سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

قال المناوي في فيض القدير ، في شرحه للحديث : « ( إنّ مثل أهل بيتي ) فاطمة وعليّ وابنيهما وبنيهما أهل العدل والديانة ( مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك ) وجه التشبيه أنّ النجاة ثبتت من قوم نوح صلّى الله عليه وسلّم لأمته بالتمسّك بأهل بيته النجاة ، وجعلهم وصلة إليها ومحصوله الحثّ على التعلّق بحبّهم وحبلهم وإعظامهم شكراً لنعمة مشرفهم ، والأخذ بهدي علمائهم ، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة ، وأدّى شكر النعمة المترادفة ، ومن تخلّف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان ، فاستحقّ النيران ، لما أنّ بغضهم يوجب النار ، كما جاء في عدّة أخبار ، كيف وهم أبناء أئمّة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتجّ الله بهم على عباده ، وهم فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرّهم وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم في كثير من الآيات ، وهم العروة الوثقى ومعدن التقى ، واعلم أنّ المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم ، إذ لا يحثّ على التمسّك بغيرهم ، وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنّة حتّى يردوا معه على الحوض ، رواه الحاكم في مناقب أهل البيت عن أبي ذر ، قال الحاكم : صحيح » (١).

وقال أيضاً : « ( مثل أهل بيتي ) زاد في رواية فيكم ( مثل سفينة نوح ) في رواية في قومه ( من ركبها نجا ) أي : خلص من الأمور المستصعبة ( ومن تخلّف عنها غرق ) وفي رواية هلك ومن ثُمّ ذهب قوم إلى أنّ قطب الأولياء في كلّ زمن لا يكون إلا منهم ، ووجه تشبيههم بالسفينة : أنّ من احبّهم وعظمهم شكرا لنعمة جدّهم وأخذ بهدي علماءهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في معادن الطغيان.

البزار في مسنده ، عن ابن عبّاس وعن ابن الزبير بن العوام والحاكم في

__________________

(١) فيض القدير ٢ : ٦٥٨.

١٢١

التفسير من حديث مفضل بن صالح عن أبي ذر ، وقال : على شرط مسلم ... ورواه أيضاً الطبراني وأبو نعيم وغيرهما » (١).

وروى أحمد في فضائل الصحابة ، عن حنش الكناني قال : سمعت أبا ذر يقول : وهو آخذ بباب الكعبة من عرفني فأنا من قد عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول : إلا إنّ مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك » (٢).

آية الإنذار وحديث الدار :

قال تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) (٣).

أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، كما في كنز العمّال ، عن عليّ قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا عليّ! إنّ الله أمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا وعرفت أنّي مهما أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليها حتّى جاءني جبريل فقال : يا محمّد! إنّك إنْ لم تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك ، فاصنع لي صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واجعل لنا عسّاً من لبن ، ثُمّ اجمع لي بني عبد المطللب حتّى أكلّمهم وأبلّغ ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثُمّ دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلا أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب ، فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته لهم ، فجئت به ،

__________________

(١) فيض القدير ٥ : ٦٦٠.

(٢) فضائل الصحابة ٢ : ٧٨٥.

(٣) الشعراء : ٢١٤ ـ ٢١٦.

١٢٢

فلمّا وضعته تناول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جذب حزبة من اللحم ، فشقّها بأسنانه ، ثُمّ ألقاها في نواحي الصفحة ، ثُمّ قال : كلوا بسم الله ، فأكل القوم حتّى نهلوا عنه ، ما نرى إلا آثار أصابعهم ، والله! إنْ كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدّمت لجميعهم ، ثُمّ قال : اسقِ القوم يا عليّ! فجئتهم بذلك العسّ ، فشربوا منه حتّى رووا جميعاً ، وأيم الله! إنْ كان الرجل منهم ليشرب مثله.

فلمّا أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنْ يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لقد شحركم صاحبكم ، فتفرّق القوم ولم يكلّمهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فلمّا كان الغد فقال : يا عليّ! إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أنْ أكلّمهم ، فعد لنا مثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ، ثُمّ اجمعهم لي ، ففعلت ثُمّ جمعتهم ، ثُمّ دعاني بالطعام فقرّبته ، ففعل به كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا حتّى نهلوا ، ثُمّ تكلّم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا بني عبد المطلب! إنّي والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به! إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أنْ أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سنّا وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبيّ الله ، أكون وزيرك عليه! فأخذ برقبتي فقال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنْ تسمع وتطيع لعليّ (١).

وإليك هذه الرواية المطابقة للرواية السابقة ، لكن أرجو منك أنْ تدقّق فيها وتشاهد كيف أنّهم يحرّفون ويبدّلون فيما يتعلّق بأمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب عليه‌السلام : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ

__________________

(١) كنز العمّال ١٣ : ١٣١ ـ ١٣٢ ، وقول أبو لهب « لقد شحركم » كما في المصدر ، لعلها سحركم كما في تفسير الطبري.

١٢٣

الأَْقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال لي : « يا عليّ ، إنّ الله أمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين » ، قال : « فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أني متى ما أباديهم بهذا الأمر أرَ منهم ما أكره ، فصمتُ حتّى جاء جبرائيل ، فقال : يا محمّد ، إنّ إلاّ تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّا من لبن ، ثُمّ اجمع لي بني عبد المطلب ، حتّى أكلّمهم ، وأبلغهم ما أمرت به » ، ففعلت ما أمرني به ، ثُمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب : فلمّا اجتمعوا إليه ، دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلمّا وضعته تناول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حذيّة من اللحم ، فشقّها بأسنانه ، ثُمّ ألقاها في نواحي الصحفة ، قال : « خذوا باسم الله » فأكلّ القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة ، وما أرى إلا مواضع أيديهم ، وأيم الله الذي نفس عليّ بيده إنْ كان الرجل الواحد ليأكلّ ما قدّمت لجميعهم ، ثُمّ قال : « اسق الناس » فجئتهم بذلك العسّ ، فشربوا حتّى رووا منه جميعا ، وأيم الله إنْ كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنْ يكلّمهم ، بدره أبو لهب إلى الكلام ، فقال : ـ لهدّ ما سحركم به صاحبكم ، فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال الغد : « يا عليّ ، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما قد سمعت من القوم ، فتفرّق القوم قبل أنْ أكلّمهم ، فأعدّ لنا من الطعام مثل الذي صنعت ، ثُمّ اجمعهم لي ».

قال : ففعلت ، ثُمّ جمعتهم. ثُمّ دعاني بالطعام ، فقرّبته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة قال : « اسقهم » فجئتهم بذلك العسّ ، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ، ثُمّ تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : « يا بني عبد المطلب ، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أنْ أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أنْ يكون أخي » وكذا وكذا! قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ،

١٢٤

وقلت ـ وإنّي لأحدثهم سناً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً ـ : أنا يا نبيّ الله ، أكون وزيرك فأخذ برقبتي ، ثُمّ قال : « إنّ هذا أخي » وكذا وكذا ، « فاسمعوا له وأطيعوا » ، قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنْ تسمع لابنك وتطيع! (١) وسيأتي أنّ الطبري نفسه يذكر العبارة كاملة في تاريخه من دون كذا وكذا فلماذا هذا التحريف في التفسير؟!

روي في كنز العمّال ، عن عليّ قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ ) ، جمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أهل بيته ، فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا فقال لهم : من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة ، ويكون خليفتي في أهلي ، فقال رجل لم يسمّه شريك : يا رسول الله ، أنت كنت بحراً ، من يقوم بهذا ثُمّ قال الآخر : فعرض على أهل بيته واحداً واحداً ، فقال عليّ أنا (٢).

روى مجمع الزوائد ، عن عليّ قال : لمّا نزلت : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ ) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « يا عليّ ، اصنع رجل شاة بصاع من طعام ، واجمع لي بني هاشم ». وهم يومئذ أربعون رجلاً او أربعون غير رجل. قال : فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطعام ، فوضعه بينهم ، فأكلوا حتّى شبعوا ، وإنْ منهم لمن يأكل الجذعة بإدامها ، ثُمّ تناول القدح فشربوا منه حتّى رووا ، يعني من اللبن. فقال بعضهم : ما رأينا كالسحر ، يرون أنّه أبو لهب الذي قال.

فقال : « يا عليّ إصنع رجل شاة بصاع من طعام ، واعدد قعباً من لبن » قال : ففعلت ، فأكلوا كما أكلوا في اليوم الأوّل ، وشربوا كما شربوا في المرّة الأولى ، وفضل كما فضل في المرّة الأولى ، فقال : ما رأينا كاليوم في السحر.

__________________

(١) تفسير الطبري ١٩ : ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٢) كنز العمّال ١٣ : ١٢٨ ـ ١٢٩ ، وذكر أنّ الحديث أخرجه أحمد ، وابن جرير وصحّحه ، والطحاوي ، والمقدسي في الضياء المختارة.

١٢٥

فقال : « يا عليّ ، اصنع رجل شاة بصاع من طعام ، واعدد قعباً من لبن ». ففعلت. فقال : « يا عليّ ، اجمع لي بني هاشم ». فجمعتهم ، فأكلوا وشربوا ، فبدرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنطق ، فقال : « أيكم يقضي عني ديني » قال : فسكت ، وسكت القوم ، فأعاد رسول الله المنطق فقلت : أنا يا رسول الله ، فقال : « أنت يا عليّ ، أنت يا عليّ » ، رواه البزار واللفظ له ، وأحمد باختصار ، والطبراني في الأوسط باختصار أيضاً ، ورجال أحمد وأحد إسنادي البزار رجال الصحيح ، غير شريك وهو ثقة (١).

روى الطبري في التاريخ ، حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثني محمّد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب ، عن عبد الله بن عبّاس ، عن عليّ بن أبي طالب قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله فقال لي : يا عليّ ، إنّ الله أمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتُّ عليه حتّى جاءني جبرئيل فقال : يا محمّد ، إنّك إلا تفعل ما تؤمر به ، يعذّبك ربّك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّاً من لبن ، ثُمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتّى أكلّمهم وأبلّغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثُمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب ، فلمّا اجتمعوا إليه ، دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلمّا وضعته ، تناول رسول الله حذية من اللحم فشقّها بأسنانه ، ثُمّ ألقاها في نواحي الصحفة ثُمّ قال : « خذوا بسم الله » فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة ، وما أرى إلا موضع أيديهم ، وأيم الله الذي نفس عليّ بيده ، وإنْ

__________________

(١) مجمع الزوائد ٨ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

١٢٦

كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم ثُمّ قال : « اسقِ القوم » فجئتهم بذلك العسّ ، فشربوا منه حتّى رووا منه جميعاً ، وأيم الله إنْ كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلمّا أراد رسول الله أنْ يكلّمهم ، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لهد ما سحركم صاحبكم ، فتفرق القوم ولم يكلّمهم رسول الله ، فقال : « الغد يا عليّ ، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أنْ أكلّمهم ، فعدِ لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثُمّ اجمعهم إلي ، قال : ففعلت ، ثُمّ جمعتهم ، ثُمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة ثُمّ قال : اسقهم ، فجئتهم بذلك العسّ ، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ، ثُمّ تكلّم رسول الله فقال : « يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أنْ يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم » ، قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّا وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً ، أنا يا نبيّ الله ، أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثُمّ قال : « إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا » ، قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنْ تسمع لابنك وتطيع » ورواه في الكامل وغيره (١).

__________________

(١) اُنظر : الكامل في التاريخ ٢ : ٦٢ ـ ٦٣.

١٢٧

حديث الثقلين

قال السيوطيّ في الدرّ المنثور : أخرج أحمد ، عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله عزّ وجلّ ، حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض » (١).

وأخرج الطبراني ، عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّي لكم فرط ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، فاُنظروا كيف تخلفوني في الثقلين ، قيل : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : الأكبر : كتاب الله عزّ وجلّ ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسّكوا به ، لن تزالوا ولا تضلّوا ، والأصغر عترتي : وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما لتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنّهما أعلم منكم » (٢).

وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، والطبراني ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا بعدي ، أمرين : أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض » (٣).

__________________

(١ ـ ٣) الدرّ المنثور ٢ : ٦٠ ، واُنظر : مسند أحمد ٥ : ١٨٢ ، ١٨٩ ، ٣ : ٩٥ ، المعجم الكبير ٥ : ١٦٦ ـ ١٦٧ ، المعجم الأوسط ٣ : ٣٧٤.

١٢٨

قال ابن كثير في تفسيره : قد ثبت في الصحيح أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته بغدير خمّ : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، وإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (١).

أخرج مسلم عن يزيد بن حيّان قال : انطلقت أنا والحصين بن سبرة ، وعمر ابن مسلم ، إلى زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه ، فلمّا جلسنا إليه قال حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وسمعت حديثه ، وغزوت معه ، وصلّيت معه ، لقد رأيت يا زيد خيراً كثيراً ، حدّثنا يا زيد ، ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : يا ابن أخي لقد كبرت سنّي ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فما حدّثتكم فاقبلوا ، وما لا فلا تكلّفونيه ، ثُمّ قال رضي‌الله‌عنه : قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً ، بين مكّة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثُمّ قال صلّى الله عليه وسلّم : « أما بعد ألا أيّها الناس ، إنّما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين ، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به » فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثُمّ قال : « وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي » فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكنّ أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده ، قال : ومن هم؟ قال : هم آل عليّ ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل العبّاس رضي‌الله‌عنهم ، قال : كلّ هؤلاء حرّم الله عليه الصدقةّ قال : نعم ، وأخرجه أحمد والنسائي (٢).

وروى الترمذي في سننه ، عن زيد بن أرقم قال ، قال رسول الله صلّى الله

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٤ : ١٢٢.

(٢) صحيح مسلم ٧ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ، مسند أحمد ٤ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، السنن الكبرى ٥ : ٥١.

١٢٩

عليه وسلّم : « إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (١).

وروى الترمذي أيضاً ، عن جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول : « يا أيّها الناس ، إنّي تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (٢).

وروى الحاكم في مستدركه ، عن ابن واثلة : أنّه سمع زيد بن أرقم يقول : نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين مكّة والمدينة عند شجرات ، خمس دوحات عظام ، فكنس الناس ما تحت الشجرات ، ثُمّ راح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشيّة ، فصلّى ، ثُمّ قام خطيباً ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وذكّر ووعظ ، فقال ما شاء الله أنْ يقول ، ثُمّ قال : « أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم أمرين ، لن تضلّوا إنْ اتبعتموهما ، وهما كتاب الله ، وأهل بيتي ، عترتي ثُمّ قال : « أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثلاث مرّات ، قالوا : نعم ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « من كنت مولاه ، فعليّ مولاه » قال الحاكم : وحديث بريدة الأسلمي صحيح على شرط الشيخين (٣).

وروى المتقي الهندي في كنز العمّال : عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : أنّه قال : إنّي لكم فرط ، إنّكم واردون عليّ الحوض عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى ، فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضّة ، فاُنظروا كيف تخلفوني في الثقلين ، قيل : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : الأكبر ، كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله ، وطرفه

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ٣٢٩.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٣٢٨.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٠٩ ـ ١١٠.

١٣٠

بأيديكم ، فتمسّكوا به لن تزلّوا ولا تضلّوا ، والأصفر عترتي ، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذلك ربّي ، ولا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلّموهما فإنّهما أعلم منكم. ( الطبراني عن زيد بن ثابت ) (١).

وروى المتّقي الهندي في كنز العمال ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أيّها الناس إنّي تارك فيكم أمرين ، إنْ أخذتم بهما لم تضلّوا بعدي أبدا ، واحدهما أفضل من الآخر ، كتاب الله ، هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ، وأهل بيتي عترتي ، إلا وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ( ابن جرير ) (٢).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، عن زيد بن أرقم قال : نزل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الجحفة ، ثُمّ أقبل على الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثُمّ قال : إنّي لا أجد لنبيّ إلا نصف عمر الذي قبله ، وإنّي أوشك أنْ أدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون؟ قالوا : نصحت. قال : أليس تشهدون أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله وأنّ الجنّة حقّ والنار حقّ وأنّ البعث بعد الموت حقّ؟ قالوا : نشهد. قال : فرفع يديه فوضعهما على صدره ثُمّ قال : وأنا أشهد معكم. ثُمّ قال : ألا تسمعون؟ قالوا : نعم. قال : فإنّي فرطكم على الحوض ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنّ عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ، فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : كتاب الله ، طرف بيد الله عزّ وجلّ ، وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلّوا ، والآخر عترتي ، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت ذلك لهما ربّي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم

__________________

(١) كنز العمّال ١ : ١٨٦.

(٢) كنز العمّال ١ : ٣٨١.

١٣١

منكم ، ثُمّ أخذ بيد عليّ رضي الله تعالى عنه فقال : « من كنت أولى به من نفسي ، فعليّ وليّه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ». وأورده المتقي الهندي في كنز العمّال (١).

وروى الطبراني في الأوسط ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّي تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض » (٢).

وروى أحمد في مسنده ، حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا أسود بن عامر ، أخبرنا أبو إسرائيل ، يعني إسماعيل بن إسحاق الملائي ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّي تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض » (٣).

وروى أحمد في مسنده ، حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا الأسود بن عامر ، حدّثنا شريك ، عن الركين ، عن القاسم بن حسّان ، عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّي تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، أو ما بين السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض » (٤) ، وأورده الهيثمي وقال : رواه أحمد وإسناده جيد (٥).

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ : ١٦٦ ـ ١٦٧ ، وعنه في كنز العمّال ١ : ١٨٨.

(٢) المعجم الأوسط ٣ : ٣٧٤.

(٣) مسند أحمد ٣ : ١٤.

(٤) مسند أحمد ٥ : ١٨٢.

(٥) مجمع الزوائد ٩ : ١٦٢.

١٣٢

حديث المنزلة

وروى البخاري في صحيحه حدّثنا محمّد بن بشّار ، حدّثنا غندر ، حدّثنا شعبة ، عن سعد قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن أبيه قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعليّ : « أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى » (١).

روى مسلم في صحيحه ، عن عامر بن سعد ابن أبي وقّاص ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ».

قال سعيد : فأحببت أنْ أشافه بها سعداً ، فلقيت سعداً ، فحدثته بما حدّثني عامر. فقال : أنا سمعته. فقلت : أنت سمعته؟ فوضع إصبعيه على أذنيه فقال : نعم ، وإلاّ فاستّكتا (٢).

روى مسلم في صحيحه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : خلّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبى طالب ، في غزوة تبوك. فقال : يا رسول الله! تُخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : « أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنّه لا نبيّ بعدي » (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢٠٨.

(٢) صحيح مسلم ٧ : ١٢٠.

(٣) صحيح مسلم ٧ : ١٢٠.

١٣٣

وروى السيوطي في المجمع الصغير : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنّه لا نبيّ بعدي » (١).

وروى الحاكم في مستدركه ، عن الحسن بن سعد مولى عليّ ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أراد أنْ يغزو غزاة له ، قال : فدعا جعفراً ، فأمره أنْ يتخلّف على المدينة ، فقال : لا أتخلف بعدك يا رسول الله أبداً. قال فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فعزم عليّ لما تخلفت قبل أنْ أتكلّم قال فبكيت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « ما يبكيك يا عليّ »؟ قلت : « يا رسول الله ، يبكيني خصال غير واحدة ، تقول قريش غداً ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، ويبكيني خصلة أخرى ، كنت أريد أنْ أتعرّض للجهاد في سبيل الله ; لأنّ الله يقول : ( وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلاً ) (٢) إلى آخر الآية ، فكنت أريد أنْ أتعرّض لفضل الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أمّا قولك : تقول قريش : ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، فإنّ لك بي أسوة ، قد قالوا : ساحر ، وكاهن ، وكذّاب ، أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي. وأمّا قولك : أتعرّض لفضل الله ، فهذه أبهار من فلفل جاءنا من اليمن فبعه ، واستمتع به أنت وفاطمة ، حتّى يأتيكم الله من فضله ، فإنّ المدينة لا تصلح إلا بي أو بك. ( هذا حديث صحيح الإسناد ) (٣).

وروى الترمذي ، حدّثنا قتيبة ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أنْ تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلن أسبه ; لأنّ تكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر

__________________

(١) الجامع الصغير ٢ : ١٧٧.

(٢) التوبة : ١٢٠.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٣٣٧.

١٣٤

النعم ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ وخلفه في بعض مغازيه؟ فقال له عليّ : يا رسول الله ، تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أما ترضى أنْ تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنّه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله. قال فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليّاً ، قال : فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينه ، فدفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، وأنزلت هذه الآية : ( نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ ) (١) الآية ، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : « اللّهم هؤلاء أهلي » (٢).

وروى ابن ماجه في سننه ، حدّثنا عليّ بن محمّد ، حدّثنا أبو معاوية ، حدّثنا موسى بن مسلم ، عن ابن سابط ، وهو عبد الرحمن ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قدم معاوية في بعض حجاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا علياً ، فنال منه فغضب سعد ، وقال : تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه » وسمعته يقول : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي » وسمعته يقول : « لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله » (٣).

قوله : « فنال منه » أي نال معاوية من عليّ ، ووقع فيه وسبّه.

وروى المتّقي الهندي في كنز العمّال ، عن عليّ : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : خلّفتك أنْ تكون خليفتي ، قلت : أتخلّف عنك يا رسول الله؟ قال : « ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » (٤).

وروى المتّقي الهندي في كنز العمّال ، عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى الله عليه

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٣٠١ ـ ٣٠٢.

(٣) سنن ابن ماجه ١ : ٤٥.

(٤) كنز العمّال ١٣ : ١٥٨ ، والحديث في المعجم الأوسط للطبراني ٤ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

١٣٥

وآلة وسلّم قال : « يا أمّ سليم! إنّ عليّاً لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى » (١).

وروى المتّقي الهندي في كنز العمّال ، عن ابن عبّاس قال : قال عمر بن الخطّاب : كفّوا عن ذكر عليّ بن أبى طالب فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : في عليّ ثلاث خصال لأنّ يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم متّكئ على عليّ بن أبى طالب حتّى ضرب بيده على منكبه ثُمّ قال : أنت يا عليّ! أوّل المؤمنين إيماناً وأولهم إسلاماً! ثُمّ قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وكذب عليّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك. « الحسن بدر فيما رواه الخلفاء ، والحاكم في الكنى ، والشيرازي في الألقاب ، وابن النجار » (٢).

وروى في تاريخ دمشق عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : أناشدكم الله إنّ جبريل نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا محمّد ، لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ ، فهل تعلمون هذا كان لغيري؟ أناشدكم الله ، هل تعلمون أنّ جبريل نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا محمّد إنّ الله يأمرك أنّ تحبّ عليّ ، وتحبّ من يُحبّه ، فإنّ الله يحبّ عليّاً ، ويحبّ من يحبّه قالوا : اللّهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لمّا أسري بي إلى السماء السابعة رفعت إلى رفارف من نور ثُمّ رفعت إلى حجب من نور ، فأوحي إلي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشياء ، فلمّا رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجب : يا محمّد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، نعم الأخ أخوك عليّ ، تعلمون معاشر

__________________

(١) كنز العمّال ١١ : ٦٠٧.

(٢) كنز العمّال ١١ : ٦٠٧.

١٣٦

المهاجرين والأنصار كان هذا. فقال عبد الرحمن بن عوف من بينهم : سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهاتين وإلا فصمتّا ، أتعلمون أنّ أحداً كان يدخل المسجد جنباً غيري؟ قالوا : اللّهم لا ، هل تعلمون أنّي كنت إذا قاتلت عن يمين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، قاتلت الملائكة عن يساره؟ قالوا : اللّهم نعم ، فهل تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وهل تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان آخى بين الحسن والحسين فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : يا حسن مرّتين ، فقالت فاطمة : يا رسول الله ، إنّ الحسين الأصغر منه وأضعف ركناً منه ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ألا ترضين أنْ أقول أنا : هيَّ « هي : بالفتح وتشديد الياء المكسورة اسم فعل للأمر بمعنى أسرع فيما أنت فيه » يا حسن ويقول جبريل : هيَّ يا حسين ، فهل لخلق مثل هذه المنزلة نحن صابرون ليقضي الله امراً كان مفعولا (١).

روى في مسند زيد بن أبي أوفى ، لمّا آخى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه ، قال عليّ : لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإنّ كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلا لنفسي ، وانت منّي يمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، قال : وما أرث منك يا رسول الله؟ قال : ما ورثت الأنبياء من قبلي ، قال : وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال : كتاب ربّهم وسنّة نبيهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة بنتي ، وأنت أخي ورفيقي (٢).

__________________

(١) تاريخ دمشق ٢٩ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، وعنه في كنز العمّال ٥ : ٧٢٣ ـ ٧٢٤ ، واللفظ للثاني.

(٢) أورده المتّقي الهندي في كنز العمّال ٩ : ١٦٧ ، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢١ : ٤١٥.

١٣٧

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ، عن عليّ : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : « خلّفتك أنْ تكون خليفتي » قال : « أتخلّف عنك يا رسول الله »؟ قال : « أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي »

قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح (١).

وروى الطبراني ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّ سلّمة : هذا عليّ بن أبي طالب ، لحمه لحمي ، ودمه دمي ، هو منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنّه لا نبيّ بعدي » (٢).

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد عن أسماء بنت عميس أنْ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه ليس بعدي نبي ».

قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح (٣).

وفي مسند أحمد : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدّثنا سليمان بن بلال ، حدّثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، عن عائشة بنت سعد ، عن أبيها : أنّ عليّاً رضي‌الله‌عنه خرج مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى جاء ثنيّة الوداع ، وعليّ رضي‌الله‌عنه يبكي ، يقول : « تخلّفني مع الخوالف » ، فقال : « أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا النبوّة » (٤).

وفي مسند أحمد حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن قتادة وعليّ بن زيد بن جدعان قالا : حدّثنا ابن المسيّب ، حدّثنا ابن

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١١٠.

(٢) المعجم الكبير ١٢ : ١٥.

(٣) مجمع الزوائد ٩ : ١٠٩.

(٤) مسند أحمد ١ : ١٧٠.

١٣٨

لسعد بن مالك ، حدّثنا عن أبيه قال : « دخلت على سعد فقلت : حديثا حدّثنيه عنك حين استخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً رضي‌الله‌عنه على المدينة قال : فغضب فقال : من حدّثك به؟ فكرهت أنْ أخبره أنّ ابنه حدّثنيه فيغضب عليه ، ثُمّ قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرج في غزوة تبوك ، استخلف عليّ رضي‌الله‌عنه على المدينة ، فقال عليّ : يا رسول الله ، ما كنت أحبّ أنْ تخرج وجهاً إلاّ وأنا معك ، فقال : « أوما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنّه لا نبي بعدي » (١).

وفي مسند أحمد أيضاً : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له وخلّفه في بعض مغازيه ، فقال عليّ رضي‌الله‌عنه : « اتخلّفني مع النساء والصبيان »؟

قال : « يا عليّ ، أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : « لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويُحبّه الله ورسوله » ، فتطاولنا لها فقال : « ادعوا لي عليّ رضي‌الله‌عنه » فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولمّا نزلت هذه الآية : ( نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ) (٢) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضوان الله عليهم اجمعين فقال : « اللّهم هؤلاء أهلي » (٣).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا معمّر بن بكّار السعدي ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه : « أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ رضي‌الله‌عنه : « أنت منّي بمنزلة

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١٧٧.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٨٥.

١٣٩

هارون من موسى » (١).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا عبدان بن أحمد ، ثنا يوسف بن موسى ، ثنا إسماعيل بن أبان ، ثنا ناصح ، عن سمّاك ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ رضي‌الله‌عنه : « أنت منّي يمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لانبيّ بعدي » (٢)

وررى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا محمّد بن يحيى بن مندة الأصبهاني ، عن إسماعيل بن عبد الله الأصبهاني ثنا إسماعيل بن أبان ، ثنا أبو مريم عبد الغفار بن القاسم ، عن أبي إسحاق ، عن حبشي بن جنادة ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : أنّه قال لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » (٣).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا عبيد بن كثير التمّار الكوفي ، ثنا ضرار بن صرد ، ثنا عليّ بن هاشم ، عن محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن عبد الله ابن عبد الرحمن الحزمي ، عن أبيه ، عن أبي أيّوب : « أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي » (٤).

وروى الطبراني في معجمه الكبير ، حدّثنا محمّد بن العبّاس المؤدّب ، ثنا هوذة بن خليفة ، ثنا عوف ح وحدّثنا أسلم بن سهل الواسطي ، ثنا وهب بن بقيّة ، أنا خالد ، عن عوف ، عن ميمون أبي عبد الله ، عن البرّاء بن عازب وزيد بن أرقم : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ حين أراد أنْ يغزو : إنّه لابدّ من أنْ تقيم أو أقيم ، فخلّفه ، فقال ناس : ما خلّفه إلا لشيء كرهه ، فبلغ ذلك عليّاً ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره ، فتضاحك ، ثُمّ قال : « يا عليّ ، أما ترضى أنْ تكون

__________________

(١) المعجم الكبير ١ : ١٤٦.

(٢) المعجم الكبير ٢ : ٢٤٧.

(٣) المعجم الكبير ٤ : ١٧.

(٤) المعجم الكبير ٤ : ١٨٤.

١٤٠