروا على قطع متناثرة من أخشاب قديمة متسوسة وبالية ، ممّا دعاهم إلى التنقيب والحفر أكثر وأعمق ، فوقفوا على أخشاب أخرى متحجّرة وكثيرة كانت بعيدة في أعماق الأرض.

ومن بين تلك الأخشاب التي توصلوا إليها ، نتيجة تنقيب خشبة على شكل مستطيل ، طولها (١٤) عقداً وعرضها (١٠) عقود ، سبّبت دهشتهم واستغرابهم ، حيث لم تتغيّر ، ولم تتسّوس ، ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الأخرى.

وفي أواخر سنة ١٩٥٢ أكمل التحقيق حول هذه الآثار ، فظهر أنّ اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة نوح عليه‌السلام وأنّ الأخشاب الأخرى هي أخشاب جسم سفينة نوح عليه‌السلام.

وممّا يذكره المؤرّخون أنّ سفينة نوح عليه‌السلام استوت على قمّة جبل قاف.

وشوهد أنّ هذه اللوحة قد نقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلى أقدم لغة. وهنا ألّفت الحكومة السوفيتية لجنة بعد الانتهاء من الحفر عام ١٩٥٣ ، قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة ، ومن أهمّ علماء الآثار ، وهم :

سولي نوف : أستاذ الألسن القديمة في جامعة موسكو.

٤١٤

ايفاهان خنيو : عالم الألسن القديمة في كلية لولوهان بالصين.

ميشانن لوفارنك : مدير الآثار القديمة.

تانمول كورف : أستاذ اللغات في كلية كيفزو.

دي راكن : أستاذ الآثار القديمة في معهد لينين.

أيم أحمد مولاد : مدير التنقيب والاكتشافات العام.

ميجر كولتوف : رئيس كلية ستالين.

وبعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة ، والحروف المنقوشة عليها ، اتّفقوا على أنّ هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح عليه‌السلام وأنّ النبيّ نوحاً عليه‌السلام كان قد وضع هذه اللوحة في السفينة للحفظ والتبرّك.

وكانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية أو الساميّة ، وهي أمّ اللغات على ما حقق ذلك صاحب كتاب ( إليا ) عن كثير من المحققين ، وهي لغة نوح وأبنائه ، ونسبت إلى ابنه ( سام ).

وقد ترجمها العلماء الروس المختصّون باللغات القديمة إلى اللغة الروسية ، ثمّ ترجمها إلى الانجليزية العالم البريطاني ( اين ايف ماكس ) أستاذ الألسن القديمة في جامعة ( مانجستر ). وهذا نصها مع تعريبها :

يا إلهي ويا معيني : omy god my helper

برحمتك وكرمك ساعدني : keep my hands with merey

ولأجل هذه النفوس المقدّسة عليهم‌السلام : nd with your holy bodies

محمّد : mohamed

إيليا : alia

٤١٥

شبر : shabbar

شبير : shabbir

فاطمة : fatms

الذين جميعهم عظماء ومكرمون : they are all biggwst and honourales

العالم قائم لأجلهم : the world established for them

ساعدني لأجل أسمائهم : help me by their names

أنت فقط تستطيع أنْ توجّهني نحو الطريق المستقيم : you can reform to right

وأخيراً بقي هؤلاء العلماء في دهشة كبرى أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة ، ومنزلة أصحابها عند الله تعالى ، حيث توسّل بها نوح عليه‌السلام. واللغز الأهم الذي لم يستطع تفسيره أيّ واحد منهم ، هو عدم تفسّخ هذه اللوحة ، رغم مرور آلاف السنين عليها. وهذه اللوحة موجودة الآن في متحف الآثار القديمة في موسكو. [ ترجم عن كتاب إيليا ] من منشورات دار المعارف الإسلامية بلاهور ، باكستان ، برقم ٤٢.

محمّد حسين النقوي ( ترجمة الدعاء من الروسيّة إلى الانجليزية ، ومنها إلى الأوردية ) مصادر هذا الاكتشاف ، لقد راجعت ( محمّد حسين النقوي ) مترجم هذا المقال عن كتاب ( إيليا ) وطلبت منه رؤية الكتاب ، فأبرزه لي ، وإذا هو كتاب صغير الحجم ، كان سابقاً من أهل الحديث من أهل السنّة والجماعة ، له تآليف عديدة ، وقد عمل لفترة رئيساً لتحرير جريدة ( أهل البيت ) ثمّ تشيّع عن علم وبصيرة. أمّا تاريخ صدور الكتاب فهو ٢١ رمضان سنة ١٣٨١ هـ.

يستند المؤلّف المذكور في نقل هذا الاكتشاف العظيم إلى المصادر التالية :

مجلّة روسيّة شهريّة تصدر في موسكو ، تجد اسمها في الكليشة الثالثة :

٤١٦

ص١٢٠ ( تفادينزوب ) عددها تشرين الثاني ، سنة ١٩٥٣.

مجلّة ( ويكلي ميرر ) الأسبوعية weekly mirror اللندنية ، بعددها الصادر في ٢٨ كانون الأول ١٩٥٣.

مجلّة ( أستار ) اللندنية Britania star في عددها / كانون الثاني ١٩٥٤.

جريدة ( سن لايت ) Sunlight الصادرة في مانجستر / ٢٣ كانون الثاني ١٩٥٤.

جريدة ( ويكلي ميرر ) اللندنية weekly mirrorفي / ١ شباط ١٩٥٤.

جريدة ( الهدى ) القاهريّة في ٣ مارس ١٩٥٤.

ملاحظة : المصادر الأربعة الأخيرة نقلت ترجمة العالم البريطاني ( إنْ أف ماكس ) أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانجستر.

ويصوّر في كتاب ( إيليا ) صورة كفّ كانت موضوعة على وسط اللوحة ، والكتابة مثبّتة على نفس الكفّ وفوقها وتحتها.

هذا الاكتشاف العظيم ، جاء مؤيّداً لما تقدّم من الأخبار والأحاديث عن الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي كانت صريحة في بشارة الله لأنبيائه بنبيه وأهل بيته ( عليم السلام ) وتوسّل الأنبياء بهم ، وإنهّم خيرة خلق الله ، وإنّ الله ما خلق الخلق إلا لأجلهم. ذلك أنّ بقاء هذه اللوحة سالمة من التفسّخ رغم مرور آلاف السنين عليها ، شيء خارق للعادة قطعاً ، فبقاؤها ( إذن ) آية إلهية كبرى ، أبقاها الله الذي هو على كلّ شيء قدير ، وهو بكلّ شيء محيط ، سالمة وأظهرها على أيدي أناس لا يؤمنون إلا بالماديّات والطبيعيات ، لتكون تلك الآية حجّة لله عليهم أولاً ، وعلى كلّ من بلغته ثانياً ، ولم يؤمن إيماناً قطعيّا بالله ورسوله وأهل بيته ، وبفضلهم عند الله ، وتفضيله لهم على سائر خلقه ، ورجحان التوسل والتقرب

٤١٧

بهم إلى الله تعالى ، وما أكثر آياته التي لا تحصى ، وما أتمّها حجة على خلقه.

وتوسّل بهم النبيّ سليمان عليه‌السلام إلى الله ليحفظ ملكه ، وإليك هذه المعلومات الهامّة جدّا ، فلقد عثرت سريّة عسكرية من الجيش الإنجليزي على لوحة فضيّة في قرية صغيرة تُدعى « أُونتره » ، تقع على بُعد بضعة كيلو مترات عن مدينة « القدس » في أرض فلسطين ، حينما كان أفراد الجيش منهمكين في حفر خنادق لهم ، ومستعدّين للهجوم أثناء الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٦ م.

وكانت حاشية اللّوح مرصعة بالجواهر النفيسة ، وتسطع في وسطها كلمات ذات حروف ذهبيّة. ولما ذهب أفراد الجيش بذلك اللّوح إلى قائدهم الميجر « ا ، ن ، جريندل » حاول هذا جاهداً أنْ يفهم شيئاً ممّا كُتب عليه ، فلم يستطع ذلك ، إلا أنّه أدرك أنّ الكلمات المنقوشة على اللّوح قد كُتبت بلغة أجنبيّة قديمة جدّاً ، فعرض اللّوح بواسطته على آخرين ، حتّى اطلّع عليه بعض قادة الجيش البريطاني : ليفتونانت liftonant.d ، وگلادستون Glad stone ، فأحالا اللّوح إلى خبراء الآثار البريطانيين.

وبعد أنْ وضعت الحرب العالميّة أوزارها عام ١٩١٨ م ، عكف المتخصّصون البريطانيّون على دراسة ذلك اللّوح ، فشكّلوا لهذا الأمر لجنة تضمّ أساتذة الآثار القديمة من : بريطانيا ، وأمريكا ، وفرنسا ، وألمانيا ، وسائر الدول الأوربيّة.

وبعد أشهر من البحث والتحقيق. اتّضح في الثالث من كانون الثاني سنة ١٩٢٠ م ، أنّ اللّوح مقدّس ، ويدعى بـ « لوح سليمان » ، وأنّه يحوي حديثاً للنبيّ سليمان عليه‌السلام قد كُتب بألفاظ عبريّة قديمة ، هذه ترجمتها :

٤١٨

الله

أحمد

إيلي

باهتول

حاسن

حاسين

يا أحمد

 أغثني

يا عليّ

 أعنّي

يا بتول

ارحميني

يا حسن

 أكرمني

يا حسين

أسعدني

ها هو سليمان يستغيث الساعة بهؤلاء الخمسة الكرام ، وعليّ قدرة الله.

ولقد ذكرهم أغلب الأنبياء ، ففي نسخة خطيّة قديمة جدّاً للزّبور كانت عند « آهزان الله مشقي » من أتباع الدين المسيحيّ نصّ مهمّ ، قال مفتي مصر في وقتها : لو عرض المسيحيّون هذه النسخة في معرض عامّ لتقوّضت أركان المسيحيّة في العالم. فما هو ذلك النصّ يا تُرى؟

هكذا هو النصّ :

« إطاعةُ ذلك الرجل الشريف الذي يُدعى » إيلي « واجبة ، وإنّ في إطاعته صلاحاً لأمور الدين والدنيا. ويُسمّى هذا الرجل العظيم أيضاً » حدار » أي حيدر ، وإنّه معين المساكين ومُغيثهم ، وأسد الأُسود ، وقوّته خارقة ، وسيُولد في كعابا أي الكعبة. فيجب على جميع الناس أنْ يتمسّكوا بعروة هذا الرجل الجليل ويُطيعوه ،

٤١٩

كما يُطيع العبد مولاه ».

وللاستزادة من التعرّف على هذا الأمر ، تراجع مجلّة « الحرم » الصادرة في القاهرة ، العدد المنشور في شهر ذي القعدة عام ١٣٧٤ هـ.

ولا يفوتنا أنْ نقول : يظهر من كتب الأسفار والبشارات السابقة ، أنّ النبيّ داود عليه‌السلام كان من أكثر الأنبياء ذكراً وثناءً على النبيّ محمّد وآله صلوات الله عليهم ، وإشادة بدورهم القادر لهداية البشريّة إلى أهداف الأنبياء عليهم‌السلام. وللاستزادة عن هذا الموضوع راجع موقع الأربعة عشر معصوماً على شبكة الإنترنيت

http://www.١٤masom.com/

وكذلك

http://www.ansarweb.net/watchaeq/index.htm

لقد قتلوا أصحاب الكساء ، واغتالوهم ، وكذلك بقيّة الأئمّة الاثنى عشر الذين هم أمان لأهل الأرض ، والذين لا يكون الإسلام عزيزا إلا بهم ، قتلوهم واغتالوهم واحدا بعد واحد.

وسنذكر فيما يلي ترجمة مختصرة لبقيّة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وننوّه إلى أنّ أكثر اعتمادنا في هذه التراجم على كتاب الشيعة في الميزان للسيّد الطباطبائي (١).

الإمام الرابع :

الإمام السجاد « عليّ بن الحسين عليه‌السلام » الملقّب بزين العابدين والسجاد ولد الإمام الثالث ، من شاه زنان بنت يزدجرد ملك إيران وهو الولد الوحيد الذي بقي للإمام الثالث بعد كربلاء ، إذ إنّ إخوته الثلاثة استشهدوا فيها ، وقد شهد الواقعة ، ولكنّه لم يشارك فيها لمرضه ، ولم يكن قادر على حمل السلاح ، فحمل مع الأسرى ( الحرم ) إلى الشام.

__________________

(١) اُنظر الشيعة في الميزان : ١٨٢ ـ ١٩٤.

٤٢٠