سبيل المستبصرين

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني

سبيل المستبصرين

المؤلف:

الدكتور السيد صلاح الدين الحسيني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-41-6
الصفحات: ٦٠٠

ودخل بيته (١).

مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعتبر الصحابي ثعلبة من المرتدين بسبب منعه للزكاة ، ولم يقاتله ، وأيضاً أبو بكر الذي كان ذلك الصحابي يعيش في زمانه ، تركه ولم يقاتله ، فهل عرفت السبب أيّها القارئ العزيز.

وأنصح القارئ العزيز أنْ يقرأ تاريخ أولئك الصحابة الكرام ، حتّى يتعرّف عليهم وعلى أسمائهم ، والتي ربّما تبدوا أنّها ليست من الأسماء اللامعة والمعروفة كغيرها من أسماء الصحابة الذي اعتمدهم أهل السنّة ، والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا لم يعتمد أهل السنّة رواية وتاريخ أولئك الصحابة الكرام؟ مع أنّهم حكموا بعدالة الصحابة أجمعين؟ ألأنهم كانوا من شيعة عليّ عليه‌السلام وأوفوا بعهدهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

وألفت نظر القارئ العزيز أنّني قد ذكرت فقط بعض الإشارات إلى هذا النوع من الصحابة والذين غيّبهم التاريخ عند أهل السنّة عن الحياة العلمية. ولم يجعلوا لهم دورا كبيراً. بل جعلوا دورهم هامشيّاً ، بل عيبوا عليهم موقفهم في الإسلام ، بل طمسوها وأخفوها حتّى كادت أنّ تزول ، ولولا محافظة أتباع أهل البيت على الدين الإسلامي لضاع كلّ شيء.

إذن ، فالنتيجة أنّ الآية في بداية البحث ، لا تشمل جميع من صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل هذا النوع فقط ضمن الشروط المذكورة ، وأهمّها الوفاء بالعهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والثبات على بيعة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام. أمّا الفئات الأخرى من المنافقين والمنقلبين على أعقابهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا تشملهم.

وهؤلاء الموفون بعهدهم لم يثبت عنهم أنّهم نقلوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يخرج عن الشريعة ، أو خرجوا عن الولاية ، بل التزموا مع أمير المؤمنين ، والحسن

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٥٠٣.

٢٢١

والحسين. وكانوا بين أيديهم كتلاميذ لهم ; ولذلك هم يقرّون أنّ على المسلم أنْ يتّبع أهل البيت في دينه وشرعه ، ويكون مثل أولئك الصحابة في التزامهم وثباتهم مع النبيّ وأهل بيته عليهم‌السلام ، بل إنهم قاتلوا وقُتلوا في الدعوة لطاعة أهل البيت وموالاتهم ، فرضي الله عنهم ورضوا عنه.

النوع الثالث والرابع : المنافقون ، والمنقلبون على أعقابهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وصحابة كانوا في مكّة في قلوبهم مرض ، صار في المدينة نفاقاً ، أي المنافقون وصحابة انقلبوا بعد رسول الله.

في البداية أحبّ أنْ أقدّم جواباً على سؤال ربّما في ذهن البعض ، وهو أنّه هل يجوز أنْ نطلق على المنافق صفة الصحابي؟ والجواب على ذلك سهل ميسور ، وهو من أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك من معنى الصحابي في اللغة.

أولا : أقدّم بعض الأحاديث والتي قرّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ المنافقين هم من الصحابة.

روى البخاري في صحيحه : حدّثنا الحميدي : حدّثنا سفيان قال : حفظناه من عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنهما يقول : كنّا في غزاة ، فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمّعها الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، قال : « ما هذا » فقالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم « دعوها فإنّها منتنة ». قال جابر : وكانت الأنصار حين قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر ، ثُمّ كثر المهاجرون بعد. فقال عبد الله بن أبي : أوَ قد فعلوا ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل ، فقال عمر بن الخطّاب رضي‌الله‌عنه : دعني يا رسول الله ، أضرب عنق هذا المنافق ، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « دعه ، لا

٢٢٢

يتحدّث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه ».

ورواه مسلم في صحيحه (١).

ثُمّ إنّ القرآن الكريم قد أطلق على الكافر صفة الصحابي والصاحب : قال الله تعالى في سورة الكهف : (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ...) (٢) ، ففي هذا الآية الكريمة الصاحب هنا كان كافراً.

وكذلك الصاحب : الزوجة ، قال تعالى في سورة المعراج : (وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ) (٣) ، قال تعالى في سورة الأنعام : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْ وهُوَ بِكُلِّ شَيْ عَلِيمٌ) (٤) ، وكذلك الصاحب بمعنى القوم ، قال تعالى في سورة التوبة : ( ... وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥) ، والصحبة قد تكون صحبة مكان ، قال تعالى في سورة فاطر : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (٦) ، وتكون مع حيوان ، قال تعالى في سورة القلم : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (٧) ، والصحبة تعني الرسول ، قال تعالى في سورة النجم : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (٨) ، وقال تعالى في سورة التكوير : (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون) (٩).

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٦٦ ـ ٦٧ ، صحيح مسلم ٨ : ١٩.

(٢) الكهف : ٣٧.

(٣) المعارج : ١٢ ـ ١٣.

(٤) الأنعام : ١٠١.

(٥) التوبة : ٧٠.

(٦) فاطر : ٦.

(٧) القلم : ٤٨.

(٨) النجم : ١ ـ ٢.

(٩) التكوير : ٢٢.

٢٢٣

بعد هذه الآيات يتقرّر لك أنّ كلمة الصاحب ليس لها معنى أو حقيقة شرعيّة معيّنة ، بل بقيت على معناها اللغوي ، والمعنى اللغوي كما في كلّ القواميس ، أنّ الصاحب : هو الملازم إنساناً كان أو حيواناً أو مكاناً أو زماناً.

إذن ، فكما تقرّر لك أنّ الصاحب تشمل المؤمن والكافر والمنافق والحيوان والجماد ، وليس لهذه الكلمة صفة قدسيّة معيّنة ، لا شرعاً ، ولا لغةً حسب ما قرّرته الآيات والأحاديث.

والآن بعد أنْ أزيل الوهم عن تلك الكلمة ، نعود إلى موضوعنا ، وهو الصحابة المنافقون وهم على أنواع : انقلبوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وأعلنوا العداء والحرب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته ، ونقضوا عهدهم وبيعتهم لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه ـ بعد أنْ بخبخوا له في غدير خمّ ، وقالوا له : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (١).

هذا النوع من الصحابة ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حذّرهم من الانقلاب والانفلات بعده ، كما أنّ العديد من الآيات القرآنية كانت دائماً تحذّر أولئك الصحابة من الانقلاب ونقض العهد والبيعة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكأنّ الآيات الشريفة تسبق الأحداث ، تحذيراً للمسلمين من الوقوع في المحظور.

قال تعالى في سورة آل عمران : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) (٢) ، الآية تقررّ بأنّ هناك عدداً من الصحابة سوف ينقلب على عقبيه ويرتدّ القهقري.

وقال تعالى في سورة الفتح : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ

__________________

(١) اُنظر مثلاً مسند أحمد ٤ : ٢٨١ ، تاريخ بغداد ٨ : ٢٨٤ ، المصنف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٠٣ ، المناقب للخوارزمي : ٨٩ ، ١٥٦.

(٢) آل عمران : ١٤٤.

٢٢٤

أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (١).

هذه الآية الشريفة تقررّ أنْ هناك إمكانية كبيرة لنكث البيعة ونقض العهد ; لأنّها صنّفت الصحابة إلى صنفين ، ناكثين وموفين.

وقال تعالى في سورة الفتح : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (٢).

وأمّا التحذير النبويّ فيما يدلّ على الانقلاب والتغيير بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإليك جملة من الأحاديث الصحيحة من كتب وصحاح أهل السنّة :

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة : أنّه كان يحدّث : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : « يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيجلون عن الحوض ، فأقول : يا ربّ أصحابي؟ فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى » (٣).

روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة : عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : « بينا أنا قائم ، إذا زمرة ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلمّ ، فقلت : أين؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى.

ثُمّ إذا زمرة ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلّم قلت أين؟ قال : إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم؟ قال : أنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم » (٤).

__________________

(١) الفتح : ١٠.

(٢) الفتح : ٢٩.

(٣) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٨.

(٤) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٨.

٢٢٥

روى البخاري في صحيحه ، عن أنس ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : « ليردنّ عليّ ناس من أصحابي الحوض ، حتّى إذا عرفتهم ، اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي » فيقول : « لا تدري ما أحدثوا بعدك » (١).

روى البخاري في صحيحه ، عن سهل بن سعد قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « إنّي فرطكم على الحوض ، من مرّ عليّ شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثُمّ يحال بيني وبينهم » ، قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ، فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته ، وهو يزيد فيها فأقول : « إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي » ، وقال ابن عبّاس : سحقاً بعداً ، يقال : سحيق بعيد ، سحقه وأسحقه ، أبعده (٢).

روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة : أنّه كان يحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : « يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيجلون عن الحوض ، فأقول : يا ربّ ، أصحابي » ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى » (٣).

روى البخاري في صحيحه ، عن ابن المسيّب أنّه كان يحدّث عن أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : أنْ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : « يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي ، فيحلؤون عنه ، فأقول : يا ربّ ، أصحابي » ، فيقول : « إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى » (٤).

روى البخاري في صحيحه ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : قال النبيّ صلّى

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٧.

(٢) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، ٨ : ٨٧.

(٣) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٨.

(٤) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٨.

٢٢٦

الله عليه وسلّم : « إنّي على الحوض ، حتّى أنظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس من دوني فأقول : يا ربّ منّي ومن أمّتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ، فكان ابن أبي مليكة يقول : « اللّهم إنّا نعوذ بك أنْ نرجع على أعقابنا ، أو نفتن عن ديننا » ، أعقابكم تنكصون : ترجعون على العقب (١).

روى البخاري في صحيحه ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « أنا فرطكم على الحوض ، فليرفعنّ إليّ رجل منكم ، حتّى إذا أهويت لأنا ولهم ، اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربّ ، أصحابي » ، يقول : « لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٢).

وروى مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى المقبرة فقال : « السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إنْ شاء الله بكم لاحقون ، وددت أنّا قد رأينا إخواننا » ، قالوا : أو لسنا إخوانك يا رسول الله ، قال : « أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، فقالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمّتك يا رسول الله؟ فقال : « أرأيت لو أنّ رجلاً له خيل غرّ محجلّة بين ظهري خيل دهم بهم ، ألا يعرف خيله « قالوا : بلى ، يا رسول الله ، قال : « فإنهم يأتون غرّاً محجّلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال عن حوضي ، كما يذاد البعير الضال ، أناديهم ألا هلمّ ، فيقال : « إنّهم قد بدّلوا بعدك ، فأقول : « سحقاً سحقاً » (٣).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « ترد عليّ أمّتي الحوض ، وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله » ، قالوا : يا نبيّ الله ، أتعرفنا ، قال : « نعم ، لكم سيما ليست لأحد غيركم ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٩.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٨٧.

(٣) صحيح مسلم ١ : ١٥٠.

٢٢٧

تردون عليّ غرّاً محجّلين من آثار الوضوء ، وليصدنّ عنّي طائفة منكم ، فلا يصلون ، فأقول : يا ربّ ، هؤلاء من أصحابي ، فيجيبني ملك فيقول : وهل تدري ما أحدثوا بعدك » (١).

وفي صحيح مسلم : عن عبد الله قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعنّ أقواما ، ثُمّ لأغلبنّ عليهم فأقول : يا ربّ اصحابي ، أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٢).

وفي صحيح مسلم : حدّثنا أنس بن مالك ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : « ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتّى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ ، اختلجوا دوني ، فلأقولنّ : أي ربّ! أصيحابي ، أصيحابي ، فليقالنّ لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٣).

هذه آيات وأحاديث تدلّ على أنّ هناك عدداً من الصحابة سوف ينقلبوا وينكثوا بيعتهم ، وينقضوا عهدهم ، ويغيّروا ، ويبدّلو بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

هذا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يقول قائل : إنّ هؤلاء هم المرتدون ، وقد قاتلهم أبو بكر ، لا يقال ذلك ; لأنّ الذين قاتلهم أبو بكر لم يرتدوا ، بل لم يؤدّوا الزكاة إليه فقط ، حتّى أنّ عمر في البداية استنكر عليه ذلك ، ثُمّ أقرّ على أبي بكر فعله ، وبينت لك ذلك في بحث الموفون بعهدهم من الصحابة.

وأيضاً فإنّ المرتدين كانوا خارج المدينة ، بينما الأحاديث تؤكّد أنّ المبدّلين كانوا صحابة من الدائرة القريبة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أنّ في بعض الأحاديث يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها : أصحابي أصحابي .. ، أصيحابي أصيحابي ، والأحاديث التي ذكرناها واضحة الدلالة على ذلك.

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ١٥٠.

(٢) صحيح مسلم ٧ : ٦٧.

(٣) صحيح مسلم ٧ : ٧١.

٢٢٨

هذا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّا في حياته ، فكان المنافقون من الصحابة لهم وجود ونشاط وأثر بالغ ، راجع موضوع اغتيال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واغتيال أمير المؤمنين عليه‌السلام في بحثنا هذا ، يتبيّن لك وجود المنافقين من الصحابة ، وأثرهم ونشاطهم وصدّهم لرسول الله ومنعه من أداء رسالته بشتّى الوسائل. وكما ذكرت فأنّهم قد حاولوا اغتيال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدّة مرّات ، فقد حاولوا عدّة مرّات ان يمنعوا الصحابة من كتابة حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والطعن في عصمته ، وحاول عمر منع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التوقيع على صلح الحديبيّة (١) ، وألّب المسلمين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة كتاب لن تضلّ به الأمّة كما ذكرت لك في أحاديث رزيّة الخميس ، وغير ذلك من الأحداث المشهورة عند المسلمين ، وأقدم لك بعض الآيات والأحاديث والتي تؤكّد وجود المنافقين من الصحابة داخل المدينة المنوّرة أيّام حياته.

قال سبحانه وتعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم) (٢).

فالآية تدلّل على أنّ من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا معه في المدينة صحابة قد تمرّسوا وتجرّدوا للنفاق ، ومن شدّة إتقانهم للنفاق ، ومهارتهم بأدائه ، خفي الأمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لولا أنّ الله أخبره بهم ، فكيف للمؤمنين أنْ يعرفوهم من شدّة رسوخهم ومهارتهم على وجه يخفى عن البشر ، ولولا أنّ الله سبحانه وتعالى أخبر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما علم أحد عن هؤلاء القوم شيئاً ، ولذلك لو رجعنا إلى سورة براءة ، لوجدناها تهدّد وتتوعّد وتكشف حقائق مذهله عن المنافقين ووجودهم ونشاطهم وتأثيرهم.

__________________

(١) اُنظر موقف عمر في صلح الحديبية في صحيح البخاري ٤ : ٧٠ ، ٦ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) التوبة : ١٠١.

٢٢٩

ويجب أنْ نتنبّه على قضيّة مهمّة ، ولا نمّر عنها دون تأمّل ، وهي كيفيّة إبلاغ سورة براءة للمسلمين ، تلك السورة الكريمة التي تكشف حقيقة المنافقين من الصحابة ، حيث أعطاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي بكر ليبلّغها للناس ، ثُمّ نزل جبريل وأمره أنْ ينتزعها من أبي بكر ، بعد ذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يذهب بها ، إلا رجل منّي وأنا منه » (١).

هناك في تلك الحادثة لفتات مهمّة جدّاً ، وهي أنّنا على يقين تامّ بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحى ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصوصاً في التشريع ، لا يتصرّف إلاّ بحسب الأمر الإلهي ، فلماذا إذاً هذه الحركة الإلهية ، يرسل أوّلاً أبا بكر ، ثُمّ تنتزع منه هذه السورة المليئة بفظائع المنافقين ، ثُمّ تُعطى لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، كأنّ تلك الحركة الإلهية تلفت نظر المسلمين إلى أنّ قضيّة النفاق قضيّة متعلّقة بالولاء والبراءة من أمير المؤمنين ، حيث إنّ من يبلّغ الناس سورة ـ مثل سورة البراءة ـ يجب قطعاً أنْ يكون مبرّئ من النفاق والرجس.

ثُمّ إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فضح المنافقين من أهل المدينة مرّات عديدة بأسمائهم ، ودلّل عليهم ، عندما أخرج من المسجد ستّة وثلاثون صحابياً كانوا من المنافقين.

روى الطبري عن ابن عبّاس في قول الله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ ...) (٢) ، إلى قوله : (عَذَاب عَظِيم) ، قال : قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا يوم الجمعة فقال : أخرج يا فلان ، فإنّك منافق ، أخرج يا فلان ، فإنّك منافق ، فأخرج من المسجد ناساً منهم فضحهم ، فلقيهم عمر ، وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم حياء أنّه لم يشهد الجمعة ، وظنّ أنّ

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٢ ـ ١٣٤.

(٢) التوبة : ١٠١.

٢٣٠

الناس قد انصرفوا واختبؤا هم من عمر ، وظنّوا أنّه قد علم بأمرهم (١).

وقال ابن كثير : قال السدي عن أبي مالك ، عن ابن عبّاس في هذه الآية ، قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا يوم الجمعة فقال : « أخرج يا فلان ، إنّك منافق ، وأخرج يا فلان ، فإنّك منافق ، فأخرج من المسجد ناساً منهم فضحهم ، فجاء عمر وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم حياء أنّه لم يشهد الجمعة ، وظنّ أنّ الناس قد انصرفوا واختبؤا هم من عمر ظنّوا أنّه قد علم بأمرهم (٢).

وقال ابن كثير : قال الإمام أحمد : حدّثنا وكيع ، حدّثنا سفيان ، عن سلمة ، عن عياض بن عياض ، عن أبيه ، عن أبي مسعود ، عقبة بن عمرو قال : خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثُمّ قال : « إنّ منكم منافقين ، فمن سمّيت فليقم » ، ثُمّ قال : « قم يا فلان ، قم يا فلان » ، حتّى سمّى ستّة وثلاثين رجلاً ... (٣).

وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم) ، قال : قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم جمعة خطيباً فقال : « قم يا فلان ، فاخرج فإنّك منافق ، أخرج يا فلان ، فإنّك منافق » فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ، ولم يكن عمر بن الخطّاب شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له ، فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم استحياء هذه أنّه لم يشهد الجمعة ، وظنّ الناس قد انصرفوا ، واختبؤا هم من عمر ،

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ : ١٥.

(٢) تفسير ابن كثير ٢ : ٣٩٩.

(٣) تفسير ابن كثير ٢ : ٣٩٩.

٢٣١

فظنّوا أنّه قد علم بأمرهم (١).

وفي مسند أحمد : عن أبي مسعود قال : خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثُمّ قال : « إنّ فيكم منافقين ، فمن سمّيت فليقم ، ثُمّ قال : قم يا فلان ، قم يا فلان ، قم يا فلان ، حتّى سمّى ستّة وثلاثين رجلاً ثُمّ قال : إنّ فيكم أو منكم ، فاتّقوا الله ، قال : فمرّ عمر على رجل ممّن سمّى مقنّع قد كان يعرفه ، قال : مالك؟ قال : فحدّثه بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : بعداً لك سائر اليوم (٢).

وروى ابن حزم في المحلى عن ابن مسعود قال : خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر في خطبته ما شاء الله تعالى ثُمّ قال : « إنّ منكم منافقين ، فمن سمّيت فليقم ، ثُمّ قال : « قم يا فلان ، قم يا فلان ، قم يا فلان » ، حتّى عدّ ستة وثلاثين ، ثُمّ قال : إنّ منكم وإنّ فيكم فسلوا الله العافية ، فمرّ عمر برجل مقنّع قد كان بينه وبينه معرفة ، قال : ما شأنك؟ فأخبره بما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال له عمر : تبّاً لك سائر اليوم (٣).

والسؤال الذي يرد : من هو فلان ، وفلان؟ ألم يكن يعرفهم المسلمون في ذلك الوقت؟ هل كانوا لوحدهم أو كان لهم بقيّة وأتباع؟ هل صاروا المتنفذين من الخلفاء والأمراء والولاة؟ هل هم من المعتمدين في رواية الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتب أهل السنّة؟ لماذا وضع رواة الحديث بدل أسمائهم فلان وفلان؟ لماذا لجأ ذلك الصحابيّ المنافق والمقنّع بعد أنْ خرج من المسجد إلى عمر بن الخطّاب؟ ما هي علاقة عمر بذلك المنافق؟ لماذا لم يكن عمر في المسجد في تلك الحادثة؟

__________________

(١) المعجم الأوسط ١ : ٢٤٢.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٢٧٣ ، مجمع الزوائد ١ : ١١٢.

(٣) المحلّى ١١ : ٢٢١.

٢٣٢

هؤلاء المنافقين استطاعت السلطة الحاكمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ تخفي أسمائهم فنحن اليوم لا نعرفهم ، ولا ندري كيف اندسّوا بين المسلمين ، وربّما أيضاً كانوا من رواة الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا أعطينا القدسيّة والعدالة لجميع الصحابة ، فربّما نقرأ اليوم حديثاً ، ونأخذ بمحتويات متنه على أساس أنّها أحكام شرعيّة من الله ، وتكون في الحقيقة من أحد أولئك الذين أخرجهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسجد ، ربّما لا ندري ، وربّما الجواب في حديث حذيفة الآتي ذكره.

روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان قال : إنّ المنافقين اليوم شرّ منهم على عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وكانوا يومئذ يسرّون واليوم يجهرون (١).

روى البخاري في صحيحه أيضاً عن حذيفة قال إنّما كان النفاق على عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فأمّا اليوم ، فإنّما هو الكفر بعد الإيمان (٢).

وهذا يدلّك على أنّ حذيفة بن اليمان رضي‌الله‌عنه صاحب سر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على علم ودراية بأولئك المنافقين ، فهو يصرّح بأنّهم يجهرون بالكفر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولولا أنّهم كانوا من ذوي السلطة والنفوذ لما خشي حذيفة من ذكر أسمائهم.

روى مسلم في صحيحه ، عن قيس قال : قلت لعمّار : أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر عليّ ، أرأيا رأيتموه ، أو شيئاً عهده إليكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : ما عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئاً لم يعهده إلى الناس كافّة ، ولكنّ حذيفة أخبرني عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : في أصحابي اثنا عشر منافقاً ، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط ، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة ، وأربعة لم أحفظ ما

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٠٠.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٠٠.

٢٣٣

قال شعبة فيهم (١). وروى هذا الحديث معظم صحاح وسنن أهل السنّة ، وأوردناه مفصلا في بحث اغتيال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

هؤلاء الذين كانوا على رأس مؤامرة اغتيال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والانقلاب عليه. أيضاً من هم ، أين هم ، ما موقعهم اليوم في كتب الحديث عند أهل السنّة. هل هم من رواة الإسلام ونقله ، هل لهم روايات تتعلّق بالأحكام الشرعيّة يتعبّد المسلم بها ربّه ، وهو لا يدري أنّها ربّما تكون من وضع ذلك المنافق أو ذاك. وأنا لا أشكّ في أنّ أولئك الصحابة الذين تجرّؤا على التخطيط لاغتيال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكونوا لوحدهم ، بل كان لهم شركاء ، وكانوا أيضاً من المتنفذين بين اصحابهم وشركائهم ، والمؤثّرين في أتباعهم.

وهذا الصنف من الصحابة من المقطوع أنّنا لا نستطيع أنْ نأخذ عنهم ديننا ; لأنّهم لا يدعون إلى الإسلام ، بل يصدّون عنه. وبما أنّ التاريخ قد أخفى أسماؤهم ، فهم غير معروفين للمسلمين. فكيف يستطيع المسلم أنْ يميّز في أخذه لدينه عن أولئك من غيرهم. وهذه معضلة كبيرة ، المخرج منها أنْ يلتزم المسلم مع من أمر الله باتّباعهم والاقتداء بهم ; لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لن تضلّوا ما إنْ تمسّكتم بهما (٢) ، أي أنّ الأخذ من جميع الصحابة غير مأمون العاقبة ، بينما الأخذ من أهل البيت لا يمكن أنْ يؤدّي إلى الضلال ، فإنّهم سلام الله عليهم لن يخرجوكم من هدى ، ولن يدخلوكم في ضلال كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثُمّ إنّ هناك العديد من الذين أسلموا في مكّة قبل الهجرة ، كان في قلبهم مرض ، هذا المرض ، وهو الشّك والارتياب ، وبعد الهجرة إلى المدينة انقلب إلى نفاق ، ولإثبات وجود هذا النوع من الصحابة ، أقدّم بين يديك الأدلّة المفصّلة على ذلك :

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ : ١٢٢.

(٢) تقدم تخريج حديث الثقلين فيما سبق.

٢٣٤

قال تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إلاَّ مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ... ) (١).

الآية الشريفة تحدّد عدّة أصناف من الناس كافرين ، أهل الكتاب ، مؤمنين ، في قلوبهم مرض ، والآية مكّية نزلت في مكّة قبل الهجرة ، تكشف عن أربعة أصناف من الناس كانوا متواجدين في المجتمع المكّيّ بعد بعثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهؤلاء الأصناف هم ، الكافرون : كانوا كفار قريش ، وأهل الكتاب معروفون ، والمؤمنون هم : الذين آمنوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتّبعوه.

فمن هم أولئك الذين في قلوبهم مرض ، الذين كشفت عنهم الآية؟ هم قطعاً أولئك الذين كانوا أصلاً مرتابين ولم يسلموا إلا لمصالح شخصيّة ، ربّما يستطيعون الحصول عليها في فترة عزّ الإسلام.

فلربّما هاجر هؤلاء مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمّا استشرى النفاق ، كانوا من بين أولئك المنافقين في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد وفاته.

هذه حقيقة نوع من الصحابة ، فكيف نعتبر أنّ جميع الصحابة عدول بعد هذا البحث ، وهل نستطيع أنْ نأخذ ديننا عمّن لا ندري هل هو منافق أو مؤمن ، وهل يستطيع أنْ ينقل لنا ديننا من هو غير معصوم ، والله تعالى يقول : ( ... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢).

القضيّة واضحة ولا مجال للعطفة فيها ، فإذا نظر المسلم أنّه في هذه الحياة يعمل ليرضي ربّه وينال الثواب العظيم والنعيم المقيم ، فعليه أنْ يميط العصبيّة والجهل عن عقله ، وينظر للأمور بشكل عقلاني ، حتّى يكون مستعدّ لاستقبال

__________________

(١) المدثر : ٣١.

(٢) يونس : ٣٥.

٢٣٥

واستيعاب الحقّ ، فإنّه حتما سوف يصل إلى النتيجة التي فيها رضي الله ورسوله والأئمّة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

النوع الخامس من الصحابة : أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وممّن صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أزواج النبيّ ، فالزوجة صاحبة وردت آيات تخصّ معنى الصاحبة بالزوجة ، قال تعالى في سورة المعارج : (وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ) (١) ، قال تعالى في سورة الأنعام : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْ وهُوَ بِكُلِّ شَيْ عَلِيمٌ) (٢).

فمنهنّ من مدحها النصّ الشرعيّ واثنى عليها تمجيداً وتخليداً لمواقفها البطوليّة للإسلام في بداية الدعوة وأثناء مسيرة حياتهن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهنّ من هدّدها وحذّرها القرآن الكريم ، وكذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن في المحصلة كانت الدعوة الإسلاميّة مطلوبة من زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما كانت لغيرهنّ من الناس ، ولم ينزل أي نصّ يدلّ على وجوب اتباعهنّ والاقتداء بهنّ ، بل فرضت عليهنّ الدعوة الإسلاميّة الحجاب ، وحرمت عليهنّ الزواج بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والالتزام ببيوتهنّ.

ولذلك تعاملت النصوص الشرعيّة معهنّ كما تتعامل مع أيّ إنسان مسلم في ذلك الوقت ، قال تعالى في سورة الأحزاب : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لاَِّزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (٣).

وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لاَِّزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآْخِرَةَ

__________________

(١) المعارج : ١٢ ـ ١٣.

(٢) الأنعام : ١٠١.

(٣) الأحزاب : ٥٩.

٢٣٦

فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة مُّبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...) (١).

وعلى ذلك ، فبالنظر إلى الآيات الشريفة ، فإنّه ليس لمقام الزوجيّة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أىّ اعتبار إلا إذا كان مقترناً بالتقوى والاحسان والالتزام الكامل بأوامر الله ورسوله من قبلهنّ ، فمن خالفت منهنّ ذلك ، فإنّ العذاب مضاعف عليها ، وأمّا من أحسنت منهنّ واتّقت ، فإنّ الله قد أعدّ للمحسنات منهنّ أجراً عظيما.

أمّا أنّهن لسن كسائر النساء ، فنعم ، هذا صحيح ، ولكنّه مشروط في الآية بجملة « إنْ اتقيتن » ومن أهم شروط التقوى التي أمرن بها هي أنْ يقرن في بيوتهنّ ولا يخرجنّ إلا لحاجة قصوى ، ولذلك فإنّ حرمة مقام الزوجية لزوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات شقيّن اثنين.

الأوّل : علاقتهنّ بأنفسهنّ ، مع مراعاة هذا المقام ، فإذا التزمن بكلّ ما أمر الله ورسوله به ، واتّقين الله ، فأنّهن من المحسنات ، وأمّا إذا كان العكس ، أي مخالفة أوامر الله ورسوله ، فإنّ حقّ المقام يقتضي عند ذلك مضاعفة العذاب لهنّ.

وأمّا الشق الثاني : فهو كيفيّة نظر المسلمين لزوجات الرسول وفقاً لمقام الزوجيّة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه يجب على كلّ مسلم أنْ ينظر إليهنّ بحسب ما أمرت به النصوص الشرعيّة ، ومنها أنّه لا يجوز نكاحهنّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأيضاً اعتبرهنّ الله سبحانه وتعالى بمنزلة الأمّهات ، قال تعالى في سورة

__________________

(١) الأحزاب : ٢٨ ـ ٣٣.

٢٣٧

الأحزاب : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ...) (١) أي أنّ الشرع اعتبرهنّ أمّهات للمؤمنين إلاّ أنّ الفرق هنا بين الأمّ الحقيقيّة ، وهذه منزلة الاعتباريّة للأمومة ، أنّها تشبهها في بعض الوجوه ، وتختلف عن الكثير منها ، كالتوارث ، وحرمة النظر إلى وجوههنّ ، وعدم الخلوة بهنّ ، وغير ذلك من الأحكام المتعلّقة بأمّهات المؤمنين.

وبالمناسبة ، أحبّ أنْ أذكر بعض الروايات من كتب أهل السنّة ، والتي تبيّن سبب تحريم الزواج من زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته ، حيث كان هناك الكثير من المنافقين ينتظرون وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى ينكحوا نساءه من بعده ; لأمر ما في نفوسهم.

قال القرطبيّ في تفسيره : قوله تعالى : (وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) (٢) ، روى إسماعيل بن إسحاق قال : حدّثنا محمّد بن عبيد قال : حدّثنا محمّد ابن ثور ، عن معمّر ، عن قتادة : أنّ رجلاً قال : لو قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوجت عائشة ، فأنزل الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ... ) الآية.

ونزلت : « وأزواجه أمهاتهم ». وقال القشيري ، أبو نصر عبد الرحمن : قال ابن عبّاس : قال رجل من سادات قريش من العشرة الذين كانوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حراء ـ في نفسه ـ : لو توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتزوجت عائشة. وهي بنت عمّي. قال مقاتل : هو طلحة بن عبيد الله (٣).

قال السيوطيّ في الدرّ المنثور : أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما في قوله : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ...) قال : نزلت

__________________

(١) الأحزاب : ٦.

(٢) الأحزاب : ٥٣.

(٣) تفسير القرطبي ١٤ : ٢٢٨.

٢٣٨

في رجل همّ أنْ يتزوّج بعض نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعده ، قال سفيان : ذكروا أنّها عائشة رضي‌الله‌عنها (١).

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه قال : قال رجل : لئن مات محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأتزوجنّ عائشة ، فانزل الله : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) (٢) (٣).

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : بلغ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلاً يقول : إنْ توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوجت فلانة من بعده ، فكان ذلك يؤذي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فنزل القرآن : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ...) (٤).

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي‌الله‌عنه قال : بلغنا أنّ طلحة بن عبيد الله قال : أيحجبنا محمّد عن بنات عمّنا ، ويتزوج نساءنا من بعدنا ، لئن حدث به حدث ، لنتزوجنّ نساءه من بعده. فنزلت هذه الآية (٥).

وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة رضي‌الله‌عنه قال : قال طلحة بن عبيد الله : لو قبض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تزوجت عائشة رضي‌الله‌عنها. فنزلت : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ...) (٦).

وأخرج ابن سعد ، عن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم ، في قوله : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ...) ، قال : نزلت في طلحة بن عبيد الله ; لأنّه قال : إذا توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوجت عائشة رضي‌الله‌عنها (٧).

وأخرج البيهقي في السنن ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رجل من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : لو قد مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

__________________

(١) الدرّ المنثور ٥ : ٢١٤.

(٢) الأحزاب : ٥٣.

(٣ ـ ٧) الدرّ المنثور ٥ : ٢١٤.

٢٣٩

تزوجت عائشة أو أمّ سلمة ، فأنزل الله (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ...) (١).

وعلى العموم فإنّ موقف المسلمين اتّجاه زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو اعتبارهنّ بما اعتبرهنّ به الشرع الحنيف ، والموقف الآخر ، هو واقع كلّ واحدة منهنّ والتزامها وتقواها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن أوفت بكلّ التزاماتها من التقوى والاحسان والإقرار في البيوت كانت زوجته في الآخرة.

أخرج ابن سعد عن عطاء بن يسار أنّ النبيّ قال لإزواجه : « أيكنّ اتّقت الله ، ولم تأتِ بفاحشة مبيّنة ، ولزمت ظهر حصيرها ، فهي زوجتي في الآخرة » (٢).

قال السيوطي : أخرج الحاكم وصحّحه ، والبيهقي عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « يا عائشة ، إنْ أردت اللحوق بي ، فليكفك من الدنيا كزاد الراكب ، ولا تستخلفني ثوباً حتّى ترقّعيه ، وإيّاك ومجالسة الأغنياء » (٣).

وبالنظر لموقف كلّ واحدة منهنّ على حدة ، ومعرفة حقيقتها وحقيقة التزامها تتحدّد وجهة نظر المؤمن تجاهها ، وهي معرفة الحقّ من الباطل ، ومعرفة وفاءهنّ بعهدهنّ والتزامهنّ ، وعدم أخذ موقف متعصّب تجاه فكرة جامدة لا تتغير ولا تتبدّل ، بحيث تحجب المسلم عن اتّباع الفرقة المحقّة ، كما حصل بين عائشة أمّ المؤمنين ، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

هنا لابدّ من موقف للمسلم يحدّد وجهة نظره وحركة سيره في هذه الحياة ، ولذلك كان من الضروري معرفة مدى التزامهنّ وتقواهنّ ، ونعرف كلّ واحدة منهنّ ، هل هي من ذوات الثواب المضاعف إذا قرّت في بيتها واتّقت وأحسنت ولم تأت بفاحشة ، أو أنّها خالفت وخرجت ولم تقرّ في بيتها ، ولم تلتفت إلى التحذيرات القرآنيّة والنبويّة الشريفة ، وبالتالي يضاعف لها العذاب ، وهذا يشكّل

__________________

(١) الدرّ المنثور ٥ : ٢١٤.

(٢) الطبقات اكبرى ٨ : ٢٠٨ ، وعنه في كنز العمّال ١٢ : ١٤٢.

(٣) الدرّ المنثور ٣ : ٢٣٨.

٢٤٠