سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

الأحبار والرهبان الذين تأسلموا ، إلا أنّ عمر قرّبهم ، وأدناهم ، واعتمد أقوالهم ، بدلاً من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

روى البخاري في باب : قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء » وقال أبو اليمان : أخبرنا شعيب ، عن الزهري : أخبرني حميد بن عبد الرحمن : سمع معاوية يحدّث رهطاً من قريش بالمدينة ، وذكر كعب الأحبار فقال : إنْ كان من أصدق هؤلاء المحدّثين الذين يحدّثون عن أهل الكتاب ، وإنْ كنّا مع ذلك لنبلو عليه الكذب (١).

روى البخاري في الصحيح ، خرج رجل من بني سهم ، مع تميم الداري ، وعديّ بن بداء ، فمات السهميّ بأرض ليس بها مسلم ، فلمّا قدما بتركته ، فقدوا جاما من فضّة مخوصا من ذهب ، فأحلفهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثمّ وجد الجام بمكّة ، فقالوا : ابتعناه من تميم ، وعديّ ، فقام رجلان من أوليائه ، فحلفا : لشهادتنا أحقّ من شهادتهما ، وأنّ الجام لصاحبهم (٢).

وبالتالي ، صار ادّعاء عمر الذي بسببه منع تدوين الحديث ، صار ذلك الأمر حقيقة ، فدخلت الإسرائيليات على كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّى أنّ أهل السنّة لمّا دوّنوا الحديث وضعوا تلك الإسرائيليات في كتبهم ، واعتبروها من كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويعتبرها المسلمون اليوم يعتبرونها سنّة نبويّة ، تقوم على أساسها أحكام شرعيّة عديدة ، مثل القدريّة ، والمرجئة ، والتجسيم ، وقضايا كثيرة ، كالطعن في عصمة الأنبياء ، وعصمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأهمّ من ذلك ، التناقضات في المئات من الأحاديث ، ممّا أدّى إلى ظهور ، الاجتهاد بالرأي ، والقياس والاستحسان ، وغير ذلك في عصر مبّكر جداً عند المسلمين.

__________________

(١) المصدر نفسه ٨ : ١٦٠.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

٤٦١

عثمان بن عفان والسنّة

ثمّ جاء عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفّان والذي أمضى سنّة أبي بكر وعمر في منع تدوين السنّة ، أو التحدّث بها ، ومنع تداولها ، وأعلن صراحة أنّ كلّ حديث لم يوافق عليه أبو بكر أو عمر فإنّه لن يقبله.

روى المتقي الهندي في كنز العمّال عن محمود بن لبيد قال : سمعت عثمان ابن عفّان على المنبر يقول : لا يحلّ لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ، ولا عهد عمر ، فإنّي لم يمنعني أنْ أحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أنْ لا أكون أوعى أصحابه عنده ، إلا أنّي سمعته يقول : « من قال عليّ ما لم أقل ، فقد تبوّأ مقعده من النار » (١).

إذن ، عثمان بن عفّان أيضاً اتّبع سنّة أبي بكر وعمر في منع التحديث بالسنّة النبويّة ، والحديث النبوي ، وادّعى أنّ الحديث الذي لم يسمع به في عهد أبي بكر وعمر لا يجوز لأحد أنْ يرويه ، وأتساءل ماذا روي أصلا في زمن أبي بكر وعمر ، ألم يحرقوا السنّة ، ومنعوا تدوينها ، وعاقبوا على ذلك؟ لكنّ عثمان بدلاً من ذلك ، كثّف وجود القصّاصين في المساجد ، وعيّن لهم أيّاما إضافيّة ، حتّى يرووا للمسلمين قصص الإسرائيليات بدلاً من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبذلك يكون قد أوفى ببيعته لعبد الرحمن بن عوف على اتّباع سنّة أبي بكر وعمر ، التي رفضها أمير

__________________

(١) كنز العمّال ١٠ : ٢٩٥ ، عن الطبقات الكبرى ٢ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

٤٦٢

المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عندما شرط عبد الرحمن بن عوف ذلك الشرط.

روي في تاريخ المدينة : فاستأذن تميم في ذلك عثمان بن عفّان ، فأذن له أنْ يذكر يومين من الجمعة ، فكان تميم يفعل ذلك (١).

وروي في تاريخ المدينة ، عن ابن شهاب : أنّه سئل عن القصص فقال : لم يكن إلا في خلافة عمر ، سأله تميم أنْ يرخّص له في مقام واحد في الجمعة ، فرخّص له ، فسأله يزيده ، فزاده مقاما آخر. ثمّ استخلف عثمان ، فاستزاده ، فزاده مقاما آخر ، فكان يقوم ثلاث مرّات في الجمعة (٢).

ثمّ إنّه عاقب العديد من الصحابة على مخالفة أمره ; لأنّهم كانوا يدعون لتطبيق أمر الله ، وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأبي ذرّ ، وبلال ، وعمّار ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهم من الذين كانوا يصرخون في وجهه ; لأنّه خالف سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركها.

أخرج البلاذري في الأنساب ، عن أبي مخنف قال : كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليّ وجوهر ، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله ، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك ، وكلّموه فيه بكلام شديد ، حتّى أغضبوه ، فخطب فقال : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإنْ رغمت أنوف أقوام. فقال له عليّ : إذاً ، تمنع من ذلك ، ويحال بينك وبينه. وقال عمّار بن ياسر : أشهد الله أنّ أنفي أوّل راغم من ذلك. فقال عثمان : أعَليّ المتْكاء تجترئ؟ خذوه ، فأخذ ، ودخل عثمان ، ودعا به ، فضربه حتّى غشي عليه ، ثمّ أخرج ، فحمل حتّى أتي به منزل أمّ سلمة ، زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق ، توضّأ وصلّى وقال : الحمد لله ، ليس هذا أوّل يوم أوذينا فيه في الله. وقام هشام بن الوليد بن المغيرة

__________________

(١) تاريخ المدينة ١ : ١١.

(٢) تاريخ المدينة ١ : ١٢.

٤٦٣

المخزومي ، وكان عمّار حليفاً لبني مخزوم ، فقال : يا عثمان أمّا عليّ فاتقيته وبني أبيه ، وأمّا نحن فاجترأت علينا ، وضربت أخانا ، حتّى أشفيت به على التلف. أما والله ، لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني أميّة عظيم السرّة ، فقال عثمان : وإنّك لها هنا يا ابن القسريّة؟ قال : فإنّهما قسريّتان ، وكانت أمّه وجدّته قسريّتين من بجيلة ، فشتمه عثمان ، وأمر به فأخرج ، فأتى أمّ سلمة ، فإذا هي قد غضبت لعمّار ، وبلغ عائشة ما صنع بعمّار ، فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوبا من ثيابه ، ونعلاً من نعاله ، ثمّ قالت : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم ، وهذا شعره وثوبه ونعله ، لم يبل بعد! فغضب عثمان غضباً شديداً ، حتّى ما درى ما يقول ، فارتجّ المسجد ، وقال الناس : سبحان الله ، سبحان الله ، وكان عمرو بن العاص واجداً على عثمان ، لعزله إيّاه عن مصر ، وتوليته إيّاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فجعل يكثر التعجّب والتسبيح. وبلغ عثمان مسير هشام بن الوليد ، ومن مشى معه من بني مخزوم إلى أمّ سلمة ، وغضبها لعمّار ، فأرسل إليها : ما هذا الجمع؟ فأرسلت إليه : دع ذا عنك يا عثمان ، ولا تحمل الناس في أمرك على ما يكرهون واستقبح الناس فعله بعمّار ، وشاع فيهم ، فاشتدّ إنكارهم له (١).

وفي لفظ الزهري كما في أنساب البلاذري : وكان في الخزائن سفط فيه حلي ، وأخذ منه عثمان ، فحلّى به بعض أهله ، فأظهروا عند ذلك الطعن عليه ، وبلغه ذلك ، فخطب فقال : هذا مال الله ، وأعطيه من شئت وأمنعه من شئت ، فأرغم الله أنف من رغم ، فقال عمّار : أنا والله أوّل من رغم أنفه من ذلك. فقال عثمان : لقد اجترأت عليّ يا بن سميّة! وضربه حتّى غُشي عليه ، فقال عمّار : ما هذا بأوّل ما أوذيت في الله. واطلعت عائشة شعراً من شعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونعله ، وثياباً من ثيابه ، فيما يحسب وهبٌ ، ثمّ قالت : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم! وقال

__________________

(١) أنساب الأشراف ٦ : ١٦١ ـ ١٦٢.

٤٦٤

عمرو بن العاص : هذا منبر نبيّكم ، وهذه ثيابه ، وهذا شعره لم يبلَ فيكم ، وقد بدّلتم وغيّرتم. فغضب عثمان حتّى لم يدرِ ما يقول (١).

قال البلاذري في الأنساب : ويقال إنّ المقداد بن عمرو ، وعمّار بن ياسر ، وطلحة ، والزبير ، في عدّة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتبوا كتابا عدّدوا فيه أحداث عثمان ، وخوّفوه ربّه ، وأعلموه أنّهم مواثبوه إنْ لم يقلع ، فأخذ عمّار الكتاب ، وأتاه به ، فقرأ صدراً منه ، فقال له عثمان : أعليّ تقدم من بينهم؟ فقال عمّار : لأنّي أنصحهم لك. فقال : كذبت يا بن سميّة. فقال : أنا والله ابن سميّة ، وابن ياسر. فأمر غلماناً له فمدّوا بيديه ورجليه ، ثمّ ضربه عثمان برجليه وهي في الخفّين على مذاكيره ، فأصابه الفتق ، وكان ضعيفا كبيراً ، فغشي عليه (٢).

قال في الاستيعاب : وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم ، وبين عمّار وأبيه ياسر ، كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمّار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب ، حتّى انفتق له فتق في بطنه ، ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه ، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا : والله لئن مات لاقتلنا به أحداً غير عثمان (٣).

وفي أنساب البلاذري : قدم ابن مسعود المدينة ، وعثمان يخطب على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا رآه قال : ألا أنّه قدمت عليكم دويبة سوء ، من تمشِ على طعامه يقيء ويسلح ، فقال ابن مسعود : لست كذلك ، ولكنّي صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ، ويوم بيعة الرضوان. ونادت عائشة : أي عثمان ، أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ ثمّ أمر عثمان به ، فأخرج من المسجد إخراجا عنيفا ، وضرب به عبد الله بن زمعة الأرض ، ويقال : بل احتمله يحموم ، غلام عثمان ، ورجلاه تختلفان على عنقه ، حتّى ضرب به الأرض ، فدقّ ضلعه ، فقال عليّ : « يا عثمان ،

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ٦ : ٢٠٩.

(٢) أنساب الأشراف للبلاذري ٦ : ١٦٢ ـ ١٦٢.

(٣) الاستيعاب ٣ : ١١٣٦.

٤٦٥

أتفعل هذا بصاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقول الوليد بن عقبة »؟ فقال : ما بقول الوليد فعلت هذا ، ولكن وجهت زبيد بن الصلت الكندي إلى الكوفة ، فقال له ابن مسعود : إنّ دم عثمان حلال ، فقال عليّ : « أحلت من زبيد على غير ثقة » (١).

وروى الواقدي : أنّ ابن مسعود لمّا استقدم المدينة دخلها ليلة جمعة ، فلمّا علم عثمان بدخوله قال : أيّها الناس ، إنّه قد طرقكم الليلة دويبة ، من تمشِ على طعامه يقيء ويسلح ، فقال ابن مسعود : لست كذلك ، ولكننّي صاحب رسول الله يوم بدر ، وصاحبه يوم أحد ، وصاحبه يوم بيعة الرضوان ، وصاحبه يوم الخندق ، وصاحبه يوم حنين. قال : وصاحت عائشة : يا عثمان ، أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ فقال عثمان : اسكتي ، ثمّ قال لعبد الله بن زمعة : أخرجه إخراجا عنيفا ، فأخذه ابن زمعة ، فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد ، فضرب به الأرض ، فكسر ضلعاً من أضلاعه ، فقال ابن مسعود : قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان (٢).

روى البلاذري أنّه لما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه ، أتاه عثمان عائداً فقال : ما تشتكي؟ قال : ذنوبي. قال : فما تشتهي؟ قال : رحمة ربّي. قال : ألا أدعو لك طبيبا؟ قال : الطبيب أمرضني. قال : أفلا آمر لك بعطائك؟ قال : منعتنيه وأنا محتاج إليه ، وتعطينيه وأنا مستغن عنه؟ قال : يكون لولدك ، قال : رزقهم على الله. قال : استغفر لي يا أبا عبد الرحمن ، قال : أسأل الله أنْ يأخذ لي منك بحقّي ، وأوصى أنْ لا يصلّي عليه عثمان؟ فدُفن بالبقيع وعثمان لا يعلم. فلمّا علم غضب وقال : سبقتموني به؟ فقال له عمّار بن ياسر : إنّه أوصى أنْ لا تصلّي عليه (٣).

وفي شرح النهج : روى محمّد بن إسحاق ، عن محمّد بن كعب القرظي أنّ

__________________

(١) أنساب الأشراف ٦ : ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٢) نفله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٣ك ٤٢ ـ ٤٣.

(٣) أنساب الأشراف ٦ : ١٤٨.

٤٦٦

عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطاً في دفنه أبا ذرّ (١).

وفي السيرة الحلبية : وكان من جملة ما نقم به على عثمان ... ، وأنّه حبس عبد الله بن مسعود وهجره ، وحبس عطاء ، وأبي بن كعب ، ونفى أبا ذرّ إلى الربذة وأشخص عبادة بن الصامت من الشام لمّا شكاه معاوية ، وضرب عمّار بن ياسر ، وكعب بن عبدة ، ضربه عشرين سوطا ، ونفاه إلى بعض الجبال (٢).

كما كانت له جولات مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله تعالى عليه ، فقد كان أمير المؤمنين لا يمضي أمراً لا يوافق سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. والحوادث في ذلك كثيرة ، ليس فقط مع عثمان ، بل كانت مع أبي بكر وعمر أيضاً.

ففي مجمع الزوائد ، عن سعيد بن المسيّب قال : كان لعثمان آذن ، فكان يخرج بين يديه إلى الصلاة. قال : فخرج يوماً ، فصلّى والاذن بين يديه. ثمّ جاء فجلس الآذن ناحية ولفّ رداءه ، فوضعه تحت رأسه واضطجع ، ووضع الدرّة بين يديه. فأقبل عليّ في إزار ورداء ، وبيده عصا ، فلمّا رآه الآذن من بعيد قال : هذا عليّ قد أقبل. فجلس عثمان ، فأخذ عليه رداءه. فجاء حتّى قام على رأسه فقال : اشتريت ضيعة آل فلان ، ولوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مائها حقّ ، أما إنّي قد علمت أنّه لا يشتريها غيرك. فقام عثمان ، وجرى بينهما كلام حتّى ألقى الله عزّ وجلّ. وجاء العبّاس فدخل بينهما ، ورفع عثمان على عليّ الدرّة.

وكذلك عندما أراد عثمان الحجّ ، وكان يمنع حجّ التمتّع ، فلم يقبل عليّ إلا إمضاء سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

روى مسلم في صحيحه ، عن قتادة. قال : قال عبد الله ابن شقيق : كان عثمان ينهى عن المتعة. وكان عليّ يأمر بها. فقال عثمان لعليّ كلمة. ثمّ قال عليّ : لقد

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٣ : ٤٤.

(٢) مجمع الزوائد ٧ : ٢٢٦ ، عن الطبراني في الأوسط ٧ : ٣٦٦.

٤٦٧

علمت أنّا قد تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال : أجل ، ولكنّا كنّا خائفين (١).

روى البخاري في صحيحه ، عن مروان بن الحكم ، قال : شهدت عثمان وعليّاً ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأنْ يُجمع بينهما. فلمّا رأى عليّ ، أهلّ بهما : لبيك بعمرة وحجّة معاً ، قال : ما كنت لأدع سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد (٢).

وروى النسائي في سننه : أنّ عثمان نهى عن المتعة وأنْ يجمع بين الحجّ والعمرة معاً. فقال عثمان : أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ فقال عليّ : « لم أكن لأدع سنّة رسول الله لأحد من الناس » (٣).

وغير ذلك من المواقف التي سنأتي على ذكر بعض منها خلال البحث.

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ٤٦.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٥١.

(٣) سنن النسائي ٥ : ١٤٨.

٤٦٨

عصر الإمام عليّ عليه‌السلام

ثمّ جاء عصر الإمام عليّ عليه‌السلام ، الذي كان عالماً بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفاصيلها ، وكانت عنده وعند الأئمّة من أولاده الحسن والحسين في ذلك الوقت الصحيفة التي فيها كلّ أحكام الشريعة بجزئياتها وكليّاتها.

فحاول سلام الله عليه أنْ يطبّق كتاب الله ، وسنّة نبيّه ، إلا أنّ المسلمين في ذلك الوقت كان قد نسوا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابتعدوا عن الالتزام بها ، فكلّما حاول سلام الله عليه أنْ يطبّق أمراً من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابتعدوا عن الالتزام بها ، واجهه أتباع مانعي تدوين السنّة بالعداء العلني ، وشغلوه سلام الله عليه بالحروب والفتن وابتدأوا بمعركة الجمل ، ثمّ صفّين ، ثمّ معركة النهروان مع الخوارج ، حتّى وصل الأمر بهم أنْ قتلوه في محرابه ، وقد ذكرت بعض تلك التفاصيل في موضوع اغتيال وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبل أنْ ندخل في مرحلة معاوية بن أبي سفيان ، وحركته ضدّ سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابدّ وأنْ نذكر الأهداف التي من أجلها حَرَقَ الخلفاء الثلاثة سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعوا من تدوينها.

أسباب حرق السنّة ، ومنع تدوينها في عصر أبي بكر وعمر وعثمان :

السبب الأوّل : كان من أجل إخفاء أسماء المنافقين الذين أعلن رسول

٤٦٩

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسماءهم وفضح أفعالهم ، وأيضاً من أجل إخفاء تفسير العديد من الآيات والأحاديث ، حيث أصبح العديد من أولئك المنافقين ، متنفذّين في الخلافة في ذلك الوقت ، ولذلك ، فإنّ وجود نصوص من هذا النوع ، بالتأكيد سوف تفضحهم وتكشف حقيقتهم ، وبالتالي يهتزّ مركزهم ويتزعزع ، وهذا يشكّل خطراً كبيراً على دنياهم.

والسبب الثاني : هو أنّ الخليفة الأوّل ، والثاني ، والثالث ، كانوا يجهلون العديد من الأحكام الشرعيّة ، ولا يعرفون حكمها ، وهذا بالتأكيد سوف يزعزع مكانتهم بين المسلمين ، ولأنّ العقل يقتضي أنْ يكون الخليفة من أعلم الناس ، ولذلك كثيراً ما كانوا يعترفون بعجزهم وعدم معرفتهم بالأحكام ، ويبرّرون مواقفهم بتبريرات عديدة ، فمرّة يدّعون أنّهم شغلهم الصفق بالأسواق ، ومرّه يتفوّهون بكلمات تظهر أنّهم لتواضعهم يعترفون بعدم علمهم ، وطبيعي أنّ عجزهم عن معرفة الأحكام راجع في حقيقته إلى عدم معرفتهم بالسنّة النبويّة الشريفة ، وجهلهم بها ، لذا قرّروا إحراقها ليتسنّى لهم الإفتاء بلا حرج ، لكن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان لهم بالمرصاد ، فطالما بيّن أخطاءهم ، وصحّح أحكامهم لذا كان عمر يقول : « لولا عليّ لهلك عمر » (١) ، وأخرى : « يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن » حتّى أنْ عمر اعترف بأنّ عليّ بن أبي طالب أقضاهم والحديث موجود في صحيح البخاري.

وأحبّ في هذا المقام أنْ أقدّم للقارئ العزيز نماذج من كتب وصحاح أهل السنّة تبيّن جهل الخلفاء في معرفة العشرات من الأحكام والسنن النبويّة الشريفة.

مواقف لأبي بكر لا يعرف فيها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا :

أخرج الطبراني في المعجم الكبير ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه قال : دخلت على أبي بكر رضي الله تعالى عنه أعوده في مرضه الذي توفي

__________________

(١) الاستيعاب ٣ : ١١٠٣.

٤٧٠

فيه ... فقال أما إنّي لا آسي على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ، وددت أنّي لم أفعلهنّ ، وثلاث لم أفعلهنّ ، وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهنّ ، فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي لم أفعلهنّ ، فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة ، وتركته ، وإنْ أغلق علي الحرب. وودت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ، أبي عبيدة أو عمر ، فكان أمير المؤمنين ، وكنت وزيراً. وودد أنّي حيث كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردّة ، أقمت بذي القصّة ، فإنْ ظفر المسلمون ظفرواً ، وإلا كنت ردءاً أو مدداً. وأمّا اللاتي وددت أنّي فعلتها ، فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه ، فإنّه يخيّل إليّ أنّه يكون شرّ إلاّ طار إليه. ووددت أنّي يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن أحرقه ، وقتلته سريحاً ، أو أطلقته نجيحاً. ووددت أنّي حيث وجّهت خالد بن الوليد إلى الشام ، وجّهت عمر إلى العراق ، فأكون قد بسطت يديَّ يميني وشمالي في سبيل الله عزّ وجلّ. وأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهنّ ، فوددت أنّي كنت سألته فيمن هذا الأمر ، فلا ينازعه أهله ، ووددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر سبب. ووددت أنّي سألته عن العمّة وبنت الأخ ، فإنّ في نفسي منهما حاجة (١).

قال في الدرّ المنثور : أخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، والدارمي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه ، عن الشعبي قال : سُئل أبو بكر عن الكلالة فقال : إنّي سأقول فيها برأيي ، فإذا كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له ، وإنْ كان خطأً فمنّي ومن الشيطان ، والله منه بريء ، أراه ما خلا الولد والوالد ، فلمّا استخلف عمر قال : الكلالة ما عدا الولد ، فلمّا طُعن عمر قال : إنّي لأستحي من الله أنْ أخالف أبا بكر رضي‌الله‌عنه (٢).

__________________

(١) المعجم الكبير ١ : ٦٢ ـ ٦٣.

(٢) الدرّ المنثور ٢ : ٢٥.

٤٧١

مواقف لعمر لا يعرف فيها أحكام الدين :

عمر لا يعرف آية التيمّم :

روى مسلم في صحيحه ، عن شعبة. قال : حدّثني الحكم عن ذر ، عن سعيد ابن عبد الرحمن بن أبزي ، عن أبيه أنّ رجلا أتى عمر فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماء. فقال : لا تصلّ. فقال عمّار : أما تذكر ، يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سريّة فأجنبنا. فلم نجد ماء. فأمّا أنت فلم تصلّ. وأما أنا فتمعكت في التراب وصلّيت. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « إنّما كان يكفيك أنْ تضرب بيديك الأرض ثمّ تنفخ ثمّ تمسح بهما وجهك وكفّيك » فقال عمر : اتقّ الله يا عمّار! قال : إنْ شئت لم أحدّث به (١).

روى البخاري في صحيحه ، حدّثنا الأعمش قال : سمعت شقيق بن سلمة قال : كنت عند عبد الله وأبي موسى ، فقال له أبو موسى : أرأيت يا أبا عبد الرحمن ، إذا أجنب الرجل فلم يجد ماء ، كيف يصنع؟ فقال عبد الله : لا يصلي حتّى يجد الماء. فقال أبو موسى : فكيف تصنع بقول عمّار ، حين قال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( كان يكفيك ). قال : ألم تر عمر لم يقنع بذلك؟ فقال أبو موسى : فدعنا من قول عمّار ، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبد الله ما يقول ، فقال : أنا لو رخصنا لهم في هذا ، لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أنْ يدعه ويتيمم. فقلت لشقيق : فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال : نعم.

عمر يعترف بجهله أمام عليّ عليه‌السلام :

قال المنّاوي في فيض القدير : وكان عمر يتعوّذ من كلّ معضلة ليس لها أبو الحسن ... وقال : قال عمر : لولا عليّ لهلك عمر. واتّفق له مع أبي بكر نحوه ، فأخرج الدارقطني ، عن أبي سعيد ، أنّ عمر كان يسأل عليّاً عن شيء ، فأجابه. فقال عمر :

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ١٩٣.

٤٧٢

أعوذ بالله أنْ أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن. وفي رواية : لا أبقاني الله بعدك يا عليّ (١).

عمر لا يعرف حكم الاستئذان :

روى البخاري في صحيحه ، عن عبيد بن عمير قال : استأذن أبو موسى على عمر ، فكأنّه وجده مشغولاً فرجع ، فقال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له. فدعي له ، فقال : ما حملك على ما صنعت؟ فقال : إنّا كنّا نؤمر بهذا. قال : فأتني على هذا ببيّنة أو لأفعلنّ بك ، فانطلق إلى مجلس من الأنصار ، فقالوا : لا يشهد إلا أصاغرنا ، فقام أبو سعيد الخدريّ فقال : قد كنّا نؤمر بهذا ، فقال عمر : خفي عليّ هذا من أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ألهاني الصفق بالأسواق (٢).

عمر لا يعرف ما كان يقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة :

روى مسلم في صحيحه ، عن عبيد الله بن عبد الله أنّ عمر بن الخطّاب سأل أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأضحى والفطر؟

فقال : كان يقرأ فيها بـ ( ق والقرآن المجيد ، واقتربت الساعة وانشقّ القمر ) (٣).

عمر لا يعرف حكم الرجم :

روى الحاكم في المستدرك ، عن ابن عبّاس قال : مرّ عليّ بن أبي طالب بمجنونة بني فلان ، وقد زنت ، وأمر عمر بن الخطّاب برجمها ، فردّها عليّ ، وقال لعمر : يا أمير المؤمنين ، أترجم هذه؟ قال : نعم. قال : أو ما تذكر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : « رفع القلم عن ثلاث : عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن

__________________

(١) فيض القدير ٤ : ٤٧٠.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٥٧.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ٢١.

٤٧٣

النائم حتّى يستيقظ ، وعن الصبيّ حتّى يحتلم » قال : صدقت فخلّى عنها. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه (١).

روى أبو داود في سننه ، عن ابن عبّاس قال : أتي عمر بمجنونة قد زنت ، فاستشار فيها أُناساً ، فأمر بها عمر رضي‌الله‌عنه أنْ ترجم ، فمر بها عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال : ما شأن هذه؟ قالوا : مجنونة بني فلان زنت ، فأمر بها عمر رضي‌الله‌عنه أنْ ترجم. قال فقال : ارجعوا بها. ثمّ أتاه فقال : يا أمير المؤمنين ، أما علمت أنّ القلم رفع عن ثلاثة : عن المجنون حتّى يبرأ ، وعن النائم حتّى يستيقظ ، وعن الصبي حتّى يعقل؟ قال : بلى. قال : فما بال هذه ترجم؟ قال : لا شيء قال : فأرسلها. قال فأرسلها. قال : فجعل يكبّر (٢).

روى البخاري في صحيحه ، وقال عليّ لعمر : أما علمت : أنّ القلم رفع عن المجنون حتّى يفيق ، وعن الصبيّ حتّى يدرك ، وعن النائم حتّى يستيقظ (٣).

روى الطبريّ في ذخائر العقبى والرياض النضرة أتي عمر بن الخطّاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور ، فأمر برجمها ، فتلقّاها عليّ ، فقال : ما بال هذه؟ فقالوا : أمر عمر برجمها ، فردّها عليّ ، وقال : هذا سلطانك عليها ، فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلّك انتهرتها ، أو أخفتها؟ قال : قد كان ذلك. قال : أو ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، قال : لا حدّ على معترف بعد بلاء ، إنّه من قيّد أو حبس أو تهدّد ، فلا إقرار له ، فخلاّ سبيلها (٤).

وروى أيضاً في ذخائره وفي رياضه ، أنّه دخل عليّ على عمر ، وإذا امرأة حبلى تقاد لترجم ، فقال : ما شأن هذه؟ قالت : يذهبون بي يرجموني ، فقال : يا أمير

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٥٨.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٢٩.

(٣) صحيح البخاري ٨ : ٢١.

(٤) ذخائر العقبى : ٨٠ ، الرياض النضرة ٢ : ١٤٠.

٤٧٤

المؤمنين ، لأيّ شيء ترجم؟ إنْ كان لك سلطان عليها ، فما لك سلطان على ما في بطنها ، فقال عمر : كلّ أحد أفقه منّي ، ثلاث مرّات ، فضمنها عليّ حتّى وضعت غلاماً ، ثمّ ذهب بها إليه فرجمها (١).

عمر لا يعرف فترة الحمل :

قال السيوطيّ في الدرّ المنثور : أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، من طريق قتادة ، عن أبي حرب ابن أبي الأسود الدؤلي قال : رفع إلى عمر امرأة ولدت لستّة أشهر ، فسأل عنها أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، قال عليّ رضي‌الله‌عنه : لا رجم عليها ، ألا ترى أنّه يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) (٢) ، وقال : ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) (٣) ، وكان الحمل ههنا ستّة أشهر. فتركها عمر (٤).

عمر لا يعرف حكم الكلالة ويتّهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه لم يكمل شريعته :

قال السيوطي : أخرج مالك ، ومسلم ، وابن جرير ، والبيهقي عن عمر قال : ما سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شيء أكثر ما سألته عن الكلالة ، حتّى طعن بإصبعه في صدري وقال : تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء » (٥).

وأخرج عبد الرزاق ، والبخاري ، ومسلم ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن عمر قال : ثلاث وددت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عهد إلينا فيهن عهداً

__________________

(١) ذخائر العقبى : ٨٠ ، الرياض النضرة ٢ : ١٤٠ ـ ١٤١.

(٢) الأحقاف : ١٥.

(٣) لقمان : ١٤.

(٤) الدرّ المنثور ٦ : ٤٠.

(٥) الدرّ المنثور ٢ : ٢٤٩.

٤٧٥

ننتهي إليه : الجدّ والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا » (١).

في الدرّ المنثور أيضاً أخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، والدارمي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه ، عن الشعبي قال : سئل أبو بكر عن الكلالة فقال : إنّي سأقول فيها برأيي ، فإذا كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له ، وإنْ كان خطأ فمنّي ومن الشيطان ، والله منه بريء ، أراه ما خلا الولد والوالد ، فلمّا استخلف عمر قال : الكلالة ما عدا الولد ، فلمّا طعن عمر قال : إنّي لأستحي من الله أنْ أخالف أبا بكر رضي‌الله‌عنه (٢).

عمر لا يعرف حقيقة الحجر الأسود :

روى الحاكم في المستدرك ، بسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال حججنا مع عمر بن الخطّاب ، فلمّا دخل الطواف استقبل الحجر ، فقال : إنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولو لا أنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبّلك ما قبلتك ، ثمّ قبله ، فقال له عليّ بن أبي طالب : بلى يا أمير المؤمنين ، إنّه يضر وينفع ، قال : بم؟ قال : بكتاب الله تبارك وتعالى. قال : وأين ذلك من كتاب الله؟ قال : قال الله عزّ وجلّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) (٣). خلق الله آدم ، فمسح على ظهره ، فقرِرهم بأنّه الربّ ، وأنّهم العبيد ، وأخذ عهودهم ومواثيقهم ، وكتب ذلك الرقّ ، وكان لهذا الحجر عينان ولسان ، فقال له : افتح فاك ، قال : ففتح فاه ، فألقمه ذلك الرقّ وقال : اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة ، وإنّي أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود له لسان ذلق ، يشهد لمن استلمه بالتوحيد ، فهو يا أمير المؤمنين

__________________

(١) الدرّ المنثور ٢ : ٢٤٩.

(٢) الدرّ المنثور ٢ : ٢٥٠.

(٣) الأعراف : ١٧٢.

٤٧٦

يضرّ وينفع ، فقال عمر : أعوذ بالله أنْ أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن (١).

عمر يردّ جهالاته إلى السنّة ويحتكم إلى عليّ :

روى البيهقي في سننه ، بسنده عن الشعبي ، قال : أتي عمر بن الخطّاب بامرأة تزوّجت في عدّتها ، فأخذ مهرها ، فجعله في بيت المال ، وفرّق بينهما ، وقال : لا يجتمعان وعاقبهما ، قال : فقال عليّ رضي‌الله‌عنه : ليس هكذا ... ولكن يفرّق بينهما ، ثمّ تستكمل بقيّة العدّة من الأوّل ، ثمّ تستقبل عدّة أخرى ، وجعل لها عليّ رضي‌الله‌عنه المهر بما استحلّ من فرجها ، قال : فحمد الله عمر ، وأثنى عليه ، ثمّ قال : يا أيّها الناس ، ردّوا الجهالات إلى السنّة (٢).

وفي رواية المحبّ الطبري في رياضه عن مسروق ، ولفظه : أنّ عمر أتى بامرأة قد نكحت في عدّتها ، ففرّق بينهما ، وجعل مهرها في بيت المال ، وقال : لا يجتمعان أبداً ، فبلغ عليّاً فقال : إنْ كان جهلاً فلها المهر بما استحلّ من فرجها ، ويفرّق بينهما ، فإذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطّاب ، فخطب عمر وقال : ردّوا الجهالات إلى السنّة ، فرجع إلى قول عليّ (٣).

أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق ، أنّ رجلين أتيا عمر بن الخطّاب ، وسألاه عن طلاق الأمة ، فقام معهما ، فمشى حتّى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع ، فقال : أيّها الأصلع ، ما ترى في طلاق الأمة؟ فرفع رأسه إليه ، ثمّ أومأ إليه بالسبّابة والوسطى ، فقال لهما عمر : تطليقتان. فقال أحدهما : سبحان الله! جئناك وأنت أمير المؤمنين ، فمشيت معنا حتّى وقفت على هذا الرجل فسألته؟ فرضيت منه أنْ أومأ إليك؟ فقال لهما : ما تدريان من هذا؟ قالا : لا. قال : هذا عليّ بن أبي

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ١ : ٤٥٧.

(٢) السنن الكبرى ٧ : ٤٤٢.

(٣) الرياض النضرة ٢ : ١٤١.

٤٧٧

طالب (١).

أخرج البيهقي في السنن الكبرى ، عن عبد الرحمن بن عائذ ، قال : أتي عمر ابن الخطّاب برجل أقطع اليد ، والرجل قد سرق ، فأمر به عمر رضي‌الله‌عنه أنْ يقطع رجله ، فقال عليّ : إنّما قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) (٢) ، الآية ، فقد قطعت يد هذا ورجله ، فلا ينبغي أنْ تقطع رجله ، فتدعه بغير قائمة يمشي عليها ، إمّا أنْ تعزّره ، وإمّا أنْ تستودعه السجن ، قال : فاستودعه السجن (٣).

عمر يخاف الفضيحة :

جاء في نهج البلاغة ، أنّه ذُكر عند عمر بن الخطّاب في أيّامه حليّ الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحليّ؟ فهمّ عمر بذلك ، وسأل عنه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : إنّ هذا القرآن أنزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأموال أربعة : أموال المسلمين ، فقسّمها بين الورثة في الفرائض ، والفيء ، فقسّمه على مستحقّيه ، والخمس ، فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات ، فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حليّ الكعبة فيها يومئذ ، فتركه الله على حاله ، ولم يتركه نسياناً ، ولم يخف عنه مكاناً ، فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله ، فقال له عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحليّ بحاله (٤).

عمر لا يعرف ميقات العمرة :

روى في المحلّى لابن حزم ، عن ابن أذينة ، قال : أتيت عمر بن الخطّاب

__________________

(١) تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٤١.

(٢) المائدة : ٣٣.

(٣) السنن الكبرى ٨ : ٢٧٤.

(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٨.

٤٧٨

بمكّة ، فقلت له : ... فمن أين أعتمر؟ قال ائت عليّ بن أبي طالب فسله ، فأتيته فسألته ، فقال لي : من حيث ابتدأت ـ يعني : ميقات أرضه ـ قال : فأتيت عمر فذكرت له ذلك ، فقال : ما أجد لك إلاّ ما قال ابن أبي طالب (١).

عمر لا يعرف حكم الصلاة وهو جنب :

عن كنز العمّال للمتّقي ، عن القاسم بن أبي إمامة ، قال : صلّى عمر بالناس وهو جنب ، فأعاد ولم يُعد الناس ، فقال له عليّ : قد كان ينبغي لمن صلّى معك أنْ يعيدوا ، فرجعوا إلى قول عليّ. قال القاسم : وقال ابن مسعود مثل قول عليّ قال المتقي : أخرجه عبد الرزّاق ، والبيهقي (٢).

عمر يبرّر جهله بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عن كنز العمّال أيضاً ، عن ابن عمر ، قال : قال عمر بن الخطّاب لعليّ بن أبي طالب : يا أبا الحسن ، ربّما شهدت وغبنا ... ، ثلاث أسألك عنهنّ ، هل عندك منهنّ علم؟ قال عليّ : وما هنّ؟ قال : الرجل يحبّ الرجل ولم يرَ منه خيراً ، الرجل يبغض الرجل ولم يرَ منه شرّاً ، قال عليّ : نعم ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّ الأرواح في الهواء جنود مجنّدة تلتقي فتشام ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف. قال : واحدة ، والرجل يتحدّث بالحديث نسيه أوذكره ، قال عليّ : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « ما من القلوب قلب إلاّ وله سحابة كسحابة القمر ، بينا القمر يضيء إذعلته سحابة فأظلم إذ تجلّت. قال عمر : اثنتان ، والرجل يرى الرؤيا ، فمنها ما تصدّق ومنها ما تكذب ، قال : نعم ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : ما من عبد ولا أمة ينام فيستثقل نوماً إلا ويعرج بروحه في العرش ، فالتي لا تستيقظ إلا عند العرش ، فتلك الرؤيا التي تصدّق ، والتي

__________________

(١) المحلّى ٧ : ٧٦ ـ ٧٧.

(٢) كنز العمّال ٨ : ١٧٢.

٤٧٩

تستيقظ دون العرش ، فهي الرؤيا التي تكذّب ، فقال عمر : ثلاث كنت في طلبهنّ ، فالحمد لله الذي أصبتهنّ قبل الموت (١).

عمر لا يعرف حكم الشك في الصلاة :

روى أحمد في مسنده ، عن ابن عبّاس ، أنّه قال له عمر : يا غلام هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو من أحد من أصحابه إذا شكّ الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ قال : فبينا هو كذلك ، إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف ، فقال : فيما أنتما؟ فقال عمر : سألت هذا الغلام ، هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحمد من أصحابه إذا شكّ الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلّى أم ثنتين فليجعلها واحدة ، وإذا لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا فليجعلها ثنتين ، وإذا لم يدر أثلاثاً صلّى أم أربعا فليجعلها ثلاثاً ، ثمّ يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أنْ يسلّم ، سجدتين (٢).

عمر يخالف حكم الله في المهر :

قال في الدرّ المنثور : أخرج سعيد بن منصور ، وأبو يعلى ، بسند جيّد ، عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطّاب المنبر ثمّ قال : أيّها الناس ، ما اكثركم في صداق النساء ، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ، ولو كان الأكثر في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها ، فلا أعرفنّ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم ثمّ نزل ، فاعترضه امرأة من قريش فقالت له : يا أمير المؤمنين ، نهيت الناس أنْ يزيدوا النساء في صدقاتهنّ على أربعمائة درهم؟ قال : نعم. فقالت : أما سمعت

__________________

(١) كنز العمّال ١٣ : ١٦٩ ، أخرجه الطبراني في الأوسط ٥ : ٢٤٨.

(٢) مسند أحمد ١ : ١٩٠.

٤٨٠